audio
audioduration (s) 27.5
32
| transcription
stringlengths 235
526
|
---|---|
خلاص... خلاص يا "وائل"... باينّها النهاية! آه! انت بتعملّي أنا الصوت دا يا "وائل"؟! يوه! أنا عارف إنك حذرتني من النباتات السامة وجحور التعابين ومن توظيف الأموال، بس ما قدرتش أقاوم يا أخي، ما قدرتش أقاوم! أنا ضعيف يا "وائل"؟! وجاهل وغبي |
|
وبخذل كل اللي حواليا، بس على الأقل، دمي كان خفيف! لأ برضه؟! طب اسكت بقى، اسكت ما أسمعش حسك! بقولّك، اسكت! طب على فكرة بقى، انت كورة، انت شيء! انت نسج من خيالي! انت مش حقيقي! أنا أحسن منك عشان أنا حقيقي، جسمي حقيقي، فكري حقيقي، فشلي حقيقي! عدم إدراكي وعدم قدرتي على الاندماج في المجتمع بشكل طبيعي برضه حقيقي! انت عملت إيه؟ هه؟ تقدر تقولّي عملت إيه؟ طبعًا ما تقدرش تقول |
|
لأنك كائن غير متكلم، يا فاشل، يا اللي ما تقدرش تتكلم زيي! هو فيه إيه يا لا؟! احنا سكتناله دخل بحماره؟! هي سجايري راحت فين؟! أعزائي المشاهدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم في حلقة جديدة، من برنامج "الدحّيح"! في يوم 6 سبتمبر سنة 1992، خلال جولة لمجموعة من الصيادين في غابات "ألاسكا"، يكتشفوا جثة شاب متحللة |
|
قديم خردة، كان بيستخدمه الصيادين كـShelter وقت العواصف، يخشوا فيه. الصيادين هيستغربوا شوية، لأن هذا الشاب اللي ميت مش من المنطقة! أو هكذا ظنوا يعني. وظنهم هيتأكد لمّا يعرفوا هوية الجثة، الجثة دي هتكون لشاب اسمه "كريستوفر ميكاندليس"، شاب عمره 24 سنة، صغنن، هيقرر، بعد ما يتخرج من الجامعة، إنه هيتبرع بكل مدخراته اللي أهله حوشوها في حياتهم! ويتخلى عن مستوى معيشته المرفه، ويقطع علاقته بالناس، ويعيش كرحالة في الطبيعة! "كريستوفر" اقتنع إنه لمّا يقرب للطبيعة هيقرب لنفسه، بعيدًا بقى عن |
|
هذا العالم المادي الاستهلاكي، اللي احنا عايشين فيه. ولكن "كريس" رحلته الرومانسية هتنتهي بموتة بطيئة ومؤلمة من الجوع على مدار أيام! بعد تسمم حصلّه لمّا أكل حبوب نبات ما ينفعش ياكلها. قصة "كريس" هتتحول لكتاب بعنوان Into The Wild، والمخرج "شون بين" هيحولها لفيلم بنفس الاسم سنة 2007، ومن بعدها، هتتحول هذه القصة إلى رمز، آلاف الجوابات هتتبعت لمؤلف الكتاب من شباب بيشكروه على إن القصة بتاعته ألهمتهم، وبيوعدوه إنهم هيهربوا من العالم الحديث هما كمان ويجربوا مغامرة "كريستوفر"، مئات الشباب |
|
بالفعل هيروحوا "ألاسكا" يزوروا الـBus اللي "كريستوفر" مات فيه، واللي الطريق ليه خطير وبيمر بنهر قاتل، نهر اسمه "تيكلانيكا"، لدرجة إن حراس الغابات هيقولوا إن 75% من عمليات الإنقاذ اللي تمت في المنطقة، ما بقتش لصيادين عايشين هناك، دي بقت لشباب من برة "ألاسكا" بييجوا عشان يزوروا الـBus، الشباب الحالم الملهم الجميل دا. واللي ما يعرفش ييجي منهم، يجرب المغامرة دي في بلده، زي المراهق "جوناثان كروم"، اللي هيموت سنة 2013 في غابات "أوريجون" الأمريكية، في محاولة لتقليد رحلة "كريس". لحد ما الحرس الـ |
|
وطني هيقولّك، "يا جماعة، ارحموا أهالينا! احنا هنغيّرلكم، هنشيلكم الـBus من هنا." ونقلوه من المكان الخطير اللي كان موجود فيه في الغابة. "ألاسكا" خدت القرار دا بعد حادثة غرق لزوجين سنة 2019، وهما بيحاولوا يعبروا النهر للـBus! تخيل، يا عزيزي، تروح "ألاسكا" عشان تلاقي شغفك في Bus خردة! "بأعشق كاوتشاته!" الكاتب "كريج ميدريد" قال إن فيه حاجة غلط في قصة "كريستوفر" دي، يعني هي قصة تراجيدية آه، ولكن مش بالضرورة خالص إن صاحبها يستحق الشهرة، أو إنه يبقى مصدر إلهام! لأن في رأيه، دا شاب غني وساذج |
|
اتعامل برومانسية مع طبيعة لا ترحم، ومات بسبب جهله بقواعد الطبيعة دي. "بصراحة يا (أبو حميد)، أني كنت شايف كدا، بس كنت مكسوف أقولّك!" ليه، يا عزيزي، مكسوف مني؟ الله! أنا عمري، يعني، هزّقتك عشان انت قُلت حاجة؟! أنا طول عمري بشجعك إن انت تسأل وتفكر وتعمل كدا. "انت يا (أبو حميد)؟! دا أنا لو أطول احشرك في الـBus مع الواد داهو، كنت حشرتك!" بينما الكاتب العلمي "ستيف سيلبرمان" وجّه مناشدات للمراهقين يقولّهم، إن قصة (كريستوفر) دي انتهت نهاية مأساوية، تستحق إننا نبقى حذرين في التعامل مع الطبيعة، وليست |
|
قصة رومانسية متهورة! جايز، يا عزيزي، "كريستوفر" كان شاب غني وحالم، ما خدش الوقت الكافي لفهم ودراسة الطبيعة اللي هيتعامل معاها، ولكن دا ما كانش الحال مع الناشط البيئي والمخرج "تيموثي تريدويل"، اللي قضى 13 سنة بيدرس وبيوثّق، حياة دببة، الـGrizzly Bears في محمية في "ألاسكا"، "(أبو حميد)، هو أي حد بيتزنق في أي حاجة، بيقوم رايح (ألاسكا)؟! (أبو حميد) انت بتحمّل (ألاسكا)؟ كل ما يبقى معاك معلومة، تودّيها (ألاسكا) وتجيبهالي!" حلو، يا عزيزي، الـ"افيه" دا! "تيموثي" بعد عشرات الأفلام اللي صنعها عن علاقته الودية مع الدببة، هو وصديقته |
|
سوف يتم افتراسهم سنة 2003! على إيد دب في المحمية نفسها! المخرج الشهير "فيرنر هيردزوج" اللي هيعمل وثائقي عن الحادثة دي، بيقول إن كل الفيديوهات اللي صورها "تيموثي" ووصف فيها الدببة إنها حنونة وذكية، "فيرنر" لمّا راجعها بعين مخرج، ما شافش فيها غير دببة بتتحرك بلا مبالاة، عينيها لا فيها حب ولا رحمة ولا مشاعر من الأساس! "فيرنر" وصف دا وقال، "أنا شُفت بعينيا في عيون هذه الدببة إن الطبيعة لا هي رومانسية زي ما شافها (تيموثي)، ولا هي حتى متوحشة لا هي رومانسية زي ما شافها (تيموثي)، ولا هي حتى متوحشة و |
|
بتكرهنا وضدنا، إنما ببساطة، هي لا مبالية Uninterest." الدب ما خانش "تيموثي"، ما فيش خيانة، هو أكله، ببساطة شديدة، لأنهم كانوا شهر أكتوبر، وكل اللي شاغله إن أكتوبر وقت تخزين الأكل قبل الشتا، وكل اللي شافه في "تيموثي" حتة لحمة بتتحرك، شوية دهون هتزيد وقت البيات الشتوي! مش صديق وعشرة سنين وأخويا وحبيبي وجدع، وابن والدي اللي ما جابوش والدي! "Meal، حاجة تدفّيني وقت الشتا!" هنا، يا عزيزي، يجب إن احنا نقف وقفة، ليه فيه ناس زي "تيموثي" و"كريستوفر" ممكن يسخروا حياتهم |
|
للتواصل مع الطبيعة؟! مش تواصل علمي أو حذر زي علماء النباتات والحيوان ما بيعملوا، وإنما بيتواصلوا مع الطبيعة تواصل رومانسي، "تيموثي" أعلن كتير إن الحياة مع الدببة أحسن من الحياة مع البشر! دي، يا عزيزي، سمة شكاءة في كل الناس! أنا لو بأشتغل نجار، هأشوف الخشب أحلى من البشر! أي حد، يا عزيزي، في أي موضوع يقولّك "اللي أنا بأعمله دا أحلى من البشر، كرة السلة أحلى من البشر!" "كريستوفر" كمان كتب في مذكراته إنه وجد ذاته الحقيقية في الطبيعة، اللي ما عرفش يلاقيها في المدينة المتحضرة! في النهاية، كانوا ضحايا للطبيعة اللي بتعبّر عن |
|
نفسها، في صورة نبات سام، أو دب بيجهز لبياته الشتوي. قد تبدو ليك، يا عزيزي، في سرديتك الرومانسية "دي حوادث نادرة!" ولكنها في الواقع، روتين يومي ممل بيحصل كل يوم في الغابة! كل يوم في الغابة فيه فريسة وفيه مفترس، فيه نبات سام وفيه حيوان في موسم التزاوج، وفيه حيوان في موسم البيات الشتوي، وحيوان في موسم التكاثر، فيه ليلة! فيه فريسة وفيه مفترس كل يوم، لو خدتك، يا عزيزي، في رحلة بالزمن، هتلاقي إن علاقتنا مع الطبيعة كبشرية |
|
ما بدأتش كدا خالص! عمرنا يا عزيزي، ما كان عندنا أي رومانسية للطبيعة! قد تظن إن أنا بأجهز لخروج درامي، الحقيقة ظنك في محله، أنا خارج خروج درامي، وراجع رجوع عادي! العلماء لاحظوا إن بنهاية العصر الجليدي، وعلى مدار آلاف السنين، بدأ التنوع البيولوجي في الأرض يقل، 178 فصيلة من الثدييات انقرضت، ما بين 52 ألف سنة لـ9000 سنة قبل الميلاد! التفسير اللي كان موجود لفترة كبيرة، إن دا حصل بسبب التغيرات المناخية، ولكن سنة 1900 |
|
66 هيقدّم عالم الحفريات "بول إس مارتن" نظرية الـOverkill Hypothesis، اللي بتقول إن كل هذه الثدييات ماتت عن طريق كائن واحد بيتفرج على الشاشة دلوقتي! النظرية دي، اتوصفت بإنها دمرت التصور الرومانسي، اللي بتقول إن أجدادنا عاشوا في سلام مع الطبيعة، ورغم إن النظرية محل جدل، إلا إن اللي بيتفق عليه العلماء إن الإنسان بدأ علاقته مع الطبيعة بعداوة وقتال! باعتبارها مكان مُصمَّم |
|
عشان يقتله! والنجاة الوحيدة كانت في الحذر من الطبيعة، قتل كائناتها قبل ما يقتلوه، وأحيانًا، لمّا عجز الإنسان عن قتال الطبيعة، قرر إنه يعبدها! فظهرت آلهة الغابة زي "آجا" في "أفريقيا" إلهة عكس عليها البشر الصفات اللي كان نفسهم يشوفوها في الطبيعة، فخلّوها حنينة وشافية وراعية! يمكن الطبيعة تسمع صلواتهم وتحن! الـ"بروفيسور (مارك مازلين)" بيقول إن هذه العداوة هتتغير، لمّا الإنسان يلاقي إن الحيوانات اللي حواليه عمّالة تنقرض، ومهنة الصيد بتاعتنا ما بقتش مضمونة، وتنسيقها |
|
أقل في الثانوية! ساعتها، الإنسان هيتجه للزراعة. لو تأملت، يا عزيزي، في حاجة زي الزراعة هتكتشف حاجة مدهشة جدًا، لو بصيتلها بشكل معيّن، هتلاقيها صفقة Deal، انتقال من حالة العداوة مع الطبيعة، اللي عايزة تقتلنا كل يوم، لوفاق، ترمي البذرة بتاعتك، وتحطها في ظروف معيّنة، وتستنى إما الطبيعة تطلعلك الثمرة. فجأة، بقى محتم عليك إن انت تاخد وتدّي بشكل ودي مع الطبيعة! تراعيها بقى، تسقيها ميّه، تحافظ عليها، وهي تدّيك المكافأة، علاقة "نفّعني، أنفّعك" |
|
و"توتو على كبّوته"، و"البُكا على راس الميت"! "(أبو حميد) دا كلام الطبيعة؟!" لا، يا عزيزي، دا كلام المجاز! حسب كلام "مارك"، العلاقة دي نفعت جدًا، لدرجة إن 96% من الثدييات على الأرض، حاليًا يا إما بشر، يا إما Live Stock! أي حيوانات بيرعاها الإنسان عشان الزراعة، الإنسان، يا عزيزي، لمّا قرّب للطبيعة من الزراعة لقاها مش عدوانية ولا همجية ضده، زي أيام الصيد والكحرتة، أيام، يا عزيزي، الصيد وكلوتّات الصيد! ولكن، في حالة الزراعة هناك نظام، تعاقب فصول وأمطار، ومحاصيل، كل واحد له شروط عشان يتزرع. عقد |
|
مُكوّن من بنود فيه طرفين بيفيدوا وبيستفيدوا، وفجأة كدا، اللمبة نوّرت عند الإنسان، وقالّك "طب ما الطبيعة مش وحش كارهني أهو! دا كيان له قواعد وقوانين واضحة." لمّا نخش القرن الـ18، أو ما يُسمّى بعصر التنوير، الإنسان، ما شاء الله، تبارك الله عليه، هيسيب الغيط وقوانينه، ويبدأ يفكر بشكل علمي أكتر، هيعرف قوانين "نيوتن" والميكانيكا، وبرضه هيلاقي الطبيعة برة الغيط مليانة قوانين، ويحقق اكتشافات علمية، كلها مبنية على فهم الإنسان لقوانين الطبيعة اللي حواليه، الاكتشافات العلمية دي هتنقل البشر من الزراعة للـ |
|
صناعة، بطاقة الفحم والبخار. وبينما الإنسان كان نشاطه الأساسي الزراعة، ما بيفارقش الغيط ودايمًا لازق في الطبيعة، الصناعة يعني مصانع يعني مدن بتتبني حوالين المصانع، في أراضي جرداء، بعيد عن الريف! لمّا الإنسان ساب الغيط وعاش في المدينة، وسط المَكَن والدوشة والدخان والأسمنت، بدأ، زي ما تقول كدا، يحن تاني للطبيعة لفحة هوا، شلالات الغابة، نجوم الليل، بيحن، يا عزيزي! أصبحت الطبيعة الآن الـEx، اللي بتفتكر كل أيامها الحلوة وتنسى إنها كانت بتبهدلك |
|
وهنا، بدأت تظهر حركة في الفن والأدب والرسم، اتسمت بالحركة الرومانسية، حركة بتقول إن الثورة الصناعية دي كئيبة ولونها رمادي! لون الدخان والعوادم، الدوشة والزحمة، "قرفنا! رجّعولنا الطبيعة." أهم واحد في هذه الحركة هو الفيلسوف "جان جاك روسو"، اللي هو كان قاعد مرة بيقرا "جُرنال" سنة 1749، هيلاقي قُدّامه في الـ"جُرنال" سؤال مهم، هل التقدم الصناعي والعلمي اللي بيحصل دلوقتي خلّى أخلاقنا أحسن؟ خلّانا قريبين كدا من نفسنا؟ والجريدة |
|
قرائها إن هما يبعتوا مقالات، "أرجوكم فسرولنا، فهمونا، ليه الناس محبطة وبيحنوا للغيط والزرع؟! بينما الرأسمالية، يا حبيبة قلبي، شايلانا وشغالة وماشية لوز اللوز!" "روسو" هيكتب مقال، هيتحول لفلسفة كاملة! بيقول إن أحسن حالة عاش فيها البشر لمّا كانوا قريبين من الطبيعة. وسماها State Of Nature، تصحى، تزرع أرضك، تحلب جاموستك، تعدّي على جارك، تقعد معاه، وترجع بيتك، بينما في المدينة، كلنا سكننا جنب بعض، وبدل ما كان كل واحد على راحته، بقى فيه دلوقتي |
|
"إتيكيت" لكل حاجة، للشغل وللغزل ولركوب الحصان! بقينا نلبس "يونيفورم" للمصنع، ولبس للحفلة، ولبس للحرب، كل واحد بدأ يقارن نفسه بالتاني! من ناحية المُرتّب واللبس والمكانة، وبالتالي، الناس بدأت تنفسن، أخلاقها باظت وما بقتش راضية! وبدل ما نبص للسما الزرقا اللي فوقينا، بقينا نبص للي في إيد غيرنا! وفوقوا بقى! فوقوا! فوقوا! فوقوا! فوقوا! "روسو" ضرب مثل بجدال شهير في زمنه، حوالين الـ |
|
سكان الأصليين للأمريكتين، وإن التقارير الأوروبية اللي وصفتهم في القرن الـ16، قالت إن هما كانوا ناس بسيطين جدًا ماديًا، وقريبين أكتر للطبيعة، مجتمعاتهم متماسكة ومتعاونة، وأكثر سلامًا وسعادة من "أوروبا"، ولكن بعد قرون من وصول الأوروبيين، اتمدّنوا وبقوا شبههم! الراجل الأبيض دا، يا عزيزي، زي دور البرد، يجيلك من حيث لا تتوقع! يخلّيك تعيس زيه، ومشاكلك زيه، عمر ما كان الواحد بيسمع عن مشاكل الوجودية! إيه اللي جاب المشاكل الوجودية؟ أكيد الاستعمار! وبقى الهندي يقتل أخوه الهندي بسبب إزازة كحول، |
|
ولّا شوية مجوهرات! حاجات ليها مكانة عندهم، ما كانش ليها معنى زمان. لو كانوا عايشين في الطبيعة اللي فيها الجوهرة الثمينة ما لهاش أي استعمال وظيفي في حياتهم اليومية، وبالتالي، ما لهاش أي قيمة! "روسو" هيحول الطبيعة لأول مرة من حيز مكاني، وشوية موارد بنحاول نفهم قوانينها ونسخّرها، لمنظومة قوانين، مش بس هتسهّل حياتنا، وإنما لو مشينا معاها، هتحسّن أخلاقنا! حياتنا هتبقى أحسن، لأنها هتكون أبسط، ولو مشينا ضدها، أخلاقنا هتبوظ! الأنثروبيولوجية "ماري دوجلاس" بتقول إن بعض الناس هـ |
|
تبدأ تشوف في الطبيعة منظومة قوانين مبهرة في دقتها، أحسن من القوانين اللي بتحطها الحكومات. وفجأة، بيقرر الإنسان إن مسطرة قوانينه بتاعت الصح والغلط، في تفاعله مع البشر حواليه، اللي هي أساسًا مسطرة أخلاقية، تتحول إلى مسطرة الطبيعي واللي مش طبيعي، يعني انت لمّا تكون متخانق مع واحد، وييجي حد يقولّك "هو الدين بيقول إيه؟" أو "القبيلة أو الحكومة بتقول إيه؟" بقى السؤال دلوقتي، "هل السلوك دا طبيعي، ولّا مش طبيعي؟" خُد بالك، يا عزيزي، إن وصف شيء طبيعي أو مش طبيعي، حاجة ما لهاش ماسكة، وهتتغير على مدار العصور |
|
زي ما اتغيرت المواقف من العنصرية مثلًا، زواج الأعراق المختلفة كان حاجة غير طبيعية، ما انت هتقولّي بقى طبيعي ومش طبيعي، هقولّك، أهو، اتفضل شوف! عشان كدا، تم وصف منظومة الأخلاق دي بإنها Mercenary Ethics، منظومة أخلاق مرتزقة، ممكن أي حد يستلمها ويقيّفها، عشان يظبّطها على مزاجه! ويساند أي قضية مهما كانت! والإنسان كل ما زاد بُعده عن الطبيعة، وعاش في مدن أسمنتية متأمنة على بعد آلاف الأميال من الغابات، وكل ما بقت علاقته بالحيوانات إنه شايفها في أقفاص |
|
مرمية في حديقة الحيوان! كل ما بينسى اللي كان جدوده بيشوفوه كل يوم، الطبيعة، يا عزيزي، في الحقيقة متوحشة، بحيواناتها بأعاصيرها، اللي حصل إن مع التمدن، نزعة الإنسان الرومانسية، مش بس تخلّي الطبيعة حبيبة الإنسان البعيدة، اللي لمّا نوصلّها، حياتنا هتتحسن وهتبقى أفضل، لأ، دي كمان حبيبة احنا غلطانين في حقها! القرن الـ18، اللي بدأت فيه هذه النزعة الرومانسية في التعامل مع الطبيعة، كان هو نفس القرن اللي الإنسان بدأ فيه يعرف إنه بدأ يدمر موارد طبيعية مش بتتجدد. العالم "جورجيس لويس" هيقول |
|
سنة 1778، إن استخراج المعادن وقطع شجر الغابات وقتل الحيوانات، عشان خاطر التطور الصناعي، دا أذى لموارد مش هترجع، وبعدها الكوكب هيقفل ويجيب دُرَفه! ودا، يا عزيزي، خلّى علاقتنا بالطبيعة مش بس رومانسية، ولا كونها مصدر للقواعد والأخلاق، وإنما علاقة مليانة بالشعور بالذنب! واسألني، يا عزيزي، على العلاقات دي، اسألني! العالم "جيمس لافلوك"، صاحب نظرية الـGaia Hypothesis، اللي بتقول، إن الطبيعة بكل عناصرها، بشر وحيوانات ونباتات |
|
عبارة عن منظومة واحدة، كأنها كائن واحد حي. وهيقول، إن إحساس الإنسان الحديث بالذنب تجاه الطبيعة، وإحساسه الشديد بالرومانسية تجاهها، اللي عززه نمط حياة مُصمَّم بعناية، هذا النمط يخلّي الطبيعة تبدو "كيوت" وبسمسم! وبلا أي مخاطر، ولو شافتك هتاخدك بالحضن وهتقولّك، "انت كنت فين يا ابني؟! اترمي يا حبة عيني في حضن الـMother Nature." كل دا حوّل مشاعر بعض الناس ناحية الطبيعة إلى المشاعر تقديس! وإحساسنا بهذا الذنب اترجم في الخيال الجمعي السينمائي، يعني |
|
مثلاُ، فيلم End Game، بيبيد "ثانوس" نُص سكان الكوكب باعتبارهم Parasite! تكاثرهم هيدمر الكون، هيدمر الكون كمان مرة! وفي الفيلم، بعد المدبحة، بيتفاجئ الناس إن الطبيعة بالفعل بتتعافى، والدلافين بتلعب والسما بقت أنقى! ودا اتحقق بالفعل في عالم الواقع، مش بس في عالم "مارفل"! الفيلسوف "ألين ليفونيفيتش" بيقول، إن أول ما الكورونا فرضت علينا الحظر، ظهرت تصريحات بتعبّر عن نفس الفكرة، إن البشر لمّا ريّحوا وقعدوا في بيوتهم، الطبيعة ارتاحت! ابتدا كمان يبقى فيه تصريحات كتيرة من ناس مهمين في المجتمع |
|
بتقول أد إيه اللي حصل دا كويس للطبيعة! كويس للبيئة، كويس للبيئة الأم، كويس لكوكب الأرض! وانتشر "ميم" مشهور على الإنترنت وقت الكورونا بيقول، Earth Is Healing, We Are The Virus. "الكوكب بيتعافى، احنا كبشر الفيروس الحقيقي، مش الكورونا!" في دراسة اتعملت في Simon Fraser University، بعنوان Environmental Romanticism، بتقول، إن تصورات ناشطي البيئة بقت رومانسية جدًا، لدرجة إنها بتصور الأرض في حالتها المثالية كمكان خالي من البشر! التصور دا ما بقاش إن احنا نحافظ على |
|
موارد الطبيعة، عشان احنا نعيش، إنما الطبيعة تحولت إلى كائن حي بيتجرح وبيتألم، ولازم هذا الكائن يعيش حتى لو على حسابنا! حتى لو احنا اللي هنموت! ورغم إن الكورونا هي فيروس بينتشر، وبينما الفيروس كائن بيمارس نشاطه الطبيعي، والجراد اللي بيدمر النباتات برضه بيمارس نشاطه الطبيعي، والأسد اللي بياكل الغزالة برضه بيمارس نشاطه الطبيعي، ما جتش على "قرمط" يعني! تنصبولي أنا المحكمة؟! بصراحة يا عزيزي، ما أنكرش إن احنا أكتر كائنات أذت الكوكب، وطبعًا لازم نرشّد من استخدام الموارد وندوّر على بدائل أنضف للطاقة، لكن من حيث المبدأ، مش |
|
لازم نبقى قاسيين على نفسنا، مش لازم نبقى عايزين بشر يموتوا عشان الطبيعة تتصلّح! احنا بنعمل اللي أي كائن حي بيعمله بنـSurvive! آي نعم بنحاول نـSurvive بساعات "روليكس" وفِلل في "الساحل الشمالي" وطائرات خاصة وكل هذا الكلام، ولكن يعني، You Get The Point، يا عزيزي! وبعدين، مش احنا يعني أعقل كائنات في الكوكب؟ بنتدلع يا سيدي، الله! عزيزي، المشاهد، أنا عايزك تاخد بالك من ملاحظة مهمة جدًا، وهي إن أغلب الملاحظات الرومانسية الحالمة |
|
اللي ظهرت بعد الكورونا، قالها ناس من طبقات عالية أو غنية! زي "دوكي تيورك"، أو صحفيين ونشطاء من طبقات فوق المتوسطة، ناس يعني، لو مش شبعانة، فهي مش جعانة. ونسبة كويسة من المغامرين اللي اتكلمنا عنهم في بداية الحلقة، من عائلات Well-Off مستقرة ماديًا، زي "كريستوفر"، "ليفونيفيتش" بيقول في كتابه، كل ما الشخص بيعيش في دولة متقدمة، وهو آمن من المجاعة ومن الخطر، كل ما تصوراته عن الطبيعة بتكون متطرفة في رومانسيتها. عشان كدا مثلًا، بنلاقي ناس بترفض لقاحات الكورونا! الحملات دي بتظهر في الدول المتقدمة، اللي فيها |
|
الناس بيطلبوا علاجات طبيعية مش صناعية، كتير من الستات في العالم المتقدّم بتختار الولادة الطبيعية، أو الولادة الـNatural في الميّه، لأنها مطمنة إن فيه نظام صحي قادر وقوي يتصرف لو فيه حاجة غلط حصلت، بيقول الكاتب كمان في كتابه إنه سمع عرض من صحيفة الـ"نيويوركر"، للقبيلة دي في "بيرو"، وعن أد إيه حياتهم طبيعية بدون أي تدخل صناعي، دا مخلّيهم أكثر صحة وسعادة، ولكنه بقى، يا عزيزي، لمّا راح هناك، لقى معاهم هواتف محمولة وكهربا وأجهزة |
|
كهربائية، دا ناقص يبقى معاهم IPod، ولمّا سأل المحليين، قالّهم، هل هما مبسوطين بالكهربا، حسب وصفه، يا عزيزي، بصّوله كأنه عبيط! قالوا، "أكيد مبسوطين! على الأقل ما فيش ضلمة بالليل، ونقدر نشوف لو فيه خطر جاي." ما قالوش بقى، "وأنا النور بيعطّلني عن الطبيعة، وعن حبي للنجوم وعن اختلاطي بالأشجار." "عايزين يا عم نشوف الوحوش اللي جاية!" والله، يا عزيزي، الرأسمالية دلّعتك! "(أبو حميد)، انت لهجتك اتغيرت!" ما أنا قبضت، يا عزيزي، بس، فتلاقيني في أول الشهر رأسمالي، في آخر الشهر شيوعي متطرف! الفرق الرومانسي بين عرض الـ"نيويوركر" |
|
والواقع، هو دا، يا عزيزي، اللي بيتسمى بتسليع الطبيعة، هنا احنا مش بنقرب بشكل رومانسي للطبيعة، احنا بنحولها لـAdventure، Discovery، خدمة أو سلعة استهلاكها بيكسر الملل والروتين، اللي بتعملهم الحياة الحديثة فينا. عشان كدا، القبيلة دي ما اتشافوش كأفراد بيعانوا ومحتاجين تكنولوجيا، وإنما Gallary لناس Excotic مش شبهنا! ناس نروح نتفرج عليهم ونقول، "Wow! حاجة (أوريجينال) خالص!" زي ما كان، يا عزيزي، الغرب بيقعد يتفرج علينا كدا في الـExpo بتاعهم، "إيه دا، شرقيين! Wow!" انت عارف، يا عزيزي |
|
إن في أحد الـ"إكسبوهات"، في "فرنسا" أظن، كان هناك ليلة دُخلة، كان المواطنين الفرنسيين يروحوا يتفرجوا "إيه دا؟! دا العرب عندهم حاجة اسمها ليلة الدخلة! إما نروح نتفرج! Oh!" احنا، يا عزيزي، مش مدركين إن احنا شايفين الناس دي من ورا إزاز الحياة المتقدّمة، منظمة Eat Lancet Commission لمّا قدّمت للعالم الـUniversal Diet، نظام غذاء مثالي يقرّبنا للطبيعة، بعيد بقى عن أي أكل مُعدّل وراثيًا، بالتحليل تم اكتشاف إن أكتر من مليار إنسان في العالم، أفقر من إنهم يجيبوا مكونات هذا الطعام! و25% بس من سكان الـ |
|
هند وجنوب "آسيا"، هما اللي يقدروا يتحملوا تكلفته! ودا، يا عزيزي، لأن كل البدائل الغذائية اللي بيتم تقديمها باعتبارها صديقة للبيئة، لا يتحملها إلا الأغنياء! يعني على حسب إحصائية سنة 2019، فنُص جالون من لبن الصويا سعره يتعدى الـ4 دولار، بينما الكمية نفسها من اللبن البقري سعرها 2 دولار! فحتى الإنسان اللي قرر يتماشى مع الطبيعة ويبقى Vegan، آخره هيجيب قرطاس طعمية، مش هيعرف يجيب أفوكادو! "ألين" بيقول إن فكرة رومانسية الطبيعة بتخلق إحساس |
|
بالذنب زي ما قُلنا، ولكنه إحساس مُوجّه بالكامل للوجهة الغلط، على حسب رأيه، دوَل الجنوب والسكان الأفقر هم الأكثر معاناة، عندهم تغير مناخي وتصحر ومجاعات، بينما أهم الكائنات اللي بتعمل دا وتستحق الذنب، هي الكيانات الاقتصادية العملاقة! الدول المتحضرة هي اللي تدفع! على حسب الـCarbon Majors Report، فـ71% من الانبعاثات اللي صنعت الاحتباس الحراري، مصدرها لا أنا ولا انت، يا عزيزي، وإنما أنشطة 100 شركة، أبرزهم ExonMobil وShell وChevron، وكانت حماية البيئة |
|
الأمريكية أصدرت تقرير سنة 2001، إن أهم الأرباح في مجال البيئة واللي تخطت الـ45 مليار دولار سنويًا، ما جتش من أنشطة جماعات البيئة، ولا الحلول الفردية بتاعت الـ"شاليموهات"! وإنما جت من فرض ضرايب على الشركات الكبيرة، زي ضرايب انبعاثات الكربون والتلوث، وكمان بدأت تحفز الشركات بمبادرات، زي شركة Godrej اللي بتدير جنب نشاطها أكبر مزارع لشجر المانجروف، دا موجود في "مومباي" وبيمتص أكتر من 6000 طن كربون. كل دي، يا عزيزي، حلول مُوجّهة للكيانات الاقتصادية، اللي |
|
مسئولة عن التلوث بشكل أكبر من الجميع. ما تحاولش تقنعني إن "أحمد" اللي في "حلوان"، لمّا يشرب من "شاليمو" ورق، هينقذ البيئة! اتشطر، يا عزيزي، على اللي بيدّيله الـ"شاليموه" الورق في كُباية بلاستيك! أيوة، يا عزيزي، الكيانات الاقتصادية الشركات الـMultinational، خُد بالك، يا عزيزي، إن أكبر مصلحة لهذه الكيانات الاقتصادية، إنها تحول الطبيعة لفكرة رومانسية كل واحد ينفّذها بشكل فردي، كلنا كأفراد لازم نغرق في إحساس فردي بالذنب تجاه البيئة، وإحساس جماعي عدمي بيكره الإنسان، في كل زمان وكل مكان! بدل ما نبص للكيانات دي بشكل جماعي |
|
ونطلب منها إنها تتحمل هذه المسئولية! كل، يا عزيزي، ما تزيد الرومانسية، كل ما يزيد إحساسنا بالذنب، يفضل "أحمد" في "حلوان" شايل ذنب مش ذنبه، دا ذنب الشركة اللي عملت الكيس أساسًا! ورمت مخلفاته في أماكن المفروض ما يترميش فيها! في النهاية، يا عزيزي، الطبيعة ليست حبيبة رومانسية، وإنما حيز مكاني وموارد مستخلفين عليها. بقاءنا مرهون بالحفاظ عليها، وتدميرها مش ناتج عن إننا مخلوقات طفيلية، احنا مخلوقات بتكافح للبقاء زيها زي كل المخلوقات. الحقيقة، يا عزيزي، إن المسئول عن هذا الكلام هي كيانات أكبر مننا، هي |
|
اقتصادات بتُمثَّل في شركات، وبتُمثَّل في حكومات غنية وعاشت فترات ازدهار، وعندها ما يكفي لشعوبها إنهم يعيشوا وينبسطوا ويـHave Fun وأبعد ناس عن تجربة مواجهة الطبيعة وجهًا لوجه! دا، يا عزيزي، مش بيقول إن احنا نهمل تعاملنا مع الكوكب، ونعامله بقى باستهزاء ونستهتر، ونرمي اللي احنا عايزينه وناكل اللي احنا عايزينه، وكل هذا الكلام، ولكن برضه مش لازم يبقى قصاده هذا الحل الـ"راديكالي"، والتصور المتطرف في رومانسيته دا، لدرجة إن احنا نحاول نلغي الإنسان من الكوكب! وإنما الحل إن احنا |
|
نعيد توزيع الأدوار والمسئوليات الخاصة بالكيانات الكبيرة اللي فعلًا لو أثرنا فيها هنساعد البيئة، الحياة مش هتتحسن، لمّا نروح نعمل Camp Outdoor في الغابة! الحل بإننا نغيّر طرُق الإنتاج وإدارة الموارد. في النهاية، يا عزيزي، دا أيضًا لا ينكر مجهود الناشطين في هذا المجال، لأن فعلًا احنا لمّا بقى عندنا توعية، بقينا نضغط على هذه الشركات إن هي تغيّر من ممارساتها، فالملخّص، يا عزيزي، إن كل الناس حلوة وكل الناس جميلة، طول ما احنا بنحاول وبنسعى دايمًا، إن حياتنا |
|
وحياة الناس اللي حوالينا تكون أفضل، ونحط بقى مع حياة الناس اللي حوالينا الحيوانات والنباتات وكل دُول إن شاء الله. أخيرًا وليس آخرًا، يا عزيزي، ما تنساش تشوف الحلقات اللي فاتت، تشوف الحلقات اللي جاية، ننزل نبص على المصادر، ولو احنا على الـ"يوتيوب"، نشترك على القناة، أرجوكم |
README.md exists but content is empty.
- Downloads last month
- 4