surah_name
stringclasses 113
values | revelation_type
stringclasses 2
values | ayah
stringlengths 2
1.15k
| tafsir_book
stringclasses 84
values | tafsir_content
stringlengths 0
644k
|
---|---|---|---|---|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) | { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ } النفوس النفاثات أو النساء السواحر التي يعقدنا عقدا في خيوط وينفثن عليها والنفاثة المبالغة في النفث وهو النفخ مع ريق وقيل بلا ريق فهو صفة مبالغة امرأة نافثة والنفاثة والجمع النفاثات وخص النفث وكون النافث نساء إشارة الى بنات لبيب فإنهن سحرن معه. \* { فِي العُقَدِ } جمع عقدة متعلق بالنفاثات وقيل النفث في العقد كناية عن إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حلها قال القاضي عرف النفاثات في العقد لأن كل نفاثة شريرة بخلاف كل غاسق وحاسد يعني لان الغاسق يكون الشر في بعضه دون بعض والحاسد إذا لم يعمل بمقتضي الحسد لا يجاوزه شره والحسد جائز اذا كان بمعنى تمني حال خير لا محبة زواله والصحيح جواز النفث في العقد على سبيل الخير وجواز الرقي الشرعية. وعن عكرمة لا ينبغي النفث ولال المسح ولا العقد بامره صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من خدعهن الناس بالسحر او من اثمنهن او من ان يصيبه ضرر السحر وهو الظاهر او الكل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) | النفوس النفاثات فيشمل نفوس الرجال والنساءِ وزعم بعض أن المراد بنات لبيد إِذ سحرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خصوصاً ويلحق بهن غيرهن وليس كذلك، والنفث يكون من الرجال والنساءِ فهو أولى لعمومه بخلاف من قدر النساءِ النفاثات فإِنه مختص بالنساءِ وأنه أنسب بالواقع فإن المشهور أنه سحره رجل ويقال أعانه بعض النساءِ ولأَن السحر من النفوس الخبيثة فتقدر النفس وإذا قدرنا النفس فلا تغليب كما زعم بعض أن المراد هنا العموم للرجال والنساءِ وأن النساء غلبن هنا على الرجال كما يغلب جمع الذكور على جمع الإناث فى الصفات إلاَّ أن أراد قائله بالتغليب أنه أُريد النساء وأنه لم يذكر الرجل لأنهن أعظم سحراً، والنفث النفخ على ريق قليل وقيل بلا ريق وأما مع ريق فثفل وذلك جائز فى الصلاح كما كان - صلى الله عليه وسلم - ينفث على أهله إذا اشتكوا بالمعوذات فالجمهور من الصحابة وغيرهم على جواره وكره عكرمة النفث والمسح والعقد وأنكر جماعة الثفل والنفث وأجازوا النفخ بلا ريق، ويروى أن لبيد بن الأعصم وبناته لعنهم الله سحروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل شيئاً ولم يفعله وأنه أتى أهله ولم يأتهن ولا يقدح هذا فى النبوة لأنه حال الوحى وإقامة الحجة والتبليغ حاضر العقل وهذا أمر حادث شاذ وما هو إلاَّ كمرض شديد ونوم، وتكلف بعض أنه كان التخيل على بصره لا على قلبه، قال ابن عباس وعائشة كان غلام من اليهود يخدم النبى - صلى الله عليه وسلم - فلم تزل به اليهود حتى أخذ من مشاطة رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدة من أسنان مشطة فأَعطاها اليهود فسحروه فيها وتولى ذلك لبيد بن الأعصم فنزلت السورتان المعوذتان، ويروى أنه لبث ستة أشهر واشتد عليه ثلاث ليال فنزلت المعوذتان، وفى الصحيحين عن أبى سعيد الخدرى أن جبريل عيله السلام أتى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال **" يا محمد اشتكيت، قال: نعم، قال: قل بسم الله أرقيك من كل شيءٍ يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك "** ، ويروى أنه أرسل عليا فجاءَ بذلك من البئر إليه - صلى الله عليه وسلم - فلم يحضر - صلى الله عليه وسلم - معه فإما أنه قصة أخرى غير التى ذكروا أنه حضر عند البئر وإما أنها واحدة والمعنى أنه جاءَه بذلك من أسفل البئر أى جانبه فوق، وروى أنه دعا الله ثم دعا فجاءَه جبريل وميكائيل فكان أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل قال مطبوب أى مسحور، قال من طبه، قال: لبيد بن الأَعصم، قال: فى أى شىءِ قال: فى مشط أى آلة المشط ومشاطة أى ما يسقط بالمشط أو يتعلق بالآلة وجف طلعة ذكر فى بئر دروان أو فى بئر ذى أوراث، ويروى فى بئر بنى زريق، فلما أصبح غدا مع على والزبير وعمار أو أرسلهم ثم تبعهم فدخل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة وهى صخرة فى قعر البئر فإذا فيها مشط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شمع وفيه إبر غرزت وإذا وتر أى خيط فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين فقال يا محمد قل أعوذ برب الفلق وحل عقدة ثم من شر ما خلق وحل عقدة حتى فرغ منهما وحل العقد وما نزع إبرة إلاَّ وجد لنزعها ألماً تعقبه راحة حتى فرغت السورتان والعقد فكأنما نشط من عقال وقال - صلى الله عليه وسلم -
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" كأن ماءها نقاعة الحناءِ وكأَن نخلها رءُوس الشياطين "** ، وأمر بما استخرجوا فدفن وقالت عائشة يا رسول الله أفلا أحرقت لبيدا؟ قال: لا، قد عافانى الله ولا أثير شراً على الناس وما يراه من عذاب الله تعالى أشد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) | أي ومن شر النفوس السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها فالنفاثات صفة للنفوس واعتبر ذلك لمكان التأنيث مع أن تأثير السحر إنما هو من جهة النفوس الخبيثة والأرواح الشريرة وسلطانه منها. وقدر بعضهم النساء موصوفاً والأول أولى ليشمل الرجال ويتضمن الإشارة السابقة ويطابق سبب النزول فإن الذي سحره صلى الله عليه وسلم كان رجلاً على المشهور كما ستسمع إن شاء الله تعالى وقيل أعانه بعض النساء ولكون مثل ذلك من عمل النساء وكيدهن غلب المؤنث على المذكر هنا وهو جائز على ما فصله الخفاجي في «شرح درة الغواص».
والنفث والنفخ مع ريق كما قال الزمخشري وقال صاحب «اللوامح» هو شبه النفخ يكون في الرقية ولا ريق معه فإن كان بريق فهو تفل والأول هو الأصح لما نقله ابن القيم من أنهم إذا سحروا استعانوا على تأثير فعلهم بنفس يمازجه بعض أجزاء أنفسهم الخبيثة.
وقرأ الحسن (النفاثات) بضم النون وقرأ هو أيضاً وابن عمر وعبد الله بن القاسم ويعقوب في رواية (النافثات) وأبو الربيع والحسن أيضاً (النفثات) بغير ألف كالحذرات.
وتعريفها إما للعهد أو للإيذان بشمول الشر لجميع أفرادهن وتمحضهن فيه. وتخصيصه بالذكر لما روى البخاري ومسلم وابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت **" سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا الله ثم دعا ثم دعا ثم قال أشعرتِ يا عائشة أن الله تعالى قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ قلت وما ذاك يا رسول الله فقال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي ما وجع الرجل؟ قال مطبوب قال من طبه؟ قال لبيد بن الأعصم قال في أي شيء؟ قال في مشط ومشاطة وجُفِّ طلعة ذَكَر قال فأين هو؟ قال في بئر ذي أروان قالت فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه ثم قال يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤس الشياطين قالت فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته قال لا أما أنا فقد عافاني الله تعالى وكرهت أن أثير على الناس شراً فأمرتُ بها فدفنت "** وهذان الملكان على ما يدل عليه رواية ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس هما جبريل وميكائيل عليهما السلام.
ومن حديثها في «الدلائل» للبيهقي بعد ذكر حديث الملكين **" فما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً ومعه أصحابه إلى البئر فدخل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوثة فإذا فيها مشط رسول / الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومن مشاطة رأسه وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيها إبر مغروزة وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوذتين فقال يا محمد { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } [الفلق: 1] وحل عقدة { من شر ما خلق } وحل عقدة حتى فرغ منهما وحل العقد كلها وجعل لا ينزع إبرة إلا وجد لها ألماً ثم يجد بعد ذلك راحة فقيل يا رسول الله لو قتلت اليهودي قال قد عافاني الله تعالى وما يراه من عذاب الله تعالى أشد "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وفي رواية أن الذي تولى السحر لبيد بن الأعصم وبناته فمرض النبـي صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل بالمعوذتين وأخبره بموضع السحر وبمن سحره وبم سحره فأرسل صلى الله عليه وسلم علياً كرم الله تعالى وجهه والزبير وعماراً فنزحوا ماء البئر وهو كنقاعة الحناء ثم رفعوا راعوثة البئر فأخرجوا أسنان المشط ومعها وتر قد عقد فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر فجاؤا بها النبـي صلى الله عليه وسلم «فجعل يقرأ المعوذتين عليها فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد عليه الصلاة والسلام خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة عند تمام السورتين فقام صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال» الخبر والرواية الأولى أصح من هذه.
وقال الإمام المازري ((قد أنكر ذلك الحديث [بعض] المبتدعة من حيث إنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها وإن تجويزه يمنع الثقة بالشرع وأجيب بأن الحديث صحيح وهو غير مراغم للنص ولا يلزم عليه حط منصب النبوة والتشكيك فيها لأن الكفار أرادوا بقولهم مسحور أنه مجنون وحاشاه ولو سلم إرادة ظاهره فهو كان قبل هذه القصة أو مرادهم أن السحر أثر فيه وأن ما يأتيه من الوحي من تخيلات السحر وهو كذب أيضاً لأن الله تعالى عصمه فيما يتعلق بالرسالة وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث عليه الصلاة والسلام بسببها وهي مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من ذلك ما لا حقيقة له وقد قيل إنه إنما كان يخيل إليه أنه وطىء زوجاته وليس بواطىء وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله في اليقظة وقيل إنه يخيل إنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما تخيله فتكون اعتقاداته عليه الصلاة والسلام على السداد)).
وقال القاضي عياض ((قد جاءت روايات حديث عائشة مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده الشريف صلى الله عليه وسلم وظواهر جوارحه لا على عقله عليه الصلاة والسلام وقلبه واعتقاده ويكون معنى ما في بعض الروايات - حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن وفي بعض «أنه يخيل إليه أنه» الخ - أنه يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور وكل ما جاء في الروايات من أنه عليه الصلاة والسلام يخيل إليه فعل شيء ولم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة ولا طعناً لأهل الضلالة)) انتهى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وبعضهم أنكر أصل السحر ونفى حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها. ومذهب أهل السنة وعلماء الأمة على إثباته وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء لدلالة الكتاب والسنة على ذلك ولا يستنكر في العقل أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام مخصوصة والمزج بين قوى على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام، منها قاتلة كالسموم ومنها مسقمة كالأدوية المحادة ومنها مصحة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوى قتالة أو كلام مهلك أو مؤد / إلى التفرقة، ومع ذلك لا يخلو من تأثير نفساني.
ثم إن القائلين به اختلفوا في القدر الذي يقع به فقال بعضهم لا يزيد تأثيره على قدر التفرقة بين المرء وزوجه لأن الله تعالى إنما ذكر ذلك تعظيماً لما يكون عنده وتهويلاً له فلو وقع به أعظم منه لذكره لأن المثل لا يضرب عند المبالغة إلا بأعلى أحوال المذكور ومذهب الأشاعرة أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك وهو الصحيح عقلاً لأنه لا فاعل إلا الله وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى ولا تفترق الأفعال في ذلك وليس بعضها بأولى من بعض ولو ورد الشرع بقصوره عن مرتبة لوجب المصير إليه ولكن لا يوجد شرع قاطع يوجب الاقتصار على ما قاله القائل الأول وذكر التفرقة بين الزوجين في الآية ليس بنص في منع الزيادة وإنما النظر في أنه ظاهر أم لا. والفرق بين الساحر وبين النبـي والولي على قول الأشاعرة بأنه يجوز خرق العادة على يد الساحر مبين في الكتب الكلامية وغيرها من شروح «الصحاح».
وقيل في الآية المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقد بنفث الريق ليسهل حلها وهو يقرب من بدع التفاسير.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) | هذا النوع الثاني من الأنواع الخاصة المعطوفة على العام من قوله**{ من شر ما خلق }** الفلق 2. وعُطف { شر النفاثات في العقد } على شر الليل لأن الليل وقت يتحين فيه السحَرة إجراء شعوذتهم لئلا يطلع عليهم أحد. والنفث نفخ مع تحريك اللسان بدون إخراج ريق فهو أقل من التفل، يفعله السحرة إذا وضعوا علاج سحرهم في شيء وعَقدوا عليه عُقَداً ثم نفثوا عليها. فالمراد بــــ { النفاثات في العقد } النساء الساحرات، وإنما جيء بصفة المؤنث لأن الغالب عند العرب أن يتعاطى السحرَ النساء لأن نساءهم لا شغل لهن بعد تهيئة لوازم الطعام والماء والنظافة، فلذلك يكثر انكبابهن على مثل هاته السفاسف من السحر والتَّكهن ونحو ذلك، فالأوهام الباطلة تتفشى بينهن، وكان العرب يزعمون أن الغُول ساحرةٌ من الجِن. وورد في خبر هجرة الحبشة أن عمارة بن الوليد بن المغيرة اتُّهِم بزوجة النجاشي وأن النجاشي دعَا له السوَاحر فنفخن في إحليله فصار مسلوب العقل هائماً على وجهه ولحق بالوحوش. و { العُقد } جمع عقدة وهي ربط في خيط أو وَتَر يزعم السحرة أنه سحر المسحور يستمر ما دامت تلك العقد معقودة، ولذلك يخافون من حَلها فيدفنونها أو يخبئونها في محل لا يُهتدى إليه. أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من شر السحرة لأنه ضمن له أن لا يلحقه شر السحرة، وذلك إبطال لقول المشركين في أكاذيبهم إنه مسحور، قال تعالى**{ وقال الظالمون إنْ تتبعون إلا رجلاً مسحوراً }** الفرقان 8. وجملة القول هنا أنه لما كان الأصح أن السورة مكية فإن النبي صلى الله عليه وسلم مأمون من أن يصيبه شر النفاثات لأن الله أعاذه منها. وأمّا السحر فقد بسطنا القول فيه عند قوله تعالى**{ يعلِّمون الناس السحر }** في سورة البقرة 102. وإنما جعلت الاستعاذة من النفاثات لا من النفْث، فلم يقل إذا نفثن في العقد، للإِشارة إلى أن نفثهن في العُقد ليس بشيء يجلب ضراً بذاته وإنما يجلب الضر النافثاتُ وهن متعاطيات السحر، لأن الساحر يحرص على أن لا يترك شيئاً مما يحقق له ما يعمله لأجله إلاّ احتال على إيصاله إليه، فربما وضع له في طعامه أو شرابه عناصر مفسدة للعقل أو مهلكة بقصد أو بغير قصد، أو قاذورات يُفسد اختلاطُها بالجسد بعضَ عناصر انتظام الجسم يختلّ بها نشاط أعصابه أو إرادته، وربما أغرى به من يغتاله أو من يتجسس على أحواله ليُرِي لمن يسألونه السحر أن سحره لا يتخلف ولا يخطىء. وتعريف { النفاثات } تعريف الجنس وهو في معنى النكرة، فلا تفاوت في المعنى بينه وبين قوله**{ ومن شر غاسق }** الفلق 3 وقوله**{ ومن شر حاسد }** الفلق 5. وإنما أوثر لفظ { النفاثات } بالتعريف لأن التعريف في مثله للإِشارة إلى أن حقيقة معلومة للسامع مثل التعريف في قولهم «أرسلها العراك» كما تقدم في قوله تعالى**{ الحمد للَّه }** في سورة الفاتحة 2. وتعريف { النفاثات } باللام إشارة إلى أنهن معهودات بين العرب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) | المراد به السحرة قطعاً، سواء كان النفث من النساء كما هو ظاهر اللفظ، أو من الرجال على معنى الجماعات، أو النفوس الشريرة فتشمل النوعين.
وأجمع المفسرون: أنها نزلت في لبيد بن الأعصم، لما سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه جبريل عليه السلام وأخبره.
وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه مبحث السحر وأقسامه وأحكامه وكل ما يتعلق به، عند الكلام على قوله تعالى:**{ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ }** [طه:69]، من سورة طه، ما عدا مسألة واحدة، وهي حكم ما لو قتل أو أتلف شيئاً بسحره، فما يكون حكمه، ونوردها موجزة.
مسألة
ذكر ابن قدامة في المغني رحمه الله النوع السادس من أنواع القتل: أن يقتله بسحر يقتل غالباً فيلزمه القود، وإن كان مما لا يقتل غالباً، ففيه الدية ا هـ.
وذكر النووي في المنهاج شرح مغني المحتاج للشافعية: التنبيه على أنه يقتل كذلك.
وذكر مثله ابن حجر في الفتح: أن الساحر يقتل إذا قتل بسحره.
تنبيه
يقع تأثير السحر على الحيوان كما يقع على الإنسان.
قال أبو حيان: أخبرني أنه رأى في بعض الصحراء عند البعض. خيطاً أحمر، قد عقدت فيه عقد على فصلان أي جمع فصيل، فمنعت من رضاع أمهاتها بذلك، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع. ا هـ.
كما يقع الحسد أيضاً على الحيوان، بل وعلى الجماد أي عين العائن تؤثر في الحيوان والجماد والنبات، كما تؤثر في الإنسان على ما سيأتي إن شاء اللَّه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) | بيان أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ بالله من كل شر ومن بعضه خاصة والسورة مدنية على ما يظهر مما ورد في سبب نزولها. قوله تعالى { قل أعوذ برب الفلق } العوذ هو الاعتصام والتحرز من الشر بالالتجاء إلى من يدفعه، والفلق بالفتح فالسكون الشق والفرق، والفلق بفتحتين صفة مشبهة بمعنى المفعول كالقصص بمعنى المقصوص، والغالب إطلاقه على الصبح لأنه المشقوق من الظلام، وعليه فالمعنى أعوذ برب الصبح الذي يفلقه ويشقه ومناسبة هذا التعبير للعوذ من الشر الذي يستر الخير ويحجب دونه ظاهر. وقيل المراد بالفلق كل ما يفطر ويفلق عنه بالخلق والإِيجاد فإن في الخلق والإِيجاد شقاً للعدم وإخراجاً للموجود إلى الوجود فيكون مساوياً للمخلوق، وقيل هوجب في جهنم ويؤيده بعض الروايات. قوله تعالى { من شر ما خلق } أي من شر من يحمل شراً من الإِنس والجن والحيوانات وسائر ما له شر من الخلق فإن اشتمال مطلق ما خلق على الشر لا يستلزم الاستغراق. قوله تعالى { ومن شر غاسق إذا وقب } في الصحاح الغسق أول ظلمة الليل وقد غسق الليل يغسق إذا أظلم والغاسق الليل إذا غاب الشفق. انتهى، والوقوب الدخول فالمعنى ومن شر الليل إذا دخل بظلمته. ونسبة الشر إلى الليل إنما هي لكونه بظلمته يعين الشرير في شره لستره عليه فيقع فيه الشر أكثر مما يقع منه بالنهار، والإِنسان فيه أضعف منه في النهار تجاه هاجم الشر، وقيل المراد بالغاسق كل هاجم يهجم بشره كائناً ما كان. وذكر شر الليل إذا دخل بعد ذكر شر ما خلق من ذكر الخاص بعد العام لزيادة الاهتمام وقد اهتم في السورة بثلاثة من أنواع الشر خاصة هي شر الليل إذا دخل وشر سحر السحرة وشر الحاسد إذا حسد لغلبة الغفلة فيهن. قوله تعالى { ومن شر النفاثات في العقد } أي النساء الساحرات اللاتي يسحرن بالعقد على المسحور وينفثن في العقد. وخصت النساء بالذكر لأن السحر كان فيهن ومنهن أكثر من الرجال، وفي الآية تصديق لتأثير السحر في الجملة، ونظيرها قوله تعالى في قصة هاروت وماروت**{ فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله }** البقرة 102 ونظيره ما في قصة سحرة فرعون. وقيل المراد بالنفاثات في العقد النساء اللاتي يملن آراء أزواجهن إلى ما يرينه ويردنه فالعقد هو الرأي والنفث في العقد كناية عن حله، وهو بعيد. قوله تعالى { ومن شر حاسد إذا حسد } أي إذا تلبس بالحسد وعمل بما في نفسه من الحسد بترتيب الأثر عليه. وقيل الآية تشمل العائن فعين العائن نوع حسد نفساني يتحقق منه إذا عاين ما يستكثره ويتعجب منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
بحث روائي في الدر المنثور اخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم قال سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل من اليهود فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال إن رجلاً من اليهود سحرك والسحر في بئر فلان فأرسل عليّاً فجاء به فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كأنما نشط من عقال. أقول وعن كتاب طب الأئمة بإسناده إلى محمد بن سنان عن المفضل عن الصادق عليه السلام مثله وفي هذا المعنى روايات كثيرة من طرق أهل السنة باختلافات يسيرة، وفي غير واحد منها أنه أرسل مع علي عليه السلام زبيراً وعماراً وفيه روايات أُخرى أيضاً من طرق أئمة أهل البيت عليهم السلام. وما استشكل به بعضهم في مضمون الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مصوناً من تأثير السحر كيف؟ وقد قال الله تعالى**{ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً }** الفرقان 8-9. يدفعه أن مرادهم بالمسحور والمجنون بفساد العقل بالسحر وأما تأثره عن السحر بمرض يصيبه في بدنه ونحوه فلا دليل على مصونيته منه. وفي المجمع وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان كثيراً ما يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام بهاتين السورتين. وفيه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم **" انزلت عليَّ آيات لم ينزل مثلهن المعوذتان "** ، أورده في الصحيح. أقول واسندها في الدر المنثور إلى الترمذي والنسائي وغيرهما أيضاً، وروي ما في معناه أيضاً عن الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود، ولعل المراد من عدم نزول مثلهن أنهما في العوذة فقط ولا يشاركهما في ذلك غيرهما من السور. وفي الدر المنثور اخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله إنما أمر النبي أن يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. أقول ثم قال السيوطي قال البزار ولم يتابع ابن مسعود احد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وقد أثبتتا في المصحف انتهى. وفي تفسير القمي بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف. فقال كان أبي يقول إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهو هما ظ صغير من القرآن. أقول وفي هذا المعنى روايات كثيرة من طرق الفريقين على أن هناك تواتراً قطعياً من عامة المنتحلين بالإِسلام على كونهما من القرآن، وقد استشكل بعض المنكرين لاعجاز القرآن أنه لو كان معجزاً في بلاغته لم يختلف في كون السورتين من القرآن مثل ابن مسعود، وأُجيب بأن التواتر القطعي كاف في ذلك على أنه لم ينقل عنه أحد أنه قال بعدم نزولهما على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو قال بعدم كونهما معجزتين في بلاغتهما بل قال بعدم كونهما جزءاً من القرآن وهو محجوج بالتواتر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) | الفلق أصله شق الشئ عن الشئ، وفصل بعض عن بعض، والمراد به هنا الصبح، وسمى فلقا لانفلاق الليل وانشقاقه عنه، كما فى قوله - تعالى -**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** أى شاقٌّ ظلمة آخر الليل عن بياض الفجر.. ويصح أن يكون المراد به، كل ما يفلقه الله - تعالى - من مخلوقات كالأرض التى تنفلق عن النبات، والجبال التى تنفلق عن عيون الماء.. أى قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وأستجير وأعتصم، بالله - تعالى - الذى فلق الليل، فانشق عنه الصباح، والذى هو رب جميع الكائنات، ومبدع كل المخلوقات.. قل أعوذ بهذا الرب العظيم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أى من شر كل ذى شر من المخلوقات، لأنه لا عاصم من شرها إلا خالقها - عز وجل - إذ هو المالك لها، والمتصرف فى أمرها، والقابض على ناصيتها، والقادر على تبديل أحوالها، وتغيير شئونها. ثم قال - تعالى - { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } والغاسق الليل عندما يشتد ظلامه، ومنه قوله - تعالى -**{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ... }** أى إلى ظلامه. وقوله { وقب } من الوقوب، وهو الدخول، يقال وقبت الشمس إذا غابت وتوارت فى الأفق. أى وقل أعوذ به - تعالى - من شر الليل إذا اشتد ظلامه، وأسدل ستاره على كل شئ واختفى تحت جنحه ما كان ظاهرا. ومن شأن الليل عندما يكون كذلك، أن يكون مخيفا مرعبا، لأن الإِنسان لا يتبين ما استتر تحته من أعداء. ثم قال - سبحانه - { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } وأصل النفاثات جمع نفَّاثَة، وهذا اللفظ صيغة مبالغة من النَّفث، وهو النفخ مع ريق قليل يخرج من الفم. والعُقَد جمع عُقْدة من العَقْدِ الذى هو ضد الحل، وهى اسم لكل ما ربط وأحكم ربطه. والمراد بالنفاثات فى العقد النساء السواحر، اللائى يعقدن عقدا فى خيوط وينفثن عليها من أجل السحر. وجئ بصيغة التأنيث فى لفظ " النفاثات " لأن معظم السحرة كن من النساء. ويصح أن يكون النفاثات صفة للنفوس التى تفعل ذلك، فيكون هذا اللفظ شاملا للذكور والإِناث. وقيل المراد بالنفاثات فى العقد النمامون الذين يسعون بين الناس والفساد، فيقطعون بما أمر الله به أن يوصل.. وعلى ذلك تكون فى " النفاثة " للمبالغة كعلامة وفهامة، وليست للتأنيث. أى وقل - أيضا - أستجير بالله - تعالى - من شرور السحرة والنمامين، ومن كل الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون. ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }. والحاسد هو الإِنسان الذى يتمنى زوال النعمة عن غيره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والحسد حقيقة واقعة. وأثره لا شك فيه، وإلا لما أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرور الحاسدين. قال الآلوسى وقوله { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أى إذا أظهر ما فى نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر، ومبادى الأضرار بالمحسود قولا وفعلا.. وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الحسد فى أحاديث كثيرة منها قوله **" لا تباغضوا ولا تحاسدوا.. ".** ومنها قوله **" إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب ".** هذا، وقد تكلم العلماء كلاما طويلا عند تفسيرهم لقوله - تعالى - { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } عن السحر، فمنهم من ذهب إلى أنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل وتمويه.. وجمهورهم على إثباته، وأن له آثارا حقيقية، وأن الساحر قد يأتى بأشياء غير عادية، إلا أن الفاعل الحقيقى فى كل ذلك هو الله - تعالى -. وقد بسطنا القول فى هذه المسألة عند تفسيرنا لقوله - تعالى - فى سورة البقرة**{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ... }** نسأل الله - تعالى - أن يعيذنا من شرار خلقه.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ | * تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) | { ومن شر غاسق } يعني: اللَّيل { إذا وقب } دخل.
{ ومن شر النفاثات } يعني: السَّواحر تنفث { في العقد } كأنَّها تنفخ فيها بشيءٍ تقرؤه.
{ ومن شرِّ حاسد إذا حسد } يعني: لبيداً الذي سحره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة | 1- قل أعتصم برب الصبح الذى ينجلى الليل عنه.
2- من شر كل ذى شر من المخلوقات التى لا يدفع شرها إلا مالك أمرها.
3- ومن شر الليل إذا اشتد ظلامه.
4- ومن شر من يسعى بين الناس بالإفساد باستخدام السحر.
5- ومن شر حاسد يتمنى زوال النعمة عن غيره.
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) | شرح الكلمات:
أعوذ: أي أستجير وأتحصن.
الفلق: أي الصبح.
من شر ما خلق: من حيوان وجماد.
غاسق إذا وقب: أي الليل إذا أظلم أو القمر إذا غاب.
النفاثات: أي السواحر اللاتي ينفثن.
في العقد: أي في العقد التي يعقدنها.
حاسد إذا حسد: أي إذا أظهر حسده وأعمله.
معنى الآيات:
قوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أنه لما سحر لبيد بن معصم اليهودي بالمدينة النبي صلى الله عليه وسلم أنزل تعالى المعوذتين فرقاه بهما جبريل فشفاه الله تعالى ولذا فالسورتان مدنيتان وقوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي قل يا رسولنا أعوذ أي أستجير وأتحصن برب الفلق وهو الله عز وجل إذ هو فالق الإِصباح وفالق الحب والنوى ولا يقدر على ذلك إلا هو لعظيم قدرته وسعة علمه. { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي من شر ما خلق تعالى من الكائنات من حيوان مكلف كالإِنسان وغير مكلف كسائر الحيوانات ومن الجمادات أي من شر كل ذي شر منها ومن سائر المخلوقات. وقوله { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي الليل إذا أظلم والقمر إذا غاب إذ الظلام بدخول الليل أو بغياب القمر يكون مظنه خروج الحيات السامة والحيوانات المفترسة والجماعات المتلصصة للسطو والسرقة وابتغاء الشر والفساد. وقوله تعالى { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } أي وتعوذ بالله برب الفلق من شر السواحر وهن النساء اللاتي ينفثن في كل عقدة يرقين عليها ويعقدونها والنفث هي إخراج هواء من الفم بدون ريق ولذا ورد من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر. وقوله تعالى { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أي وتعوذ برب الفلق من شر حاسد أي من الناس إذا حسد أي أظهر حسده فابتغاك بضر أو أرادك بشر أو طلبك بسوء بحسده لك لأن الحسد زوال النعمة عن المحسود وسواء أرادها أو لم يردها وهو شر الحسد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- وجوب التعوذ بالله والاستعاذة بجنابه تعالى من كل مخوف لا يقدر المرء على دفعه لخفائه أو عدم القدرة عليه.
2- تحريم النفث في العقد إذ هو من السحر. والسحر كفر وحد الساحر ضربة بالسيف.
3- تحريم الحسد قطعياً وهو داء خطير حمل ابن آدم على قتل أخيه وحمل إخوة يوسف على الكيد له.
4- الغبطة ليست من الحسد لحديث الصحيح **" لا حسد إلا في اثنتين إذ المراد به الغبطة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } [آية: 1] وذلك أن لبيد بن عاصم بن مالك، ويقال: ابن أعصم اليهودي، سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في وتر، فجعله في بئر لها سبع موانى في جف طلعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يستند إليها فدب فيه السحر، واشتد عليه ثلاث ليال، حتى مرض مرضاً شديداً، وجزعت النساء، فنزلت المعوذات، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم إذ رأى كأن ملكين قد أتياه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، ثم قال أحدهما لصاحبه، ما شكواه؟ قال: أصابه طب، يقول: سحر، قال: فمن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي، قال: في أى شىء؟ قال: تنزف البئر، ثم يخرج قشر الطلعة فيحرقه، ثم يحل العقد، كل عقدة بأية من المعوذتين، فذلك شفاؤه، فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وجه على بن أبي طالب، عليه السلام، إلى البئر، فاستخرج السحر وجاء به فأحرق ذلك القشر، ويقال: إن جبريل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمكان السحر وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: حل عقدة واقرأ آية، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فجعل يذهب عنه ما كان يجد حتى برأ وانتشر للنساء.
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } يعني برب الخلق { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } [آية: 2] من الجن والإنس { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ } يعني ظلمة الليل { إِذَا وَقَبَ } [آية: 3] يعني إذا دخلت ظلمة الليل في ضوء النهار، إذا غابت الشمس فاختلط الظلام، { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } [آية: 4] يعني السحر وآلاته، يعني الرقية التي هي لله معصية، يعني به ما تنفثن من الرقي في العقدة، والآخذة، يعني به السحر فهن الساحرات المهيجات الأخاذت { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [آية: 5] يعني اليهود حين حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقال له جبريل، عليه السلام: ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون؟ قال: يا جبريل، ما هو؟ قال: المعوذتان، { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم: **" قيل لي، فقلت لكم، فقولوا كما أقول "** ، قال: وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما في المكتوبة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) | أعوذ: أَلجأ، وأعتصم. الفلَق: ضوء الصبح والخَلْق. الغاسق: الليل اذا اشتدّت ظُلمتُه. النفّاثات: الساحرات، واحدها نفّاثَة، وهي التي تنفُثُ بِرِيقِها على عُقَدِ الخِيطان لتسحَر. الحاسد: الذي يتمنى زوالَ النعمة عن الغير.
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }
قل يا محمد: إني أَعتصِمُ بربّ الصُّبح الذي ينجَلي عنه الظلام.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }
من شرِّ كل مؤذٍ من جميع المخلوقات، فلا يدفعُ شرَّها الا مالكُ أمرِها.
{ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }
ومن شرِّ الليلِ إذا أظلمَ واشتدّ ظلامه. وقد أمرَنا الله ان نتعوّذ من شرِّ الليل لأنّه فيه تحدُث معظم الجرائم، ففي ظلامه سَتر لكلّ مجرِم، وفيه تخرج السِّباع من آجامها، والهوامُ من أَمكنتها.
{ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }
ومن شر كلّ من يسعَى بين الناس بالإفساد، ومنهم تلك السواحِرُ اللاتي يَنْفُثْن في العُقَد لضررِ عبادِ الله، وليفرّقنَ بين المرءِ وزوجه.
وهناك رواياتٌ في سبب نزول هذه السورة والّتي تَليها تذكُر ان النبيّ صلى الله عليه وسلم سَحَرَه يهوديٌّ اسمه لَبيد بن الأعصم. فنزلت المعوِّذتان وزال السِّحر عندما قرأهما الرسول الكريم. ومع أن بعض هذه الروايات في الصحيح ولكنها مخالِفَة للعقيدة، وتناقض العِصمةَ التي أُعطيت للرسول بقوله تعالى:**{ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ }** [المائدة: 67]. والواقع أنّ هاتين السورتين مكيّتان، وفي ذلك ما يُوهِنُ صحة الروايات.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }
ونعوذُ بالله تعالى من شرِّ الحاسدِ الذي يتمنَّى زوالَ النعمة عن غيره، والحسدُ خلُق مذموم **" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسدُ يأكل الحسناتِ كما تأكل النارُ الحطب ".** والحسد أول معصية عُصِيَ اللهُ بها في السماء وفي الأرض، فَحَسَدَ ابليسُ آدمَ، وحسد قابيلُ أخاه هابيل فقتَله.
والحاسد يضرّ نفسَه ثلاث مضرّات:
أحداها اكتسابُ الذنوب، لأن الحسدَ حرام.
الثانية: سوءُ الأدبِ مع الله تعالى، فإن حقيقةَ الحسد كراهيةُ إِنعام الله على عبده، واعتراضٌ على الله.
الثالثة: تألُّم قلبِ الحاسِد من كثرةِ همِّه وغمِّه.
| **كلُّ العداوة قد تُرجَى إزالتها** | | **إلا عداوةُ من عاداكَ من حسَد** |
| --- | --- | --- |
وخلاصة معنى السورة الكريمة: إن الله تعالى طلبَ من الرسول الكريم أن يلجأَ الى ربّه، ويعتصمَ به من شرِّ كل مؤذٍ من مخلوقاته، ومن شرِّ الليل إذا أظلمَ لما يصيب النفوسَ فيه من الوحشة، ولما يتعذَّر من دَفع ضرره. ومن شرِّ المفسِدات الساعيات في حَلِّ ما بينَ الناسِ من روابطَ وصِلات، ومن شرِّ الحاسدين الذين يتمنّون زوالَ ما أسبغَ الله على عباده من النعم.
اللهم اجعلْنا من المحسُودين لا من الحاسِدين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) | { ٱلنَّفَّاثَاتِ }
(4) - وَأَعْوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ النَّمَّامِينَ الذِينَ يَقْطَعُونَ رَوَابِطَ الوِدِّ وَالمَحَبَّةِ، وَيُبَدِّدُونَ شَمْلَ الأُلْفَةِ.
(وَقَدْ شَبَّهَ تَعَالَى عَمَل النَّمامِينَ بِعَمَلِ السَّاحِرَاتِ اللَّوَاتِي يَنْفُثْنَ فِي عُقَدِ الخَيْطِ حِينَ يَقُمْنَ بِعَمَلِ السِّحْرِ).
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } قال ابن عباس: هو سجن في جهنم، وحدّثنا يعقوب عن هشيم قال: أخبرنا العوام عن عبد الجبار الخولاني قال: قدم رجل من أصحاب النبي عليه السلام الشام فنظر الى دور أهل الذمة وما فيها من العيش والنضارة، وما وسع عليهم في دنياهم فقال: لا أُبالي، أليس من ورائهم الفلق؟ قال: قيل: وما الفلق؟ قال: بيت إذا انفتح صاح جميع أهل النار من شدَّة حرَّه.
وقال أبو عبد الرحمن الحبلي: الفلق هي جهنم، وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد ابن جبير ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد: الفلق: الصبح، وإليه ذهب ابن عباس، ودليل هذا التأويل قوله تعالى:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96].
الضحّاك والوالبي عن ابن عباس: معنى الفلق: الخلق. وهب: هو باب في جهنم.
الكلبي: هو واد في جهنم، وقال عبد الله بن عمرو: شجرة في النار، وقيل: الفلق الجبال والصخور تنفلق بالمياه أي تتشقق، وقيل: هو الرحم تنفلق عن الحيوان، وقيل: الحبَّ والنوى تنفلق عن التراب، دليله قوله سبحانه وتعالى:**{ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام: 95] والأصل فيه الشق.
وقال محمد بن علي الترمذي في هذه: كشف الله تعالى على قلوب خواص عباده فقذف النور فيها، فانفلق الحجاب وانكشف الغطاء.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ \* وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو برزة أو أحد بني شريك البزار قال: حدّثنا آدم بن أبي أياس قال: حدّثنا ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن **" عن عائشة قالت: أخذ رسول الله عليه السلام بيدي فأشار الى القمر فقال: " يا عائشة استعيذي بالله من شرِّ هذا؛ فإنّ هذا الغاسق إذا وقب ".** وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا عبد الرحمن بن خرزاد البصري بمكة قال: حدّثنا نصر بن علي قال: حدّثنا بكار بن عبد الله قال: حدّثنا ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة **" عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال: النجم إذا طلع ".** وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والقرظي والفرّاء وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجّاج: الليل.
قال ابن زيد: يعني والثريا إذ سقطت، قال: وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها، وأصل الغسق الظلمة والوقوف [....] إذا دخل وقال: أمان سكن نظلامه.
وقيل: سُمّي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد، والغسق: البرد.
{ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } يعني الساحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها، والنفث: وشبه النفخ كما يعمل من يرقي. قال عنترة:
| **فإن يبرأ فلم أنفث عليه** | | **وإنَّ يفقد محقّ له العقود** |
| --- | --- | --- |
وقرأ عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن سابط: من شرِّ النافثات في وزن: فاعلات.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قال الحسين بن الفضل: إنَّ الله جمع الشرور في هذه الآية وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسّ الطبائع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) | قوله: { ٱلنَّفَّاثَاتِ }: جمع نَفَّاثَة مثالُ مبالغةٍ. من نَفَثَ، أي: نَفَخَ. واخْتُلِفَ فيه فقال أبو الفضل: شَبَّه النَّفْخَ من الفمِ في الرُّقْيَةِ ولا شيءَ معه. فإذا كان بِرِيْقٍ فهو التَّفْلُ وأنشد:
| **4686ـ فإنْ يَبْرَأْ فلم أَنْفُِثْ عليهِ** | | **وإنْ يَفْقَدْ فَحَقَّ له الفُقُودُ** |
| --- | --- | --- |
وقال الزمخشري: " نَفْخٌ معه رِيْقٌ " وقرأ الحسن " النُّفَّاثات " بضم النون، وهي اسم كالنُّفَّاخَة. ويعقوب وعبدُ الله بن القاسم " النافِثات " وهي محتملةٌ لقراءةِ العامة، والحسن ايضاً وأبو الرَّبيع " النَّفِثات " دونَ ألفٍ كحاذِر وحَذِر. ونَكِّر غاسِقاً وحاسداً لأنه قد يَتَخَلَّفُ الضَّرَرُ فيهما. فالتنكيرُ يفيد التبعيضَ. وعَرَّفَ " النفَّاثات ": إمَّا للعَهْدِ كما يُرْوَىٰ في التفسير، وإمَّا للمبالغةِ في الشَّرِّ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) | اللغَة: { ٱلْفَلَقِ } الفَلَق: الصبح تقول العرب: هو أبين من فلق الصبح، والفِلْق بالكسر الداهية والأمر العجب، وأصله من فلقتُ الشيء أي شققته، فكل ما انفلق من شيء من حيوان، وحب، ونوى فهو فلق، ومنه " فالق الإِصباح " قال ذو الرمة: " حتى إِذا ما انجلى عن وجهه فلق " أي انجلى الصبح عن وجهه { غَاسِقٍ } الغاسق: الليل إِذا اشتد ظلامه، والغسق أول ظلمة غسق الليل يقال: غسق الليل أي أظلم قال الشاعر:
| **إِنَّ هذا الليل قد غسقا** | | **واشتكيتُ الهمَّ والأرقا** |
| --- | --- | --- |
{ وَقَبَ } دخل بظلامه، والوقوب: الدخول { ٱلنَّفَّاثَاتِ } النفث: شبه النفخ دون تفلٍ بالريق، فإِذا كان معه ريق فهو التفل قال عنترة:
| **فإِنْ يبرأ فلم أنفث عليه** | | **وإِن يُفْقد فحُقَّ له الفُقود** |
| --- | --- | --- |
التفسِير: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي قل يا محمد ألتجىء وأعتصم برب الصبح الذي ينفلق عنه الليل، وينجلي عنه الظلام قال ابن عباس: { ٱلْفَلَقِ } الصبحُ كقوله تعالى**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96] وفي أمثال العرب: هو أبينُ من فلق الصبح قال المفسرون: سبب تخصيص الصبح بالتعوذ أن انبثاق نور الصبح بعد شدة الظلمة، كالمثل لمجيء الفرج بعد الشدة، فكما أن الإِنسان يكون منتظراً لطلوع الصباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي من شر جميع المخلوقات من الإِنس، والجن، والدواب، والهوام، ومن شر كل مؤذٍ خلقه الله تعالى { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي ومن شر الليل إِذا أظلم واشتد ظلامه، فإِن ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإِنس والجن ولهذا قالوا في المثل " الليلُ أخفى للويل " قال الرازي: وإِنما أُمر أن يتعوذ من شر الليل، لأن في الليل تخرج السباع من آجامها، والهوام من مكانها، ويهجم السارقُ والمكابر، ويقع الحريق، ويقل فيه الغوث { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } أي ومن شر السواحر اللواتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن - أي ينفخن - فيها ليضروا عباد الله بسحرهن، ويفرقوا بين الرجل وزوجه**{ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }** [البقرة:102] قال في البحر: وسبب نزول المعوذتين قصة " لبيد بن الأعصم " الذي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشطٍ ومشاطة وجف - قشر الطلع - طلعةٍ ذكر، ووترٍ معقود فيه إِحدى عشرة عقدة، مغروزٍ بالإِبر، فأنزلت عليه المعوذتان، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد في نفسه خفه صلى الله عليه وسلم حتى انحلت العقدة الأخيرة فقام فكأنما نشط من عقال { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أي ومن شر الحاسد الذي يتمنى زوال النعمة عن غيره، ولا يرضى بما قسمه الله تعالى له.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- الجناس الناقص بين { فَلَقِ } و { خَلَقَ }.
2- الإِطناب بتكرار الاسم { شَرِّ } مراتٍ في السورة { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ } { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ } الخ تنبيهاً على شناعة هذه الأوصاف.
3- ذكر الخاص بعد العام للاعتناء بالذكور { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } فإِنه عموم يدخل تحته شر الغاسق، وشر النفاثات، وشر الحاسد.
4- جناس الاشتقاق بين { حَاسِدٍ } و { حَسَدَ }.
5- توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) | قال ابن عباس { ٱلْفَلَقِ }: الصبح، وقال ابن جرير: وهي كقوله تعالى:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96]، وقال ابن عباس: { ٱلْفَلَقِ } الخلق، أمر الله نبيّه أن يتعوذ من الخلق كله، وقال كعب الأحبار: { ٱلْفَلَقِ } بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، قال ابن جرير: والصواب القول، إنه فلق الصبح، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري رحمه الله تعالى، { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي من شر جميع المخلوقات، قال الحسن البصري: جهنم وإبليس وذريته مما خلق، { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال مجاهد { غَاسِقٍ } الليل { إِذَا وَقَبَ } غروب الشمس، وقال الحسن وقتادة: إنه الليل إذا أقبل بظلامه، وقال الزهري: الشمس إذا غربت، وعن عطية وقتادة: { إِذَا وَقَبَ } الليل إذا ذهب، وقال أبو هريرة { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الكوكب، قال ابن جرير، وقال آخرون: هو القمر، قالت عائشة رضي الله عنها: **" أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني القمر حين طلع، وقال: " تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب " "** ، ولفظ النسائي: **" تعوذي بالله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب "** ، قال الأولون: هذا لا ينافي قولنا، لأن القمر آية الليل، ولا يوجد له سلطان إلاّ فيه، وكذلك النجوم لا تضيء إلاّ بالليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم.
وقوله تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } قال مجاهد وعكرمة: يعني السواحر، قال مجاهد: إذا رقين ونفثن في العقد، وفي الحديث: **" أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتكيت يا محمد؟ فقال: " نعم " ، فقال: باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك "** ولعل هذا كان من شكواه صلى الله عليه وسلم حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رؤوسهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم. روى البخاري في كتاب الطب من " صحيحه " ، عن عائشة قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن. قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال: " يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عن رجليَّ، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال (لبيد بن أعصم) رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقاً، قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر، تحت راعوفة في بئر ذروان، قالت: فأتى البئر حتى استخرجه، فقال: " هذه بئر التي أُريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين " ، قال: فاستخرج، فقلت: أفلا تنشَّرت؟ فقال: " أما الله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وروى الثعلبي في " تفسيره " ، قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما: **" كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدبت إليه اليهود. فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له (ابن أعصم) ثم دسها في بئر لبني زريق، يقال له ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتثر شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب، ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طبَّ، قال: وما طب؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان، والجف قشر الطلع، والراعوفة حجر في أسفل البئر ناتىء يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم: مذعوراً، وقال: " يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي " ، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر، كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله السورتين، فجعل كلما قرآ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين، الله يشفيك، فقالوا: يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن يثير على الناس شراً " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } تقدم معنى أعوذ في التعوذ ومعنى رب في اللغات والفاتحة، وفي الفلق ثلاثة أقوال: الأول: أنه الصبح ومنه فالق الإصباح قال الزمخشري: هو فعل بمعنى مفعول، الثاني: أنه كل ما يفلقه الله كفلق الأرض عن النبات والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد والحب والنوى وغير ذلك، الثالث: أنه جُبٌ في جهنم. وقد رُوي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } هذا عموم في جميع المخلوقات وشرهم على أنواع كثيرة، أعاذنا الله منها. وما هنا موصولة أو موصوفة أو مصدرية { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } فيه سبعة أقوال، الأول: أنه الليل إذا أظلم ومنه قوله تعالى:**{ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ }** [الإسراء: 78] وهذا قول الأكثرين، وذلك ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإنس والجن، ولذلك قال في المثل: الليل أخفى للويل. الثاني: أنه القمر. خرَّج النسائي **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى القمر فقال: يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب "** ووقوبه هذا كسوفه، لأن وقب في كلام العرب يكون بمعنى الظلمة والسواد وبمعنى الدخول فالمعنى إذا دخل في الكسوف أو إذا أظلم به. الثالث: أنه الشمس إذا غربت والوقوب على هذا المعنى الظلمة أو الدخول. الرابع: أن الغاسق النهار إذا دخل في الليل، وهذا قريب من الذي قبله، الخامس: أن الغاسق سقوط الثريا وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: النجم هو الغاسق فيحتمل أن يريد الثريا السادس: قال الزمخشري: يجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه السابع: أنه إبليس حكى ذلك السهيلي { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } النفث شبه النفخ دون تفل وريق قاله ابن عطية، وقال الزمخشري: هو النفخ مع ريق وهذا النفث ضرب من السحر وهو: أن ينفث على عقد تعقد في خيط أو نحوه على اسم مسحور فيضره ذلك، وحكى ابن عطية أنه حدثه ثقة أنه رأى عند بعض الناس بصحراء المغرب خيطاً أحمر قد عقدت فيه عقد على فُصْلان وهي أولاد الإبل فمنعها بذلك من رضاع أمهاتها، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه فرضع في الحين قال الزمخشري: إن في الاستعاذة من النفاثات ثلاثة أوجه: أحدها: أن يستعاذ من مثل عملهن وهو السحر، من ائتمن في ذلك. والثاني: أن يستعاذ من خداعهن للناس وفتنتهن والثالث: أن يستعاذ مما يصيب من الشر عند نفثهن. والنفاثات بناء مبالغة والموصوف محذوف تقديره: النساء النفاثات، والجماعة النفاثات، أو النفوس النفاثات، والأول أصح لأنه روي أنه إشارة إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي، وكنَّ ساحرات سحرن هن وأبوهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقدن له إحدى عشر عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشر آية بعدد العقد وشفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن قيل: لم عرّف النفاثات بالألف واللام ونكر ما قبله وهو غاسق وما بعده وهو حاسد مع أن الجميع مستعاذ منه؟ فالجواب: أنه عرف النفاثات ليفيد العموم لأنه كل نفاثة شريرة بخلاف الغاسق والحاسد فإن شرهما في بعض دون البعض.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الحسد خُلُق مذموم طبعاً وشرعاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب "** وقال بعض العلماء: الحسد أول معصية عُصِيَ الله بها في السماء والأرض أما في السماء فحسد إبليس لآدم وأما في الأرض فقتل قابيل لأخيه هابيل بسبب الحسد، ثم إن الحسد على درجات. الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن أخيه المسلم وإن كانت لا تنتقل إليه بل يكره إنعام الله على غيره ويتألم به. الثانية: أن يحب زوال تلك النعمة لرغبته فيها وجاء انتقالها إليه. الثالثة: أن يتمنى لنفسه مثل تلك النعمة من غير أن يحب زوالها عن غيره وهذا جائز وليس بحسد وإنما هو غبطة. والحاسد يضر نفسه ثلاث مضرات: أحدها: اكتساب الذنوب لأن الحسد حرام. الثانية: سوء الأدب مع الله تعالى، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على عبده واعتراض على الله في فعله. الثالثة: تألم قلبه من كثرة همه وغمه. فنرغب إلى الله أن يجعلنا محسودين لا حاسدين، فإن المحسود في نعمة والحاسد في كرب ونقمة، والله در القائل:
| **وإني لأرحم حسَّادي لفرط ما** | | **ضمَّت صدورهمُ من الأوغار** |
| --- | --- | --- |
| **نظروا صنيع الله بي فعيونهم** | | **في جنة وقلوبهم في نار** |
وقال آخر:
| **إن يحسدوني فإني غيرُ لائمهم** | | **قبلي من الناس أهلَ الفضل قد حسدوا** |
| --- | --- | --- |
| **فدام لي ولهم ما بي وما بِهمُ** | | **وماتَ أكثرنا غيظاً بما يجدُ** |
ثم إن الحسود لا تزال عداوته ولا تنفع مداراته وهو ظالم يشاكي كأنه مظلوم، ولقد صدق القائل:
| **كل العداوة قد ترجى إزالتها** | | **إلا عداوة من عاداك من حسد** |
| --- | --- | --- |
وقال حكيم الشعراء:
| **وأظلم خلق الله من بات حاسداً** | | **لمن بات في نعمائه يتقلب** |
| --- | --- | --- |
قال ابن عطية: قال بعض الحذاق: هذه السورة خمس آيات وهي مراد الناس بقولهم للحاسد الذي يخاف منه العين: الخمسة على عينك، فإن قيل: إذا وقب، وإذا حسد فقيد بإذا التي تقتضي تخصيص بعض الأوقات؟ فالجواب: أن شر الحاسد ومضرته إنما تقع إذا أمضى حسده، فحيئنذ يضر بقوله أو بفعله أو بإصابته بالعين، فإن عين الحسود قاتلة. وأما إذا لم يمض حسده ولم يتصرف بمقتضاه فشره ضعيف ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة فمخرجه من الحسد أن لا يبقى ومخرجه من الظن أن لا يحقق ومخرجه من الطيرة ألا يرجع، فلهذا خصه بقوله إذا وقب، فإن قيل: إن قوله من شر ما خلق عموم يدخل تحته كل ما ذكر بعده فلأي شيء ذكر ما بعده؟ فالجواب: أن هذا من التجريد للاعتناء بالمذكور بعد العموم، ولقد تأكد ما ذكر في هذه السورة بعد العموم بسبب السحر الذي سحر اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة حسدهم له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير غريب القرآن / زيد بن علي (ت 120 هـ) | وقوله تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } معناه السَّواحرُ يَنفِثنَّ في الظُلمِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) | { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } هذه السورة مكية وسبب نزولها المعوذتين قصة لبيد وما حكي عنه ولما شرح أمر الإِلٰهية في السورة قبلها شرحا يستعاذ منه بالله من الشر الذي في العالم ومراتب مخلوقاته، و { ٱلْفَلَقِ } الصبح قاله ابن عباس.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشىء من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد كالإِحراق بالنار والإِغراق بالبحر والقتل باسم والـ { غَاسِقٍ } الليل و { وَقَبَ } أظلم ودخل على الناس قاله ابن عباس و { ٱلنَّفَّاثَاتِ } النساء السواحر يعقدون عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين والإِستعاذة من شرهن هو ما يصيب الله به من الشر عند فعلهن ذلك وقيد الغاسق والحاسد بالظرف لأنه إذا لم يدخل الليل لا يكون شر منسوب إلي والحاسد لا يؤثر حسده إلا إذا أظهره بأن يحتال للمحسود فيما يؤذيه أما إذا لم يظهر الحسد فما يتأذى به إلا الحاسد لاغتمامه بنعمة غيره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) | أي من شرِّ السَّواحِرِ ينفُثْنَ؛ أي يسحَرْنَ في عُقَدِ السحرِ، وهن الجماعات السواحر، وذلك أنَّهن إذا أردنَ الإضرارَ بإنسانٍ نفَثْنَ عليه ورقَّيْنَهُ بكلامٍ فيه كفرٌ وشرك وتعظيمُ الكواكب من الأدويةِ الضارَّة والسُّموم القاتلةِ بالاحتيال، ثم يزعُمن إذا ظهر الضُّر عليه أنَّ ذلك من رُقَاهِنَّ.
وإذا أردنَ نفعَ إنسان نَفَثْنَ عليه، واحتَلنَ أنْ يَسقِينَهُ شيئاً من الأدويةِ النافعة، ثم إذا اتَّفقَ للعليلِ خفَّةُ الوجعِ أوهَمْنَ أنَّهن اللَّواتي نفعنَهُ من النفعِ والرقى، والنَّفثُ هو أن يُلقِي الإنسان بعضَ ريقه على منَ يعوِّذهُ، يقالُ: نَفَثَ يَنْفُثُ، وتَفَلَ يَتْفُلُ بمعنى واحدٍ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } إلى آخرها.
(قال زر: سألت أُبي بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: قيل لي فقلت فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقاله ابن مسعود بمثله. ومعنى ذلك - والله أعلم - أنهما سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن إثبات " قل " في أولهما، فقال النبي عليه السلام: قيل: لي: " قُلْ أَعوذُ " ، فقلت: [أي]: قيل لي: اقرأ { قُلْ أَعُوذُ } فقرأها، بإثبات " قل " على أنها أمر به. وكأنه كان يقال في غير هذه السور الثلاث: " قل ألَم نشرَحْ " ، " قُل إنّا أنزَلناهُ ".
وقيل في هذه الثلاثة: اقرأ: { قُلْ أَعُوذُ } ، اقرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ } ، هذا بإثبات " قل " في ذلك، وقال أبي بن كعب وابن مسعود: فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعنى: اقرأ - يا محمد - { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }.
قال ابن عباس: " الفلق: سجن في جهنم ". قال بعض الصحابة: الفلق بيت في جهنم، إذا فتح هرب أهل النار، [كذا في كتاب عبد بن حميد]. وذكر ابن وهب أن كعباً قال: الفلق بيت في جهنم إذا (فتح) صاح جميع أهل النار من شدة حره أعاذنا الله منها.
وقال السدي: الفلق جب " في جهنم ". وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال): **" الفلق جب في جهنم مغطى ".** وقال أبو عبد الرحمن [الحبلي]: هو جهنم.
وقال ابن عباس والحسن وابن جبير ومحمد بن كعب ومجاهد وقتادة وابن زيد: هو فلق النهار، يريدون فلق الصبح، وعن ابن جبير [أيضاً] أنه جب في النار.
والعرب تقول: هو أبين من فلق الصبح، ومن [فرق] الصبح يعنون الفجر، ويقولون لكل شيء أضاء من الأرض: فلق.
وعن ابن عباس أيضاً: الفلق: [الخلق].
وقوله: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } ، أي: من شر كل ذي شر، أمر الله نبيه أن يتعوذ من شر (كل) ذي شر، لأن ما سواه - تعالى ذكره - مخلوق.
ثم قال تعالى ذكره: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }.
قال ابن عباس والحسن: الغاسق [الليل إذا أظلم].
وقال محمد بن كعب { غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } " النهار إذا دخل [في الليل].
وقال مجاهد: هو الليل [: إذا أظلم، وقال أيضاً]: إذا دخل.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: هو " كوكب ".
وقال ابن زيد: كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطاعون يكثران عند سقوطهما ويرتفعان عند طلوعها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" النجم هو الغاسق ".** وقالت عائشة رضي الله عنها: **" أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم نظر إلى القمر فقال: يا عائشة، تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب، (هذا غاسق إذا وقب) "** وقال الزهري: الغاسق إذا وقب: " الشمس إذا غربت ".
والمعروف في كلام العرب: وَقَبَ بمعنى دخَلَ.
ويقال: غَسَقَ: إذا أظلمَ، فالليل إذا دخل في ظلامه غاسقٌ، وكذا القمرُ إذا دخلَ في المَغيبِ للكسوف وغيره، وكذا النجم، [فالاستعاذة] عامة من [كل] هذا، فهو الظاهر.
ويقال: غَسَقَ إذَا أظلَمَ.
وقال القتبي: { إِذَا وَقَبَ }: هو القمر إذا دخلَ في ساهُوِرِهِ، وهو كالغلاف له، وذلك إذا خسف. وكلّ شيء أسْوَدُ فهو غَسَقٌ.
قال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة: الغاسق الليل.
قال الحسن: { إِذَا وَقَبَ }: إذا دخل على الناس.
قال عكرمة: تجلى فيه عفاريت الجنّ.
ثم قال تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }.
أي: من شرّ السواحر [اللاتي] ينفثن في الخيط حين [يَرْقِينَ] عليها.
قال ابن عباس: هو (ما) خلط السحر من الرُّقَى.
قال مجاهد: هو " الرُّقى فِي عُقَدِ الخَيْطِ ".
وقال مجاهد: هو نَفْثُ " السواحرِ في العقد ".
ويقال: إنهنّ نساء كنّ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سواحر، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منهنّ، لأنهنّ يوهمن / أنهم [ينفعن] أو [يضرّن]، فربما لحق الإنسانَ في دينه مأثم. ويروى أنّ النبيَّ لمّا سُحِرَ عُقِدَت لهُ إحدَى عشْرة عُقْدَةً، فأَنزَلَ الله جلَّ ذكرُه إحدى [عَشْرَةَ] آيةً بِعَدَدِ العُقَدِ، وهي المَعُوذَتَانِ.
والنَّفْثُ يكونُ بالفَمِ [شَبيهٌ] بالنَّفْخِ، والتَّفْلُ لا يَكُونُ إلاّ معَ الرِّيقِ.
ثم قال: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }.
قال قتادة: معناه: " من شرِّ عَيْنِهِ وَنَفْسِهِ ".
وقال ابن زيد: أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ [يَسْتَعِيذَ] مِنْ شَرِّ اليَهُودِ الّذينَ حَسَدُوهُ، لَمْ يَمْنَعُهُم أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ إلاَّ [حسَدُهُم].
وقيل: هو لَبيدُ بنُ الأَعْصَمِ وبَناتِهِ منَ السَّواحِرِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) | قوله - عز وجل -: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }:
قال الفقيه - رحمه الله -: الأمر بالتعوذ به يحتمل وجوها ثلاثة:
أحدها: على التعليم، لا لنازلة كانت في ذلك الوقت؛ لكن لما علم الله - تعالى - من عظيم شر من ذكر بما يظن بالأغلب أن شر ما ذكر يتصل بالذي ذكر في علم الله تعالى؛ فأمرهم بالتعوذ به، كما أخبر في أمر الشيطان: أنه عدو لهم، وأنه يراهم من حيث لا يرونه؛ ليكونوا أبدا معدين متيقظين فزعين إلى الله - تعالى - معتصمين، وهذا أحق في التعليم من الذي ذكر في سورة الناس؛ لأنه أضر من ذلك العدو؛ لأن ضرره إنما يتصل به بإتيانه ما دعاه إليه الشيطان، وما يوسوس في صدره الوسواس، وذلك فعله يمكنه الامتناع عنه، وهذا الضرر يقع بفعل غيره من وجه لا يعلم مأتاه - أعني: شر النفاثات ونحو ذلك - فهو أحق في تعليم العباد فيه، والأمر بالفزع إلى من بلطفه جعل ذلك الفعل ممن ذكرنا معمولا فيه مؤثرا.
والثاني: ما قيل: **" نزل جبريل - عليه السلام - على رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال]: " إن عفريتا من الجن يكيدك؛ فتعوذ بأعوذ برب الفلق، وبرب الناس من شره إذا أويت إلى الفراش ".** والثالث: قيل: إن واحدا من اليهود سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل هذا.
قال أبو بكر الأصم: ذكروا في [هذه السورة] حديثا فيه ما لا يجوز؛ فتركته.
قال الفقيه - رحمه الله -: ولكن عندنا فيما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر - وجهان في إثبات [رسالته ونبوته].
أحدهما: بما أعلمه بالوحي أنه سحر، وذلك فعل فعلوه سرا منه، ولا وقوف لأحد على الغيب إلا بالوحي.
والثاني: بما أبطل عمل السحر بتلاوة القرآن؛ فيصير لتلاوته في إبطال عمل السحر ما لعصا موسى - عليه السلام - وأن هذا في كونه آية أعظم مما فعل موسى عليه السلام؛ لأن ذلك يتنوع بتنوع ما له الفعل والعمل من حيث الجوهر والطبع من حيث مرأى العين؛ فإنه ثعبان يلقف ما صنعوا. فأما إبطال السحر وعمله بتلاوة القرآن لا يكون إلا باللطف من الله تعالى، والله أعلم.
ثم الأصل في هذا عندنا: أنه قد ثبت الأمر بالتعوذ بقوله: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، وقد بينا حق الاشتراك فيما يتضمن هذا الأمر إن كان على نازلة في واحد، أو على ابتداء التعليم، فهو أمر فيه رجاء للفرج والمخرج من الأمور الضارة بما يعتصم فيها بالله - تعالى - بما عنده من اللطائف؛ فجائز تمكينه من أمور ضارة باللطف من حيث لا يعلم البشر مأتاه، ولعل الذي يعمل به لا يعلم حقيقة ذلك العمل الذي جعل الله لذلك العمل إلا بما سبق من وقوع ذلك، وقد يجوز الأمر والنهي بأشياء بعينها من الأفعال؛ لمكان ما يتولد عنها من المنافع والمضار باللطف من حيث لا فعل في حقيقة ذلك للخلق؛ وإنما ذلك لطف من الله - تعالى - نحو ما نهى عن أكل أشياء، وأمر بها، مما بها الاعتداء والقتل، من غير أن نعلم حقيقة وصول ذلك إلى ما يعدو أو يقتل وأي حكمة في ذلك ومعنى له؟.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وكذلك الموضوع من المناكح لطلب الولد وسقي الأشجار [والزروع بما يحدث الله فيها، وإن كان وجه العمل بالمأمور به، والمنهي عنه، وحقيقته بغير الذي له ذلك. وعلى ذلك الأمر بالاستماع]، والنظر لما يلقى إليه ويراه، وإن لم يكن حقيقة الإدراك فعله.
وعلى ذلك التقدير جائز أن يكون الله - تعالى - يجعل النفث بالعزائم، أو بأنواع السحر، أو بأنواع الرقى - أعمالا في المقصود بها من النفع والضر، لا يعلم حقيقة الوقوع والمعنى الموضوع فيه له من فيه ذلك الفعل، وهو به مأمور، وعنه منهي؛ بما له من حقيقة الفعل، وإن لم يكن النافع به في حقيقة فعله.
ثم قوله - عز وجل -: { ٱلْفَلَقِ } اختلفوا فيه:
قال بعضهم: الصبح.
وقيل: كل شيء ينفلق من جميع ما خلق، نحو الأرحام؛ ليتعرف ما فيها، والحب، والنوى، والهوام، وكل شيء.
فمن ذهب إلى تخصيص الصبح؛ فهو لأنه آخر الليل، وأول النهار، وقد جرى تدبير الله - تعالى - في إنشاء هذين الوقتين على جميع العالم، بحيث لا يملك أحد الامتناع عن حكمهما فيما جعل لهما، وهما النهاية في العلم بعلم الله - تعالى - الغيب؛ إذ جرى من تدبيره في أمر الأوقات في الليل والنهار على حد واحد كل عام، بما فيهما من الرحمة للخلق وأنواع المحنة، ومَنَّ عليهما بما يأتيان الخلق ويذهبان؛ فكأنما ذكر جميع الخلق على ما ذكر في تأويل قوله - تعالى -:**{ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }** [الناس: 1]؛ فيكون فيه لو [قصد بالذكر] ما في كل ذلك، ولا قوة إلا بالله.
وقوله - عز وجل -: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } ، له وجهان:
أحدهما: من شر خلقه؛ لما أضاف إلى فعله؛ كما يقال: " من شر فعل فلان " ، أي: من شر [ما] يفعله.
ويحتمل من شر يكون من خلقه، لكن الإضافة إليه بما هو خالق كل شيء من فعل خلقه، ومن خلق ما له الفعل ولا فعل.
والأول كأنه أقرب؛ لما ذكر في بقية السورة [من] الواقع بخلقه المكتسب من جهتهم، وأضيف إليه، لما [بينا، ولأن] كل شر اكتسبه الخلق فذلك منسوب إلى الله - تعالى - خلقا، وهو فعل المكتسب وكسبه، فمتى كان المراد من قوله - تعالى -: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } هذا النوع؛ فكأن ذكر ما بعده يكون تكريرا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وإذا حمل الأول على محض التخليق فيما لا صنع للخلق فيه من الشرور، كان ذكر ما لهم صنع فيه - وإن كان بخلق الله تعالى، لا يكون تكريرا - فيكون هذا التأويل أحق، مع ما قد بينا أنه يمنع في فعل غيره بلطف، [أو إعجاز، وفي الإعجاز لا يحتمل التعوذ من شر من لا يقدر على فعل يتصل به الشر، وفي ذلك إثبات التمكين لما يقع به الشر؛ فيجوز] التعوذ من الذي منه أذية تكون من غيره، على ما بينا من جواز الأمر والنهي عن أفعال لمكان ما يقع بها، وإن لم يكن الواقع في الحقيقة لهم؛ فعلى ذلك التعوذ من شر خلقه، وهو التمكين [والله الموفق والمعين].
وفي هذا تعلق بعض من يقول [بأن القوة] تسبق الفعل: أنه لو لم يكن له قوة على الشر كيف كان يتعوذ من شر من لا يقوى عليه؟.
والجواب من وجهين:
أحدهما: أن التعوذ يكون بما سيفعل بما يملك هو ما يقع لديه الفعل، وهو الآلات السليمة والقدر تحدث تباعاً على حدوث الأفعال، وتحدث لما يختار هو؛ فصارت القدرة في كونها لما يختار؛ ككون ما يختار من الفعل بالاختيار بحدوث القدرة حالة الفعل؛ فيتعوذ منه؛ لعلمه أن الذي به كأنه في يده.
والثاني: أن قد جرت العادة بالعلم بما يقع في المتعارف: كالعلم بما هو واقع في الرغبة والرهبة؛ ألا ترى أنه يتعوذ من ظلم الجبابرة والظلمة، على ما بينهم من بعد الأمكنة وطول المدد؛ لإمكان الوصول بما اعتيد منهم بلوغ أمثال ذلك، وإن كانت القدرة على الظلم في حقه للحال معدومة، لا تبقى في مثل هذه المدة؛ فعلى ذلك الأمر الأول:
وقوله - عز وجل -: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ، اختلف فيه:
قيل: الغاسق: هو الليل المظلم: والغسق الظلمة.
وقيل: سمي الليل: غاسقا؛ لأن الغاسق: البارد، قال الله تعالى:**{ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً \* إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً \* جَزَآءً وِفَاقاً }** [النبأ: 24-26]، والليل أبرد من النهار؛ لذلك سمي: غاسقا.
والأصل في هذا: أن الذي ذكر لا يكون منه ضرر يتعوذ منه، لكنه يرجع إلى من كان في ظلمة الليل، أو في نور القمر من الذي يأتي منه المضار، ومعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلمة الليل، ومنها في الليالي لا يمكن إلا بنور القمر؛ فأمر بالتعوذ مما يكون فيها، لا أن يكون منها، وهو كقوله - تعالى -:**{ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً }** [يونس: 67]؛ لما يقع به الإبصار؛ لا أنه يقع منه ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وهذا - والله أعلم - ليس على تخصيص الليل بذلك؛ لأنه ليس له فعل الضر، لكن قد يعرض به الإمكان من الشر؛ لما المعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلمة الليل، ومنها في الليل لا يمكن إلا بنور القمر؛ فأمر بالتعوذ منه عما يتحقق فيه؛ فعلى ذلك يجوز التعوذ من شر النهار، على تأويل ما يقع به من التمكين من الشر، ويوجد فيه، والله أعلم.
وقوله: { إِذَا وَقَبَ } اختلفوا في معنى { وَقَبَ }: قيل: إذا جاء ودخل.
وقيل: ذهب.
وقيل: معناه: القمر إذا خسف، أمر بالاستعاذة من ذلك؛ إذ هو علم من أعلام الساعة؛ لهذا قال: { إِذَا وَقَبَ }؛ إذ القمر لا يخسف إلا في الليل.
وقوله - عز وجل -: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }:
فهذا تعوذ من شرهم بحسب سببه، لكنه في الحقيقة فعل لهم، وفي الأول يقع سببه بلا صنع لهم، فكأنه في الجملة أمر بالتعوذ من كل سبب خيف تولد الشر منه، فعلا كان ذلك له أو لم يكن؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -:**{ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ }** [لقمان: 33]، وقد يكون للشيطان فعل في الحقيقة، ولا يكون للحياة الدنيا فعل؛ فوقع النهي عن الاغترار بهما؛ فعلى ذلك التعوذ من شر الأمرين وإن لم يكن لأحدهما فعل بما يقع فيه.
وجائز أن يكون من هذا الوجه في الملائكة محنة في الدفع والحفظ؛ لقوله - عز وجل -:**{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ }** [الرعد: 11]، قيل فيه: أي: بأمر الله يقع حفظه؛ فجائز أن يكون في هذه الأمور الخفية، وأنواع المضار من حيث لا يعلم إلا بعد جهد يقع الحفظ بالله - تعالى - على استعمال الملائكة.
وعلى ذلك يجوز أن يكون أمر سلامة المطاعم والمشارب والمنافع التي للبشر عن إفساد الجن، يحفظ ما ذكر؛ ليكون فيها محنة للملائكة، على ما كان مكان وسواس الشيطان إيقاظ الملائكة ومعونتهم.
ويحتمل أن يكون الله - تعالى - لم يمكنهم إفساد ما ذكرنا وإن مكنهم الوسواس؛ إذ باللطف يمنع من حيث لا يعلم.
وقيل - أيضا -: من أمر الله: عذابه وأنواع البلايا إلى وقت إرادة الله - تعالى - الوقوع.
وقوله - عز وجل -: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } يخرج على وجهين:
أحدهما: إذا كان الحاسد دون المحسود، لا يقوى على الشر ليفعل به، والشر المتوهم منه يكون من شر عينه، وعمل الحسد إرادة زوال نعم المحسود وذهاب دولته.
وإنه جائز أن يكون الله - عز وجل - بلطفه يجعل في بعض الأعيان عملا يتأدى بالنظر إلى ما يستحسنه من النعم إلى الزوال، ويؤثرون ذهاب الدولة عنه؛ فأمر بالتعوذ لهذا، وقد بينا لك المتولدات من الأفعال بما جعل الله - تعالى - فيها من المضار والمنافع ما لا يبلغها علوم الخلق، بل لو أراد الخلق أن يعرفوا ما في البصر من الحكمة التي تدرك بفتح البصر ما بين السماء والأرض من غير كثير مهلة، لم يقدروا عليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروى عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" لا رقية إلا من عين أو حمة ".** وعن ابن عباس - رضي الله عنه -: **" العين حق، فإن كان شيء يسبق القدر لسبقه العين ".** وفي خبر آخر: **" لا شر في الهام، والعين حق ".** ويدل عليه في قصة إخوة يوسف - عليه السلام -:**{ وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ }** [يوسف: 67].
وقد فسر قوم وجه عمل العين وكيفيته، لكنه أمر كعمل الشمس في العين نفسها فيما تبصر الشمس وتنظر إليها، فإنها تضره وتغلبه عن النظر على بعدها من العين بما جعل الله - تعالى - وذلك من اللطف والحكمة، وكذلك عمل العين في المعيون.
والثاني: أن يكون بما حسد أن يبعث حسده على الحيل وأنواع ما به العين من السعي في الأمور التي بها الفساد على ضعفه في نفسه؛ قال الله - تعالى - في صفة المنافقين:**{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ }** [المنافقون: 4]، فمع ما بين من فشلهم وضعفهم، أمرهم بالحذر عنهم، وقال:**{ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً }** [النساء: 76]، ثم أمر بالتعوذ من شره؛ فكذلك الحاسد، والله أعلم [بالصواب].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) | { قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما أصابتك من أعدائك مصيبة وعرضتك بشؤم أعينهم عارضة؛ إزالة لها ودفعاً لضررها: { أَعُوذُ } وألوذ مخلصاً { بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } [الفلق: 1] أي: بالذي فلق وشق ظلام الليل بنور الصبح المنير، وفلق ظلمة العدم بإشراق نور الوجود.
{ مِن شَرِّ } جميع { مَا خَلَقَ } [الفلق: 2] في عالم الكون والفساد من النفوس الخبيثة.
{ وَ } كذا ألوذ به سبحانه { مِن شَرِّ } كل { غَاسِقٍ } مظلم محيل { إِذَا وَقَبَ } [الفلق: 3] دخل وانغمس في ظلامه ليحيل ويمكر.
{ وَ } كذا { مِن شَرِّ } النساء السواحر { ٱلنَّفَّاثَاتِ } النافخات بريق أفواههن { فِي ٱلْعُقَدِ } [الفلق: 4] التي عقدن على الخيط؛ ليسحرن الناس بها.
{ وَ } بالجملة: أعوذ برب الفلق { مِن شَرِّ } كل { حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [الفلق: 5] وقصد أن يحسد، فإنه سبحانه يكفي مؤنة شرورهم عنك بحوله وقوته.
خاتمة السورة
عليك أيها المحمدي المتلجئ إلى الله، المستعد بفضله وحوله وقوته أن تداوم على ذكر الله وقراءة القرآن، وتكرار الأذكار والتسابيح المأثورة من النبي المختار في عموم أوقاتك وحالاتك، سيما في خلال الليالي والأسحار، وفي آناء الليل وأطراف النهار، لعل الله يرقيك عن فتنة ما ذرأ وبرأ في الليل والنهار، ويكفي عنك مؤنة شرور من عاداك بالسحر وغيره بحوله وقوته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) | قوله: (نزلت هذه السورة والتي بعدها) ألخ، أي بأجماع الصحابة. قوله: (لما سحر لبيد) أي ابن الأعصم، وحاصله أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذلك الحجة، ودخل المحرم سنة سبع، وفرغ من وقعة خيبر، ج اءت رؤساء اليهود إلى البيد بن الأعصم، وكان حليفاً في بني زريق وكان ساحراً، فقالوا: أنت أسحرنا أي أعلمنا بالسحر، وقد سحرنا محمداً فلم يؤثر فيه سحرنا شيئاً، ونحن نجعل لك جعلاً عل أن تسحره لنا سحراً يؤثر فيه، فجعلوا له ثلاثة دنانير، فأتى غلاماً يهودياً كان يخذم النبي، فلم يزل به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعدة أسنان من مشطه وأعطاه له فسحره بها، وكان من جملة السرح، صورة من شمع على صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جعلوا في تلك الصورة إبراً مغروزة إحدى عشرة، ووتر فيه إحدى عشرة عقدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عقدة، وكلما نزع إبرة وجد لها ألم في بدنه، ثم يجد بعدها راحة، وكانت مدة سحره صلى الله عليه سلم أربعين يوماً، وقيل: ستة أشهر، وقيل: عاماً، قال ابن حجر وهو المعتمد: إن قلت: كيف يؤثر السحر فيه صلى الله عليه وسلم مع أنه معصوم بنص**{ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ }** [المائدة: 67]؟ أجيب: بأن المعصوم منه ما أدى لخبل في عقله، أو لضياع شرعه أو لموته، وأما ما عدا ذلك، فهو من الإعراض البشرية الجائزة في حقه، كما أن جرحه وكسر رباعيته، لا يقدح في عصمته، وأنكر بعض المبتدعة حديث السحر، زاعمين أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، وما أدى لذلك فهو باطل، وزعموا أيضاً أن تجويز السحر على الأنبياء، يؤدي لعدم الثقة مما أتوا به من الشرائع، إذ يحتمل أن يخيل إليه أن يرى جبريل يكلمه وليس هو، ثم وهذا كله مردود، لقيام الدليل على ثبوت السحر بإجماع الصحابة، وعصمته صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء، وصدقهم فيما يبلغونه عن الله، وأما ما كان متعلقاً بأمور الدنيا، فهم كسائر البشر تعتريهم الأعراض، كالصحة والسقم والنوم واليقظة والتألم بالسحر ونحو ذلك، وأما ما ورد في قصة السحر، مع أنه كان يخيل إليه أنه يأتي أهله ولم يأت، فمعناه أنه يظهر له من نشاطه وسابق عادته الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك، كما هو شأن المعقود، وتسمية العامة المربوط لما ورد: أنه حبس عن عائشة سنة، وعن ابن عباس: أنه مرض وحبس عن النساء والطعام والشراب، ففي ذلك دليل على أن السحر، إنما تسلط على ظاهره جسده، لا على عقله، ثم اعلم أن مذهب أهل السنة، أن السحر حق وله حقيقة، ويكون بالقول والفعل، ومن جملة أنواعه: السيمياء وهي حيل صناعية، يتوصل إليها بالاكتساب، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، ومادته الوقوف على خواص الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها وأوقاتها، وأكثرها تخيلات، فيعظم عند من لا يعرف ذلك، والحق أنه من الأسباب العادية التي توجد الأشياء عندها لا بها، فيؤثر في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر، وفي الأبدان بالألم والسقم، وأما قلب الجماد حيواناً وعكسه فباطل لا يتصور، إذ لو قدر الساحر على هذا، لقدر أن يرد نفسه إلى الشباب بعد الهرم، وأن يمنع نفسه من الموت، وهو حرام إن لم يكن بما يعظم به غير الله، أو يعتقد تأثيره بنفسه، وإلا فهو كفر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: (في وتر) بفتحتين أي وتر القوس. قوله: (فأحضر بين يديه) روي أنه صلى الله عليه وسلم كان نائماً ذات يوم، إذ أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ فقال: الذي عند رجليه: طب أي سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن عاصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة، وإذا تمثال من شمع على صورته صلى الله وسلم مغروز فيه إحدى عشرة إبرة، وكانت هذه المذكورات كلها موضوعة في الجف، وهو بضم الجيم وتشديد الفاء، وعاء طلع النخل، والراعوفة حجر أسفل البئر يقوم عليه المائح. قوله: (كأنما نشط من عقال) أي كأنما حل وأطلق منه. قوله: (الصبح) هذا أحد أقوال في معنى الفلق، وآثره وإشارة إلى التفاؤل الحسن، فإن مقصود العائذ من الاستعاذة، أن يتغير حاله بالخروج من الخوف إلى الأمن، ومن الوحشة إلى السرور والصبح أدل على هذا، لما فيه من زوال الظلمة بإشراق أنواره، وتغير وحشه الليل وثقله بسرور الصبح وخفته، وقيل: الفلق سجن في جهنم، وقيل: بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل جهنم من حره، وقيل: هو اسم من أسماء جهنم، وقيل: واد في جهنم، وقيل: شجرة في النار، وقيل: الرحم لا نفلاقه عن الولد، وقيل: كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والحب والنوى وكل نبات، وقيل: غير ذلك.
قوله: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } هذا عام وما بعده خاص، والجار والمجرور متعلق بـ { أَعُوذُ } و { مَا } موصولة أو مصدرية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: (وغير ذلك) أي كالإحراق بالنار والإغراق في البحار. قوله: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ } نكر { غَاسِقٍ } و { حَاسِدٍ } لإفادة التبعيض، لأن الضرر قد يتخلف فيهما، وعرف { ٱلنَّفَّاثَاتِ } لأنهن معهودات، فقيل: بنات لبيد، وقيل: إخواته. قوله: (أي الليل إذا أظلم) سمي الليل غاسقاً لانصباب ظلامه، واستعيذ من الليل لشدة الآفات فيه، و { إِذَا } منصوبة بـ { شَرِّ } أي أعوذ بالله من الشر في وقت كذا. قوله: (أو القمر) سمي غاسقاً لذهاب ضوئه بالكسوف، أو المحاق في آخر الشهر واسوداده، وقوله: (إذا غاب) أي استتر بالكسوف، أو أخذ في المحاق أو النقص، وذلك آخر الشهر، وفيه تتوفر أسباب السحر المصححة له، ويسميه المنجمون إذ ذاك نحساً، وهو أنسب بسبب النزول، وهذان قولان من جملة أقوال كثيرة، وقيل: الثريا وذلك لأنها إذا سقطت كثرت الأقسام والطواعين؛ وإذا طلعت ارتفع ذلك، وقيل: هو الشمس إذا غربت، وقيل: هو الحية إذا لدغت، وقيل: كل هاجم يضر كائناً ما كان. قوله: (السواحر) صفة لموصوف محذوف أي النساء السواحر، وخص النساء بالذكر، لأن سحرهن أشد من سحر الرجال، لما ورد: أنه بعد إغراق فرعون وقومه، وتوجه موسى وقومه لقتال الجبارين، ملك نساء القبط مصر، وأقمن فيها ستمائة سنة، كلما قصدهن عسكر صورن صورته، وفعلن بالصورة ما شئن من قلع الأعين وقطع الأعضاء، فيتفق نظيره للعسكر القاصد لهن فتخافهن العسكر. قوله: (بشيء) أي مع شيء أي قول تقوله. قوله: (من غير ريق) متعلق بـ (تنفخ)، واختلف في النفث عند الرقية والمسح باليد، فمنعه قوم لما فيه من التشبه بالسحر، وأجازها آخرون وهو الصحيح، لما ورد عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث في الركية، ورد عنها أيضاً أنها رقت ونفثت، وقال علي كرم الله وجهه: **" اشتكيت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وانا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحمني، وإن كان متأخراً فاشفني وعافني، وإن كان بلاء فصبرني، فقال صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ فقلت له، فمسحني بيده ثم قال: اللهم اشفه، فما عاد ذلك الوجع بعد "** اهـ. قوله: (وقال الزمخشري: معه) أي الريق، ففي النفث قولان.
قوله: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الحسد تمني زوال نعمة المحسود عنه، وإن لم يصر للحاسد مثلها، والغبطة تمني مثلها، فالحسد مذموم دون الغبطة، وعليها حمل حديث: **" لا حسد إلا في اثنتين "** والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض، فحسد إبليس آدم وقابيل هابيل، والحاسد ممقوت مبغوض ومطرود ومعلون، قال بعض الحكماء: بارز الحاسد ربه من خسمة أوجه، أولها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره. ثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه كأنه يقول: لم قسمت لي هذه القسمة؟ ثالثها: أنه يعاند فعل الله تعالى، رابعها: أنه يرى خذلان أولياء الله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
خامسها: أنه أعان عدو الله إبليس، وقال بعضهم: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاً، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغماً، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً واحتراقاً، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً، وفي الحديث: **" في الإنسان ثلاثة: الطيرة والظن والحسد، فيخرجه من الطيرة أن لا يرجع، ويخرجه من الظن أن يحقق، ويخرجه من الحسد من لا يبغي ".** قوله: (أظهر حسده) أي حمله الحسد على إظهاره، لأنه إذا لم يظهر الحسد، لا يتأذى به إلا الحاسد وحد لاغتمامه بنعمة غيره، وفي هذا المعنى قال بعض العارفين:
| **ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب** | | **أسأت على الله فعله** |
| --- | --- | --- |
| **لأنك لم ترض لي ما وهب** | | **فكان جزاؤك أن خصني** |
| **وسد عليك طريق الطلب** | | |
وقال بعضهم:
| **اصبر على حسد الحسو** | | **د فإن صبرك قاتله** |
| --- | --- | --- |
| **فالنار تأكل ب عضها** | | **إن لم تجد ما تأكله** |
فائدة: كرر لفظ شر من كل جمع لئلا يتوهم أنه شر واحد مضاف للجميع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) | أيها المتعوذ من شر القوى القالبية والنفسية المردية المؤدية المعنوية، { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } [الفلق: 1] إذا دخلت عالم القلب والنفس المظلمة بظلمات الهوى؛ يعني: استعذ برب الفلق وهو طلوع صبح القلب موافق النفس.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } [الفلق: 2]، من القوى القالبية والنفسية في هذا العالم الظلماني الكثير المهالك، { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } [الفلق: 3]؛ أي: من شر الظلماني الذي وقب عند اشتغال قوة من القوى إلى استيفاء شهواتها في عالمها بالهوى.
{ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } [الفلق: 4]؛ أي: من شر الخواطر الطارئة على النفس من نفس الشيطان في عقد عقيدتها المستحكمة بهواها، المستودعة تحت حجر القالب في بئر طبيعتها.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [الفلق: 5]؛ أي: من شر قوة حسدية نفسه حسدت على القوة القلبية عند انبعاثها وقت طلوع الفلق، وهذه الاستعاذة واجبة على اللطيفة عند سلوكها ووصولها إلى أفق القلب في عالم النفس، وأيضاً واجبة على اللطيفة القلبية السالكية الواصلة إلى أفق السر في عالم القلب، وأيضاً واجبة على اللطيفة القالبية السائرة الواصلة إلى الروح في عالم السر، وأيضاً واجبة على اللطيفة السرية السائرة الواصلة إلى أفق الخفى في الروح، وأيضاً واجبة على اللطيفة الخفية بتجلي اللطيفة على لطيفة أنانيتها، فأما استعاذة اللطيفة الخفية المنسوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم يقول في هذا المقام: **" اللهم إني أعوذ بك منك، اللهم أعذني من شري وشر ما يقوم بي، وأخرجني مني، وخذني عني "** ، على متابعة من قال من كمال معرفته، فأما أنا فلا أقول إلا: اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) | أي: { قُلْ } متعوذاً { أَعُوذُ } أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم { بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها، ثم خص بعد ما عمّ، فقال: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية. { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } أي: ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهنّ بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر. { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشر، عموماً وخصوصاً. ودلَّت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه [ومن أهله].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ) | 3747- عبد الرزاق، قال معمر، تلا قتادة: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }: [الآية: 4]، قال: إياكم ومخالط السحر من هذه الرقى.
3748- [....]، (هبيرة بن يريم) عن ابن مسعود [.....] فقد كفر بما أُنْزِلَ على محمد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي: ألوذ به وألتجئ إليه. والفلق فَعَل بمعنى المفعول. كقَصَص بمعنى مقصوص. قال ابن تيمية: كل ما فلقَه الرب فهو فلق. قال الحسن: الفلق كل ما انفلق عن شيء كالصبح والحَب والنوى. قال الزجاج: وإذا تأملت الخلق بَانَ لك أن أكثره عن انفلاق. كالأرض بالنبات والسحاب بالمطر. وقد قال كثير من المفسرين: الفلق: الصبح. فإنه يقال: هذا أبين من فلق الصبح وفرق الصبح.
وقال بعضهم: الفلق: الخلق كله. وأما من قال إنه واد في جهنم أو شجرة في جهنم أو أنه اسم من أسماء جهنم، فهذا أمر لا نعرف صحته. لا بدلالة الاسم عليه، ولا بنقلٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا في تخصيص ربوبيته بذلك حكمة. بخلاف ما إذا قال: رب الخلق أو رب كل ما انفلق أو رب النور الذي يظهره على العباد بالنهار. فإن في تخصيصه هذا بالذكر، ما يظهر به عظمة الرب المستعاذ به. انتهى
وقوله تعالى: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي: من شر ما خلقه من الثقلين وغيرهم، كائناً ما كان من ذوات الطبائع والاختيار. وقوله سبحانه: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال أبو السعود: تخصيص لبعض الشرور بالذكر، مع اندراجه فيما قبله لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة، لكثرة وقوعه. ولأن تعيين المستعاذ منه أدل على الاعتناء بالاستعاذة، وأدعى إلى الإعاذة.
وقال الإمام ابن تيمية: إذا قيل الفلق يعم ويخص، فبعمومه استعيذ من شر ما خلق، وبخصوصه للنور النهاريّ استعيذ من شر غاسق إذا وقب. فإن الغاسق قد فسر بالليل كقوله:**{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ }** [الإسراء: 78] وهذا قول أكثر المفسرين وأهل اللغة. قالوا: ومعنى { وَقَبَ } دخل في كل شيء. قال الزجاج: الغاسق: البارد. وقيل لليل غاسق، لأنه أبرد من النهار. وقد روى الترمذي والنسائيّ عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال: **" يا عائشة! تعوذيّ بالله من شره، فإنه الغاسق إذا وقب "** وروي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: **" الغاسق: النجم "** وقال ابن زيد: هو الثريا. وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها. وهذا المرفوع قد ظن بعض الناس منافاته لمن فسره بالليل فجعلوه قولاً آخر، ثم فسروا وقوبه بسكونه. قال ابن قتيبة: ويقال الغاسق: القمر إذا كسف واسودّ. ومعنى وقب: دخل في الكسوف. وهذا ضعيف. فإن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعارض بقول غيره، وهو لا يقول إلا الحق. وهو لم يأمر عائشة بالاستعاذة منه عند كسوفه بل مع ظهوره. وقد قال الله تعالى:**{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
[الإسراء: 12] فالقمر: آية الليل. وكذلك النجوم إنما تطلع فترى بالليل. فأمُره بالاستعاذة من ذلك أمرٌ بالاستعاذة من آية الليل ودليله وعلامته. والدليلُ مستلزم للمدلول. فإذا كان شر القمر موجوداً، فشر الليل موجود. وللقمر من التأثير ما ليس لغيره. فتكون الاستعاذة من الشر الحاصل عنه أقوى. ويكون هذا كقوله عن المسجد المؤسس على التقوى: **" هو مسجدي "** هذا مع أن الآية تتناول مسجد قباء قطعاً. وكذلك قوله عن أهل الكساء: **" هؤلاء أهل بيتي "** مع أن القرآن يتناول نساءه. فالتخصيصُ لكون المخصوص أولى بالوصف. فالقمر أحق ما يكون بالاستعاذة، والليل مظلم منتشر فيه شياطين الإنس والجن، ما لا تنتشر بالنهار. ويجري فيه من أنواع الشر ما لا يجري بالنهار من أنواع الكفر والفسوق والعصيان والسرقة والخيانة والفواحش وغير ذلك. فالشر دائماً مقرون بالظلمة. ولهذا إنما جعله الله لسكون الآدميين وراحتهم. لكن شياطين الإنس والجن تفعل فيه من الشر ما لا يمكنها فعله بالنهار. ويتوسلون بالقمر وبدعوته وعبادته. وأبو معشر البلخيّ له (مصحف القمر) يذكر فيه من الكفريات والسحريات ما يناسب الاستعاذة منه. انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
ثم خص تعالى مخلوقات أخر بالاستعاذة من شرها، لظهور ضررها وعسر الاحتياط منها. فلا بد من الفزع إلى الله والاستنجاد بقدرته الشاملة على دفع شرها، فقال سبحانه: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } قال ابن جرير: أي: ومن شر السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها، وبه قال أهل التأويل. فعن مجاهد: الرقي في عقد الخيط. وعن طاوس: ما من شيء أقرب إلى الشرك من رقية المجانين. ومثله عن قتادة والحسن. وقال الزمخشري: النفاثات: النساء أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين. والنفث: النفخ مع ريق. ولا تأثير لذلك، اللهم إلا إذا كان ثَمَّ إطعام شيء ضار أو سقيه أو إشمامه، أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه. ولكن الله عزّ وجل قد يفعل عند ذلك فعلا على سبيل الامتحان الذي يتميز به الثبت على الحق من الحشوية والجهلة من العوام، فينسبه الحشوية والرعاع إليهن وإلى نفثهن. والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبؤون به.
فإن قلت: فما معنى الاستعاذة من شرهن؟ قلت: فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر، ومن إثمهن في ذلك.
والثاني: أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن وما يخدعنهم به من باطلهن.
الثالث: أن يستعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن. انتهى.
وفي الآية تأويل آخر، وهو اختيار أبي مسلم رحمه الله. قال: النفاثات النساء. والعقد عزائم الرجال وآراؤهم، مستعار من عقد الحبال. والنفث وهو تليين العقدة من الحبل بريق يقذفه عليه ليصير حبله سهلاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فمعنى الآية: إن النساء لأجل كثرة حبهن في قلوب الرجال يتصرفن في الرجال يحولنهم من رأي إلى رأي ومن عزيمة إلى عزيمة. فأمر الله رسوله بالتعوذ من شرهن. كقوله:**{ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ }** [التغابن: 14] فكذلك عظم الله كيدهن فقال:**{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }** [يوسف: 28].
تنبيه
قال الشهاب: نقل في التأويلات عن أبي بكر الأصم أنه قال: إن حديث سحره صلوات الله عليه، المرويّ هنا، متروك لما يلزم من صدق قول الكفرة أنه مسحور. وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله فيه. ونقل الرازيّ عن القاضي أنه قال: هذه الرواية باطلة. وكيف يمكن القول بصحتها، والله تعالى يقول:**{ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ }** [المائدة: 67]. وقال:**{ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ }** [طه: 69] ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوّة. ولأنه لو صح ذلك، لكان من الواجب أن يصلوا إلى ضرر جميع الأنبياء والصالحين، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم، وكل ذلك باطل. ولكان الكفار يعيرونه بأنه مسحور. فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوة، ولحصل فيه، عليه السلام ذلك العيب. ومعلوم أن ذلك غير جائز. انتهى.
ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه، وإن كان مخرجاً في الصحاح. وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالماً من النقد، سنداً أو معنى. كما يعرفه الراسخون. على أن المناقشة في خبر الآحاد معروفة من عهد الصحابة.
قال الإمام الغزاليّ في (المستصفى): ما من أحد من الصحابة إلا وقد ردّ خبر الواحد. كردّ عليّ رضي الله عنه خبر أبي سنان الأشجعيّ في قصة (بروع بنت واشق) وقد ظهر منه أنه كان يحلف على الحديث. وكردّ عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه. وظهر من عمر نهيه لأبي موسى وأبي هريرة عن الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وأمثال ذلك مما ذكر. أوردَ الغزاليّ ذلك في مباحث (خبر الآحاد في شبه المخالفين فيه). وذكر رحمه الله في (مباحث الإجماع) إجماع الصحابة على تجويز الخلاف للآحاد، لأدلة ظاهرة قامت عندهم.
وقال الإمام ابن تيمية في (المسوّدة): الصواب أن من رد الخبر الصحيح كما كانت الصحابة ترده، لاعتقاده غلط الناقل أو كذبه، لاعتقاد الرادّ أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا. فإن هذا لا يكفر ولا يفسق. وإن لم يكن اعتقاده مطابقاً، فقد ردّ غير واحد من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هي صحيحة عند أهل الحديث. انتهى.
وقال العلامة الفناري في (فصول البدائع): ولا يضلل جاحد الآحاد. والمسألة معروفة في الأصول. وإنما توسعتُ في نقولها لأني رأيت من متعصبة أهل الرأيَ من أكبر رد خبر رواه مثل البخاريّ، وضلل منكره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فعلمت أن هذا من الجهل بفن الأصول، لا بل بأصول مذهبه. كما رأيت عن الفناري. ثم قلت: العهد بأهل الرأي أن لا يقيموا للبخاريّ وزناً. وقد ردوا المئين من مروياته بالتأويل والنسخ. فمتى صادقوه حتى يضللوا مَنْ ردّ خبراً فيه؟؟ وقد برهن على مدعاه، وقام يدافع عن رسول الله ومصطفاه.
وبعد، فالبحث في هذا الحديث شهير قديماً وحديثاً. وقد أوسع المقال فيه شراح (الصحيح) وابن قتيبة في شرح (تأويل مختلف الحديث) والرازيّ. والحق لا يخفى على طالبه، والله أعلم.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قال الزمخشريّ: أي: إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود. لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره، فلا ضرر يعود منه على من حسده. بل هو الضار لنفسه، لاغتمامه بسرور غيره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } تفسير عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: **" الفلق سجن في جهنم ".** { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } تفسير السدي يعني الليل إذا أطبق الأفق بظلمته { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } هي السواحر ينفثن في العقد للسحر { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }.
يحيى عن الحسن بن دينار عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" عموا هذا الحسد بينكم فإنه من الشيطان وإنه ليس من أحد إلا وهو يعرض له منه شيء وإنه ليس بضائر عبدا لم يعد بلسان أو يد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ) | { ٱلنَّفَّاثَاتِ }: سواحر ينفثن: أي يتفلن إذا سحرن ورقين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير تذكرة الاريب في تفسير الغريب/ الامام ابي الفرج ابن الجوزي (ت 597 هـ) | والنفاثات السواحر ينفثن أي ينفلن إذا سحرن ورقين
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) | - ابن بابويه: عن أبيه، قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن عثمان ابن عيسى، عن معاوية بن وهب، قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقرأ رجل: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } فقال الرجل: و ما الفلق؟ قال: " صدع في النار فيه سبعون ألف دار، في كل دار سبعون ألف بيت، في كل بيت سبعون ألف أسود، في جوف كل أسود سبعون ألف جرة سم، لا بد لأهل النار أن يمروا عليها ".
- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، رفعه، في قول الله عز و جل: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } ، قال: " أما رأيته إذا فتح عينيه و هو ينظر إليك؟ هو ذاك ".
- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سئل عن الحسد؟
فقال: " لحم و دم يدور في الناس، حتى إذا انتهى إلينا يبس، و هو الشيطان ".
- و عنه، قال: حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن الحسن بن محبوب، عن حنان بن سدير، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر: أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه، و نمرود الذي حاج إبراهيم في ربه، و اثنان في بني إسرائيل هودا قومهما و نصراهم، و فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى، و اثنان من هذه الأمة:
أحدهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار ".
- و عنه: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثني الحكم بن مسكين الثقفي، عن عبد الرحمن بن سنان، عن جعيد همدان، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " إن في التابوت الأسفل ستة من الأولين و ستة من الآخرين، فأما الستة من الأولين: فابن آدم قاتل أخيه، و فرعون الفراعنة، و السامري، و الدجال كتابه في الأولين و يخرج في الآخرين، و هامان، و قارون.
و الستة من الآخرين: فنعثل، و معاوية، و عمرو بن العاص، و أبو موسى الأشعري ". و نسي المحدث اثنين.
- علي بن إبراهيم، في معنى السورة: قوله: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، قال: الفلق جب في جهنم يتعوذ أهل النار من شدة حره، سأل الله أن يأذن له أن يتنفس، فأذن له فتنفس فأحرق جهنم، [قال]: و في ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ منه أهل ذلك الجب من حر ذلك الصندوق، و هو التابوت، و في ذلك التابوت ستة من الأولين، و ستة من الآخرين، فأما الستة من الأولين: فابن آدم الذي قتل أخاه، و نمرود إبراهيم الذي ألقى ابراهيم في النار، و فرعون موسى، و السامري الذي اتخذ العجل، و الذي هود اليهود، و الذي نصر النصارى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
و أما الستة من الآخرين: الأول، و الثاني، و الثالث، و الرابع، و صاحب الخوارج، و ابن ملجم.
قوله: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ، قال: الذي يلقى في الجب يقب فيه.
- الشيباني، في (نهج البيان): عن علي (عليه السلام)، أنه قال: " الغاسق إذا وقب، هو الليل إذا أدبر ".
1- باب في الحسد و معناه
- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): " إن الرجل ليأتي بأي بادرة [فيكفر]، و إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب ".
- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد و الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب ".
- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب، عن داود الرقي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " اتقوا الله و لا يحسد بعضكم بعضا، إن عيسى بن مريم كان من شرائعه السيح في البلاد، فخرج في بعض سيحه و معه رجل من أصحابه قصير، و كان كثير اللزوم لعيسى (عليه السلام)، فلما انتهى عيسى إلى البحر قال: باسم الله، بصحة يقين منه، فمشى على ظهر الماء، فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسى (عليه السلام) جازه، قال: بسم الله، بصحة يقين منه، فمشى على ظهر الماء و لحق بعيسى (عليه السلام)، فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عيسى روح الله يمشي على الماء، و أنا أمشي على الماء، فما فضله علي؟! قال: فرمس في الماء، فاستغاث بعيسى بن مريم (عليه السلام)، فتناوله من الماء فأخرجه، ثم قال له: ما قلت، يا قصير؟ قال: قلت:
هذا روح الله يمشي على الماء، و أنا أمشي على الماء! فدخلني من ذلك عجب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقال له عيسى: لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه، فمقتك الله على ما قلت، فتب إلى الله عز و جل مما قلت. قال: فتاب الرجل و عاد إلى مرتبته التي وضعه الله فيها، فاتقوا الله، و لا يحسد بعضكم بعضا ".
- و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: **" قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كاد الفقر أن يكون كفرا، و كاد الحسد أن يغلب القدر ".** - و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية بن وهب، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " آفة الدين الحسد، و العجب، و الفخر ".
- و عنه: عن يونس، عن داود الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: **" قال رسول الله (صلى الله عليه و آله).** **قال الله عز و جل لموسى بن عمران: يا بن عمران، لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي، و لا تمدن عينيك إلى ذلك، و لا تتبعه نفسك، فإن الحاسد ساخط لنعمي، صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي، و من يك كذلك فلست منه و ليس مني ".** - و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن الفضيل بن عياض، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن المؤمن يغبط و لا يحسد، و المنافق يحسد و لا يغبط ".
- باب في ما روي من السحر الذي سحر به النبي (صلى الله عليه و آله) و ما يبطل به السحر، و خواص المعوذتين
- الحسين بن بسطام، في كتاب (طب الأئمة (عليهم السلام)): عن محمد بن جعفر البرسي، قال: حدثنا محمد بن يحيى الأرمني، قال: حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: **" قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن جبرئيل (عليه السلام) أتى النبي (صلى الله عليه و آله) و قال: يا محمد، قال: لبيك يا أخي جبرئيل. قال: إن فلانا اليهودي قد سحرك، و جعل السحر في بئر بني فلان، فابعث إليه- يعني إلى البئر- أوثق الناس عندك و أعظمهم في عينيك، و هو عديل نفسك حتى يأتيك بالسحر، قال: فبعث النبي (صلى الله عليه و آله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) و قال: انطلق إلى بئر ذروان فإن فيها سحرا سحرني به لبيد بن أعصم اليهودي فأتني به.** **قال علي (عليه السلام): فانطلقت في حاجة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فهبطت في البئر، فإذا ماء البئر قد صار كأنه ماء الحناء من السحر، فطلبته مستعجلا حتى انتهيت إلى أسفل القليب فلم أظفر به، فقال الذين معي: ما فيه شيء فاصعد. فقلت: لا و الله ما كذبت و لا كذبت، و ما يقيني به مثل يقينكم- يعني بقول رسول الله (صلى الله عليه و آله)- قال: ثم طلبت طلبا بلطف، فاستخرجت حقا، فأتيت به النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال: افتحه، ففتحته فإذا في الحق قطعة كرب النخل، في جوفه وتر عليه إحدى و عشرون عقدة، و كان جبرئيل (عليه السلام) أنزل يومئذ المعوذتين على النبي (صلى الله عليه و آله)، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): يا علي، اقرأهما على الوتر، فجعل علي (عليه السلام) كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى فرغ منها، و كشف الله عز و جل عن نبيه ما سحر به، و عافاه ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ويروى: أن جبرئيل و ميكائيل (عليهما السلام) أتيا النبي (صلى الله عليه و آله) و هو وجع، فجلس أحدهما عن يمينه، و الآخر عن يساره، فقال جبرئيل لميكائيل: ما وجع الرجل؟ قال ميكائيل: هو مطبوب، فقال جبرئيل: و من طبه؟
قال: لبيد بن أعصم اليهودي. ثم ذكر الحديث إلى آخره.
- و عنه، قال: حدثنا إبراهيم بن البيطار قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، و يقال له يونس المصلي لكثرة صلاته، عن ابن مسكان، عن زرارة، قال: قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): " إن السحر لم يسلط على شيء إلا على العين ".
- و عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن المعوذتين، أ هما من القرآن؟ فقال: " نعم، هما من القرآن ".
فقال الرجل: إنهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود و لا في مصحفه. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " أخطأ ابن مسعود- أو قال كذب ابن مسعود- هما من القرآن ".
قال الرجل: فأقرا بهما- يا بن رسول الله- في المكتوبة؟ قال: " نعم، و هل تدري ما معنى المعوذتين، و في أي شيء نزلتا؟ إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) سحره لبيد بن أعصم اليهودي ". فقال أبو بصير لأبي عبد الله (عليه السلام):
و ما كان ذا، و ما عسى أين يبلغ من سحره؟ قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): " بلى كان النبي (صلى الله عليه و آله) يرى أنه يجامع و ليس يجامع، و كان يريد الباب و لا يبصره حتى يلمسه بيده، و السحر حق، و ما يسلط السحر إلا على العين و الفرج، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فأخبره بذلك، فدعا عليا (عليه السلام) و بعثه ليستخرج ذلك من بئر ذروان ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
و ذكر الحديث إلى آخره.
- و من (خواص القرآن): و روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: **" من قرأ سورة الفلق في كل ليلة عند منامه، كتب الله له من الأجر كأجر من حج و اعتمر و صام، و هي رقية نافعة و حرز من كل عين ناظرة بسوء ".** - و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): **" من قرأها عند نومه كان له أجر عظيم، و هي حرز من كل سوء، و هي رقية نافعة و حرز من كل عين ناظرة ".** - و قال الصادق (عليه السلام): " من قرأها في كل ليلة من ليالي شهر رمضان، كانت في نافلة أو فريضة، كان كمن صام في مكة، و له ثواب من حج و اعتمر بإذن الله تعالى ".
- الحسين بن بسطام في (طب الأئمة) (عليهم السلام): عن محمد بن مسلم، قال: هذه العوذة التي أملاها علينا أبو عبد الله (عليه السلام) يذكر أنها وراثة، و أنها تبطل السحر، تكتب على رق و تعلق على المسحور:**{ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ \* وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ }** [يونس: 81-82]**{ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا \* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا }** [النازعات: 27-28] الآيات**{ فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ \* فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ \* وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ \* قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ \* رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }** [الأعراف: 118-122].
- أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان): سبب النزول، قالوا: إن لبيد بن أعصم اليهودي سحر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ثم دس ذلك في بئر لبني زريق، فمرض رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فبينا هو نائم إذ أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، و الآخر عند رجليه، فأخبراه بذلك، و أنه في بئر ذروان في جف طلعة تحت راعوفة، و الجف: قشر الطلع، و الراعوفة: حجر في أسفل البئر، يقوم عليها الماتح.
فانتبه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و بعث عليا (عليه السلام) و الزبير و عمارا، فنزحوا ماء تلك البئر، ثم رفعوا الصخرة و أخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأس، و أسنان من مشطه، و إذا فيه معقد في إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فنزلت هاتان السورتان، فجعل كلما يقرأ آية انحلت عقدة، و وجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) خفة، فقام فكأنما أنشط من عقال، و جعل جبرئيل (عليه السلام) يقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من حاسد و عين، و الله تعالى يشفيك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم قال الطبرسي: و رووا ذلك عن عائشة و ابن عباس. ثم قال: و هذا لا يجوز لأن من وصف بأنه مسحور، فكأنه قد خبل عقله، و قد أبى الله سبحانه ذلك في قوله:**{ وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً \* ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ }** [الفرقان: 8-9]، و لكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته على ما روي، اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه، و أطلع الله نبيه (صلى الله عليه و آله) على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج، و كان ذلك دلالة على صدقه (صلى الله عليه و آله)، و كيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم! و لو قدروا على ذلك. لقتلوه و قتلوا كثيرا من المؤمنين مع شدة عداوتهم له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) | قال الله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي: ألوذ به وألجأ إليه.
و " الفَلَق ": الصبح، في قول الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعامة المفسرين واللغويين والعرف. تقول: هو أبين من فلق الصبح وفرق الصبح.
وقال الضحاك: " الفلق ": الخلق كله.
قال الزجاج: إذا تأملت الخلق بان لك أن أكثره عن انفلاق؛ كالأرض بالنبات، والسحاب بالمطر.
وقال وهب والسدي: سجن في جهنم.
وجاء في بعض الآثار: أنه بيتٌ في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حرّه.
وهذه الأقوال الثلاثة مروية عن ابن عباس.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } من الجن والإنس وسائر المخلوقات.
{ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أخرج الترمذي من حديث عائشة قالت: **" نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر فقال: يا عائشة! استعيذي بالله من شر هذا، هو الغاسق إذا وقب ".** قال ابن قتيبة: يقال: " الغاسق ": القمر إذا كُسف فَاسْوَدَّ. ومعنى " وقب ": دخل في الكسوف.
وقال ابن زيد: يعني: الثريا إذا سقطت. قال: وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها.
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وعامة المفسرين واللغويين: " الغسق ": الليل. ومعنى " وقب ": دخل في كل شيء فأظلم.
قال الزجاج: " الغاسق ": البارد، فقيل لللّيل غاسق؛ لأنه أبرد من النهار.
وقوله تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } وقرأتُ على شيخنا أبي البقاء للكسائي من رواية ابن أبي سريج عنه: " النافثات " بتقدم الألف على الفاء، وهنّ اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها بريقهن.
وقال بعض المفسرين: المراد بهن: بنات لبيد بن الأعصم، سحرن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمعنى: استعذ بالله من شر سحرهن.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } وقد ذكرنا الحسد وما جاء فيه وفي ذمّه في سورة البقرة.
قال صاحب الكشاف: إن قلت: قوله: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } تعميم في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذة [بعده] من الغاسق والنفاثات والحاسد؟
قلتُ: قد خصّ شر هؤلاء من كل شر؛ لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم، كأنما يغتال به.
فإن قلت: لم عَرَّف بعض المستعاذ منه ونَكَّر بعضه؟
قلتُ: عرّف " النفاثات "؛ لأن كل نفاثة شريرة، ونكّر " غاسق "؛ لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر، إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر. ورب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات. ومنه قوله عليه السلام: " لا حسد إلا في اثنتين ".
وقال:
| **..........................** | | **إن العُلَى حَسَنٌ في مِثْلِها الحَسَد** |
| --- | --- | --- |
وبالإسناد السابق قال أبو بكر السني: أخبرنا أبو عبد الرحمن -يعني: النسائي-، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي عمران أسلم، عن عقبة بن عامر قال: **" تبعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرئني سورة هود وسورة يوسف، فقال: لن تقرأ شيئاً أبلغ عند الله عز وجل من { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ) | لمَّا بين له أنه الصمد أمره بأن يصمده ويستعيذ به من شر خلقه فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }: الصبح أو الخلق إذ قلق عنه ظلمة العدم، أو بيت في جهنم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }: خَصَّ عالم الخلق لانحصار الشِّرِّفية، وعالم الأمر كله خير { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ }: أي: ليل مظلم { إِذَا وَقَبَ }: أي: دخلت ظلمته في كل شيء، أو القمر إذا انخسف، فإن الضر في الحالتين أكثر { وَمِن شَرِّ }: السواحر { ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }: النفث: النفخ مع ريق، وفي الحديث: **" مَنْ عَقدَ عُقْدة ثم نَفَثَ فيها فقد سحر "** ولذاكره كثيرٌ النفث في الرقَى، والأصحَّ جوازه، لِنفثه صلى الله عليه وسلم في الرقى والمراد في الآية: بنات لبيد اليهودي، سَحَرْن النبي عليه الصلاة والاسم في إحدى عشرة عقدة في وبر، ورمي في بئر، فأخبر الله تعالى به وبمكانه، فأخرجوه، وكلما قرأوا عليه آية من المعوذتين انحلت عقدة، فلما تم برئ صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم منه صدق الكفرة أنه مسحور، فإنهم أرادوا أنه مجنون بالسحر، وخصها بالتعريف لأن كل نفاثة شر، بخلاف الآخرين { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }: فإنه إذا أضمره لا يضر إلا نفسه باغتمامه، وخص الثلاثة بعد التعميم لخفاء شرها، والله تعالى أعلم بالصواب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) | يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: أستجير بربّ الفلق من شرّ ما خلق من الخلق. واختلف أهل التأويل في معنى الفلق، فقال بعضهم: هو سجن في جهنم يسمى هذا الاسم. ذكر من قال ذلك: حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله، عمن حدثه عن ابن عباس قال: الفلق: سجن في جهنم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيريّ، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن رجل، عن ابن عباس، في قوله: { الفَلَقِ }: سجن في جهنم. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوّام بن عبد الجبار الجَوْلانيّ، قال: قَدِم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشأم، قال: فنظر إلى دُور أهل الذمة، وما هم فيه من العيش والنضارة، وما وُسَّعَ عليهم في دنياهم، قال: فقال: لا أبالك، أليس من ورائهم الفلق؟ قال: قيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم، إذ فُتح هَرّ أهل النار. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت السُّدِّيّ يقول: الفَلَق: جُبّ في جهنم. حدثني عليّ بن حسن الأزدي، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن السديّ، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ، مثله. حدثني إسحاق بن وهب الواسطيّ، قال: ثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطيّ، قال: ثنا نصر بن خْزَيمة الخراسانيّ، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ، عن أبي هُريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: **" الفَلَق: جبّ في جهنم مغطًّى "** حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا نافع بن يزيد، قال: ثنا يحيى بن أبي أسيد، عن ابن عجلان، عن أبي عبيد، عن كعب، أنه دخل كنيسة فأعجبه حُسنها، فقال: أحسن عمل وأضلّ قوم، رضيت لكم الفلق، قيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم إذا فُتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه. وقال آخرون: هو اسم من أسماء جهنم. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت خيثم بن عبد الله يقول: سألت أبا عبد الرحمن الحبلي، عن الفلق، قال: هي جهنم. وقال آخرون: الفلق: الصبح. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه. عن ابن عباس: { أعُوذُ برَبِّ الْفَلَقِ } قال: الفلق: الصُّبْح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، قال: أنبأنا عوف، عن الحسن، في هذه الآية: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قال: الفلق: الصبح.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبير، قال: الفلق الصبح. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران جميعاً، عن سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبير، مثله. حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جُبير، مثله. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: الفَلَق: الصبح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، مثله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو صخر، عن القُرَظِيّ، أنه كان يقول في هذه الآية: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } يقول: فالق الحبّ والنوى، قال: فالق الإصباح. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قال: الصبح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قال: الفَلَق: فَلقَ النهار. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: الفلق: فلق الصبح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قيل له: فَلَق الصبح، قال: نعم، وقرأ:**{ فالِقُ الإصْباحِ وَجاعِلُ اللَّيْلِ سَكَناً }** وقال آخرون: الفَلَق: الخلق، ومعنى الكلام: قل أعوذ برب الخلق. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { الفلق }: يعني الخلق. والصواب من القول في ذلك، أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول: { أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } والفلق في كلام العرب: فَلق الصبح، تقول العرب: هو أبينُ من فَلَق الصُّبح، ومن فَرَق الصُّبح. وجائز أن يكون في جهنم سجن اسمه فَلَق. وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن جلّ ثناؤه وضعَ دلالة على أنه عُنِي بقوله { بِرَبِّ الْفَلَقِ } بعض ما يُدْعَى الفلق دون بعض، وكان الله تعالى ذكره ربّ كل ما خلق من شيء، وجب أن يكون معنياً به كل ما اسمه الفَلَق، إذ كان ربّ جميع ذلك. وقال جلّ ثناؤه: { مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ } لأنه أمر نبيه أن يستعيذ من شرّ كل شيء، إذ كان كلّ ما سواه، فهو ما خَلق. وقوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } يقول: ومن شرّ مظلم إذا دخل، وهجم علينا بظلامه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم اختلف أهل التأويل في المظلم الذي عُنِي في هذه الآية، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه، فقال بعضهم: هو الليل إذا أظلم. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: الليل. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، قال: أنبأنا عوف، عن الحسن، في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: أوّل الليل إذا أظلم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا أبو صخر، عن القرظي أنه كان يقول في: { غاسِقٍ أذَا وَقَبَ } يقول: النهار إذا دخل في الليل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل المدينة، عن محمد بن كعب { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل، إذا وقب. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { غاسِقٍ } قال: الليل { إذَا وَقَبَ } قال: إذا دخل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: الليل إذا أقبل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: إذا جاء. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله { إذَا وَقَبَ } يقول: إذا أقبل. وقال بعضهم: هو النهار إذا دخل في الليل، وقد ذكرناه قبلُ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل المدينة، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل، إذا وجب. وقال آخرون: هو كوكب. وكان بعضهم يقول: ذلك الكوكب هو الثُّريا. ذكر من قال ذلك: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا سليمان بن حِبّان، عن أبي المُهَزِّم، عن أبي هريرة في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: كوكب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: كانت العرب تقول: الغاسق: سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها. ولقائلي هذا القول عِلّة من أثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو ما: حدثنا به نصر بن عليّ، قال: ثنا بكار بن عبد الله بن أخي هَمّام، قال: ثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: النجم الغاسق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال آخرون: بل الغاسق إذا وقب: القمر، ورووا بذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبراً. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن سفيان، قال: ثنا أبي ويزيد بن هارون به. وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم نظر إلى القمر، ثم قال: **" يا عائِشَةُ تَعَوَّذِي باللّهِ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ، وَهَذَا غاسِقٌ إذَا وَقَبَ "** ، وهذا لفظ حديث أبي كُرَيب وابن وكيع. وأما ابن حُمَيد، فإنه قال في حديثه: قالت أخَذَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: **" أتَدْرِينَ أيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ تَعَوَّذِي باللّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فإنَّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ "** حدثنا محمد بن سنان، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر. فقال: **" يا عائِشَةُ اسْتَعِيذِي باللّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فإنَّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ "** وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ { مِنْ شَرِّ غاسِقٍ } وهو الذي يُظْلم، يقال: قد غَسَق الليل يَغْسُق غسوقاً: إذا أظلم. { إذَا وَقَبَ } يعني: إذا دخل في ظلامه والليل إذا دخل في ظلامه غاسق، والنجم إذا أفل غاسق، والقمر غاسق إذا وقب، ولم يخصص بعض ذلك بل عمّ الأمر بذلك، فكلّ غاسق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب. وكان قتادة يقول في معنى وقب: ذهب. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: إذا ذهب. ولست أعرف ما قال قتادة في ذلك في كلام العرب، بل المعروف من كلامها من معنى وقب: دخل. وقوله: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } يقول: ومن شرّ السواحر اللاتي ينفُثن في عُقَد الخيط، حين يَرْقِين عليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: ما خالط السِّحر من الرُّقَى. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن عوف، عن الحسن { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: السواحر والسَّحَرة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: إياكم وما خالط السِّحر من هذه الرُّقَى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: ما من شيء أقرب إلى الشرك من رُقْية المجانين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول إذا جاز { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي العُقَدِ } قال: إياكم وما خالط السحر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد وعكرِمة { النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: قال مجاهد: الرُّقى في عُقَد الخيط وقال عكرِمة: الأخذ في عقد الخيط. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ شَرّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: النفاثات: السواحر في العقد. وقوله: { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ }: اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ حسده به، فقال بعضهم: ذلك كلّ حاسد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ عينه ونفسه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ } قال: من شرّ عينه ونفسه، وعن عطاء الخُراساني مثل ذلك. قال مَعْمر: وسمعت ابن طاوُس يحدّث عن أبيه، قال: العَينُ حَقٌّ، وَلَو كان شَيءٌ سابق القَدرِ، سَبَقتْه العَينُ، وإذا اسْتُغْسِل أحدُكم فَلْيَغْتَسل. وقال آخرون: بل أُمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يستعيذ من شرّ اليهود الذين حسدوه. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ } قال: يهود، لم يمنعم أن يؤمنوا به إلا حسدهم. وأولى القولين بالصواب في ذلك، قول من قال: أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ كلّ حاسد إذا حسد، فعابه أو سحره، أو بغاه سوءاً. وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب، لأن الله عزّ وجلّ لم يخصص من قوله { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ } حاسداً دون حاسد، بل عمّ أمرُه إياه بالاستعاذة من شر كلّ حاسد، فذلك على عمومه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) | الفلق والفرق الصبح، لأنّ الليل يفلق عنه ويفرق فعل بمعنى مفعول. يقال في المثل هو أبين من فلق الصبح، ومن فرق الصبح. ومنه قولهم سطع الفرقان، إذا طلع الفجر. وقيل هو كل ما يفلقه الله، كالأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والحب والنوى وغير ذلك. وقيل هو واد في جهنم أوجب فيها من قولهم لما اطمأن من الأرض، الفلق، والجمع فلقان. وعن بعض الصحابة أنه قدم الشأم فرأى دور أهل الذمّة وما هم فيه من خفض العيش وما وسع عليهم من دنياهم، فقال لا أبالى، أليس من ورائهم الفلق؟ فقيل وما الفلق؟ قال بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } من شر خلقه. وشرّهم ما يفعله المكلفون من الحيوان من المعاصي والمآثم، ومضارة بعضهم بعضاً من ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم وغير ذلك، وما يفعله غير المكلفين منه من الأكل والنهش واللدع والعضّ كالسباع والحشرات، وما وضعه الله في الموات من أنواع الضرر كالإحراق في النار والقتل في السم. والغاسق الليل إذا اعتكر ظلامه من قوله تعالى**{ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ }** الإسراء 78 ومنه غسقت العين امتلأت دمعاً، وغسقت الجراحة امتلأت دماً. ووقوبه دخول ظلامه في كل شيء، ويقال وقبت الشمس إذا غابت. وفي الحديث 1373 لما رأى الشمس قد وقبت قال **" هذا حين حلها، يعني صلاة المغرب "** وقيل هو القمر إذا امتلأ، وعن عائشة رضي الله عنها 1374 أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال **" تعوّذي بالله من شرّ هذا، فإنه الغاسق إذا وقب "** ووقوبه دخوله في الكسوف واسوداده. ويجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه ونقبه. والوقب النقب. ومنه وقبة الثريد والتعوّذ من شرّ الليل لأن انبثاثه فيه أكثر، والتحرّز منه أصعب. ومنه قولهم الليل أخفى للويل. وقولهم أغدر الليل لأنه إذا أظلم كثر فيه الغدر وأسند الشرّ إليه لملابسته له من حدوثه فيه { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } النساء، أو النفوس، أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين والنفث النفخ من ريق، ولا تأثير لذلك، اللهم إلاّ إذا كان ثم إطعام شيء ضار، أو سقيه، أو إشمامه. أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه ولكن الله عزّ وجلّ قد يفعل عند ذلك فعلاً على سبيل الامتحان الذي يتميز به الثبت على الحقّ من الحشوية والجهلة من العوام، فينسبه الحشوية والرعاع إليهنّ وإلى نفثهن، والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبئون به، فإن قلت فما معنى الاستعاذة من شرّهن؟ قلت فيها ثلاثة أوجه، أحدها أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهنّ في ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والثاني أن يستعاذ من فتنتهنّ الناس عند نفثهن، ويجوز أن يراد بهنّ النساء الكيادات، من قوله**{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }** يوسف 28 تشبيهاً لكيدهن بالسحر والنفث في العقد. أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهنّ لهم ومحاسنهنّ، كأنهنّ يسحرنهم بذلك { إِذَا حَسَدَ } إذا ظهر حسده، وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود، لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر يعود منه على من حسده، بل هو الضارّ لنفسه لاغتمامه بسرور غيره. وعن عمر بن عبد العزيز لم أر ظالماً أشبه بالمظلوم من حاسد. ويجوز أن يراد بشرّ الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده، وإظهاره أثره. فإن قلت قوله { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } تعميم في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد؟ قلت قد خص شرّ هؤلاء من كلّ شر لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم، كأنما يغتال به. وقالواشر العداة المداجي الذي يكيدك من حيث لا تشعر. فإن قلت فلم عرّف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه؟ قلت عرفت النفاثات، لأن كل نفاثة شريرة، ونكر غاسق، لأنّ كل غاسق لا يكون فيه الشر، إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضرّ. ورب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام 1375 **" لا حسد إلاّ في اثنتين "** وقال أبو تمام
| **وَمَا حَاسِدٌ فِي المَكْرُمَاتِ بِحَاسِدِ** | | |
| --- | --- | --- |
وقال
| **إنَّ الْعُلاَ حَسَنٌ فِي مِثْلِهَا الْحَسَدُ** | | |
| --- | --- | --- |
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1376 **" من قرأ المعوّذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلها ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) | اللغة: أصل الفلق الفرق الواسع من قولهم فلق رأسه بالسيف يفلقه فلقاً ويقال أبين من فلق الصبح وفرق الصبح لأن عموده ينفلق بالضياء عن الظلام والغاسق في اللغة الهاجم بضرره وهو ها هنا الليل لأنه يخرج السباع من آجامها والهوام من مكامنها فيه يقال غسقت القرحة إذا جرى صديدها ومنه الغساق صديد أهل النار لسيلانه بالعذاب وغسقت عينه سال دمعها. التقوب: الدخول وقب يقب ومنه الوقبة النقرة لأنه يدخل فيها النفث شبيهة بالنفخ وأما التفل فنفخ بريق فهذا الفرق بين النفث والتفل قال الفرزدق:
| **هُما نَفَثا فِي فِــيَّ مِنْ فَمَوَيْهِما** | | **عَلَى النّافِثِ الْعاوِي أَشَدُّ رِجامِ** |
| --- | --- | --- |
الحاسد الذي يتمنى زوال النعمة عن صاحبها وإن لم يردها لنفسه فالحسد مذموم والغبطة محمودة وهي أن يريد من النعمة لنفسه مثل ما لصاحبه ولم يرد زوالها عنه. النزول: قالوا إن لبيد بن أعصم اليهودي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دسَّ ذلك في بئر لبني زريق فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو نائم إذ أتاه ملكان فقعدا أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فأخبراه بذلك وأنه في بئر دروان في جف طلعة تحت راعوفة والجف قشر الطلع والراعوفة حجر في أسفل البئر يقوم عليها الماتح فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث علياً ع والزبير وعمار فنزحوا ماء تلك البئر ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأس وأسنان من مشطه وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالأبر فنزلت هاتان السورتان فجعل كلما يقرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فقام فكأنما أنشط من عقال وجعل جبرائيل ع يقول: " باسم الله أرقيك من شرّ كل شيء يؤذيك من حاسد وعين الله تعالى يشفيك ". ورووا ذلك عن عائشة وابن عباس وهذا لا يجوز لأن من وصف بأنه مسحور فكأنه قد خبل عقله وقد أبى الله سبحانه ذلك في قوله**{ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً }** [الفرقان: 8] أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا ولكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته على ما روي اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج وكان ذلك دلالة على صدقه وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم ولو قدروا على ذلك لقتلوه وقتلوا كثيراً من المؤمنين مع شدة عداوتهم له. المعنى: { قل أعوذ برب الفلق } هذا أمر من الله سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وسلم والمراد جميع أمته ومعناه قل يا محمد اعتصم وامتنع برب الصبح وخالقه ومدبّره ومطلعه متى شاء على ما يرى من الصلاح فيه { من شر ما خلق } من الجن والإنس وسائر الحيوانات وإنما سمي الصبح فلقاً لانفلاق عموده بالضياء عن الظلام كما قيل له فجر لانفجاره بذهاب ظلامه وهذا قول ابن عباس وجابر والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقيل: الفلق المواليد لأنهم ينفلقون بالخروج من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات كما ينفلق الحبّ من النبات. وقيل: الفلق جب في جهنم يتعوذ أهل جهنم من شدة حرّه عن السدي ورواه أبو حمزة الثمالي وعلي بن إبراهيم في تفسيريهما وقوله { ما خلق } عام في جميع ما خلقه الله تعالى ممن يجوز أم يحصل منه الشر وتقديره من شرّ الأشياء التي خلقها الله تعالى مثل السباع والهوام والشياطين وغيرها. { ومن شر غاسق إذا وقب } أي ومن شر الليل إذا دخل بظلامه عن ابن عباس والحسن ومجاهد وعلى هذا فيكون المراد من شرّ ما يحدث في الليل من الشر والمكروه كما يقال أعوذ من شر هذه البلدة وإنما اختصّ الليل بالذكر لأن الغالب أن الفساق يقدمون على الفساد بالليل وكذلك الهوام والسباع تؤذي فيه أكثر وأصل الفسق الجريان بالضرر. وقيل: إن معنى الفاسق كل هاجم بضرره كائناً ما كان. { ومن شرّ النفاثات في العقد } معناه ومن شر النساء الساحرات اللاتي ينفثن في العقد عن الحسن وقتادة وإنما أمر بالتعوذ من شر السحرة لإِيهامهم أنهم يمرضون ويصحون ويفعلون شيئاً من النفع والضرر والخير والشر وعامة الناس يصدّقونهم فيعظم بذلك الضرر في الدين ولأنهم يوهمون أنهم يخدمون الجن ويعلمون الغيب وذلك فساد في الدين ظاهر فلأجل هذا الضرر في الدين أمر بالتعوذ من شرهم. وقال أبو مسلم: النفاثات النساء. اللاتي يملن آراء الرجال ويصرفنهم عن مرادهم ويردّونهم إلى آرائهن لأن العزم والرأي يعبّر عنهما بالعقد فعبّر عن حلّها بالنفث فإن العادة جرت أنَّ من حلّ عقد نفث فيها. { ومن شر حاسد إذا حسد } فإنه يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود فأمر بالتعوذ من شرّه. وقيل: إنه أراد من شرّ نفس الحاسد ومن شرّ عينه فإنه ربما أصاب بهما فعاب وضر وقد جاء في الحديث: **" إن العين حق "** وقد مضى الكلام فيه وروي أن العضباء ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابق بها فسبقها فشقّ ذلك على الصحابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: **" حقّ على الله عز وجل ألاّ يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه "** وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من رأى شيئاً يعجبه فقال الله الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضر شيئاً "** وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يعوذ الحسن والحسين ع بهاتين السورتين وقال بعضهم: إن الله سبحانه جمع الشرور في هذه السورة وختمها بالحسد ليعلم أنه أخس الطبائع نعوذ بالله منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) | من المعلوم أن الحاسد هو الذي تشتد محبته لإزالة نعمة الغير إليه، ولا يكاد يكون كذلك إلا ولو تمكن من ذلك بالحيل لفعل، فلذلك أمر الله بالتعوذ منه، وقد دخل في هذه السورة كل شر يتوفى ويتحرز منه ديناً وديناً، فلذلك لما نزلت فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزولها لكونها مع ما يليها جامعة في التعوذ لكل أمر، ويجوز أن يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهاره أثره. بقي هنا سؤالان: السؤال الأول: قوله: { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } عام في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد الجواب: تنبيهاً على أن هذه الشرور أعظم أنواع الشر. السؤال الثاني: لم عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه؟ الجواب: عرف النفاثات لأن كل نفاثة شريرة، ونكر غاسقاً لأنه ليس كل غاسق شريراً، وأيضاً ليس كل حاسد شريراً، بل رب حسد يكون محموداً وهو الحسد في الخيرات. والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) | فيه تسع مسائل: الأولى: روى النسائيّ **" عن عقبة بن عامر، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه، فقلت: أقرئني سورة هُودٍ أقرئني سورة يوسف. فقال لي: «ولَنْ تَقْرأ شيئاً أبلغ عند الله من { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } » "** وعنه قال: **" بينا أنا أسير مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بين الجحْفَة والأَبواءِ، إذ غشتنا ريح مظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بـ { ـأَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، و { أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ، ويقول:«يا عقبة، تعوّذ بهما، فما تعوّذ متعوّذ بمثلهما». قال: وسمعته يقرأ بهما في الصلاة "** وروى النَّسائي **" عن عبد الله قال: أصابنا طَشٌّ وظُلْمة، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخْرج. ثم ذكر كلاماً معناه: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُصلِّيَ بنا، فقال:«قُلْ». فقلت: ما أقول؟ قال: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح ثلاثاً، يكفِك كل شيء» "** **" وعن عقبة بن عامر الجُهَنِي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قُلْ». قلت: ما أقول؟ قال «قل: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ـ فقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال ـ لم يتعوّذ الناس بمثلهن، أو لا يتعوّذ الناس بمثلِهِن» "** وفي حديث ابن عباس: **" قل أَعوذ بِرب الفلقِ وقُلْ أَعوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، هاتين السورتين "** وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمُعَوذَّتَيْن ويَنْفِثُ، فلما اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاءَ بركتها. النَّفْث: النفخ ليس معه ريق. الثانية: ثبت في الصحيحين من حديث عائشة: **" أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سحره يهوديّ من يهود بني زُرَيْق، يقال له لَبِيدُ بن الأَعْصم، حتى يخيلُ إليه أنه كان يفعل الشيء ولا يفعله، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث ـ في غير الصحيح: سنة ـ ثم قال: «يا عائشة، أُشْعرت، أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه. أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رِجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي: ما شأن الرجل؟ قال: مَطْبوب. قال ومَنْ طَبَّهُ؟ قال لَبيد بن الأَعصم. قال في ماذا؟ قال: في مُشْطٍ ومُشاطة وجفّ طلعةٍ ذكر، تحت راعوفة في بئر ذي أَوْران» فجاء البئر واستخرجه "** انتهى الصحيح. وقال ابن عباس: **" أما شَعَرْتِ يا عائشة أن الله تعالى أخبرني بدائي» ثم بعث علِياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وهي الراعوفة ـ صخرة تترك أسفل البئر يقوم عليها المائح، وأخرجوا الجُفّ، فإذا مُشَاطة رأس إنسان، وأسنان من مُشْط، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر، فأنزل الله تعالى هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العُقْد، وأمر أن يُتَعَوَّذ بهما فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد النبيّ صلى الله عليه وسلم خِفّة، حتى انحلت العقدة الأخيرة، فكأنما أُنشِط من عِقال، وقال: ليس به بأس. وجعل جبريل يَرْقِي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «باسم الله أَرْقِيك، من كل شيء يؤذيك، من شر حاسدٍ وعَيْن، والله يَشْفِيك». فقالوا: يا رسول الله، ألا نقتل الخبيث. فقال: «أمّا أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثيرَ على الناس شَرًّا "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وذكر القشيري في تفسيره أنه ورد في الصِّحاح: أن غلاماً من اليهود كان يخدُم النبيّ صلى الله عليه وسلم، فدسَّتْ إليه اليهود، ولم يزالوا به حتى أَخَذ مُشاطة رأس النبيّ صلى الله عليه وسلم. والمُشاطة بضم الميم: ما يسقُط من الشعر عند المشط. وأخذ عدّة من أسنان مُشْطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك لَبيدُ بن الأَعْصم اليهوديّ. وذكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. الثالثة: تقدّم في البقرة القول في السحر وحقيقته، وما ينشأ عنه من الآلام والمفاسد، وحكم الساحر فلا معنى لإعادته. الرابعة: قوله تعالى: { ٱلْفَلَقِ } اختُلف فيه فقيل: سِجن في جَهنم قاله ابن عباس. وقال أُبَيُّ بن كعب: بيت في جهنم إذا فُتح صاح أهل النار من حره. وقال الحُبُليّ أبو عبد الرحمن: هو اسم من أسماء جهنم. وقال الكلبي: واد في جهنم. وقال عبد الله بن عمر: شجرة في النار. سعيد بن جبير: جُبُّ في النار. النحاس: يقال لما اطمأنّ من الأرض فَلَق فعلى هذا يصح هذا القول. وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد بن جبير أيضاً ومجاهد وقتادة والقُرَظِيّ وابن زيد: الفَلَق، الصُّبْح. وقاله ابن عباس. تقول العرب: هو أبين من فَلَقِ الصُّبْح وفرقَ الصبح. وقال الشاعر:
| **يا ليلةً لم أَنمْهَا بِتُّ مُرْتَفِقاً** | | **أَرْعَى النجومَ إلى أَنْ نَوَّرَ الفَلقُ** |
| --- | --- | --- |
وقيل: الفلق: الجبال والصخور تنفلق بالمياه أي تتشقق. وقيل: هو التفليق بين الجبال والصخور لأنها تتشقق من خوف الله عز وجل. قال زهير:
| **ما زِلْتَ أَرْمُقُهُم حتّى إذا هَبَطَتْ** | | **أيدِي الرِّكابِ بِهِمْ مِن راكِسٍ فَلَقَا** |
| --- | --- | --- |
الراكس: بطن الوادي. وكذلك هو في قول النابغة:
| **أَتـانِـي ودُونِـي راكِـسٌ فـالضَّـواجِـعُ** | | |
| --- | --- | --- |
والراكس أيضاً: الهادي، وهو الثور وسط البَيْدَر، تدور عليه الثّيران في الدِّياسة. وقيل: الرحم تنفلق بالحيوان. وقيل: إنه كل ما انفلق عن جميع ما خَلَق من الحيوان والصبحِ والحبّ والنَّوَى، وكل شيء من نبات وغيره قاله الحسن وغيره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال الضحاك: الفَلقُ الخلْق كُلُّه قال:
| **وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الْفَلقْ** | | **سِرًّا وقدْ أَوَّنَ تَأْوِين العُقُقْ** |
| --- | --- | --- |
قلت: هذا القول يشهد له الاشتقاق فإن الفَلْق الشق. فَلقْت الشيء فلقاً أي شققته. والتفليق مثله. يقال: فَلقته فانفلق وتَفَلَّق. فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونَوًى وماء فهو فَلَق قال الله تعالى:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96] قال:**{ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام: 95]. وقال ذو الرمّة يصف الثور الوَحْشِيّ:
| **حَتَّى إذَا ما انْجَلَى عن وجهِه فَلَقٌ** | | **هادِيهِ في أُخْرَيَاتِ اللَّيلِ مُنْتَصِبُ** |
| --- | --- | --- |
يعني بالفلق هنا: الصبح بعينه. والفلق أيضاً: المطمئن من الأرض بين الربْوتين، وجمعه فُلْقان مثل خَلَق وخُلْقان. وربما قالوا: كان ذلك بفالق كذا وكذا يريدون المكان المنحدر بين الربوتين. والفلَق أيضاً مِقطرة السَّجان. فأما الفِلْق بالكسر: فالداهية والأمر العجب تقول منه: أفلق الرجل وافتلق. وشاعر مُفْلِق، وقد جاء بالفِلْق أي بالداهية. والفِلْق أيضاً: القضيب يُشَقُّ باثنين، فيعمل منه قَوْسان يقال لكل واحدة منهما فِلْق. وقولهم جاء بعُلَقَ فُلَق وهي الداهية لا يُجرى مُجرَى عُمر. يقال منه: أعلقت وأفلقت أي جئت بعُلَق فُلَقَ. ومرّ يفتلق في عدوِه أي يأتي بالعجب من شدّته. وقوله تعالى: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } قيل: هو إبليس وذرّيته. وقيل جهنم. وقيل: هو عامّ أي من شر كل ذي شر خلقه الله عز وجل. الخامسة: قوله تعالى: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } اختُلف فيه فقيل: هو الليل. والغَسَق: أوّل ظلمة الليل يقال منه: غَسَق الليلُ يَغْسِق أي أظلم. قال ابن قيس الرقيات:
| **إِنَّ هَذَا الليلَ قد غَسَقا** | | **واشْتكَيْتُ الهمَّ والأَرَقَا** |
| --- | --- | --- |
وقال آخر:
| **يا طيفَ هِندٍ لَقَدْ أَبْقَيت لِي أَرَقاً** | | **إِذْ جِئتنا طارِقاً والليلُ قَدْ غَسَقَا** |
| --- | --- | --- |
هذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسُّدّيّ وغيرهم. و«وَقَبَ» على هذا التفسير: أظلم قاله ابن عباس. والضحاك: دَخَلَ. قتادة: ذَهَبَ. يَمانُ بن رِئاب: سَكَن. وقيل: نزل يقال: وَقَب العذاب على الكافرين نَزَل. قال الشاعر:
| **وَقَبَ العذابُ عليهمُ فكَأَنَّهُمْ** | | **لَحِقتْهُمُ نارُ السَّمُومِ فأُحْصِدُوا** |
| --- | --- | --- |
وقال الزجاج: قيل الليل غاسق لأنه أبرد من النهار. والغاسق: البارد. والغَسَق: البرد ولأن في الليل تخرج السِّباع من آجامها، والهوام من أماكنها، وينبعث أهل الشر على العيث والفساد. وقيل: الغاسق: الثُّريَّا وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين، وإذا طلعت ارتفع ذلك قاله عبد الرحمن بن زيد. وقيل: هو الشمس إذا غربت قاله ابن شهاب. وقيل: هو القمر. قال القُتَبِيّ: { إِذَا وَقَبَ } القمر: إذا دخل في ساهوره، وهو كالغلاف له، وذلك إذا خُسِفَ به. وكل شيء أسود فهو غَسَق. وقال قتادة: «إِذا وَقَب» إذا غابَ. وهو أصح لأن في الترمذيّ **" عن عائشة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر، فقال: «يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وَقَبَ» "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقال أحمد بن يحيـى ثعلب عن ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث: وذلك أن أهل الريبَ يَتَحينون وَجبة القمر. وأنشد:
| **أراحنِي اللَّهُ مِن أشياءَ أَكرهُها** | | **منها العجوزُ ومنها الكلبُ والقمرُ** |
| --- | --- | --- |
| **هذا يبوحُ وهذا يُستضاء بِه** | | **وهذه ضِمْرِزٌ قَوَّامَةُ السَّحَرِ** |
وقيل: الغاسق: الحية إذا لدغت. وكأن الغاسق نابُها لأن السم يغسق منه أي يسيل. ووقب نابها: إذا دخل في اللدِيغ. وقيل: الغاسق: كل هاجم يضر، كائناً ما كان من قولهم: غسقتِ القرحة: إذا جرى صديدُها. السادسة: قوله تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } يعني الساحرات اللائي ينفُثْن في عُقَد الخيط حين يَرْقِينَ عليها. شبه النفخ كما يعمل من يرقِي. قال الشاعر:
| **أَعُوذُ بِربِّي مِن النَّافِثَا** | | **تِ في عِضهِ العاضِهِ المُعْضِه** |
| --- | --- | --- |
وقال مُتَمِّم بن نُوَيْرة:
| **نَفَثْتَ في الخيطِ شَبِيهَ الرُّقَى** | | **مِن خشية الجِنةِ والحاسِدِ** |
| --- | --- | --- |
وقال عنترة:
| **فإنْ يَبْرَأْ فلَمْ أَنْفُثْ عَليْهِ** | | **وإنْ يُفْقَدْ فَحُق لَهُ الفُقُودُ** |
| --- | --- | --- |
السابعة: روى النَّسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من عَقَد عُقدة ثم نَفَثَ فيها، فقد سَحَر، ومن سحر فقد أَشْرَك، ومَنْ تَعَلَّق شيئاً وُكِل إليه "** واختلِف في النفْث عند الرُّقَى، فمنعه قوم، وأجازه آخرون. قال عكرمة: لا ينبغي للراقي أن ينفُث، ولا يمسح ولا يعقِد. قال إبراهيم: كانوا يكرهون النفث في الرُّقَى. وقال بعضهم: دخلت على الضحاك وهو وجِع، فقلت: ألا أُعَوِّذَك يا أبا محمد؟ قال: بلى، ولكن لا تنفث فعوّذته بالمعوذتين. وقال ابن جريج قلت لعطاء: القرآن يُنفَخ به أو يُنْفَثُ؟ قال: لا شيء من ذلك ولكن تقرؤه هكذا. ثم قال بعد: انفُثِ إن شئت. وسئل محمد بن سِيرين عن الرُّقية يُنْفث فيها، فقال: لا أعلم بها بأساً، وإذا اختلفوا فالحاكم بينهم السنة. روت عائشة: **" أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينفِث في الرُّقية "** رواه الأئمة، وقد ذكرناه أوّل السورة وفي سُبْحان. وعن محمد بن حاطب أن يده احترقت فأتت به أمّه النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفُث عليها ويتكلم بكلام زعم أنه لم يحفظه. وقال محمد بن الأشعث: ذُهِب بي إلى عائشة رضي الله عنها وفي عينيّ سوء، فرقَتْنِي ونَفَثَت. وأما ما رُوي عن عكرمة من قوله: لا ينبغي للراقي أن ينفُث فكأنه ذهب فيه إلى أن الله تعالى جعل النفْث في العُقَد مما يستعاذ به، فلا يكون بنفسه عُوذة. وليس هذا هكذا لأن النفث في العُقَد إذا كان مذموماً لم يجب أن يكون النفث بلا عُقد مذموماً. ولأن النفث في العُقَد إنما أريد به السحر المضِرّ بالأرواح، وهذا النفث لاستصلاح الأبدان، فلا يقاس ما ينفع بما يضر. وأما كراهة عكرمة المسحَ فخلاف السنة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" قال علي رضي الله عنه: اشتكيت، فدخل عليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهمَّ إنْ كان أجلي قد حَضَرَ فأرِحنِي، وإن كان متأخراً فاشفني وعافني، وإن كان بلاء فصبرني. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كيف قلت»؟ فقلت له. فَمَسحني بيده، ثم قال: «اللهم اشْفِه» فما عاد ذلك الوجع بعد "** وقرأ عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن سابط وعيسى بن عمر ورويس عن يعقوب «ومِن شر النافِثاتِ» في وزن فاعلات. ورُوِيت عن عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وروي أن نساء سحرن النبيّ صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية. قال ابن زيد: كنّ من اليهود يعني السواحر المذكورات. وقيل: هنّ بنات لَبِيد بن الأعصم. الثامنة: قوله تعالى: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قد تقدم في سورة «النساء» معنى الحسد، وأنه تمني زوالِ نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها. والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل. فالحسدُ شرٌّ مذموم. والمنافسة مباحة وهي الغِبطة. وقد روي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: **" المؤمن يَغْبِطُ، والمنافق يَحْسُد "** وفي الصحيحين: **" لا حسَد إلا في اثنتين "** يريد لا غِبْطَة. وقد مضى في سورة «النساء» والحمد لله. قلت: قال العلماء: الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فيَتْبَع مساوئه ويطلب عَثَراته. قال صلى الله عليه وسلم: **" إِذا حَسَدت فلا تَبْغِ... "** الحديث. وقد تقدم. والحسد أوّل ذنب عُصِي الله به في السماء، وأول ذنب عُصِي به في الأرض، فحسَدَ إبليس آدَمَ، وحسد قابيلُ هابيلَ. والحاسد ممقوت مبْغوض مطرود ملعون. ولقد أحسن من قال:
| **قل للحسود إذا تَنَفَّس طَعْنةً** | | **يا ظالماً وكأنهُ مَظْلُومُ** |
| --- | --- | --- |
التاسعة: هذه سورة دالة على أن الله سبحانه خالق كل شر، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوّذ من جميع الشرور. فقال: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }. وجعل خاتمة ذلك الحسد، تنبيهاً على عِظمه، وكثرة ضرره، والحاسد عدوّ نعمة الله. قال بعض الحكماء: بارزَ الحاسد ربه من خمسة أوجه: أحدها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره. وثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه، كأنه يقول: لم قسمت هذه القسمة؟ وثالثها: أنه ضادَّ فعل الله، أي إن فضل الله يؤتِيه من يشاء، وهو يبخَل بفضل الله. ورابعها: أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم. وخامسها: أنه أعان عدوّه إبليس. وقيل: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لَعنة وبغضاء، ولا ينال في الخلوة إلا جَزَعاً وغماً، ولا ينال في الآخرة إلا حُزْناً واحتراقاً، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً. ورُوي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: **" ثلاثة لا يُستجاب دعاؤهم: آكل الحرام، ومُكثِر الغِيبة، ومن كان في قلبه غِلُّ أو حسد للمسلمين "** والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) | مختلف فيها، وآيها خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ الفَلَقِ } ما يفلق عنه أي يفرق كالفرق فعل بمعنى مفعول، وهو يعم جميع الممكنات، فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإِيجاد عنها، سيما ما يخرج من أصل كالعيون والأمطار والنبات والأولاد، ويختص عرفاً بالصبح ولذلك فسر به. وتخصيصه لما فيه من تغير الحال وتبدل وحشة الليل بسرور النور ومحاكاة فاتحة يوم القيامة، والإِشعار بأن من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم قدر أن يزيل عن العائذ به ما يخافه، ولفظ الرب هنا أوقع من سائر أسمائه تعالى لأن الإِعاذة من المضار قريبة.
{ مِن شَرّ مَا خَلَقَ } خص عالم الخلق بالإستعاذة عنه لانحصار الشرفية، فإن عالم الأمر خير كله، وشره اختياري لازم ومتعد كالكفر والظلم، وطبيعي كإحراق النار وإهلاك السموم.
{ وَمِن شَرّ غَاسِقٍ } ليل عظيم ظلامه من قوله:**{ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ }** [الإسراء: 78] وأصله الامتلاء يقال غسقت العين إذا امتلأت دمعاً. وقيل السيلان و { غَسَقِ ٱلَّيْلِ } انصباب ظلامه وغسق العين سيلان دمعه. { إِذَا وَقَبَ } دخل ظلامه في كل شيء، وتخصيصه لأن المضار فيه تكثر ويعسر الدفع، ولذلك قيل الليل أخفى للويل. وقيل المراد به القمر فإنه يكسف فيغسق ووقوبه دخوله في الكسوف.
{ وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها، والنفث النفخ مع ريق وتخصيصه. **" لما روي أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في وتر دسه في بئر، فمرض النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت المعوذتان "** وأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بموضع السحر فأرسل علياً رضي الله تعالى عنه فجاء به فقرأهما عليه، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة، ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في أنه مسحور، لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر. وقيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقد بنفث الريق ليسهل حلها وإفرادها بالتعريف لأن كل نفاثة شريرة بخلاف كل غاسق وحاسد.
{ وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه، فإنه لا يعود ضرر منه قبل ذلك إلى المحسود بل يخص به لاغتمامه بسروره، وتخصيصه لأنه العمدة في إضرار الإِنسان بل الحيوان غيره، ويجوز أن يراد بالغاسق ما يخلو عن النور وما يضاهيه كالقوى وبـ { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } النباتات، فإن قواها النباتية من حيث أنها تزيد في طولها وعرضها وعمقها كانت تنفث في العقد الثلاثة، وبالحاسد الحيوان فإنه إنما يقصد غيره غالباً طمعاً فيما عنده، ولعل إفرادها من عالم الخلق لأنها الأسباب القريبة للمضرة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم **" لقد أنزلت عليَّ سورتان ما أنزل مثلهما وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند الله منهما يعني المعوذتين ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) | قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا حسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال الفلق الصبح. وقال العوفي عن ابن عباس { ٱلْفَلَقِ } الصبح. وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعبد الله بن محمد بن عقيل والحسن وقتادة ومحمد بن كعب القرظي، وابن زيد ومالك عن زيد بن أسلم مثل هذا، قال القرظي وابن زيد وابن جرير وهي كقوله تعالى**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** الأنعام 96 وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { ٱلْفَلَقِ } الخلق، وكذا قال الضحاك أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله. وقال كعب الأحبار { ٱلْفَلَقِ } بيت في جهنم، إذا فتح، صاح جميع أهل النار من شدة حره، ورواه ابن أبي حاتم، ثم قال حدثنا أبي، حدثنا سهيل بن عثمان عن رجل سماه، عن السدي، عن زيد بن علي، عن آبائه أنهم قالوا { ٱلْفَلَقِ } جب في قعر جهنم عليه غطاء، فإذا كشف عنه، خرجت منه نار تضج منه جهنم من شدة حر ما يخرج منه، وكذا روي عن عمرو بن عبسة وابن عباس والسدي وغيرهم. وقد ورد في ذلك حديث مرفوع منكر، فقال ابن جرير حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي، حدثنا نصر بن خزيمة الخراساني عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال **" الفلق جب في جهنم مغطى "** إسناده غريب، ولا يصح رفعه. وقال أبو عبد الرحمن الحبلي { ٱلْفَلَقِ } من أسماء جهنم، وقال ابن جرير والصواب القول الأول إنه فلق الصبح، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري في صحيحه رحمه الله تعالى. وقوله تعالى { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي من شر جميع المخلوقات، وقال ثابت البناني والحسن البصري جهنم وإبليس وذريته مما خلق، { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال مجاهد غاسق الليل إذا وقب غروب الشمس، حكاه البخاري عنه، وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه، وكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وخصيف والحسن وقتادة إذا وقب الليل إذا أقبل بظلامه. وقال الزهري { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الشمس إذا غربت، وعن عطية وقتادة إذا وقب الليل إذا ذهب، وقال أبو المهزم عن أبي هريرة { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الكوكب، وقال ابن زيد كانت العرب تقول الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها. قال ابن جرير ولهؤلاء من الآثار ما حدثني نصر بن علي، حدثني بكار بن عبد الله ابن أخي همام، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" ومن شر غاسق إذا وقب النجم الغاسق "** قلت وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير وقال آخرون هو القمر. قلت وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد حدثناأبو داود الحفري عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن أبي سلمة قال قالت عائشة رضي الله عنها أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأراني القمرحين طلع، وقال **" تعوذي با لله من شر هذا الغاسق إذا وقب "** ورواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننيهما من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن به. وقال الترمذي حديث حسن صحيح، ولفظه **" تعوذي با لله من شر هذا الغاسق إذا وقب "** ولفظ النسائي **" تعوذي با لله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب "** قال أصحاب القول الأول وهو آية الليل إذا ولج، هذا لا ينافي قولنا لأن القمر آية الليل، ولا يوجد له سلطان إلا فيه، وكذلك النجوم لا تضيء إلا بالليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم. وقوله تعالى { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك يعني السواحر، قال مجاهد إذا رقين ونفثن في العقد. وقال ابن جرير حدثناابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال ما من شيء أقرب إلى الشرك من رقية الحية والمجانين، وفي الحديث الآخر أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتكيت يا محمد؟ فقال **" نعم "** فقال باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك، ولعل هذا كان من شكواه صلى الله عليه وسلم حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رؤوسهم، وجعل تدميرهم في تدبيرهم، وفضحهم، ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الدهر، بل كفى الله، وشفى وعافى. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم قال سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أياماً. قال فجاءه جبريل فقال إن رجلاً من اليهود سحرك، وعقد لك في بئر كذا وكذا، فأرسل إليها من يجيء بها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخرجها، فجاءه بها، فحللها، قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه حتى مات، ورواه النسائي عن هناد عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال البخاري في كتاب الطب من صحيحه حدثنا عبد الله بن محمد قال سمعت سفيان بن عيينة يقول أول من حدثنا به ابن جريج يقول حدثني آل عروة عن عروة، فسألت هشاماً عنه، فحدثنا عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا، فقال **" يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر ما بال الرجل؟ قال مطبوب، قال ومن طبه، قال لبيد بن أعصم، رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقاً، قال وفيم؟ قال في مشط ومشاقة، قال وأين؟ قال في جف طلعة ذكر، تحت راعوفة في بئر ذروان "** قالت فأتى البئر حتى استخرجه، فقال **" هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين "** قال فاستخرج فقلت أفلا تنشرت؟ فقال **" أما الله، فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً "** وأسنده من حديث عيسى بن يونس وأبي ضمرة أنس بن عياض وأبي أسامة ويحيى القطان، وفيه قالت حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله، وعنده فأمر بالبئر فدفنت، وذكر أنه رواه عن هشام أيضاً ابن أبي الزناد والليث بن سعد، وقد رواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير، ورواه أحمد عن عفان عن وهيب عن هشام به. ورواه الإمام أحمد أيضاً عن إبراهيم بن خالد عن معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت لبث النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، يرى أنه يأتي ولا يأتي، فأتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر ما باله؟ قال مطبوب، قال ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم، وذكر تمام الحديث. وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره، قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها. وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له ابن أعصم، ثم دسها في بئر لبني زريق يقال له ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتثر شعر رأسه، ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم، إذ أتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه ما بال الرجل؟ قال طب، قال وما طب؟ قال سحر؟ قال ومن سحره؟ قال لبيد بن الأعصم اليهودي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال وبم طبه؟ قال بمشط ومشاطة، قال وأين هو؟ قال في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان. والجف قشر الطلع، والراعوفة حجر في أسفل البئر ناتىء يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعوراً، وقال **" يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي "** ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه، وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله تعالى السورتين، فجعل كلما قرأ آية، انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين، الله يشفيك. فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" أما أنا، فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على الناس شراً "** هكذا أورده بلا إسناد، وفيه غرابة، وفي بعضه نكارة شديدة، ولبعضه شواهد مما تقدم، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) | { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أظهر حسده وعمل بمقتضاه كلبيد المذكور من اليهود الحاسدين للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الثلاثة الشامل لها «ما خلق» بعده لشدّة شرها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) | { ٱلْفَلَقِ } الصبح، يقال هو أبين من فلق الصبح. وسمي فلقاً، لأنه يفلق عنه الليل. وهو فعل بمعنى مفعول. قال الزجاج لأن الليل ينفلق عنه الصبح، ويكون بمعنى مفعول. يقال هو أبين من فلق الصبح، ومن فرق الصبح، وهذا قول جمهور المفسرين، ومنه قول ذي الرّمة
| **حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق هادئة في أخريات الليل منتصب** | | |
| --- | --- | --- |
وقول الآخر
| **يا ليلة لم أنمها بتّ مرتفقا أرعى النجوم لي أن نوّر الفلق** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل هو سجن في جهنم. وقيل هو اسم من أسماء جهنم. وقيل شجرة في النار. وقيل هو الجبال والصخور، لأنها تفلق بالمياه، أي تشقق. وقيل هو التفليق بين الجبال لأنها تنشق من خوف الله. قال النحاس يقال لكل ما اطمأنّ من الأرض فلق، ومنه قول زهير
| **ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا** | | |
| --- | --- | --- |
والراكس بطن الوادي، ومثله قول النابغة
| **أتاني ودوني راكس فالضواجع** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل هو الرحم تنفلق بالحيوان. وقيل هو كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله من الحيوان والصبح والحبّ والنوى، وكلّ شيء من نبات، وغيره قاله الحسن، والضحاك. قال القرطبي هذا القول يشهد له الانشقاق، فإن الفلق الشقّ، فلقت الشيء فلقاً شققته، والتفليق مثله، يقال فلقته، فانفلق وتفلق، فكلّ ما انفلق عن شيء من حيوان، وصبح، وحبّ، ونوى، وماء فهو فلق، قال الله سبحانه**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** الأنعام 96 وقال**{ فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ }** الأنعام 95. انتهى. والقول الأوّل أولى لأن المعنى، وإن كان أعمّ منه وأوسع مما تضمنه لكنه المتبادر عند الإطلاق. وقد قيل في وجه تخصيص الفلق الإيماء إلى أن القادر على إزالة هذه الظلمات الشديدة عن كلّ هذا العالم يقدر أيضاً أن يدفع عن العائذ كل ما يخافه، ويخشاه. وقيل طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرح فكما أن الإنسان في الليل يكون منتظراً لطلوع الصباح. كذلك الخائف يكون مترقباً لطلوع صباح النجاح، وقيل غير هذا مما هو مجرّد بيان مناسبة ليس فيها كثير فائدة تتعلق بالتفسير. { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } متعلق بـ { أعوذ } أي من شرّ كلّ ما خلقه سبحانه من جميع مخلوقاته، فيعمّ جميع الشرور. وقيل هو إبليس وذرّيته. وقيل جهنم، ولا وجه لهذا التخصيص، كما أنه لا وجه لتخصيص من خصّص هذا العموم بالمضارّ البدنية. وقد حرّف بعض المتعصبين هذه الآية مدافعة عن مذهبه، وتقويماً لباطله، فقرءوا بتنوين " شرّ " على أن «ما» نافية. والمعنى من شرّ لم يخلقه. ومنهم عمرو بن عبيد، وعمرو بن عائذ. { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الغاسق الليل. والغسق الظلمة. يقال غسق الليل يغسق إذا أظلم. قال الفراء يقال غسق الليل، وأغسق إذا أظلم، ومنه قول قيس بن الرقيات
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| **إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهمّ والأرقا** | | |
| --- | --- | --- |
وقال الزجاج قيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار، والغاسق البارد، والغسق البرد، ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها، والهوامّ من أماكنها، وينبعث أهل الشرّ على العبث والفساد، كذا قال، وهو قول بارد، فإن أهل اللغة على خلافه، وكذا جمهور المفسرين ووقوبه دخول ظلامه، ومنه قول الشاعر
| **وقب العذاب عليهم فكأنهم لحقتهم نار السموم فأخمدوا** | | |
| --- | --- | --- |
أي دخل العذاب عليهم. ويقال وقبت الشمس إذا غابت. وقيل الغاسق الثريا. وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين، وإذا طلعت ارتفع ذلك، وبه قال ابن زيد. وهذا محتاج إلى نقل عن العرب أنهم يصفون الثريا بالغسوق. وقال الزهري هو الشمس إذا غربت، وكأنه لاحظ معنى الوقوب، ولم يلاحظ معنى الغسوق. وقيل هو القمر إذا خسف. وقيل إذا غاب. وبهذا قال قتادة، وغيره. واستدلوا بحديث أخرجه أحمد، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن عائشة قالت نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى القمر لما طلع فقال **" يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب "** قال الترمذي بعد إخراجه حسن صحيح، وهذا لا ينافي قول الجمهور لأن القمر آية الليل، ولا يوجد له سلطان إلاّ فيه، وهكذا يقال في جواب من قال إنه الثريا. قال ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر. وقيل الغاسق الحية إذا لدغت. وقيل الغاسق كل هاجم يضرّ كائناً ما كان، من قولهم غسقت القرحة إذا جرى صديدها. وقيل الغاسق هو السائل، وقد عرّفناك أن الراجح في تفسير هذه الآية هو ما قاله أهل القول الأوّل، ووجه تخصيصه أن الشرّ فيه أكثر، والتحرز من الشرور فيه أصعب، ومنه قولهم الليل أخفى للويل. { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } النفاثات هنّ السواحر، أي ومن شر النفوس النفاثات، أو النساء النفاثات، والنفث النفخ، كما يفعل ذلك من يرقي ويسحر. وقيل مع ريق. وقيل بدون ريق، والعقد جمع عقدة، وذلك أنهنّ كن ينفثن في عقد الخيوط حين يسحرن بها، ومنه قول عنترة
| **فإن يبرأ فلم أنفث عليه وإن يعقد فحقّ له العقود** | | |
| --- | --- | --- |
وقول متمم بن نويرة
| **نفث في الخيط شبيه الرقى من خشية الجنة والحاسد** | | |
| --- | --- | --- |
قال أبو عبيدة النفاثات هيّ بنات لبيد الأعصم اليهودي، سحرن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قرأ الجمهور { النفاثات } جمع نفاثة على المبالغة. وقرأ يعقوب، وعبد الرحمٰن بن ساباط، وعيسى بن عمر النافثات جمع نافثة. وقرأ الحسن النفاثات بضم النون. وقرأ أبو الربيع النفثات بدون ألف.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
{ وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الحسد تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود. ومعنى { إذا حسد } إذا أظهر ما في نفسه من الحسد، وعمل بمقتضاه، وحمله الحسد على إيقاع الشرّ بالمحسود. قال عمر بن عبد العزيز لم أر ظالماً أشبه بالمظلوم من حاسد، وقد نظم الشاعر هذا المعنى فقال
| **قل للحسود إذا تنفس طعنة يا ظالماً وكأنه مظلوم** | | |
| --- | --- | --- |
ذكر الله سبحانه في هذه السورة إرشاد رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الاستعاذة من شرّ كل مخلوقاته على العموم، ثم ذكر بعض الشرور على الخصوص مع اندراجه تحت العموم لزيادة شرّه، ومزيد ضرّه، وهو الغاسق، والنفاثات، والحاسد، فكأن هؤلاء لما فيهم من مزيد الشرّ حقيقون بإفراد كل واحد منهم بالذكر. وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن عبسة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } فقال **" يا ابن عبسة أتدري ما الفلق؟ "** قلت الله ورسوله أعلم، قال **" بئر في جهنم "** وأخرجه ابن أبي حاتم من قول عمرو بن عبسة غير مرفوع. وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم **" اقرأ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } هل تدري ما الفلق؟ باب في النار إذا فتحت سعرت جهنم "** وأخرج ابن مردويه، والديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عزّ وجلّ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } فقال **" هو سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون، وإن جهنم لتتعوّذ بالله منه "** وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال **" الفلق جبّ في جهنم "** وهذه الأحاديث لو كانت صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان المصير إليها واجباً، والقول بها متعيناً. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الفلق سجن في جهنم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال الفلق الصبح. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال الفلق الخلق. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } وقال النجم هو الغاسق، وهو الثريا. وأخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم من وجه آخر عنه غير مرفوع. وقد قدّمنا تأويل هذا، وتأويل ما ورد أن الغاسق القمر. وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إذا ارتفعت النجوم رفعت كل عاهة عن كل بلد "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وهذا لو صح لم يكن فيه دليل على أن الغاسق هو النجم أو النجوم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال الليل إذا أقبل. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } قال الساحرات. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال هو ما خالط السحر من الرقي. وأخرج النسائي، وابن مردويه عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال **" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وكل إليه "** وأخرج ابن سعد، وابن ماجه، والحاكم، وابن مردويه عن أبي هريرة قال جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم يعودني فقال **" ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل؟ "** فقلت بلى بأبي أنت وأمي، قال **" بسم الله أرقيك، والله يشفيك من كل داء فيك مِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ، وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ "** فرقى بها ثلاث مرّات. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قال نفس ابن آدم وعينه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ) | وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } يقول قل يا محمد امتنع ويقال أستعيذ برب الفلق برب الخلق ويقال الفلق هو الصبح ويقال جب في النار ويقال هو واد في النار { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } من شر كل ذي شر خلق { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } من شر الليل إذا دخل وأدبر { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ } المهيجات الآخذات الساحرات النافخات { فِي ٱلْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } لبيد بن الأعصم اليهودي إذ حسد النبي صلى الله عليه وسلم فسحره وأخذه عن عائشة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } يعني قل يا محمد أعتصم وأستعيذ وأستعين بخالق الخلق والفلق الخلق وإنما سمي الخلق فلقاً لأنهم فُلِقُوا من آبائهم وأمهاتهم ويقال (أعوذ برب الفلق) يعني بخالق الصبح، ويقال فالق الحب والنوى قال الله تعالى**{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام: 95] وقال**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96] ويقال الفلق واد في جهنم، ويقال جب في النار
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال **" الفلق شجرة في جهنم فإن أراد الله أن يعذب الكافر بأشد العذاب يأمره أن يأكل من ثمرها "** وروي عن كعب الأحبار أنه دخل في بعض الكنائس التي للروم فقال: أخسر عمل وأضلُّ قوم قد رضيت لكم بالفلق فقيل له ما الفلق يا كعب؟ قال: بئر في النار إذا فتح بابها صاح جميع أهل النار من شدة عذابها
ثم قال عز وجل { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } قال الجن والإنس وقال الكلبي من شر ما خلق يعني من شر ذي شر. ثم قال عز وجل { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } يعني ظلمة الليل إذا دخل سواد الليل في ضوء النهار ويقال (إذا وقب) يعني إذا جاء وأدبر وقال القتبي (الغاسق) الليل والغسق الظلمة ويقال الغاسق القمر إذا انكسف واسودّ (إذا وقب) يعني إذا دخل في الكسوف
ثم قال تعالى { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } يعني الساحرات الموخزات المهيجات اللواتي ينفثن في العقد ثم قال عز وجل { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } يعني كل ذي حسد أراد به لبيد بن أعصم اليهودي ويقال لبيد بن عاصم وروى الأعمش عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال سحر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ من اليهود عقد له عقداً فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال له: إن رجلاً من اليهود سحرك فبعث علياً رضي الله عنه واستخرجها فحلّها فجعل كلما حل عقدة وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك خفة حتى حلها كلها فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما نشط من عقال فما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لليهود
وروي في خبر آخر أن لبيد بن أعصم اتخذ لعبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ من عائشة رضي الله عنها فأفحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل في اللعبة أحد عشر عقدة ثم ألقاها في بئر، وألقى فوقها صخرة فاشتكى من ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكواً شديداً فصارت أعضاؤه مثل العقد فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين النائم واليقظان إذ أتاه ملكان أحدهما جلس عند رأسه والآخر عند قدميه فالذي عند قدميه يقول للذي عند رأسه ما شكواه قال السحر قال من فعل به؟ قال لبيد بن أعصم اليهودي قال فأين صنع السحر قال في بئر كذا قال ماذا رأوه يبعث إلى تلك البئر فنزح ماؤها فإنه انتهى إلى الصخرة فإذا رأها فليقلعها فإن تحتها كؤبة وهي كؤبة قد سقطت عنقها وفيه إحدى عشرة عقدة فيحرق في النار فيبرأ إن شاء الله تعالى فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد فهم ما قالا فبعث عمار بن ياسر وعلياً رضي الله عنهما إلى تلك البئر في رهط من أصحابه فوجدوها كما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم فنزلت هاتان السورتان وهي إحدى عشرة آية فكلما قرأ آية حل منها عقدة حتى انحلت كلها ثم أحرقها بالنار فبرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروي في بعض الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ما سأل منها سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلها قط وهذه الآية دليل أن الرقية جائزة إن كانت بذكر الله تعالى وبكتابه والله أعلم بالصواب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) | وهذه والناس معوذتا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سحرته اليهود، وقيل إن المعوذتين كان يقال لهما " المقشقشتان " أي مبرئتان من النفاق، وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به وليستا من القرآن، وهذا قول خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت.
{ قُلْ أَعُوذُ بربِّ الفَلَقِ } فيه ستة تأويلات:
أحدها: أن الفلق سجن في جهنم، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه اسم من أسماء جهنم، قاله أبو عبد الرحمن.
الثالث: أنه الخلق كله، قاله الضحاك.
الرابع: أنه فلق الصبح، قاله جابر بن عبد الله ومنه قول الشاعر:
| **يا ليلةً لم أَنَمْها بِتُّ مُرْتفقا** | | **أرْعى النجومَ إلى أنْ نوَّرَ الفَلَقُ.** |
| --- | --- | --- |
الخامس: أنها الجبال والصخور تنفلق بالمياه.
السادس: أنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والصبح والحب والنوى وكل شيء من نبات وغيره، قاله الحسن.
ولأصحاب الغوامض أنه فلق القلوب للأفهام حتى وصلت إليها ووصلت فيها، وأصل الفلق الشق الواسع، وقيل للصبح فلق لفلق الظلام عنه كما قيل له فجر لانفجار الضوء منه.
{ مِن شَرِّ ما خَلَق } فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن شر ما خلق جهنم، قاله ثابت البناني.
الثاني: إبليس وذريته، قاله الحسن.
الثالث: من شر ما خلق في الدنيا والآخرة، قاله ابن شجرة.
وفي هذا الشر وجهان:
أحدهما: أنه محمول على عمومه في كل شر.
الثاني: أنه خاص في الشر الذي يستحق المصاب به الثواب.
{ ومن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ } فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يعني الشمس إذا غربت، قاله ابن شهاب.
الثاني: القمر إذا ولج أي دخل في الظلام.
روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم نظر إلى القمر فقال: يا عائشة تعوذي بالله من شر غاسقٍ إذا وقب، وهذا الغاسق إذا وقب.
الثالث: أنه الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عنذ وقوعها، وترتفع عند طلوعها، قاله ابن زيد.
الرابع: أنه الليل، لأنه يخرج السباع من آجامها، والهوام من مكامنها ويبعث أهل الشر على العبث والفساد، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي، قال الشاعر:
| **يا طيْفَ هِنْدٍ لقد أبقيْتَ لي أرَقا** | | **إذ جئْتَنا طارِقاً والليلُ قد غَسَقا** |
| --- | --- | --- |
وأصل الغسق الجريان بالضرر، مأخوذ من قولهم غسقت القرحة إذا جرى صديدها، والغسّاق: صديد أهل النار، لجريانه بالعذاب وغسقت عينه إذا جرى دمعها بالضرر في الحلق.
فعلى تأويله أنه الليل في قوله " إذا وقب " أربعة تأويلات:
أحدها: إذا أظلم، قاله ابن عباس.
الثاني: إذا دخل، قاله الضحاك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
الثالث: إذا ذهب، قاله قتادة.
الرابع: إذا سكن، قاله اليمان بن رئاب.
{ ومِن شَرِّ النّفّاثاتِ في العُقَدِ } قال أهل التأويل: من السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر، قال الشاعر:
| **أعوذ بربي من النافثا** | | **تِ في عِضَه العاضه المعْضِه** |
| --- | --- | --- |
وربما فعل قوم في الرقى مثل ذلك، طلباً للشفاء، كما قال متمم بن نويرة:
| **نَفَثْت في الخيط شبيه الرُّقَى** | | **من خشيةِ الجِنّة والحاسدِ.** |
| --- | --- | --- |
وقد روى الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه "** ، النفث: النفخ في العقد بلا ريق، والتفل: النفخ فيها بريق، وفي { شر النفاثات في العقد } ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه إيهام للأذى وتخيل للمرض من غير أن يكون له تأثير في الأذى والمرض، إلا استشعار ربما أحزن، أو طعام ضار ربما نفذ بحيلة خفية.
الثاني: أنه قد يؤذى بمرض لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين، وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله.
الثالث: أنه قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن الله بعض عباده.
فأما المروي من سحر النبي صلى الله عليه وسلم فقد أثبته أكثرهم، وأن قوماً من اليهود سحروه وألقوا عقدة سحره في بئر حتى أظهره الله عليها.
روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى شكوى شديدة، فبينا هو بين النائم واليقظان إذا ملكان أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: ما شكواه؟ فقال الآخر: مطبوب، (أي مسحور، والطب: السحر) قال: ومن طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي فطرحه في بئر ذروان تحت صخرة فيها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر فاستخرج السحر منها، ويروى أن فيه إحدى عشرة عقدة، فأمر بحل العقد، فكان كلما حل عقدة وجد راحة، حتى حلت العقد كلها، فكأنما أنشط من عقال، فنزلت عليه المعوذتان، وهما إحدى عشرة آية بعدد العقد، وأمر أن يتعوذ بهما.
وأنكره آخرون، ومنعوا منه في رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن صح في غيره، لما في استمراره عليه من خبل العقل، وأن الله تعالى قد أنكر على من قال في رسوله حيث يقول: { إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً }.
{ ومن شر حاسد إذا حسد } أما الحسد فهو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها، والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل، فالحسد شر مذموم، والمنافسة رغبة مباحة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" المؤمن يغبط والمنافق يحسد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وفي الاستعاذة من شر حاسد إذا حسد وجهان:
أحدهما: من شر نفسه وعينه، فإنه ربما أصاب بها فعان وضر، والمعيون المصاب بالعين، وقال الشاعر:
| **قد كان قومُك يَحْسبونك سيّدا** | | **وإخال أنك سيدٌ مَعْيونُ** |
| --- | --- | --- |
الثاني: أن يحمله فرط الحسد على إيقاع الشر بالمحسود فإنه يتبع المساوىء ويطلب العثرات، وقد قيل إن الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء والأرض فحسد إبليس آدم حتى أخرجه من الجنة، وأما في الأرض فحسد قابيل بن آدم لأخيه هابيل حتى قتله، نعوذ بالله من شر ما استعاذنا منه.
وافتتح السورة بـ " قُلْ " لأن الله تعالى أمر نبيه أن يقولها، وهي من السورة لنزولها معها، وقد قال بعض فصحاء السلف: احفظ القلاقل، وفيه تأويلان:
أحدهما: قل " قل " في كل سورة ذكر في أوائلها لأنه منها.
والثاني: احفظ السورة التي في أولها " قل " لتأكيدها بالأمر بقراءتها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) | { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } ، يعني السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها. قال أبو عبيدة: هن بنات لبيد بن الأعصم سحرن النبي صلى الله عليه وسلم. { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } ، يعني اليهود فإنهم كانوا يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) | الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد هو آحاد أمته، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن والقرظي وقتادة ومجاهد وابن زيد: { الفلق }: الصبح، كقوله تعالى:**{ فالق الإصباح }** [الأنعام: 96] وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم: { الفلق }: جب في جهنم ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: { من شر ما خلق } يعم كل موجود له شر، وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة القائلين: بأن الله لم يخلق الشر " من شرِّ ما خلق " على النفي وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، الله خالق كل شيء، واختلف الناس في: " الغاسق إذا وقب " فقال ابن عباس ومجاهد والحسن: " الغاسق ": الليل و { وقب } معناه: أظلم ودخل على الناس، وقال الشاعر [ابن قيس الرقيات]: [المديد]
| **إن هذا الليل قد غسقا** | | **واشتكيت الهم والأرقا** |
| --- | --- | --- |
وقال محمد بن كعب: " الغاسق إذا وقب " النهار دخل في الليل، وقال ابن زيد عن العرب، " الغاسق " سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وقال عليه السلام: **" النجم هو الغاسق "** فيحتمل أن يريد الثريا، و **" قال لعائشة وقد نظر إلى القمر: " تعوذي بالله { من شر غاسق إذا وقب } "** ، فهذا هو " ، وقال القتبي وغيره: هو البدر إذا دخل في ساهوره فخسف، قال الزهري في " الغاسق إذا وقب ": الشمس إذا غربت، و { وقب } في كلام العرب: دخل، وقد قال ابن عباس في كتاب النقاش: " الغاسق إذا وقب ": ذكر الرجل، فهذا التعوذ في هذا التأويل نحو قوله عليه السلام وهو يعلم السائل التعوذ: **" قل أعوذ بالله من شر سمعي وشر قلبي وشر بصري وشر لساني وشر منيي "** ، ذكر الحديث جماعة و { النفاثات في العقد } السواحر، ويقال إن الإشارة أولاً إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي كن ساحرات وهن اللواتي سحرن مع أبيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعقدن له إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى إحدى عشرة آية بعد العقد، هي المعوذتان، فشفى الله النبي صلى الله عليه وسلم، والنفث شبه النفخ دون تفل ريق، وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذى بذلك، وهذا الشأن في زمننا موجود شائع في صحراء المغرب، وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطاً أحمر قد عقد فيه عقد على فصلان فمنعت بذلك رضاع أمهاتها، فكان إذا حل جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع أعاذنا الله من شر السحر والسحرة بقدرته، وقرأ عبد الله بن القاسم والحسن وابن عمر: " النافثات في العقد " ، وقوله تعالى: { ومن شر حاسد إذا حسد } قال قتادة: من شر عينه ونفسه، يريد بالنفس السعي الخبيث والإذاية كيف قدر لأنه عدو مجد ممتحن، وقال الشاعر:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **كل عداوة قد ترجى إفاقتها** | | **إلا عداوة من عاداك من حسد** |
| --- | --- | --- |
وعين الحاسد في الأغلب لاقعة نعوذ بالله من شرها ولا أعدمنا الله حسدة. [الكامل]
| **وإذا أراد الله نشر فضيلة** | | **طويت أتاح لها لسان حسود** |
| --- | --- | --- |
والحسد: في الأثنتين اللتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" حسد مستحسن غير ضار "** ، وإنما هو باعث على خير، وهذه السورة خمس آيات فقال بعض الحذاق: وهي مراد الناس بقولهم للحاسد إذا نظر إليهم: الخمس على عينيك، وقد غلطت العامة في هذا فيشيرون في ذلك بالأصابع لكونها خمسة، وأمال أبو عمرو { حاسد } ، والباقون بفتح الحاء وقال الحسن بن الفضل: ذكر الله تعالى الشر في هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليظهر أنه أخس طبع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) | وفيها قولان.
أحدهما: مدنية رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال قتادة في آخرين.
والثاني: مكية رواه كريب عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر. والأول أصح، ويدل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر وهو مع عائشة، فنزلت عليه المعوذتان.
فذكر أهل التفسير في نزولهما: **" أن غلاماً من اليهود كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل به اليهود حتى أخذ مُشَاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعِدَّة أسنانٍ من مُشْطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها. وكان الذي تولَّى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي. ثم دسَّها في بئر لبني زريق، يقال لها: بئر ذروان. ويقال: ذي أروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشر شعر رأسه، وكان يرى أنه يأتي النساء وما يأتيهن، ويخيَّل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله، فبينا هو ذات يوم نائم أتاه مَلَكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما بال الرجل؟ قال: طُبَّ. قال: وما طُبَّ؟ قال: سُحِر. قال: ومن سَحَره؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: وبم طَبَّه؟ قال: بمُشْط ومُشَاطة. قال: وأين هو؟ قال في جُفِّ طلعةٍ تحت راعوفة في بئر ذروان ـ والجف: قشر الطلع. والراعوفة: صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت. فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقِّي عليها، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة أما شعرتِ أن الله أخبرني بدائي، ثم بعث علياً، والزبير، وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجُفَّ، وإذا فيه مُشَاطة رأسه، وأسنان مشطه، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة [مغروزة بالإبرة، فأنزل الله تعالى المعوذتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة]. ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خِفَّة حين انحلت العُقْدَةُ الأخيرة، وجعل جبريل عليه السلام يقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن حاسد وعين، والله يشفيك. فقالوا يا رسول الله: أفلا نأخذ الخبيث فنقتله؟ فقال: «أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أُثير على الناس شراً» ".** وقد أخرج البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث عائشة حديث سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بينا معنى «أعوذ» في أول كتابنا.
وفي «الفلق» ستة أقوال.
أحدها: أنه الصبح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والقرظي، وابن زيد، واللغويون قالوا: ويقال: هذا أبين من فَلَق الصبح وَفَرَقَ الصبح.
والثاني: أنه الخَلْق، رواه الوالبي عن ابن عباس. وكذلك قال الضحاك: الفَلَق: الخَلْق كلُّه.
والثالث: سِجْن في جهنم، روي عن ابن عباس أيضاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقال وهب والسدي: جُبٌّ في جهنم. وقال ابن السائب: وادٍ في جهنم.
والرابع: شجرة في النار، قاله عبد الله بن عمرو.
والخامس: أنه كُلُّ ما انفلق عن شيء كالصبح، والحَبُّ، والنَّوى، وغير ذلك. قاله الحسن. قال الزجاج: وإذا تأملت الخلق بَانَ لك أن أكثره عن انفلاق، كالأرض بالنبات، والسحاب بالمطر.
والسادس: أنه اسم من أسماء جهنم، قاله أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الحبلي.
قوله تعالى: { من شر ما خلق } وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر: «خُلِق» بضم الخاء، وكسر اللام. وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه عام، وهو الأظهر.
والثاني: أن شر ما خُلِق: إبليسُ وذُريته، قاله الحسن.
والثالث: جهنم، حكاه الماوردي.
وفي «الغاسق» أربعة أقوال.
أحدها: أنه القمر، روت عائشة قالت: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر، فقال: استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب، رواه الترمذي، والنسائي في كتابيهما. قال ابن قتيبة: ويقال: الغاسق: القمر إذا كسف فاسودَّ. ومعنى «وقب» دخل في الكسوف.
والثاني: أنه النجم، رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثالث: أنه الليل، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والقرظي، والفراء، وأبو عبيد، وابن قتيبة، والزجاج. قال اللغويون: ومعنى «وقب» دخل في كل شيء فأظلم. و «الغسق» الظلمة. وقال الزجاج: الغاسق: البارد، فقيل لِلَّيل: غاسق، لأنه أبرد من النهار.
والرابع: أنه الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام، والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها، قاله ابن زيد.
فأما { النفاثات } فقال ابن قتيبة: هن السواحر ينفثن. أي: يَتْفُلن إذا سحرن، ورَقَيْن. قال الزجاج: يَتْفُلْنَ بلا ريق، كأنه نفح. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: تفسير نَفَثَ: نَفَخَ نفخاً ليس معه ريق، ومعنى تفل: نفخ نفخاً معه ريق. قال ذو الرُّمَّة:
| **ومن جَوْفِ ماءٍ عَرْمَضُ الحَوْلِ فَوْقَهُ** | | **متى يَحْسُ منه مائِحُ القومِ يَتْفُلِ** |
| --- | --- | --- |
وقد روى ابن أبي سُرَيج «النافثات» بألف قبل الفاء مع كسر الفاء وتخفيفها. وقال بعض المفسرين: المراد بالنَّفَّاثات هاهنا: بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ ومن شر حاسد } يعني: اليهود حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرنا حدَّ الحسد في [البقرة:109] والحسد: أخس الطبائع. وأولُ معصية عُصِيَ الله بها في السماء حَسَدُ إبليس لآدم، وفي الأرض حَسَدُ قابيلَ هَابيلَ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) | { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ } من شر نفسه وعينه أن يصيب بها أو لأن حسده يحمله على الأذى و [الحسد]: تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم تصر للحاسد والمنافسة تمني مثلها فالمؤمن يغبط والمنافق يحسد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) | مختلف فيها وهي خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } أي الصبح أو الخلق أو هو واد في جهنم أوجبٌّ فيها { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } أي النار أو الشيطان. و«ما» موصولة والعائد محذوف، أو مصدرية ويكون الخلق بمعنى المخلوق. وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه { مِن شَرّ } بالتنوين و«ما» على هذا مع الفعل بتأويل المصدر في موضع الجر بدل من { شَرُّ } أي شر خلقه أي من خلق شر، أو زائدة { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه، ووقوبه دخول ظلامه في كل شيء، وعن عائشة رضي الله عنها: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال: تعوذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب، ووقوبه دخوله في الكسوف واسوداده { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } النفاثات: النساء أو النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين، والنفث: النفخ مع ريق وهو دليل على بطلان قول المعتزلة في إنكار تحقق السحر وظهور أثره { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أي إذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه لأنه إذا لم يظهر فلا ضرر يعود منه على حسده بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره، وهو الأسف على الخير عند الغير. والاستعاذة من شر هذه الأشياء بعد الاستعاذة من شر ما خلق إشعار بأن شر هؤلاء أشد، وختم بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب عصي الله به في السماء من إبليس، وفي الأرض من قابيل. وإنما عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه، لأن كل نفاثة شريرة فلذا عرفت { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } ونكر { غَاسِقٍ } لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر، ورب حسد يكون محموداً كالحسد في الخيرات والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) | قوله عز وجل: { قل أعوذ برب الفلق } قال ابن عباس وعائشة: " كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ من مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان فيه ". ق عن عائشة **" أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أن يصنع الشيء ولم يصنعه "** وفي رواية **" أنه يخيل إليه فعل الشيء، وما فعله حتى إذا كان يوم، وهو عندي دعا الله، ودعاه ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت: وما ذاك يا رسول الله قد جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب، قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال: فيما ذا قال في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان، ومن الرواة من قال في بئر بني زريق فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله فأخرجه. قال أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخفت أن أثيرعلى الناس منه شراً "** وفي رواية للبخاري **" أنه كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك "** عن زيد بن أرقم قال **" سحر رجل من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى ذلك أياماً فأتاه جبريل فقال إن رجلاً من اليهود سحرك، وعقد لك عقداً في بئر كذا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فاستخرجها، فجاء بها فحلها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه قط "** أخرجه النسائي وروي " أنه كان تحت صخرة في البئر فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلى الله عليه وسلم وأسنان من مشطه " ، وقيل كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة وقيل كان مغروزاً بالإبر فأنزل الله هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال وروي " أنه لبث ستة أشهر، واشتد عليه ذلك ثلاث ليال فنزلت المعوذتان " م عن أبي سعيد الخدري
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك ".** فصل وقبل الشروع في التفسير نذكر معنى الحديث، وما قيل فيه، وما قيل في السحر، وما قيل في الرقى قولها في الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء، ولم يصنعه. قال الإمام المازري: مذهب أهل السّنة، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثّابتة خلافاً لمن أنكر ذلك، ونفى حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء، وزوجه وهذا كله لا يمكن أن يكون مما لا حقيقة له وهذا الحديث الصحيح مصرح بإثباته، ولا يستنكر في العقل أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي لا يعرفها إلا الساحر، وأنه لا فاعل إلا الله تعالى، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى على يد من يشاء من عباده. فإن قلت المستعاذ منه هل هو بقضاء الله، وقدره فذلك قدح في القدرة. قلت كل ما وقع في الوجود هو بقضاء الله وقدره، والاستشفاء بالتّعوذ، والرّقى من قضاء الله، وقدره يدل على صحة ذلك. ما روى التّرمذي **" عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً، قال: هي من قدر الله تعالى " "** قال التّرمذي: هذا حديث حسن وعن عمر نفر من قدر الله إلى قدر الله تعالى. فصل وقد أنكر بعض المبتدعة حديث عائشة المتفق عليه، وزعم أنه يحط منصب النّبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثّقة بالشّرع. ورد على هذا المبتدع بأن الذي ادعاه باطل لأن الدّلائل القطعية، والنقلية قد قامت على صدقه صلى الله عليه وسلم، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل. وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، وهو ما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له. وقد قيل إنه كان يخيل إليه أنه وطىء زوجاته، وليس واطىء، وهذا مثل ما يتخيله الإنسان في المنام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فلا يبعد أن يتخيله في اليقظة، ولا حقيقة له، وقيل إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد ما تخيله فتكون اعتقاداته على السّداد قال القاضي: وقد جاءت في بعض روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما سلط على بدنه وظواهر جوارحه لا على قلبه وعقله واعتقاده وليس في ذلك ما يوجب لبساً على الرسالة ولا طعناً لأهل الزّيغ والضّلالة، وقوله ما وجع الرجل قال مطبوب أي مسحور قوله، وجف طلعة ذكر يروى بالباء ويروى بالفاء، وهو وعاء طلع النخل. وأما الرّقى والتّعاويذ فقد اتفق الاجماع على جواز ذلك إذا كان بآيات من القرآن، أو إذ كانت وردت في الحديث، ويدل على صحته الأحاديث الواردة في ذلك منها حديث أبي سعيد المتقدم أن جبريل رقي النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما روي عن عبيد بن رفاعة الزرقي **" أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين. أفأسترقي لهم قال نعم فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين "** أخرجه التّرمذي وقال: حديث صحيح وعن أبي سعيد الخدري **" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول أعوذ بالله من الجان، وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما "** أخرجه التّرمذي وقال: حديث حسن غريب فهذه الأحاديث تدل على جواز الرّقية، وإنما المنهي عنه منها ما كان فيه كفر أو شرك أو ما لا يعرف معناه مما ليس بعربي لجواز أن يكون فيه كفر والله أعلم. وأما التفسير فقوله عز وجل { قل أعوذ برب الفلق } ، أراد بالفلق الصبح، وهو قول الأكثرين، ورواية عن ابن عباس لأن الليل ينفلق عن الصبح وسبب تخصيصه في التعوذ أن القادر على إزالة هذه الظلمة عن العالم قادر على أن يدفع عن المستعيذ ما يخافه، ويخشاه، وقيل إن طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرج، كما أن الإنسان ينتظر طلوع الصّباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح، وقيل إن تخصيص الصبح بالذكر في هذا الموضع لأنه وقت دعاء المضطرين، وإجابة الملهوفين، فكأنه يقول قل أعوذ برب الوقت، الذي يفرج فيه هم المهمومين والمغمومين، وروي عن ابن عباس أن الفلق سجن في جهنم، وقيل هو واد في جهنم إذ فتح استعاذ أهل النار من حره، ووجهه أن المستعيذ قال: أعوذ برب هذا العذاب، القادر عليه من شر عذابه، وغيره وروي عن ابن عباس أيضاً أن الفلق الخلق، ووجه هذا التأويل، أن الله تعالى فلق ظلمات بحر العدم بإيجاد الأنوار، وخلق منه الخلق، فكأنه قال قل أعوذ برب جميع الممكنات، ومكون جميع المحدثات { من شر ما خلق } قيل يريد به إبليس خاصة لأنه لم يخلق الله خلقاً هو شر منه، ولأن السحر لا يتم إلا به وبأعوانه وجنوده، وقيل من شر كل ذي شر، وقيل من شر ما خلق من الجن، والإنس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
{ ومن شر غاسق إذا وقب } عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت **" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب "** أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح، فعلى هذا الحديث المراد به القمر إذا خسف، واسود ومعنى وقب دخل في الخسوف، أو أخذ في الغيبوبة، وقيل سمي به لأنه إذا خسف اسود، وذهب ضوءه وقيل إذا وقب دخل في المحاق، وهو آخر الشهر وفي ذلك الوقت يتم السحر المورث للتمريض، وهذا مناسب لسبب نزول هذه الآية. وقال ابن عباس: الغاسق الليل إذا وقب أي أقبل لظلمته من المشرق، وقيل سمي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار، والغسق البرد وإنما أمر بالتعوذ من الليل لأن فيه تنشر الآفات، ويقل الغوث وفيه يتم السحر، وقيل الغاسق الثريا إذا سقطت، وغابت، وقيل إن الأسقام تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها فلهذا أمر بالتعوذ من الثريا عند سقوطها { ومن شر النفاثات في العقد } يعني السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها، وقيل المراد بالنفاثات بنات لبيد بن الأعصم اللاتي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم، والنفث النفخ مع ريق قليل، وقيل إنه النفخ فقط. واختلفوا في جواز النّفث في الرّقى، والتّعاويذ الشّرعية المستحبة فجوزه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ويدل عليه حديث عائشة قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات "** الحديث وأنكر جماعة التّفل، والنّفث في الرقى، وأجازوا النّفخ بلا ريق قال عكرمة: لا ينبغي للرّاقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد، وقيل النفث في العقد إنما يكون مذموماً إذا كان سحراً مضراً بالأرواح والأبدان، وإذا كان النفث لإصلاح الأرواح والأبدان وجب أن لا يكون مذموماً، ولا مكروهاً بل هو مندوب إليه. { ومن شر حاسد إذا حسد } الحاسد هو الذي يتمنى زوال نعمة الغير، وربما يكون مع ذلك سعي، فلذلك أمر الله تعالى بالتعوذ منه، وأراد بالحاسد هنا اليهود، فإنهم كانوا يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم أو لبيد بن الأعصم وحده والله سبحانه، وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) | والفلق: الصبح، قاله ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبي وابن زيد، وفي المثل: هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح، وقال الشاعر:
| **يا ليلة لم أنمها بت مرتقباً** | | **أرعى النجوم إلى أن قدّر الفلق** |
| --- | --- | --- |
وقال الشاعر يصف الثور الوحشي:
| **حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق** | | **هاديه في أخريات الليل منتصب** |
| --- | --- | --- |
وقيل: الفلق: كلما يفلقه الله تعالى، كالأرض والنبات والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والحب والنوى وغير ذلك. وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين: الفلق: جب في جهنم، ورواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لما اطمأن من الأرض الفلق، وجمعه فلقان. وقيل: واد في جهنم. وقال بعض الصحابة: بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حره.
وقرأ الجمهور: { من شر ما خلق } ، بإضافة شر إلى ما، وما عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد، كالإحراق بالنار، والإغراق بالبحر، والقتل بالسم. وقرأ عمرو بن فايد: من شر بالتنوين. وقال ابن عطية: وقرأ عمرو بن عبيد، وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر: من شر بالتنوين، ما خلق على النفي، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل،**{ الله خالق كل شيء }** [الزمر: 62]، ولهذه القراءة وجه غير النفي، فلا ينبغي أن ترد، وهو أن يكون { ما خلق } بدلاً من { شر } على تقدير محذوف، أي من شرّ شر ما خلق، فحذف لدلالة شر الأول عليه، أطلق أولاً ثم عمّ ثانياً. والغاسق: الليل، ووقب: أظلم ودخل على الناس، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد، وزمّكه الزمخشري على عادته فقال: والغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه. من قوله تعالى:**{ إلى غسق الليل }** [الإسراء: 78] ومنه: غسقت العين: امتلأت دمعاً، وغسقت الجراحة: امتلأت دماً، ووقوبه: دخول ظلامه في كل شيء، انتهى. وقال الزجاج: هو الليل لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد، استعيذ من شره لأنه فيه تنبث الشياطين والهوام والحشرات وأهل الفتك. قال الشاعر:
| **يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقاً** | | **إذ جئتنا طارقاً والليل قد غسقا** |
| --- | --- | --- |
وقال محمد بن كعب: النهار دخل في الليل. وقال ابن شهاب: المراد بالغاسق: الشمس إذا غربت. وقال القتبي وغيره: هو القمر إذا دخل في ساهوره فخسف. وفي الحديث: **" نظر صلى الله عليه وسلم إلى القمر فقال: يا عائشة، نعوذ بالله من هذا، فإنه الفاسق إذا وقب "** وعنه صلى الله عليه وسلم: **" الغاسق النجم "** وقال ابن زيد عن العرب: الغاسق: الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عند ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقيل: الحية إذا لدغت، والغاسق سم نابها لأنه يسيل منه. والنفاثات: النساء، أو النفوس، أو الجماعات السواحر، يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين. وقرأ الجمهور: { النفاثات }؛ والحسن: بضم النون، وابن عمر والحسن أيضاً وعبد الله بن القاسم ويعقوب في رواية النافثات؛ والحسن أيضاً وأبو الربيع: النفثات بغير ألف، نحو الخدرات. والاستعاذة من شرهن هو ما يصيب الله تعالى به من الشر عند فعلهن ذلك.
وسبب نزول هاتين المعوذتين ينفي ما تأوله الزمخشري من قوله: ويجوز أن يراد به النساء ذات الكيادات من قوله:**{ إن كيدكن عظيم }** [يوسف: 28] تشبيهاً لكيدهن بالسحر والنفث في العقد، أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهنّ لهم، وعرضهنّ محاسنهن، كأنهن يسحرنهم بذلك، انتهى.
وقال ابن عطية: وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذي بذلك، وهذا الشأن في زماننا موجود شائع في صحراء المغرب. وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطاً أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان، فمنعت من رضاع أمهاتها بذلك، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع، انتهى.
وقيل: الغاسق والحاسد بالطرف، لأنه إذا لم يدخل الليل لا يكون منسوباً إليه، وكذا كل ما فسر به الغاسق. وكذلك الحاسد، لا يؤثر حسده إذا أظهره بأن يحتال للمحسود فيما يؤذيه. أما إذا لم يظهر الحسد، فإنما يتأذى به هو لا المحسود، لاغتمامه بنعمة غيره. قال الزمخشري: ويجوز أن يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار أثره، انتهى. وعم أولاً فقال: { من شر ما خلق } ، ثم خص هذه لخفاء شرها، إذ يجيء من حيث لا يعلم، وقالوا: شر العداة المراجي بكيدك من حيث لا تشعر، ونكر غاسق وحاسد وعرف النفاثات، لأن كل نفاثة شريرة، وكل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر. ورب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات، ومنه: لا حسد إلا في اثنتين، ومنه قول أبي تمام:
| **ومـا حاسد في المكرمـات بحاسـد** | | |
| --- | --- | --- |
وقال آخر:
| **إن الغـلا حسن في مثلهـا الحسـد** | | |
| --- | --- | --- |
وقول المنظور إليه للحاسد، إذا نظر الخمس على عينيك يعني به هذه السورة، لأنها خمس آيات، وعين الحاسد في الغالب واقعة نعوذ بالله من شرها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) | الوقوف: { الفلق } ه لا { خلق } ه لا { وقب } ه لا { العقد } ه لا { حاسد } { إذا حسد } ه.
التفسير: لما أمره بقراءة سورة الإخلاص تنزيهاً له عما لا يليق به في ذاته وصفاته وكان ذلك من أشرف الطاعات، أمره أن يستعيذ به من شر من يصده عن ذلك كالمشركين وكسائر شياطين الإنس والجن. يروى أن جبرائيل أتاه وقال: إن عفريتاً من الجن يكيدك فقل إذا أتيت على فراشك: أعوذ برب الفلق أعوذ برب الناس. وعن سعيد بن المسيب أن قريشاً قالوا نتجوع فنعين محمداً ففعلوا ثم أتوه وقالوا: ما أشدّ عضدك وأقوى ظهرك وأنضر وجهك! فأنزل الله المعوّذتين. وقال جمهور المفسرين: إن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في وتر ودسه في بئر ذي أروان، فمرض النبي صلى الله عليه وسلم واشتدّ ذلك عليه ثلاث ليال فنزلت المعوّذتان، وأخبره جبرائيل بموضع السحر فأرسل علياً بطلبه وجاء به وقال جبرائيل: اقرأ السورتين. فكان كلما يقرأ آية تنحل عقدة فيجد بعض الراحة والخفة، حتى إذا أتمهما فكأنما أنشط من عقال. طعنت المعتزلة في هذه الرواية بأنها توجب تسلط الكفار والأشرار على الأنبياء. وأيضاً لو صححت لصح قولهم**{ إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً }** [الإسراء: 47] والجواب أن التسليط الكلي بحيث يمنعه عن تبليغ الرسالة لا يجوز، ولكن لا نسلم أن بعض الأضرار في بدنه لا يجوز لا سيما وقد تداركه الله تعالى بفضله وخصوصاً إذا كان فيه لطف لغيره من أمته حتى يفعلوا في مثل تلك الواقعة كما فعل، ولهذا استدل أكثر العلماء على أنه يجوز الاستعانة بالرقى والعوذ ويؤيده ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال **" بسم الله أرقيك من كل يؤذيك والله يشفيك "** وعن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين رضي الله عنهما بقوله **" أعيذكما بكلمات الله التامّه من كل شيطان وهامّه ومن كل عين لامّه "** ويقول هكذا كان أبي إبراهيم يقول لابنيه إسماعيل وإسحق. وعنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا من الحمى والأوجاع كلعا **" بسم الله الكريم أعوذ بالله العظيم ومن شر كل عرق نعار ومن شر حرّ النار "** وعن علي رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض قال **" أذهب البأس رب الناس أشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت "** وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فنزل منزلاً يقول **" يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرّك ومن شرّ ما فيك وشرّ ما يخرج منك ومن شرّ ما يدب عليك، وأعوذ بالله من شرّ أسد وأسود وحية وعقرب، ومن شرّ ساكن البلد ووالد ما ولد "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى شيئاً من جسده قرأ قل هو الله أحد والمعوّذتين في كفه اليمنى ومسح بها المكان الذي يشتكي. **" وروي أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون فعوّذه بـ { قل هو الله أحد } وبهاتين السورتين. ثم قال: تعوّذ بهن فما تعوّذت بخير منها "** وأما قول الكفار إنه مسحور فإنما أرادوا به الجنون والسحر الذي أثر في عقله ودام مع فلذلك وقع الإنكار عليهم. ومن الناس من لم يرحض في الرقى لرواية جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الرقة وقال **" إن لله عباداً لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون "** وأجيب بأن النهي وارد على الرقى المجهولة التي يفهم معناها. واختلف في التعليق؛ فروى أنه صلى الله عليه وسلم قال **" من علق شيئاً وكل إليه "** وعن ابن مسعود أنه رأى على أم ولده تميمه مربوطة بعضدها فجذبها جذباً عنيفاً فقطعها. ومنهم من حوزه؛ سئل الباقر رضي الله عنه عن التعويذ يعلق على الصبيان فرخص فيه. واختلفوا في النفث أيضاً فروي عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث على نفسه إذا اشتكى بالمعوذات ويمسح بيده، فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه صلى الله عليه وسلم بالمعوّذات التي كان ينفث بها على نفسه. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ فيهما بالمعوّذات ثم مسح جسده. ومنهم من أنكر النفث؛ عن عكرمة: لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد. وعن إبراهيم: كانوا يكرهون النفث في الرقى. وقال بعضهم: دخلت على الضحاك وهو وجع فقلت: ألا أعوّذك يا أبا محمد؟ قال: بلى ولكن لا تنفث فعوّذته بالمعوّذتين. قال بعض العلماء: لعلهم كرهوا النفث لأن الله تعالى جعل النفث مما يستعاذ منه فوجب أن يكون منهياً عنه. وقال بعضهم: النفث في العقد المنهي عنه هو الذي يكون سحراً مضراً بالأرواح والأبدان، وأما الذي يكون لإصلاح الأرواح والأبدان فيجب أن لا يكون حراماً.
سؤال: كيف قال في افتتاح القراءة**{ فاستعذ بالله }** [الأعراف: 200] وقال ههنا { أعوذ برب } دون أن يقول " بالله "؟ وأجيب بأن المهم الأوّل أعظم من حفظ النفس والبدن عن السحر والوسوسة فلا جرم ذكر هناك الاسم الأعظم، وأيضاً الشيطان يبالغ في منع الطاعة أكثر مما يبالغ في إيصال الضرر إلى النفس وأيضاً كأن العبد يجعل تربيته السابقة وسيلة في التربية اللاحقة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وفي الفلق وجوه؛ فالأكثرون على أنه الصبح من قوله**{ فالق الإصباح }** [الأنعام: 96] وخص ههنا بالذكر لأنه أنموذج من صبح يوم القيامة ولأنه وقت الصلاة والجماعة والاستغفار { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } وفيه إشارة إلى أن القادر على إزالة الظلمة عن وجه الأرض قادر على دفع ظلمة الشرور والآفات عن العبد بصلاح النجاح. روي أن يوسف عليه السلام حين ألقي في الجبّ وجعت ركبته وجعاً شديداً فبات ليلته ساهراً، فلما قرب طلوع الصبح نزل جبرائيل عليه السلام يسليه ويأمره بأن يدعو ربه فقال: يا جبرائيل ادع أنت وأؤمن أنا. فدعا جبرائيل فأمن يوسف فكشف الله ما كان به من الضرّ، فلما حصل له الراحة قال: يا جبرائيل أنا أدعو وتؤمن أنت فسأل يوسف ربه أن يكشف الضرّ عن جميع أهل البلاء في ذلك الوقت، فلا جرم ما من مريض إلا ويجد نوع خفة في آخر الليل. وروي أن دعاءه في الجبّ: يا عدّتي عند شدتي، ويا مؤنسي في وحشتي، ويا راحم غربتي، ويا كاشف كربتي، ويا مجيب دعوتي، ويا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، راحم صغر سني، وضعف ركني، وقلة حيلتي، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. وقل: هو كل ما يفلقه الله كالأرض عن النبات**{ إن الله فالق الحب والنوى }** [ألأنعام: 95] والجبال عن العيون**{ وإن منها لما يتفجر منه الأنهار }** [البقرة: 74] والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والقبض عن البسط، والشدّة عن الفرج، والقلوب عن المعارف. وقيل: هو واد في جهنم إذا فتح صاح جميع من في جهنم من شدّة حره كأن العبد قال: يا صاحب العذاب الشديد أعوذ برحمتك التي هي أعظم وأكمل وأسبق وأقدم من عذابك. وصاحب هذا القول زعم أن المراد من شر ما خلق أي من شدائد ما خلق فيها. وعن ابن عباس: يريد إبليس خاصة لأن الله تعالى لم يخلق خلقاً هو شرّ منه. ويدخل فيه الاستعاذة من السحرة لأنهم أعوانه وجنوده. وقل: أراد أصناف الحيوانات المؤذية من الهوام والسباع. وقيل: الأسقام والآفات والمحن فإنها شرور إضافية وإن جاز أن تكون خيرات باعتبارات أخر والكل بقدر كما مر في مقدمة الكتاب في تفسير الاستعاذة. وذكر في الغاسق وجوه؛ فعن الفراء وأبي عبيدة: هو الليل إذا جنّ ظلامه ومنه غسقت العين أو الجراحة إذا امتلأت دمعاً أو دماً. وقال الزجاج: هو البارد وسمي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار، فعلى هذا لعله أريد به الزمهرير. وقال قوم: هو السائل من قولهم غسقت العين تغسق غسقاً إذا سالت بالماء، وسمي الليل غاسقاً لانصباب ظلامه على الأرض. قلت: ولعل الاستعاذة على هذا التفسير إنما تكون من الغساق في قوله تعالى
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ إلا حميماً وغساقاً }** [النبأ: 25] والوقوب الدخول في الشيء بحيث يغيب عن العين. هذا من حيث اللغة. ثم أن الغاسق إذا فسر بالليل فوقوبه دخوله وهو ظاهر. ووجه التعوذ من شره أن السباع فيه تخرج من آجامها والهوام من مكامنها، وأهل الشر والفتنة من أماكنها، ويقل فيه الغوث ولهذا قالت الفهقاء: لو شهر أحد سلاحاً على إنسان ليلاً فقتله المشهور عليه لم يلزمه قصاص ولو كان نهاراً لزمه لوجود الغوث. وقد يقال: إنه تنشر في الليل الأرواح المؤذية المسماة بالجن والشياطين، وذلك لأن قوة الشمس وشعاعها كأنها تقهرهم، أما في الليل فيحصل لهم نوع استيلاء. وعن ابن عباس: هو ظلمة الشهوة البهيمية إذا غلبت داعية العقل. قال ابن قتيبة: الغاسق القمر لأنه يذهب ضوءه عند الخسوف، ووقوبه دخوله في ذلك الاسوداد. **" وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدها وقال لها: استعيذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب "** ، وعلى هذا التفسير يمكن تصحيح قول الحكيم إن القمر جرم كثيف مظلم في ذاته لكنه يقبل الضوء عن الشمس ويختلف حاله في ذلك بحسب قربه منها وبعده عنها. ووقوبه إما دخوله في دائرة الظلام في الخسوفات، وإما دخوله تحت شعاع الشمس في آخر كل شهر، وحينئذ يكون منحوساً قليل القوة ولذلك تختار السحرة ذلك الوقت للتمريض والإضرار والتفريق ونحوها. وقيل: الغاسق الثريا إذا سقط في المغرب. قال ابن زيد: وكانت الأسقام تكثر حينئذ. وقال في الكشاف: يجوز أن يراد به الأسود من الحيات ووقبه خربه ونقبه. وقيل: هو الشمس إذا غابت وسميت غاسقاً لسيلانها ودوام حركتها. وأما النفث فهو النفخ بريق. وقيل: النفخ فقط. والعقد جمع عقدة. والسبب فيه أن الساحر إذا أخذ في قراءة الرقية أخذ خيطاً ولا يزال يعقد عليه عقداً بعد عقد وينفث في تلك العقد. ووجه التأنيث إما الجماعة لأن اجتماع السحرة على عمل واحد أبلغ تأثيراً، وإما لأن هذه الصناعة إنما تعرف بالنساء لأنهن يعقدن وينفثن وذلك أن الأصل الكلي في ذلك الفن هو ربط القلب وتعليق الوهم بذلك الأمر وأنه في النساء أوفر لقلة علمهن وشدّة شهوتهن. وقال أبو عبيدة: إنهن بنات لبيد بن الأعصم اليهودي اللاتي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو مسلم: العقد عزائم الرجال والنفث حلها لأن من يريد حل عقدة الحبل ينفث عليه بريق يقذفه عليه ليصير حله سهلاً. والمعنى: إن النساء لكثرة حيلهن يتصرفن في عزائم الرجال يحوّلنهم من رأي إلى رأي ومن عزيمة إلى عزيمة، فأمر الله رسوله بالتعوّذ من شرهن، وهذا القول مناسب لما جاء في مواضع أخر من القرآن**{ إن من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم }** [التغابن: 14]**{ إن كيدكن عظيم }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
[يوسف: 28] والاستعاذة منهن الاستعاذة من إثم عملهن، أو من فتنتهن الناس بسحرهن، أو من إطعامهن الأطعمة الردية المورثة للجنون، و الموت. والحاسد هو الذي تشتد محبته لإزالة نعمة الغير إليه حتى لو تمكن من ذلك بالحيل لفعل فلذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منه. وقد دخل في هذه السورة كل شر يتوقى ويتحرّز منه ديناً ودنيا فلذلك لما نزلت فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لكونها مع أختها جامعة في التعوذ من كل شيء بل قوله { من شر ما خلق } عام والبواقي تخصيص بعد تعميم تنبيهاً على أنها أعظم الشرور، وأهم شيء يستعاذ منه. وعرفت النفاثات لأن كل نفاثة شريرة. ونكر { غاسق } و { حاسد } لأنه ليس كل غاسق بشره بل الليل للغاسقين شر وليس كل حسد مذموماً بل منه ما هو خير كما قال صلى الله عليه وسلم **" لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فقام به آناء الليل وآناء النهار ورجل أعطاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار "** وفائدة الظرف هو قوله { إذا حسد } أنه لا يستعاذ من الحاسد من جهات أخرى ولكن من هذه الجهة، ولو جعل الحاسد بمعنى الغابط أو بمعنى أعم وقوله { حسد } بالمعنى المذموم كان له وجه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) | قوله عز وجل: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } الخِطَابُ للنبي صلى الله عليه وسلم والمُرَادُ هُوَ وآحادُ أمتِهِ، قَالَ ابن عباس وغيره: الفَلَقُ الصُّبْحُ، وقال ابن عباس أيضاً وجماعةٌ من الصحابة: الفلقُ جُبُّ في جَهَنَّم، ورَوَاه أبو هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } يَعُمُّ كلَّ مَوْجُودٍ له شر، واخْتُلِفَ في: «الغاسِقِ» فَقَال ابن عباس وغيره: الغَاسِقُ الليلُ وَوَقَبَ: أظْلَمَ، ودَخَل عَلى الناسِ، وفي الحديثِ الصحيح عن عائشة **" أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشَارَ إلى القَمَرِ وقال: يا عائشة؛ تَعَوَّذِي باللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الغَاسِقِ إذَا وَقَبَ "** ، قال السهيلي: وهذا أصحُّ ما قِيل لِهذَا الحديثِ الصحيحِ، انتهى، ولفظ صاحبِ «سلاحِ المؤمِنِ»: عن عائشةَ ـــ رضي اللَّه عنها ـــ **" أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلَى القَمَرِ، فَقَالَ: يا عائشةُ؛ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا فإنَّ هَذَا الغَاسِقُ إذَا وَقَبَ "** ، رَوَاه الترمذيُّ والنسائي، والحاكم في «المستدرك»، واللفظُ للترمذي، وقَالَ حسنٌ صحيحٌ، وقال الحاكم: صحيحُ الإسنادِ، وَوَقَبَ القَمَر وُقُوباً: دَخَلَ في الظِّلِّ الذي يَكْسِفُه؛ قَالَه ابن سِيدَة، انتهى من «السلاح».
و { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } السَّوَاحِر، ويقال: إن الإشَارَة أوَّلاً إلى بَنَاتِ لَبِيدِ بن الأَعْصَمِ اليهودي؛ كُنَّ سَاحِرَاتٍ، وهُنَّ اللواتي سَحَرْنَ مَعَ أبيهِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، والنَّفْثُ شِبْهُ النَّفخِ دُونَ تَفلِ رِيقٍ، وهذا النَّفْثُ هُوَ عَلى عُقَدٍ تَعْقَدُ في خيوطٍ، ونحوِها؛ على اسْمِ المَسْحُورِ فيؤذى بذلك.
قال \* ع \*: وهَذَا الشَّأْنُ في زمانِنَا موجودٌ شائعٌ في صحراء المغرب، وحدَّثني ثقةٌ؛ أنه رأَىٰ عنْدَ بعضهم خيطاً أحْمَرَ قَدْ عُقِدَتْ فِيهِ عُقَدٌ عَلىٰ فُصْلاَنٍ، فَمُنِعَتْ بذلك رَضَاعَ أمهاتِها فكان إذا حَلَّ عقدةً جرَىٰ ذلك الفصيلُ إلَىٰ أُمِّه في الحِينِ، فَرَضَعَ، أعاذنا اللَّه مِنْ شَرِّ السِّحْرِ والسَّحَرَةَ.
وقوله تعالى: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قال قتادة: مِنْ شَرِّ عَيْنِهِ ونَفْسِهِ، يريد بـ«النَّفْس»: السعْيَ الخَبِيثَ، وقال الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: ذكَر اللَّه تعالى الشُّرُور في هذه السُّورة، ثم ختمها بالحَسَدِ؛ ليعلم أنَّه أخسُّ الطَبائع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }. هذه السورة، وسورة " النَّاس " ، و " الإخلاص " نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سحرته اليهود، وزعم ابن مسعود أنهما دعاء، وليستا من القرآن، وخالف به الإجماع من الصحابة، وأهل البيت.
قال ابن قتيبة: لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوِّذتين؛ لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين بهما، فقدر أنهما بمنزلة: " أعوذُ بكَلمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ من كُلِّ شيطانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ ".
قال ابن الأنباري: وهذا مردود على ابن قتيبة؛ لأن المعوذتين من كلام ربِّ العالمين؛ المعجز لجميع المخلوقين، و " أعِيذُكما بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامةِ " من قول البشر، وكلام الخالق الذي هو آية، وحجة لمحمد صلى الله عليه وسلم على جميع الكافرين، لا يلتبس بكلام الأدميين على مثل عبد الله بن مسعود، الفصيح اللسان، العالم باللغة العارف بأجناس الكلام.
وقال بعضُ الناس: لم يكتب عبد الله المعوذتين؛ لأنه من أمن عليهما من النسيان، فأسقطهما وهو يحفظهما كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه، وما يشك في إتقانه، وحفظه لهما، ورد هذا القول على قائله، واحتج عليه بأنه قد كتب:**{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }** [النصر: 1] و**{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ }** [الكوثر: 1] و**{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }** [الاخلاص: 1] وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال، والحفظ إليهن أسرع، والنسيان مأمون، وكلهن يخالف فاتحة الكتاب؛ إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتها، وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها، فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف على معنى الثقة ببقاء حفظها، والأمن من نسيانها، صحيح، وليس من السور في هذا المعنى مجراها، ولا يسلك به طريقها.
فصل في تفسير السورة
تقدم الكلام على الاستعاذة، و " الفلقُ ": هو الصبح، وهو فعل بمعنى مفعول، أي: مفلوق، وفي الحديث: **" الرُّؤيَا مثلُ فلقِ الصُّبْحِ ".** قال الشاعر: [البسيط]
| **5360- يَـا ليْلَـةً لَـمْ أنمْهَـا بِـتُّ مُرتفـقـاً** | | **أرْعَى النُّجُومَ إلـى أن نَـوَّرَ الفلـقُ** |
| --- | --- | --- |
وقال ذو الرمة يصف الثور الوحشي: [البسيط]
| **5361- حتَّى إذَا ما انْجَلَى عَنْ وجْههِ فلقٌ** | | **هَاديهِ فِي أخريَاتِ اللَّيْلِ مُنتَصِبُ** |
| --- | --- | --- |
يعني بالفلق هنا: الصبح بعينه.
وقيل: الفلق: الجبال، والصخور، تنفلق بالمياه، أي: تتشقق وقيل: هو التفليق بين الجبال، لأنها تنشق من خوف الله تعالى.
قال زهير: [البسيط]
| **5362- مَا زِلتُ أرْمُقهُـمْ حتَّى إذَا هَبطَـتْ** | | **أيْدِي الرِّكـابِ بِهِمْ من راكِسٍ فَلقَا** |
| --- | --- | --- |
والراكس: بطن الوادي.
وكذلك هو في قول النابغة: [الطويل]
| **5363-....................................** | | **أتَانِي ودُونِي رَاكِسٌ فالضَـواجِـعُ** |
| --- | --- | --- |
والراكس أيضاً: الهادي، وهو الثور وسط البيدرِ تدور عليه الثيران في الدِّياسة.
وقيل: الرحم تنفلق بالحيوان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: إنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان، والصبح، والحب، والنوى وكل شيء من نبات وغيره. قاله الحسن وغيره.
قال الضحاك: الفلق: الخلق كله، قال: [الرجز]
| **5364- وسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً ربِّ الفَلق** | | **سِـرَّا وقَدْ أوَّنَ تَأويـن العَـقَـقْ** |
| --- | --- | --- |
قال القرطبيُّ: " وهذا القول يشهد له الاشتقاقُ، فإن الفلق: الشَّق، يقال: فلقت الشيء فلقاً، أي: شققته، والتفليق مثله، يقال: فلقته فانفلق وتفلق، فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق: قال تعالى:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96] وقال - عز وجل -:**{ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام:95].
[والفلق مقطرة السمّان، فأما الفِلق بالكسر فهو الداهية، والأمر العجيب يقال منه: أفلق الرجل وافتلق، وشاعر مفلق، وقد جاء بالفلق؛ قال الشاعر: [الرجز]
| **5365- واعجَبَـاً لِهَـذِهِ الفَليقـهْ** | | **هَـلْ يُذْهِبَـنَّ القُوَبَـاءَ الريقَـهْ** |
| --- | --- | --- |
والفِلْقُ أيضاً: القضيب يشق باثنين، فيعمل منه قوسان، يقال لكل منهما: فِلْق، وقولهم: جاء بعُلق فلق وهي الداهيةِ، يقال منه أعلقت وأفلقت. أي جئت بعُلق فلق، ومر يفتلق في عدوه أي بالعجب من شدته].
قوله: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } ، متعلق بـ " أعوذ " ، والعامة: على إضافة " شرِّ " إلى " ما " ، وقرأ عمرو بن فايد: " مِنْ شرِّ " بالتنوين.
وقال ابن عطية: وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة الذين يرون أن الله لم يخلق الشَّر: " مِنْ شرِّ " بالتنوين، " مَا خلقَ " على النفي وهي قراءةٌ مردودةٌ مبنيةٌ على مذهب باطل انتهى.
ولا يتعين أن تكون " ما " نافية، بل يجوز أن تكون موصولة بدلاً من " شرِّ " على حذف مضاف، أي: من شر شر ما خلق، عمم أولاً، ثم خصص ثانياً.
وقال أبو البقاء: و " ما " على هذا بدل من " شر " ، أو زائدة، ولا يجوز أن تكون نافية؛ لأن النافية، لا يتقدم عليها ما في حيزها، فلذلك لم يجز أن يكون التقدير: ما خلق من شر، ثم هو فاسد في المعنى. وهو رد حسن صناعي، ولا يقال: إن " مِنْ شرِّ " متعلق بـ " أعُوذُ " وقد أنحى مكي على هذا القائل، ورده بما يقدم.
و " ما " مصدرية، أو بمعنى " الذي ".
فصل في المقصود بشر ما خلق
روى عطاء عن ابن عباس: يريد إبليس خاصة؛ لأن الله تعالى لم يخلق أشرَّ منه، وأن السورة إنما نزلت في الاستعاذة من السِّحر، وذلك إنَّما يتم بإبليس وجنوده، لعنهم الله، وقيل: جهنم وما خلق فيها.
وقيل: عام؛ أي من شر كل ما خلقه الله وقيل: ما خلق الله من الأمراض، والأسقام [والقحط] وأنواع المِحَنْ.
وقال الجبائي والقاضي: هذا التقييد باطل؛ لأن فعل الله - تعالى - لا يجوز أن يوصف بأنه شر؛ لأن الذي أمر بالتعوذ منه هو الذي أمر به، وذلك متناقض؛ لأن أفعاله - تعالى - كلها حكمة وصواب، فلا يجوز أن يقال: شرّ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأيضاً: فلأن فعل الله لو كان شرَّا؛ لوصف فاعله بأنه شر، وتعالى الله عن ذلك.
والجواب عن الأول: أنه لا امتناع في قوله: أعوذ بك منك، كما رد عن الثاني أن الإنسان لم تألم وصف بالألم كقوله تعالى:**{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا }** [الشورى: 40]، وقوله تعالى:**{ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ }** [البقرة: 194].
وعن الثالث: أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية، ومما يدل على جواز تسمية الأمراض والأسقام بأنها شرور قوله تعالى:**{ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً }** [المعارج: 20].
قوله: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ، " إذا " منصوب بـ " أعوذ " أي: أعوذ بالله من هذا في وقت كذا، كذا.
والغسقُ: هو أول ظلمةِ الليل، يقال منه: غسق الليل يغسق، أي: يظلم.
قال ابن قيس الرقيَّات: [المديد]
| **5366- إنَّ هَـذا اللَّيْـلَ قـدْ غَسقَـا** | | **واشْتكَيْـتُ الهَـمَّ والأرَقَـا** |
| --- | --- | --- |
وهذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم، ووقب على هذا: أظلم.
وقيل: نزل، قال: وقب العذاب على الكافرين: نزل.
| **5367- وقَبَ العَذابُ عَليْهِـمُ فكَأنَّهُـمْ** | | **لحِقَتْهُمْ نَارُ السَّمُومِ فأحْصِدُوا** |
| --- | --- | --- |
وقال الزجاج: قيل لليل غاسق، لأنه أبرد من النَّهار، والغاسق: البارد، والغسق: البرد؛ ولأنَّ في الليل تخرج السِّباع من آجامها والهوام من أماكنها، وينبعث أهل الشرِّ على العبث، والفسادِ، فاستعير من الليل.
قال الشاعر: [البسيط]
| **5368- يَا طَيْفَ هِنْدٍ لقَدْ أبْقَيْتَ لِي أرقاً** | | **إذْ جِئْتنَا طَارِقاً والليلُ قَدْ غَسَقا** |
| --- | --- | --- |
أي: أظلم واعتكر، وقيل: الغاسق: الثُّريَّا، لأنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين، وإذا طلعت ارتفع ذلك. قاله عبد الرحمن بن زيد.
وقال القتبي: القمر إذا وقب إذا دخل في ساهورة كالغلاف إذا خسف وكل شيء أسود فهو غسق.
وقال قتادة: " إذَا وقَبَ " إذا غاب.
قال القرطبي: وهو أصح، لماروى الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - **" أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر، فقال: " يا عَائِشةُ، استَعِيذِي باللهِ من شرِّ هذا، فإنَّ هذا هُوَ الغاسقُ إذا وقبَ " "** ، قال: هذا حديث حسن صحيح.
[وقيل: الغاسق: الحيَّة إذا لدغت، وكأن الغاسق نابها لأن السم يغسق منه أي: يسيل، يقال: غسقت العين تغسق غسقاً، إذا سالت بالماء، وسمي الليل غاسقاً، لانصباب ظلامه على الأرض، ووقب نابها إذا قامت باللدغ].
وقيل: الغاسقُ: كل هاجم يضر، كائناً ما كان، من قولهم: غسقت القرحة، إذا جرى صديدها.
قال ابن الخطيب: وعندي فيه وجه آخر، لو أنه صح، أن [القمر في جرمه غير مستنير، بل هو مظلم، فهذا هو المراد من كوته غاسقاً، وأما وقوبه فهو انمحاء نوره في آخر] الشهر والمنجمون يقولون: إنه في آخر الشهر منحوس، قليل القوة؛ لأنه لا يزال نوره بسبب ذلك تزداد نحوسته، فإن السحرة إنما يشتغلون في السحر الموروث، للتمريض في هذا الوقت، وهذا مناسب لسبب نزول السورة, فإنها نزلت؛ لأجل أنهم سحروا النبي صلى الله عيه وسلم لأجل التمريض.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } ، النَّفَّاثات: جمع نفاثة، مثال مبالغة من نفث، أي: نفخ، واختلف فيه.
فقال أبو الفضل: شبه النفخ من الفم بالرقية، ولا شيء معه.
قال عنترة: [الوافر]
| **5369- فإنْ يَبْرَأ فلمْ أنفُثْ عليْهِ** | | **وإنْ يُفْقَدْ فحُقَّ لهُ الفُقُودُ** |
| --- | --- | --- |
وقال الزمخشري: " النفخُ مع ريق ".
وقرأ الحسن: " النُّفَّاثات " بضم النون، وهو اسم كالنفاثة. ويعقوب وعبد الرحمن بن سابط وعيسى بن عمر وعبد الله بن القاسم: " النافثات " ، وهي محتملة لقراءة العامة.
والحسن وأبو الربيع: " النفثات " دون ألف محاذر وحذر، ونكّر عاسقاً وحاسداً؛ لأنه قد يتخلف الضرر فيهما؛ فإن التنكير للتبعيض، وعرف النفاثات إما للعهد كما يروى في التفسير، وإما للمبالغة في الشَّر.
فصل في معنى النَّفَّاثات
قال المفسرون: يعني السَّاحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها.
قال أبو عبيدة: النفاثات هي بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشاعر: [المتقارب]
| **5370- أعُـوذُ بربِّـي مِـنَ النَّـافِـثَـا** | | **تِ في عِضَـهِ العَاضـهِ المُعْضِـهِ** |
| --- | --- | --- |
وقال متمم بن نويرة: [السريع]
| **5371- نَفَثْتُ فِي الخيْطِ شَبيهَ الرُّقَى** | | **مِـنْ خَشْيـةِ الجِنَّـة والحَـاسـدِ** |
| --- | --- | --- |
فصل
روى النسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ عَقَدَ عُقدةً ثُمَّ نفث فيها، فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلَّق شيئاً وكُلَ إليْهِ ".** واختلف في النَّفث عند الرقى: فمنعه قوم، وأجازه آخرون.
قال عكرمة: لا ينبغي للراقي أن ينفث، ولا يمسح، ولا يعقد.
قال إبراهيم: كانوا يكرهون النفث من الراقي، والصحيح الجواز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية.
وروي محمد بن حاطب أن يده احترقت، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفث عليها، ويتكلم بكلام، وزعم أنه لم يحفظه.
وروي أن قوماً لدغ فيهم رجل، فأتوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل فيكم من راقٍ؟ فقالوا: لا حتى تجعلوا لنا شيئاً، فجعلوا لهم قطيعاً من الغنم، فجعل رجل منهم يقرأ فاتحة الكتاب ويرقى ويتفل حتى برئ، فأخذوها، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال: وما يدريكم أنها رقية؟ خذوا واضربوا لي معكم سهماً.
وأما ما روي عن عكرمة فكأنه ذهب فيه إلى أن النفث في العقد مما يستعاذ به بخلاف النفث بلا عقد.
قال ابن الخطيب: هذه الصناعة إنما تعرف بالنِّساء، لأنهن يعقدن في الخيط، وينفثن، وذلك لأن الأصل الأعظم فيه ربط القلب بذلك الأمر، وإحكام الهمَّة والوهم فيه، وذلك إنما يتأتَّى من النساء لقلة عملهن، وشدة شهوتهن، فلا جرم كان هذا العمل منهن أقوى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } ، الحسدُ: هو تمني زوال نعمة المحسود، وإن لم يصر للحاسد مثلها، والمنافسة: هي تمنّي مثلها وإن لم تزل من المحسود، وهي الغبطة، فالحسد: شر مذموم، والمنافسة مباحة.
قال صلى الله عليه وسلم: **" المؤمن يغبط والمنافق يحسد "** وقال: **" لا حَسَدَ إلاَّ في اثنتينِ "** يريد الغبطة.
قال ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهما -: لما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قربت إليه اليهود، فلم يزالوا حتى أخذوا مشاطة من أثر النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه، فأعطاه اليهود؛ ليسحروه بها صلى الله عليه وسلم وتولى ذلك ابن الأعصم، رجل من اليهود.
فصل في أن الله خلق الخير والشر
هذه السورة دالة على أن الله خلق كل شر، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من جميع الشرور، فقال - عز وجل -: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } وذلك خاتمة ذلك الحسد تنبيهاً على عظمته، وكثرة ضرره، والحاسد عدو نعمة الله تعالى.
قال بعض الحكماء: الحاسد بارز ربَّه من خمسة أوجه:
أحدها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره.
وثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه، كأنه يقول: لم قسمت إلي هذه القسمة.
وثالثها: أنه ضاد الله، أي: أن فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يبخل بفضل الله.
ورابعها: أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم، وزوال النعمة عنهم.
وخامسها: أنه أعان عدوه إبليس.
وقيل: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً، وغمًّا، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً، واحتراقاً، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" ثلاثةٌ لا يُسْتَجَابُ دعاؤهُم: آكلُ الحرامِ، ومُكثرُ الغِيبةِ، ومنْ كانَ في قلبِهِ غلٌّ أو حسدٌ للمسلمين ".** روى [الثعلبي عن أبيّ] - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلها "** وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" ألا أخْبرُكَ بأفضل ما تعوَّذ بهِ المتعوِّذُونَ "؟ قلت: بلى يا رسُول اللهِ، قال: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } "** والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) | أمر بالتعوذ برب هذا الدين، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين، من شر ما يقدح فيه بضرر في الظاهر أو في الباطن وهم الخلائق حتى على الفنا في الغنا، وبدأ بما يعم شياطين الإنس والجن في الظاهر والباطن، ثم اتبع بما يعم القبيلين ويخص الباطن الذي يستلزم صلاحه صلاح الظاهر، إعلاماً بشرف الباطن على وجه لا يخل بالظاهر، وفي ذلك إشارة إلى الحث على معاودة القراءة من أول القرآن كما يشير إليه قوله تعالى:**{ فإذا قرأت القرآن }** [النحل:98] - أي أردت قراءته -**{ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }** [النحل: 98] فقال تعالى: { قل } أي لكل من يبلغه القول من جميع الخلائق تعليماً لهم وأمراً، فإنهم كلهم مربوبون مقهورون لا نجاة لهم في شيء من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى، فعلى كل منهم أن يفزع أول ما تصيبه المصيبة إلى مولاه القادر على كشفها تصحيحاً لتوكله فإنه يرتقي بذلك إلى حال الرضا بمر القضاء، ولا يأخذ في الاعتماد على جلادته وتدبيره بحوله وقوته فإنه يشتد أسفه ولا يرد ذلك عنه شيئاً: { أعوذ } أي أستجير وألتجىء وأعتصم وأحترز.
ولما كان هذا المعنى أليق شيء بصفة الربوبية لأن الإعاذة من المضار أعظم تربية قال: { برب الفلق \* } أي الذي يربيه وينشىء منه ما يريد، وهو الشيء المفلوق بإيجاده ظلمة العدم كالعيون التي فلقت بها ظلمة الأرض والجبال، وكالأمطار التي فلقت بها ظلمة الجو والسحاب، وكالنبات الذي فلقت به ظلمة الصعيد، وكالأولاد التي فلقت بها ظلمة الأحشاء، وكالصبح الذي فلقت به ظلمة الليل، وما كان من الوحشة إلى ما حصل من ذلك من الطمأنينة والسكون والأنس والسرور إلى غير ذلك من سائر المخلوقات، قال الملوي: والفلق - بالسكون والحركة كل شيء انشق عنه ظلمة العدم وأوجد من الكائنات جميعها - انتهى. وخص في العرف بالصبح فقيل: فلق الصبح، ومنه قوله تعالى:**{ فالق الإصباح }** [الأنعام: 96] لأنه ظاهر في تغير الحال ومحاكاة يوم القيامة الذي هو أعظم فلق يشق ظلمة الفنا والهلاك بالبعث والإحياء، فإن القادر على ما قبله بما نشاهده قادر عليه، لأنه لا فرق، بل البعث أهون في عوائد الناس لأنه إعادة، كذا سائر الممكنات، ومن قدر على ذلك قدر على إعاذة المستعيذ من كل ما يخافه ويخشاه.
ولما كانت الأشياء قسمين: عالم الخلق، وعالم الأمر، وكان عالم الأمر خيراً كله، فكان الشر منحصراً في عالم الخلق خاصة بالاستعاذة فقال تعالى معمماً فيها: { من شر ما خلق \* } أي من كل شيء سوى الله تعالى عز وجل وصفاته، والشر تارة يكون اختيارياً من العاقل الداخل تحت مدلول " لا " وغيره من سائر الحيوان كالكفر والظلم ونهش السباع ولدغ ذوات السموم، وتارة طبيعياً كإحراق النار وإهلاك السموم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: قد أشير، أي في الكلام على ارتباط الإخلاص - إلى وجه ارتباطها آنفاً، وذلك واضح إن شاء الله تعالى - انتهى.
ولما كان عطف الخاص على العام يعرف بأن ذلك الخاص أولى أفراد العام بما ذكر له من الحكم، وكان شر الأشياء الظلام، فإنه أصل كل فساد، وكانت شرارته مع ذلك وشرارة السحر والحسد خفية، خصها بالذكر من بين ما عمه الخلق لأن الخفي يأتي من حيث لا يحتسب الإنسان فيكون أضر. ولذا قيل: شر العداة المداجي، وكانت مادة " غسق " تدور على الظلام والانصباب، فالغسق - محركة: ظلمة أول الليل، وغسقت العين: أظلمت أو دمعت، واللبن: انصب من الضرع، والليل: اشتدت ظلمته، والغسقان - محركة: الانصباب، والغاسق: القمر، وكأنه سمي به لسرعة سيره وانصبابه في البروج ولأنه ليس له من نفسه إلا الإظلام، والثريا - إذا سقطت - والله أعلم، قال في القاموس: لكثرة الطواعين والأسقام عند سقوطها، والذكر - إذا قام، كما قاله جماعة وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو سبب للجهل الذي هو ظلام كله، فقال تعالى: { ومن شر غاسق } أي مظلم بارد منصب ظلامه وبرده سواء كان أصلاً في الظلام حسياً أو معنوياً أو كان حاملاً عليه مثل الذكر إذا قام لما يجر إليه من الوساوس الرديئة لغلبة الشهوة واستحكام سلطان الهوى، ومثل القمر لما يحدث منه من الرطوبات المفسدة للأبدان وغير ذلك انصباباً له غاية القوة كانصباب ما يفيض عن امتلاء في انحدار، ونكّره إشارة إلى أنه ليس كل غاسق مذموماً - والله أعلم.
ولما كان الشيء الذي اتصف بالظلام يكثف فيشتد انصبابه وأخذه في السفول إلى أن يستقر ويستحكم فيما صوب إليه مجتمعاً جداً كاجتماع الشيء في الوقبة وهي النقرة في الصخرة، وكان الظلام لا يشتد أذاه إلا إذا استقر وثبت، قال معبراً بأداة التحقق: { إذا وقب \* } أي اعتكر ظلامه ودخل في الأشياء بغاية القوة كمدخول الثقيل الكثيف المنصب في النقرة التي تكون كالبئر في الصخرة الصماء الملساء، وهذا إشارة إلى أنه يسهل علاجه وزواله قبل تمكنه، وفي الحديث **" لما رأى الشمس قد وقبت قال: هذا حين حلها "** يعني صلاة المغرب، وفيه عند أبي يعلى أنه قال لعائشة رضي الله تعالى عنها عن القمر: **" تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب "** وأكثر الأقوال أنه الليل، خص بالاستعاذة لأن المضار فيه تكثر ويعسر دفعها، وأصل الغسق الظلام، ويلزم منه الامتلاء، وقيل: إن الامتلاء هو الأصل، وأصل الوقوب الدخول في وقبة أو ما هو كالوقبة وهي النقرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما كان السحر أعظم ما يكون من ظلام الشر المستحكم في العروق الداخل في وقوبها. لما فيه من تفريق المرء من زوجه وأبيه وابنه، ونحو ذلك، وما فيه من ضنى الأجسام وقتل النفوس، عقب ذلك بقوله تعالى: { ومن شر }.
ولما كان كل ساحر شريراً بخلاف الغاسق والحاسد، وكان السحر أضر من الغسق والحسد من جهة أنه شر كله، ومن جهة أنه أخفى من غيره، وكان ما هو منه من النساء أعظم لأن مبنى صحته وقوة تأثيره قلة العقل والدين ورداءة الطبع وضعف اليقين وسرعة الاستحالة، وهن أعرق في كل من هذه الصفات وأرسخ، وكان ما وجد منه من جمع وعلى وجه المبالغة أعظم من غيره عرف وبالغ وجمع وأنث ليدخل فيه ما دونه من باب الأولى فقال تعالى: { النفّاثات } أي النفوس الساحرة سواء كانت نفوس الرجال أو نفوس النساء أي التي تبالغ في النفث وهو التفل وهو النفخ مع بعض الريق - هكذا في الكشاف، وقال صاحب القاموس: وهو كانفخ وأقل من التفل، وقال: تفل: بزق، وفي التفسير عن الزجاج أنه التفل بلا ريق، { في العقد \* } أي تعقدها للسحر في الخيوط وما أشبهها، وسبب نزول ذلك أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم فمرض كما ياتي تخريجه، فإن السحر يؤثر بإذن الله تعالى المرض ويصل إلى أن يقتل، فإذا أقر الساحر أنه قتل بسحره وهو مما يقتل غالباً قتل بذلك عند الشافعي، ولا ينافي قوله تعالى:**{ والله يعصمك من الناس }** [المائدة: 67] كما مضى بيانه في المائدة، ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه مسحور، فإنهم ما أرادوا إلا الجنون أو ما يشبهه من فساد العقل واختلاله، والمبالغة في أن كل ما يقوله لا حقيقه له كما أن ما ينشأ عن المسحور يكون مختلطاً لا تعرف حقيقته.
ولما كان أعظم حامل على السحر وغيره من أذى الناس الحسد، وهو تمني زوال نعمة المحسود:
| **وداريت كل الناس إلا لحاسد** | | **مداراته عزت وشق نوالها** |
| --- | --- | --- |
| **وكيف يداري المرء حاسد نعمة** | | **إذا كان لا يرضيه إلا زوالها** |
قال تعالى: { ومن شر حاسد } أي ثابت الاتصاف بالحسد معرق فيه، ونكّره لأنه ليس كل حاسد مذموماً، وأعظم الحسدة الشيطان الذي ليس له دأب إلا السعي في إزالة نعم العبادات عن الإنسان بالغفلات.
ولما كان الضار من الحسد إنما هو ما أظهر وعمل بمقتضاه بالإصابة بالعين أو غيرها قال مقيداً له: { إذا حسد \* } أي حسد بالفعل بعينه الحاسدة، وأما - إذا لم يظهر الحسد فإنه لا يتأذى به إلا الحاسد لاغتمامه بنعمة غيره، وفي إشعار الآية الدعاء بما يحسد عليه من نعم الدارين لأن خير الناس من عاش محسوداً ومات محسوداً، ولمن لم يلق بالاً للدعاء بذلك ويهتم بتحصيل ما يحسد عليه ضحك منه إبليس إذا تلا هذه الآية لكونه ليس له فضيلة يحسد عليها، ولعله عبر بأداة التحقيق إشعاراً بأن من كان ثابت الحسد متمكناً من الاتصاف به بما أشعر به التعبير بالوصف تحقق منه إظهاره، ولم يقدر على مدافعته في الأغلب إلا من عصم الله تعالى، وقد علم بكون الحسد علة السحر - الموقع في القتل الذي هو أعظم المعاصي بعد الشرك وفي الشرك، لأنه لا يصح غاية الصحة إلا مع الشرك - أن الحسد شر ما انفلق عنه ظلام العدم، والشاهد لذلك غلبته على الأمم السالفة وتحذير الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس منه بشهادة هاديها صلى الله عليه وسلم، أخرج الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، ألا والبغضاء هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر ولكن تحلق الدين "** وفي الباب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن مسعود رضي الله عنه، وأعظم أسباب الحالقة أو كلها الحسد، فعلم بهذا رجوع آخر السورة على أولها، وانعطاف مفصلها على موصلها، ومن أعيذ من هذه المذكورات انفلق سماء قلبه عن شمس المعرفة بعد ظلام ليل الجهل، فأشرقت أرجاؤه بأنوار الحكم، إلى أن يضيق الوصف له عن بدائع الكشف:
| **هناك ترى ما يملأ العين قرة** | | **ويسلي عن الأوطان كل غريب** |
| --- | --- | --- |
فينقطع التعلق عما سوى الله بمحض الاتباع والبعد عن الابتداع بمقتضى**{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }** [آل عمران: 31] وقد بطل بالأمر بالاستعاذة قول الجبرية: إنا كالآلة لا فعل لنا أصلاً، وإنما نحن كالحجر لا يتحرك إلا بمحرك، لأنه لو كان هو المحرك لنا بغير اختيار لم يكن للأمر فائدة، وقول القدرية: إنا نخلق أفعالنا، وقول الفلاسفة: إنه - إذا وجد السبب والمسبب حصل التأثير من غير احتياج إلى ربط إلهي كالنار والحطب، لأنه لو كان ذلك لكانت هذه الأفعال المسببات إذا وجدت من فاعليها الذين هم الأسباب، أو الأفعال التي هي الأسباب، والمسببات التي هي الأبدان المراد تأثيرها أثرت ولم تنفع الاستعاذة، والشاهد خلافه، وثبت قول الأشاعرة أهل السنة والجماعة أنه إذا وجد السبب والمسبب توقف وجود الأثر على إيجاد الله تعالى، فإن أنفذ السبب وجد الأثر، وإن لم ينفذه لم يوجد، والسورتان معلمتان بأن البلايا كثيرة وهو قادر على دفعها، فهما حاملتان على الخوف والرجاء، وذلك هو لباب العبودية، وسبب نزول المعوذتين على ما نقل الواحدي عن المفسرين رحمة الله عليهم أجمعين والبغوي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم **" أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذه مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر شعر رأسه، ويرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، يذوب ولا يدري ما عراه، فبينا هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طب، قال: وما طب؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبما طبه؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راغوفة في بئر ذروان - بئر في بني زريق، والجف: قشر الطلع، والراغوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم وقال لعائشة رضي الله عنها: " يا عائشة! أما شعرت أن الله أخبرني بدائي! ثم بعث علياً والزبير وعمار بن ياسر رضي الله عنهم فنزحوا البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم نزعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر " فأنزل الله سبحانه وتعالى سورتي المعوذتين، وهما إحدى عشرة آية: الفلق خمس والناس ست، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبرائيل عليه الصلاة والسلام يقول: " بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين والله يشفيك " فقالوا: يا رسول الله! أفلا نأخذه فنقتله؟ فقال: " أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على الناس شراً " وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أتى البئر بنفسه ثم رجع إلى عائشة رضي الله عنها فقال: " والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، لكأن نخلها رؤوس الشياطين، فقلت له: يا رسول الله! " أهلا أخرجته؟ فقال: " أما أنا فقد شفاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شراً " ويجمع بأنه أتاها صلى الله عليه وسلم بنفسه الشريفة فلم يخرجه ثم إنه وجد بعض الألم فأرسل إليه، فأخرجه فزال الألم كله، وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: " أشعرت يا عائشة أن الله تعالى قد أفتاني فيما استفتيته فيه " ، قلت: وما ذاك يا رسول الله، قال: " أتاني ملكان "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فذكره، وروى النسائي في المحاربة من سننه وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي في مسانيدهم والبغوي في تفسيره كلهم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رجل يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ له فسحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" إن رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا، أو قال: فطرحه في بئر رجل من الأنصار، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخرجوها فجيء بها فحلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال "** فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط، وفي رواية: فأتاه ملكان يعوذانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجله فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: كأن الذي يدخل عليه عقد له وألقاه في بئر، فأرسل إليه رجلاً، وفي رواية: علياً رضي الله عنه، فأخذ العقد فوجد الماء قد اصفر، قال: فأخذ العقد فحلها فبرأ، فكان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئاً ولم يعاتبه فيه، وهذا الفضل لمنفعة المعوذتين كما منح الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فكذا تفضل به على سائر أمته، وروى أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح - والنسائي مسنداً أو مرسلاً - قال النووي: بالأسانيد الصحيحة - عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثة مرات - يكفيك كل شيء "** والأحاديث في فضل هذه السور الثلاث كثيرة جداً، وجعل التعويذ في سورتين إشارة إلى استحباب تكريره، وجعلتا إحدى عشرة آية ندباً إلى تكثيره في تكريره، وقدمت الفلق التي خمس آيات مع ما مضى المناسبات لأن اقترانها بسورة التوحيد أنسب، وشفعها بسورة الناس التي هي ست آيات أنسب، ليكون الشفع بالشفع، والابتداء بالوتر بعد سورة الوتر، وحاصل هذه السورة العظمى في معناها الأبدع الأسمى الاستعاذة بالله بذكر اسمه { الرب } المقتضي للإحسان والتربية بجلب النعم ودفع النقم من شر ما خلق ومن السحر والحسد، كما كان أكثر البقرة المناظرة لها في رد المقطع على المطلع لكونها ثانية من الأول كما أن هذه ثانية من الآخر في ذكر أعداء النبي صلى الله عليه وسلم الحاسدين له على ما أوتي من النعم، وفي تذكيرهم بما منحهم من النعم التي كفروها، وأكثر ذلك في بني إسرائيل الذين كانوا أشد الناس حسداً له صلى الله عليه وسلم، وكان من أعظم ما ضلوا به السحر المشار إليه بقوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان }** [البقرة: 102] حتى قال: { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } إلى أن قال:**{ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم }** [البقرة: 109] وكان السحر من أعظم ما أثر في النبي صلى الله عليه وسلم من كيدهم حتى أنزل فيه المعوذتان، وكان الساحر له منهم، وقد انقضى ما يسر الله من الكلام على انتظام معانيها بحسب تركيب كلماتها، وبقي الكلام على كلماتها من حيث العدد، فيما تشير إليه من البركات والمدد، هي ثلاث وعشرون كلمة إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم في السنة الثالثة والعشرين من النبوة يأمن من أذى حاسديه، وذلك بالوفاة عند تمام الدين ويأس الحاسدين من كل شيء من الأذى في الدين والدنيا، وخلاص النبي صلى الله عليه وسلم من كل كدر، فإذا ضممت إليها الضمائر وهي خمسة كانت ثماني وعشرين، وهي توازي سنة خمس عشرة من الهجرة، وذلك عند استحكام أمر عمر رضي الله عنه في السنة الثانية من خلافته ببث العساكر وإنفاذه إلى ملك الفرس والروم وتغلغل هيبته في قلوبهم وتضعضع الفرس بغلب العرب على رستم أكبر أمرائهم، والروم بغلبهم على ماهان أعظم رؤسائهم، فاضمحل أمر المنافقين والحاسدين، وأيسوا من تأثير أدنى كيد من أحد من الكائدين، فإذا ضم إليها أربع كلمات البسملة كانت اثنتين وثلاثين، إذا حسبت من أول النبوة وازتها السنة التاسعة عشرة من الهجرة، وفيها كان فتح قيسارية الروم من بلاد الشام، وبفتحها كان فتح جميع بلاد الشام، لم يبق بها بلد إلا وهي في أيدي المسلمين، فزالت عنها دولة الروم، وفيها أيضاً كان فتح جلولاء من بلاد فارس وكان فتحاً عظيماً جداً هدّ أجنادهم وملوكهم، ولذلك سمي فتح الفتوح، وحصل حينئذ أعظم الخزي للفرس والروم الذين هم أحسد الحسدة، لما كان لهم من العزة والقوة بالأموال والرجال، وإن حسبت من الهجرة وازتها سنة انقراض ملك أعظم الحسدة الأكاسرة الذين شقق ملكهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسل إلى عامله باذان - الذي كان استخلفه على بلاد اليمن - يأمره أن يغزو النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه يقتله سبحانه في ليلة سماها، فلما أتت تلك الليلة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم رسل باذان بذلك، فرجعوا إلى باذان فأخبروه فقال: إن كان صادقاً فسيأتي الخبر في يوم كذا، فأتى الخبر في ذلك اليوم بصدقه صلى الله عليه وسلم فأسلم باذان ومن معه من الأبناء الذين كانوا في بلاد اليمن لم يتخلف منهم أحد، وأوفد منهم وفداً على النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وتولى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) | أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوّذتين من المصحف ويقول: لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، إنهما ليستا من كتاب الله، إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوّذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود: **" أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هاتين السورتين فقال: قيل لي فقلت فقولوا كما قلت ".** وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن الأنباري وابن حبان وابن مردويه عن زر بن حبيش قال: أتيت المدينة فلقيت أبيّ بن كعب فقلت: يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمداً بالحق قد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألته غيرك. قال: قيل لي قل فقلت فقولوا، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مسدد وابن مردويه عن حنظلة السدوسي قال: قلت لعكرمة: إني أصلي بقوم فأقرأ بـ { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فقال: اقرأ بهما فإنهما من القرآن.
وأخرج أحمد وابن الضريس بسند صحيح عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: **" قال رجل: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، والناس يعتقبون، وفي الظهر قلة، فجاءت نزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلتي فلحقني فضرب منكبي فقال: { قل أعوذ برب الفلق } فقلت { أعوذ برب الفلق } فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه، ثم قال: { قل أعوذ برب الناس } فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه. قال: إذا أنت صليت فاقرأ بهما ".** وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" لقد أنزل عليَّ آيات لم ينزل علي مثلهن المعوّذتين ".** وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" أنزلت علي الليلة آيات لم أر مثلهن قط { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ".** وأخرج ابن الضريس وابن الأنباري والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال: **" بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بـ { أعوذ برب الفلق } و { أعوذ برب الناس } ويقول: " يا عقبة تعوّذ بهما فما تعوذ متعوّذ بمثلهما "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة.
وأخرج ابن سعد والنسائي والبغوي والبيهقي عن أبي حابس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: **" يا أبا حابس ألا أخبرك بأفضل ما تعوّذ به المتعوّذون؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } هما المعوّذتان ".** وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ومن عين الإِنس فلما نزلت سورة المعوّذتين أخذ بهما وترك ما سوى ذلك.
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال: الصفرة يعني الخلوق، وتغيير الشيب، وجر الإِزار، والتختم بالذهب، وعقد التمائم والرقى إلا بالمعوذات والضرب بالكعاب، والتبرج بالزينة لغير بعلها، وعزل الماء لغير حله، وفساد الصبي غير محرمه.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الرقى إلا بالمعوذات.
وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إقرؤوا بالمعوذات في دبر كل صلاة ".** وأخرج ابن أ بي شيبة وابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما يعني المعوذتين ".** وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" يا عقبة اقرأ بـ { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فإنك لن تقرأ أبلغ منهما ".** وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من أحب السور إلى الله { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ".** وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل قال: **" كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى الغداة فقرأ فيها بالمعوذتين، ثم قال: يا معاذ هل سمعت؟ قلت: نعم. قال: ما قرأ الناس بمثلهن ".** وأخرج النسائي وابن الضريس وابن الأنباري وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: **" أخذ منكبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اقرأ قلت: ما أقرأ؟ بأبي أنت وأمي قال: { قل أعوذ برب الفلق } ثم قال: اقرأ قلت: بأبي أنت وأمي ما أقرأ: قال: { قل أعوذ برب الناس } ولن تقرأ بمثلهما ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن سعد عن يوسف بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس **" أن ثابت بن قيس اشتكى فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض فرقاه بالمعوّذات ونفث عليه، وقال: " اللهم رب الناس اكشف الباس عن ثابت بن قيس بن شماس " ثم أخذ تراباً من واديهم ذلك يعني بطحان فألقاه في ماء فسقاه ".** وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس عن عقبة بن عامر الجهني قال: **" كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلما طلع الفجر أذن وأقام ثم أقامني عن يمينه ثم قرأ بالمعوذتين، فلما انصرف قال: كيف رأيت؟ قلت: قد رأيت يا رسول الله. قال: " فاقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت " ".** وأخرج ابن الأنباري عن قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر: **" اقرأ بـ { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فإنهما من أحب القرآن إلى الله ".** وأخرج الحاكم عن عقبة بن عامر قال: **" كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في السفر فقال: يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ قلت: بلى. قال: { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فلما نزل صلى بهما صلاة الغداة، ثم قال له: كيف ترى يا عقبة ".** وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب بغلة فحادت به فحبسها وأمر رجلاً أن يقرأ عليها { قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق } فسكنت ومضت.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: **" أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء فكان فيها صعوبة فقال للزبير: اركبها وذللها فكأن الزبير اتقى فقال له: أركبها واقرأ القرآن. قال: ما أقرأ؟ قال: اقرأ { قل أعوذ برب الفلق } فوالذي نفسي بيده ما قمت تصلي بمثلها ".** وأخرج ابن الأنباري عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه المعوذتين وتفل أو نفث.
وأخرج ابن الأنباري عن ابن عمر قال: إذا قرأت { قل أعوذ برب الفلق } فقل أعوذ برب الفلق، وإذا قرأت بـ { قل أعوذ برب الناس } فقل: أعوذ برب الناس.
وأخرج محمد بن نصر عن أبي ضمرة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الثانية التي يوتر بها بـ { قل هو الله أحد } والمعوذتين.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أنه رأى في عنق امرأة من أهله سيراً فيه تمائم فقطعه، وقال: إن آل عبد الله أغنياء عن الشرك، ثم قال: التولة والتمائم والرقى من الشرك، فقالت امرأة: إن إحدانا لتشتكي رأسها فتسترقى، فإذا استرقت ظنت أن ذلك قد نفعها، فقال عبد الله إن الشيطان يأتي أحداكن فينخس في رأسها فإذا استرقت حبس، فإذا لم تسترق نحر فلو أن إحداكن تدعو بماء فتنضحه على رأسها ووجهها ثم تقول: بسم الله الرحمن الرحيم ثم تقرأ { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } نفعها ذلك إن شاء الله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن زيد بن أسلم قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال: إن رجلاً من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، فأرسل علياً فجاء به فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: **" كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن أعصم، فلم تزل به يهود حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذا أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما وجعه؟ قال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: بم طبه؟ قال: بمشط وماشطة وجف طلعة ذكر بذي أروان وهي تحت راعوفة البئر. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا ومعه أصحابه إلى البئر فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مشاطة رأسه، وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا فيها أبر مغروزة، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فأتاه جبريل بالمعوّذتين فقال: يا محمد { قل أعوذ برب الفلق } وحل عقدة { من شر ما خلق } وحل عقده حتى فرغ منها وحل العقد كلها وجعل لا ينزع إبرة إلا يجد لها ألماً ثم يجد بعد ذلك راحة، فقيل: يا رسول الله لو قتلت اليهودي فقال: قد عافاني الله وما وراءه من عذاب الله أشد فأخرجه ".** وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل فيه تمثالاً فيه إحدى عشرة عقدة، فأصابه من ذلك وجع شديد، فأتاه جبريل وميكائيل يعوذانه فقال ميكائيل يا جبريل إن صاحبك شاك. قال أجل. قال: أصابه لبيد بن الأعصم اليهودي وهو في بئر ميمون في كدية تحت صخرة الماء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: فما وراء ذلك؟ قال: تنزح البئر ثم تقلب الصخرة فتأخذ الكدية فيها تمثال فيه إحدى عشرة عقدة فتحرق فإنه يبرأ بإذن الله، فأرسل إلى رهط فيهم عمار بن ياسر فنزح الماء فوجدوه قد صار كأنه ماء الحناء، ثم قلبت الصخرة إذا كدية فيها صخرة فيها تمثال فيها إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله يا محمد { قل أعوذ برب الفلق } الصبح فانحلت عقدة { من شر ما خلق } من الجن والإِنس فانحلت عقدة { ومن شر غاسق إذا وقب } الليل وما يجيء به الليل { ومن شر النفاثات في العقد } السحارات المؤذيات فانحلت { ومن شر حاسد إذا حسد }.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صنعت اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فأصابه منه وجع شديد، فدخل عليه أصحابه فخرجوا من عنده وهم يرون أنه ألم به فأتاه جبريل بالمعوّذتين فعوّذه بهما ثم قال: بسم الله أرقيك من كل شر يؤذيك ومن كل عين ونفس حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك ".
أخرج ابن مردويه عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: **" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ { قل أعوذ برب الفلق } فقال: " يا ابن عبسه أتدري ما الفلق؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: بئر في جهنم إذا سعرت جهنم فمنه تسعر، وإنها لتتأذى به كما يتأذى بنو آدم من جهنم " ".** وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" أقرأ { قل أعوذ بر الفلق } هل تدري ما الفلق؟ باب في النار إذا فتح سعرت جهنم ".** وأخرج ابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه قال: **" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: { قل أعوذ برب الفلق } قال: هو سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون، وإن جهنم لتعوذ بالله منه ".** وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" الفلق جب في جهنم مغطى ".** وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن علي وعن آبائه قال: الفلق جب في قعر جهنم عليه غطاء، فإذا كشف عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم من شدة حر ما يخرج منه.
وأخرج ابن جريرعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الفلق الصبح.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى { قل أعوذ برب الفلق } قال: أعوذ برب الصبح إذا انفلق عن ظلمة الليل. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت زهير بن أبي سلمى يقول:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| **الفارج الهمّ مسدولاً عساكره** | | **كما يفرج غم الظلمة الفلق** |
| --- | --- | --- |
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الفلق الخلق.
أخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: **" نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى القمر لما طلع فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا فإن هذا الغاسق إذا وقب ".** وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة **" عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: النجم هو الغاسق، وهو الثريا ".** وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: كانت العرب تقول الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إذا ارتفعت النجوم رفعت العاهة عن كل بلد ".** وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: الليل إذا ذهب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: الغاسق سقوط الثريا، والغاسق إذا وقب الشمس إذا غربت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: الليل إذا أقبل.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: عز وجل { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: الغاسق الظلمة والوقب شدة سواده إذا دخل في كل شيء قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت زهيراً يقول:
| **ظلت تجوب يداها وهي لاهية** | | **حتى إذا جنح الإِظلام والغسق** |
| --- | --- | --- |
وقال في الوقب:
| **وقب العذاب عليهم فكأنهم** | | **لحقتهم نار السماء فأخمدوا** |
| --- | --- | --- |
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { غاسق إذا وقب } قال: الليل إذا دخل.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن شر النفاثات } قال: الساحرات.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { النفاثات في العقد } قال: ما خالط السحر من الرقى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه { النفاثات } قال: السواحر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { النفاثات في العقد } قال: الرقى في عقد الخيط.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك ".** وأخرج الحاكم وابن مردويه **" عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه يعوده فقال: ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل؟ قلت بلى، بأبي أنت وأمي. قال: بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك { من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد } فرقى بها ثلاث مرات " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه: **" أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد وجعاً في رأسه فأبطأ على أصحابه ثم خرج إليهم فقال له عمر: ما الذي بطأ بك عنا؟ فقال: وجع وجدته في رأس فهبط عليّ جبريل، فوضع يده على رأسي ثم قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك أو يصيبك ومن شر كل ذي شر معلن أو مسر، ومن شر الجن والإِنس { ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد } قال: فبرأت ".** أخرج ابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن في قوله: { ومن شر حاسد إذا حسد } قال: هو أول ذنب كان في السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه { ومن شر حاسد إذا حسد } يعني اليهود هم حسدة الإِسلام.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن شر حاسد إذا حسد } قال: نفس ابن آدم وعينه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه { ومن شر حاسد } قال: من شر عينه ونفسه.
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه وهو يوعك فقال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من حسد حاسد، وكل عين، اسم الله يشفيك.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أو عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى فأتاه جبريل فقال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من كل كاهن وحاسد، والله يشفيك.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ".** وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لا يحل الدرجات العلى اللعان ولا منان ولا بخيل ولا باغ ولا حسود ".** وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه قال: **" كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم، فلما كان من الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع الرجل مثل مرته الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال: إني لاحيت أبي فاقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تأويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه ثلاث ليال فلم يره يقوم إلا لصلاة الفجر، وإذا تقلب على فراشه ذكر الله وكبره، ولا يقول إلا خيراً. فلما مضى الثلاث ليال وكدت احتقر عمله قلت يا عبد الله: لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فلم أرك تعمل كثير عمل، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي غشاً على أحد من المسلمين ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله: فهذه التي بلغت بك وهي التي لا تطاق ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" الصلاة نور، والصيام جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ".** وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" كاد الفقر أن يكون كفراً، وكاد الحسد أن يغلب القدر ".** وأخرج البيهقي في الشعب عن الأصمعي رضي الله عنه قال: بلغني أن الله عز وجل يقول: الحاسد عدو نعمتي، متسخط لقضائي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) | { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } أيْ وَمِنْ شَرِّ النفوسِ أو النساءِ السواحرِ اللاتِي يعقدنَ عُقَداً في خيوطٍ ويَنْفُثنَ عليهَا والنفثُ النفخُ معَ ريقٍ وقيلَ بدونِ ريقٍ وقُرِىءَ النافثاتُ كما قُرِىءَ النفثاتُ بغيرِ ألفٍ وتعريفُهَا إمَّا للعهدِ أوْ للإيذانِ بشمولِ الشرِّ لجميعِ أفرادِهِنَّ وتمحضهنَّ فيهِ وتخصيصُهُ بالذكرِ لما رَوَى ابْنُ عبَّاسٍ وعائشةُ رَضِيَ الله عنهُم **" أنَّهُ كانَ غلامٌ من اليهودِ يخدمُ النبـيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وكانَ عندَهُ أسنانٌ منْ مشطِهِ عليهِ السلامُ فأعطَاهَا اليهودَ فسحرُوهُ عليهِ السلامُ فيهَا وتولاَّهُ لبَـيْدُ بنُ الأَعصمِ اليهوديُّ وبناتُهُ وهُنَّ النافثاتُ في العقدِ فدفَنَها في بئرِ أريسٍ فمرضَ النبـيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فنزلَ جبريلُ عليهِ السلامُ بالمعوذتينِ وأخبرَهُ بموضعِ السحرِ وبمَنْ سحرَهُ وبمَ سحرَهُ فأرسلَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ علياً كرمَ الله وجْهَهُ والزبـيرَ وعمَّاراً رضيَ الله عنْهُم فنزحُوا ماءَ البئرِ فكأنَّهُ نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ ثمَّ رفعُوا راعوثةَ البئرِ وهيَ الصخرةُ التي توضعُ في أسفلِ البئرِ فأخرجُوا منْ تحتِهَا الأسنانَ ومعَها وترٌ قدْ عُقِدَ فيهِ إحدَى عشرةَ عقدةً مغرزةً بالأبرِ فجاءُوا بهَا النبـيَّ صلى الله عليه وسلم فجعلَ يقرأُ المعوذتينِ عليهَا فكانَ كلَّما قرأَ آيةً انحلتْ عقدةٌ ووجدَ عليهِ السلامُ خفةً حتَّى انحلتْ العقدةُ الأخيرةُ عندَ تمامِ السورتينِ فقامَ عليهِ السلامُ كأنَّما أنشطَ مِنْ عقالٍ فقالُوا يا رسولَ الله أفلا نقتلُ الخبـيثَ فقالَ عليهِ السلامُ: " أمَّا أنَا فقَد عافانِي الله عزَّ وجلَّ وأكرَهُ أنْ أثيرَ عَلى الناسِ شَراً " قالتْ عائشةُ رضيَ الله عنهَا ما غضبَ النبـيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ غضباً ينتقمُ لنفسِهِ قطُّ إلاَّ أنْ يكونَ شيئاً هُو لله تَعَالَى فيغضبُ لله وينتقمُ وقيلَ المرادُ بالنفثِ في العُقَدِ إبطالُ عزائمِ الرجالِ بالحيلِ مستعارٌ مِنْ تليـينِ العقدةِ بنفثِ الربقِ ليسهلَ حلُّ "** ها { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أيْ إذَا أظهَرَ مَا في نفسِهِ من الحسدِ وعملَ بمقتضاهُ بترتيبِ مقدماتِ الشرِّ ومبادىءِ الأضرارِ بالمحسودِ قولاً أو فعلاً والتقيـيدُ بذلكَ لما أنَّ ضررَ الحسدِ قبلَهُ إنما يحيقُ بالحاسدِ لا غيرَ.
عَنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قرأَ المعوذتينِ فكأنَّما قرأَ الكتبَ التي أنزلَهَا الله تعالَى ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) | { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [5] يعني اليهود حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى سحروه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: في هذه الآية هو نفس ابن آدم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) | قوله جل ذكره: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }.
أي امتنع واعتصم بربِّ الفَلَقَ. والفلقُ الصُّبْحُ.
ويقال: هو الخَلْقُ كلُّهم وقيل الفَلَقُ وادٍ في جهنم.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }.
أي من الشرور كلِّها.
{ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }.
قيل: الليلُ إذا دخَلَ. وفي خبرٍ، أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عائشة ونَظَرَ إلى القمر فقال: **" يا عائشة، تَعَوَّذِي بالله من شرِّ هذا فإنه الغاسقُ إذا وقب ".** { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }.
وهن السواحر اللواتي ينفخن في عُقَد الخيط (عند الرُّقية) ويوهمنَّ إدخال الضرْرِ بذلك.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }.
والحَسَدُ شرُّ الأخلاق.
وفي السورة تعليمُ استدفاع الشرور من الله. ومَنْ صَحَّ توكُّلُه على الله فهو الذي صحَّ تحقُّقُه بالله، فإذا توكَّلَ لم يُوَفِّقْه اللَّهُ للتوكُّلِ إلاَّ والمعلومُ من حاله أنه يكفيه ما توكَّلَ به عليه؛ وإنَّ العبدَ به حاجةٌ إلى دَفْعِ البلاء عنه - فإن أخَذَ في التحرُّز من تدبيره وحَوْله وقُوَّته، وفَهْمِه وبصيرته في كلِّ وقتٍ استراح من تعب تردُّدِ القلبِ في التدبير، وعن قريبٍ يُرَقَّى إلى حالة الرضا.. كُفِيَ مُرَادَه أم لا. وعند ذلك الملك الأعظم، فهو بظاهره لا يفتر عن الاستعاذه، وبقلبه لا يخلو من التسليم والرضا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) | الحاسد النفس الأمارة والشيطان الملعون حسداً على روح جزالة فى الملكوت سيارة فى انوار الجبروت فجسدهما مرامي سهام غيرة قهر القدم ألا ترى كيف قال عليه الصلاة والسلام **" العين حق "** لانها سهم من سهام قهره قال بعضهم الفلق فلق المكمون من القلوب فادارها على الالسنة وقال محمد بن على النهدى عطف الله على قلوب خواص عباده فقذف فيها فانفلق الحجاب وانكشف الغطاء وهو قوله قل اعوذ برب الفلق قال الحسين اشارة الحق ان جميع خلقه فى معنى القطيعة عنه بكلمة واحدة وهي من لطائف القرآن قل اعوذ برب الفلق وفالق الاصباح وفالق الحب والنوى وفلق البحر لموسى وفلق الاسماع والابصار وفلق القلوب حتى انكشف له الغيوب قال النبى صلى الله عليه وسلم **" سجد وجهى للذى خلقه وشق سمعه وبصره "** وفلق الصدور وفتقها وشرحها لتدارك ما جرى فيها من المباشرة اذ فى ذلك صحة التحيرة وصفاها من شر ما خلق ان يكون مربوطا وان جلت احوال وعظته اخطاره فان الانقطاع علامة الارتباط بما دونه من خلقه وفلقه قال محمد بن حامد فى قوله من شر ما خلق اعلمك ان الخلق كلهم موصوف بالشرية وأن الخير الذى لا شر فيه هو الذى خلق الخلق على هذه الصفة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) | { قل أعوذ بربّ الفلق } أي: ألتجىء إلى الاسم الهادي وألوذ به بالاتصاف به والاتصال بروح القدس في الحضرة الأسمائية لأن الفلق هو نور الصبح المقدّم على طلوع الشمس، أي: بربّ نور صبح تجلي الصفات الذي هو مقدمة طلوع نور الذات، وربّ نور صبح الصفات هو الاسم الهادي وكذا معنى كل مستعيذ بربّه من شرّ شيء فإنه يستعيذ بالاسم المخصوص بذلك الشيء كاستعاذة المريض مثلاً بربّه فإنه يستعيذ بالشافي، وكاستعاذة الجاهل من جهله بالعليم. { من شرّ ما خلق } أي: من شرّ الاحتجاب بالخلق وتأثيرهم فيه فإن من اتصل بعالم القدس في حضرة الأسماء واتّصف بصفاته تعالى أثر في كل مخلوق ولم يتأثر من أحد لأنهم في عالم الآثار ومقام الأفعال وقد ارتقى هو عن مقام الأفعال إلى مباديها من الصفات. { ومن شرّ غاسق إذا وقب } أي: من شرّ الاحتجاب بالبدن المظلم إذا دخل ظلامه كل شيء واستولى وأثر بتغيرات أحواله وانحراف مزاجه في القلب لمحبة القلب له وميله إليه وانجذابه نحوه. { ومن شرّ النفاثات } أي: القوى النفسانية من الوهم والتخيّل والغضب والشهوة ونحوها التي تنفث في عقد عزائم السالكين بإيهانها بالدواعي الشيطانية وحلها ونكثها بالوساوس والهواجس. { ومن شرّ حاسد إذا حسد } أي: النفس إذا حسدت تنوّر القلب فانتحلت صفاته ومعارفه باستراق السمع، فطغت وظهرت عليه وحجبته وذلك هو التلوين في مقام القلب. ويجوز أن يكون الغاسق هو النفس المستولية الحاجبة بظلمة صفاتها للقلب والحاسد هو القلب إذا ظهر في مقام الشهود، فإن تلوين مقام الشهود بوجود القلب كما أن تلوين مقام القلب بوجود النفس وتخصيص هذه الثلاثة بالاستعاذة منها بعد الاستعاذة من المخلوقات عموماً إنما كان لأن أكثر الاحتجاب منها دون ما عداها من المخلوقات عموماً لاتصالها به وتعلقه بها، والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) | { ومن شر حاسد اذا حسد } الوقف ثم يكبر لان الوصل لا يخلو من الايهام اى اذا اظهر ما فى نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه ترتيب مقدمات الشر ومبادى الاضرار بالمحسود قولا او فعلا والتقييد بذلك ما ان ضرر الحسد قبله انما يحيق بالحاسد لا غير وفى الكشاف فان قلت فلم عرض بعض المستعاذ منه ونكر بعضه قلت عرف النفاثات لان كل نفاثة شريرة ونكر غاسق لان كل غاسق لا يكون فيه الشر انما يكون فى بعض دون بعض وكذلك كل حاسد لا يضر ورب حسد محمود وهو الحسد فى الخيرات ويجوز ان يراد بالحاسد قابيل لانه حسد اخاه هابيل والحسد الاسف على الخير عند الغير وفى فتح الرحمن تمنى زوال النعمة عن مستحقها سوآء كانت نعمة دين او دنيا وفى الحديث **" المؤمن يغبط والمنافق يحسد "** وعنه عليه السلام الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب واول ذنب عصى الله به فى السماء حسد ابليس لآدم فأخرجه من الجنة فطرد وصار شيطانا رجيما وفى الارض قابيل لاخيه هابيل فقتله قال الحسين بن الفضل رحمه الله ذكر الله الشرور فى هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليظهر انه اخبث الطبائع كما قال ابن عباس رضى الله عنهما
| **اكر درعالم ازحسد بدتر بودى ختم اين سوره بدان كردى حسد آتشى دان كه جون بر فروخت حسود لعين را همان لحظه سوخت كرفتم بصورت همه دين شوى حسدكى كذاردكه حق بين شوى** | | |
| --- | --- | --- |
وفيه اشارة الى حسد النفس الامارة اذا حسدت القلب وأرادت ان تطفئ نوره وتوقعه فى التلوين وكفران النعمة الذى هو سبب لزوالها وفى الحديث ان النبى عليه السلام قال لعتبة بن عامر رضى الله عنه **" ألم تر آيات انزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط قل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس "** قوله ألم تر كلمة تعجب وما بعدها بيان لسبب التعجب يعنى لم يوجد آيات كلهن تعويذ غير هاتين السورتين وهما قل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس وفى الحديث دليل على انهما من القرءآن ورد على من نسب الى ابن مسعود رضى الله عنه انهما ليستا منه وفى عين المعانى الصحيح انهما من القرءآن الا انهما لم تثبتا فى مصحفه للأمن من نستانهما لانهما تجريان على لسان كل انسان انتهى. اعلم ان مصحف عبد الله بن مسعود رضى الله عنه حذف منه ام الكتاب والمعوذتان ومصحف ابى بن كعب رضى الله عنه زيد فيه سورة القنوت ومصحف زيد بن ثابت رضى الله عنه كان سليما من ذلك فكان كل من مصحفى ابن مسعود وابى منسوخا ومصحف زيد معمولا به وذلك لانه عليه السلام كان يعرض القرءآن على جبريل عليه السلام فى كل شهر رمضان مرة واحدة فلما كان العام الذى قبض فيه عرضه مرتين وكان قرآءة زيد من آخر العرض دون قرآءة ابى وابن مسعود رضى الله عنهما وتوفى عليه السلام وهو يقرأ على ما فى مصحف زيد ويصلى به قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه جميع سور القرءآن مائة واثنتا عشرة سورة قال الفقيه فى البستان انما قال انها مائة واثنتا عشرة سورة لانه كان لا يعد المعوذتين من القرءآن وكان لا يكتبهما فى مصحفه ويقول انهما منزلتان من السماء وهما من كلام رب العالمين ولكن النبى عليه السلام كان يرقى ويعوذ بهما فاشتبه عليه انهما من القرءآن او ليستا منه فلم يكتبهما فى المصحف وقال مجاهد جميع سور القرءآن مائة وثلاث عشرة سورة وانما قال ذلك لانه كان يعد الانفال والتوبة سورة واحدة وقال ابى بن كعب رضى الله عنه جميع سورة القرءآن مائة وست عشرة سورة وانما قال ذلك لانه كان يعد القنوت سورتين احداهما من قوله اللهم انا نستعينك الى قوله من يفجرك والثانية من قوله اللهم اياك نعبد الى قوله ملحق وقال زيد بن ثابت رضى الله عنه جميع سور القرءآن مائة واربع عشرة سورة وهذا قول عامة الصحابة رضى الله عنهم وهكذا فى مصحف الامام عثمان بن عفان رضى الله عنه وفى مصاحف اهل الامصار فالمعوذتان سورتان من القرءآن روى ابو معاوية عن عثمان بن واقد قال ارسلنى ابى الى محمد بن المنكدر وسأله عن المعوذتين اهما من كتب الله قال من لم يزعم انهما من كتاب الله فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين وفى نصاب الاحتساب لو أنكر آية من القرءآن سوى المعوذتين يكفر انتهى وفى الاكمل عن سفيان بن سختان من قال ان المعوذتين ليستا من القرءآن لم يكفر لتأويل ابن مسعود رضى الله عنه كما فى المغرب للمطرزى وقال فى هدية المهديين وفى انكار قرءآنية المعوذتين اختلاف المشايخ والصحيح انه كفر انتهى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
تمت سورة الفلق من القرآن بعون الله الملك المنان
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) | يقول الحق جلّ جلاله: { قلْ } يا محمد { أعوذُ بربِّ الفلقِ } أي: أتحصّن وأستجيرُ برب الفلق. والفلق: الصُبح، كالفرق، لأنه يفلق عنه الليل فعل بمعنى مفعول. وقيل: هو كل ما يفلقه الله تعالى، كالأرض عن النبات والجبال عن العيون، والسحاب عن الأمطار، والحب والنوى عما يخرج منهما، والبطون والفروج عما يخرج منهما، وغير ذلك مما يفلق ويخرج منه شيء. وقيل: هو جب في جهنم. وفي تعليق العياذ بالرب، المضاف إلى الفلق، المنبىء عن النور بعد الظلمة وعن السعة بعد الضيق، والفتق بعد الرتَق، عِدَة كريمة بإعاذة العامة مما يتعوّذ منه، وإنجائه منه وفَلْق ما عقد له من السحر وانحلاله عنه، وتقوية رجائه بتذكير بعض نظائره ومزيد ترغيب في الاعتناء بقرع باب الالتجاء إلى الله تعالى. ثم ذكر المتعوَّذ منه فقال: { من شرِّ ما خَلَقَ } من الثقلين وغيرهم، كائناً ما كان، وهذا كما ترى شامل لجميع الشرور الجمادية، والحيوانية، والسماوية، كالصواعق وغيرها. وإضافة الشر إليه ـ أي: إلى كل ما خلق ـ لاختصاصه بعالَم الخلق، المؤسس على امتزاج المراد المتباينة، وتفاصيل كيفياتها المتضادة المستتبعة للكون والفساد في عالَم الحكمة، وأمّا عالَم الأمر فهو منزّه عن العلل والأسباب، والمراد به: كن فيكون. وقوله تعالى: { ومن شر غَاسِقٍ إِذا وَقَبَ } تخصيص لبعض الشرور بالذكر، بعد اندراجه فيما قبله، لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منه، لكثرة وقوعه، أي: ومن شر الليل إذا أظلم واشتد ظلامه، كقوله تعالى:**{ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ }** [الإسراء:78]. وأصل الغسق: الامتلاء. يقال: غسقت عينيه إذا امتلأت دمعاً وغَسَقُ الليل: انضباب ظلامه. وقوله: { إذا وقب } أي: دخل ظلامه، وإنما تعوَّذ من الليل لأنه صاحب العجائب، وقيل: الغاسق: القمر، ووقوبه: دخوله في الكسوف واسوداده، لِما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدي، وقال: **" تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب "** وقيل: وقوب القمر: محاقه في آخر الشهر، والمنجِّمون يعدونه نحساً، ولذلك لا تستعمل السحرةُ السحرَ المُورث للمرض إلاَّ في ذلك الوقت، قيل: وهو المناسب لسبب النزول. وقيل: الغاسق: الثريا ووقوبها: سقوطها، لأنها إذا سقطت كثرت الأمراض والطواعين. وقيل: هو كل شر يعتري الإنسان، ووقوبه هجومه، فيدخل فيه الذكَر عند الشهوة المحرمة وغيره. { ومن شر النفاثاتِ في العُقَد } أي: ومن شر النفوس أو: النساء النفاثات، أي: السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط، وينفثن عليها، والنفث: النفخ مع ريق، وقيل: بدون ريق، وتعريفها إمّا للعهد الذهني، وهن بنات لَبِيد، أو: للجنس، لشمول جميع أفراد السواحر وتدخل بنات لَبيد دخولاً أولياً. { ومن شر حاسدٍ إِذا حَسَدَ } إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه، بترتيب مقدمات الشر، ومبادىء الإضرار بالمحسود، قولاً وفعلاً، والتقييد بذلك لأنَّ ضرر الحسد قبله إنما يحيق بالحاسد، وقد تكلم ابن جزي هنا على الحسد بكلام نقلناه في سورة النساء، فانظره فيه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
الإشارة: الفلق هو النور الذي انفلق عنه بحر الجبروت، وهي القبضة المحمدية، التي هي بذرة الكائنات، فأمر الله بالتعوُّذ بربها الذي أبرزها منه، من شر كل ما يشغل عن الله، من سائر المخلوقات، ومن شر ما يهجم على الإنسان، ويقوم عليه من نفسه وهواه وغضبه وسخطه، ومن شر ما يكيده من السحرة أو الحُساد. والحسد مذموم عند الخاص والعام، فالحسود لا يسود. وحقيقة الحسد: الأسف على الخير عند الغير، وتمني زواله عنه، وأمّا تمني مثله مع بقائه لصاحبه فهي الغِبطة، وهي ممدوحة في الكمالات، كالعلم والعمل، والذوق والحال. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) | روى قتيبة إمالة { حاسد }.
هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ومتوجه إلى جميع الخلق المكلفين بان يستعيذوا من شر ما خلق، فالفلق الصبح - في قول ابن عباس والحسن وسعيد ابن جبير وجابر ومجاهد وقتادة وابن زيد - وفي رواية عن ابن عباس: إن الفلق الخلق. وقال قوم من أهل اللغة: الفلق الخلق، لأنه مفلوق. ومنه**{ فالق الإصباح }** و**{ فالق الحب والنوى }** وقيل للداهية فلقة، لانها تفلق الظهر وأصل الفلق الفرق الواسع من قولهم: فلق رأسه بالسيف يفلقه فلقاً إذا فرقه فرقاً واسعاً. ويقال: أبين من فلق الصبح، لأن عموده ينفلق بالضياء عن وفرق الصبح الظلام. وقيل له فجر لانفجاره بذهاب ظلامه.
وقوله { من شر ما خلق } عام في جميع ما خلقه الله فأنه ينبغى أن يستعاذ من شره ممن يجوز أن يحصل منه الشر، وقيل: المراد من شر الاشياء التي خلقها مثل السباع والهوام والشياطين وغير ذلك.
وقوله { ومن شر غاسق إذا وقب } قال ابن عباس والحسن ومجاهد: من شر الليل إذا دخل بظلامه، وقيل: الغاسق كل هاجم بضرر كائناً ما كان، فالغاسق في اللغة هو الهاجم بضرره، وهو هنا الليل، لانه يخرج السباع من آجامها والهوام من مكامنها، وأصله الجريان بالضرر من قولهم: غسقت القرحة إذا جرى صديدها. والغساق صديد أهل النار لسيلانه بالعذاب، وغسقت عينه غسقاناً إذا جرى دمعها بالضرر في الخلق. والليل غاسق لجريانه بالضرر في اخراج السباع وقال كعب: الغسق بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حرّه، ومعنى { وقب } دخل، وقب يقب وقوباً إذا دخل. ومنه الوقبة النقرة، لأنه يدخل فيها.
وقوله { ومن شر النفاثات في العقد } قال الحسن وقتادة: يعني السحرة الذين كل ما عقدوا عقداً نفثوا فيه، وهو شبيه بالنفخ، فأما الثفل فنفخ بريق، فهذا الفرق بين النفث والتفل، قال الفرزدق:
| **هما نفثا في فيّ من فمويهما** | | **على النابح العاوي أشد رجام** |
| --- | --- | --- |
وقيل في شر النفاثات قولان: أحدهما - إيهامهم أنهم يمرضون ويعافون، ويجوز ذلك مما يخيل رأي الانسان من غير حقيقة لما يدعون من الحيلة بالاطعمة الضارة والامور المفسدة. الثاني - أنه بضرب من خدمة الجن يمتحن الله تعالى بتخليتهم بعض الناس دون بعض. ولا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله سحر على ما رواه القصاص الجهال، لأن من يوصف بأنه مسحور، فقد خبل عقله. وقد أنكر الله تعالى ذلك فى قوله**{ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً }** ولكن قد يجوز أن يكون بعض اليهود اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه، فأطلع الله نبيه على ما فعله حتى استخرج ما فعلوه من التمويه، وكان دلالة على صدقه ومعجزة له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقوله { ومن شر حاسد إذا حسد } فالحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن صاحبها، وإن لم يردها لنفسه. والغبطة أن يريد من النعمة لنفسه مثل ما لصاحبه وأن لم يرد زوالها عنه، فالغبطة محمودة والحسد مذموم. وفي السورة ما يستدفع به الشرور باذن الله على تلاوة ذلك بالاخلاص فيه، والاتباع لأمر الله. وكان النبي صلى الله عليه وآله كثيراً ما يعوّذ به الحسن والحسين وبهاتين السورتين. وقيل إن اللواتي سحرن النبي صلى الله عليه وآله بنات لبيد بن أعصم اليهودي، سحرنه في أحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى السورتين، وهما أحدى عشرة آية فحل بكل آية عقدة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) | { (1) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } ما يفلق عنه اي يفرق عنه وخصّ عرفاً بالصّبح ولذلك فسّر به.
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام انّه سئل عن الفلق قال صدع في النّار فيه سبعون الف دار في كلّ دار سبعون الف بيت في كلّ بيت سبعون الف اسود في كلّ أسود سبعون الف جرّة سمّ لا بدّ لأهل النار ان يمرّوا عليها والقمّي قال الفلق جبّ في جهنّم يتعوّذ اهل النار من شدّة حرّه سأل الله أن يأذن له ان يتنفّس فأذن له فتنفّس فأحرق جهنّم الحديث.
{ (2) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ } قيل خصّ عالم الخلق بالاستعاذة منه لانحصار الشرّ فيه فانّ عالم الامر خير كلّه.
{ (3) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ } ليل عظم ظلامه كقوله الى غسق اللّيل { إِذَا وَقَبَ } دخل ظلامه في كلّ شيء قيل خصّ اللّيل لأنّ المضارّ فيه تكثر ويعسر الدّفع ولذلك قيل اللّيل اخفى للويل.
{ (4) وَمِنْ شَرِّ النَّفاثاتِ فِي الْعُقَدِ } ومن شرّ النفوس او النساء السواحر اللاّتي يعقدون عقداً في خيوط وينفثن عليها والنّفث النّفخ مع ريق.
{ (5) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } اذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه فانّه لا يعود ضرره منه قبل ذلك الى المحسود بل يخصّ به لاغتمامه بسروره وفي المعاني مرفوعاً انّه قال في هذه الآية اما رأيته اذا فتح عينيه وهو ينظر اليك هو ذاك قيل خصّ الحسد بالاستعاذة منه لأنّه العمدة في الاضرار.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه صلّى الله عليه وآله **" كاد الحسد ان يغلب القدر ".** في طبّ الأئمّة عنه عليه السلام انّ جبرئيل اتى النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال يا محمد قال لبّيك يا جبرئيل قال انّ فلاناً سحرك وجعل السحر في بئر بني فلان فابعث اليه يعني البئر اوثق النّاس عندك واعظمهم في عينيك وهو عديل نفسك حتّى يأتيك بالسحر قال فبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله عليّ بن ابي طالب عليه السلام وقال انطلق الى بئر ازران فانّ فيها سحر اسحرني به لبيد بن اعصم اليهوديّ فأتني به قال فانطلقت في حاجة رسول الله صلّى الله عليه وآله فهبطت فاذا ماء البئر صار كأنّه الجنا من السّحر فطلبته مستعجلاً حتّى انتهيت الى اسفل القليب فلم اظفر به قال الذين معي ما فيه شيء فاصعد قلت لا والله ما كذبت ولا كذب وما نفسي بيده مثل انفسكم يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله ثم طلبت طلباً بلطف فاستخرجت حقّاً فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال افتحه ففتحته واذا في الحق قطعة كرب النّخل في جوفه وتر عليها احدى عشرة عقدة وكان جبرئيل انزل يومئذ المعوذتين على النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله يا عليّ اقرأها على الوتر فجعل امير المؤمنين عليه السلام كلّما قرأ آية انحلّت عقدة حتّى فرغ منها وكشف الله عزّ وجلّ عن نبيّه ما سحر وعافاه وفي رواية انّ جبرئيل وميكائيل أتيا النبيّ صلّى الله عليه وآله فجلس احدهما عن يمينه والآخر عن شماله فقال جبرئيل لميكائيل ما وجع الرّجل فقال ميكائيل هو مطبوب فقال جبرئيل ومن طبّه قال لبيد بن اعصم اليهوديّ ثم ذكر الحديث وعن الصادق عليه السلام انّه سئل عن المعوّذتين اهما من القرآن فقال نعم هما من القرآن فقال الرجل ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه فقال عليه السلام اخطأ ابن مسعود وقال كذب ابن مسعود هما من القرآن قال الرجل فاقرأ بهما في المكتوبة قال نعم وهل تدري ما معنى المعوذتين وفي ايّ شيء انزلتا انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سحره لبيد بن عاصم اليهودي فقال ابو بصير وما كاد أو عسى ان يبلغ من سحره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قال الصادق عليه السلام بلى كان يرى النبيّ صلّى الله عليه وآله انه يجامع وليس يجامع وكان يريد الباب ولا يبصره حتى يلمسه بيده والسحر حقّ وما سلّط السّحر الاّ على العين والفرج فأتاه جبرئيل فأخبره بذلك فدعا عليّاً عليه السلام وبعثه ليستخرج ذلك من بئر ازوان وذكر الحديث وروت العامّة ما يقرب من ذلك.
والقمّي عن الصادق كان سبب نزول المعوذّتين انّه وعك رسول الله صلّى الله عليه وآله فنزل عليه جبرئيل بهاتين السورتين فعوّذه بهما وفي المجمع ما يقرب منه.
والقمّي عن الباقر عليه السلام قيل له انّ ابن مسعود كان يمحو المعوّذتين من المصحف فقال كان ابي يقول انّما فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهما من القرآن.
وفي الكافي عن جابر قال امّنا ابو عبد الله عليه السلام في صلاة المغرب فقرأ المعوّذتين ثم قال هما من القرآن.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام قال من اوتر بالمعوّتين وقل هو الله احد قيل له يا عبد الله ابشر فقد قبل الله وترك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) | { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } اى من شرّ من له قوّة الحسد اذا ظهر حسده فانّ الحسد المكمون لا يضرّ المحسود ولا يضرّ الحاسد الاّ انّه نقصانٌ فى وجود الحاسد، خصّ هذه الثّلاث بالذّكر بعد تعميم الاستعاذة من شرّ جميع ذوى الشّرور للاهتمام بالاستعاذة منها، لانّ ضرّ هذه الثّلاث وشرّها خفىّ لا يمكن التّحرّز منها فينبغى ان يتعوّذ منها بالله العليم بالخفيّات القدير على الحفظ منها، روى انّ لبيد بن الاعصم اليهودىّ سحر رسول الله (ص) ثمّ دسّ ذلك فى بئرٍ لبنى زريق، فمرض رسول الله (ص) فبينا هو نائم اذا اتاه ملكان فقعد احدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فأخبراه بذلك وانّه فى بئر كذا، فانتبه رسول الله (ص) وبعث عليّاً والزّبير وعمّاراً، فنزحوا ماء تلك البئر ثمّ رفعوا الصّخرة الّتى كانت فى قعر البئر فاذاً فيه مَشّاطة رأس وأسنان من مشطة واذاً فيه مَعْقد فيه اثنا عشر عقدٍ مفروزة بالابر، فنزلت هاتان السّورتان فجعل كلّما يقرأ آية انحلّت عقدة ووجد رسول الله (ص) خفّة فقام فكأنّما انشط من عقالٍ، وروى قصّة نزول السّورتين بغير هذا الطّريق مع اختلافٍ فى اللّفظ والمعنى، ولمّا كان المقصود من الامر بالقراءة ان يصير القارى بحالٍ يكون لسانه لسان الله او لسان الملك النّازل من الله لا لسان نفسه ويصير سمعه سمع اللّطيفة النّبويّة فيصير فى امثال هذه المخاطبات آمراً من الله للطيفته النّبويّة ويجعل عالمه الصّغير انموذجاً للعالم الكبير، جاز ان ينظر القارى حين قراءة السّورة الى عالمه واستعاذ من اهل مملكته من اعضائه وقواها ونفسه وجنودها فيقول امتثالاً لامر الله: اعوذ بربّ الفلق اى بربّ المواليد المنفلق من بدنى ونفسى، او بربّ الصّبح المنفلق او الفالق لظلمة ليل طبعى ونفسى من شرّ ما خلق فى مملكتى من القوى البهيميّة والسّبعيّة والشّيطانيّة، ومن الاعضاء والآلات البدنيّة او من شرّ الاحتجاب بالخلق عن الحقّ فانّ شرّ الكلّ من اهل العالم الكبير او الصّغير راجع الى الاحتجاب بهم عن الحقّ، ومن شرّ غاسق اى البدن وظلماته اذا دخل ظلمته فى عالم الرّوح وجعل الرّوح مظلماً بظلمانيّته، او من شرّ امراض البدن اذا دخلت واثّرت فى الرّوح، او من شرّ القبض او النّفس واهويتها اذا اثّرت فى الرّوح، ومن شرّ النّفّاثات اى القوى العّلامة والعمّالة الّتى تعقد فى طريق السّالك وتنفث بحيلها فيها حتّى لا يمكن للرّوح حلّها والتّجاوز عنها فانّ العلاّمة الشّيطانيّة تحمل العمّالة على امر باطل لا حقيقة له فيجعله العلاّمة بتمويهاتها بحيث لا يمكن الانسان ان يتجاوز عنها ولا ان يتركها فتهوى بالانسانيّة من عالمها الى شبكة ذلك الامر فتهلكها، ومن شرّ حاسدٍ من النّفس وقواها الّتى تتمنّى مداماً زوال النّعمة عن الانسانيّة وعدم ترقّيها الى مقام القلب ومقام الشّهود والغنى، وتتمنّى ان تكون الانسانيّة فى الحجاب والبعد والعذاب مثلها اذا حسد الانسانيّة والقاها فى شبائكها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير فرات الكوفي/ فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ) | قال أبو الخير [مقداد بن علي] حدثنا أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان العلوي الحسني قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عمرو [ب: عمر] الخراز (الخزاز) قال: حدثنا إبراهيم - يعني ابن محمد بن ميمون - عن عيسى يعنى ابن محمد عن [أبيه عن] جده:
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: **" سحر لبيد بن أعصم اليهودي وأم عبد الله اليهودية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عقد من قز أحمر وأخضر وأصفر فعقدوه له في إحدى عشر عقدة ثم جعلوه في جف من طلع - قال: يعني قشور اللوز [ر: الكف!]- ثم أدخلوه في بئر بوادٍ [أ: وادى] في المدينة [أ: بالمدينة] في مراقي البئر تحت راعوفة - يعني الحجر الخارج - فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب ولا يسمع ولا يبصر ولا يأتي النساء!!! فنزل عليه جبرئيل عليه السلام ونزل معه بالمعوذتين [ن: بالمعوذات] فقال له: يا محمد ما شأنك؟ قال: ما أدري أنا بالحال الذي ترى! فقال: إن [ر: قال: فإن] أم عبد الله ولبيد بن أعصم سحراك، وأخبره بالسحر [و] حيث هو. ثم قرأ جبرئيل عليه السلام: { بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق } فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك فانحلت عقدة ثم لم يزل يقرأ آية ويقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنحل عقدة حتى أقرأها عليه إحدى عشر آية وانحلت إحدى عشر عقدة وجلس النبي ودخل أمير المؤمنين عليه السلام فأخبره بما جاء به [ر: أخبره] جبرئيل [به. ر] وقال [له. ب]: انطلق فاتني بالسحر فخرج علي فجاء به فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنقض ثم تفل [أ: ثقل] عليه وأرسل إلى لبيد بن أعصم وأم عبدالله اليهودية فقال: ما دعاكم إلى ما صنعتم؟! ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على لبيد وقال: لا أخرجك الله من الدنيا سالماً قال: وكان موسراً كثير المال فمر به غلام يسعى في أذنه قرط قيمته دينار فجاذبه فخرم أذن الصبي فأخذ وقطعت يده فمات من وقته [ب، ر: وقتها] ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) | { قل أعوذ برب الفلق } قيل: كل موضع من القرآن فيه قل فإنه يقدمه سؤال كقوله: يسألونك عن الأنفال ونظائرها والخطاب لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي قل يا محمد، والمراد جميع أمته { أعوذ } أمتنع وأعتصم { برب الفلق } الصبح، ومنه فالق الاصباح، وقيل: الفجر، وقيل: شجر في جهنم، وقيل: الفلق بيت في النار إذا فتح صاح جميع من في النار من شدة حرته، وقيل: الفلق جميع الخلق، وقيل: جب في جهنم، وقيل: وادي في جهنم، وقيل: الحب والنوى يتعلق بالنبات { من شر ما خلق } أي من شر جميع الخلق، وقيل: ما بمعنى المصدر أي من شر خلقه، وقيل: من شر ذي شر مما خلق والجن والانس والسباع والطيور والهوام، وقيل: هو استعاذة من كل مكروه فانه ينزل كل شر في الدين والدنيا من علماء السوء وأهل البدع، فأمر بالاستعاذة من الجميع { ومن شر غاسق إذا وقب } أي من شر الليل إذا دخل بظلامه، سمي بذلك لظلمته، والمراد ما يحدث في الليل من الشر والمكروه، وخصّ الليل بالذكر لأنَّ الغالب من الشرّ يقع فيه، والغساق يقدمون على الجنايات فيه ليلاً وكذلك السباع والهوام، أما الناس والسباع وكثير من الانس والجن فشرهم في الليل والظلمة، وقيل: الغاسق القمر، وقيل: الثريا إذا سقطت وكانت الاشعاع تكثر في ذلك الوقت وترتفع إذا طلعت { ومن شر النفاثات في العقد } قيل: السحر، وذكر ابو مسلم أن النفاثات في العقد هي النساء { ومن شر حاسد إذا حسد } قيل: لأنه عند الحسد يبتغ الغوائل ويتمنى زوال النعمة فأمر بالتعويذ منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) | تفسير سورة الفلق، وهي مكية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" الفلق سجن في جهنم "** وقال جابر بن عبد الله: الفلق فلق الصبح. وقال الحسن مثله، وكل شيء تفلق من الحب والنوى للنبات. { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي: ومن شر الليل إذا أطبق. قال بعضهم: عن ابن عباس في قوله تعالى:**{ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ }** [الإِسراء:78] أي اجتماع الليل وظلمته. ذكر ذلك داود بن حصين عن ابن عباس. وقال بعضهم: بدو الليل.
قال تعالى: { وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } وهن السواحر ينفثن في العقد للسحر.
قال تعالى: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } يحيى عن الحسن بن دينار عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" غُمّوا هذا الحسد بينكم فإنه من الشيطان، وإنه ما من أحد إلا وهو يعرض له منه شيء، وإنه ليس بضائر عبداً لم يَعْدُ بلسان أو يد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) | { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } اذا عمل في الخارج بما في قلبه من الحسد اما قبل ذلك فالضرر عائد للحاسد لاغتمامه بسرور المحسود قال عمر بن عبد العزيز لم أر ظالما اشبه بالمظلوم من الحاسد ويجوز أن يراد بشر الحاسد إثمه وقبح حاله في وقت حسده وإظهار أثره وخص تلك الأشياء بالذكر مع عموم قوله من شر ما خلق لأنها الأسباب القريبة للمضرة وأجاز بعضهم كون الغاسق ما يخلوا عن النور وما يضاهيه كالقوي وبالنفاثات النباتات فإن قواها النباتية من حيث إنها تزيد طولا وعرضا وعمقا كالنفاثات في العقد الثلاثة وبالحاسد الحيوان فإنه يقصد غيره طمعا فيما عنده وعن قتادة المراد شر عينه ونفسه وأراد بالنفس السعي الخبيث، قال الحسن بن الفضل ختم الله السورة بالحسد بعد ذكر الشرور ليعلم أنه أخس الطبائع وعن بعضهم المراد بالحاسد هنا اليهود لأنهم يحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لبيد بن أعصم. اللهم ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبركة السورة أخز النصارى وأهنهم واكسر شوكتهم وغلب المسلمين والموحدين عليهم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) | { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ } فى قلبه.
{ إذَا حَسَدَ } أى إذا عمل بحسده كدعاء بسوء وشتم وضرب أو ضر من الأَضرار إذا عمله بقلبه أو جارحته وسحر كا سحر اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ حسدوه كما قال - صلى الله عليه وسلم - **" إذا حسد فلا تبغ "** ، ومن العمل أن ينظر إليه نظر سوء لبغض فقد يؤثر فيه نظره حتى يهلكه أو دون الإهلاك ولا تأثير لسحر أو فعل حاسد إِلاَّ بإذن الله تعالى وقد يؤثر النظر إلى بعض الحيات مضرة، وكذا العائن يضر بإذن الله تعالى وكلاهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من أراد ضره والعائن قد يعين من لا يحسده ويعين من حضر ومن غاب كالحاسد، وقيل يختص بالحاضر، والحسد ضرورى لا مؤاخذة عليه حتى يعمل به وهو تمنى الإنسان زوال النعمة على المنعم عليه بها بانتقالها إليه أو إلى غيره أو بلا انتقال وهذا حد غير جامع لأَنه يبقى ما إذا تمنى بقاءَ إنسان مثلاً على حاله التى فقد شيئاً من النعم كتمنى دوام مرضه أو دوام فقره، ولا يدخل هذا فى الحد المذكور إلاَّ بتكليف أراده عدم النعمة المترقبة التى رجاءها نعمة متوقعة بل لا يتم هذا جواب والسحر شىء له حقيقة ذكر فى القرآن والحديث أنه تعلمه من تعلمه لا خيال كما زعم من نفاه والله خلقه وإنما يؤثر بإذن الله تعالى ولا يقدح فى النبوة لأَن لها دلائل ومعجزات وليس يؤثر فى نبى قبل المعجزة ولا فى حال الوحى، والرقى بالقرآن وألفاظ الحق جائزة ويجب اجتناب ما لا يعرف له معنى من ألفاظ أو نقوش لعل فيه كفراً، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود رضى الله عنه **" اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي تكف كل شيء "** ، وقال ما تعوذ الناس بأَفضل من المعوذتين، وفى الترمذى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ بقوله أعوذ بالله من الجان وعين الإنسان، ولما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما، وفى حديث الربيع بن حبيب ومالك فى الموطأ كانت عائشة رضى الله عنها ترقى النبى - صلى الله عليه وسلم - وتمسح جسده بيديه للبركة لا بيديها، وفى الترمذى عن خزامة سأَلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - **" أرأيت رقى تسترقى بها ودواء نتداوى به وتقاة نتقى بها، هل ترد من قدر الله تعالى شيئاً قال - صلى الله عليه وسلم - هي من قدر الله تعالى "** وختم ما فى السورة من الإسواءِ بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب عصيى الله تعالى به فى السماءِ من إبليس وفى الأَرض من هابيل. اللهم باسمك الأعظم عندك استجب دعائى وتقبل منى هذا الكتاب والله الموفق وهو المستعان وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) | أي إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر ومبادي الإضرار بالمحسود قولاً وفعلاً، ومن ذلك على ما قيل النظر إلى المحسود وتوجيه نفسه الخبيثة نحوه على وجه الغضب فإن نفس الحاسد حينئذٍ تتكيف بكيفية خبيثة ربما تؤثر في المحسود بحسب ضعفه وقوة نفس الحاسد شراً قد يصل إلى حد الإهلاك ورب حاسد يؤذي بنظره بعين حسده نحو ما يؤذي بعد الحيات بنظرهن وذكروا أن العائن والحاسد يشتركان في أن كلاً منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من تريد أذاه إلا أن العائن تتكيف نفسه عند مقابلة العين والمعاينة والحاسد يحصل حسده في الغيبة والحضور وأيضاً العائن قد يعين من لا يحسده من حيوان وزرع وإن كان لا ينفك من حسد صاحبه. والتقييد بذلك إذ لا ضرر قبله بل قيل إن ضرر الحسد إنما يحيق بالحاسد لا غير كما قال علي كرم الله تعالى وجهه لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله وقال ابن المعتز:
| **اصبر على حسد الحسو** | | **د فإن صبرك قاتله** |
| --- | --- | --- |
| **فالنار تأكل بعضها** | | **إن لم تجد ما تأكله** |
وليعلم أن الحسد يطلق على تمني زوال نعمة الغير وعلى تمني استصحاب عدم النعمة ودوام ما في الغير من نقص أو فقر أو نحوه والإطلاق الأول هو الشائع والحاسد بكلا الإطلاقين ممقوت عند الله تعالى وعند عباده عز وجل آت باباً من الكبائر على ما اشتهر بينهم لكن التحقيق أن الحسد الغريزي الجبلي إذا لم يعمل بمقتضاه من الأذى مطلقاً بل عامل المتصف به أخاه بما يحب الله تعالى مجاهداً نفسه لا إثم فيه بل يثاب صاحبه على جهاد نفسه وحسن معاملته أخاه ثواباً عظيماً لما في ذلك من مشقة مخالفة الطبع كما لا يخفى.
ويطلق الحسد على الغبطة مجازاً وكان ذلك شائعاً في العرف الأول وهي تمني أن يكون له مثل ما لأخيه من النعمة من غير تمني زوالها وهذا مما لا بأس به ومن ذلك ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله تعالى مالاً وسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله تعالى الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس» وقال أبو تمام:
| **هم حسدوه لا ملومين مجده** | | **وما حاسد في المكرمات بحاسد** |
| --- | --- | --- |
وقال أيضاً:
| **وأعذر حسودك فيما قد خصصت به** | | **إن العلا حسن في مثلها الحسد** |
| --- | --- | --- |
هذا وقال الرئيس ابن سينا الغاسق القوة الحيوانية فهي ظلمة غاسقة منكدرة على خلاف النفس الناطقة التي هي المستعيذة فإنها خلقت في جوهرها نقية صافية مبرأة عن كدورات المادة وعلائقها قابلة لجميع الصور والحقائق وإنما تتلوث من الحيوانية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والنفاثات في العقد إشارة إلى القوى النباتية / من حيث إنها تزيد في المقدار من جميع جهاته الطول والعرض والعمق فكأنها تنفث في العقد الثلاث ولما كانت العلاقة بين النفس الإنسانية والقوى النباتية بواسطة الحيوانية لا جرم قدم ذكر القوى الحيوانية على القوى النباتية والشر اللازم من هاتين القوتين في جوهر النفس هو استحكام علائق البدن وامتناع تغذيها بالغذاء الموافق لها اللائق بجوهرها وهو الإحاطة بملكوت السمٰوات والأرض والانتقاش بالنقوش الباقية وعنى بقوله تعالى: { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } النزاع الحاصل بين البدن وقواه وبين النفس، فالحاسد هو البدن من حيث له القوتان والمحسود هو النفس فالبدن وبال عليها فما أحسن حالها عند الإعراض عنه وما أعظم لذتها بالمفارقة إن لم تكن تلوثت منه. وقيل الغاسق إشارة إلى المعدن والنفاثات إلى النباتات والحاسد إلى الحيوان ولما كان الإنسان لا يتضرر عن الأجسام الفلكية وإنما يتضرر عن الأجسام العنصرية - وهي إما معدن أو نبات أو حيوان - أمر بالاستعاذة من شر كل منها، وكلا القولين كما ترى والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) | عطف شر الحاسد على شر الساحر المعطوف على شر الليل، لمناسبة بينه وبين المعطوف عليه مباشرةً وبينه وبين المعطوف عليه بواسطته، فإن مما يدعو الحاسد إلى أذى المحسود أن يتطلب حصول أذاهُ لتوهم أن السحر يزيل النعمة التي حسده عليها ولأن ثوران وجدان الجسد يكثر في وقت الليل، لأن الليل وقت الخلوة وخطورِ الخواطر النفسية والتفكر في الأحوال الحافة بالحاسد وبالمحسود. والحسد إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير مع تمني زوالها عنه لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة أو على مشاركته الحاسد فيها. وقد يطلق اسم الحسد على الغبطة مجازاً. والغبطة تمنّي المرء أن يكون له من الخير مثلُ ما لمن يروق حاله في نظره، وهو محمل الحديث الصحيح **" لا حَسَدَ إلا في اثنتين "** ، أي لا غبطة، أي لا تحق الغبطة إلا في تينك الخصلتين، وقد بين شهاب الدين القرافي الفرق بين الحسد والغبطة في الفرق الثامن والخمسين والمائتين. فقد يغلب الحسدُ صبرَ الحاسد وأناتَه فيحمله على إيصال الأذى للمحسود بإتلاف أسباب نعمته أو إهلاكه رأساً. وقد كان الحسد أولَ أسباب الجنايات في الدنيا إذ حسد أحد ابني آدم أخاه على أن قُبِل قربانه ولم يقبل قُربان الآخر، كما قصّه الله تعالى في سورة العقود. وتقييد الاستعاذة من شره بوقت { إذا حسد } لأنه حينئذ يندفع إلى عمل الشر بالمحسُود حين يجيش الحسد في نفسه فتتحرك له الحيل والنوايا لإِلحاق الضرّ به. والمراد من الحسد في قوله { إذا حسد } حسد خاص وهو البالغ أشد حقيقته، فلا إشكال في تقييد الحسد بـــ { حسد } وذلك كقول عمرو ابن معد يكرب
| **وبَدَت لميسُ كأنَّها بَدْرُ السماءِ إذا تَبَدَّى** | | |
| --- | --- | --- |
أي تجلى واضحاً منيراً. ولما كان الحسد يستلزم كون المحسود في حالة حسنة كثر في كلام العرب الكناية عن السيد بالمحسود، وبعكسه الكناية عن سيّىء الحال بالحاسد، وعليه قول أبي الأسود
| **حسدوا الفتى أن لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم كضرائرِ الحسناء قُلْنَ لوجهها حَسَداً وبُغضاً إنّه لَمشُوم** | | |
| --- | --- | --- |
وقول بشار بن بُرد
| **إن يحْسدوني فإني غيرُ لائمهم قَبْلي من الناس أهلُ الفَضْل قد حُسِدوا فدَام لي ولَهُم مَا بي وما بِهِمُ وماتَ أكْثَرُنَا غَيْظاً بِمَا يَجِد** | | |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) | اقتران الحسد بالسحر هنا، يشير إلى وجود علاقة بين كل من السحر والحسد، وأقل ما يكون هو التأثير الخفي الذي يكون من الساحر بالسحر، ومن الحاسد بالحسد مع الاشتراك في عموم الضرر، فكلاهما إيقاع ضرر في خفاء، وكلاهما منهى عنه.
وقد أوضح فضيلة الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، أنواع السحر وأحكامه وأورد فيه كلاماً وافياً.
وقد ظهر بما قدمنا: أن الحسد له علاقة بالسحر نوعاً ما، فلزم إيضاحه وبيان أمره بقدر المستطاع، إن شاء الله.
أولاً: تعريفه: قالوا: إن الحسد هو تمني زوال نعمة الغير، أو عدم حصول النعمة للغير شحاً عليه بها.
وقد قيدت الاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد، أي عند إيقاعه الحسد بالفعل، ولم يقيدها من شر الساحر إذا سحر.
وذلك والله تعالى أعلم: أن النفث في العقد هو عين السحر، فتكون الاستعاذة واقعة موقعها عند سحره الواقع منه بنفثه الحاصل منه في العقد.
أما الحاسد فلم يستعذ منه إلا عند إيقاعه الحسد بالفعل، أي عند توجهه إلى المحسود، لأنه قبل توجهه إلى المحسود بالحسد لا يتأتى منه شر، فلا محل للاستعاذة منه.
أما حقيقة الحسد: فيتعذر تعريفه منطقياً.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه أنه قال في السحر: لا يمكن تعريفه لخفائه.
ومعلوم أن الحسد أشد خفاء، لأنه عمل نفسي وأثر قلبي، وقد قيل فيه: إنه كإشعاع غير مرئي، ينتقل من قلب الحاسد إلى المحسود، عند تحرقه بقلبه على المحسود، وقد شبه حسد الحاسد بالنار في قولهم:
| **اصبر على مضض الحسود** | | **فإن صبرك قاتله** |
| --- | --- | --- |
| **كالنار تأكل بعضها** | | **إن لم تجد ما تأكله** |
وقد أنكر بعض الفلاسفة وقوع السحد، حيث إنه غير مشاهد وهم محجوجون بكل موجود غير شاهد، كالنفس والروح والعقل.
وقد شوهدت اليوم أشعة [إكس] وهي غير مرئية، ولكنها تنفذ إلى داخل الجسم من إنسان وحيوان، بل وخشب ونحوه. ولا يردها إلاَّ مادة الرصاص لكثافة معدنه، فتصور داخل جسم الإنسان من عظام وأمعاء وغيرها، فلا معنى لرد شيء لعدم رؤيته.
تنبيه
قد أطلق الحسد هنا ولم يبين المحسود عليه، ما هو أنه كما تقدم زوال النعمة عن الغير.
وقد نبه القرآن الكريم على أعظم النعمة التي حسد عليها المسلمون عامة، والرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، وهي نعمة الإسلام ونعمة الوحي وتحصيل الغنائم.
فأهل الكتاب حسدوا المسلمين على الإسلام في قوله تعالى:**{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ }** [البقرة: 109].
والمشركون حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نعمة الوحي إليه، كما في قوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ }** [النساء: 54].
والناس هنا عام أريد به الخصوص، وهو النَّبي صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى:**{ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ }** [آل عمران: 173].
فالناس الأولى عام أريد به خصوص رجل واحد، وهو نعيم ابن مسعود الأشجعي.
ومما جاء فيه الحسد عن نعمة متوقعة. قوله تعالى:**{ سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }** [الفتح: 15].
فتبين بنص القرآن أن الحسد يكون في نعمة موجودة، ويكون في نعمة متوقع وجودها.
تنبيه آخر
توجد العين كما يوجد الحسد، ولم أجد من فرَّق بينهما مع وجود الفرق.
وقد جاء في الصحيح **" إن العين لحق ".** كما جاء في السنن: **" لو أن شيئاً يسبق القدر لسبقته العين ".** ويقال في الحسد، حاسد، وفي العين: عائن، ويشتركان في الأثر، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق.
فالحاسد: قد يحسد ما لم يره، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه، ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود، وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها له وغاية في حطة النفس.
والعائن: لا يعين إلا ما يراه والموجود بالفعل، ومصدره انقداح نظرة العين، وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله.
وقد يطلق عليه أيضاً الحسد، وقد يطلق الحسد ويراد به الغبطة، وهو تمني ما يراه عند الآخرين من غير زواله عنهم.
وعليه الحديث: **" لا حسد في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير، ورجل أتاه الله في الحكمة فهو يقضي بها بين الناس ".** وقال القرطبي: روي مرفوعاً **" المؤمن يغبط، والمنافق يحسد ".** وقال: الحسد أول ذنب عصى الله به في السماء، وأول ذنب عصى به في الأرض، فحسد إبليس آدم وحسد قابيل هابيل 1هـ.
تحذير
كنت سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه قوله: إن أول معصية وقعت هي الحسد، وجر شؤمها إلى غيرها، وذلك لما حسد إبليس أبانا آدم على ما آتاه الله من الكرامات من خلقه بيديه، وأمر الملائكة بالسجود له، فحمله الحسد على التكبر، ومنعه التكبر من امتثال الأمر بالسجود، فكانت النتيجة طرده، عياذاً بالله.
أسباب الحسد
وبتأمل القصة، يظهر أن الحامل على الحسد أصله أمران:
الأول: ازدراء المحسود.
والثاني: إعجاب الحاسد بنفسه، كما قال إبليس معللاً لامتناعه من السجود:**{ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ }** [الأعراف: 12].
ثم فصل معنى الخيرية المزعومة بقوله:**{ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }** [الأعراف: 12]، ويلحق بذلك جميع الأسباب.
وقد ذكروا منها التعزز في نفسه، ولا يريد لأحد أن يرتفع عليه، والتعجب بأنه يعجب بنفسه، ولا يرى أحداً أولى منه، والخوف من فوات المقاصد عند شخص إذا رآه سيستغني عنه، وحب الرئاسة ممن لا يريد لأحد أن يتقدم عليه في أي فن أو مجال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وذكرها الرازي نقلاً عن الغزالي.
ومن هنا لا نرى معجباً بنفسه قط، إلا ويزدري الآخرين ويحسدهم على أدنى نعمة أنعمها الله عليهم. عافانا الله من ذلك.
تنبيه
إذا كانت أول معصية وقعت هي حسد إبليس بأبينا آدم على ما أنعم الله به عليه، وجاء حسد المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم على نعمة الوحي، وحسد أهل الكتاب للمسلمين على نعمة الإسلام، وجاءت هذه السورة في أواخر القرآن، فكأنها جاءت في أعقاب القرآن لتذكر المسلمين بعظم نعمته عليهم وشدة حسدهم عليه، ليحذروا أعداءهم الذين يكيدون لهم في دينهم، من كل من الجنة والناس، على ما سيأتي في السورة بعدها والأخيرة، إن شاء الله.
مسألة
في حكم من قتل أو كسر أو أتلف شيئاً بالعين
تقدم بيان ذلك في حق السحر، أما في حق العين، فقد قال ابن حجر في فتح الباري في كتاب الطب ما نصه وقد اختلف في جريان القصاص بذلك، يعني بالعين.
فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئاً ضمنه لو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه، بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفراً. 1هـ.
ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك بل منعوه، وقالوا: إنه لا يقتل غالباً ولا يعد مهلكاً.
وقال النووي في الروضة: ولا دية فيه ولا كفارة، لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال، مما لا انضباط له، كيف ولم يقع منه فعل أصلاً، وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة.
وأيضاً، فالذي ينشأ عن الإصابة بالعين حصوله مكروه لذلك الشخص، ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة، فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين. 1هـ.
ولا يعكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر، فإنه في معناه، والفرق بينهما عسير.
ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم: أنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس، وأنه يلزمه بيته، فإن كان فقيراً رزقه ما يقوم به، فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس، وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة.
قال النووي: وهذا القول صحيح متعين، لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه. 1هـ. من فتح الباري.
وبتأمل قول القرطبي والنووي بدقة لا يوجد بينهما خلاف في الأصل، إذ القرطبي يقيد كلامه بما يتكرر منه بحيث يصير عادة له.
والنووي يقول: إنه لا يقتل غالباً، وعليه فلو ثبت أنه يقتل غالباً وتكرر ذلك منه، فإنه يتفق مع كلام القرطبي تماماً في أن من أتلف بعينه وكان معتاداً منه ذلك فهو ضامن، وهذا معقول المعنى، والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعند الحنابلة في كشاف القناع ما نصه: والمعيان الذي يقتل بعينه.
قال ابن نصر الله في حواشي الفروع: ينبغي أن يلحق بالساحر الذي يقتل بسحره غالباً، فإذا كانت عينه يستطيع القتل بها ويفعله باختياره وجب به القصاص 1هـ.
مسألة
بيان ما تعالج به العين
لما كان الحسد أضر ما يكون على الإنسان، والإصابة بالعين حق لا شك فيها وجاء فيها: **" لو أن شيئاً يسبق القدر لسبقته العين ".** وحديث: **" إن العين لحق "** فقد فصلت السنة كيفية اتقائها قبل وقوعها، والعلاج منها إذا وقعت.
وذلك فيما رواه مالك في الموطأ وغيره من الصحاح، في حديث سهل بن حنيف، وبوب البخاري في صحيحه باب رقعة العين، وذكر حديث **" عائشة أنها قالت: " أمرني النَّبي صلى الله عليه وسلم، أو أمر أن يسترقي من العين " ".** وعقد مالك في الموطأ باباً بعنوان " الوضوء من العين " وباب آخر بعده بعنوان " الرقية من العين " ، وساق حديث سهل بتمامه وفيه بيان كيفية اتقائها وعلاجها، ولذا نكتفي بإيراده لشموله.
قال: **" عن محمد بن أبي أسامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالحرار فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، قال: وكان سهل رجلاً أبيض حسن الجلد، قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، قال: فوعك سهل مكانه واشتد وعكه، فأُوتي رسول الله فأُخبر أن سهلاً وعك وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل بالذي كان من أمر عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علام يقتل أحدكم أخاه، ألا بركت، إن العين حق، توضأ له فتوضأ له عامر، فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس " ".** وساق مرة أخرى وفيه، فقال صلى الله عليه وسلم " هل تتهمون له أحداً؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول الله صلى عليه وسلم عامراً فتغيظ عليه، وقال: **" علام يقتل أحدكم أخاه، ألا بركت، اغتسل له، "** فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه، وداخل إزاره في قدح ثم صب عليه فراح سهل مع الناس، ليس به بأس ".
فهذه القصة تثبت قطعاً وقوع العين، وهذا أمر مجمع عليه من أهل السنة وسلف الأمة، كما أنها ترشد إلى أن من برك، أي قال: تبارك الله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وفي بعض الروايات لغير مالك: هلاَّ كبَّرت، أي يقول: الله أكبر ثلاثاً، فإذن ذلك يرد عين العائن.
كما جاء في السنة **" أن الدعاء يرد البلاء "** فإذا لم تدفع عند صدورها وأصابت، فإن العلاج منها كما جاء هنا توضأ، واللفظ الآخر: **" اغتسل له ".** وقد فصل المراد بالغسل له: أنه غسل الوجه واليدين أي الكفين فقط، والمرفقين والركبتين والقدمين وطرف الإزار الداخلي، ويكون ذلك في إناء لا يسقط الماء على الأرض، ويفرغ هذا الماء على المصاب من الخلف ويكفؤ الإناء خلفه.
وقد ذكرها مفصلة القاضي الباجي في شرح الموطأ فقال: وروي عن يحيى بن يحيى عن ابن نافع في معنى الوضوء الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يغسل الذي يتهم بالرجل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه ورجليه وداخلة إزاره، وقال: ولا يغسل ما بين اليد والمرفق، أي لا يغسل الساعد من اليد.
وروي عن الزهري أنه قال: الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه: أن يؤتى العائن بقدح فيه ماء، فيمسك مرتفعاً من الأرض فيدخل فيه كفه فيمضمض، ثم يمجه في القدح، ثم يغسل وجهه في القدح صبة واحدة، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على كفه اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ظهر كفه اليسرى صبة واحدة، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفقه الأيمن، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على قدمه اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على قدمه الأيسر، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على ركبته اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ركبته اليسرى، كل ذلك في قدح ثم يدخل داخلة إزاره في القدح ولا يوضع القدح في الأرض، فيصب على رأس المعين من خلفه صبة واحدة، وقيل: يغتفل ويصب عليه، أي في حالة غفلته، ثم يكفأ القدح على ظهر الأرض وراءه.
وأما داخله إزاره: فهو الطرف المتدلي الذي يفضي من مأزره إلى جلده مكانه، إنما يمر بالطرف الأيمن على الأيسر، حتى يشده بذلك الطرف المتدلي الذي يكون من داخل. اهـ.
ومما يرشد إليه هذا الحديث تغيظه صلى الله عليه وسلم على عامر بن ربيعة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: **" علام يقتل أحدكم أخاه "** مما يبيِّن شناعة هذا العمل، وأنه قد يقتل.
ومما ينبغي مراعاته من كل الطرفين من ابتلى بالعين، فليبارك عند رؤيته ما يعجبه لئلا يصب أحداً بعينه، وليلا تسبقه عينه.
وكذلك من اتهم أحداً بالعين، فليكبر ثلاثاً عند تخوفه منه. فإن الله يدفع العين بذلك. والحمد لله.
وقد ذكروا للحسد دواء كذلك، أي يداوي به الحاسد نفسه ليستريح من عناء الحسد المتوقد في قلبه المنغص عليه عيشه الجالب عليه حزنه، وهو على سبيل الإجمال في أمرين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
العلم ثم العمل والمراد بالعلم هو أن يعلم يقيناً أن النعمة التي يراها على المحسود، إنما هي عطاء من الله بقدر سابق وقضاء لازم، وأن حسده إياه عليها لا يغير من ذلك شيئاً، ويعلم أن ضرر الحسد يعود على الحاسد وحده في دينه لعدم رضائه بقدر الله وقسمته لعباده، لأنه في حسده كالمعترض على قوله تعالى:**{ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }** [الزخرف: 32]، وفي دنياه لأنه يورث السقام والأحزان والكآبة ونفرة الناس منهم ومقتهم إياه، ومن وراء هذا وذاك، العقاب في الآخرة.
أما العمل فهو مجاهدة نفسه ضد نوازع الحسد، كما تقدمت الإشارة إليه في الأسباب، فإذا رأى ذا نعمة فازدرته عينه، فليحاول أن يقدره ويخدمه.
وإن راودته نفسه بالإعجاب بنفسه، ردها إلى التواضع وإظهار العجز والافتقار.
وإن سوّلت له نفسه تمنى زوال النعمة عن غيره، صرف ذلك إلى تمني مثلها لنفسه. وفضل الله عظيم.
وإن دعاه الحسد إلى الاساءة إلى المحسود، سعى إلى الإحسان إليه، وهكذا فيسلم من شدة الحسد، ويسلم غيره من شره.
وكما في الأثر: **" المؤمن يغبط، والمنافق يحسد ".** نسأل الله العافية والمعافاة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) | بيان أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ بالله من كل شر ومن بعضه خاصة والسورة مدنية على ما يظهر مما ورد في سبب نزولها. قوله تعالى { قل أعوذ برب الفلق } العوذ هو الاعتصام والتحرز من الشر بالالتجاء إلى من يدفعه، والفلق بالفتح فالسكون الشق والفرق، والفلق بفتحتين صفة مشبهة بمعنى المفعول كالقصص بمعنى المقصوص، والغالب إطلاقه على الصبح لأنه المشقوق من الظلام، وعليه فالمعنى أعوذ برب الصبح الذي يفلقه ويشقه ومناسبة هذا التعبير للعوذ من الشر الذي يستر الخير ويحجب دونه ظاهر. وقيل المراد بالفلق كل ما يفطر ويفلق عنه بالخلق والإِيجاد فإن في الخلق والإِيجاد شقاً للعدم وإخراجاً للموجود إلى الوجود فيكون مساوياً للمخلوق، وقيل هوجب في جهنم ويؤيده بعض الروايات. قوله تعالى { من شر ما خلق } أي من شر من يحمل شراً من الإِنس والجن والحيوانات وسائر ما له شر من الخلق فإن اشتمال مطلق ما خلق على الشر لا يستلزم الاستغراق. قوله تعالى { ومن شر غاسق إذا وقب } في الصحاح الغسق أول ظلمة الليل وقد غسق الليل يغسق إذا أظلم والغاسق الليل إذا غاب الشفق. انتهى، والوقوب الدخول فالمعنى ومن شر الليل إذا دخل بظلمته. ونسبة الشر إلى الليل إنما هي لكونه بظلمته يعين الشرير في شره لستره عليه فيقع فيه الشر أكثر مما يقع منه بالنهار، والإِنسان فيه أضعف منه في النهار تجاه هاجم الشر، وقيل المراد بالغاسق كل هاجم يهجم بشره كائناً ما كان. وذكر شر الليل إذا دخل بعد ذكر شر ما خلق من ذكر الخاص بعد العام لزيادة الاهتمام وقد اهتم في السورة بثلاثة من أنواع الشر خاصة هي شر الليل إذا دخل وشر سحر السحرة وشر الحاسد إذا حسد لغلبة الغفلة فيهن. قوله تعالى { ومن شر النفاثات في العقد } أي النساء الساحرات اللاتي يسحرن بالعقد على المسحور وينفثن في العقد. وخصت النساء بالذكر لأن السحر كان فيهن ومنهن أكثر من الرجال، وفي الآية تصديق لتأثير السحر في الجملة، ونظيرها قوله تعالى في قصة هاروت وماروت**{ فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله }** البقرة 102 ونظيره ما في قصة سحرة فرعون. وقيل المراد بالنفاثات في العقد النساء اللاتي يملن آراء أزواجهن إلى ما يرينه ويردنه فالعقد هو الرأي والنفث في العقد كناية عن حله، وهو بعيد. قوله تعالى { ومن شر حاسد إذا حسد } أي إذا تلبس بالحسد وعمل بما في نفسه من الحسد بترتيب الأثر عليه. وقيل الآية تشمل العائن فعين العائن نوع حسد نفساني يتحقق منه إذا عاين ما يستكثره ويتعجب منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
بحث روائي في الدر المنثور اخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم قال سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل من اليهود فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال إن رجلاً من اليهود سحرك والسحر في بئر فلان فأرسل عليّاً فجاء به فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كأنما نشط من عقال. أقول وعن كتاب طب الأئمة بإسناده إلى محمد بن سنان عن المفضل عن الصادق عليه السلام مثله وفي هذا المعنى روايات كثيرة من طرق أهل السنة باختلافات يسيرة، وفي غير واحد منها أنه أرسل مع علي عليه السلام زبيراً وعماراً وفيه روايات أُخرى أيضاً من طرق أئمة أهل البيت عليهم السلام. وما استشكل به بعضهم في مضمون الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مصوناً من تأثير السحر كيف؟ وقد قال الله تعالى**{ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً }** الفرقان 8-9. يدفعه أن مرادهم بالمسحور والمجنون بفساد العقل بالسحر وأما تأثره عن السحر بمرض يصيبه في بدنه ونحوه فلا دليل على مصونيته منه. وفي المجمع وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان كثيراً ما يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام بهاتين السورتين. وفيه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم **" انزلت عليَّ آيات لم ينزل مثلهن المعوذتان "** ، أورده في الصحيح. أقول واسندها في الدر المنثور إلى الترمذي والنسائي وغيرهما أيضاً، وروي ما في معناه أيضاً عن الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود، ولعل المراد من عدم نزول مثلهن أنهما في العوذة فقط ولا يشاركهما في ذلك غيرهما من السور. وفي الدر المنثور اخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله إنما أمر النبي أن يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. أقول ثم قال السيوطي قال البزار ولم يتابع ابن مسعود احد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وقد أثبتتا في المصحف انتهى. وفي تفسير القمي بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف. فقال كان أبي يقول إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهو هما ظ صغير من القرآن. أقول وفي هذا المعنى روايات كثيرة من طرق الفريقين على أن هناك تواتراً قطعياً من عامة المنتحلين بالإِسلام على كونهما من القرآن، وقد استشكل بعض المنكرين لاعجاز القرآن أنه لو كان معجزاً في بلاغته لم يختلف في كون السورتين من القرآن مثل ابن مسعود، وأُجيب بأن التواتر القطعي كاف في ذلك على أنه لم ينقل عنه أحد أنه قال بعدم نزولهما على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو قال بعدم كونهما معجزتين في بلاغتهما بل قال بعدم كونهما جزءاً من القرآن وهو محجوج بالتواتر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) | الفلق أصله شق الشئ عن الشئ، وفصل بعض عن بعض، والمراد به هنا الصبح، وسمى فلقا لانفلاق الليل وانشقاقه عنه، كما فى قوله - تعالى -**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** أى شاقٌّ ظلمة آخر الليل عن بياض الفجر.. ويصح أن يكون المراد به، كل ما يفلقه الله - تعالى - من مخلوقات كالأرض التى تنفلق عن النبات، والجبال التى تنفلق عن عيون الماء.. أى قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وأستجير وأعتصم، بالله - تعالى - الذى فلق الليل، فانشق عنه الصباح، والذى هو رب جميع الكائنات، ومبدع كل المخلوقات.. قل أعوذ بهذا الرب العظيم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أى من شر كل ذى شر من المخلوقات، لأنه لا عاصم من شرها إلا خالقها - عز وجل - إذ هو المالك لها، والمتصرف فى أمرها، والقابض على ناصيتها، والقادر على تبديل أحوالها، وتغيير شئونها. ثم قال - تعالى - { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } والغاسق الليل عندما يشتد ظلامه، ومنه قوله - تعالى -**{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ... }** أى إلى ظلامه. وقوله { وقب } من الوقوب، وهو الدخول، يقال وقبت الشمس إذا غابت وتوارت فى الأفق. أى وقل أعوذ به - تعالى - من شر الليل إذا اشتد ظلامه، وأسدل ستاره على كل شئ واختفى تحت جنحه ما كان ظاهرا. ومن شأن الليل عندما يكون كذلك، أن يكون مخيفا مرعبا، لأن الإِنسان لا يتبين ما استتر تحته من أعداء. ثم قال - سبحانه - { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } وأصل النفاثات جمع نفَّاثَة، وهذا اللفظ صيغة مبالغة من النَّفث، وهو النفخ مع ريق قليل يخرج من الفم. والعُقَد جمع عُقْدة من العَقْدِ الذى هو ضد الحل، وهى اسم لكل ما ربط وأحكم ربطه. والمراد بالنفاثات فى العقد النساء السواحر، اللائى يعقدن عقدا فى خيوط وينفثن عليها من أجل السحر. وجئ بصيغة التأنيث فى لفظ " النفاثات " لأن معظم السحرة كن من النساء. ويصح أن يكون النفاثات صفة للنفوس التى تفعل ذلك، فيكون هذا اللفظ شاملا للذكور والإِناث. وقيل المراد بالنفاثات فى العقد النمامون الذين يسعون بين الناس والفساد، فيقطعون بما أمر الله به أن يوصل.. وعلى ذلك تكون فى " النفاثة " للمبالغة كعلامة وفهامة، وليست للتأنيث. أى وقل - أيضا - أستجير بالله - تعالى - من شرور السحرة والنمامين، ومن كل الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون. ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }. والحاسد هو الإِنسان الذى يتمنى زوال النعمة عن غيره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والحسد حقيقة واقعة. وأثره لا شك فيه، وإلا لما أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرور الحاسدين. قال الآلوسى وقوله { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أى إذا أظهر ما فى نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر، ومبادى الأضرار بالمحسود قولا وفعلا.. وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الحسد فى أحاديث كثيرة منها قوله **" لا تباغضوا ولا تحاسدوا.. ".** ومنها قوله **" إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب ".** هذا، وقد تكلم العلماء كلاما طويلا عند تفسيرهم لقوله - تعالى - { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } عن السحر، فمنهم من ذهب إلى أنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل وتمويه.. وجمهورهم على إثباته، وأن له آثارا حقيقية، وأن الساحر قد يأتى بأشياء غير عادية، إلا أن الفاعل الحقيقى فى كل ذلك هو الله - تعالى -. وقد بسطنا القول فى هذه المسألة عند تفسيرنا لقوله - تعالى - فى سورة البقرة**{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ... }** نسأل الله - تعالى - أن يعيذنا من شرار خلقه.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ | * تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) | { ومن شر غاسق } يعني: اللَّيل { إذا وقب } دخل.
{ ومن شر النفاثات } يعني: السَّواحر تنفث { في العقد } كأنَّها تنفخ فيها بشيءٍ تقرؤه.
{ ومن شرِّ حاسد إذا حسد } يعني: لبيداً الذي سحره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة | 1- قل أعتصم برب الصبح الذى ينجلى الليل عنه.
2- من شر كل ذى شر من المخلوقات التى لا يدفع شرها إلا مالك أمرها.
3- ومن شر الليل إذا اشتد ظلامه.
4- ومن شر من يسعى بين الناس بالإفساد باستخدام السحر.
5- ومن شر حاسد يتمنى زوال النعمة عن غيره.
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) | شرح الكلمات:
أعوذ: أي أستجير وأتحصن.
الفلق: أي الصبح.
من شر ما خلق: من حيوان وجماد.
غاسق إذا وقب: أي الليل إذا أظلم أو القمر إذا غاب.
النفاثات: أي السواحر اللاتي ينفثن.
في العقد: أي في العقد التي يعقدنها.
حاسد إذا حسد: أي إذا أظهر حسده وأعمله.
معنى الآيات:
قوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أنه لما سحر لبيد بن معصم اليهودي بالمدينة النبي صلى الله عليه وسلم أنزل تعالى المعوذتين فرقاه بهما جبريل فشفاه الله تعالى ولذا فالسورتان مدنيتان وقوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي قل يا رسولنا أعوذ أي أستجير وأتحصن برب الفلق وهو الله عز وجل إذ هو فالق الإِصباح وفالق الحب والنوى ولا يقدر على ذلك إلا هو لعظيم قدرته وسعة علمه. { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي من شر ما خلق تعالى من الكائنات من حيوان مكلف كالإِنسان وغير مكلف كسائر الحيوانات ومن الجمادات أي من شر كل ذي شر منها ومن سائر المخلوقات. وقوله { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي الليل إذا أظلم والقمر إذا غاب إذ الظلام بدخول الليل أو بغياب القمر يكون مظنه خروج الحيات السامة والحيوانات المفترسة والجماعات المتلصصة للسطو والسرقة وابتغاء الشر والفساد. وقوله تعالى { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } أي وتعوذ بالله برب الفلق من شر السواحر وهن النساء اللاتي ينفثن في كل عقدة يرقين عليها ويعقدونها والنفث هي إخراج هواء من الفم بدون ريق ولذا ورد من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر. وقوله تعالى { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أي وتعوذ برب الفلق من شر حاسد أي من الناس إذا حسد أي أظهر حسده فابتغاك بضر أو أرادك بشر أو طلبك بسوء بحسده لك لأن الحسد زوال النعمة عن المحسود وسواء أرادها أو لم يردها وهو شر الحسد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- وجوب التعوذ بالله والاستعاذة بجنابه تعالى من كل مخوف لا يقدر المرء على دفعه لخفائه أو عدم القدرة عليه.
2- تحريم النفث في العقد إذ هو من السحر. والسحر كفر وحد الساحر ضربة بالسيف.
3- تحريم الحسد قطعياً وهو داء خطير حمل ابن آدم على قتل أخيه وحمل إخوة يوسف على الكيد له.
4- الغبطة ليست من الحسد لحديث الصحيح **" لا حسد إلا في اثنتين إذ المراد به الغبطة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } [آية: 1] وذلك أن لبيد بن عاصم بن مالك، ويقال: ابن أعصم اليهودي، سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في وتر، فجعله في بئر لها سبع موانى في جف طلعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يستند إليها فدب فيه السحر، واشتد عليه ثلاث ليال، حتى مرض مرضاً شديداً، وجزعت النساء، فنزلت المعوذات، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم إذ رأى كأن ملكين قد أتياه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، ثم قال أحدهما لصاحبه، ما شكواه؟ قال: أصابه طب، يقول: سحر، قال: فمن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي، قال: في أى شىء؟ قال: تنزف البئر، ثم يخرج قشر الطلعة فيحرقه، ثم يحل العقد، كل عقدة بأية من المعوذتين، فذلك شفاؤه، فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وجه على بن أبي طالب، عليه السلام، إلى البئر، فاستخرج السحر وجاء به فأحرق ذلك القشر، ويقال: إن جبريل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمكان السحر وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: حل عقدة واقرأ آية، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فجعل يذهب عنه ما كان يجد حتى برأ وانتشر للنساء.
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } يعني برب الخلق { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } [آية: 2] من الجن والإنس { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ } يعني ظلمة الليل { إِذَا وَقَبَ } [آية: 3] يعني إذا دخلت ظلمة الليل في ضوء النهار، إذا غابت الشمس فاختلط الظلام، { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } [آية: 4] يعني السحر وآلاته، يعني الرقية التي هي لله معصية، يعني به ما تنفثن من الرقي في العقدة، والآخذة، يعني به السحر فهن الساحرات المهيجات الأخاذت { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [آية: 5] يعني اليهود حين حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقال له جبريل، عليه السلام: ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون؟ قال: يا جبريل، ما هو؟ قال: المعوذتان، { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم: **" قيل لي، فقلت لكم، فقولوا كما أقول "** ، قال: وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما في المكتوبة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) | أعوذ: أَلجأ، وأعتصم. الفلَق: ضوء الصبح والخَلْق. الغاسق: الليل اذا اشتدّت ظُلمتُه. النفّاثات: الساحرات، واحدها نفّاثَة، وهي التي تنفُثُ بِرِيقِها على عُقَدِ الخِيطان لتسحَر. الحاسد: الذي يتمنى زوالَ النعمة عن الغير.
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }
قل يا محمد: إني أَعتصِمُ بربّ الصُّبح الذي ينجَلي عنه الظلام.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }
من شرِّ كل مؤذٍ من جميع المخلوقات، فلا يدفعُ شرَّها الا مالكُ أمرِها.
{ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }
ومن شرِّ الليلِ إذا أظلمَ واشتدّ ظلامه. وقد أمرَنا الله ان نتعوّذ من شرِّ الليل لأنّه فيه تحدُث معظم الجرائم، ففي ظلامه سَتر لكلّ مجرِم، وفيه تخرج السِّباع من آجامها، والهوامُ من أَمكنتها.
{ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }
ومن شر كلّ من يسعَى بين الناس بالإفساد، ومنهم تلك السواحِرُ اللاتي يَنْفُثْن في العُقَد لضررِ عبادِ الله، وليفرّقنَ بين المرءِ وزوجه.
وهناك رواياتٌ في سبب نزول هذه السورة والّتي تَليها تذكُر ان النبيّ صلى الله عليه وسلم سَحَرَه يهوديٌّ اسمه لَبيد بن الأعصم. فنزلت المعوِّذتان وزال السِّحر عندما قرأهما الرسول الكريم. ومع أن بعض هذه الروايات في الصحيح ولكنها مخالِفَة للعقيدة، وتناقض العِصمةَ التي أُعطيت للرسول بقوله تعالى:**{ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ }** [المائدة: 67]. والواقع أنّ هاتين السورتين مكيّتان، وفي ذلك ما يُوهِنُ صحة الروايات.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }
ونعوذُ بالله تعالى من شرِّ الحاسدِ الذي يتمنَّى زوالَ النعمة عن غيره، والحسدُ خلُق مذموم **" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسدُ يأكل الحسناتِ كما تأكل النارُ الحطب ".** والحسد أول معصية عُصِيَ اللهُ بها في السماء وفي الأرض، فَحَسَدَ ابليسُ آدمَ، وحسد قابيلُ أخاه هابيل فقتَله.
والحاسد يضرّ نفسَه ثلاث مضرّات:
أحداها اكتسابُ الذنوب، لأن الحسدَ حرام.
الثانية: سوءُ الأدبِ مع الله تعالى، فإن حقيقةَ الحسد كراهيةُ إِنعام الله على عبده، واعتراضٌ على الله.
الثالثة: تألُّم قلبِ الحاسِد من كثرةِ همِّه وغمِّه.
| **كلُّ العداوة قد تُرجَى إزالتها** | | **إلا عداوةُ من عاداكَ من حسَد** |
| --- | --- | --- |
وخلاصة معنى السورة الكريمة: إن الله تعالى طلبَ من الرسول الكريم أن يلجأَ الى ربّه، ويعتصمَ به من شرِّ كل مؤذٍ من مخلوقاته، ومن شرِّ الليل إذا أظلمَ لما يصيب النفوسَ فيه من الوحشة، ولما يتعذَّر من دَفع ضرره. ومن شرِّ المفسِدات الساعيات في حَلِّ ما بينَ الناسِ من روابطَ وصِلات، ومن شرِّ الحاسدين الذين يتمنّون زوالَ ما أسبغَ الله على عباده من النعم.
اللهم اجعلْنا من المحسُودين لا من الحاسِدين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) | (5) - وَاسْتَعِذْ بِرَبِّكَ مِنْ شَرِّ الحَاسِدِ الذِي أَنْفَذَ حَسَدَهُ بِالسَّعْيِ وَالجِدِّ فِي إِزَالَةِ نِعْمَةِ مَنْ يَحْسُدُهُ، فَهُوَ يُعْمِلُ الحِيلَةَ، وَيَنْصُبُ الشِّبَاكَ لإِيقَاعِ المَحْسُودِ فِي الضَّرَّرِ، فَهُوَ لاَ يَرْضَى إِلاَّ بِزَوَالِ النِّعْمَةِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } قال ابن عباس: هو سجن في جهنم، وحدّثنا يعقوب عن هشيم قال: أخبرنا العوام عن عبد الجبار الخولاني قال: قدم رجل من أصحاب النبي عليه السلام الشام فنظر الى دور أهل الذمة وما فيها من العيش والنضارة، وما وسع عليهم في دنياهم فقال: لا أُبالي، أليس من ورائهم الفلق؟ قال: قيل: وما الفلق؟ قال: بيت إذا انفتح صاح جميع أهل النار من شدَّة حرَّه.
وقال أبو عبد الرحمن الحبلي: الفلق هي جهنم، وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد ابن جبير ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد: الفلق: الصبح، وإليه ذهب ابن عباس، ودليل هذا التأويل قوله تعالى:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96].
الضحّاك والوالبي عن ابن عباس: معنى الفلق: الخلق. وهب: هو باب في جهنم.
الكلبي: هو واد في جهنم، وقال عبد الله بن عمرو: شجرة في النار، وقيل: الفلق الجبال والصخور تنفلق بالمياه أي تتشقق، وقيل: هو الرحم تنفلق عن الحيوان، وقيل: الحبَّ والنوى تنفلق عن التراب، دليله قوله سبحانه وتعالى:**{ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام: 95] والأصل فيه الشق.
وقال محمد بن علي الترمذي في هذه: كشف الله تعالى على قلوب خواص عباده فقذف النور فيها، فانفلق الحجاب وانكشف الغطاء.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ \* وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو برزة أو أحد بني شريك البزار قال: حدّثنا آدم بن أبي أياس قال: حدّثنا ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن **" عن عائشة قالت: أخذ رسول الله عليه السلام بيدي فأشار الى القمر فقال: " يا عائشة استعيذي بالله من شرِّ هذا؛ فإنّ هذا الغاسق إذا وقب ".** وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا عبد الرحمن بن خرزاد البصري بمكة قال: حدّثنا نصر بن علي قال: حدّثنا بكار بن عبد الله قال: حدّثنا ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة **" عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال: النجم إذا طلع ".** وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والقرظي والفرّاء وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجّاج: الليل.
قال ابن زيد: يعني والثريا إذ سقطت، قال: وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها، وأصل الغسق الظلمة والوقوف [....] إذا دخل وقال: أمان سكن نظلامه.
وقيل: سُمّي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد، والغسق: البرد.
{ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } يعني الساحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها، والنفث: وشبه النفخ كما يعمل من يرقي. قال عنترة:
| **فإن يبرأ فلم أنفث عليه** | | **وإنَّ يفقد محقّ له العقود** |
| --- | --- | --- |
وقرأ عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن سابط: من شرِّ النافثات في وزن: فاعلات.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قال الحسين بن الفضل: إنَّ الله جمع الشرور في هذه الآية وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسّ الطبائع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) | اللغَة: { ٱلْفَلَقِ } الفَلَق: الصبح تقول العرب: هو أبين من فلق الصبح، والفِلْق بالكسر الداهية والأمر العجب، وأصله من فلقتُ الشيء أي شققته، فكل ما انفلق من شيء من حيوان، وحب، ونوى فهو فلق، ومنه " فالق الإِصباح " قال ذو الرمة: " حتى إِذا ما انجلى عن وجهه فلق " أي انجلى الصبح عن وجهه { غَاسِقٍ } الغاسق: الليل إِذا اشتد ظلامه، والغسق أول ظلمة غسق الليل يقال: غسق الليل أي أظلم قال الشاعر:
| **إِنَّ هذا الليل قد غسقا** | | **واشتكيتُ الهمَّ والأرقا** |
| --- | --- | --- |
{ وَقَبَ } دخل بظلامه، والوقوب: الدخول { ٱلنَّفَّاثَاتِ } النفث: شبه النفخ دون تفلٍ بالريق، فإِذا كان معه ريق فهو التفل قال عنترة:
| **فإِنْ يبرأ فلم أنفث عليه** | | **وإِن يُفْقد فحُقَّ له الفُقود** |
| --- | --- | --- |
التفسِير: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي قل يا محمد ألتجىء وأعتصم برب الصبح الذي ينفلق عنه الليل، وينجلي عنه الظلام قال ابن عباس: { ٱلْفَلَقِ } الصبحُ كقوله تعالى**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96] وفي أمثال العرب: هو أبينُ من فلق الصبح قال المفسرون: سبب تخصيص الصبح بالتعوذ أن انبثاق نور الصبح بعد شدة الظلمة، كالمثل لمجيء الفرج بعد الشدة، فكما أن الإِنسان يكون منتظراً لطلوع الصباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي من شر جميع المخلوقات من الإِنس، والجن، والدواب، والهوام، ومن شر كل مؤذٍ خلقه الله تعالى { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي ومن شر الليل إِذا أظلم واشتد ظلامه، فإِن ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإِنس والجن ولهذا قالوا في المثل " الليلُ أخفى للويل " قال الرازي: وإِنما أُمر أن يتعوذ من شر الليل، لأن في الليل تخرج السباع من آجامها، والهوام من مكانها، ويهجم السارقُ والمكابر، ويقع الحريق، ويقل فيه الغوث { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } أي ومن شر السواحر اللواتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن - أي ينفخن - فيها ليضروا عباد الله بسحرهن، ويفرقوا بين الرجل وزوجه**{ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }** [البقرة:102] قال في البحر: وسبب نزول المعوذتين قصة " لبيد بن الأعصم " الذي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشطٍ ومشاطة وجف - قشر الطلع - طلعةٍ ذكر، ووترٍ معقود فيه إِحدى عشرة عقدة، مغروزٍ بالإِبر، فأنزلت عليه المعوذتان، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد في نفسه خفه صلى الله عليه وسلم حتى انحلت العقدة الأخيرة فقام فكأنما نشط من عقال { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أي ومن شر الحاسد الذي يتمنى زوال النعمة عن غيره، ولا يرضى بما قسمه الله تعالى له.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- الجناس الناقص بين { فَلَقِ } و { خَلَقَ }.
2- الإِطناب بتكرار الاسم { شَرِّ } مراتٍ في السورة { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ } { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ } الخ تنبيهاً على شناعة هذه الأوصاف.
3- ذكر الخاص بعد العام للاعتناء بالذكور { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } فإِنه عموم يدخل تحته شر الغاسق، وشر النفاثات، وشر الحاسد.
4- جناس الاشتقاق بين { حَاسِدٍ } و { حَسَدَ }.
5- توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) | قال ابن عباس { ٱلْفَلَقِ }: الصبح، وقال ابن جرير: وهي كقوله تعالى:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96]، وقال ابن عباس: { ٱلْفَلَقِ } الخلق، أمر الله نبيّه أن يتعوذ من الخلق كله، وقال كعب الأحبار: { ٱلْفَلَقِ } بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، قال ابن جرير: والصواب القول، إنه فلق الصبح، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري رحمه الله تعالى، { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي من شر جميع المخلوقات، قال الحسن البصري: جهنم وإبليس وذريته مما خلق، { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال مجاهد { غَاسِقٍ } الليل { إِذَا وَقَبَ } غروب الشمس، وقال الحسن وقتادة: إنه الليل إذا أقبل بظلامه، وقال الزهري: الشمس إذا غربت، وعن عطية وقتادة: { إِذَا وَقَبَ } الليل إذا ذهب، وقال أبو هريرة { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الكوكب، قال ابن جرير، وقال آخرون: هو القمر، قالت عائشة رضي الله عنها: **" أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني القمر حين طلع، وقال: " تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب " "** ، ولفظ النسائي: **" تعوذي بالله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب "** ، قال الأولون: هذا لا ينافي قولنا، لأن القمر آية الليل، ولا يوجد له سلطان إلاّ فيه، وكذلك النجوم لا تضيء إلاّ بالليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم.
وقوله تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } قال مجاهد وعكرمة: يعني السواحر، قال مجاهد: إذا رقين ونفثن في العقد، وفي الحديث: **" أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتكيت يا محمد؟ فقال: " نعم " ، فقال: باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك "** ولعل هذا كان من شكواه صلى الله عليه وسلم حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رؤوسهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم. روى البخاري في كتاب الطب من " صحيحه " ، عن عائشة قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن. قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال: " يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عن رجليَّ، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال (لبيد بن أعصم) رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقاً، قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر، تحت راعوفة في بئر ذروان، قالت: فأتى البئر حتى استخرجه، فقال: " هذه بئر التي أُريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين " ، قال: فاستخرج، فقلت: أفلا تنشَّرت؟ فقال: " أما الله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وروى الثعلبي في " تفسيره " ، قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما: **" كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدبت إليه اليهود. فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له (ابن أعصم) ثم دسها في بئر لبني زريق، يقال له ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتثر شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب، ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طبَّ، قال: وما طب؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان، والجف قشر الطلع، والراعوفة حجر في أسفل البئر ناتىء يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم: مذعوراً، وقال: " يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي " ، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر، كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله السورتين، فجعل كلما قرآ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين، الله يشفيك، فقالوا: يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن يثير على الناس شراً " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } تقدم معنى أعوذ في التعوذ ومعنى رب في اللغات والفاتحة، وفي الفلق ثلاثة أقوال: الأول: أنه الصبح ومنه فالق الإصباح قال الزمخشري: هو فعل بمعنى مفعول، الثاني: أنه كل ما يفلقه الله كفلق الأرض عن النبات والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد والحب والنوى وغير ذلك، الثالث: أنه جُبٌ في جهنم. وقد رُوي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } هذا عموم في جميع المخلوقات وشرهم على أنواع كثيرة، أعاذنا الله منها. وما هنا موصولة أو موصوفة أو مصدرية { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } فيه سبعة أقوال، الأول: أنه الليل إذا أظلم ومنه قوله تعالى:**{ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ }** [الإسراء: 78] وهذا قول الأكثرين، وذلك ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإنس والجن، ولذلك قال في المثل: الليل أخفى للويل. الثاني: أنه القمر. خرَّج النسائي **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى القمر فقال: يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب "** ووقوبه هذا كسوفه، لأن وقب في كلام العرب يكون بمعنى الظلمة والسواد وبمعنى الدخول فالمعنى إذا دخل في الكسوف أو إذا أظلم به. الثالث: أنه الشمس إذا غربت والوقوب على هذا المعنى الظلمة أو الدخول. الرابع: أن الغاسق النهار إذا دخل في الليل، وهذا قريب من الذي قبله، الخامس: أن الغاسق سقوط الثريا وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: النجم هو الغاسق فيحتمل أن يريد الثريا السادس: قال الزمخشري: يجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه السابع: أنه إبليس حكى ذلك السهيلي { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } النفث شبه النفخ دون تفل وريق قاله ابن عطية، وقال الزمخشري: هو النفخ مع ريق وهذا النفث ضرب من السحر وهو: أن ينفث على عقد تعقد في خيط أو نحوه على اسم مسحور فيضره ذلك، وحكى ابن عطية أنه حدثه ثقة أنه رأى عند بعض الناس بصحراء المغرب خيطاً أحمر قد عقدت فيه عقد على فُصْلان وهي أولاد الإبل فمنعها بذلك من رضاع أمهاتها، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه فرضع في الحين قال الزمخشري: إن في الاستعاذة من النفاثات ثلاثة أوجه: أحدها: أن يستعاذ من مثل عملهن وهو السحر، من ائتمن في ذلك. والثاني: أن يستعاذ من خداعهن للناس وفتنتهن والثالث: أن يستعاذ مما يصيب من الشر عند نفثهن. والنفاثات بناء مبالغة والموصوف محذوف تقديره: النساء النفاثات، والجماعة النفاثات، أو النفوس النفاثات، والأول أصح لأنه روي أنه إشارة إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي، وكنَّ ساحرات سحرن هن وأبوهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقدن له إحدى عشر عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشر آية بعدد العقد وشفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن قيل: لم عرّف النفاثات بالألف واللام ونكر ما قبله وهو غاسق وما بعده وهو حاسد مع أن الجميع مستعاذ منه؟ فالجواب: أنه عرف النفاثات ليفيد العموم لأنه كل نفاثة شريرة بخلاف الغاسق والحاسد فإن شرهما في بعض دون البعض.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الحسد خُلُق مذموم طبعاً وشرعاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب "** وقال بعض العلماء: الحسد أول معصية عُصِيَ الله بها في السماء والأرض أما في السماء فحسد إبليس لآدم وأما في الأرض فقتل قابيل لأخيه هابيل بسبب الحسد، ثم إن الحسد على درجات. الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن أخيه المسلم وإن كانت لا تنتقل إليه بل يكره إنعام الله على غيره ويتألم به. الثانية: أن يحب زوال تلك النعمة لرغبته فيها وجاء انتقالها إليه. الثالثة: أن يتمنى لنفسه مثل تلك النعمة من غير أن يحب زوالها عن غيره وهذا جائز وليس بحسد وإنما هو غبطة. والحاسد يضر نفسه ثلاث مضرات: أحدها: اكتساب الذنوب لأن الحسد حرام. الثانية: سوء الأدب مع الله تعالى، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على عبده واعتراض على الله في فعله. الثالثة: تألم قلبه من كثرة همه وغمه. فنرغب إلى الله أن يجعلنا محسودين لا حاسدين، فإن المحسود في نعمة والحاسد في كرب ونقمة، والله در القائل:
| **وإني لأرحم حسَّادي لفرط ما** | | **ضمَّت صدورهمُ من الأوغار** |
| --- | --- | --- |
| **نظروا صنيع الله بي فعيونهم** | | **في جنة وقلوبهم في نار** |
وقال آخر:
| **إن يحسدوني فإني غيرُ لائمهم** | | **قبلي من الناس أهلَ الفضل قد حسدوا** |
| --- | --- | --- |
| **فدام لي ولهم ما بي وما بِهمُ** | | **وماتَ أكثرنا غيظاً بما يجدُ** |
ثم إن الحسود لا تزال عداوته ولا تنفع مداراته وهو ظالم يشاكي كأنه مظلوم، ولقد صدق القائل:
| **كل العداوة قد ترجى إزالتها** | | **إلا عداوة من عاداك من حسد** |
| --- | --- | --- |
وقال حكيم الشعراء:
| **وأظلم خلق الله من بات حاسداً** | | **لمن بات في نعمائه يتقلب** |
| --- | --- | --- |
قال ابن عطية: قال بعض الحذاق: هذه السورة خمس آيات وهي مراد الناس بقولهم للحاسد الذي يخاف منه العين: الخمسة على عينك، فإن قيل: إذا وقب، وإذا حسد فقيد بإذا التي تقتضي تخصيص بعض الأوقات؟ فالجواب: أن شر الحاسد ومضرته إنما تقع إذا أمضى حسده، فحيئنذ يضر بقوله أو بفعله أو بإصابته بالعين، فإن عين الحسود قاتلة. وأما إذا لم يمض حسده ولم يتصرف بمقتضاه فشره ضعيف ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة فمخرجه من الحسد أن لا يبقى ومخرجه من الظن أن لا يحقق ومخرجه من الطيرة ألا يرجع، فلهذا خصه بقوله إذا وقب، فإن قيل: إن قوله من شر ما خلق عموم يدخل تحته كل ما ذكر بعده فلأي شيء ذكر ما بعده؟ فالجواب: أن هذا من التجريد للاعتناء بالمذكور بعد العموم، ولقد تأكد ما ذكر في هذه السورة بعد العموم بسبب السحر الذي سحر اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة حسدهم له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير غريب القرآن / زيد بن علي (ت 120 هـ) | وقوله تعالى: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } معناه من نَفسِ الحَاسدِ وعَينِهِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) | { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } هذه السورة مكية وسبب نزولها المعوذتين قصة لبيد وما حكي عنه ولما شرح أمر الإِلٰهية في السورة قبلها شرحا يستعاذ منه بالله من الشر الذي في العالم ومراتب مخلوقاته، و { ٱلْفَلَقِ } الصبح قاله ابن عباس.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشىء من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد كالإِحراق بالنار والإِغراق بالبحر والقتل باسم والـ { غَاسِقٍ } الليل و { وَقَبَ } أظلم ودخل على الناس قاله ابن عباس و { ٱلنَّفَّاثَاتِ } النساء السواحر يعقدون عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين والإِستعاذة من شرهن هو ما يصيب الله به من الشر عند فعلهن ذلك وقيد الغاسق والحاسد بالظرف لأنه إذا لم يدخل الليل لا يكون شر منسوب إلي والحاسد لا يؤثر حسده إلا إذا أظهره بأن يحتال للمحسود فيما يؤذيه أما إذا لم يظهر الحسد فما يتأذى به إلا الحاسد لاغتمامه بنعمة غيره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) | معناهُ: إن الحاسدَ يستعظمُ نعمةَ صاحبهِ ويريدُ زوالَها، فيحملهُ ذلك على الظُّلم والبغي والاحتيالِ بكلِّ ما يقدرُ عليه لإزالةِ تلك النعمةِ عنه. والحسَدُ في اللغة بمعنى زَوَالِ النِّعمةِ عن صاحبها لِمَا يدخلُ على النفسِ من المشقَّة بها.
ويقالُ: معناهُ: التلهُّف على جودِ الله تعالى، وهذا هو الحسدُ المذموم، وأما إذا تَمنَى لنفسهِ نعمةً من اللهِ تعالى مثلَ نعمةِ صاحبهِ من غيرِ أنْ يتمنَّى زوالَها عنه، فذلك يكونُ غِبْطَةً، ولا يكون حَسَداً.
وذهبَ بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ المرادَ بهذه الآيةِ: استعاذةٌ من شرِّ عينِ الحاسد، واستدلَّ على ذلك بما رُوي: **" أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ عَائِشَةَ أنْ تَسْتَرْقِى مِنَ الْعَيْنِ "** ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَائِنِ عِنْدَ إعْجَابهِ بمَا يَرَاهُ أنْْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إلاَّ بالله، كما رُوى أنسٍ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: **" مَنْ رَأى شَيْئاً يُعْجِبُهُ فَقَالَ: اللهُ اللهُ! مَا شَاءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ، لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ ".** وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: **" الْعَيْنُ حَقٌّ، فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإذا اسْتَغْسَلْتُمْ فَاغْسِلُوا ".** وإنما خُتمت السورةُ بالحسدِ، ليُعلَمَ أنه أخَسُّ من الأشياءِ التي قبلَهُ، وهو أخسُّ الطبائعِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } إلى آخرها.
(قال زر: سألت أُبي بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: قيل لي فقلت فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقاله ابن مسعود بمثله. ومعنى ذلك - والله أعلم - أنهما سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن إثبات " قل " في أولهما، فقال النبي عليه السلام: قيل: لي: " قُلْ أَعوذُ " ، فقلت: [أي]: قيل لي: اقرأ { قُلْ أَعُوذُ } فقرأها، بإثبات " قل " على أنها أمر به. وكأنه كان يقال في غير هذه السور الثلاث: " قل ألَم نشرَحْ " ، " قُل إنّا أنزَلناهُ ".
وقيل في هذه الثلاثة: اقرأ: { قُلْ أَعُوذُ } ، اقرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ } ، هذا بإثبات " قل " في ذلك، وقال أبي بن كعب وابن مسعود: فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعنى: اقرأ - يا محمد - { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }.
قال ابن عباس: " الفلق: سجن في جهنم ". قال بعض الصحابة: الفلق بيت في جهنم، إذا فتح هرب أهل النار، [كذا في كتاب عبد بن حميد]. وذكر ابن وهب أن كعباً قال: الفلق بيت في جهنم إذا (فتح) صاح جميع أهل النار من شدة حره أعاذنا الله منها.
وقال السدي: الفلق جب " في جهنم ". وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال): **" الفلق جب في جهنم مغطى ".** وقال أبو عبد الرحمن [الحبلي]: هو جهنم.
وقال ابن عباس والحسن وابن جبير ومحمد بن كعب ومجاهد وقتادة وابن زيد: هو فلق النهار، يريدون فلق الصبح، وعن ابن جبير [أيضاً] أنه جب في النار.
والعرب تقول: هو أبين من فلق الصبح، ومن [فرق] الصبح يعنون الفجر، ويقولون لكل شيء أضاء من الأرض: فلق.
وعن ابن عباس أيضاً: الفلق: [الخلق].
وقوله: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } ، أي: من شر كل ذي شر، أمر الله نبيه أن يتعوذ من شر (كل) ذي شر، لأن ما سواه - تعالى ذكره - مخلوق.
ثم قال تعالى ذكره: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }.
قال ابن عباس والحسن: الغاسق [الليل إذا أظلم].
وقال محمد بن كعب { غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } " النهار إذا دخل [في الليل].
وقال مجاهد: هو الليل [: إذا أظلم، وقال أيضاً]: إذا دخل.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: هو " كوكب ".
وقال ابن زيد: كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطاعون يكثران عند سقوطهما ويرتفعان عند طلوعها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" النجم هو الغاسق ".** وقالت عائشة رضي الله عنها: **" أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم نظر إلى القمر فقال: يا عائشة، تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب، (هذا غاسق إذا وقب) "** وقال الزهري: الغاسق إذا وقب: " الشمس إذا غربت ".
والمعروف في كلام العرب: وَقَبَ بمعنى دخَلَ.
ويقال: غَسَقَ: إذا أظلمَ، فالليل إذا دخل في ظلامه غاسقٌ، وكذا القمرُ إذا دخلَ في المَغيبِ للكسوف وغيره، وكذا النجم، [فالاستعاذة] عامة من [كل] هذا، فهو الظاهر.
ويقال: غَسَقَ إذَا أظلَمَ.
وقال القتبي: { إِذَا وَقَبَ }: هو القمر إذا دخلَ في ساهُوِرِهِ، وهو كالغلاف له، وذلك إذا خسف. وكلّ شيء أسْوَدُ فهو غَسَقٌ.
قال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة: الغاسق الليل.
قال الحسن: { إِذَا وَقَبَ }: إذا دخل على الناس.
قال عكرمة: تجلى فيه عفاريت الجنّ.
ثم قال تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }.
أي: من شرّ السواحر [اللاتي] ينفثن في الخيط حين [يَرْقِينَ] عليها.
قال ابن عباس: هو (ما) خلط السحر من الرُّقَى.
قال مجاهد: هو " الرُّقى فِي عُقَدِ الخَيْطِ ".
وقال مجاهد: هو نَفْثُ " السواحرِ في العقد ".
ويقال: إنهنّ نساء كنّ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سواحر، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منهنّ، لأنهنّ يوهمن / أنهم [ينفعن] أو [يضرّن]، فربما لحق الإنسانَ في دينه مأثم. ويروى أنّ النبيَّ لمّا سُحِرَ عُقِدَت لهُ إحدَى عشْرة عُقْدَةً، فأَنزَلَ الله جلَّ ذكرُه إحدى [عَشْرَةَ] آيةً بِعَدَدِ العُقَدِ، وهي المَعُوذَتَانِ.
والنَّفْثُ يكونُ بالفَمِ [شَبيهٌ] بالنَّفْخِ، والتَّفْلُ لا يَكُونُ إلاّ معَ الرِّيقِ.
ثم قال: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }.
قال قتادة: معناه: " من شرِّ عَيْنِهِ وَنَفْسِهِ ".
وقال ابن زيد: أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ [يَسْتَعِيذَ] مِنْ شَرِّ اليَهُودِ الّذينَ حَسَدُوهُ، لَمْ يَمْنَعُهُم أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ إلاَّ [حسَدُهُم].
وقيل: هو لَبيدُ بنُ الأَعْصَمِ وبَناتِهِ منَ السَّواحِرِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) | قوله - عز وجل -: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }:
قال الفقيه - رحمه الله -: الأمر بالتعوذ به يحتمل وجوها ثلاثة:
أحدها: على التعليم، لا لنازلة كانت في ذلك الوقت؛ لكن لما علم الله - تعالى - من عظيم شر من ذكر بما يظن بالأغلب أن شر ما ذكر يتصل بالذي ذكر في علم الله تعالى؛ فأمرهم بالتعوذ به، كما أخبر في أمر الشيطان: أنه عدو لهم، وأنه يراهم من حيث لا يرونه؛ ليكونوا أبدا معدين متيقظين فزعين إلى الله - تعالى - معتصمين، وهذا أحق في التعليم من الذي ذكر في سورة الناس؛ لأنه أضر من ذلك العدو؛ لأن ضرره إنما يتصل به بإتيانه ما دعاه إليه الشيطان، وما يوسوس في صدره الوسواس، وذلك فعله يمكنه الامتناع عنه، وهذا الضرر يقع بفعل غيره من وجه لا يعلم مأتاه - أعني: شر النفاثات ونحو ذلك - فهو أحق في تعليم العباد فيه، والأمر بالفزع إلى من بلطفه جعل ذلك الفعل ممن ذكرنا معمولا فيه مؤثرا.
والثاني: ما قيل: **" نزل جبريل - عليه السلام - على رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال]: " إن عفريتا من الجن يكيدك؛ فتعوذ بأعوذ برب الفلق، وبرب الناس من شره إذا أويت إلى الفراش ".** والثالث: قيل: إن واحدا من اليهود سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل هذا.
قال أبو بكر الأصم: ذكروا في [هذه السورة] حديثا فيه ما لا يجوز؛ فتركته.
قال الفقيه - رحمه الله -: ولكن عندنا فيما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر - وجهان في إثبات [رسالته ونبوته].
أحدهما: بما أعلمه بالوحي أنه سحر، وذلك فعل فعلوه سرا منه، ولا وقوف لأحد على الغيب إلا بالوحي.
والثاني: بما أبطل عمل السحر بتلاوة القرآن؛ فيصير لتلاوته في إبطال عمل السحر ما لعصا موسى - عليه السلام - وأن هذا في كونه آية أعظم مما فعل موسى عليه السلام؛ لأن ذلك يتنوع بتنوع ما له الفعل والعمل من حيث الجوهر والطبع من حيث مرأى العين؛ فإنه ثعبان يلقف ما صنعوا. فأما إبطال السحر وعمله بتلاوة القرآن لا يكون إلا باللطف من الله تعالى، والله أعلم.
ثم الأصل في هذا عندنا: أنه قد ثبت الأمر بالتعوذ بقوله: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، وقد بينا حق الاشتراك فيما يتضمن هذا الأمر إن كان على نازلة في واحد، أو على ابتداء التعليم، فهو أمر فيه رجاء للفرج والمخرج من الأمور الضارة بما يعتصم فيها بالله - تعالى - بما عنده من اللطائف؛ فجائز تمكينه من أمور ضارة باللطف من حيث لا يعلم البشر مأتاه، ولعل الذي يعمل به لا يعلم حقيقة ذلك العمل الذي جعل الله لذلك العمل إلا بما سبق من وقوع ذلك، وقد يجوز الأمر والنهي بأشياء بعينها من الأفعال؛ لمكان ما يتولد عنها من المنافع والمضار باللطف من حيث لا فعل في حقيقة ذلك للخلق؛ وإنما ذلك لطف من الله - تعالى - نحو ما نهى عن أكل أشياء، وأمر بها، مما بها الاعتداء والقتل، من غير أن نعلم حقيقة وصول ذلك إلى ما يعدو أو يقتل وأي حكمة في ذلك ومعنى له؟.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وكذلك الموضوع من المناكح لطلب الولد وسقي الأشجار [والزروع بما يحدث الله فيها، وإن كان وجه العمل بالمأمور به، والمنهي عنه، وحقيقته بغير الذي له ذلك. وعلى ذلك الأمر بالاستماع]، والنظر لما يلقى إليه ويراه، وإن لم يكن حقيقة الإدراك فعله.
وعلى ذلك التقدير جائز أن يكون الله - تعالى - يجعل النفث بالعزائم، أو بأنواع السحر، أو بأنواع الرقى - أعمالا في المقصود بها من النفع والضر، لا يعلم حقيقة الوقوع والمعنى الموضوع فيه له من فيه ذلك الفعل، وهو به مأمور، وعنه منهي؛ بما له من حقيقة الفعل، وإن لم يكن النافع به في حقيقة فعله.
ثم قوله - عز وجل -: { ٱلْفَلَقِ } اختلفوا فيه:
قال بعضهم: الصبح.
وقيل: كل شيء ينفلق من جميع ما خلق، نحو الأرحام؛ ليتعرف ما فيها، والحب، والنوى، والهوام، وكل شيء.
فمن ذهب إلى تخصيص الصبح؛ فهو لأنه آخر الليل، وأول النهار، وقد جرى تدبير الله - تعالى - في إنشاء هذين الوقتين على جميع العالم، بحيث لا يملك أحد الامتناع عن حكمهما فيما جعل لهما، وهما النهاية في العلم بعلم الله - تعالى - الغيب؛ إذ جرى من تدبيره في أمر الأوقات في الليل والنهار على حد واحد كل عام، بما فيهما من الرحمة للخلق وأنواع المحنة، ومَنَّ عليهما بما يأتيان الخلق ويذهبان؛ فكأنما ذكر جميع الخلق على ما ذكر في تأويل قوله - تعالى -:**{ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }** [الناس: 1]؛ فيكون فيه لو [قصد بالذكر] ما في كل ذلك، ولا قوة إلا بالله.
وقوله - عز وجل -: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } ، له وجهان:
أحدهما: من شر خلقه؛ لما أضاف إلى فعله؛ كما يقال: " من شر فعل فلان " ، أي: من شر [ما] يفعله.
ويحتمل من شر يكون من خلقه، لكن الإضافة إليه بما هو خالق كل شيء من فعل خلقه، ومن خلق ما له الفعل ولا فعل.
والأول كأنه أقرب؛ لما ذكر في بقية السورة [من] الواقع بخلقه المكتسب من جهتهم، وأضيف إليه، لما [بينا، ولأن] كل شر اكتسبه الخلق فذلك منسوب إلى الله - تعالى - خلقا، وهو فعل المكتسب وكسبه، فمتى كان المراد من قوله - تعالى -: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } هذا النوع؛ فكأن ذكر ما بعده يكون تكريرا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وإذا حمل الأول على محض التخليق فيما لا صنع للخلق فيه من الشرور، كان ذكر ما لهم صنع فيه - وإن كان بخلق الله تعالى، لا يكون تكريرا - فيكون هذا التأويل أحق، مع ما قد بينا أنه يمنع في فعل غيره بلطف، [أو إعجاز، وفي الإعجاز لا يحتمل التعوذ من شر من لا يقدر على فعل يتصل به الشر، وفي ذلك إثبات التمكين لما يقع به الشر؛ فيجوز] التعوذ من الذي منه أذية تكون من غيره، على ما بينا من جواز الأمر والنهي عن أفعال لمكان ما يقع بها، وإن لم يكن الواقع في الحقيقة لهم؛ فعلى ذلك التعوذ من شر خلقه، وهو التمكين [والله الموفق والمعين].
وفي هذا تعلق بعض من يقول [بأن القوة] تسبق الفعل: أنه لو لم يكن له قوة على الشر كيف كان يتعوذ من شر من لا يقوى عليه؟.
والجواب من وجهين:
أحدهما: أن التعوذ يكون بما سيفعل بما يملك هو ما يقع لديه الفعل، وهو الآلات السليمة والقدر تحدث تباعاً على حدوث الأفعال، وتحدث لما يختار هو؛ فصارت القدرة في كونها لما يختار؛ ككون ما يختار من الفعل بالاختيار بحدوث القدرة حالة الفعل؛ فيتعوذ منه؛ لعلمه أن الذي به كأنه في يده.
والثاني: أن قد جرت العادة بالعلم بما يقع في المتعارف: كالعلم بما هو واقع في الرغبة والرهبة؛ ألا ترى أنه يتعوذ من ظلم الجبابرة والظلمة، على ما بينهم من بعد الأمكنة وطول المدد؛ لإمكان الوصول بما اعتيد منهم بلوغ أمثال ذلك، وإن كانت القدرة على الظلم في حقه للحال معدومة، لا تبقى في مثل هذه المدة؛ فعلى ذلك الأمر الأول:
وقوله - عز وجل -: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ، اختلف فيه:
قيل: الغاسق: هو الليل المظلم: والغسق الظلمة.
وقيل: سمي الليل: غاسقا؛ لأن الغاسق: البارد، قال الله تعالى:**{ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً \* إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً \* جَزَآءً وِفَاقاً }** [النبأ: 24-26]، والليل أبرد من النهار؛ لذلك سمي: غاسقا.
والأصل في هذا: أن الذي ذكر لا يكون منه ضرر يتعوذ منه، لكنه يرجع إلى من كان في ظلمة الليل، أو في نور القمر من الذي يأتي منه المضار، ومعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلمة الليل، ومنها في الليالي لا يمكن إلا بنور القمر؛ فأمر بالتعوذ مما يكون فيها، لا أن يكون منها، وهو كقوله - تعالى -:**{ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً }** [يونس: 67]؛ لما يقع به الإبصار؛ لا أنه يقع منه ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وهذا - والله أعلم - ليس على تخصيص الليل بذلك؛ لأنه ليس له فعل الضر، لكن قد يعرض به الإمكان من الشر؛ لما المعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلمة الليل، ومنها في الليل لا يمكن إلا بنور القمر؛ فأمر بالتعوذ منه عما يتحقق فيه؛ فعلى ذلك يجوز التعوذ من شر النهار، على تأويل ما يقع به من التمكين من الشر، ويوجد فيه، والله أعلم.
وقوله: { إِذَا وَقَبَ } اختلفوا في معنى { وَقَبَ }: قيل: إذا جاء ودخل.
وقيل: ذهب.
وقيل: معناه: القمر إذا خسف، أمر بالاستعاذة من ذلك؛ إذ هو علم من أعلام الساعة؛ لهذا قال: { إِذَا وَقَبَ }؛ إذ القمر لا يخسف إلا في الليل.
وقوله - عز وجل -: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }:
فهذا تعوذ من شرهم بحسب سببه، لكنه في الحقيقة فعل لهم، وفي الأول يقع سببه بلا صنع لهم، فكأنه في الجملة أمر بالتعوذ من كل سبب خيف تولد الشر منه، فعلا كان ذلك له أو لم يكن؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -:**{ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ }** [لقمان: 33]، وقد يكون للشيطان فعل في الحقيقة، ولا يكون للحياة الدنيا فعل؛ فوقع النهي عن الاغترار بهما؛ فعلى ذلك التعوذ من شر الأمرين وإن لم يكن لأحدهما فعل بما يقع فيه.
وجائز أن يكون من هذا الوجه في الملائكة محنة في الدفع والحفظ؛ لقوله - عز وجل -:**{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ }** [الرعد: 11]، قيل فيه: أي: بأمر الله يقع حفظه؛ فجائز أن يكون في هذه الأمور الخفية، وأنواع المضار من حيث لا يعلم إلا بعد جهد يقع الحفظ بالله - تعالى - على استعمال الملائكة.
وعلى ذلك يجوز أن يكون أمر سلامة المطاعم والمشارب والمنافع التي للبشر عن إفساد الجن، يحفظ ما ذكر؛ ليكون فيها محنة للملائكة، على ما كان مكان وسواس الشيطان إيقاظ الملائكة ومعونتهم.
ويحتمل أن يكون الله - تعالى - لم يمكنهم إفساد ما ذكرنا وإن مكنهم الوسواس؛ إذ باللطف يمنع من حيث لا يعلم.
وقيل - أيضا -: من أمر الله: عذابه وأنواع البلايا إلى وقت إرادة الله - تعالى - الوقوع.
وقوله - عز وجل -: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } يخرج على وجهين:
أحدهما: إذا كان الحاسد دون المحسود، لا يقوى على الشر ليفعل به، والشر المتوهم منه يكون من شر عينه، وعمل الحسد إرادة زوال نعم المحسود وذهاب دولته.
وإنه جائز أن يكون الله - عز وجل - بلطفه يجعل في بعض الأعيان عملا يتأدى بالنظر إلى ما يستحسنه من النعم إلى الزوال، ويؤثرون ذهاب الدولة عنه؛ فأمر بالتعوذ لهذا، وقد بينا لك المتولدات من الأفعال بما جعل الله - تعالى - فيها من المضار والمنافع ما لا يبلغها علوم الخلق، بل لو أراد الخلق أن يعرفوا ما في البصر من الحكمة التي تدرك بفتح البصر ما بين السماء والأرض من غير كثير مهلة، لم يقدروا عليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروى عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" لا رقية إلا من عين أو حمة ".** وعن ابن عباس - رضي الله عنه -: **" العين حق، فإن كان شيء يسبق القدر لسبقه العين ".** وفي خبر آخر: **" لا شر في الهام، والعين حق ".** ويدل عليه في قصة إخوة يوسف - عليه السلام -:**{ وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ }** [يوسف: 67].
وقد فسر قوم وجه عمل العين وكيفيته، لكنه أمر كعمل الشمس في العين نفسها فيما تبصر الشمس وتنظر إليها، فإنها تضره وتغلبه عن النظر على بعدها من العين بما جعل الله - تعالى - وذلك من اللطف والحكمة، وكذلك عمل العين في المعيون.
والثاني: أن يكون بما حسد أن يبعث حسده على الحيل وأنواع ما به العين من السعي في الأمور التي بها الفساد على ضعفه في نفسه؛ قال الله - تعالى - في صفة المنافقين:**{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ }** [المنافقون: 4]، فمع ما بين من فشلهم وضعفهم، أمرهم بالحذر عنهم، وقال:**{ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً }** [النساء: 76]، ثم أمر بالتعوذ من شره؛ فكذلك الحاسد، والله أعلم [بالصواب].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) | { قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما أصابتك من أعدائك مصيبة وعرضتك بشؤم أعينهم عارضة؛ إزالة لها ودفعاً لضررها: { أَعُوذُ } وألوذ مخلصاً { بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } [الفلق: 1] أي: بالذي فلق وشق ظلام الليل بنور الصبح المنير، وفلق ظلمة العدم بإشراق نور الوجود.
{ مِن شَرِّ } جميع { مَا خَلَقَ } [الفلق: 2] في عالم الكون والفساد من النفوس الخبيثة.
{ وَ } كذا ألوذ به سبحانه { مِن شَرِّ } كل { غَاسِقٍ } مظلم محيل { إِذَا وَقَبَ } [الفلق: 3] دخل وانغمس في ظلامه ليحيل ويمكر.
{ وَ } كذا { مِن شَرِّ } النساء السواحر { ٱلنَّفَّاثَاتِ } النافخات بريق أفواههن { فِي ٱلْعُقَدِ } [الفلق: 4] التي عقدن على الخيط؛ ليسحرن الناس بها.
{ وَ } بالجملة: أعوذ برب الفلق { مِن شَرِّ } كل { حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [الفلق: 5] وقصد أن يحسد، فإنه سبحانه يكفي مؤنة شرورهم عنك بحوله وقوته.
خاتمة السورة
عليك أيها المحمدي المتلجئ إلى الله، المستعد بفضله وحوله وقوته أن تداوم على ذكر الله وقراءة القرآن، وتكرار الأذكار والتسابيح المأثورة من النبي المختار في عموم أوقاتك وحالاتك، سيما في خلال الليالي والأسحار، وفي آناء الليل وأطراف النهار، لعل الله يرقيك عن فتنة ما ذرأ وبرأ في الليل والنهار، ويكفي عنك مؤنة شرور من عاداك بالسحر وغيره بحوله وقوته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) | قوله: (نزلت هذه السورة والتي بعدها) ألخ، أي بأجماع الصحابة. قوله: (لما سحر لبيد) أي ابن الأعصم، وحاصله أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذلك الحجة، ودخل المحرم سنة سبع، وفرغ من وقعة خيبر، ج اءت رؤساء اليهود إلى البيد بن الأعصم، وكان حليفاً في بني زريق وكان ساحراً، فقالوا: أنت أسحرنا أي أعلمنا بالسحر، وقد سحرنا محمداً فلم يؤثر فيه سحرنا شيئاً، ونحن نجعل لك جعلاً عل أن تسحره لنا سحراً يؤثر فيه، فجعلوا له ثلاثة دنانير، فأتى غلاماً يهودياً كان يخذم النبي، فلم يزل به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعدة أسنان من مشطه وأعطاه له فسحره بها، وكان من جملة السرح، صورة من شمع على صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جعلوا في تلك الصورة إبراً مغروزة إحدى عشرة، ووتر فيه إحدى عشرة عقدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عقدة، وكلما نزع إبرة وجد لها ألم في بدنه، ثم يجد بعدها راحة، وكانت مدة سحره صلى الله عليه سلم أربعين يوماً، وقيل: ستة أشهر، وقيل: عاماً، قال ابن حجر وهو المعتمد: إن قلت: كيف يؤثر السحر فيه صلى الله عليه وسلم مع أنه معصوم بنص**{ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ }** [المائدة: 67]؟ أجيب: بأن المعصوم منه ما أدى لخبل في عقله، أو لضياع شرعه أو لموته، وأما ما عدا ذلك، فهو من الإعراض البشرية الجائزة في حقه، كما أن جرحه وكسر رباعيته، لا يقدح في عصمته، وأنكر بعض المبتدعة حديث السحر، زاعمين أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، وما أدى لذلك فهو باطل، وزعموا أيضاً أن تجويز السحر على الأنبياء، يؤدي لعدم الثقة مما أتوا به من الشرائع، إذ يحتمل أن يخيل إليه أن يرى جبريل يكلمه وليس هو، ثم وهذا كله مردود، لقيام الدليل على ثبوت السحر بإجماع الصحابة، وعصمته صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء، وصدقهم فيما يبلغونه عن الله، وأما ما كان متعلقاً بأمور الدنيا، فهم كسائر البشر تعتريهم الأعراض، كالصحة والسقم والنوم واليقظة والتألم بالسحر ونحو ذلك، وأما ما ورد في قصة السحر، مع أنه كان يخيل إليه أنه يأتي أهله ولم يأت، فمعناه أنه يظهر له من نشاطه وسابق عادته الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك، كما هو شأن المعقود، وتسمية العامة المربوط لما ورد: أنه حبس عن عائشة سنة، وعن ابن عباس: أنه مرض وحبس عن النساء والطعام والشراب، ففي ذلك دليل على أن السحر، إنما تسلط على ظاهره جسده، لا على عقله، ثم اعلم أن مذهب أهل السنة، أن السحر حق وله حقيقة، ويكون بالقول والفعل، ومن جملة أنواعه: السيمياء وهي حيل صناعية، يتوصل إليها بالاكتساب، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، ومادته الوقوف على خواص الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها وأوقاتها، وأكثرها تخيلات، فيعظم عند من لا يعرف ذلك، والحق أنه من الأسباب العادية التي توجد الأشياء عندها لا بها، فيؤثر في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر، وفي الأبدان بالألم والسقم، وأما قلب الجماد حيواناً وعكسه فباطل لا يتصور، إذ لو قدر الساحر على هذا، لقدر أن يرد نفسه إلى الشباب بعد الهرم، وأن يمنع نفسه من الموت، وهو حرام إن لم يكن بما يعظم به غير الله، أو يعتقد تأثيره بنفسه، وإلا فهو كفر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: (في وتر) بفتحتين أي وتر القوس. قوله: (فأحضر بين يديه) روي أنه صلى الله عليه وسلم كان نائماً ذات يوم، إذ أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ فقال: الذي عند رجليه: طب أي سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن عاصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة، وإذا تمثال من شمع على صورته صلى الله وسلم مغروز فيه إحدى عشرة إبرة، وكانت هذه المذكورات كلها موضوعة في الجف، وهو بضم الجيم وتشديد الفاء، وعاء طلع النخل، والراعوفة حجر أسفل البئر يقوم عليه المائح. قوله: (كأنما نشط من عقال) أي كأنما حل وأطلق منه. قوله: (الصبح) هذا أحد أقوال في معنى الفلق، وآثره وإشارة إلى التفاؤل الحسن، فإن مقصود العائذ من الاستعاذة، أن يتغير حاله بالخروج من الخوف إلى الأمن، ومن الوحشة إلى السرور والصبح أدل على هذا، لما فيه من زوال الظلمة بإشراق أنواره، وتغير وحشه الليل وثقله بسرور الصبح وخفته، وقيل: الفلق سجن في جهنم، وقيل: بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل جهنم من حره، وقيل: هو اسم من أسماء جهنم، وقيل: واد في جهنم، وقيل: شجرة في النار، وقيل: الرحم لا نفلاقه عن الولد، وقيل: كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والحب والنوى وكل نبات، وقيل: غير ذلك.
قوله: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } هذا عام وما بعده خاص، والجار والمجرور متعلق بـ { أَعُوذُ } و { مَا } موصولة أو مصدرية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: (وغير ذلك) أي كالإحراق بالنار والإغراق في البحار. قوله: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ } نكر { غَاسِقٍ } و { حَاسِدٍ } لإفادة التبعيض، لأن الضرر قد يتخلف فيهما، وعرف { ٱلنَّفَّاثَاتِ } لأنهن معهودات، فقيل: بنات لبيد، وقيل: إخواته. قوله: (أي الليل إذا أظلم) سمي الليل غاسقاً لانصباب ظلامه، واستعيذ من الليل لشدة الآفات فيه، و { إِذَا } منصوبة بـ { شَرِّ } أي أعوذ بالله من الشر في وقت كذا. قوله: (أو القمر) سمي غاسقاً لذهاب ضوئه بالكسوف، أو المحاق في آخر الشهر واسوداده، وقوله: (إذا غاب) أي استتر بالكسوف، أو أخذ في المحاق أو النقص، وذلك آخر الشهر، وفيه تتوفر أسباب السحر المصححة له، ويسميه المنجمون إذ ذاك نحساً، وهو أنسب بسبب النزول، وهذان قولان من جملة أقوال كثيرة، وقيل: الثريا وذلك لأنها إذا سقطت كثرت الأقسام والطواعين؛ وإذا طلعت ارتفع ذلك، وقيل: هو الشمس إذا غربت، وقيل: هو الحية إذا لدغت، وقيل: كل هاجم يضر كائناً ما كان. قوله: (السواحر) صفة لموصوف محذوف أي النساء السواحر، وخص النساء بالذكر، لأن سحرهن أشد من سحر الرجال، لما ورد: أنه بعد إغراق فرعون وقومه، وتوجه موسى وقومه لقتال الجبارين، ملك نساء القبط مصر، وأقمن فيها ستمائة سنة، كلما قصدهن عسكر صورن صورته، وفعلن بالصورة ما شئن من قلع الأعين وقطع الأعضاء، فيتفق نظيره للعسكر القاصد لهن فتخافهن العسكر. قوله: (بشيء) أي مع شيء أي قول تقوله. قوله: (من غير ريق) متعلق بـ (تنفخ)، واختلف في النفث عند الرقية والمسح باليد، فمنعه قوم لما فيه من التشبه بالسحر، وأجازها آخرون وهو الصحيح، لما ورد عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث في الركية، ورد عنها أيضاً أنها رقت ونفثت، وقال علي كرم الله وجهه: **" اشتكيت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وانا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحمني، وإن كان متأخراً فاشفني وعافني، وإن كان بلاء فصبرني، فقال صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ فقلت له، فمسحني بيده ثم قال: اللهم اشفه، فما عاد ذلك الوجع بعد "** اهـ. قوله: (وقال الزمخشري: معه) أي الريق، ففي النفث قولان.
قوله: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الحسد تمني زوال نعمة المحسود عنه، وإن لم يصر للحاسد مثلها، والغبطة تمني مثلها، فالحسد مذموم دون الغبطة، وعليها حمل حديث: **" لا حسد إلا في اثنتين "** والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض، فحسد إبليس آدم وقابيل هابيل، والحاسد ممقوت مبغوض ومطرود ومعلون، قال بعض الحكماء: بارز الحاسد ربه من خسمة أوجه، أولها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره. ثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه كأنه يقول: لم قسمت لي هذه القسمة؟ ثالثها: أنه يعاند فعل الله تعالى، رابعها: أنه يرى خذلان أولياء الله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
خامسها: أنه أعان عدو الله إبليس، وقال بعضهم: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاً، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغماً، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً واحتراقاً، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً، وفي الحديث: **" في الإنسان ثلاثة: الطيرة والظن والحسد، فيخرجه من الطيرة أن لا يرجع، ويخرجه من الظن أن يحقق، ويخرجه من الحسد من لا يبغي ".** قوله: (أظهر حسده) أي حمله الحسد على إظهاره، لأنه إذا لم يظهر الحسد، لا يتأذى به إلا الحاسد وحد لاغتمامه بنعمة غيره، وفي هذا المعنى قال بعض العارفين:
| **ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب** | | **أسأت على الله فعله** |
| --- | --- | --- |
| **لأنك لم ترض لي ما وهب** | | **فكان جزاؤك أن خصني** |
| **وسد عليك طريق الطلب** | | |
وقال بعضهم:
| **اصبر على حسد الحسو** | | **د فإن صبرك قاتله** |
| --- | --- | --- |
| **فالنار تأكل ب عضها** | | **إن لم تجد ما تأكله** |
فائدة: كرر لفظ شر من كل جمع لئلا يتوهم أنه شر واحد مضاف للجميع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) | أيها المتعوذ من شر القوى القالبية والنفسية المردية المؤدية المعنوية، { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } [الفلق: 1] إذا دخلت عالم القلب والنفس المظلمة بظلمات الهوى؛ يعني: استعذ برب الفلق وهو طلوع صبح القلب موافق النفس.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } [الفلق: 2]، من القوى القالبية والنفسية في هذا العالم الظلماني الكثير المهالك، { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } [الفلق: 3]؛ أي: من شر الظلماني الذي وقب عند اشتغال قوة من القوى إلى استيفاء شهواتها في عالمها بالهوى.
{ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } [الفلق: 4]؛ أي: من شر الخواطر الطارئة على النفس من نفس الشيطان في عقد عقيدتها المستحكمة بهواها، المستودعة تحت حجر القالب في بئر طبيعتها.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [الفلق: 5]؛ أي: من شر قوة حسدية نفسه حسدت على القوة القلبية عند انبعاثها وقت طلوع الفلق، وهذه الاستعاذة واجبة على اللطيفة عند سلوكها ووصولها إلى أفق القلب في عالم النفس، وأيضاً واجبة على اللطيفة القلبية السالكية الواصلة إلى أفق السر في عالم القلب، وأيضاً واجبة على اللطيفة القالبية السائرة الواصلة إلى الروح في عالم السر، وأيضاً واجبة على اللطيفة السرية السائرة الواصلة إلى أفق الخفى في الروح، وأيضاً واجبة على اللطيفة الخفية بتجلي اللطيفة على لطيفة أنانيتها، فأما استعاذة اللطيفة الخفية المنسوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم يقول في هذا المقام: **" اللهم إني أعوذ بك منك، اللهم أعذني من شري وشر ما يقوم بي، وأخرجني مني، وخذني عني "** ، على متابعة من قال من كمال معرفته، فأما أنا فلا أقول إلا: اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) | أي: { قُلْ } متعوذاً { أَعُوذُ } أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم { بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها، ثم خص بعد ما عمّ، فقال: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية. { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } أي: ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهنّ بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر. { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشر، عموماً وخصوصاً. ودلَّت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه [ومن أهله].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ | * تفسير تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ) | 3749- عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }: [الآية: 5]، قال: من شر عينه، ونفسه.
3750- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عطاء الخرساني مثل ذلك. قال: معمر، وسمعت طاوس عن أبيه قال: العين حق، لو كان شيء سابق القدر، سبقته العين، فإذا استغسل أحدكم فليغتسل - يعني الذي أصاب بعينه - يغسل مقبل وجهه، ولحيته، وأطراف كعبه، وداخلة إزاره، وظهور رجليه، ثم يحسو من حسوات، ثم يفيض الماء على رأسه من خلفه.
3751- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: أقرب الرقى إلى الشرك، رقية الحية، ورقى المجنون.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي: ألوذ به وألتجئ إليه. والفلق فَعَل بمعنى المفعول. كقَصَص بمعنى مقصوص. قال ابن تيمية: كل ما فلقَه الرب فهو فلق. قال الحسن: الفلق كل ما انفلق عن شيء كالصبح والحَب والنوى. قال الزجاج: وإذا تأملت الخلق بَانَ لك أن أكثره عن انفلاق. كالأرض بالنبات والسحاب بالمطر. وقد قال كثير من المفسرين: الفلق: الصبح. فإنه يقال: هذا أبين من فلق الصبح وفرق الصبح.
وقال بعضهم: الفلق: الخلق كله. وأما من قال إنه واد في جهنم أو شجرة في جهنم أو أنه اسم من أسماء جهنم، فهذا أمر لا نعرف صحته. لا بدلالة الاسم عليه، ولا بنقلٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا في تخصيص ربوبيته بذلك حكمة. بخلاف ما إذا قال: رب الخلق أو رب كل ما انفلق أو رب النور الذي يظهره على العباد بالنهار. فإن في تخصيصه هذا بالذكر، ما يظهر به عظمة الرب المستعاذ به. انتهى
وقوله تعالى: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي: من شر ما خلقه من الثقلين وغيرهم، كائناً ما كان من ذوات الطبائع والاختيار. وقوله سبحانه: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال أبو السعود: تخصيص لبعض الشرور بالذكر، مع اندراجه فيما قبله لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة، لكثرة وقوعه. ولأن تعيين المستعاذ منه أدل على الاعتناء بالاستعاذة، وأدعى إلى الإعاذة.
وقال الإمام ابن تيمية: إذا قيل الفلق يعم ويخص، فبعمومه استعيذ من شر ما خلق، وبخصوصه للنور النهاريّ استعيذ من شر غاسق إذا وقب. فإن الغاسق قد فسر بالليل كقوله:**{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ }** [الإسراء: 78] وهذا قول أكثر المفسرين وأهل اللغة. قالوا: ومعنى { وَقَبَ } دخل في كل شيء. قال الزجاج: الغاسق: البارد. وقيل لليل غاسق، لأنه أبرد من النهار. وقد روى الترمذي والنسائيّ عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال: **" يا عائشة! تعوذيّ بالله من شره، فإنه الغاسق إذا وقب "** وروي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: **" الغاسق: النجم "** وقال ابن زيد: هو الثريا. وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها. وهذا المرفوع قد ظن بعض الناس منافاته لمن فسره بالليل فجعلوه قولاً آخر، ثم فسروا وقوبه بسكونه. قال ابن قتيبة: ويقال الغاسق: القمر إذا كسف واسودّ. ومعنى وقب: دخل في الكسوف. وهذا ضعيف. فإن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعارض بقول غيره، وهو لا يقول إلا الحق. وهو لم يأمر عائشة بالاستعاذة منه عند كسوفه بل مع ظهوره. وقد قال الله تعالى:**{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
[الإسراء: 12] فالقمر: آية الليل. وكذلك النجوم إنما تطلع فترى بالليل. فأمُره بالاستعاذة من ذلك أمرٌ بالاستعاذة من آية الليل ودليله وعلامته. والدليلُ مستلزم للمدلول. فإذا كان شر القمر موجوداً، فشر الليل موجود. وللقمر من التأثير ما ليس لغيره. فتكون الاستعاذة من الشر الحاصل عنه أقوى. ويكون هذا كقوله عن المسجد المؤسس على التقوى: **" هو مسجدي "** هذا مع أن الآية تتناول مسجد قباء قطعاً. وكذلك قوله عن أهل الكساء: **" هؤلاء أهل بيتي "** مع أن القرآن يتناول نساءه. فالتخصيصُ لكون المخصوص أولى بالوصف. فالقمر أحق ما يكون بالاستعاذة، والليل مظلم منتشر فيه شياطين الإنس والجن، ما لا تنتشر بالنهار. ويجري فيه من أنواع الشر ما لا يجري بالنهار من أنواع الكفر والفسوق والعصيان والسرقة والخيانة والفواحش وغير ذلك. فالشر دائماً مقرون بالظلمة. ولهذا إنما جعله الله لسكون الآدميين وراحتهم. لكن شياطين الإنس والجن تفعل فيه من الشر ما لا يمكنها فعله بالنهار. ويتوسلون بالقمر وبدعوته وعبادته. وأبو معشر البلخيّ له (مصحف القمر) يذكر فيه من الكفريات والسحريات ما يناسب الاستعاذة منه. انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
ثم خص تعالى مخلوقات أخر بالاستعاذة من شرها، لظهور ضررها وعسر الاحتياط منها. فلا بد من الفزع إلى الله والاستنجاد بقدرته الشاملة على دفع شرها، فقال سبحانه: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } قال ابن جرير: أي: ومن شر السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها، وبه قال أهل التأويل. فعن مجاهد: الرقي في عقد الخيط. وعن طاوس: ما من شيء أقرب إلى الشرك من رقية المجانين. ومثله عن قتادة والحسن. وقال الزمخشري: النفاثات: النساء أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين. والنفث: النفخ مع ريق. ولا تأثير لذلك، اللهم إلا إذا كان ثَمَّ إطعام شيء ضار أو سقيه أو إشمامه، أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه. ولكن الله عزّ وجل قد يفعل عند ذلك فعلا على سبيل الامتحان الذي يتميز به الثبت على الحق من الحشوية والجهلة من العوام، فينسبه الحشوية والرعاع إليهن وإلى نفثهن. والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبؤون به.
فإن قلت: فما معنى الاستعاذة من شرهن؟ قلت: فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر، ومن إثمهن في ذلك.
والثاني: أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن وما يخدعنهم به من باطلهن.
الثالث: أن يستعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن. انتهى.
وفي الآية تأويل آخر، وهو اختيار أبي مسلم رحمه الله. قال: النفاثات النساء. والعقد عزائم الرجال وآراؤهم، مستعار من عقد الحبال. والنفث وهو تليين العقدة من الحبل بريق يقذفه عليه ليصير حبله سهلاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فمعنى الآية: إن النساء لأجل كثرة حبهن في قلوب الرجال يتصرفن في الرجال يحولنهم من رأي إلى رأي ومن عزيمة إلى عزيمة. فأمر الله رسوله بالتعوذ من شرهن. كقوله:**{ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ }** [التغابن: 14] فكذلك عظم الله كيدهن فقال:**{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }** [يوسف: 28].
تنبيه
قال الشهاب: نقل في التأويلات عن أبي بكر الأصم أنه قال: إن حديث سحره صلوات الله عليه، المرويّ هنا، متروك لما يلزم من صدق قول الكفرة أنه مسحور. وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله فيه. ونقل الرازيّ عن القاضي أنه قال: هذه الرواية باطلة. وكيف يمكن القول بصحتها، والله تعالى يقول:**{ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ }** [المائدة: 67]. وقال:**{ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ }** [طه: 69] ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوّة. ولأنه لو صح ذلك، لكان من الواجب أن يصلوا إلى ضرر جميع الأنبياء والصالحين، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم، وكل ذلك باطل. ولكان الكفار يعيرونه بأنه مسحور. فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوة، ولحصل فيه، عليه السلام ذلك العيب. ومعلوم أن ذلك غير جائز. انتهى.
ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه، وإن كان مخرجاً في الصحاح. وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالماً من النقد، سنداً أو معنى. كما يعرفه الراسخون. على أن المناقشة في خبر الآحاد معروفة من عهد الصحابة.
قال الإمام الغزاليّ في (المستصفى): ما من أحد من الصحابة إلا وقد ردّ خبر الواحد. كردّ عليّ رضي الله عنه خبر أبي سنان الأشجعيّ في قصة (بروع بنت واشق) وقد ظهر منه أنه كان يحلف على الحديث. وكردّ عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه. وظهر من عمر نهيه لأبي موسى وأبي هريرة عن الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وأمثال ذلك مما ذكر. أوردَ الغزاليّ ذلك في مباحث (خبر الآحاد في شبه المخالفين فيه). وذكر رحمه الله في (مباحث الإجماع) إجماع الصحابة على تجويز الخلاف للآحاد، لأدلة ظاهرة قامت عندهم.
وقال الإمام ابن تيمية في (المسوّدة): الصواب أن من رد الخبر الصحيح كما كانت الصحابة ترده، لاعتقاده غلط الناقل أو كذبه، لاعتقاد الرادّ أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا. فإن هذا لا يكفر ولا يفسق. وإن لم يكن اعتقاده مطابقاً، فقد ردّ غير واحد من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هي صحيحة عند أهل الحديث. انتهى.
وقال العلامة الفناري في (فصول البدائع): ولا يضلل جاحد الآحاد. والمسألة معروفة في الأصول. وإنما توسعتُ في نقولها لأني رأيت من متعصبة أهل الرأيَ من أكبر رد خبر رواه مثل البخاريّ، وضلل منكره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فعلمت أن هذا من الجهل بفن الأصول، لا بل بأصول مذهبه. كما رأيت عن الفناري. ثم قلت: العهد بأهل الرأي أن لا يقيموا للبخاريّ وزناً. وقد ردوا المئين من مروياته بالتأويل والنسخ. فمتى صادقوه حتى يضللوا مَنْ ردّ خبراً فيه؟؟ وقد برهن على مدعاه، وقام يدافع عن رسول الله ومصطفاه.
وبعد، فالبحث في هذا الحديث شهير قديماً وحديثاً. وقد أوسع المقال فيه شراح (الصحيح) وابن قتيبة في شرح (تأويل مختلف الحديث) والرازيّ. والحق لا يخفى على طالبه، والله أعلم.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قال الزمخشريّ: أي: إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود. لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره، فلا ضرر يعود منه على من حسده. بل هو الضار لنفسه، لاغتمامه بسرور غيره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|