surah_name
stringclasses 113
values | revelation_type
stringclasses 2
values | ayah
stringlengths 2
1.15k
| tafsir_book
stringclasses 84
values | tafsir_content
stringlengths 0
644k
|
---|---|---|---|---|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) | أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزل بالمدينة { إذا جاء نصر الله والفتح }.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال: أنزل { إذا جاء نصر الله } بالمدينة.
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } كلها بالمدينة بعد فتح مكة ودخول الناس في الدين ينعى إليه نفسه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: هذه السورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع { إذا جاء نصر الله والفتح } حتى ختمها، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس أنه قرأ: " إذا جاء فتح الله والنصر ".
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: { إذا جاء نصر الله والفتح } قال: فتح مكة { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً } قال: أعلم أنك ستموت عند ذلك.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: { أفواجاً } قال: الزمر من الناس.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: { إذا جاء نصر الله والفتح } قال: كانت هذه السورة آية لموت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: { إذا جاء نصر الله والفتح } قال: ذكر لنا أن ابن عباس قال: هذه السورة علم وحد حده الله لنبيه ونعى نفسه أي إنك لن تعيش بعدها إلا قليلاً. قال قتادة: والله ما عاش بعدها إلا قليلاً سنتين ثم توفي.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعيت إلى نفسي إني مقبوض في تلك السنة ".** وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيت إلى نفسي وقرب أجلي ".** وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { إذا جاء نصر الله والفتح } علم أنه نعيت إليه نفسه.
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال: **" لما نزلت هذه السورة { إذا جاء نصر الله والفتح } قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها ثم قال: أنا وأصحابي خير والناس خير لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج النسائي وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت فأخذني أشد ما يكون اجتهاداً في أمر الآخرة.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم حبيبة قالت: **" لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يبعث نبياً إلا عمر في أمته شطر ما عمر النبي الماضي قبله، وإن عيسى ابن مريم كان أربعين سنة في بني إسرائيل، وهذه لي عشرون سنة وأنا ميت في هذه السنة " فبكت فاطمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت أول أهل بيتي لحوقاً بي " فتبسمت ".** وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: **" لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين أنزل عليه { إذا جاء نصر الله والفتح } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا علي بن أبي طالب، يا فاطمة بنت محمد جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبحان ربي وبحمده واستغفره إنه كان توابا " ً ".** وأخرج الخطيب وابن عساكر عن علي قال: " نعى الله لنبيه صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزل عليه { إذا جاء نصر الله والفتح } فكان الفتح سنة ثمان بعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما طعن في سنة تسع من مهاجره تتابع عليه القبائل تسعى فلم يدر متى الأجل ليلاً أو نهاراً، فعمل على قدر ذلك فوسع السنن، وشدد الفرائض، وأظهر الرخص، ونسخ كثيراً من الأحاديث، وغزا تبوك، وفعل فعل مودع.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: **" لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين أنزل عليه { إذا جاء نصر الله والفتح } إلى آخر القصة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا علي بن أبي طالب، ويا فاطمة بنت محمد، جاء نصر الله والفتح إلى آخر القصة، سبحان ربي وبحمده وأستغفره إنه كان توّاباً، ويا علي إنه يكون بعدي في المؤمنين الجهاد. قال: علام نجاهد المؤمنين الذين يقولون آمنا؟ قال: على الاحداث في الدين إذا عملوا بالرأي، ولا رأي في الدين، إنما الدين من الرب أمره ونهيه " قال علي: يا رسول الله أرأيت إن عرض علينا أمر لم ينزل فيه قرآن ولم يقض فيه سنة منك. قال: تجعلونه شورى بين العابدين من المؤمنين ولا تقضونه برأي خاصة، فلو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحق منك لقربك في الإِسلام، وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهرك، وعندك سيدة نساء المؤمنين، وقبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب إياي، ونزل القرآن وأنا حريص على أن أرعى له في ولده ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج أحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال: إنه قد نعيت إلى نفسي ".** وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم معاً في الدلائل عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني وأشياخ بدر، فقال له عبد الرحمن بن عوف: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله فقال: إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في قوله: { إذا جاء نصر الله والفتح } حتى ختم السورة فقال بعضهم: أمرنا الله أن نحمده ونستغفره إذا جاء نصر الله وفتح علينا وقال بعضهم: لا ندري وبعضهم لم يقل شيئاً فقال لي يا ابن عباس: أكذاك تقول؟ قلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله أعلمه الله { إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون } والفتح فتح مكة، فذلك علامة أجلك { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً } فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن عمر سألهم عن قول الله { إذا جاء نصر الله والفتح } فقالوا: فتح المدائن والقصور، قال: فأنت يا ابن عباس ما تقول؟ قال: قلت مثل ضرب لمحمد نعيت له نفسه.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب في تالي التلخيص عن ابن عباس قال: لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } جاء العباس إلى عليّ فقال: انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هذا الأمر لنا من بعده لم تشاحنا فيه قريش، وإن كان لغيرنا سألناه الوصاة لنا. قال: لا، قال العباس: جئت فذكرت ذلك له، فقال: **" إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه وهو مستوص فاسمعوا له وأطيعوا تهتدوا وتفلحوا، واقتدوا به ترشدوا "** قال ابن عباس: فما وافق أبا بكر على رأيه ولا وازره على أمره ولا أعانه على شأنه إذ خالفه أصحابه في ارتداد العرب إلا العباس. قال: فوالله ما عدل رأيهما وحزمهما رأي أهل الأرض أجمعين.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { إذا جاء نصر الله والفتح } قال: ذاك حين نعى لهم نفسه يقول: إذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً يعني إسلام الناس يقول فذلك حين حضر أجلك { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة في قوله: { إذا جاء نصر الله والفتح } قال: علم وحد حده الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ونعى إليه نفسه أنك لا تبقى بعد فتح مكة إلا قليلاً.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعاً { إذا جاء نصر الله والفتح }.
وأخرج البخاري عن سهل بن سعد الساعدي عن أبي بكر أن سورة { إذا جاء نصر الله والفتح } حين أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن نفسه نعيت إليه.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح فتح مكة فخرج من المدينة في رمضان ومعه من المسلمين عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف سنة من مقدمة المدينة، وافتتح مكة لثلاث عشرة بقيت من رمضان.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، عن عائشة قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقلت يا رسول الله: أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقال: خبرني أني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها { إذا جاء نصر الله والفتح } فتح مكة { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً } ".** وأخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده. **" سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي "** يتأول القرآن يعني { إذا جاء نصر الله والفتح }.
وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أنزلت عليه هذه السورة { إذا جاء نصر الله والفتح } إلا يقول مثلهما: **" سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ".** وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أم سلمة قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، استغفرك وأتوب إليك " فقلت له: قال: " إني أمرت بها " وقرأ { إذا جاء نصر الله } "** إلى آخر السورة.
وأخرج عبد الرزاق ومحمد بن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال: **" لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك اغفر لي إنك أنت التواب الغفور " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج الحاكم وابن مردويه عن ابن مسعود قال: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " سبحانك ربنا وبحمدك " فلما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم " ".** وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: **" لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جاء أهل اليمن هم أرقْ قلوباً الإِيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانيه ".** وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: **" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } فقال: " ليخرجن منه أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً " ".** وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن الفضيل بن عياض قال: **" لما نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح } إلى آخر السورة قال محمد صلى الله عليه وسلم: " يا جبريل نعيت إليَّ نفسي " قال جبريل: الآخرة خير لك من الأولى ".** وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: **" إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وسيخرجون منه أفواجاً ".** وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" { إذا جاء نصر الله والفتح } وجاء أهل اليمن رقيقة أفئدتهم وطباعهم سجية قلوبهم عظيمة حسنتهم دخلوا في دين الله أفواجاً ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) | { فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } فقُلْ: سبحانَ الله حامداً لهُ أو فتعجبَ لتيسيرِ الله تعالَى ما لَمْ يخطُرْ ببالِ أحدٍ من أنْ يغلبَ أحدٌ على أهْلِ حرمِهِ المحترمِ واحمدْهُ على جميلِ صُنعِه، هذا على الروايةِ الأُولى ظاهرٌ وأمَّا على الثانيةِ فلعلَّهُ عليهِ السلامُ أُمرَ بأنْ يداومَ على ذلكَ استعظاماً لنعمِه لاِ بإحداثِ التعجبِ لما ذُكرَ فإنَّهُ إنما يناسبُ حالةَ الفتحِ أو فاذكُرْهُ مسبحاً حامداً زيادةً في عبادتِهِ والثناءِ عليهِ لزيادةِ إنعامِه عليكَ أو فصلِّ لهُ حامداً على نعمِه. رُويَ أنَّه لما فتحَ بابَ الكعبةِ صلَّى صلاة الضحى ثمانِ ركعاتٍ. أو فنزههُ عما يقولُه الظلمةُ حامداً لهُ على أنْ صدقَ وعدَهُ أو فاثنِ على الله تعالَى بصفاتِ الجلالِ حَامِداً له على صفاتِ الإكرامِ { وَٱسْتَغْفِرْهُ } هَضْماً لنفسكَ واستقصاراً لعملكَ واستعظاماً لحقوقِ الله تعالَى واستدراكاً لما فرطَ منكَ من تركِ الأولَى. عن عائشةَ رضيَ الله عنهَا **" أنه كانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يكثرُ قبلَ موتِه أنْ يقولَ: " سُبْحانكَ اللهمَّ وبحمدكَ استغفركَ وأتوبُ إليكَ " وعنهُ عليهِ السلامُ: " إنِّي لأستغفرُ في اليومِ والليلةِ مائةَ مرةٍ "** ورُويَ أنَّه لمَّا قرأَها النبـيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ على أصحابِه استبشرُوا وبكَى العباسُ فقالَ عليهِ السلامُ: **" " ما يبكيكَ يا عمُّ؟ " فقالَ: نعيتْ إليكَ نفسُكَ، قالَ عليهِ السلامُ: " إنَّها لكمَا تقولُ " فلَمْ يُرَ عليهِ السلامُ بعدَ ذلكَ ضاحكاً مستبشراً وقيلَ: إنَّ ابنَ عباسٍ هُو الذي قالَ ذلكَ فقالَ عليهِ السلامُ: " لقدْ أُوتي هذا الغلامُ علماً كثيراً "** أو لعلَّ ذلكَ للدلالةِ على تمامِ أمرِ الدعوةِ وتكاملِ أمرِ الدينِ كقولِه تعالَى:**{ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }** [سورة المائدة، الآية 3] ورُويَ أنَّها لمَّا نزلتْ خطبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: **" إنَّ عبداً خيرهُ الله تعالَى بـينَ الدُّنيا وبـينَ لقائِه فاختارَ لقاءَ الله تعَالَى "** فعلَم أبو بكرٍ رضيَ الله عنه فقالَ: فديناكَ بأنفسِنا وآبائِنا وأولادِنا. و **" عنْهُ عليهِ السلامُ أنهُ دعَا فاطمةَ رضيَ الله عنْهَا فقالَ: " يا بنتاهُ إنَّه نعيتْ إليَّ نفسِي " فبكتْ فقالَ: " لا تبكِي فإنكِ أولُ أَهْلي لحوقاً بِـي "** وعنِ ابنِ مسعودٍ رضيَ الله عنْهُ أنَّ هذه السورةَ تُسمَّى سورةَ التوديعِ، وقيلَ: هو أمرٌ بالاستغفارِ لأمتِه { إِنَّهُ كَانَ تَوبَا } منذُ خلقَ المكلفينَ أيْ مبالغاً في قبولِ توبتِهم فليكُنْ كُلُّ تائبٍ مستغفرٍ متوقعاً للقبولِ.
عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قرأَ سورةَ النصرِ أعطيَ مِنَ الأجرِ كمنْ شهدَ معَ محمدٍ يومَ فتحِ مكةَ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) | { إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا } [3] أي رجاعاً يقبل التوبة، كلما تاب العبد إليه. واعلم أن إلهنا أكرم من أن يكون معك على نفسك، فإنه قال:**{ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ }** [البقرة:222] فإن كنت عليها كان معها بالعفو، وإن كنت معها على أمر الله ونهيه كان عليك، فمن وافق أمر الله على هواه كان ناجياً، ومن وافق هواه على أمر الله كان هالكاً، وإنّ أمر الله تعالى مرّ وهوى النفس حلو، فما مثالها إلا كالأطعمة اللذيذة قد يحصل فيها الصبر، والدواء يشرب مع مرارته لما جعل فيه من المنافع. وكان بعض الصالحين يقول: واسوأتاه، وإن عفوت. فمنهم من يحذر الرد، ومنهم من يبكي خجلاً، وإن عفي عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) | قوله جلّ ذكره: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }.
النصرُ الظَّفَرُ بالعدوِّ، و { وَٱلْفَتْحُ } فتح مكة.
{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً }.
يُسْلِمون جماعاتٍ جماعاتٍ.
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ }.
أكْثِرْ حَمْدَ ربِّكَ، وصلِّ له، وَقَدِّسْه.
ويقال: صَلِّ شكراً لهذه النعمة.
{ وَٱسْتَغْفِرْهُ } وسَلْ مغفرته.
{ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }.
لِمَنْ تاب؛ فإنه يقبل توبته.
ويقال: نصرة الله - سبحانه - له بأنْ أفناه عن نَفْسِه، وأبعد عنه أحكامَ البشرية، وصفَّاه من الكدورات النفسانية. وأمَّا " الفتح ": فهو أنْ رقَّاه إلى محلِّ الدنو، واستخلصه بخصائص الزلفة، وألبسه لِباسَ الجمع، واصطلمه عنه، كان له عنه، ولنَفْسِه - سبحانه - منه، وأظهر عليه ما كان مستوراً من قَبْلُ من أسرارِ الحقِّ، وعَرَّفَه - من كمال معرفته به - ما كان جميعُ الخَلْقِ متعطشاً إليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) | { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } نصر الله لحبيبه صلى الله عليه وسلم وجميع احبائه افرادهم بفردانيته عما دونه وانجاهم عن جنس النفوس وإبلاغهم مقام الانس مظفرهم على كل بغية لهم واداء ما عليهم من حقوق العبودية والفتح انفتاح ابواب الوصال وانكشاف انوار الجمال والجلال وبلوغهم عين الكمال وايضا نصر الله كشف غطاء النفس والفتح وقوع نور القدس فى القلب اذا ذهب قتام الحدثان فجاء النصر واذا انكشف جمال الرحمن قام الفتح وذلك بشارة الله لحبيبه صلى الله عليه وسلم بوصوله اليه وتخلصه من اعباء النبوة ومشقة الرسالة وروية الاغيار فامره بتقديسه لنفسه والاستغفار منه لامته بقوله { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا } اذا كمل فى المعرفة واستقام فى التوحيد واقبل بكماله بحق الحق عند رجوعه من نفسه اليه كان معه بحار الثناء والعرفان والايقان والايمان فابرز الحق نورا من قدس قدمه له فسقط عنه ما معه من جميع الثناء فامره باستيناف ثنائه به لا بنفسه وأعلمه طريق الثناء عليه فى ايام الوصول اليه وقال فسبح بحمد ربك اى نزهه عما جرى على قلبك فى طول عمرك فانه اعز من ان يلحقه وصف الواصفين وحمد الحامدين فانت سبحانه بحمده لا بك الا ترى كيف قال فسبح بحمد ربك اى بحمد ربك فسبحه الحمد الذى حمد نفسه فى الازل وايضا اى سبح بحمد ربك الذى بحمده ما وصل مدحه مدح المادحين ولا حمد الحامدين واستغفره من حمدك وثنائك وجميع اعمالك له وعرفانك به فان لكل معلول اذ وصف الحدثان لا يليق بجمال الرحمن فانه كان موصوفا بوصفه لا بوصف الغير وكان وقابل التوب فى الازل ذى الطولة والمنة على عباده حيث قبل ثناؤهم وتسبيحهم وتوبتهم اذا كانت بنعت العلم بالعجز عن ادراك كنه قدمه والاعتراف بالجهل عن المعرفة بحقيقة وجوده قال ابن عطا اذا اشتغلك به عما دونه فقد جاءك الفتح من النصر والفتح هو النجوة من السجن والبشرى بلقاء الله وقال الواسطى اى فتح عليك العلوم فسبح بحمد ربك واستغفره على ما كان منك من قلة العلم بما اريد منك انه كان توابا وقيل اذا فتح الله قلبك برؤية منه عليك اقبل الله قلوب عباده اليك حتى يأتوك فوجا فوجا قال بعضهم احمد الله بحيث جعلك سبب وصول عباده إليه واستغفر الله من ملاحظة دعائك فان من اجابك هو الذى أجبنا وقت الميثاق وكتب له السعادة فى الازل فريق فى الجنة وفريق فى السعير.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) | { إذا جاء نصر الله } أي:المدد الملكوتي والتأييد القدسي بتجليات الأسماء والصفات { والفتح } المطلق الذي لا فتح وراءه وهو فتح باب الحضرة الأحدية والكشف الذاتي بعد الفتح المبين في مقام الروح بالمشاهدة. { ورأيت الناس يدخلون في دين الله } أي: التوحيد والسلوك على الصراط المستقيم بتأثير نورك فيهم عند فراغك من تكميل نفسك { أفواجاً } مجتمعين كأنهم نفس واحدة تستفيض من فيض ذاتك قائمة مقام نفسك وهم المستعدّون الذين كانت بين نفسه عليه السلام وأنفسهم علاقة مناسبة ورابطة جنسية توجب اتصالهم به بقبول فيضه. { فسبح } أي: نزّه ذاتك من الاحتجاب بمقام القلب الذي هو معدن النبوّة بقطع علاقة البدن والترقي إلى مقام حق اليقين الذي هو معدن الولاية { بحمد ربّك } أي: حامداً له بإظهار كمالاته وأوصافه التامة عند التجريد بالحمد الفعلي { واستغفره } واطلب ستره ذاتك بذاته كما كان حال الفناء قبل الرجوع إلى الخلق أبداً { إنه كان توّاباً } قابلاً لرجوع من رجع إليه بإفنائه بنوره، ولما كمل الدين واستقرّت دعوته التي كانت بعثته لأجلها أمره بالرجوع إلى مقام حق اليقين الذي لا يستمر إلا بعد الموت، ولذلك **" لما نزلت فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم استبشر الأصحاب وبكى ابن عباس فقال صلى الله عليه وسلم: " ما يبكيك؟ " قال: نعيت إليك نفسك! فقال عليه السلام: " لقد أوتي هذا الغلام علماً كثيراً ".** **" وروي أنها لما نزلت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنّ عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين لقائه فاختار لقاء الله " ، فعلم أبو بكر رضي الله عنه فقال: فديناك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا ".** **" وعنه أنه دعا فاطمة عليها السلام فقال: " يا بنتاه! نعيت إلي نفسي " فبكت فقال: " لا تبكي فإنك أول أهلي لحوقاً بي " ، فضحكت "** وتسمى هذه السورة سورة التوديع، وروي أنه عاش بعدها سنتين ونزلت في حجة الوداع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) | { فسبح بحمد ربك } التسبيح مجاز عن التعجب بعلاقة السببية فان من رأى امرا عجيبا يقول سبحان الله قال ابن الشيخ لعل الوجه فى اطلاق هذه الكلمة عند التعجب كما ورد فى الاذكار ولكل اعجوبة سبحانه الله هو أن الانسان عند مشاهدة الامر العجيب الخارج عن حد أمثاله يستبعد وقوعه وتنفعل نفسه منه كانه استقصر قدرة الله فلذلك خطر على قلبه ان يقول من قدرعليه وأوجده ثم انه فى هذا الزعم مخطئ فقال سبحان الله تنزيها لله عن العجز عن خلق امر عجيب يستبعد وقوعه لتيقنه بأن الله على كل شئ قدير قال الامام السهيلى رحمه الله سر اقتران الحمد بالتسبيح ابدا نحو سبح بحمد ربك وان من شئ الا يسبح بحمده ان معرفة الله تنقسم قسمين معرفة ذاته ومعرفة اسمائه وصفاته ولا سبيل الى اثبات احد القسمين دون الآخر واثبات وجود الذات من مقتضى العقل واثبات الاسماء والصفات من مقتضى الشرع فبالعقل عرف المسمى وبالشرع عرفت الاسماء ولا يتصور فى العقل اثبات الذات الا مع نفى سمات الحدوث عنها وذلك هو التسبيح ومقتضى العقل مقدم على مقتضى الشرع وانما جاء الشرع المنقول بعد حصول النظر والعقول فنبه العقول على النظر فعرفت ثم علمها ما لم تكن تعلم من الاسماء فانضاف لها التسبيح والحمد والثناء فما امرنا تسبيحه الا بحمده انتهى ومعنى الآية فقل سبحان الله حال كونك ملتبسا بحمده اى فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببال احد من ان يغلب احد على أهل حرمه المحترم واحمده على جميع صنعه هذا على الرواية الاولى ظاهر واما على الثانية فلعله امر بأن يداوم على ذلك استعظاما لنعمته لا باحداث التعجب لما ذكر فانه انما يناسب حالة الفتح وقال بعضهم والاشبه ان يراد نزهه عن العجز فى تأخير ظهور الفتح واحمده على التأخير وصفه بأن توقيت الامور من عنده ليس الا بحكم لا يعرفها الا هو انتهى او فاذكره مسبحا حامدا وزد فى عبادته والثناء عليه لزيادة انعامه عليك او فصل له حامدا على نعمه فالتسبيح مجاز عن الصلاة بعلاقة الجزئية لانها تشتمل عليه فى الاكثر روى انه عليه السلام لما فتح باب الكعبة صلى صلاة الضحى ثمانى ركعات وحملها بعضهم على صلاة الشكر لا على صلاة الضحى وبعضهم على ان اربعا منها للشكر وأربعا للضحى او فنزهه عما يقول الظلمة حامدا له على ان صدق وعده او فأثن على الله بصفات الجلال يعنى الصفات السلبية حامدا له على صفات الاكرام يعنى الصفات الثبوتية اى على آثارها او على تنزيلها منزلة الاوصاف الاختيارية لكفاية الذات المقدس فى الاتصاف بها فان المحمود عليه يجب ان يكون امرا اختياريا وقال القاشانى نزه ذاتك عن الاحتجات بمقام القلب الذى هو معدن النبوة بقطع علاقة البدن والترقى الى مقام حق اليقين الذى هو معدن الولاية حامدا له باظهار كمالاته واوصافه التامة عند التجريد بالحمد الفعلى { واستغفره } هضما لنفسك واستقصارا لعلمك واستعظاما لحقوق الله واستدراكا لما فرط منك من ترك الاولى او استغفره لذنبك وللمؤمنين وهو المناسب لما فى سورة محمد وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريق النزول من الخالق الى الخلق حيث لم تشتغل على رؤية الناس باستغفارهم اولا مع ان رؤيتهم تستدعى ذلك بل اشتغل اولا بتسبيح الله وحمده لانه رأى الله قبل رؤية الناس كما قيل ما رأيت شيأ الا ورأيت الله قبله وذلك لان الناس مرءآة العارف وصاحب المرءآة يتوجه اولا الى المرئى وبرؤية المرئى تلتفت نفسه الى المرءآة ولك ان تقول ان فى التقديم المذكور تعليم ادب الدعاء وهو ان لا يسأل فجأة من غير تقديم الثناء على المسئول عنه عن عائشة رضى الله عنها
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**" انه كان عليه السلام يكثر قبل موته ان يقول سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك "** وعنه عليه السلام **" انى لاستغفر الله فى اليوم والليلة مائة مرة "** ومنه يعلم ان ورد الاستغفار لا يسقط ابدا لانه لا يخلو الانسان عن الغين والتلوين وروى انه لما قرأها النبى عليه السلام على اصحابه استبشروا وبكى العباس فقال عليه السلام **" ما يبكيك يا عم "** قال نعيت اليك نفسك اى ألقى اليك خبر موت نفسك والنعى ألقاء خبر الموت قال عليه السلام **" انها لكما تقول "** فلم ير عليه السلام بعد ذلك ضاحكا مستبشرا وقيل ان ابن عباس رضى الله عنهما هو الذى قال ذلك فقال عليه السلام **" لقد اوتى هذا الغلام علما كثيرا "** ولذلك كان عمر يدنيه ويأذن له مع اهل بدر ولعل ذلك للدلالة على تمام امر الدعوة وتكامل امر الدين كقوله تعالى**{ اليوم اكملت لكم دينكم }** والكمال دليل الزوال كما قيل. توقع زوالا اذا قيل تم. او لان الامر بالاستغفار تنبيه على قرب الاجل كأنه قال قرب الوقت ودنا الرحيل فتأهب للامر ونبه به على ان العاقل اذا قرب اجله ينبغى ان يستكثر من التوبة وروى انها لما نزلت خطب رسول الله صلىالله عليه وسلم فقال **" ان عبدا خيره الله بين الدنيا وبين لقائه فاختار لقاء الله "** فعلم ابو بكر رضى الله عنه فقال فديناك بانفسنا واموالنا وآبائنا واولادنا وعنه عليه السلام انه دعا فاطمة رضى الله عنها فقال **" يا بنتاه انه نعيت إلىَّ نفسى "** يعنى خبروفات من دهند
| **نامه رسيد ازان جهان بهر مراجعت برم عزم رجوع ميكنم رخت بجرخ ميبرم** | | |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
فبكت فقال **" لا تبكى فانك اول اهلى لحوقا بى "** فضحكت وعن ابن مسعود ان هذه السورة تسمى سورة التوديع لما فيها من الدلالة على توديع الدنيا قال على رضى الله عنه لما نزلت هذه السورة مرض رسول الله عليه السلام فخرج الى الناس فخطبهم وودعهم ثم دخل المنزل فتوفى بعد ايام قال الحسن رحمه الله أعلم انه قد اقترب اجله فامر بالتسبيح والتوبة ليختم له بالعمل الصالح وفيه تنبيه لكل عاقل { انه كان توابا } مبالغا فى قبول توبتهم منذ خلق المكلفين فليكن كل تائب مستغفر متوقعا للقبول وذلك ان قبول التوبة من الصفات الاضافية ولا منازعة فى حدوثها فاندفع ما يرد ان المفهوم من الآية انه تعالى تواب فى الماضى وكونه توابا الماضى كيف يكون علة للاستغفار فى الحال والمستقبل وفى اختيار انه كان توابا على غفار مع انه الذى يستدعيه قوله واستغفر حتى قيل وتب مضمر بعده والا لقال غفارا تنبيه على ان الاستغفار انما ينفع اذا كان مع التوبة والندم والعزم على عدم العود ثم ان من اضمر وتب يحتمل انه جعل الآية من الاحتباك حيث دل بالامر بالاستغفار على التعليل بأنه كان غفارا وبالتعليل بأنه كان توابا على الامر بالتوبة اى استغفره وتب. ذكر البرهان الرشيدى ان صفات الله تعالى التى على صيغة المبالغة كلها مجاز لانها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لان المبالغة ان يثبت للشئ اكبر اكثر مما له وصفاته تعالى منزهة عن ذلك واستحسنه الشيخ تقى الدين السبكى رحمه الله وقال الزر كشى فى البرهان التحقيق ان صيغة المبالغة قسمان احدهما ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل والثانى بحسب تعدد المفعولات ولا شك ان تعددها لا يوجب للفعل زيادة اذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين وعلىهذا القسم تنزل صفاته ويرفع الاشكال ولهذا قال بعضهم فى حكيم معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة الى الشرآئع وقال فى الكشاف المبالغة فى التواب للدلالة على كثرة من يتوب عليه او لانه بليغ فى قبول التوبة بحيث ينزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه. تمت سورة النصر بعون من أقسم بالعصر بعد ظهر يوم السبت
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) | يقول الحق جلّ جلاله: { إِذا جاء نَصْرُ اللهِ } " إذا " ظروف لِما يُستقبل والعامل فيه: { فسبِّح } ، والنصر: الإعانة والإظهار على العدوّ، والفتح: فتح مكة، أو فتح البلاد والإعلام بذلك قبل الوقوع من أعلام النبوة، إذا قلنا نزلت قبل الفتح، وعليه الأكثر، والمعنى: إذا جاءك نصر الله، وظَهَرْتَ على العرب، وفتح عليك مكة أو سائر بلاد العرب، فَأَكْثِر من التسبيح والاستغفار، تأهُّباً للقاء أو شكراً على النِعم، والتعبير عن حصول الفتح بالمجيء للإيذان بأنّ حصوله على جناح الوصول عن قريب. وقيل: نزلت أيام التشريق بمِنىً في حجة الوداع، وعاش بعدها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثمانين يوماً، فكلمة إذا حينئذ باعتبار أنَّ بعض ما في حيزها ـ أعني: رؤية دخول الناس أفواجاً ـ غير منقض بعدُ. وكان فتح مكة لعَشْرٍ من شهر رمضان، سنة ثمان، ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، وأقام بها خمس عشرة ليلة. وحين دخلها وقف على باب الكعبة، ثم قال: **" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهَزَم الأحزابَ وحده " ، ثم قال: " يا أهل مكة ما ترون إني فاعل بكم؟ " قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: " اذهبوا فأنتم الطُلقاء "** فأعتقهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله تعالى أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا لهم فيئاً، ولذلك سُمي أهل مكة الطُلقاء، ثم بايعوه على الإسلام، ثم خرج إلى هوازن. ثم قال تعالى: { ورأيتَ الناسَ } أي: أبصرتهم، أو علمتهم { يدخلون في دينِ الله } أي: ملة الإسلام، التي لا دين يُضاف إليه تعالى غيرها. والجملة على الأول: حال من " الناس " ، وعلى الثاني: مفعول ثان لرأيت، و { أفواجاً } حال من فاعل " يدخلون " أي: يدخلون جماعة بعد جماعة، تدخل القبيلة بأسرها، والقوم بأسرهم، بعدما كانوا يدخلون واحداً واحداً، وذلك أنَّ العرب كانت تقول: إذا ظفر محمدٌ بالحرم ـ وقد كان آجرهم الله من أصحاب الفيل ـ فليس لكم به يدان، فلما فُتحت مكة جاؤوا للإسلام أفواجاً بلا قتال، فقد أسلم بعد فتح مكة بَشَرٌ كثير، فكان معه في غزوة تبوك سبعون ألفاً. وقال أبو محمد بن عبد البر: لم يمت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب كافر، وقد قيل: إنَّ عدد المسلمين عند موته: مائة ألف وأربعة عشر ألفاً. هـ. فإذا رأيتَ ما ذكر من النصر والفتح { فَسَبِّح بحمد ربك } أي: قل سبحان الله، حامداً له، أو: فصلّ له { واستغفره } تواضعاً وهضماً للنفس، أو: دُمْ على الاستغفار، { إِنه كان } ولم يزل { تواباً } كثير القبول للتوبة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
روت عائشةُ رضي الله عنها أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم: لَمّا فتح مكة، وأسلمت العرب، جعل يُكثر أن يقول: **" سبحانك اللهم وبحمدك، وأستغفرك وأتوب إليك، يتأوّل القرآن "** يعني في هذه السورة. وقال لها مرة: **" ما أراه إلاَّ حضور أجلي "** ، وتأوَّله العباس وعمر رضي الله عنهما بذلك بمحضره صلى الله عليه وسلم فصدّقهما، ونزع هذا المنزع ابن عباس وغيره. الإشارة: إذا جاءتك أيها المريد نصر الله لك، بأن قوّاك على خرق عوائد نفسك، وأظفرك بها والفتح وهو دخول مقام الفناء، وإظهار أسرار الحقائق ورأيت الناسَ يدخلون في طريق الله أفواجاً، فسبّح بحمد ربك، أي: نزّه ربك عن رؤية الغيرية والأثنينية في ملكه، واستغفره من رؤية وجود نفسك. قال القشيري: ويقال النصر من الله بأن أفناه عن نفسه، وأبعد عنه أحكام البشرية، وصفّاه من الكدورات النفسانية، وأمّا الفتح فهو: أن رقَّاه إلى محل الدنو، واستخلصه بخصائص الزلفة، وألبسه لباس الجمع، وعرّفه من كمال المعرفة ما كان جميع الخلق متعطشاً إليه. هـ. وقال الورتجبي فَسَبِّح بحمد ربك أي: سبِّحه بحمده لا بك، أي: فسبِّحه بالحمد الذي حمد به نفسه، واستغفِره من حمدك وثنائك وجميع أعمالك وعرفانك، فإنّ الكل معلول إذ وصف الحدثان لا يليق بجمال الرحمن، إنه كان قابل التوب من العجز عن إدراك كنه قدسه، والاعتراف بالجهل عن معرفة حقيقة وجوده. هـ. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) | هذا وعد من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله بالنصر بالفتح قبل وقوع الأمر. وقال الحسن ومجاهد: وعده الله فتح مكة ونصرته على كفار قريش، فيجيء النصر وقوعه على التوقع له، والنصر المعونة على العدو للظهور عليه، لان المعونة قد تكون بالمال على نوائب الزمان، وقد تكون على العدوّ، وهي النصر دون المعونة الأخرى. والفتح الفرج الذي يمكن معه الدخول فى الامر بملك العدوّ الناصب للحرب، وقد يكون الفرج بالفرق فقط، فلا يكون الفتح بذهاب العدو الذي صار علماً على هذا المعنى.
وقوله تعالى { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } يعني فى طاعة الله وطاعتك: من الاسلام وإلتزام الاحكام واعتقاد صحته وتوطين النفس على العمل به. وأصل الدين الجزاء. ثم يعبر به عن الطاعة التي يستحق بها الجزاء، كما قال**{ في دين الملك }** أي فى طاعته. والفوج جماعة من جماعة، والافواج جماعات من جماعات. وهكذا كان الناس يدخلون فى الدين جماعة بعد جماعة، من جملة القبيلة حتى يتكامل اسلام الجميع.
وقوله { فسبح بحمد ربك واستغفره } امر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله بأن ينزهه عما لا يليق به من صفات النقص، وأن يستغفره. ووجه وجوب ذلك بالنصر والفتح، أن النعمة به تقتضي القيام بحق النعمة المنافى للمصيبة. فكأنه قال قد حدث أمر يقتضي الاستغفار مما جدده الله لك فاستغفره بالتوبة يقبل ذلك منك، ومخرجه مخرج الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وهو تعليم لجميع أمته. ومعنى { فسبح بحمد ربك } نزهه عما لا يجوز عليه مع شكرك إياه. وقيل معناه: صل شكراً له على ما جدد لك من نعمة. والاستغفار قد يكون عند ذكر المعصية بما ينافي الاصرار، وقد يكون على وجه التسبيح، والانقطاع إلى الله.
وقوله { إنه كان تواباً } معناه إنه يقبل توبة من بقي كما قبل توبة من مضى. والتوّاب فى صفة الله الكثير القبول للتوبة، وفى صفة العباد الكثير الفعل للتوبة. وقال قتادة: عاش النبي صلى الله عليه وآله بعد هذا سنتين ثم توفي صلى الله عليه وآله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) | { (1) إذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ } ايّاك على اعدائك { وَالْفَتْحُ } فتح مكّة.
{ (2) وَرَأيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً } جماعات كأهل مكّة والطائف واليمن وسائر قبائل العرب.
{ (3) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } فنزّهّه حامداً له على ان صدق وعده { وَاسْتَغْفِرْهُ } هضماً لنفسك او لامّتك { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } القمّي قال **" نزلت بمنى في حجّة الوداع فلمّا نزلت قال رسول الله صلّى الله عليه وآله نعيت الى نفسي "** قيل ولعلّ ذلك لدلالتها على تمام الدعوة وكمال امر الدّين.
وفي الكافي والعيون عن الصادق عليه السلام انّ اوّل ما نزل إِقْرأ باسم ربّك وآخره اذا جاء نصر الله وفي الكافي عن امّ سلمة قالت كان رسول الله صلّى الله عليه وآله بآخر أيامه لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب الاّ قال سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه فسألناه عن ذلك فقال انّي امرت بها ثم قرأ هذه السورة.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ اذا جاء نصر الله في فريضة او نافلة نصره الله على جميع اعدائه وجاء يوم القيامة معه كتاب ينطق قد اخرجه الله من جوف قبره فيه أمان من جسر جهنّم ومن النّار ومن زفير جهنّم فلا يمرّ على شيء يوم القيامة الاّ بشّره واخبره بكلّ خير حتى يدخل الجنّة ويفتح له في الدنيا من اسباب الخير ما لم يتمنّ ولم يخطر على قلبه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) | { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } اى نزّه ربّك او لطيفتك الانسانيّة عمّا لا يليق بشأنه تعالى وشأنها وليكن تنزيهك بالجمع بين صفات الجلال والجمال ولا تكن كموسى (ع) ناظراً الى المظاهر ولا كعيسى (ع) ناظراً الى الظّاهر، وكن ناظراً الى المظاهر والظّاهر من دون رجحان احد النّظرين الى الآخر، فانّ هذا معنى التّسبيح بالحمد يعنى اذا جاء نصر الله المطلق والفتح المطلق بحيث ترى الكلّ يدخلون فى دين الله افواجاً فجاهد حتّى لا يختفى الكثرات عن نظرك ولا تشتغل بالتّوحيد عن حضورك، والكلّ جنودك بل تكون جامعاً بين الوحدة والكثرة والحقّ والخلق { وَٱسْتَغْفِرْهُ } واطلب منه ستر الحدود حتّى لا يغلب رؤية الحدود على رؤية الحقّ الاوّل تعالى فى المظاهر { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } كثير المراجعة على العباد، او استغفره لجنودك كما ترى عليهم من الحدود والنّقائص انّه كان توّاباً على جميع خلقه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تفسير فرات الكوفي/ فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ) | قال [حدثنا] أبو القاسم العلوي قال: حدثنا فرات معنعناً:
عن أنس بن مالك قال: كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شيءٍ أمرنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أو سلمان الفارسي أو ثابت بن معاذ الأنصاري رضي الله عنهما فلما نزلت [الآية. ر] { إذا جاء نصر الله والفتح } وعلمنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نعيت إليه نفسه قلنا لسلمان: سل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نسند إليه أمرنا و [ر: أو] يكون إليه مفزعنا ومن أحب الناس إليه فلقيه فسأله فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه - ثلاث مرات - فخشي سلمان أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مقته ووجد في نفسه فلما كان بعد لقيه فقال: **" يا سلمان يا أبا عبد الله ألا أنبئك عما كنت سألتني؟ قال: بلى يا رسول الله إني خشيت أن تكون قد مقتني و [ر:أو] ووجدت في نفسك علي. قال: كلا [ن: كان] يا سلمان إن أخي ووزيري وخليفتي في أهلي وخير من أترك بعدي يقضي ديني وينجز موعدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ".** فرات قال: حدثني جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي معنعناً:
عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى { إذا جاء نصر الله والفتح } يقول: على الأعداء من قريش وغيرهم والفتح فتح مكة { ورأيت الناس } يقول الأحياء { يدخلون في دين الله أفواجاً } يقول: جماعات وقبل ذلك إنما كان يدخل الواحد بعد الواحد فقيل إذا رأيت الأحياء تدخل جماعات في الدين فإنك ميت، نعيت إليه نفسه { فسبح بحمد ربك } يقول: فصل بأمر ربك { واستغفره إنّه كان تواباً } يقول: متجاوزاً.
فرات قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين الدوسي الرقي معنعناً: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه السورة **" دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام فقال: إنه قد نعيت إلي نفسي فبكت فقال: لا تبكين فإنك أول أهلي لحاقاً [أ: لحوقاً] بي فضحكت ".** فرات قال: حدثني علي بن محمد بن إسماعيل الخزاز الهمداني معنعناً:
عن زيد! - قال - رجل كان قد أدرك ستة أو سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا!: لما نزل: { إذا جاء نصر الله والفتح } قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: **" يا علي يا فاطمة [بنت محمد. أ، ب] { قد جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } فسبحان ربي وبحمده واستغفر ربي { إنه كان تواباً }.** **يا علي إن الله قضى الجهاد على المؤمنين في الفتنة من بعدي فقال علي بن أبي طالب: يا رسول الله وكيف نجاهد المؤمنين الذي يقولون في فتنتهم آمنا؟ قال: يجاهدون على الاحداث في الدين إذا عملوا بالرأي في الدين ولا رأي في الدين إنما الدين من الرب أمره و نهيه.** **قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا رسول الله أرأيت إذا نزل بنا أمر ليس فيه كتاب ولا سنة منك ما نعمل فيه؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اجعلوه شورى بين المؤمنين ولا تقصرونه بأمر خاصة.** **قال أمير المؤمنين: يا رسول الله إنك قد قلت لي - حين خزلت عني الشهادة واستشهد من استشهد من المؤمنين يوم أحد -: الشهادة من ورائك؟ قال [ب: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أ، ب]: فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا؟ ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على رأسه ولحيته [ثم. ر] قال علي: يا رسول الله ليس حينئذٍ هو من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى قال علي! أعد خصومتك فإنك مخاصم قومك يوم القيامة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) | { والفتح } قال جار الله: المعنى نصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على العرب أو على قريش وكان فتح مكة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان، ومعه عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، وأقام بها خمسة عشر ليلة ثم خرج الى هوازن وغطفان، روي ذلك في الكشاف، وقال الحاكم: السبب في فتح مكة لما صالح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قريشاً بالحديبيَّة وكان رئيس القوم أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو، ودخلت خزاعة في حلف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودخلت بنو بكر في حلف قريش، وكان بينهما شرّ في الجاهلية حجر عنه الاسلام، ثم وقعت بين بني بكر وخزاعة فقال: فأعان قريش بنو بكر سراً وأصابوا منهم، ونقضوا عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فخرج عمرو بن سالم الى المدينة ودخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو في المسجد فأخبره بخبرهم وأنشد الأبيات التي منها:
| **لا هُمُ اني ناشدٌ محمدا** | | **حلف أبينا وأبيه الأتلدا** |
| --- | --- | --- |
| **ان قريشاً اخلفوك الموعدا** | | **ونقضوا ميثاقك المؤكدا** |
| **وفيها وقتلونا ركعاً وسّجداً** | | |
وخرج بديل بن وَرقاء فأخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما أصيب منهم، فوعده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) النصر، وعلمت قريش بالنقض وندموا وبعثوا أبا سفيان الى المدينة ليؤكدوا العهد، فدخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والتمس منه ذلك فلم يجبه، فجاء الى أبي بكر وعمر ليسألان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يجيباه وأتى علياً وسأله أن يكلم رسول الله فأبى، فقال: يا ابا الحسن فأشر علي فقال: ما أعلم شيئاً ولكنك سيّد بني كنانة فقم فأخبر بين الناس أن العهد ثابت، ففعل ورجع الى مكة فأخبرهم بالقصة، فقالوا له لعب بك علي ابن أبي طالب، وأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالجهاد لحرب مكة وجهز الناس ودعا الله تعالى فعميت عليهم الأنباء وكتب حاطب ابن ابي بلتعة اليهم بالانذار وجاء الوحي الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فبعث علياً والزبير وردّوا الكتاب، وخرج في شهر رمضان قاصداً مكة في سنة ثمان في عشرة آلاف، وخرج في تلك الليلة أبو سفيان وبديل ابن ورقاء والحكم بن حزام يتجسسون الأخبار، وخرج العباس على بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلقيهم بالادراك فجاء بأبي سفيان في قصة طويلة، وأسلم بعد ما خوّف بالقتل، ودخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مكة وكان الفتح وأجمع أهل البيت والفقهاء أنّ مكة فتحت عنوة إلاّ الشافعي فانه قال فتحت صلحاً، ففي فتح مكة نزل { إذا جاء نصر الله والفتح } ولما ظفر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهم قالت العرب: اذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل فليست لكم منه يدٌ فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً،
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" وحين دخلها وقف على باب الكعبة وقال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده " ثم قال: يا أهل مكة ما ترون اني فاعل بكم؟ " قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: " فاذهبوا فأنتم الطلقاء "** فأعتقهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة فيئاً، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء، ثم بايعوه على الاسلام { في دين الله } في ملة الإسلام { أفواجاً } جماعات { فسبح بحمد ربك } فكبر سبحان الله حامداً، وروي أنه كان يكبر قبل موته: **" سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب اليك "** { واستغفره } الأمر بالاستغفار تبع التسبيح، قال في الحاكم: استغفر من صغائر ذنوبك وقل: استغفره على جهة التسبيح وان لم يكن ثم ذنب قال الحاكم هذا الوجه { انه كان تواباً } أي كان في الأزمنة الماضية مثل خلق المكلفين تواباً عليهم إذا استغفروه، فعلى كل مستغفر أن يتوقع مثل ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) | تفسير سورة إذا جاء نصر الله، وهي مدينة كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله تعالى: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ } يعني فتح مكة. قال الحسن: لما فتح الله على رسوله مكة قالت العرب بعضهم لبعض: يا أيها القوم، ليس لكم بهؤلاء القوم يدان. فجعلوا يدخلون في دين الله أفواجاً أي: أمة أمة.
قال الله تعالى: { وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }. قال الكلبي: { يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً } أي جماعات جماعات، فعند ذلك نعيت للنبي عليه السلام نفسُه. وذكر بعضهم أنه قرأ هذه السورة فقال: نعى إليه نفسُه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) | { فَسَبِّحْ } جواب إذا \* { بِحَمْدِ رَبِّكَ } نزه ربك ملتبسا بحمده على نعمه أو متعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببال أحد ملتبسا بحمده أو فصل له ملتبسا بحمده وقد قيل إنه يإنه صلى ثمان ركعات في الكعبة أو أثن على الله بصفات الجلال ملتبسا بحمده على صفات الإكرام وتقدم مثل هذه الباء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) | { فَسَبْح بِحَمْدِ رَبِّكَ } سبح الله أى نزهه بقلبك أو مع التلفظ بسبحان الله أو بغيره عملاً لا يليق ملتبساً بالثناءِ بأَنواع المحامد وإضافة الحمد لمنصوبه لا للفاعل فهو متعلق بحال محذوفة، ويجوز تعليقه بسبح أى مع حمد ربك وجوز أن تكون الباء للإٍستعانة فتتعلق بسبح وهذا لا يصح إلاًَّ على جعل إضافة الحمد إلى الفاعل أى بحمد ربك نفسه وليس تسبيح من يقول صفاته هو معطلاً لبعض الصفات كما قيل ويجنب النقص فلا يقال سبحان ربى الأسفل ولو كان فى موضع، وقيل نزهه عن العجز عن تعجيل الفتح وأحمده على أن أخره لحكمة وهو تفسير لا يفهم من الآية بل المراد العموم كما مر وما روى عن عائشة من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر فى ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد اللهم اغفر لى يتأول قوله تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره أى يعمل بمعناه لا يوجب أن يكون تفسيراً لها ولا مرجحاً لتفسيره بذلك بل هو بعض عمومها، وكذا ما فى البخارى عنها أنه كان يكثر فى آخر أمره سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه وقال كان ربى أخبرنى أنِ سأرى علامة فى أُمتى وأمرنى إذا رأيتها أن سبح بحمده واستغفره فإن التسبيح المأمور به غير مختص بالعجز المنفى المذكور بل عن كل نقص والتسبيح فى الحديث على العموم وكذا عن أم سلمة كان - صلى الله عليه وسلم - لا يقوم ولا يقعد ولا يجىءَ ولا يذهب إلاَّ قال سبحان الله وبحمده أستغفر قال إنى أُمرت بها وقرأ السورة قال عبد الله بن مسعود لما نزل إذا جاءَ نصر الله. الخ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر إذا قرأها وركع أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم أغفر لى إِنك أنت التواب الرحيم ثلاثا وزعم بعض أن سبح أمر بالبقاءِ على الحمد والتصرف وقيل سبح بمعنى قل سبحان الله تعجباً من تيسير الله عز وجل لك النصر والفتح على أهل الحرم بحيث لا يخطر ببال أحد وأحمده على صنعه والتعجب سبب للتسبيح وهو خروج عن الظاهر ومخالف للحديث وأيضاً التعجب غير كسبى فكيف يؤمر به وهذا من باب استعمال أداة الاستفهام للتعجب لا معناها أن هذا أمر عجيب فكذا الآية وكأَنه إخبار بأَن ذلك أمر من شأنه أن يتعجب منه وكذا تفسير الصلاة هنا بالتسبيح مخالف للظاهر ومخالف للحديث والمقام وصلاته ثمانى ركعات فى بيت أُم هانىءٍ أو فى داخل الكعبة أو أربع للضحى وأربع للفتح لا يجب أن تكون تفسيراً للآية بل هى بعض الآية من التسبيح والحمد ولا سيما أن الضيح أنه لم يصل الثمانى حين دخل الكعبة وشهر أن الثمانى بتسليمة واحدة ولو كانت أربعا للضحى وأربعا للفتح لفصل بالتسليم وصلاة الفتح مسنونة وقد صلاها سعد يوم فتح المدائن ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة متواضعاً بقلبه وجسده حتى كاد رأسه يمس عود مقدم الرحل وقال لأهل مكة ما تقولون؟ قالوا: أخ كريم قال إذهبوا فأَنتم الطلقاءِ فلقبوا بذلك وأقام بعد الفتح فى مكة خمسة عشر يوماً وهو يقصر ولا يصلى صلاة الجمعة فخرج إلى هوازن وثقيف وقد نزلوا حنيناً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
{ وَاسْتَغفِرْهُ } ولو لم يكن لك ذنب إعظاماً لله تعالى وهضماً للنفس أو تعبداً وعما يصدر سهواً أو نسياناً أو عما أبيح له وكان الأولى خلافه أو عن الإقتصار عن عبادة وترك ما هو أعلى منها من العبادات والإشارة إلى قصور العابد عن الإتيان بما يليق بجلال الله تعالى ورأيت بعد ما كتبت ما هو فى معناه أنه أبدا على الترقى فى العبادات فكلما كان فى مرتبة منها استغفر من التى كان عليها قبلها أى من الإقتصار عليها، وقيل عما قبل النبوة مع أنه لا يعمل قبلها الصغائر ولا الكبائر ومن زعم أن الصغائر تصدر من الأنبياءِ قال استغفاره منها وقيل استغفره لذنوب أُمتك ويناسبه أن الله عز وجل أمره بذلك وقال واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وقيل لتعليم أمتك وكان يستغفر فى اليوم والليلة سبعين مرة، وقيل أكثر، وقيل مائة وجاءَ به حديث وكلما قام من مجلس قال سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ويشرع لمن سلم من الفريضة أن يستغفر ثلاثا وقدم الحمد على أن التخلى قبل التحلى لأَنه لله بالإجلال لجلاله والاستغفار لقصور فى العبد ولكراهة أن يشرع الإنسان فى الدعاءِ قبل التملق لله تعالى بأَلفاظ المدح والتضرع ولأن تعقيب العبادة مشروع كما شرع بعد الوضوءَ وبعد الإفاضة وبعد المكتوبة وبعد التهجد **" ومن قال حين يأَوى إلى فراشه أستغفر الله العظيم الذى لا إله إلاَّ هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه ولو كانت كزبد البحر ورمل عالج وورق الشجر "** و **" من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً "** و **" لو لم تذنبوا لجاءَ الله تعالى بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم ".** { إنَّهُ كانَ } فى الأَزل قاضياً أن يخلق الخلق ويتوب عليهم ومن شأنه أن يقبل التوبة أو كان حين خلق المكلفين.
{ تَوَّابَا } مبالغاً فى العفو فإن صورة كراهة الله عز وجل المعصية كصورة إعراض وصورة العفو كصورة الراجع بعد الإعراض أو تواباً مبالغاً فى قبول التوبة والمبالغة فى الوجهين تحقيق ذلك وكثرة الإفراد من التائبين ولا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار وما أصر من استغفر ولو عاد فى اليوم سبعين مرة ويناسب ذلك رجاءَ المستغفر وطمعه فى القبول وكأَنه قيل لأَنه كان تواباً ولم يقل إنه كان غفاراً مع أنه قال واستغفره لأَن الاستغفار إنما ينفع مع التوبة ولا ينفع الإستغفار بلا ندم وقد قيل أن الأَصل استغفره أنه كان غفاراً وتب إليه إنه كان تواباً الله لا إله إِلاَّ هو الملك الحى القيوم ذو الجلال والإِكرام أستغفر الله الرحمن الرحيم اللهم إقض لى كل حاجة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) | { فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } أي فنزهه تعالى بكل ذكر يدل على التنزيه حامداً له جل وعلا زيادة في عبادته والثناء عليه سبحانه لزيادة إنعامه سبحانه عليك فالتسبيح التنزيه لا التلفظ بكلمة سبحان الله، والباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال والحمد مضاف إلى المفعول والمعنى على الجمع بين تسبيحه تعالى وهو تنزيهه سبحانه عما لا يليق به عز وجل من النقائص وتحميده وهو إثبات ما يليق به تعالى من المحامد له لعظم ما أنعم سبحانه به عليه عليه الصلاة والسلام، وقيل أي نزهه تعالى عن العجز في تأخير ظهور الفتح واحمده على التأخير وصفه تعالى بأن توقيت الأمور من عنده ليس إلا لحكمة لا يعرفها إلا هو عز وجل وهو كما ترى، وأيد ذلك بما في «الصحيحين» عن مسروق عن عائشة **" قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن "** تعني هذا مع قوله تعالى: { وَٱسْتَغْفِرْهُ } أي اطلب منه أن يغفر لك وكذا بما في «مسند الإمام أحمد» و«صحيح مسلم» عن عائشة أيضاً قالت **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه وقال إن ربـي كان أخبرني أن سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده واستغفره "** الخ وروى ابن جرير من طريق حفص بن عاصم عن الشعبـي عن أم سلمة **" قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال سبحان الله وبحمده قال إني أمرت بها وقرأ السورة "** وهو غريب وفي «المسند» عن أبـي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال **" لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [الفتح: 1] كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم ثلاثاً "**
وجوز أن تكون الباء للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل أي سبحه بما حمد سبحانه به نفسه قال ابن رجب إذ ليس كل تسبيح بمحمود فتسبيح المعتزلة يقتضي تعطيل كثير من الصفات وقد كان بشر المريسي يقول سبحان ربـي الأسفل تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً والظاهر الملابسة.
وجوز أن يكون التسبيح مجازاً عن التعجب بعلاقة السببية فإن من رأى أمراً عجيباً قال سبحان الله أي فتعجب لتيسير الله تعالى ما لم يخطر ببالك وبال أحد من أن يغلب أحد على أهل الحرم واحمده تعالى على صنعه وهذا التعجب تعجب / متأمل شاكر يصح أن يؤمر به وليس الأمر بمعنى الخبر بأن هذه القصة من شأنها أن يتعجب منها كما زعم ابن المنير والتعليل بأن الأمر في صيغة التعجب ليس أمراً بين السقوط نعم هذا الوجه ليس بشيء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
والأخبار دالة على أن ذلك أمر له صلى الله عليه وسلم بالاستعداد للتوجه إلى ربه تعالى والاستعداد للقائه بعد ما أكمل دينه وأدى ما عليه من البلاغ وأيضاً ما ذكرناه من الآثار آنفاً لا يساعد عليه.
وقيل المراد بالتسبيح الصلاة لاشتمالها عليه ونقله ابن الجوزي عن ابن عباس أي فصل له تعالى حامداً على نعمه وقد روي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة صلى في بيت أم هانىء ثمان ركعات وزعم بعضهم أنه صلاها داخل الكعبة وليس بالصحيح وأياً ما كان فهي صلاة الفتح وهي سنة وقد صلاها سعد يوم فتح المدائن وقيل صلاة الضحى وقيل أربع منها للفتح وأربع للضحى وعلى كل ليس فيها دليل على أن المراد بالتسبيح الصلاة والأخبار أيضاً تساعد على خلافه.
واستغفاره صلى الله عليه وسلم لأنه كان دائماً في الترقي فإذا ترقى إلى مرتبة استغفر لما قبلها وقيل مما هو في نظره الشريف خلاف الأولى بمنصبه المنيف وقيل عما كان من سهو ولو قبل النبوة وقيل لتعليم أمته صلى الله عليه وسلم وقيل هو استغفار لأمته عليه الصلاة والسلام أي واستغفره لأمتك.
وجوز بعضهم كون الخطاب في { رَأَيْتَ } عاما وقال هٰهنا يجوز حينئذ أن يكون الأمر بالاستغفار لمن سواه عليه الصلاة والسلام وإدخاله صلى الله عليه وسلم في الأمر تغليب وهذا خلاف الظاهر جداً وأنت تعلم أن كل أحد مقصر عن القيام بحقوق الله تعالى كما ينبغى وأدائها على الوجه اللائق بجلاله جل جلاله وعظمته سبحانه وإنما يؤديها على قدر ما يعرف والعارف يعرف أن قدر الله عز وجل أعلى وأجل من ذلك فهو يستحي من عمله ويرى أنه مقصر وكلما كان الشخص بالله تعالى أعرف كان له سبحانه أخوف وبرؤية تقصيره أبصر وقد كان كهمس يصلي كل يوم ألف ركعة فإذا صلى أخذ بلحيته ثم يقول لنفسه قومي يا مأوى كل سوء فوالله ما رضيتك لله عز وجل طرفة عين وعن مالك بن دينار لقد هممت أن أوصي إذا مت أن ينطلق بـي كما ينطلق بالعبد الآبق إلى سيده فإذا سألني قلت يا رب إني لم أرض لك نفسي طرفة عين فيمكن أن يكون استغفاره عليه الصلاة والسلام لما يعرف من عظيم جلال الله تعالى وعظمته سبحانه فيرى أن عبادته وإن كانت أجل من عبادة جميع العابدين دون ما يليق بذلك الجلال وتلك العظمة التي هي وراء ما يخطر بالبال فيستحي ويهرع إلى الاستغفار وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام كان يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وللإشارة إلى قصور العابد عن الإتيان بما يليق بجلال المعبود وإن بذل المجهود شرع الاستغفار بعد كثير من الطاعات فذكروا أنه يشرع لمصلي المكتوبة أن يستغفر عقبها ثلاثاً وللمتهجد في الأسحار أن يستغفر ما شاء الله تعالى وللحاج أن يستغفر بعد الحج فقد قال تعالى**{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }** [البقرة: 199] وروي أنه يشرع لختم الوضوء وقالوا يشرع لختم كل مجلس وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من المجلس **" سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك "** ففي الأمر بالاستغفار رمز من هذا الوجه على ما قيل إلى ما فهم من النعي والمشهور أن ذلك للدلالة على مشارفة تمام أمر الدعوة وتكامل أمر الدين والكلام وإن كان مشتملاً على التعليق لكن ذلك واقع في معرض الوعد، ووعد الكريم يدل على قرب الموعود به، لأن أهنأ البر عاجله، ولذا قال بعض البلغاء: جعل الله عمر عداتك كعمر عداتك.
وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار قيل على طريقة النزول من الخالق إلى الخلق كما قيل ما رأيت شيئاً إلا ورأيت / الله تعالى قبله لأن جميع الأشياء مرايا لتجيله جل جلاله وذلك لأن في التسبيح والحمد توجهاً بالذات لجلال الخالق وكماله وفي الاستغفار توجهاً بالذات لحال العبد وتقصيراته ويجوز أن يكون تأخير الاستغفار عنهما لما أشرنا إليه في مشروعية تعقيب العبادة بالاستغفار وقيل في تقديمها عليه تعليم أدب الدعاء وهو أن لا يسأل فجأة من غير تقديم الثناء على المسؤول منه.
{ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } أي منذ خلق المكلفين أي مبالغاً في قول توبتهم فليكن المستغفر التائب متوقعاً للقبول فالجملة في موضع التعليل لما قبلها واختيار { تَوَّاباً } على غفاراً مع أنه الذي يستدعيه { ٱسْتَغْفِرْهُ } ظاهراً للتنبيه كما قال بعض الأجلة على أن الاستغفار إنما ينفع إذا كان مع التوبة وذكر ابن رجب أن الاستغفار المجرد هو التوبة مع طلب المغفرة بالدعاء والمقرون بالتوبة فأستغفر الله تعالى وأتوب إليه سبحانه هو طلب المغفرة بالدعاء فقط وقال أيضاً إن المجرد طلب وقاية شر الذنب الماضي بالدعاء والندم عليه ووقاية شر الذنب المتوقع بالعزم على الإقلاع عنه وهذا الذي يمنع الإصرار كما جاء «ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة» و«لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار» والمقرون بالتوبة مختص بالنوع الأول فإن لم يصحبه الندم على الذنب الماضي فهو دعاء محض وإن صحبه ندم فهو توبة انتهى والظاهر أن ذلك الدعاء المحض غير مقبول وفيه من سوء الأدب مع الله تعالى ما فيه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال بعض الأفاضل إن في الآية احتباكاً والأصل واستغفره إنه كان غفاراً وتب إليه إنه كان تواباً وأيد بما قدمناه من حديث الإمام أحمد ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
وحَمْلُ الزمان الماضي على زمان خلق المكلفين هو ما ارتضاه غير واحد وقال الماتريدي في «التأويلات» أي لم يزل تواباً لا أنه سبحانه تواب بأمر اكتسبه وأحدثه على ما يقوله المعتزلة من أنه سبحانه صار تواباً إذ أنشأ الخلق فتابوا فقبل توبتهم فأما قبل ذلك فلم يكن تواباً ورد عليه بأن قبول التوبة من الصفات الإضافية ولا نزاع في حدوثها واختار بعضهم ما ذهب إليه الماتريدي على أن المراد أنه تعالى لم يزل بحيث يقبل التوبة ومآله قِدَمُ منشأ قبولها من الصفات اللائقة به جل شأنه وفي ذلك مما يقوي الرجاء به عز وجل ما فيه وصح **" لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم "**
وفي الاستغفار خير الدنيا والآخرة أخرج الإمام أحمد من حديث عطية عن أبـي سعيد مرفوعاً **" من قال حين يأوي إلى فراشه أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وإن كانت مثل رمل عالج وإن كانت عدد ورق الشجر "** وأخرج أيضاً من حديث ابن عباس **" من أكثر من الاستغفار جعل الله تعالى له من كل هم فرجاً "** وأنا أقول سبحان الله وبحمده استغفر الله تعالى وأتوب إليه وأسأله أن يجعل لي من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً بحرمة كتابه وسيد أحبابه صلى الله تعالى عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) | { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ \* وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً \* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ }. { إذا } اسم زمان مبهم يتعين مقدارهُ بمضمون جملةٍ يضاف إليها هو. فــــ { إذا } اسمُ زمان مطلق، فقد يستعمل للزمن المستقبل غالباً. ولذلك يضمَّن معنى الشرط غالباً، ويكون الفعل الذي تضاف إليه بصيغة الماضي غالباً لإفادة التحقق، وقد يكون مضارعاً كقوله تعالى**{ وهو على جمعهم إذا يشاء قدير }** الشورى 29. ويستعمل في الزمن الماضي وحينئذ يتعين أن تقع الجملة بعده بصيغة الماضي، ولا تضمن { إذا } معنى الشرط حينئذ وإنما هي لمجرد الإِخبار دون قصد تعليق نحو**{ وإذَا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها }** الجمعة 11. و { إذا } هنا مضمنة الشرط لا محالة لوجود الفاء في قوله { فسبح بحمد ربك } وقضية الاستقبال وعدمه تقدمت. والنصر الإِعانة على العدوّ. ونصر الله يعقبه التغلب على العدو. و { الفتح } امتلاك بلد العدوّ وأرضِه لأنه يكون بفتح باب البلد كقوله تعالى**{ ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون }** المائدة 23، ويكون باقتحام ثغور الأرض ومحارسها فقد كانوا ينزلون بالأَرضين التي لها شعاب وثغور قال لبيد
| **وأَجَنَّ عوراتِ الثغور ظَلاَمُها** | | |
| --- | --- | --- |
وقد فتح المسلمون خيْبر قبل نزول هذه الآية فتعين أن الفتح المذكور فيها فتح آخر وهو فتح مكة كما يشعر به التعريف بلام العهد، وهو المعهود في قوله تعالى**{ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك اللَّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك اللَّه نصراً عزيزاً }** الفتح 1 ـــ 3. فإضافة { نصر } إلى { اللَّه } تشعر بتعظيم هذا النصر وأنه نصر عزيز خارق للعادة اعتنى الله بإيجاد أسبابه ولم تجر على متعارف تولد الحوادث عن أمثالها. و { جاء } مستعمل في معنى حصَل وتحقق مجازاً. والتعريف في «الفتح» للعهد وقد وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم به غير مرة من ذلك قوله تعالى**{ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد }** القصص 85 وقوله**{ لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللَّه آمنين مُحَلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً }** الفتح 27. وهذه الآية نزلت عام الحديبية وذلك قبل نزول سورة { إذا جاء نصر الله } على جميع الأقوال. وقد اتفقت أقوال المفسرين من السلف فمَن بعدهم على أن الفتح المذكور في هذه السورة هو فتح مكة إلا رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس هو فتح المدائن والقَصور، يعني الحصون. وقد كان فتح مكة يخالج نفوس العرب كلهم فالمسلمون كانوا يرجونه ويعلمون ما أشار به القرآن من الوعد به وأهل مَكة يتوقعونه وبقية العرب ينتظرون ماذا يكون الحال بين أهل مكة وبين النبي صلى الله عليه وسلم ويتلومون بدخولهم في الإِسلام فتحَ مكة يقولون إنْ ظهر محمد على قومه فهو نبيء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وتكرر أنْ صَدَّ بعضُهم بعضاً ممن يريد اتباع الاسلام عن الدخول فيه وإنظاره إلى ما سيظهر من غلب الإِسلام أو غلب الشرك. أخرج البخاري عن عمرو بن سلمة قال «لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة فيقولون دَعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبيء». وعن الحسن لما فتحت مكة أقبلت العرب بعضها على بعض فقالوا أما إذ ظفر بأهل الحرم فليس لنا به يَدانِ فكانوا يدخلون في الإِسلام أفواجاً. فعلى قول الجمهور في أن الفتح هو فتح مكة يستقيم أن تكون هذه السورة نزلت بعد فتح خيبر وهو قول الأكثرين في وقت نزولها. ويحتمل على قول القائلين بأنها نزلت عقب غزوة حنين أن يكون الفتح قد مضى ويكون التعليق على مجموع فتح مكة ومجيء نصر من الله آخر ودخول الناس في الإِسلام وذلك بما فتح عليه بعد ذلك ودخول العرب كلهم في الإِسلام سنة الوفود. وعلى ما روي عن ابن عمر «أنها نزلت في حجة الوداع» يكون تعليق جملة { فسبح بحمد ربك } على الشرط الماضي مراداً به التذكير بأنه حصل، أي إذا تحقق ما وعدناك به من النصر والفتح وعموم الإِسلام بلادَ العرب فسبح بحمد ربك، وهو مراد مَن قال من المفسرين { إذا } بمعنى قد، فهو تفسير حاصل المعنى، وليست { إذا } مما يأتي بمعنى قد. والرؤية في قوله { ورأيت الناس } يجوز أن تكون علمية، أي وعلمت علم اليقين أن الناس يدخلون في دين الله أفواجاً وذلك بالأخبار الواردة من آفاق بلاد العرب ومواطن قبائلهم وبمَنْ يحضر من وفودهم. فيكون جملة { يدخلون } في محل المفعول الثاني لــــ { رأيت }. ويجوز أن تكون رؤية بصرية بأن رأى أفواج وفود العرب يردون إلى المدينة يدخلون في الإِسلام وذلك سنة تسع، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ببصره ما علم منه دخولهم كلهم في الإِسلام بمن حضر معه الموقف في حجة الوداع فقد كانوا مائة ألف من مختلف قبائل العرب فتكون جملة { يدخلون } في موضع الحال من الناس. و { دين اللَّه } هو الإِسلام لقوله تعالى**{ إن الدين عند اللَّه الإسلام }** آل عمران 19 وقوله**{ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت اللَّه التي فطر الناس عليها }** الروم 30. والدخول في الدين مستعار للنطق بكلمة الشهادة والتزام أحكام الدين الناشئة عن تلك الشهادة. فشُبه الدين ببيت أو حظيرة على طريقة المكنية ورمز إليه بما هو من لوازم المشبه به وهو الدخول، على تشبيه التلبس بالدين بتلبس المظروف بالظرف، ففيه استعارة أخرى تصريحية. و { الناس } اسم جمع يدل على جماعة من الآدميين، وقد تقدم عند قوله تعالى
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ ومن الناس من يقول آمنا باللَّه }** في سورة البقرة 8. وإذا عُرّف اسم ناس باللام احتملت العهد نحو**{ الذين قال لهم الناس }** آل عمران 173، واحتملت الجنس نحو**{ إن الناس قد جمعوا لكم }** آل عمران 173 واحتملت الاستغراق نحو**{ ومن الناس من يقول }** البقرة 8 ونحو**{ قل أعوذ برب الناس }** الناس 1. والتعريف في هذه الآية للاستغراق العرفي، أي جميع الناس الذين يخطرون بالبال لعدم إرادة معهودين معينين ولاستحالة دخول كل إنسان في دين الله بدليل المشاهدة، فالمعنى ورأيتَ ناساً كثيرين أو ورأيت العرب. قال ابن عطية «قال أبو عُمر بن عبد البر النمري رحمه الله في كتاب «الاستيعاب» في باب خراش الهذلي لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر بل دخل الكل في الإِسلام بعد حُنين والطائِف، منهم من قدِم ومنهم من قدِم وافده» ا هــــ. وإنما يراد عرب الحجاز ونجد واليمن لأن مِن عرب الشام والعراق من لم يدخلوا في الإِسلام، وهم تَغلب وغسان في مشارف الشام والشامِ، وكذلك لخم وكلب من العراق فهؤلاء كانوا نصارى ولم يسلم من أسلم منهم إلا بعد فتح الشام والعراق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون في دين الله رؤية بصرية. ويجوز أن يكون اللَّهُ أعلمه بذلك إن جعلنا الرؤية علمية. والأفواج جمع فوج وهو الجماعة الكثيرة، وتقدم عند قوله تعالى**{ هذا فوج مقتحم معكم }** في سورة ص 59، أي يدخلون في الإِسلام قبائل، وانتصب { أفواجاً } على الحال من ضمير { يدخلون }. وجملة { فسبح بحمد ربك } جواب { إذا } باعتبار ما تضمنته من معنى الشرط، وفعل { فسبح } هو العامل في { إذا } النصبَ على الظرفية، والفاء رابطة للجواب لأنه فعل إنشاء. وقَرن التسبيح بالحمد بباء المصاحبة المقتضية أن التسبيح لاحقٌ للحمد لأن باء المصاحبة بمعنى مع فهي مثل مع في أنها تدخل على المتبوع فكان حمد الله على حصول النصر والفتح ودخول الناس في الإِسلام شيئاً مفروغاً منه لا يحتاج إلى الأمر بإيقاعه لأن شأن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قد فعله، وإنما يحتاج إلى تذكيره بتسبيح خاص لم يحصل من قبل في تسبيحاته وباستغفار خاص لم يحصل من قبل في استغفاره. ويجوز أن يكون التسبيح المأمور به تسبيحَ ابتهاج وتعجب من تيسير الله تعالى له ما لا يخطر ببال أحد أن يتم له ذلك، فإن سبحان الله ونحوه يستعمل في التعجب كقول الأعشى
| **قد قلتُ لما جاءني فخرُه سبحانَ من علقمةَ الفاخِر** | | |
| --- | --- | --- |
وفي تقديم الأمر بالتسبيح والحمد على الأمر بالاستغفار تمهيد لإجابة استغفاره على عادة العرب في تقديم الثناء قبل سؤال الحاجة كما قال ابن أبي الصلت
| **إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه عن تعرضه الثناء** | | |
| --- | --- | --- |
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخلو عن تسبيح الله فأريد تسبيح يقارن الحمد على ما أعطيه من النصر والفتح ودخول الأمة في الإِسلام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعطف الأمر باستغفار الله تعالى على الأمر بالتسبيح مع الحمد يقتضي أنه من حَيِّز جواب { إذا } ، وأنه استغفار يحصل مع الحمد مثل ما قرر في { فسبح بحمد ربك } فيدل على أنه استغفار خاص لأن الاستغفار الذي يعم طلب غفران التقصير ونحوه مأمور به من قبل وهو من شأن النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال **" إنه لَيُغَانَ على قلْبي فأستغفر اللَّه في اليوم والليلة مائة مرة "** فكان تعليق الأمر بالتسبيح وبالاستغفار على حصول النصر والفتح إيماءً إلى تسبيح واستغفار يحصل بهما تقرب لم يُنْو من قبل، وهو التهيّؤ للقاء الله، وأن حياته الدنيوية أوشكت على الانتهاء، وانتهاء أعمال الطاعات والقربات التي تزيد النبي صلى الله عليه وسلم في رفع درجاته عند ربه فلم يبق إلا أن يسأل ربه التجاوز عما يعرض له من اشتغال ببعض الحظوظ الضرورية للحياة أو من اشتغال بمهم من أحوال الأمة يفوته بسببه أمر آخر هو أهم منه، مثل فِداء أسرى بدر مع فوات مصلحة استئصالهم الذي هو أصلح للأمة فعوتِبَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى**{ ما كان لنبي أن يكون له أسرى }** الأنفال 67 الآية، أو من ضرورات الإِنسان كالنوم والطعام التي تنقص من حالة شبهه بالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فكان هذا إيذاناً باقتراب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بانتقاله من حياة تحمل أعباء الرسالة إلى حياة أبدية في العلويات الملكية. والكلام من قبيل الكناية الرمزية وهي لا تنافي إرادة المعنى الصريح بأن يحمل الأمر بالتسبيح والاستغفار على معنى الإِكثار من قول ذلك. وقد دل ذوق الكلام بعضَ ذوي الأفهام النافذة من الصحابة على هذا المعنى وغاصت عليه مثل أبي بكر وعمر والعباس وابنه عبد الله وابن مسعود، فعن مقاتل **" لما نزلت قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ففرحوا واستبشروا وبكى العباس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا عم؟ قال نُعيتْ إليك نفسك. فقال إنه لكَما تقول "** وفي رواية **" نزلت في منى فبكى عمر والعباس فقيل لهما، فقالا فيه نُعي رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقتما نُعِيَتْ إليّ نفسي "** وفي «صحيح البخاري» وغيره عن ابن عباس «كان عمر يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم فوجد بعضهم من ذلك، فقال لهم عمر إنه مَن قد علمتم. قال فأذن لهم ذات يوم وأذن لي معهم، فسألهم عن هذه السورة { إذا جاء نصر الله والفتح } فقالوا أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه فقال ما تقول يا ابن عباس؟ قلت ليس كذلك ولكن أخبر الله نبيه حضور أجله فقال { إذا جاء نصر الله والفتح } ، فذلك علامة موتك؟ فقال عمر ما أعلم منها إلا ما تقول» فهذا فهم عمر والعباس وعبد الله ابنه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال في «الكشاف» روي أنه لما نزلت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال **" إن عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله عز وجل. فعلم أبو بكر فقال فديناك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا "** اهــــ. قال ابن حجر في «تخريج أحاديث الكشاف» الحديث متفق عليه إلا صدره دون أوله من كونه كان عند نزول السورة ا هــــ. ويحتمل أن يكون بكاء أبي بكر تكرر مرتين أولاهما عند نزول سورة النصر كما في رواية «الكشاف» والثانية عند خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه. وعن ابن مسعود أن هذه السورة «تسمى سورة التوديع» أي لأنهم علموا أنها إيذان بقرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقديم التسبيح والحمد على الاستغفار لأن التسبيح راجع إلى وصف الله تعالى بالتنزه عن النقص وهو يجمع صفات السلب، فالتسبيح متمحض لجانب الله تعالى، ولأن الحمد ثناء على الله لإنعامه، وهو أداء العبد ما يجب عليه لشكر المنعم فهو مستلزم إثبات صفات الكمال لله التي هي منشأ إنعامه على عبده فهو جامع بين جانب الله وحظ العبد، وأما الاستغفار فهو حظ للعبد وحده لأنه طلبه اللَّه أن يعفو عما يؤاخذه عليه. ومقتضى الظاهر أن يقول فسبح بحمده، لتقدم اسم الجلالة في قوله { إذا جاء نصر اللَّه } فعدل عن الضمير إلى الاسم الظاهر وهو { ربك } لما في صفة رب وإضافتها إلى ضمير المخاطب من الإِيماء إلى أن من حكمة ذلك النصر والفتح ودخول الناس في الإِسلام نعمةً أنعم الله بها عليه إذا حصل هذا الخير الجليل بواسطته فذلك تكريم له وعناية به وهو شأن تلطف الرب بالمربوب، لأن معناه السيادة المرفوقة بالرفق والإِبلاغ إلى الكمال. وقد انتهى الكلام عند قوله { واستغفره }. وقد روي **" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في قراءته يقف عند { واستغفره } ثم يكمل السورة "** { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }. تذييل للكلام السابق كله وتعليل لما يقتضي التعليل فيه من الأمر باستغفار ربه باعتبار الصريح من الكلام السابق كما سيتبين لك. وتوّاب مثال مبالغة من تاب عليه. وفعل تاب المتعدي بحرف على يطلق بمعنى وفّق للتوبة، أثبته في «اللسان» و«القاموس»، وهذا الإِطلاق خاص بما أسند إلى الله. وقد اشتملت الجملة على أربع مؤكدات هي إنّ، وكانَ، وصيغة المبالغة في التوّاب، وتنوين التعظيم فيه. وحيث كان توكيد بــــ إنَّ هنا غير مقصودٍ به ردُّ إنكار ولا إزالة تردد إذ لا يفرضان في جانب المخاطب صلى الله عليه وسلم فقد تمحض إنَّ لإفادة الاهتمام بالخبر بتأكيده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقد تقرر أن من شأن إنَّ إذا جاءت على هذا الوجه أن تغني غَناء فاء الترتيب والتسبب وتفيد التعليل وربط الكلام بما قبله كما تفيده الفاء، وقد تقدم غير مرة، منها عند قوله تعالى**{ إنك أنت العليم الحكيم }** في سورة البقرة 32، فالمعنى هو شديد القبول لتوبة عباده كثير قبوله إياها. وإذ قد كان الكلام تذييلاً وتعليلاً للكلام السابق تعين أن حذف متعلق { توّاباً } يُقدر بنحو على التائبين. وهذا المقدر مراد به العموم، وهو عموم مخصوص بالمشيئة تخصصه أدلة وصف الربوبية، ولما ذكر دليل العموم عَقب أمرِه بالاستغفار أفاد أنه إذا استغفره غفر له دلالة تقتضيها مستتبعات التراكيب، فأفادت هذه الجملة تعليل الأمر بالاستغفار لأن الاستغفار طلب لغفر، فالطالب يترقب إجابة طلبه، وأما ما في الجملة من الأمر بالتسبيح والحمد فلا يحتاج إلى تعليل لأنهما إنشاء تنزيه وثناء على الله. ومن وراء ذلك أفادت الجملة إشارة إلى وعدٍ بحسن القبول عند الله تعالى حينما يقدم على العالم القدسي، وهذا معنى كنائي لأن من عُرف بكثرة قبول توبة التائبين شأنه أن يكرم وفادة الوافدين الذين سَعوْا جهودهم في مرضاته بمنتهى الاستطاعة، أو هو مجاز بعلاقة اللزوم العرفي لأن منتهى ما يخافه الأحبة عند اللقاء مرارة العتاب، فالإِخبار بأنه توّاب اقتضى أنه لا يخاف عتاباً. فهذه الجملة بمدلولها الصريح ومدلولها الكنائي أو المجازي ومستتبعاتها تعليل لما تضمنته الجملة التي قبلها من معنى صريح أو كنائي يناسبه التعليل بالتسبيح والحمد باعتبارهما تمهيداً للأمر بالاستغفار كما تقدم آنفاً لا يحتاجان إلى التعليل، أو يغني تعليل الممهد له بهما عن تعليلهما ولكنهما باعتبار كونهما رمزاً إلى مداناة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون ما في قوله { إنه كان تواباً } من الوعد بحسن القبول تعليلاً لمدلولهما الكنائي، وأما الأمر بالاستغفار فمناسبة التعليل له بقوله { إنه كان تواباً } ناهضة باعتبار كلتا دلالتيه الصريحة والكنائيّة، أي إنه متقبل استغفارك ومتقبلك بأحسن قبول، شأنَ من عهد من الصفح والتكرم. وفعل { كان } هنا مستعمل في لازم معنى الاتصاف بالوصف في الزمن الماضي. وهو أن هذا الوصف ذاتي له لا يتخلف معموله عن عباده فقد دل استقراء القرآن على إخبار الله عن نفسه بذلك من مبدأ الخليقة قال تعالى**{ فتلقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم }** البقرة 37. ومقتضى الظاهر أن يقال إنه كان غفّاراً، كما في آية**{ فقلتُ استغفروا ربكم إنه كان غفّاراً }** نوح 10 فيُجرى الوصف على ما يناسب قوله { واستغفره } ، فعُدل عن ذلك تلطفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم بأنَّ أمره بالاستغفار ليس مقتضياً إثبات ذنب له لما علمت آنفاً من أن وصف تواب جاء من تاب عليه الذي يستعمل بمعنى وفقه للتوبة إيماء إلى أن أمره بالاستغفار إرشاد إلى مقام التأدب مع الله تعالى، فإنه لا يُسأل عما يفعل بعباده، لولا تفضله بما بيَّن لهم من مراده، ولأن وصف توّاب أشد ملاءمة لإقامة الفاصلة مع فاصلة { أفواجاً } لأن حرف الجيم وحرف الباء كليهما حرف من الحروف الموصوفة بالشدة، بخلاف حرف الراء فهو من الحروف التي صفتها بين الشدة والرِّخوة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروي في «الصحيح» عن عائشة قالت **" ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزلت عليه سورة { إذا جاء نصر الله والفتح } إلا يقول سبحانك ربّنا وبحمدك، اللهم اغفر لي يتأول القرآن "** أي يتأول الأمر في قوله { فسبح بحمد ربك واستغفره } على ظاهره كما تأوله في مقام آخر على معنى اقتراب أجله صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) | تقدم الكلام على التسبيح ومتعلقه وتصريفه.
وهنا قرن التسبيح بحمد الله، وفيه ارتباط لطيف بأول السورة وموضوعها، إذ هي في الدلالة على كمال مهمة الرسالة بمجيء نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولدينه. ومجيء الفتح العام على المسلمين لبلاد الله بالفعل أو بالوعد الصادق كما تقدم، وهي نعمة تستوجب الشكر ويستحق موليها الحمد.
فكان التسبيح مقترناً بالحمد في مقابل ذلك وقوله: { بِحَمْدِ رَبِّكَ } ، ليشعر أنه سبحانه المولى للنعم، كما جاء في سورة الضحى في قوله تعالى:**{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ }** [الضحى: 3].
وقوله في سورة اقرأ:**{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ }** [العلق: 1]، وتكرارها**{ ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ }** [العلق: 3]، لأن صفة الربوبية مشعرة بالإنعام.
وقوله: { وَٱسْتَغْفِرْهُ } ، قال البعض: إن الاستغفار عن ذنب فما هو. وتقدم الكلام على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند قوله تعالى:**{ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ }** [الشرح: 2].
ومما تجدر الإشارة إليه أن التوبة دعوة الرسل، ولو بدأنا من آدم عليه السلام مع قصته ففيها**{ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ }** [البقرة: 37]، ومعلوم موجب تلك التوبة.
ثم نوح عليه السلام يقول:**{ رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ }** [نوح: 28] الآية.
وإبراهيم عليه السلام يقول:**{ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }** [البقرة: 128].
وبناء عليه قل بعض العلماء: إن الاستغفار نفسه عبادة كالتسبيح، فلا يلزم منه وجود ذنب.
وقيل: هو تعليم لأمته.
وقيل: رفع لدرجاته صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في السنة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: **" توبوا إلى الله، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة "** ، فتكون أيضاً من باب الاستكثار من الخير، والإنابة إلى الله تعالى.
تنبيه
جاء في التفسير عند الجميع أنه صلى الله عليه وسلم منذ أن نزلت هذه السورة وهو لم يكن يدع قوله: **" سبحانك اللهم وبحمدك "** تقول عائشة رضي الله عنها: " يتأول القرآن " أي يفسره، ويعمل به.
ونقل أبو حيان عن الزمخشري أنه قال: والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين، من الجمع بين الطاعة والاحتراز من المعصية، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفاً لأمته، ولأن الاستغفار من التواضع وهضم النفس فهو عبادة في نفسه.
وفي هذا لفت نظر لأصحاب الأذكار والأوراد الذين يحرصون على دوام ذكر الله تعالى، حيث هذا كان من أكثر ما يداوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في أذكار الصباح والمساء دون الملازمة على ذكر اسم من أسماء الله تعالى وحده، منفرداً مما لم يرد به نص صحيح ولا صريح.
ولا شك أن الخير كل الخير في الاتباع لا في الابتداع، وأي خير أعظم مما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، ويأمر به، ويلازم هو عليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقلنا في آخر حياته: لأنه صلى الله عليه وسلم توفي بعدها بمدة يسيرة.
وفي هذه الآية دلالة الإيمان، كما قالوا: ودلالة الالتزام كما جاء عن ابن عباس في قصة عمر رضي الله عنه مع كبار المهاجرين والأنصار، حينما كان يسمح له بالجلوس معهم، ويرى في وجوههم، وسألوه وقالوا:
إن لنا أولاداً في سنه، فقال: إنه من حيث علمتم.
وفي يوم اجتمعوا عنده فدعاه عمر، قال ابن عباس، فعلمت أنه ما دعاني إلا لأمر فسألهم عن قوله تعالى:**{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }** [النصر: 1]، السورة.
فقالوا: إنها بشرى بالفتح وبالنصر، فقال: ما تقول أنت يا ابن عباس؟
قال: فقلت، لا والله، إنها نعت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا.
فقال عمر: وأنا لا أعرف فيها إلا كما قلت: أي أنه صلى الله عليه وسلم جاء لمهمة، وقد تمت بمجيء النصر والفتح والدخول في الدين أفواجاً.
وعليه يكون قد أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة. فعليه أن يتأهب لملاقاة ربه ليلقى جزاء عمله، وهو مأخذ في غاية الدقة، وبيان لقول علي رضي الله عنه: أو فهم أعطاه الله من شاء في كتاب الله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) | بيان وعد له صلى الله عليه وآله وسلم بالنصر والفتح وأنه سيرى الناس يدخلون في الإِسلام فوجاً بعد فوج وأمره بالتسبيح حينئذ والتحميد والاستغفار، والسورة مدنية نزلت بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة على ما سنستظهر. قوله تعالى { إذا جاء نصر الله والفتح } ظهور { إذا } المصدَّرة بها الآية في الاستقبال يستدعي أن يكون مضمون الآية إخباراً بتحقق أمر لم يتحقق بعد، وإذا كان المخبر به هو النصر والفتح وذلك مما تقر به عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو وعد جميل وبشرى له صلى الله عليه وآله وسلم ويكون من ملاحم القرآن الكريم. وليس المراد بالنصر والفتح جنسهما حتى يصدقا على جميع المواقف التي أيد الله فيها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على أعدائه وأظهر دينه على دينهم كما في حروبه ومغازيه وإيمان الأنصار وأهل اليمن كما قيل إذ لا يلائمه قوله بعد { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً }. وليس المراد بذلك أيضاً صلح الحديبية الذي سمَّاه الله تعالى فتحاً إذ قال**{ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً }** الفتح 1 - لعدم انطباق الآية الثانية بمضمونها عليه. وأوضح ما يقبل الانطباق عليه النصر والفتح المذكوران في الآية هو فتح مكة الذي هو أُم فتوحاته صلى الله عليه وآله وسلم في زمن حياته والنصر الباهر الذي انهدم به بنيان الشرك في جزيرة العرب. ويؤيده وعد النصر الذي في الآيات النازلة في الحديبية**{ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً }** الفتح 2-3 فإن من القريب جداً أن يكون ما في الآيات وعداً بنصر عزيز يرتبط بفتح الحديبية وهو نصره تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على قريش حتى فتح مكة بعد مضي سنتين من فتح الحديبية. وهذا الذي ذكر أقرب من حمل الآية على إجابة أهل اليمن الدعوة الحقة ودخولهم في الإِسلام من غير قتال، فالأقرب إلى الاعتبار كون المراد بالنصر والفتح نصره تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على قريش وفتح مكة، وأن تكون السورة نازلة بعد صلح الحديبية ونزول سورة الفتح وقبل فتح مكة. قوله تعالى { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } قال الراغب الفوج الجماعة المارة المسرعة، وجمعه أفواج. انتهى. فمعنى دخول الناس في دين الله أفواجاً دخولهم فيه جماعة بعد جماعة، والمراد بدين الله الإِسلام قال تعالى**{ إن الدين عند الله الإِسلام }** آل عمران 19. قوله تعالى { فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً } لما كان هذا النصر والفتح إذلالاً منه تعالى للشرك وإعزازاً للتوحيد وبعبارة أُخرى إبطالاً للباطل وإحقاقاً للحق ناسب من الجهة الأُولى تنزيهه تعالى وتسبيحه، وناسب من الجهة الثانية - التي هي نعمة - الثناء عليه تعالى وحمده فلذلك أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقوله { فسبّح بحمد ربك }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وها هنا وجه آخر يوجه به الأمر بالتسبيح والتحميد والاستغفار جميعاً وهو أن للرب تعالى على عبده أن يذكره بصفات كماله ويذكر نفسه بما له من النقص والحاجة ولما كان في هذا الفتح فراغه صلى الله عليه وآله وسلم من جل ما كان عليه من السعي في إماطة الباطل وقطع دابر الفساد أمر أن يذكره عند ذلك بجلاله وهو التسبيح وجماله وهو التحميد وأن يذكره بنقص نفسه وحاجته إلى ربه وهو طلب المغفرة ومعناه فيه صلى الله عليه وآله وسلم - وهو مغفور - سؤال إدامة المغفرة فإن الحاجة إلى المغفرة بقاء كالحاجة إليها حدوثاً فافهم ذلك، وبذلك يتم شكره لربه تعالى وقد تقدم كلام في معنى مغفرة الذنب في الأبحاث السابقة. وقوله { إنه كان تواباً } تعليل للأمر بالاستغفار لا يخلو من تشويق وتأكيد. بحث روائي في المجمع عن مقاتل **" لما نزلت هذه السورة قرأها صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها العباس فبكى فقال صلى الله عليه وآله وسلم ما يبكيك يا عم؟ قال أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله فقال إنه لكما تقول فعاش بعدها سنتين ما رؤي بعدها ضاحكاً مستبشراً ".** أقول وروي هذا المعنى في عدة روايات بألفاظ مختلفة وقيل في وجه دلالتها أن سياقها يلوّح إلى فراغه صلى الله عليه وآله وسلم مما عليه من السعي والمجاهدة وتمام أمره، وعند الكمال يرقب الزوال. وفيه عن أُم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالآخرة لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب إليه فسألناه عن ذلك فقال إني أُمرت بها ثم قرأ { إذا جاء نصر الله والفتح }. أقول وفي هذا المعنى غير واحد من الروايات مع اختلاف ما فيما كان يقوله صلى الله عليه وآله وسلم. وفي العيون بإسناده إلى الحسين بن خالد قال قال الرضا عليه السلام سمعت أبي يحدّث عن أبيه عليهما السلام أن أول سورة نزلت " بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك " وآخر سورة نزلت { إذا جاء نصر الله }. أقول لعل المراد به أنها آخر سورة نزلت تامة كما قيل. وفي المجمع في قصة فتح مكة لما صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشاً عام الحديبية كان في أشراطهم أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل فيه فدخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخلت بنو بكر في عقد قريش، وكان بين القبيلتين شر قديم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر وخزاعة مقاتلة ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً، وكان ممن أعان بني بكر على خزاعة بنفسه عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو. فركب عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد بين ظهراني القوم وقال
| **لا هـــم إني ناشد محمـداً حلـــــف أبينا وأبيه الأتلدا إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضــــوا ميثاقك المؤكدا وقتلونا ركعاً وسجداً** | | |
| --- | --- | --- |
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسبك يا عمرو ثم قام فدخل دار ميمونة وقال اسكبي لي ماء فجعل يغتسل وهو يقول لا نصرت إن لم أنصر بني كعب وهم رهط عمرو بن سالم ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه بما أُصيب منهم ومظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة وسيلقى بديل بن ورقاء فلقوا أبا سفيان بعسفان وقد بعثته قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليشدد العقد. فلما لقي أبو سفيان بديلاً قال من أين أقبلت يا بديل قال سرت في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي قال ما أتيت محمداً؟ قال لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان لئن كان جاء من المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته وأخذ من بعرها ففتَّه فرأى فيها النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً. ثم خرج أبو سفيان حتى قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا محمد احقن دماء قومك وأجر بين قريش وزدنا في المدة فقال أغدرتم يا أبا سفيان؟ قال لا فقال فنحن على ما كنا عليه فخرج فلقي أبا بكر فقال أجربين قريش قال ويحك وأحد يجير على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ثم لقي عمر بن الخطاب فقال له مثل ذلك ثم خرج فدخل على أُم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني؟ فقالت نعم هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك. ثم خرج فدخل على فاطمة عليها السلام فقال يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش وتزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس؟ فقالت جواري جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال أتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس؟ قالت والله ما بلغ ابناي أن يجيرا بين الناس وما يجير على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد فقال يا أبا الحسن إني أرى الأُمور قد اشتدت علي فانصحني فقال علي عليه السلام إنك شيخ قريش فقم على باب المسجد واجربين قريش ثم الحق بأرضك قال وترى ذلك مغنياً عني شيئاً؟ قال لا والله ما أظن ذلك ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال يا أيها الناس إني قد أجرت بين قريش ثم ركب بعيره فانطلق. فلما قدم على قريش قالوا ما وراءك؟ فأخبرهم بالقصة فقالوا والله إن زاد علي بن أبي طالب على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت؟ قال لا والله ما وجدت غير ذلك. قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجهاز لحرب مكة وامر الناس بالتهيئة وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها، وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخبر من السماء فبعث علياً عليه السلام والزبير حتى اخذا كتابه من المرأه وقد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة. ثم استخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا ذر الغفاري وخرج عامداً إلى مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف من المسلمين ونحو من أربعمائة فارس ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد. وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أُمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة فالتمسا الدخول عليه فلم يأذن لهما فكلمته أُم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك قال لا حاجة لي فيهما أما ابن عمي فهتك عرضي، واما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع ابي سفيان بنيّ له قال والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بنيّ هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رق لهما فأذن لهما فدخلا عليه فأسلما. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر الظهران وقد غمت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار وقد قال العباس ليلتئذ يا سوء صباح قريش والله لئن بغتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بلادها فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال أخرج إلى الأراك لعلي أرى خطَّاباً أو صاحب لبن أو داخلاً يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيأتونه فيستأمنونه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال العباس فوالله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وسمعت أبا سفيان يقول والله ما رأيت كالليلة قط نيراناً فقال بديل هذه نيران خزاعة فقال أبو سفيان خزاعة ألأم من ذلك قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة يعني أبا سفيان فقال أبو الفضل؟ فقلت نعم قال لبيك فداك أبي وأُمي ما وراءك؟ فقلت هذا رسول الله وراءك قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين. قال فما تأمرني؟ قلت تركب عجز هذه البغلة فاستأمن لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا هذا عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال يعني عمر يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد ثم اشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة وسبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء. فدخل عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم إني جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذت برأسه وقلت والله لا يناجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت مهلاً يا عمر فوالله ما يصنع هذا الرجل إلا أنه رجل من آل بني عبد مناف ولو كان من عدي بن كعب ما قلت هذا قال مهلاً يا عباس لإِسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم فقال صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فقد آمناه حتى تغدو به عليَّ في الغداة. قال فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ فقال بأبي أنت وأُمي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أُحد فقال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ فقال بأبي أنت وأُمي أما هذه فإن في النفس منها شيئاً قال العباس فقلت له ويحك اشهد بشهادة الحق قبل أن يضرب عنقك فتشهد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقال صلى الله عليه وآله وسلم للعباس انصرف يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتى يمر عليه جنود الله قال فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي ومرت عليه القبائل قبيلة قبيلة وهو يقول من هؤلاء؟ وأقول أسلم وجهينة وفلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء يا أبا الفضل؟ قلت هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار فقال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقلت ويحك إنها النبوة فقال نعم إذاً. وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلما وبايعاه فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإِسلام وقال من دخل دار أبي سفيان وهي بأعلى مكة فهو آمن، ومن دخل دار حكيم وهي بأسفل مكة فهو آمن، ومن أغلق بابه وكفَّ يده فهو آمن. ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامدين إلى مكة بعث في أثرهما الزبير بن العوّام وأمره على خيل المهاجرين وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون وقال له لا تبرح حتى آتيك ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة وضربت هناك خيمته، وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمته، وبعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سليم وأمره أن يدخل أسفل مكة ويغرز رايته دون البيوت. وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميعاً أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وأمرهم بقتل أربعة نفر عبد الله بن سعد بن أبي سرح والحويرث بن نفيل وابن خطل ومقبس بن ضبابة وأمرهم بقتل قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فقتل علي عليه السلام الحويرث بن نفيل وإحدى القينتين وأفلتت الأُخرى، وقتل مقبس بن ضبابة في السوق، وأدرك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عماراً فقتله. قال وسعى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ غرزه أي ركابه فقبله ثم قال بأبي أنت وأُمي أما تسمع ما يقول سعد إنه يقول
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| **اليوم يـــوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة** | | |
| --- | --- | --- |
فقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام أدركه وخذ الراية منه وكن أنت الذي يدخل بها وأدخلها إدخالاً رفيقاً فأخذها علي عليه السلام وأدخلها كما أمر. **" ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووقف قائماً على باب الكعبة فقال لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا إن كل مال أو مأثرة ودم يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما، ألا إن مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار وهي محرمة إلى أن تقوم الساعة لا يختلى خلاها، ولا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. ثم قال ألا لبئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وآذيتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فخرج القوم فكأنما أُنشروا من القبور ودخلوا في الإِسلام "** ، وكان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة فكانوا له فيئاً فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء. وجاء ابن الزبعري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم وقال
| **يا رســـول الإِله إن لسانـي راتــــق مـا فتقـت إذ أنا بور إذ أُباري الشيطان في سنن الغي ومــــن مال ميله مثبور آمن اللحـــم والعظــــام لربي ثم نفســــي الشهيد أنت النذير** | | |
| --- | --- | --- |
قال وعن ابن مسعود قال **" دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعود في يده ويقول { جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد } { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً } ".** وعن ابن عباس قال **" لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فامر بها فاخرجت وصورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وفي أيديهما الأزلام فقال صلى الله عليه وآله وسلم قاتلهم الله أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط ".** أقول والروايات حول قصة الفتح كثيرة من أراد استقصاءها فعليه بكتب السير وجوامع الأخبار وما تقدم كالملخص منها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) | النصر التغلب على العدو، والإِعانة على بلوغ الغاية، ومنه قولهم قد نصر الغيث الأرض، أى أعان على إظهار نباتها. والمراد به هنا إعانة الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه، حتى حقق له النصر عليهم. والفتح يطلق على فتح البلاد عَنْوَةً والتغلب على أهلها، ويطلق على الفصل والحكم بين الناس، ومنه قوله - تعالى -**{ رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ }** والمراد به هنا فتح مكة. وما ترتب عليه من إعزاز الدين، وإظهار كلمة الحق. قال الإِمام ابن كثير والمراد بالفتح هنا فتح مكة قولا واحدا، فإن أحياء العرب كانت تتلوم - أى تنتظر - بإسلامها فتح مكة، يقولون إن ظهر على قومه فهو نبى، فلما فتح الله عليه مكة، دخلوا فى دين الله أفواجا، فلم تمض سنتان حتى استوسقت - أى اجتمعت - جزيرة العرب على الإِيمان، ولم يبق فى سائر قبائل العرب إلا مظهر للإِسلام، ولله الحمد والمنة. والأفواج جمع فوج، وهو الجماعة والطائفة من الناس وقوله { فَسَبِّحْ } جواب إذا. والمعنى إذا أتم الله - عليك - أيها الرسول الكريم - وعلى أصحابك النصر، وصارت لكم الكلمة العليا على أعدائكم، وفتح لكم مكة، وشاهدت الناس يدخلون فى دين الإِسلام، جماعات ثم جماعات كثيرة بدون قتال يذكر. إذا علمت ورأيت كل ذلك، فداوم وواظب على تسبيح ربك، وتنزيهه عن كل ما لا يليق به شكرا له على نعمه، وداوم - أيضا - على طلب مغفرته لك وللمؤمنين. { إنه } عز وجل - { كان } وما زال { توابا } أى كثير القبول لتوبة عباده التائبين إليه، كما قال - سبحانه -**{ وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }** نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من عباده التائبين توبة صادقة نصوحا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) | { إذا جاء نصر الله } إيَّاك على مَنْ ناوأك من اليهود والعرب { والفتح } يعني: فتح مكة.
{ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا } جماعاتٍ جماعاتٍ بعد ما كان يدخل واحدٌ فواحدٌ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا نزلت هذه السورة قال: قد نُعِيَتْ إليَّ نفسي.
{ فسبح بحمد ربك } أمره الله عزَّ وجل أن يُكثر التَّسبيح والاستغفار، ليختم له في آخر عمره بالزِّيادة في العمل الصّالح.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة | 1- إذا تحقق نصر الله والفتح لك وللمؤمنين.
2- ورأيت الناس يدخلون فى دين الله جماعات جماعات.
3- فاشكر ربك، وسبح بحمده. واطلب مغفرته لك ولأمتك. إنه كان تَوَّابا كثير القبول لتوبة عباده.
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) | شرح الكلمات:
إذا جاء نصر الله: أي نصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائه المشركين.
والفتح: أي فتح مكة.
في دين الله أفواجا: أي في الإِسلام جماعات جماعات.
فسبح بحمد ربك: أي نزهه عن الشريك ملتبسا بحمده.
واستغفره: أي أُطلب منه المغفرة توبة منك إليه.
معنى الآيات:
قوله تعالى { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } الآيات الثلاث المباركات نزلت في أخريات أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تحمل علامة للنبي صلى الله عليه وسلم على قرب أجله فقوله { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } أي لك يا رسولنا فأصبحت تنتصر على أعدائك في كل معركة تخوضها معهم وجاءك الفتح فتح مكة ففتحها الله عليك وأصبحت دار إسلام بعد أن كانت دار كفر، { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ } من سكان اليمن وغيرهم { يَدْخُلُونَ فِي } دينك الدين الإِسلامي { أَفْوَاجاً } وجماعات جماعة بعد أخرى بعد أن كانوا يدخلون فرادى واحدا واحدا وهم خائفون إذا تم هذا ورأيته { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } شكرا له على نعمة النصر والفتح ودخول الناس في دينك وانتهاء دين المشركين الباطل. { وَٱسْتَغْفِرْهُ } أي اطلب منه المغفرة لما فرط منك مما هو ذنب في حقك لقربك وكمال علمك وأما غيرك فليس هو بالذنب الذي يُسْتَغْفَرْ منه ويَنَابُ إلى الله تعالى منه وقوله تعالى { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } أي إن الله تعالى الذي أمرك بالاستغفار توبة إليه كان توابا على عباده يقبل توبتهم فيغفر ذنوبهم ويرحمهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- مشروعية نعي الميت إلى أهله ولكن بدون إعلان وصوت عال.
2- وجوب الشكر عند تحقق النعمة ومن ذلك سجدة الشكر.
3- مشروعية قول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي في الركوع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) | { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [آية: 1] نزلت هذه السورة بعد فتح مكة والطائف { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ } يعني أهل اليمن { أَفْوَاجاً } [آية: 2] من كل وجه زمراً، القبيلة بأسرها والقوم بأجمعهم، ليس بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة، فقد حضر أجلك، { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } يقول: فأكثر ذكر ربك { وَٱسْتَغْفِرْهُ } من الذنوب.
{ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا } [آية: 3] للمستغفرين **" كانت هذه السورة آية موت النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها على أبى بكر وعمر ففرحا، وسمعها عبد الله بن عباس فبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " صدقت " ، فعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها ثمانين يوماً،ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رأس ابن عباس، وقال: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) | النصر: الإعانة والتأييد، نصره: أعانه وأيّده. الفتح: غَلَبة الأعداء وفتح البلاد، والمراد به هنا فتح مكة. أفواجا: جماعاتٍ جماعات، واحده فوج. واستغفِرهُ: اسأل المغفرة لك ولأُمتك. توّابا: كثير القبول لتوبة عباده.
{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }.
إذا نصرك الله يا محمد على أعدائك، وتحقَّقَ وعدُ الله بالنصر للمؤمنين وهزيمة المشركين، وفَتَحَ الله لكم ديارَكم ودخلْتُم مكّة.
{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً }
جماعاتٍ جماعات. وقد تحقَّق ذلك بعدَ فتحِ مكة، فدخَل الناسُ في الإسلام أفواجا، وعمّ الإسلامُ جزيرةَ العرب.
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا }
فاشكر ربك، وسبّح بحمده، ونزّهْه عن كل شريك - لما حقّق لك وللمؤمنين من النصر العظيم - واطلُب المغفرةَ لك ولأمتك من الله تعالى، فإنه يَقْبَلُ التوبةَ، وبابُه مفتوحٌ دائما للتوابين.
روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قال **" كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثر في آخر أمره من قوله:** **سبحانَ الله وبحمدِه، أستغفرُ الله وأتوبُ إليه. قال: إن ربي أخبرني أني سأرى علامةً في أُمتي، وأمرني إذا رأيتُها أن أسبّح بحمده وأستغفرَه إنّه كان توابا. فقد رأيتها... { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ... } "** رواه مسلم أيضا.
وهكذا تم النصرُ والفتح، وأشْرَقت الأرضُ بنورِ ربّها، وعمّ الإسلامُ جوانبَ الأرض.
نسأل الله تعالى أن يُلهم زعماءَنا وكبراءنا التوفيقَ وسَدادَ الرأي، فتجتمعَ كلمتُهم على نصرِ دين الله وتتوحّدَ صفوفهم، ويجتمعَ شملُهم ليعملوا على انقاذ هذه الأُمة وردِّ كرامتها واستردادِ الأرض المقدّسة بإذن الله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) | (3) - فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الخَوْفَ مِنْ اسْتِطَالَةِ المُشْرِكِينَ عَلَى المُسْلِمِينَ قَدْ وَلَّى، فَعَلَيْكَ أَنْ تُسَبِّحَ رَبَّكَ وَتَشْكُرَهُ عَلَى نِصْرِهِ دِينَهُ، وَإِعْزَازِهِ جُنْدَهُ عَلَى الكُفْرِ وَالكَافِرِينَ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَسْتَغْفِرَهُ وَتَتُوبَ إِلَيهِ، فَهُوَ الكَثِيرُ القَبُولِ لِتَوْبَةِ عِبَادِهِ.
(وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ السُّورَةُ عَلاَمَةٌ عَلَى أَجَلِ الرَّسُولِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ.
**" نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَأَنَّهُ مَقْبُوضٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ "**
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) | { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } على من عاداك وناوءك { وَٱلْفَتْحُ } قال يمان: فتح المدائن والقصور، وقال عامة المفسرين: فتح مكة، وكانت قصته على ما ذكره محمد بن إسحاق بن بشار والعلماء من أصحاب الأخبار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريش عام الحديبية كان فيما أشترطوا أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فدخلت بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بينهما شرّ قديم، وكان السبب الذي هاج ما بين بكر وخزاعة أن رجلا من يلحضرمي يقال له مالك بن عماد خرج تاجراً، فلما توسّط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزين الديلي وهم من أشراف بكر فقتلوه بعرفة عند أنصاب الحرم، فبينا بكر وخزاعة على ذلك من الشر حجز بينهم الإسلام وتشاغل الناس به، فلما كان صلح الحديبيّة ووقعت تلك الهدنة أغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم بأؤلئك النفر الذين أصابوا منهم بني الأسود بن رزين، فخرج نوفل بن معونة الديلي في بني الديل، وهو يومئذ قائدهم حتى بيّت خزاعة وهم على الوتير ماء لهم بأسفل مكة، فأصابوا منهم رجلا وتحاوروا واقتتلوا، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً حتى جاوزوا خزاعة الى الحرم، وكان ممن أعان من قريش بني بكر على خزاعة ليلتين بأنفسهم مشتكرين صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ومع عبيدهم قالوا: فلما أنتهوا الى الحرم قالت بنو بكر: يانوفل إنا دخلنا الحرم، إلهك الهك، فقال كلمة عظيمة: أنه لا إله اليوم [يا بني بكر] أصيبوا ثأركم فيه فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه.
فلما دخلت خزاعة مكة لجأوا الى دار بديل بن ورقاء الخزاعي ودار مولى لهم يقال له رافع، فلما تظاهرت قريش على خزاعة وأصابوا منهم ما أصابوا ونقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد لما أستحلّوا من خزاعة، وكانوا في عقدة، **" خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس فقال لهم: إني بايعت محمداً وذكر الأبيات كما ذكرها في سورة التوبة الى قوله:** **\*هم بيتونا بالوتير هجّدا \* فقتلونا ركعاً وسجدا\*** **فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد نصرت يا عمرو بن سالم " ، ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال: " إن هذه السحابة لتستهلّ بنصر بني كعب " [وأمر رسول الله الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه] ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقد قال حسن: بلغه إسلام أم هاني بنت أبي طالب وأسمها هند:
| **أشاقتك هند أم ناك سؤالها** | | **كذاك النوى أسبابها وأنفتالها** |
| --- | --- | --- |
القصيدة.
قال ابن إسحاق، وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف من بني غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة ومن مزينة ألف ومن بني سلم سبعمائة ومن جهينة ألف وأربعمائة رجل وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس واسد.
قالوا: وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشر ليلة يقصر الصلاة، ثم خرج الى هوازن وثقيف وقد نزلوا حنين.
{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } زمراً وأرسالا القبيلة بأسّرها، والقوم بأجمعهم من غير قتال.
قال الحسن: لمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب بعضها لبعض: أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم وقد كان الله سبحانه أجارهم من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً، وقال عكرمة ومقاتل: أراد بالناس أهل اليمن، قال ابن عباس وأبو هريرة: **" لما نزلت هذه السورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر جاء نصر الله والفتح "** وجاء أهل اليمن قوم رقيقة قلوبهم لينة طاعتهم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شبنة قال: حدّثنا محمد بن مصفر قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد قال: حدّثنا الأوزاعي قال: حدّثنا شدّاد أبو عمار قال: حدّثني جار لجابر قال: غدا جابر ليسلم عليّ فجعل يسألني عن حال الناس فجعلت أخبره نحواً مما رأيت من أختلافهم وفرقتهم فجعلت أخبره وهو يبكي فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: **" أن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وسيخرجون من دين الله أفواجاً ".** { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } فإنك حينئذ لاحق به وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل، وعند الكمال يرتقب الزوال كما قيل.
| **إذا تم أمرٌ نقصه** | | **توقع زوالا إذا قيل تم** |
| --- | --- | --- |
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم فقال عبد الرحمن بن عوف: أتأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله، فقال: إنه ممن قد علمتم، قال ابن عباس: فأذن لهم ذات يوم وأذن لي معهم فسألهم عن قول الله سبحانه: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } الآية ولا أراه سألهم إلاّ من أجلي، فقال بعضهم: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه، فسألني فقلت: ليس كذلك ولكن أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم بحضور أجله ونعيت إليه نفسه، فذلك علامة موته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقال عمر: ما أعلم منها إلاّ مثل ما تعلم، ثم قال: كيف تلومونني عليه بعد ما ترون.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر المطيري قال: حدّثنا ابن فضل قال: حدّثنا عطاء عن سعيد عن ابن عباس قال: لما نزلت { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } قال النبي صلى الله عليه وسلم: **" نعيت إليّ نفسي "** بأنّه مقبوض في تلك السنة، وقال مقاتل وقتادة: عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا علي بن حرب قال: حدّثنا أبو عامر العقدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبدة عن عبد الله قال: لما نزلت { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } **" كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك أغفر لي إنك أنت التواب ".** وأخبرنا عبد الله قال: أخبرني مكي قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق **" عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت: " سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك " فقلت: يا رسول الله ما هؤلاء الكلمات التي أراك قد أحدثتها بقولها؟ قال: " جعلتها علامة في أمتي أذا رأيتها قلتها { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } " الى آخر السورة ".** وبه عن ابن هاشم قال: حدّثنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا الأعمش عن مسلم وهو ابن صبيح عن مسروق **" عن عائشة رضى الله عنها وعن أبيها قالت: لما نزلت { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } الى آخرها ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلّى صلاة ألا قال: " سبحانك اللهم وبحمدك اللّهم أغفر لي ".** وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدثنا إبراهيم بن سهلويه قال: حدثنا علي بن محمد الطنافسي قال: حدّثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن الشعبي عن أم سلمة قالت: **" كان النبي صلى الله عليه وسلم بآخره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال: " سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه " فقلنا: يارسول الله لا تقوم ولا تقعد ولا تجيء ولا تذهب إلا قلت: سبحان الله أستغفر الله وأتوب إليه قال: " فإني أُمرت بها " ثم قرأ { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } حتى ختمها ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال: مقاتل: **" لما نزلت هذه الآية قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وفيهم أبو بكر وعمر وسعيد بن أبي العاص ففرحوا واستبشروا، وسمعها العباس فبكى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " وما يبكيك ياعم " قال: نعيت إليك نفسك قال: " إنه لكما تقول " فعاش بعدها سنتين ما رُئي فيهما ضاحكاً مستبشراً "** ، وهذه السورة تسمّى سورة التوديع.
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا محمد بن عمران قال: حدّثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب قال: حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان قال: حدّثني أبي عن عكرمة عن ابن عباس قال: **" أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين فنزل عليه { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } السورة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا علي ويا فاطمة بنت محمد قد جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً سبحان ربي وبحمده وأستغفره أنه كان توباً ويا علي بن أبي طالب إنه يكون من بعدي في المؤمنين الجهاد " ، فقال علي: ما نجاهد المؤمنين الذين يقولون آمنا؟ قال: " على الإحداث في الدين إذا عملوا بالرأي، ولا رأي في الدين إنَّما الدين من الرب أمره ونهيه ".** **فقال علي: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن عرض لنا أمر لم يبيّن الله فيه قرآناً ولم ينصّ فيه سنّة منك؟ قال: " تجعلونه شورى بين العابدين ولا تقضون برأي خاصة ولو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحق منك لقدمك في الإسلام وقرابتك من رسول الله وصهرك وعندك فاطمة سيدة نساء المؤمنين، وقبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب إياي حين نزل القرآن فأنا حريص على أن أرعى ذلك في ولده ".** وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكّي قال: حدّثنا أحمد بن منصور المروزي أبو صالح قال: حدّثني أحمد بن المصعب المروزي قال: حدّثنا عمر بن إبراهيم قال: حدّثنا عيسى ابن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال: **" لما نزلت { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } جاء العباس الى علي رضي الله عنه فقال: أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هذا الأمر من بعده لنا لم تشاحنا عليه قريش، وإن كان للغير سألته الوصاة بنا، قال: سأفعل، قال: فدخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسّراً فذكر ذلك له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " يا عباس يا عم رسول الله إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله سبحانه ووحيه فأسمعوا له تفلحوا وأطيعوه تُرشدوا ".** قال ابن عباس: فقعدوا والله فرشدوا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ) | أَخبرنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا هشيم عن أَبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [الآية: 1]. قال: يعني فتح مكة.
أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد: { يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } [الآية: 2]. قال: يعني زمراً زمراً، فعند ذلك موتك يا محمد.
أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد: { وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } [الآية: 3]. قال له: اعلم أَنك ستموت عند ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) | التفسِير: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكّره ربه بالنعمة والفضل عليه وعلى سائر المؤمنين، والمعنى: إِذا نصرك الله يا محمد على أعدائك، وفتح عليك مكة أم القرى قال المفسرون: الإِخبارُ بفتح مكة قبل وقوعه إِخبارٌ بالغيب، فهو من أعلام النبوَّة { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } أي ورأيت العرب يدخلون في الإِسلام جماعاتٍ جماعات من غير حربٍ ولا قتال، وذلك بعد فتح مكة صارت العرب تأتي من أقطار الأرض طائعة قال ابن كثير: إِنَّ أحياء العرب كانت تنتظر فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبيٌّ، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً فلم تمض سنتان حتى استوثقت جزيرة العرب إِيماناً، ولم يبق في سائر قبائل العرب إِلا مظهرٌ للإِسلام { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي فسبّح ربك وعظمه ملتبساً بحمده على هذه النعم، واشكره على ما أولاك من النصر على الأعداء، وفتح البلاد، وإِسلام العباد { وَٱسْتَغْفِرْهُ } أي اطلب منه المغفرة لك ولأُمتك { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } أي إِنه جلّ وعلا كثير التوبة، عظيم الرحمة لعباده المؤمنين.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- ذكر الخاص بعد العام { نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } نصر الله يشمل جميع الفتوحات فعطف عليه (فتح مكة) تعظيماً لشأن هذا الفتح واعتناءً بأمره.
2- إِطلاق العموم وإِرادة الخصوص { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ } لفظ الناس عام والمراد به العرب.
3- دين الله هو الإِسلام { يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ } وأضافه اليه تشريفاً وتعظيماً، كبيت الله وناقة الله.
4- صيغة المبالغة { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } لأن صيغة " فعال " للمبالغة.
تنبيه: هذه السورة الكريمة فيها نعيُ النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا تسمى سورة (التوديع) وحين نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: ما أراه إِلا حضور أجلي، وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع، ثم نزلت**{ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }** [المائدة: 3] الآية فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين يوماً. وروى الإِمام البخاري عن ابن عباس قال: " كان عمر يدْخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إِنه من علمتم!! فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم - قال فما رأيت أنه دعاني إِلا ليريهم - فقال عمر: ما تقولون في قول الله تعالى { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }؟ فقال بعضهم: أُمرنا بأن نحمد الله ونستغفره إِذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذا تقول يا ابن عباس؟ قلت: لا قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إِياه فقال { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فذلك علامة أجلك { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } فقال عمر: والله ما أعلم منها إِلا ما تقول ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) | روى البخاري، عن ابن عباس قال: **" كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم يدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذٍ إلاّ ليريهم، فقال: ما تقولون في قول الله عزَّ وجلَّ { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فذلك علامة أجلك { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلاّ ما تقول "** وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعيت إليَّ نفسي "** وأنه مقبوض في تلك السنة، وهكذا قال مجاهد والضحّاك وغير واحد إنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه، وعن ابن عباس قال: لما نزلت: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } حتى ختم السورة قال: نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين نزلت، قال: فأخذ بأشد ما كان قط اجتهاداً في أمر الآخرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: **" " جاء الفتح ونصر الله، وجاء أهل اليمن " ، فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال: " قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان والفقه يمان " "** ، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: **" لا هجرة ولكن جهاد ونية، ولكن إذا استنفرتم فانفروا "** ، فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون، أن نحمد الله ونشكره ونسبِّحه، يعني نصلي له ونستغفره، معنى مليح صحيح، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات، فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلداً أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات، وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن، وأما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله تعالى عنهما من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روحه الكريمة، وأعلم أنك إذا فتحت مكة وهي قريتك التي أخرجتك ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا فللآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولهذا قال: { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
روى البخاري، عن مسروق، عن عائشة قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن "** ، وقالت عائشة: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول: " سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه " ، وقال: " إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أُمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان تواباً، فقد رأيتها { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ \* وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً \* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } " "** والمراد بالفتح هٰهنا فتح مكة قولاً واحداً، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيماناً ولم يبق في سائر قبائل العرب إلاّ مظهر للإسلام ولله الحمد والمنة، وقد روى البخاري في " صحيحه " عن عمرو بن سلمة قال: **" لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون: دعوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي "** ، الحديث. وقال الإمام أحمد بسنده: حدَّثني جار لجابر بن عبد الله قال: قدمت من سفر فجاءني (جابر بن عبد الله) فسلم عليَّ، فجعلت أحدِّثه عن افتراق الناس وما أحدثوا، فجعل جابر يبكي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: **" إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً، وسيخرجون منه أفواجاً ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) | { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } يعني بالفتح فتح مكة والطائف وغيرهما من البلاد التي فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس: إن النصر صلح الحديبية، والفتح فتح مكة، وقيل: النصر إسلام أهل اليمن، والإخبار بذلك كله قبل وقوعه إخباره بغيب، فهو من أعلام النبوّة { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } أي جماعات، وذلك أنه أسلم بعد فتح مكة بشر كثير، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه في فتح مكة عشرة آلاف، وكان معه في غزوة تبوك سبعون ألفاً وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر. وقد قيل: إن عدد المسلمين عند موته مائة ألف وأربعة عشر ألفاً بل أكثر { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ } قد ذكر التسبيح والاستغفار ومعنى بحمد ربك فيما تقدم، فإن قيل: لم أمره الله بالتسبيح والحمد والاستغفار عند رؤية النصر والفتح، وعند اقتراب أجله؟ فالجواب: أنه أمر بالتسبيح والحمد ليكون شكراً على النصر والفتح وظهور الإسلام وأمره بذلك وبالاستغفار عند اقتراب أجله ليكون ذلك زاداً للآخرة وعدة للقاء الله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) | { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } هذه السورة مدنية نزلت منصرفة عليه السلام من غزوة حنين وعاش بعد نزولها سنتين وقيل نزلت في أيام التشريق بمنى من حجة الوداع وعاش بعدها ثمانين يوماً ولما كان في قوله:**{ لَكُمْ دِينُكُمْ }** [الكافرون: 6] موادعة جاء في هذه بما يدل على تخويفهم وتهديدهم وإن مجيء نصر الله وفتح مكة واضمحلال ملة الأصنام وإظهار دين الله تعالى والفتح فتح البلاد.
{ أَفْوَاجاً } أي جماعات كثيرة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون فيه واحداً واحداً واثنين اثنين.
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي ملتبساً بحمده على هذه النعم التي خولكها من نصرك على الأعداء وفتحك البلاد وإسلام الناس وأي نعمة أعظم من هذه إذ كل حسنة يعملها المسلمون فهي في ميزانه وعن عائشة رضي الله عنها: **" كان عليه السلام يكثر قبل موته ان يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك وقد علم صلى الله عليه وسلم من هذه السورة دنو أجله وحين قرأها عليه السلام استبشر الصحابة وبكى العباس فقال: وما يبكيك يا عم قال نعيت إليك نفسك فقال: إنها لكما تقول فعاش بعدها سنتين ".** { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } فيه ترجئة عظيمة للمستغفرين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) | قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ }؛ أي صَلِّ له مع شُكرِك إياهُ على إنعامه عليكَ، { وَٱسْتَغْفِرْهُ }؛ لذنبكَ وللمؤمنين والمؤمناتِ، { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }؛ أي مُتجاوزاً على المستغفرِين. **" فلمَّا نزَلت هذه السُّورة جعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ التسبيحَ، وعاشَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعدَ هذه السُّورة سنتينَ، وكان كثيراً ما يقولُ: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبحَمْدِكَ، أسْتَغْفِرُكَ وَأتُوبُ إلَيْكَ " فقِيلَ له في ذلكَ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: " قَدْ جُعِلَتْ لِي عَلاَمَةٌ فِي أُمَّتِي، إذا رَأيْتُهَا قُلْتُهَا " ".** وكان الحسنُ يقول: ((اخْتُمُوا أعْمَالَكُمْ بخَيْرٍ، فَإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَرُبَ أجَلُهُ أُمِرَ بكَثْرَةِ التَّسْبيحِ وَالاسْتِغْفَار)).
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) | قوله تعالى: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } إلى آخرها.
العامل في { إِذَا جَآءَ } على ما تقدم في { إِذَا زُلْزِلَتِ }. والمعنى: إذا جاء - يا محمد - نصر الله إياك على قومك { وَٱلْفَتْحُ } أي فتح مكة.
{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ... } في صنوف قبائل العرب { يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } ، أي: الإسلام الذي بَعَثْتُكَ بِه { أَفْوَاجاً } ، أي: زمراً زمراً.
قال ابن عباس: **" بَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمدِينة إذا قال: الله أكبر، الله أكبر، جاء نصر الله والفتح، جاء أَهْلُ اليَمَنِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، وَمَا أَهْلُ الْيَمَنِ؟ قال: قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قلُوبُهُمْ، لَيّنَةٌ [طِبَاعُهُمْ]، الإيمان يَمَانٌ والْحِكْمَة يَمَانِيه "** [قالت عائشة رضي الله عنها: **" مَا صَلّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةً بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } إِلاَّ يَقُولُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ".** وروي عنها **" أنه عليه السلام كان يقول ذلك في ركوعه وسجودة يَتَأَوَّلُ القرآن "** وسئل عمر عن قوله { وَٱلْفَتْحُ } ، فقال: فتح المدائن والحصون، فقال لابن عباس: ما تقول؟ قال: أَجَلْ، هو مثل ضُرِبَ لمحمد، نُعِيَتْ له نفسه.
وقالت عائشة رضي الله عنها: **" كَان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه. قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه! فقال: خبرني ربي جل ثناؤه أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها، { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } ، (فتح) مكة { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً \* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } ".** وقال ابن عباس: سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قول الله { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } ، فقالوا: فتح المدائن والقصور / قال: فأنت يا ابن عباس ما تقول؟ قال: فقلت: هو مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم نعيت له نفسه.
وروي عنه أنه قال: هذه السورة علم وحد حده (الله لنبيه) ونعى له نفسه، (أي) إنك لن تعيش بعد هذا إلا قليلاً.
قال قتادة: " والله، ما عاش بعد ذلك إلا قليلاً، سنتين، ثم توفي صلى الله عليه وسلم ". وهو قول ابن مسعود ومجاهد والضحاك ومعنى { وَٱسْتَغْفِرْهُ }: واسأله المغفرة.
{ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }.
(أي): إن الله لم يزل ذا رجوع لعبده المطيع إلى ما يحب. وقوله: { وَٱسْتَغْفِرْهُ } وقف كاف عند أبي حاتم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) | قوله - عز وجل -: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }:
قال عامة أهل التأويل: إن قوله - تعالى -: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } هو مكة، والنصر الذي نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة.
قال أبو بكر الأصم: هذا لا يحتمل؛ لأن فتح مكة كان بعد الهجرة بثماني سنين، ونزول هذه السورة كان بعد الهجرة بعشر سنين، ولا يقال للذي مضى: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } ، ولكن أراد سائر الفتوح التي فتحها له، أو كلام نحو هذا، ولكن يحتمل أن يكون قوله: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } يعني: إذ جاء.
وجائز ذلك في اللغة، وفي القرآن كثير " إذا " مكان " إذ " ، فإن كان [على] هذا فيستقيم حمله على فتح مكة؛ على ما قاله أولئك.
أو يكون قوله تعالى -: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } ، أي: قد جاء نصر الله.
أو أن يكون أراد بما ذكر من النصر والفتح: الفتوح التي كانت له من بعد حين دخل الناس في دين الله أفواجا؛ على ما ذكرنا.
وقوله - عز وجل -: { نَصْرُ ٱللَّهِ } ، أي: عون الله وخذلانه لأعدائه.
أو أن يكون قوله - تعالى -: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }: هي فتوح الأمور التي فتحها الله - عز وجل - عليه من تبليغ الرسالة إلى من أمر بتبليغها إليهم، والقيام بالأمور التي أمره أن يقوم بها، فتح تلك الأمور عليه وأتمها، فإن كان على هذا، تصير فتوح تلك الأمور له نعيا له؛ بالدلالة على ما قاله أهل التأويل: إنه نعى لرسول الله صلى الله عليه وسلم نعيه، وجهة الاستدلال الوجوه التي ذكرنا.
وقوله - عز وجل -: { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً }.
ذكر أهل التأويل أنه كان قبل ذلك يدخل واحداً واحداً، فلما كان فتح مكة، جعلوا يدخلون دينه أفواجا أفواجا، وقبيلة قبيلة.
ويحتمل ما ذكرنا من سائر الفتوح، أي: فتوح الأمور التي ذكرنا، على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" نصرت بالرعب مسيرة شهرين، شهرا أمامي، وشهرا ورائي ".** ثم [في] قوله: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ \* وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } الآية، نعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه، وقد ذكر في الأخبار: أنه نعى إليه نفسه بهذه السورة.
أحدها: ما ذكرنا من جهة الاستدلال عرف أنه قد دنا أجله؛ حيث أتم ما أمر به، وفرغ منه: من التبليغ والدعاء.
والثاني: عرف ذلك اطلاعا من الله تعالى، أطلعه عليه بعلامات جعلها له؛ ففهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يدرك أفهامنا ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
والثالث: لما كفي مؤنة القيام بالتبليغ بنفسه بدخول الناس في الدين جماعة جماعة، وكان قبل ذلك يقوم بنفسه، عرف بذلك حضور أجله، وهو نوع من الدلالة.
ووجه الدلالة: أن القوم لما دخلوا في دين الله فوجا فوجا؛ دل ذلك على ظهور الإسلام وكثرة أهله؛ فكانت الغلبة والنصر دليل الأمن من الزوال عما هم عليه من الدين إذا زال الرسول.
وقوله - عز وجل -: { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } ، قال بعض أهل التأويل: أي: صل بأمر ربك، وأصله: ما ذكرنا فيما تقدم: أن التسبيح هو التنزيه، والتبرئة عن جميع معاني الخلق، والوصف بما يليق به، قال: نزهه وبرئه بالثناء عليه، وصفه بالصفات العلا، وسمه بالأسماء الحسنى التي علمك ربك.
ويحتمل أن يكون معنى قوله: { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } ، أي: قل: " سبحان الله وبحمده " على ما جاء في الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه **" " سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه ".** وهذا لأن " سبحان الله " حرف جامع يجمع جميع ما يستحق من الثناء عليه، والوصف له بالعلو والعظمة والجلال، والتنزيه عن جميع العيوب والآفات، وعن جميع معاني الخلق، جعل لهم هذا الحرف الجامع؛ لما عرف عجزهم عن القيام بالوصف بجميع ما يستحق من الثناء عليه.
وكذلك حرف " الحمد لله " ، هو حرف جامع يجمع شكر جميع ما أنعم الله عليهم، جعل لهم ذلك؛ لما عرف من عجزهم، وقلة شكر ما أنعم عليهم واحدا بعد واحد.
وعلى ذلك يخرج قوله: " اللهم صل على محمد " ، أمرهم أن يجعلوا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله - عز وجل -:**{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }** [الأحزاب: 56] ولما لم يجعل في وسعهم القيام بما يستحقه أمروا أن يقولوا: " اللهم صل على محمد "؛ ليكون هو المتولي ذلك بنفسه، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَٱسْتَغْفِرْهُ }:
قال أبو بكر الأصم: دل قوله - عز وجل -: { وَٱسْتَغْفِرْهُ } على أن كان منه تقصير وتفريط في أمره حتى أمره بالاستغفار عن ذلك.
لكن هذا كلام وحش؛ لا يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقصير في شيء، ولا بالتفريط في أمر قط، ولكن قد جعل الله - تعالى - على كل أحد من نعمه وفضله وإحسانه في طرفة عين ولحظة بصر ما ليس في وسعه وطاقته القيام بشكر واحد منها، وإن لطف، وإن طال عمره؛ فأمره بالاستغفار؛ لما يتوهم منه التقصير في أداء شكر نعمه عن القيام بذلك.
أو أن يكون لأمته لا لنفسه.
فإن قال قائل: ما معنى أمره بالاستغفار، وقد ذكر أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟
فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه يجوز أن يكون أمر بالاستغفار لأمته، نحو قوله - تعالى -:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ }** [محمد: 19].
أو أن يكون الله - تعالى - وعد له المغفرة إذا لزم الاستغفار، ودام عليه.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }:
أي: كان لم يزل توابا، ليس أن صار توابا بأمر اكتسبه وأحدثه، على ما تقول المعتزلة: إنه صار توابا.
ثم قوله: { تَوَّاباً } ، على التكثير، أي: يقبل توبة بعد توبة، أي: إذا تاب مرة، ثم ارتكب الجرم وعصاه؛ ثم تاب ثانيا، وثالثا، وإن كثر؛ فإنه يقبل توبته.
والثاني: { تَوَّاباً } ، أي: رجاعا يرجعهم ويردهم عن المعاصي، إلى أن يتوبوا، أي: هو الذي يوفقهم على التوبة.
ثم قال: { تَوَّاباً } ، ولم يقل: " غفاراً " ، وحق مثله من الكلام أن يقال: " إنه كان غفارا "؛ كما قال في آية أخرى:**{ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً }** [نوح: 10]، ولكن المعنى فيه عندنا: أن المراد من الاستغفار ليس قوله: " أستغفر الله " ، ولكن أن يتوب إليه، ويطلب منه المغفرة بالتوبة؛ { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }.
ويجوز أن يكون فيه إضمار؛ كأنه قال: " واستغفره، وتب إليه؛ إنه كان توابا ".
ويجوز [أن يستغنى] بذكر الاستغفار في السؤال عن ذكره في الجواب، وأحرى [أن يستغنى] بذكر التوبة في الجواب عن ذكرها في السؤال، وقد يجوز مثل هذا في الكلام.
ثم الدين اسم يقع على ما يدين به الإنسان، حقا كان أو باطلا، وعلى ذلك أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يدين به إلى نفسه، وما دان به الكفرة إليهم، حيث قال:**{ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }** [الكافرون: 6]، وأما إضافته إلى الله - تعالى - حيث قال: { يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } [الآية]؛ لأنه الدين الذي أمرهم به، ودعاهم إليه؛ لذلك خرجت الإضافة والنسبة إليه، والله أعلم [بالصواب].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) | { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } أي: إذا جاءك يا أكمل الرسل وعد الله الذي وعدك أن ينصرك على جميع أعدائك، ويظهر دينك على الأديان كلها { وَٱلْفَتْحُ } [النصر: 1] الذي أخبرك الحق بقوله:**{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }** [الفتح: 1].
{ وَ } بعدما جاءك الفتح والنصر الموعود آن لك وكمل ظهورك واستيلاؤك على عموم الأعادي، وظهر دينك على سائر الأديان { رَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } [النصر: 2] فوجاً فوجاً، فرقةً فرقةً، بعدما كانوا يدخلون فيه فرادى فرادى.
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل؛ شكراً لما أعطاك جميع ما وعدك، وفتح عليك الآفاق، وأتم ببعثتك وظهورك محاسن الشيم ومكارم الأخلاق { وَٱسْتَغْفِرْهُ } واطلب منه العفو والغفران من لدنه؛ هضماً لنفسك وفرطاتك؛ إذ قلمَّا يخلو المبشر من الخطر.
{ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } [النصر: 3] يغفر من استغفر له، ويقبل توبة من أناب إليه أيضاً، سيما إذا كانت مقرونة بالإخلاص.
وبعدما نزلت هذه السورة، وأمر سبحانه صلى الله عليه وسلم بالحمد والاستغفار، تغمم الأصحاب وتحزنوا، وفهموا منها أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرُب، فودَّعه الحق، وأمره بالحمد والاستغفار؛ لذلك سما هذه السورة سورة التوديع أيضاً.
خاتمة السورة
عليك أيها الطالب للنجاة الأخروية والراغب إلى اللذات اللدنية الروحانية الموعودة فيها أن تستغفر إلى الله، وتسترجع نحوه في أوقاتك وحالاتك، وتفوض أمورك كلها إليه، وتتخذه وكيلاً، وتجعله حسيباً وكفيلاً، فلك أن تواظب على الطاعات والعبادات، وتجتنب عن مطلق المحارم والمنكرات، يحفظك الحق عن جميع الملمَّات ويوصلك إلى عموم المهمات بفضله ولطفه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) | قوله: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } المجيء في الأصل اسم للموجود الغائب إذا حضر، والمراد حصل وتحقق، ففيه استعارة تبعية، حيث شبه حصول النصر عند حضور وقته بالمجيء، ثم اشتق منه لفظ جاء بمعنى حصل، وعبر بالمجيء إشعاراً بأن الأمور متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة لها، وأن ما قدر الله حصوله فهو كالحاصل، كأنه موجود حضر من غيبته، { إِذَا } ظرف لما يستقبل من الزمان، منصوب بسبح الواقع جوابها، وهي على بابها إن كانت السورة نزلت قبل الفتح، فإن كان النزول بعد الفتح فـ { إِذَا } بمعنى إذ، متعلقة بمحذوف تقديره أكمل الله الأمر، وأتم النعمة على العباد، إذا جاء نصر الله، { نَصْرُ ٱللَّهِ } مضاف لفاعله، ومفعوله محذوف قدره المفسر بقوله: (نبيه).
قوله: { وَٱلْفَتْحُ } أل فيه عوض عن المضاف إليه عند الكوفيين، أي وفتحه، أو العائد محذوف عند البصريين، أي والفتح منه، وعطفه على النصر عطف خاص على عام. قوله: (فتح مكة) أي التي حصل به أعظم فتوح الإسلام، وأعز الله به دينه ورسوله وجنده وحرمه ولتبشر به أهل السماء، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وسببها: **" أنه وقع الصلح بالحديبية، على أنه صلى الله عليه وسلم لا يتعرض لمن دخل في عقد قريش، وأنهم لا يتعرضون لمن دخل في عقده، وكان ممن دخل في عقده خزاعة، وفي عقدهم بنو بكر، وكانا متعاديين، فخرج بعض بني بكر وبني خزاعة فاقتتلوا، فأمدت قريش بني بكر، فخرج أربعون من خزاعة إليه صلى الله عليه وسلم يخبرونه ويستنصرونه، فقام وهو يجر رداءه ويقول: لا نصرت إن لم أنصركم بما أنصر به نفسي، ولما أحس أبو سفيان جاء إلى المدينة ليجدد العهد ويزيد في المدة، فأبى صلى الله عليه وسلم فرجع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز، وأمر أهله أن يجهزوه، وأعلم الناس أنه سائر إلى مكة وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش، حتى نبغتها في بلادها، فتجهز الناس، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم عامداً إلى مكة لعشر مضين في رمضان، وقيل: لليلتين مضتا منه سنة ثمان من الهجرة، فصام رسول الله والناس معه، حتى إذا كان بالكديد أفطر، عقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل، ثم مضى حتى نزل مر الظهران المسمى الآن بوادي فاطمة في عشرة آلاف، وقيل: أثني عشر ألفاً من المسلمين، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد، فلما نزل به أمرهم أن يوقدوا عشرة آلاف نار كل نار على حدة، فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار، وكان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق مهاجراً بعياله، فلما رأى ذلك الأمر قال: والله لئن دخل رسول الله مكة عنوة قبل أن يستأمنوه، لهلكت قريش إلى آخر الدهر، قال العباس: فركبت بغلة رسول الله البيضاء، وخرجت لأجد حطاباً أو ذا حاجة يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله، ليخرجوا إليه فيستأمنوه، قبل أن يدخلهم عليهم عنوة، وإذا أنا بأبي سفيان فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم، قال: مالك فداك أبي وأمي، قلت: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله قد جاءكم بما لا قبل لكم به، بعشرة آلاف من المسلمين، قال: وما الحيلة، قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله فأستأمنه لك، فأردفته ورجع حاصباه، فخرجت أركض به بغلة رسول الله، كلما مررت بنار من نيران المسلمين نظروا وقالوا: عم رسول الله صلى الله عليه سلم على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال: من هذا؟ وقام إلي، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال: يا أبا سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله، وركضت البغلة فسبقته؛ فلما وصلت النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه ودخل عليه عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه، قال: فقلت: يا رسول الله إني قد أجرته، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم: اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به، قال: فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله، قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، فما زال به حتى أسلم، قال العباس: يا رسول الله إن إبا سفيان رجل الفخر، فاجعل له شيئاً، قال: نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه عليه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهوآمن، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه سلم: أحبسه بمضيق الوادي حتى تمر به جنود الله، قال: ففعلت ومرت به القبائل على راياتها، كلها مرت به قبيلة قال: من هؤلاء يا عباس؟ فأقول: سليم، فيقول: ما لي، ولسليم، ثم تمر قبيلة فيقول: من هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة؟ فلا تمر قبيلة إلا سألني عنها، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة الخضراء، وفيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال: سبحان الله من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، فقال: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، قلت: ويحك إنها النبوة، قال: فنعم إذاً، فقلت: الحق الآن بقومك فحذرهم، فخرج سريعاً حتى أتى مكة، فصرخ في المسجد بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به. قالوا: وكيف السبيل؟ قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: وحيك وما تغني عنا دارك، قال: من دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما وبايعاه، ثم بعثهما رسول الله بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وضرب قبته بأعلى مكة، وأمر خالد بن الوليد فيمن أسلم من خزاعة بني سليم، أن يدخلوا من أسفل مكة وقال لهم: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس، فقال سعد: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة أي الحرب، اليوم تستحل الحرمة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأمره على لسان علي كرم الله وجهه أن يدفع الراية لابنه قيس، وأخبر أبا سفيان أنه لم يأمر بقتل قريش، وأن اليوم يوم المرحمة، وأن الله يعز قريشاً، وخشي سعد أن ابنه يقع منه شيء أيضاً، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدفعها للزبير، وكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين مع الزبير أيضاً، فبعثه ومعه المهاجرون وخيلهم، وأمره أن يدخل من أعلى مكة، وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه، وأما خالد بن الوليد فقدم على قريش، وبني بكر والأحابيش بأسفل مكة، فقاتلوهم فهزمهم الله، ولم يكن بمكة قتال غير ذلك، فقتل من المشركين اثنا عشر رجلاً، أو ثلاثة عشر رجلاً، ولم يقتل من المسلمين إلا ثلاثة، وكان قد أمرهم النبي أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا نفراً سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، منهم: عبد الله بن سعد، وعبد الله بن خطل، كانا قد أسلما ثم ارتدا، ومنهم: قينتان كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن خطل، ومنهم الحويرث بن وهب، ومقيس بن صبابة، وإناس آخر، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لما اطمأن بالناس، حتى جاء البيت فطاف به سبعاً على راحلته، يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له فدخلها، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكن له الناس في المسجد، فقال: لا إله الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزب وحده، ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟ خيراً، أخر كريم، وابن أخ كريم، ثم قال: اذهبوا أنتم الطلقاء، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله أمكن منهم عنوة، فبذلك سمي أهل مكة الطلقاء، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام إليه علي بن أبي طالب، ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله اجمع لنا بين الحجابة والسقاية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي لي، فقال: هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم وفاء وبر، واجتمع الناس للبيعة فجلس إليهم رسول الله على الصفا، وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا، لما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وقد أحدقت به الأنصار، فقالوا فيما بينهم: أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم به؟ قال: ماذا قلتم؟ قالوا: لا شيء يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: معاذ الله المحيا محياكم، والممات مماتكم، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة، ثم خرج إلى هوازن وثقيف ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: { يَدْخُلُونَ } نصب على الحال إن كانت رأى بصرية، أو مفعول ثان إن كانت عملية. قوله: { أَفْوَاجاً } حال من فاعل { يَدْخُلُونَ } وهو جمع فوج. والمعنى: يدخلون زمراً زمراً من غير قتال، وقوله: (جاءه العرب) لا مفهوم له بل وغيرهم.
قوله: { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي قل: سبحان الله والحمد لله، تعجباً مما رأيت من عجيب إنعامه عليك. قوله: { وَٱسْتَغْفِرْهُ } أي سل الله الغفران، وإنما أمر الله تعالى نبيه بالاستغفار، مع أنه معصوم من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، ليترقى ويرجع إلى حضرة الحق، فإنه وإن كان مشغولاً بهداية الخلق، إلا أن مقام الصفوة والحضور والأنس أعلى وأجل، فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، ليزداد في التواضع والافتقار، وليكون ختام عمله التنزيه والاستغفار، وفيه تشريع للأمة، إذا طعن أحدهم في السن، فالغالب قرب أجله، فليكثر من ذلك ليختم عمله به.
قوله: { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } أي ولم يزل، فكان للدلالة على ثبوت خبرها لاسمها، ومعنى كونه { تَوَّاباً } أنه يكثر قبول التوبة، وبهذا اندفع ما يقال: إن كان للدلالة على ثبوت خبرها لاسمها في الماضي، وإذا كان كذلك فلا يصح أن يكون علة للاستغفار في الحال أو المستقبل. قوله: (وعلم بها أنه قد اقترب أجله) أي لقول مقاتل لما نزلت قرأها النبي صلى عليه وسلم على أصحابه، وفيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص والعباس، ففرحوا واستبشروا وبكى العباس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا عم؟ قال: نعيت إليك نفسك، قال: إنه كما قلت، فعاش بعدها ستين يوماً، ما رئي فيها ضاحكاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: نزلت في منى بعد أيام التشريق في حجة الوداع، فبكى عمر والعباس، فقيل لهما: هذا يوم فرح، فقالا: بل فيه نعي النبي صلى الله عليه وسلم، أي إخبار بموته. وعن ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع، ثم نزل:**{ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي }** [المائدة: 3] فعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها ثمانين يوماً، ثم نزلت آية الكلالة، فعاش بعدها خمسين يوماً، ثم نزل**{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ }** [البقرة: 281] فعاش بعدها إحدى وعشرين يوماً، وقيل: سبعة أيام، وقيل: غير ذلك قوله: (توفي صلى الله عليه وسلم سنة عشر) إن قلت: إن سنة عشر حج فيها وتوفي فيها ولده إبراهيم، فالصواب سنة إحدى عشرة. وأجيب: بأن المراد على تمام عشر من الهجرة إلى المدينة، وذلك لأن الهجرة كانت لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، وكانت وفاته لاثنتي عشرة خلت من ربيع أول، فكانت وفاته صلى الله عليه وسلم على رأس العاشرة، بالنظر لجعل التاريخ من الهجرة، وإن كانت لشهرين وشيء مضت من الحادية عشرة، إذا اعتبر التاريخ من أول السنة الشرعية وهو المحرم، فيصح أن يقال: توفي سنة إحدى عشرة، بالنظر لجعل التاريخ من المحرم، وتوفي سنة عشرة بالنظر لجعل التاريخ من يوم دخول المدينة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) | يا صاحب الفتح، اعلم أن الله تعالى يقول: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [النصر: 1] في جهادك ومقاتلتك الأعداء النفسانية والشيطانية، والفتح الذي حصل لك في تخليص حصونهم لمشيده.
{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ } [النصر: 2]؛ أي: القوى النفسانية والشيطانية، { يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ } [النصر: 2]؛ أي: يدخلون في حكم اللطيفة القلبية، ويدخلون دين الحق، ويكسرون أصنام الخلق ودنان خمر الغفلات، ويخربون بيت الأوثان وحان الشهوات، أو يدبرون عن الباطل ويقبلون على الحق، ويتوجهون إلى كعبة القلب ويستقبلون قبلته { أَفْوَاجاً } [النصر: 2]؛ أي: فوجاً بعد فوج من القوى الطبيعية والحسية والفكرية والعقلية.
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } [النصر: 3]؛ أي: نزه نفسك عن رؤية النصرة والفتح باجتهادك وكفايتك وحلتك ورأيك، وتيقن بأن النصر والفتح كان من توفيق الله تعالى، واحمد ربك على وجدان التوفيق لتنزيه نفسك عن هذه الرؤية وتسبيحك الحق؛ لأنه ما نصرك وما فتح عليك بعلة من العلل الخارجة والداخلة؛ لأنه منزّه عن أن يعمل عملاً بعلة - تبارك وتعالى - عن مباشرة فعل معلول وعمل مجهول، { وَٱسْتَغْفِرْهُ } [النصر: 3] من خطرات خطرت بقلبك من السرور بالنصر والفرح بالفتح؛ لأنهما من هذا المقام يحجبانك عن النصير الفتاح بالحقيقة.
{ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } [النصر: 3] يقبل توبة العبد ويوفقه بالتوبة؛ لأنه يحب توبة العبد المذنب كما أنه يحب عبادة العبد الصالح؛ لأن العبد المذنب مظهر لصفة غفاريته، والتائب مظهر لصفة توابيته، كما أن العابد مظهر لصفة معبوديته، على سمة الأسماء تجري أمور الناس، والأسماء مصدر الآثار، كما أن الصفات مصدر الأفعال، فاحفظ هذا السر العزيز.
واعلم أن النصرة إشارة إلى غلبة لطيفتك الخفية على جنود الباطل، والفتح إشارة إلى فتح مكة وجودك حرم صدرك وكعبة قلبك وتطهيرها عن جنود النسناس، وأحزاب الخناس، وأصنام الوسواس.
وفي هذه المقام يدخل السالك في زمرة الإنسان بعد خروجه عن مرتبة الناس، ولا يمكن للسالك الخروج عن المرتبة الناسية والدخول في دار الإنسانية إلا بالانخلاع عن لباس البشرية وخلاصه عن تلبيس الشيطانية، ولا تدرك هذه المعاني بالفكر والقياس والحدس الذكي وحده الحواس.
اللهم انصرنا على الأعادي، وافتح علينا أبواب الأيادي، واحفظنا في البوادي عن الخلق العادي، لنشكرك شكر الصادي عن الماء الزلال البارد في الحر الشديد إذا سقى في الكوز الجديد المملوء من الجليد ليكون بثمر المريد يا رب العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) | في هذه السورة الكريمة، بشارة وأمر لرسوله عند حصولها، وإشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك. فالبشارة هي البشارة بنصر الله لرسوله، وفتحه مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، بحيث يكون كثير منهم من أهله وأنصاره، بعد أن كانوا من أعدائه، وقد وقع هذا المبشر به، وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح، فأمر رسوله أن يشكر ربه على ذلك، ويسبح بحمده ويستغفره، وأما الإشارة، فإن في ذلك إشارتين: إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله، فإن هذا من الشكر، والله يقول:**{ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }** [إبراهيم: 7] وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة لم يزل نصر الله مستمراً، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان، ودخل فيه ما لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث، فابتلاهم الله بتفرق الكلمة، وتشتت الأمر، فحصل ما حصل. [ومع هذا] فلهذه الأمة، وهذا الدين، من رحمة الله ولطفه، ما لا يخطر بالبال، أو يدور في الخيال. وأما الإشارة الثانية، فهي الإشارة إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا، ووجه ذلك أن عمره عمر فاضل أقسم الله به. وقد عهد أن الأمور الفاضلة تختم بالاستغفار، كالصلاة والحج، وغير ذلك. فأمرُ الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال، إشارة إلى أن أجله قد انتهى، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه. فكان صلى الله عليه وسلم يتأوّل القرآن، ويقول ذلك في صلاته، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: **" سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ) | 3728- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن، قال: كان إذا قرأ: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }: [الآية: 1]، قال: أجيب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وقورب له فقارب، والله ما قورب له، فالحمد لله الذي أقر بعينه، وأسرع به إلى كرامته، وحيث وعد بحظه.
3729- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أن ابن عباس قال في قوله تعالى: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }: إلى آخرها، قال: علمٌ وَحَدٌّ حدَّه اللهُ عزَّ وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم، ونعى إليه نفسه، إنك لن تعيش بعد فتح مكة إلاَّ قَلِيلاً.
3730- عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: سمعت أبا هريرة يقول: لما نزلَتْ: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [الآية: 1]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: **" أتاكم أهْلُ اليمن، هُمْ أرق قُلُوباً، الإيمانُ يَمانٍ، الفقِهُ يَمَانٍ، الحكمة يمانية ".** 3731- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه سلم، مثله، إلا أن معمراً لم يقل: حين نزلت: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ }.
3732- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن عِكْرِمة، قال: لَمَّا نَزَلَتْ { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } قال النبي صلى الله عليه وسلم: **" " جاء نصر الله، وجاء الفتح، وجاء أهل اليمن " قالوا: يا رسول الله، ومَا أهل اليمن؟ قال: " رقيقة قلوبهم، لَيِّنة طاعتهم، الإيمان يمان، الفِقه يمان، الحكمة يَمَانيةٌ " ".** 3733- حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا هشيم بن بشير، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن عمر دَعَا نفراً مِنْ أصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم، فسألَهُم عن { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }: فلم يقولوا شيئاً، قال ابن عباس، فقلت: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }: فتح مكة { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً \* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ }: [النصر: 2-3].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) | { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } أي: لدينه الحق على الباطل { وَٱلْفَتْحُ } أي: فتح مكة الذي فتح الله به بينه وبين قومه صلوات الله عليه، فجعل له الغلبة عليهم وضعف أمرهم في التمسك بعقائدهم الباطلة { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } أي: ورأيت الناس من صنوف العرب وقبائلها عند ذلك يدخلون في دين الله، وهو دينك الذي جئتهم به لزوال ذلك الغطاء الذي كان يحول بينهم وبينه، وهو غطاء قوة الباطل فيقبلون عليه أفواجاً طوائف وجماعات لا آحادا، كما كان في بدء الأمر أيام الشدة. إذ حصل ذلك كله وهو لا ريب حاصل { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي: فنزه ربك عن أن يهمل الحق ويدعه للباطل يأكله. وعن أن يخلف وعده في تأييده. وليكن هذا التنزيه بواسطة حمده والثناء عليه بأنه القادر الذي لا يغلبه غالب، والحكيم الذي إذا أمهل الكافرين ليمتحن قلوب المؤمنين، فلن يضيع أجر العاملين ولا يصلح عمل المفسدين. والبصير بما في قلوب المخلصين والمنافقين، فلا يذهب عليه رياء المرائين { وَٱسْتَغْفِرْهُ } أي: أسأَله أن يغفر لك ولأصحابك ما كان من القلق والضجر والحزن، لتأخر زمن النصر والفتح. والاستغفار إنما يكون بالتوبة الخالصة. والتوبةُ من القلق إنما تكون بتكميل الثقة بوعد الله، وتغليب هذه الثقة على خواطر النفس التي تحدثها الشدائد، وهو وإن كان مما يشق على نفوس البشر، ولكن الله علم أن نفس نبيّه صلى الله عليه وسلم قد تبلغ ذلك الكمال، فلذلك أمره به، وكذلك تقاربه قلوب الكمل من أصحابه وأتباعه عليه السلام. والله يتقبل منهم { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } أي: إنه سبحانه لا يزال يوصف بأنه كثير القبول للتوبة، لأنه ربٌّ يربي النفوس بالمحن. فإذا وجدت الضعف أنهضها إلى طلب القوة، وشدد همها بحسن الوعد. ولا يزال بها حتى تبلغ الكمال. وهي في كل منزلة تتوب عن التي قبلها. وهو سبحانه يقبل توبتها فهو التواب الرحيم. وكأن الله يقول: إذا حصل الفتح، وتحقق النصر، وأقبل الناس على الدين الحق، فقد ارتفع الخوف وزال موجب الحزن، فلم يبق إلا تسبيح الله وشكره، والنزوع إليه عما كان من خواطر النفس. فلن تعود الشدة تأخذ نفوس المخلصين ما داموا على تلك الكثرة في ذلك الإخلاص. ومن هذا أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الأمر قد تم ولم يبق له إلا أن يسير إلى ربه، فقال فيما روي عنه: إنه قد نعيت إليه نفسه. هذا ملخص ما أورده الإمام في تفسيره.
تنبيهات
الأول: قال ابن كثير: المراد بالفتح ههنا فتح مكة قولا واحداً. فإن أحياء العرب كانت تتلوّم بإسلامها فتح مكة. يقولون إن ظهر على قومه، فهو نبيّ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
فلما فتح الله عليه مكة، دخلوا في دين الله أفواجاً، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيماناً. ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ولله الحمد والمنة. وقد روى البخاريّ في صحيحه عن عمرو بن سلمة: **" كنا بماءٍ ممرَّ الناس. وكان يمرُ بنا الركبان فنسألهم: ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله تعالى أرسله أوحى إليه، (وأوحى الله بكذا) فكنت أحفظ ذلك الكلام وكأنما يُغْرَى في صدري. وكانت العرب تَلَوَّمُ بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه. فإنه إن ظهر عليهم فهو نبيّ صادق. فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم "** .. الحديث.
الثاني: قال الرازي: إذا حملنا الفتح على فتح مكة، فللناس في وقت نزول هذه السورة قولان:
أحدهما: أن فتح مكة كان سنة ثمان. ونزلت هذه السورة سنة عشر. وروي أنه عاش بعد نزول هذه السورة سبعين يوماً. ولذلك سميت سورة التوديع.
ثانيهما: أن هذه السورة نزلت قبل فتح مكة، وهو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصره على أهل مكة، وأن يفتحها عليه. ونظيره:**{ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ }** [القصص: 85] وقوله: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } يقتضي الاستقبال، إذ لا يقال فيما وقع (إذا جاء) و (إذا وقع) وإذا صح هذا القول صارت هذه الآية من جملة المعجزات. من حيث أنه خبر وجد مخبره بعد حين مطابقا له. والإخبار عن الغيب معجزة. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): ولأبي يعلى، من حديث ابن عمر: نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق، في حجة الوداع. فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع.
ثم قال: وسئلت عن قول الكشاف: إن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق، فكيف صدرت بـ { إِذَا } الدالة على الاستقبال؟ فأجبت بضعف ما نقله. وعلى تقدير صحته، فالشرط لم يتكمل بالفتح. لأن مجيء الناس أفواجا لم يكن كمل، فبقية الشرط مستقبل.
وقد أورد الطيبي السؤال، وأجاب بجوابين:
أحدهما: أن { إِذَا } قد ترد بمعنى (إذ) كما في قوله تعالى:**{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً... }** [الجمعة: 11] الآية.
ثانيهما: أن كلام الله قديم. وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى. انتهى كلامه.
الثالث: قال الشهاب: المراد بـ { ٱلنَّاسَ } العرب. فـ (أل) عهدية. أو المراد الاستغراق العرفيّ. والمراد عبدة الأصنام منهم؛ لأن نصارى تغلب لم يسلموا في حياته صلى الله عليه وسلم وأعطوا الجزية.
الرابع: روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: **" ما صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت عليه: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } إلا يقول فيها: " سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وفيه عنها أيضاً: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن " ".** قال الحافظ ابن حجر: معنى يتأول القرآن: يفعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار، في أشرف الأوقات والأحوال.
وقال ابن القيّم في (الهدى): كأنه أخذه من قوله تعالى: { وَٱسْتَغْفِرْهُ } لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور. فيقول إذا سلم من الصلاة: أستغفر الله ثلاثاً. وإذا خرج من الخلاء قال: " غفرانك ". وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك**{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ... }** [البقرة: 199] الآية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ) | قوله { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ... } إلى قوله { أَفْوَاجاً } تفسير الحسن قال لما فتح الله على رسوله مكة قالت العرب بعضهم لبعض ليس لكم بهؤلاء القوم يدان فجعلوا يدخلون في دين الله أفواجا أي قبائل قبائل.
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } قال الكلبي فعند ذلك نعيت إليه نفسه وقيل اعلم أنك ستموت عند ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً | * تفسير تذكرة الاريب في تفسير الغريب/ الامام ابي الفرج ابن الجوزي (ت 597 هـ) | فسبح صل وهذه السورة نعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) | والمعنى: إذا جاءك يا محمد { نَصْرُ ٱللَّهِ } على أعدائك من قريش وفتح مكة، وكان لعشر مضين من رمضان سنة ثمان.
{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } قال أبو عبيدة: جماعات في تفرقة.
قال الحسن: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب: أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان، فدخلوا في دين الله أفواجاً.
قوله تعالى: { فَسَبِّحْ } هو العامل في { إِذَا جَآءَ }.
والمعنى: فَصَلِّ، أو فقل: سبحان الله.
{ بِحَمْدِ رَبِّكَ } حامداً له حيث ردَّك إلى مكة ظاهراً عزيزاً قاهراً، تجرُّ عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، بعد أن خرجْتَ منها خائفاً متستراً، قد أظهر دينك، وأعلى كلمتك، وأوقع في القلوب هيبتك، وأنجز لك ما وعدك.
{ وَٱسْتَغْفِرْهُ } اطلب منه المغفرة؛ خضوعاً لجلاله، وإظهاراً لعظمته، وفقراً إلى رحمته، { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }.
وبالإسناد قال البخاري: حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: **" ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أنزلت عليه: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } إلا يقول فيها: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي ".** قال: وأخبرني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن ".** وأخرجه مسلم أيضاً عن زهير بن حرب، عن جرير.
قال البخاري: حدثني عبد الله بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن حبيب [بن] أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: **" أن عمر سألهم عن قول الله عز وجل: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }؟ قالوا: فتح المدائن والقصور. قال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال: أجل، أو مَثَلٌ ضُرِبَ لمحمد صلى الله عليه وسلم، نُعيت له نفسه ".** قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: **" كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تُدْخِل هذا معنا ولنا أبناءٌ مثله؟ [فقال عمر]: إنه مَنْ قد علمتم. فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله عز وجل: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فقال بعضهم: أُمِرْنا نحمدُ الله ونستغفره إذا نُصِرْنا وفُتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: إذا جاء نصر الله والفتح، فذلك علامة أجلك، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول ".** وكان ابن مسعود يقول: إن هذه السورة تسمى: سورة التوديع.
قال قتادة: عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين. والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّصۡرِ | Medinan | إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ | * تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ) | لمَّا أمره بمتاركة أعدائه بشّره بالنصر ليثبت فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ }: لك على أعدائك { وَٱلْفَتْحُ }: للمدائن، أو فتح مكة الذي هو أم الفتوح المترتبة بعد، فلا حاجة إلى جعل إذا بمعنى قد، لنزول السورة بعده { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً }: جماعات أُمّة بعد أُمّة، بعد ما كانوا يدخلون قليلا قليلا { فَسَبِّحْ }: ملتبسا { بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ }: استصغارا لعملك، ورتب على طريق النزول من الخالق إلى خلقه، وهو أولى من عكسه، وبعد نزوله كان يُكثرُ من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه { إِنَّهُ كَانَ }: لم يزل { تَوَّاباً }: كثير قبول التوبة، نزلت السورة نَعْياً له صلى الله عليه وسلم ولذا تسمى سورة التوديع، والله تعالى أعلم بالصواب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) | يقول تعالى ذكره: خَسِرت يدا أبي لهب، وخَسِر هو. وإنما عُنِي بقوله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } تبّ عمله. وكان بعض أهل العربية يقول: قوله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ }: دعاء عليه من الله. وأما قوله: { وَتَبَّ } فإنه خبر. ويُذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ». وفي دخول «قد» فيه دلالة على أنه خبر، ويمثَّل ذلك بقول القائل لآخر: أهلَكك الله، وقد أهلكك، وجعلك صالحاً وقد جعلك. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ }: أي خسرت وتب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } قال: التبّ: الخسران، قال: قال أبو لهب للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ماذا أُعطَى يا محمد إن آمنت بك؟ قال: **" كمَّا يُعْطَى المُسْلِمُونَ "** ، فقال: مالي عليهم فضل؟ قال: **" وأيَّ شَيْءٍ تَبْتَغِي؟ "** قال: تباً لهذا من دين تباً، أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } يقول: بما عملت أيديهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } قال: خَسِرت يدا أبي لهب وخَسِر. وقيل: إن هذه السورة نزلت في أبي لهب، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خَصَّ بالدعوة عشيرتَه، إذ نزل عليه:**{ وَأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ }** وجمعهم للدعاء، قال له أبو لهب: تبا لك سائرَ اليوم، ألهذا دعوتنا؟ ذكر الأخبار الواردة بذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا، فقال: **" يا صَباحاهْ "** فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ قال: **" أرأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أوْ مُمَسِّيكُمْ، أما كُنْتُمْ تُصَدَقُونِنَي؟ "** قالوا: بلى، قال: **" فإني نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "** ، فقال أبو لهب: تَبًّا لك، ألهذا دعوتنا وجمعتنا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ } إلى آخرها. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، مثله. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن نُمير، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت**{ وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ }** قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصَّفا ثم نادَى: **" يا صَباحاهْ "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
، فاجتمع الناس إليه، فبَيْنَ رجلٌ يجيء، وبين آخر يبعثُ رسولَه، فقال: **" يا بَنِي هاشِمٍ، يا بَنِي عَبْدَ المُطَّلِبِ، يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي... يا بَنِي أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً بِسَفْحٍ هَذَا الجَبَل "** يريد تغير عليكم **" صَدَّقْتُمُونِي؟ "** قالوا: نعم، قال: **" فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "** ، فقال أبو لهب: تَبًّا لك سائر اليوم، ألهذا دعوتنا؟ فنزلت: { تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ وَتَبَّ». حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو أُسامة، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية:**{ وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ }** ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى صعد الصفا، فهتف: **" يا صَباحاهْ "** ، فقالوا: مَنْ هذا الذي يهتف؟ فقالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال: **" يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي عَبْدَ المُطَّلِبِ، يا بَنِي عَبْدَ مَنافٍ "** ، فاجتمعوا إليه، فقال: **" أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدِّقْي؟ "** قالوا: ما جرّبنا عليك كذباً، قال: **" فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "** ، فقال أبو لهب: تَبًّا لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة: «تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ» كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } قال: حين أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إليه وإلى غيره، وكان أبو لهب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه عبد العُزّى، فذكرهم، فقال أبو لهب: تَبا لك، في هذا أرسلت إلينا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ }. وقوله: { ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ } يقول تعالى ذكره: أيَّ شيء أغنى عنه ماله، ودفع من سخط الله عليه { وَما كَسَبَ } وهم ولده. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأوي لذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن داود بن محمد المنكدِر، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خيثم، عن أبي الطفيل، قال: جاء بنو أبي لهب إلى ابن عباس، فقاموا يختصمون في البيت، فقام ابن عباس، فحجز بينهم، وقد كفّ بصره، فدفعه بعضهم حتى وقع على الفراش، فغضب وقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر الهُذَليّ، عن محمد بن سفيان، عن رجل من بني مخزوم، عن ابن عباس أنه رأى يوماً ولد أبي لهب يقتتلون، فجعل يحجُز بينهم ويقول: هؤلاء مما كسب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد { ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ } قال: ما كسب ولده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: { وَما كَسَبَ } قال: ولده هم من كسبه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله { وَما كَسَبَ } قال: ولده. وقوله: { سَيَصْلَى ناراً ذَاتَ لَهَبٍ } يقول: سيصلى أبو لهب ناراً ذات لهب. وقوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } يقول: سيصلى أبو لهب وامرأته حمالة الحطب، ناراً ذات لهب. واختلفت القرّاء في قراءة { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة: «حَمَّالَةُ الْحَطَبِ» بالرفع، غير عبد الله بن أبي إسحاق، فإنه قرأ ذلك نصباً فيما ذُكر لنا عنه. واختُلف فيه عن عاصم، فحكي عنه الرفع فيها والنصب، وكأنّ من رفع ذلك جعله من نعت المرأة، وجعل الرفع للمرأة ما تقدّم من الخبر، وهو «سيصلى»، وقد يجوز أن يكون رافعها الصفة، وذلك قوله: { فِي جِيدِها } وتكون «حَمَّالَة» نعتاً للمرأة. وأما النصب فيه فعلى الذمّ، وقد يُحتمل أن يكون نصبها على القطع من المرأة، لأن المرأة معرفة، وحمالة الحطب نكرة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: الرفع، لأنه أفصح الكلامين فيه، ولإجماع الحجة من القرّاء عليه. واختلف أهل التأويل، في معنى قوله: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } فقال بعضهم: كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليدخل في قَدمه إذا خرج إلى الصلاة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم، ليعقره وأصحابه، ويقال: { حَمَّالَةَ الْحَطَب }: نقالة للحديث. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل من هَمْدان يقال له يزيد بن زيد، أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم الشَّوْك، فنزلت: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَب } { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب }. حدثني أبو هريرة الضُّبَعي، محمد بن فِراس، قال: ثنا أبو عامر، عن قُرّة بن خالد، عن عطية الجدليّ. في قوله: { حمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تضع العِضاه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنما يطأ به كثيباً. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } كانت تحمل الشوك، فتلقيه على طريق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ليعقِره. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تأتي بأغصان الشوك، فتطرحُها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال آخرون: قيل لها ذلك: حمالة الحطب، لأنها كانت تحطب الكلام، وتمشي بالنميمة، وتعيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرِمة قال: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }: كانت تمشي بالنميمة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تمشي بالنميمة. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: النميمة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }: أي كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تحطِب الكلام، وتمشي بالنميمة. وقال بعضهم: كانت تُعَيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تَحْطِبُ فَعُيِّرت بأنها كانت تحطب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تمشي بالنميمة. وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عيسى بن يزيد، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زيد، وكان ألزم شيء لمسروق، قال: لما نزلت: { تَبَّتْ يَدَا أبَي لَهَبٍ } بلغ امرأة أبي لهب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يهجوكِ، قالت: علام يهجوني؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحمل حطباً «في جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»؟ فمكثت، ثم أتته، فقالت: إن ربك قلاك وودّعك، فأنزل الله:**{ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى }** وقوله: { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } يقول: في عنقها والعرب تسمى العنق جيداً ومنه قول ذي الرُّمَّة:
| **فَعَيْناكِ عَيْناها وَلَوْنُكِ لَوْنُها** | | **وَجِيدُكِ إلاَّ أنَّها غَيرُ عاطِلِ** |
| --- | --- | --- |
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { فِي جِيدِها حَبْلٌ } قال: في رقبتها. وقوله: { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: هي حبال تكون بمكة. ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: حبل من شجر، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: هي حبال تكون بمكة ويقال: المَسَد: العصا التي تكون في البكرة، ويقال المَسَد: قلادة من وَدَع. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: في قوله: { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد، وكانت تفتل وقال { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ }: حبل من نار في رقبتها. وقال آخرون: المَسَد: الليف. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السديّ، عن يزيد، عن عروة { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: سلسلة من حديد، ذرعها سبعون ذراعاً. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن السديّ، عن رجل يقال له يزيد، عن عروة بن الزُّبير { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن يزيد، عن عُرْوة بن الزبير { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن الأعمش، عن مجاهد { مِنْ مَسَدٍ } قال: من حديد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: حبل في عنقها في النار مثل طوق، طوله سبعون ذراعاً. وقال آخرون: المَسَد: الحديد الذي يكون في البَكْرة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: الحديدة تكون في البَكْرة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: عود البكرة من حديد. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: الحديدة للبكرة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ثنا المعمر بن سليمان، قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرِمة قال: { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } إنه الحديدة التي في وسط البكرة. وقال آخرون: هو قِلادة من وَدَع في عنقها. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: قلادة من وَدَع. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: قلادة من وَدَع. وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: هو حبلٌ جُمع من أنواع مختلفة، ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا، ومما يدلّ على صحة ما قلنا في ذلك قول الراجز:
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أيانِقَ** | | **صُهْبٍ عِتاقٍ ذاتِ مُخَ زَاهِقِ** |
| --- | --- | --- |
فجعل إمراره من شتى، وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب، أُمِرَّ من أشياء شتى، من ليف وحديد ولحاء، وجعل في عنقها طوقاً كالقلادة من ودع ومنه قول الأعشى:
| **تُمْسِي فيَصْرِفُ بابُها مِنْ دُونِنا** | | **غَلْقاً صَرِيفَ مَحَالَةِ الأَمْسادِ** |
| --- | --- | --- |
يعني بالأمساد: جمع مَسَد، وهي الجبال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) | التباب الهلاك. ومنه قولهم أشابة أم تابة؟ أي هالكة من الهرم والتعجيز. والمعنى هلكت يداه، لأنه فيما يروى أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَتَبَّ } وهلك كله. أو جعلت يداه هالكتين. والمراد هلاك جملته، كقوله تعالى**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** الحج 10 ومعنى { وَتَبَّ } وكان ذلك وحصل، كقوله
| **جَزَانِي جَزَاهُ اللَّهُ شَرَّ جَزَائِه جَزَاءَ الْكلاَبِ الْعَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَلْ** | | |
| --- | --- | --- |
ويدلّ عليه قراءة ابن مسعود «وقد تب» وروي 1369 أنه لما نزل**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** الشعراء 214 رقى الصفا وقال يا صباحاه، فاستجمع إليه الناس من كل أوب. فقال **" يا بني عبد المطلب، با بني فهر، إن أخبرتكم أنّ بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقيَّ "** ؟ قالوا نعم قال **" فإني نذير لكم بين يدي الساعة "** فقال أبو لهب تباً لك، ألهذا دعوتنا؟ فنزلت. فإن قلت لم كناه، والتكنية تكرمة؟ قلت فيه ثلاثة أوجه، أحدها أن يكون مشتهراً بالكنية دون الاسم، فقد يكون الرجل معروفاً بأحدهما، ولذلك تجري الكنية على الاسم، أو الاسم على الكنية عطف بيان، فلما أريد تشهيره بدعوة السوء، وأن تبقى سمة له، ذكر الأشهر من علميه ويؤيد ذلك قراءة من قرأ «يدا أبو لهب»، كما قيل علي بن أبو طالب. ومعاوية بن أبو سفيان لئلا يغير منه شيء فيشكل على السامع، ولفليتة بن قاسم أمير مكة ابنان، أحدهما عبد الله - بالجرّ، والآخر عبد الله بالنصب. كان بمكة رجل يقال له عبد الله - بجرّة الدال، لا يعرف إلاّ هكذا. والثاني أنه كان اسمه عبد العزّى، فعدّل عنه إلى كنيته. والثالث أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب، وافقت حاله كنيته فكان جديراً بأن يذكر بها. ويقال أبو لهب، كما يقال أبو الشر للشرير. وأبو الخير للخير، وكما كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المهلب أبا صفرة، بصفرة في وجهه. وقيل كنى بذلك لتهلب وجنتيه وإشراقهما، فيجوز أن يذكر بذلك تهكماً به، وبافتخاره بذلك. وقرىء «أبي لهب» بالسكون. وهو من تغيير الأعلام، كقولهم شمس بن مالك بالضم { مَا أَغْنَىٰ } استفهام في معنى الإنكار، ومحله النصب أو نفي { وَمَا كَسَبَ } مرفوع. وما موصولة أو مصدرية بمعنى ومكسوبه. أو وكسبه. والمعنى لم ينفعه ماله وما كسب بماله، يعني رأس المال والأرباح. أو ماشيته وما كسب من نسلها ومنافعها، وكان ذا سابياء. أو ماله الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه. أو ماله التالد والطارف. وعن ابن عباس ما كسب ولده. وحكي أن بني أبي لهب احتكموا إليه، فاقتتلوا، فقام يحجز بينهم، فدفعه بعضهم فوقع فغضب، فقال أخرجوا عني الكسب الخبيث، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه "** وعن الضحاك ما ينفعه ماله وعمله الخبيث، يعني كيده في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن قتادة عمله الذي ظنّ أنه منه على شيء، كقوله**{ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ }** الفرقان 23 وروي أنه كان يقول إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي «سيصلى» قرىء بفتح الياء وبضمها مخففاً ومشدداً، والسين للوعيد، أي هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته { وَٱمْرَأَتُهُ } هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل كانت تمشى بالنميمة ويقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم النائرة ويورث الشرّ. قال
| **مِنَ الْبِيضِ لَمْ تَصْطَدْ عَلَى ظَهْرِ لَأْمَةٍ وَلَمْ تَمْشِ بَيْنَ الْحَيِّ بالْحَطَبِ الرَّطْبِ** | | |
| --- | --- | --- |
جعله رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشرّ، ورفعت عطفاً على الضمير في { سَيَصْلَىٰ } أي سيصلى هو وامرأته. و { فِى جِيدِهَا } في موضع الحال، أو على الابتداء، وفي جيدها الخبر. وقرىء «حمالة الحطب» بالنصب على الشتم وأنا أستحب هذه القراءة وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل. وقرىء «حمالة الحطب» و«حمالة للحطب» بالتنوين، بالرفع والنصب. وقرىء «ومريته» بالتصغير. المسد الذي فتل من الحبال فتلاً شديداً، من ليف كان أو جلد، أو غيرهما. قال
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانِقِ** | | |
| --- | --- | --- |
ورجل ممسود الخلق مجدوله. والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تخسيساً لحالها، وتحقيراً لها، وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن، لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها وهما في بيت العزّ والشرف. وفي منصب الثروة والجدة. ولقد عيّر بعض الناس الفضل بن العباس ابن عتبة ابن أبي لهب بحمالة الحطب، فقال
| **مَاذَا أَرَدْتَ إلَى شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي أَمْ مَا تَعَيَّرُ مِنْ حَمَّالَةِ الْحَطَب ِ غَرَّاءَ شَادِخَةٍ فِي الْمَجْدِ غُرَّتُهَا كَانَتْ سَلِيلَةَ شَيْخٍ نَاقِبِ الحَسَبِ** | | |
| --- | --- | --- |
ويحتمل أن يكون المعنى أنّ حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم أو من الضريع وفي جيدها حبل من ما مسد من سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1370 **" من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) | القراءة: قرأ ابن كثير أبي لَهْب ساكنة الهاء والباقي بفتحها واتفقوا في ذات لهب أنها مفتوحة الهاء لوفاق الفواصل وقرأ عاصم حمالة الحطب بالنصب والباقون بالرفع وروي عن البرجمي { سيصلى } بضم الياء وهي قراءة أشهب العقيلي وأبي رجاء وفي الشواذ قراءة ابن مسعود ومُرَيْئَتُهُ حمالةٌ للحطب { في جيدها حبل من مسد } الحجة: قال أبو علي: يشبه أن يكون لَهَبَ وَلَهْب لغتين كالشَمَع والشَمْع والنَهَر والنَهْر واتفاقهم في الثانية على الفتح يدل على أنه أوجه من الإسكان وكذلك قوله ولا يغني من اللهب وأما { حمالة الحطب } فمن رفع جعله لقوله { وامرأته } ويدل على أن الفعل قد وقع كقولك مررت برجل ضارب عمراً أمس فهذا لا يكون إلا معرفة ولا يقدر فيه إلا الانفصال كما يقدر في هذا النحو إذا لم يكن الفعل واقعاً وأما ارتفاع امرأته فيحتمل وجهين أحدهما: العطف على فاعل سيصلى التقدير سيصلى ناراً هو وامرأته إلا أن الأحسن أن لا يؤكد لما جرى من الفصل بينهما ويكون { حمالة الحطب } على هذا وصفاً لها ويجوز في قوله { في جيدها } أن يكون في موضع حال وفيها ذكر منها ويتعلق بمحذوف ويجوز فيه وجه آخر وهو أن يرتفع امرأته بالابتداء { وحمالة } وصف لها { وفي جيدها } خبر المبتدأ وأما النصب في حمالة الحطب فعلى الذم لها كأنها كانت اشتهرت بذلك فجرت الصفة عليها للذم لا للتخصيص والتخليص من موصوف غيرها وقوله حبل معناه غليظ. رجل حبل الوجه وحبل الرأس. اللغة: التب والتباب الخسران المؤدّي إلى الهلاك والمسدّ الحبل من الليف وجمعه أمساد قال:
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِـــنْ أَيانِــقِ** | | **لَيْسَ بِأَنْيابٍ وَلا حَقائقِ** |
| --- | --- | --- |
النزول: سعيد بن جبير عن ابن عباس قال **" صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال: " يا صباحاه " فاقبلت إليه قريش فقالوا له ما لك فقال: " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدّقوني " قالوا: بلى قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " "** فقال أبو لهب: تبّاً لك لهذا دعوتنا جميعاً فأنزل الله هذه السورة أورده البخاري في الصحيح. المعنى: { تبت يدا أبي لهب وتب } أي خسرت يداه وخسر هو عن مقاتل وإنما قال خسرت يداه لأن أكثر العمل يكون باليد والمراد خسر عمله وخسرت نفسه بالوقوع في النار. وقيل: إن اليد هنا صلة كقولهم يد الدهر ويد السنة قال:
| **وأيدي الرزايا بالذخائر مولع** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل: معناه صفرت يداه من كل خير قال الفراء: الأول دعاء والثاني خبر فكأنه قال أهلكه الله وقد هلك وفي حرف عبد الله وأبي وقد تبَّ. وقيل: إن الأول أيضاً خبر ومعناه أنه لم تكتسب يداه خيراً قطّ وخسر مع ذلك هو نفسه أي تبَّ على كل حال وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديد المعاداة والمناصبة له قال طارق المحاربي: بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدّقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذّاب وإنما ذكر سبحانه كنيته دون اسمه لأنها كانت أغلب عليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: لأن اسمه عبد العزى فكره الله سبحانه أن ينسبه إلى العزى وأنه ليس بعبد لها وإنما هو عبد الله. وقيل: بل اسمه كنيته وإنما سمي بذلك لحسنه وإشراق وجهه وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان عن مقاتل. { ما أغنى عنه ماله وما كسب } أي ما نفعه ولا دفع عنه عذاب الله ماله { وما كسبه } ويكون ما في قوله وما كسب موصولة والضمير العائد من الصلة محذوف. وقيل: معناه أيّ شيء أغنى عنه ماله وما كسب يعني ولده لأن ولد الرجل من كسبه وذلك أنه قال لما أنذره النبي صلى الله عليه وسلم: بالنار إن كان ما تقول حقاً فإني أفتدي بمالي وولدي. ثم أنذره سبحانه بالنار فقال { سيصلى ناراً ذات لهب } أي سيدخل ناراً ذات قوة واشتعال تلتهب عليه وهي نار جهنم وفي هذا دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته لأنه أخبر أن أبا لهب يموت على كفره وكان كما قال { وامرأته } وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان { حمالة الحطب } كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة ليعقره عن ابن عباس وفي رواية الضحاك قال الربيع بن أنس: كانت تبث وتنشر الشوك على طريق الرسول فيطأه كما يطأ أحدكم الحرير. وقيل: إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس فتلقي بينهم العداوة وتوقد نارها بالتهييج كما توقد النار الحطب فسمى النميمة حطباً عن ابن عباس في رواية أخرى وقتادة ومجاهد وعكرمة والسدي قالت العرب: فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به قال:
| **ولـم يمـش بيـن الحـي بالحطـب الرطـب** | | |
| --- | --- | --- |
أي لم يمش بالنميمة. وقيل: حمالة الحطب معناه حمالة الخطايا عن سعيد بن جبير وأبي مسلم ونظيره قوله**{ وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم }** [الأنعام: 31]. { في جيدها حبل من مسد } أي في عنقها حبل من ليف وإنما وصفها بهذه الصفة تخسيساً لها وتحقيراً. وقيل: حبل يكون له خشونة الليف وحرارة النار وثقل الحديد يجعل في عنقها زيادة في عذابها. وقيل: في عنقها سلسلة من حديد طولها سبعون ذراعاً تدخل من فيها وتخرج من دبرها وتدار على عنقها في النار عن ابن عباس وعروة بن الزبير وسميت السلسلة مسداً بمعنى أنها ممسودة أي مفتولة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: أنها كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت لأنفقنها في عداوة محمد فيكون عذاباً يوم القيامة في عنقها عن سعيد بن المسيب. ويروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت هذه السورة أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
| **مُذَمَّماً أبينــا. ودينه قلينــا وأمره عصينــا** | | |
| --- | --- | --- |
والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إنها لن تراني "** وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال**{ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً }** [الإسراء: 45] فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر أخبرت أن صاحبك هجاني فقال: " لا وربّ البيت ما هجاك " فولَّت وهي تقول " قريش تعلم أني بنت سيّدها " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" صرف الله سبحانه عنّي أنهم يذمون مُذَمَّماً وأنا محمد "** ومتى قيل: كيف يجوز أن لا ترى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأت غيره فالجواب يجوز أن يكون الله قد عكس شعاع عينيها أو صلب الهواء فلم ينفذ فيه الشعاع أو فرَّق الشعاع فلم يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" ما زال ملك يسترني عنها "** وإذا قيل هل كان يلزم أبا لهب الإيمان بعد هذه السورة وهل كان يقدر على الإيمان ولو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله سبحانه بأنه سيصلى ناراً ذات لهب فالجواب أن الإيمان يلزمه لأن تكليف الإيمان ثابت عليه وإنما توعده الله بشرط أن لا يؤمن ألا ترى إلى قوله سبحانه في قصة فرعون**{ الآن وقد عصيت قبل }** [يونس: 91] وفي هذا دلالة على أنه لو تاب قبل وقت اليأس لكان يقبل منه ولهذا خصَّ ردّ التوبة عليه بذلك الوقت وأيضاً فلو قدرنا أن أبا لهب سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال لو آمنت هل أدخل النار لكان صلى الله عليه وسلم يقول له لا وذلك لعدم الشرط.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) | وفيه مسائل. المسألة الأولى: لما أخبر تعالى عن حال أبي لهب في الماضي بالتباب وبأنه ما أغنى عنه ماله وكسبه، أخبر عن حاله في المستقبل بأنه سيصلى ناراً. المسألة الثانية: { سَيَصْلَىٰ } قرىء بفتح الياء وبضمها مخففاً ومشدداً. المسألة الثالثة: هذه الآيات تضمنت الإخبار عن الغيب من ثلاثة أوجه أحدها: الإخبار عنه بالتباب والخسار، وقد كان كذلك وثانيها: الإخبار عنه بعدم الانتفاع بماله وولده، وقد كان كذلك. روى أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام دخل بيتنا، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وأسلمت أنا، وكان العباس يهاب القوم ويكتم إسلامه، وكان أبو لهب تخلف عن بدر، فبعث مكانه العاص بن هشام، ولم يتخلف رجل منهم إلا بعث مكانه رجلاً آخر، فلما جاء الخبر عن واقعة أهل بدر وجدنا في أنفسنا قوة، وكنت رجلاً ضعيفاً وكنت أعمل القداح ألحيها في حجرة زمزم، فكنت جالساً هناك وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذا أقبل أبو لهب يجر رجليه، فجلس على طنب الحجرة وكان ظهري إلى ظهره، فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، فقال له أبو لهب: كيف الخبر يا ابن أخي؟ فقال: لقينا القوم ومنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف أرادوا، وأيم الله مع ذلك تأملت الناس، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض، قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة، ثم قلت: أولئك والله الملائكة، فأخذني وضربني على الأرض، ثم برك علي فضربني وكنت رجلاً ضعيفاً، فقامت أم الفضل إلى عمود فضربته على رأسه وشجته، وقالت: تستضعفه إن غاب سيده، والله نحن مؤمنون منذ أيام كثيرة، وقد صدق فيما قال: فانصرف ذليلاً، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته، ولقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثاً ما يدفناه حتى أنتن في بيته، وكانت قريش تتقي العدسة وعدواها كما يتقي الناس الطاعون، وقالوا نخشى هذه القرحة، ثم دفنوه وتركوه، فهذا معنى قوله: { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } وثالثها: الإخبار بأنه من أهل النار، وقد كان كذلك لأنه مات على الكفر. المسألة الرابعة: احتج أهل السنة على وقوع تكليف مالا يطاق بأن الله تعالى كلف أبا لهب بالإيمان، ومن جملة الإيمان تصديق الله في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن وأنه من أهل النار، فقد صار مكلفاً بأنه يؤمن بأنه لا يؤمن، وهذا تكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال. وأجاب الكعبي وأبو الحسين البصري بأنه لو آمن أبو لهب لكان لهذا الخبر خبراً بأنه آمن، لا بأنه ما آمن، وأجاب القاضي عنه فقال: متى قيل: لو فعل الله ما أخبر أنه لا يفعله فكيف يكون؟ فجوابنا: أنه لا يصح الجواب عن ذلك بلا أو نعم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
واعلم أن هذين الجوابين في غاية السقوط، أما الأول: فلأن هذه الآية دالة على أن خبر الله عن عدم إيمانه واقع، والخبر الصدق عن عدم إيمانه ينافيه وجود الإيمان منافاة ذاتية ممتنعة الزوال فإذا كان كلفه أن يأتي بالإيمان مع وجود هذا الخبر فقد كلفه بالجمع بين المتنافيين. وأما الجواب الثاني: فأرك من الأول لأنا لسنا في طلب أن يذكروا بلسانهم لا أو نعم، بل صريح العقل شاهد بأن بين كون الخبر عن عدم الإيمان صدقاً، وبين وجود الإيمان منافاة ذاتية، فكان التكليف بتحصيل أحد المتضادين حال حصول الآخر تكليفاً بالجمع بين الضدين، وهذا الإشكال قائم سواء ذكر الخصم بلسانه شيئاً أم بقي ساكتاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) | أي ذات اشتعال وتلهُّب. وقد مضى في سورة «المرسلات» القول فيه. وقراءة العامة: «سَيَصْلَى» بفتح الياء. وقرأ أبو رجاء والأعمش: بضم الياء. ورواها محبوب عن إسماعيل عن ابن كثير، وحسين عن أبي بكر عن عاصم، ورويت عن الحسن. وقرأ أشهب العُقيلي وأبو سَمَّال العَدَوي ومحمد بن السَّمَيْقع «سَيُصْلَى» بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام ومعناها سَيُصْليه الله من قوله:**{ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ }** [الواقعة: 94]. والثانية من الإصلاء أي يصليه الله من قوله:**{ فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً }** [النساء: 30]. والأُولَى هي الاختيار لإجماع الناس عليها وهي من قوله:**{ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ }** [الصافات: 163].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) | مكية، وآيها خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ تَبَّتْ } هلكت أو خسرت والتباب خسران يؤدي إلى الهلاك. { يَدَا أَبِى لَهَبٍ } نفسه كقوله تعالى:**{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ }** [البقرة: 195] وقيل إنما خصتا لأنه عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214] جمع أقاربه فأنذرهم فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا، وأخذ حجراً ليرميه به فنزلت. وقيل المراد بهما دنياه وأخراه، وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته ولأن اسمه عبد العزى فاستكره ذكره، ولأنه لما كان من أصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله، أو ليجانس قوله: { ذَاتَ لَهَبٍ } وقرىء «أبو لهب» كما قيل علي بن أبو طالب. { وَتَبَّ } إخبار بعد دعاء والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه كقوله:
| **جَزَانِي جَزَاهُ الله شَرَّ جَزائِه** | | **جَزاءَ الكِلاَبِ العَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَل** |
| --- | --- | --- |
ويدل عليه أنه قرىء «وقد تب» أو الأول إخبار عما كسبت يداه والثاني عن عمل نفسه.
{ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } نفي لإِغناء المال عنه حين نزل به التباب أو استفهام إنكار له ومحلها النصب. { وَمَا كَسَبَ } وكسبه أو مكسوبه بماله من النتائج والأرباح والوجاهة والإِتباع، أو عمله الذي ظن أنه ينفعه أو ولده عتبة، وقد افترسه أسد في طريق الشام وقد أحدق به العير ومات أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدودة، وترك ثلاثاً حتى أنتن ثم استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، فهو إخبار عن الغيب طابقه وقوعه.
{ سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } اشتعال يريد نار جهنم، وليس فيه ما يدل على أنه لا يؤمن لجواز أن يكون صليها للفسق، وقرىء { سَيُصْلَىٰ } بالضم مخففاً و { سَيُصْلَىٰ } مشدداً.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } عطف على المستتر في { سَيَصْلَىٰ } أو مبتدأ وهي أم جميل أخت أبي سفيان. { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } يعني حطب جهنم فإنها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمل زوجها على إيذائه، أو اليميمة فإنها كانت توقد نار الخصومة، أو حزمة الشوك أو الحسك، فإنها كانت تحملها فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عاصم بالنصب على الشتم.
{ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } أي مِمَّا مُسِّدَ أي فَتِلَ، ومنه رجل ممسود الخلق أي مجدوله، وهو ترشيح للمجاز أو تصوير لها بصورة الخطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تحقيراً لشأنها، أو بياناً لحالها في نار جهنم حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنم كالزقوم، والضريع وفي جيدها سلسلة من النار، والظرف في موضع الحال أو الخبر وحبل مرتفع به.
عن النبي صلى الله عليه وسلم **" من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) | قال البخاري حدثنا محمد بن سلام، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى **" يا صباحاه "** فاجتمعت إليه قريش، فقال **" أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقوني؟ ــــ قالوا نعم، قال ــــ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد "** فقال أبو لهب ألهذا جمعتنا؟ تبّاً لك، فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها. وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } الأول دعاء عليه، والثاني خبر عنه، فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وكنيته أبو عتيبة، وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والبغضة له، والازدراء به، والتنقص له ولدينه. قال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل، وكان جاهلياً فأسلم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول **" يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله، تفلحوا "** والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول إنه صابىء كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فقالوا هذا عمه أبو لهب، ثم رواه عن سريج عن ابن أبي الزناد عن أبيه، فذكره. قال أبو الزناد قلت لربيعة كنت يومئذ صغيراً؟ قال لا، والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة، تفرد به أحمد. وقال محمد بن إسحاق حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة، فيقول **" يا بني فلان إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به "** وإذا فرغ من مقالته، قال الآخر من خلفه يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه، فقلت لأبي من هذا؟ قال عمه أبو لهب، رواه أحمد أيضاً والطبراني بهذا اللفظ، فقوله تعالى { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } أي خسرت وخابت، وضل عمله وسعيه { وَتُبْ } أي وقد تب، تحقق خسارته وهلاكه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقوله تعالى { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قال ابن عباس وغيره { وَمَا كَسَبَ } يعني ولده، وروي عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين مثله، وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان، قال أبو لهب إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } وقوله تعالى { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي ذات لهب وشرر وإحراق شديد { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان، وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال تعالى { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } يعني تحمل الحطب، فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه، وهي مهيأة لذلك، مستعدة له { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال مجاهد وعروة من مسد النار. وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تمشي بالنميمة، واختاره ابن جرير. وقال العوفي عن ابن عباس، وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير كانت تعيرالنبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب، فعيرت بذلك، كذا حكاه، ولم يعزه إلى أحد، والصحيح الأول، والله أعلم. قال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فاخرة، فقالت لأنفقنها في عداوة محمد، يعني فأعقبها الله بها حبلاً في جيدها من مسد النار. وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال المسد الليف، وقال عروة بن الزبير المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً، وعن الثوري هي قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً، وقال الجوهري المسد الليف، والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص، وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها، ومسدت الحبل أمسده مسداً، إذا أجدت فتله. وقال مجاهد { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي طوق من حديد، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسداً؟ وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الوليد بن كثير عن أبي تدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| **مُذَمَّماً أَبَيْنا ودِيْنَهُ قَلَيْنا وأَمْرَهُ عَصَيْنا** | | |
| --- | --- | --- |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله لقد أقبلت، وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إنها لن تراني "** وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى**{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا }** الإسراء 45 فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم ترَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها. قال وقال الوليد في حديثه أو غيره فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت، فقالت تعس مذمم، فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب إني لحصان فما أكلم، وثقاف فما أعلم، وكلتانا من بني العم، وقريش بعد أعلم. وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } ، جاءت امرأة أبي لهب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ومعه أبو بكر، فقال له أبو بكر لو تنحيت لا تؤذيك بشيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إنه سيحال بيني وبينها "** فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، فقالت يا أبا بكر هجانا صاحبك، فقال أبو بكر لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر، ولا يتفوه به، فقالت إنك لمصدق، فلما ولّت، قال أبو بكر ما رأتك؟ قال **" لا، ما زال ملك يسترني حتى ولت "** ثم قال البزار لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبل من نار جهنم، ترفع به إلى شفيرها، ثم ترمى إلى أسفلها، ثم كذلك دائماً، قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير، وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات كل مسد رشاء، وأنشد في ذلك
| **وبَكْرَةً ومِحْوَراً صَرّاراً ومَسَداً مِنْ أَبقٍ مُغاراً** | | |
| --- | --- | --- |
قال والأبق القنَّب. وقال آخر
| **يا مَسَدَ الخُوصِ تَعَوَّذْ مِنِّي إنْ تَكُ لَدْناً لَيِّناً فإِنِّي ما شِئْتَ منْ أَشْمَطَ مُقْسَئِنِّ** | | |
| --- | --- | --- |
قال العلماء وفي هذه السورة معجزة ظاهرة، ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما، لا باطناً ولا ظاهراً، لا مسراً ولا معلناً، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة. آخر تفسير السورة، ولله الحمد والمنة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) | { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي تلهُّب وتوقد فهي مآل تكنيته لتلهّب وجهه إشراقاً وحمرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) | معنى { تَبَّت } هلكت. وقال مقاتل خسرت. وقيل خابت. وقال عطاء ضلت. وقيل صفرت من كل خير، وخصّ اليدين بالتباب، لأن أكثر العمل يكون بهما. وقيل المراد باليدين نفسه، وقد يعبر باليد عن النفس، كما في قوله**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** الحج 10 أي نفسك. والعرب تعبر كثيراً ببعض الشيء عن كله، كقولهم أصابته يد الدهر، وأصابته يد المنايا، كما في قول الشاعر
| **لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مخبر** | | |
| --- | --- | --- |
وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم. وقوله { وَتَبَّ } أي هلك. قال الفراء الأوّل دعاء عليه، والثاني خبر، كما تقول أهلكه الله وقد هلك. والمعنى أنه قد وقع ما دعا به عليه، ويؤيده قراءة ابن مسعود وقد تبّ. وقيل كلاهما إخبار، أراد بالأوّل هلاك عمله، وبالثاني هلاك نفسه. وقيل كلاهما دعاء عليه، ويكون في هذا شبه من مجيء العامّ بعد الخاص، وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة، وذكره سبحانه بكنيته لاشتهاره بها، ولكون اسمه، كما تقدّم عبد العزى، والعزّى اسم صنم، ولكون في هذه الكنية ما يدلّ على أنه ملابس للنار لأن اللهب هي لهب النار، وإن كان إطلاق ذلك عليه في الأصل لكونه كان جميلاً، وأن وجهه يتلهب لمزيد حسنه، كما تتلهب النار. قرأ الجمهور { لهب } بفتح اللام، والهاء. وقرأ مجاهد، وحميد، وابن كثير وابن محيصن بإسكان الهاء، واتفقوا على فتح الهاء في قوله { ذَاتَ لَهَبٍ }. وروى صاحب الكشاف أنه قرىء " تبت يدا أبو لهب " وذكر وجه ذلك. { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي ما دفع عنه ما حلّ به من التباب، وما نزل به من عذاب الله ما جمع من المال، ولا ما كسب من الأرباح والجاه أو المراد بقوله { ماله } ما ورثه من أبيه، وبقوله { وَمَا كَسَبَ } الذي كسبه بنفسه. قال مجاهد وما كسب من ولد، وولد الرجل من كسبه، ويجوز أن تكون «ما» في قوله { مَا أَغْنَىٰ } استفهامية، أي أيّ شيء أغنى عنه؟ وكذا يجوز في قوله { وَمَا كَسَبَ } أن تكون استفهامية، أي وأيّ شيء كسب؟ ويجوز أن تكون مصدرية، أي وكسبه. والظاهر أن «ما» الأولى نافية، والثانية موصولة. ثم أوعده سبحانه بالنار فقال { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }. قرأ الجمهور { سيصلى } بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي سيصلى هو بنفسه، وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة، وابن مقسم، والأشهب العقيلي، وأبو السماك، والأعمش، ومحمد بن السميفع بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير، والمعنى سيصليه الله، ومعنى { ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتوقد، وهي نار جهنم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } معطوف على الضمير في " يصلى ". وجاز ذلك للفصل. أي وتصلى امرأته ناراً ذات لهب. وهي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. وكانت تحمل الغضى والشوك، فتطرحه بالليل على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن زيد، والضحاك، والربيع بن أنس، ومرّة الهمداني. وقال مجاهد، وقتادة، والسديّ إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس. والعرب تقول فلان يحطب على فلان إذا نمّ به، ومنه قول الشاعر
| **إن بني الأدرم حمالوا الحطب هم الوشاة في الرضا والغضب عليهم اللعنة تترى والحرب** | | |
| --- | --- | --- |
وقال آخر
| **من البيض لم يصطد على ظهر لأمة ولم يمش بين الناس بالحطب الرطب** | | |
| --- | --- | --- |
وجعل الحطب في هذا البيت رطباً لما فيه من التدخين الذي هو زيادة في الشرّ، ومن الموافقة للمشي بالنميمة. وقال سعيد بن جبير معنى حمالة الحطب أنها حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم فلان يحتطب على ظهره، كما في قوله**{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** الأنعام 31. وقيل المعنى حمالة الحطب في النار. قرأ الجمهور حمالة بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب، وأما على ما قدّمنا من عطف، { وامرأته } على الضمير في { تصلى } ، فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته، والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضيّ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي حمالة. وقرأ عاصم بنصب { حمالة } على الذمّ، أو على أنه حال من امرأته. وقرأ أبو قلابة حاملة الحطب. { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } الجملة في محل نصب على الحال من { امرأته }. والجيد العنق، والمسد الليف الذي تفتل منه الحبال، ومنه قول النابغة
| **مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد** | | |
| --- | --- | --- |
وقول الآخر
| **يا مسد الخوص تعوّذ مني إن كنت لدنا لينا فإني** | | |
| --- | --- | --- |
وقال أبو عبيدة المسد هو الحبل يكون من صوف. وقال الحسن هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن تسمى بالمسد. وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها. قال الضحاك، وغيره هذا في الدنيا، كانت تعير النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفقر، وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها فخنقها الله به فأهلكها. وهو في الآخرة حبل من نار. وقال مجاهد، وعروة بن الزبير هو سلسلة من نار تدخل في فيها وتخرج من أسفلها. وقال قتادة هو قلادة من ودع كانت لها. قال الحسن إنما كان خرزاً في عنقها. وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت واللات والعزّى، لأنفقنها في عداوة محمد، فيكون ذلك عذاباً في جسدها يوم القيامة. والمسد الفتل يقال مسد حبله يمسده مسداً أجاد فتله. وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن عباس قال «لما نزلت
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأقْرَبِينَ }** الشعراء 214 خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف **" يا صباحاه "** فاجتمعوا إليه، فقال **" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ؟ "** قالوا ما جربنا عليك كذباً، قال **" فإني نذير لكم بني يدي عذاب شديد "** فقال أبو لهب تباً لك إنما جمعتنا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } ». وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ }. قال خسرت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ابنه من كسبه. ثم قرأت { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قالت وما كسب ولده. وأخرج عبد الرزاق، والحاكم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَمَا كَسَبَ } قال كسبه ولده. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قال كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، وقال { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نقالة الحديث. { حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } قال هي حبال تكون بمكة. ويقال المسد العصا التي تكون في البكرة. ويقال المسد قلادة من ودع. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر، قالت «لما نزلت { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول
| **مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا** | | |
| --- | --- | --- |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت، وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إنها لن تراني "** وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى**{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا }** الإسراء 45 فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال لا، وربّ البيت ما هجاك فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها. وأخرجه البزار بمعناه، وقال لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ) | وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } وذلك أنه لما قال الله لنبيه عليه السلام وأنذر عشيرتك الأقربين فقال لهم بعدما دعاهم قولوا لا إله إلا الله فقال له عمه أخو أبيه من أمه واسمه عبد العزى كنيته أبو لهب تباً لك يا محمد ألهذا دعوتنا فأنزل الله فيه { تبت يدا أبي لهب } يقول خسرت يدا أبي لهب من كل خير { وَتَبَّ } خسر نفسه عن التوحيد { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ } في الآخرة { مَالُهُ } كثرة ماله في الدنيا { وَمَا كَسَبَ } يعني كثرة الأولاد { سَيَصْلَىٰ } سيدخل في الآخرة { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } تشعل تغيظ { وَٱمْرَأَتُهُ } معه أم جميلة بنت حرب بن أمية { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نقالة النميمة كانت تمشي بالنميمة بين المسلمين والكافرين ويقال كانت تأتي بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وطريق المسلمين { فِي جِيدِهَا } في عنقها في النار { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } سلسلة من حديد ويقال في عنقها رسن من ليف الذي اختنقت به وماتت.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) | قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } يعني خسر أبو لهب وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين نزل قوله تعالى**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء:214] صعد على الصفا ونادى فاجتمعوا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - **" أمرني ربي أن أنذر عشيرتي الأقربين وأدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فقولوا أشهد لكم بها عند ربي "** فأنكروا ذلك فقال أبو لهب تباً لك سائر الأيام ألهذا دعوتنا، وروي في خبر آخر أنه اتخذ طعاماً ودعاهم ثم قال **" أسلموا تسلموا وأطيعوا تهتدوا "** فقال أبو لهب تبّاً لك سائر الأيام ألهذا دعوتنا فنزلت (تبت يدا أبي لهب) يعني خسرت يدا أبي لهب عن التوحيد { وَتَبَّ } يعني وقد خسر ويقال إنما ذكر اليد وأراد به هو وقال مقاتل تبت يدا أبي لهب وتب يعني خسر نفسه وكان أبو لهب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه " عبد العزى " ولهذا ذكره بالكنية ولم يذكر اسمه لأن اسمه كان منسوباً إلى صنم وقال بعضهم كنيته كان اسمه ثم قال عز وجل { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } يعني ما نفعه ماله في الآخرة إذ كفر في الدنيا { وَمَا كَسَبَ } يعني ما ينفعه ولده في الآخرة إذا كفر في الدنيا والكسب أراد به الولد لأن ولد الرجل من كسبه ثم قال عز وجل { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } يعني يدخل في النار ذات لهب يعني ذات شعل ثم قال عز وجل { وَٱمْرَأَتُهُ } يعني امرأته تدخل النار معه { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قرأ عاصم حمالة الحطب بنصب الهاء ويكون على معنى الذم والشين ومعناه أعني حمالة الحطب والباقون بالضم على معنى الإبتداء وحمالة الحطب جعل نعتاً لها فقال (حمالة الحطب) يعني حمالة الخطايا والذنوب ويقال (حمالة الحطب) يعني تمشي بالنميمة فسمى النميمة حطباً لأنه يلقي بين القوم العداوة والبغضاء وكانت تمشي بالنميمة في عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويقال كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالليل من بغضها لهم حتى بلغ النبي - عليه السلام - شدة وعناء فحملت ذات ليلة حزمة شوك لكي تطرحها في طريقهم فوضعتها على جدار وشدتها بحبل من ليف على صدرها فأتاها جبريل - عليه السلام - ومده خلف الجدار وخنقها حتى ماتت فذلك قوله { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } أي من ليف وقال أكثر أهل التفسير (في جيدها حبل من مسد) يعني في الآخرة في عنقها سلسلة من حديد وتحتها نار وفوقها نار، وروى سعيد بن جبير رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب فقال أبو بكر رضي الله عنه لو تنحَّيْتَ يا رسول الله فإنها امرأة بذية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" سَيُحَال بيني وبينها "** فدخلت فلم تره فقالت لأبي بكر رضي الله عنه هجانا صاحبك فقال والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله قالت إنك لمصدق فاندفعت راجعة فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله ما رأتك فقال: **" لم يزل بيني وبينها ملك يسترني عنها حتى رجعت "** وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي يزيد بن زيد قال لما نزلت هذه السورة قيل لأمرأة أبي لهب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد هجاك فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في الخلاء وقالت يا محمد - صلى الله عليه وسلم - على ماذا تهجوني فقال **" أما والله ما أنا هجوتك ما هجاك إلا الله عز وجل "** قالت هل رأيتني أحمل الحطب أو رأيت في جيدي حبل من مسد؟ وقال مجاهد: (في جيدها حبل من مسد) مثل حديد البكرة، وقال غيره يعني عروة سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) | قوله تعالى: { تبّتْ يدا أبي لهب } اختلف في سبب نزولها في أبي لهب على ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أُعطَى إن آمنتُ بك يا محمد؟ قال: ما يعطَى المسلمون، قال: ما عليهم فضل؟ قال: وأي شيء تبتغي؟ قال: تبَّا لهذا من دين أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله فيه: { تبت يدا أبي لهب }.
الثاني: ما رواه ابن عباس أنه لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليها، ثم نادى يا صباحاه! فاجتمع الناس إليه، فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟! فأنزل الله تعالى هذه السورة.
الثالث: ما حكاه عبد الرحمن بن كيسان أنه كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفْدٌ انطلق إليهم أبو لهب، فيسألونه عن رسول الله ويقولون: أنت أعلم به، فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر، فيرجعون عنه ولا يلقونه، فأتاه وفد، ففعل معهم مثل ذلك، فقالوا: لا ننصرف حتى نراه ونسمع كلامه، فقال لهم أبو لهب: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبّاً له وتعساً، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاكتأب له، فأنزل الله تعالى " تَبّتْ " السورة، وفي " تبّتْ " خمسة أوجه:
أحدها: خابت، قاله ابن عباس.
الثاني: ضلّت، وهو قول عطاء.
الثالث: هلكت، قاله ابن جبير.
الرابع: صفِرت من كل خير، قاله يمان بن رئاب.
حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان بن عفان سمع الناس هاتفاً يقول:
| **لقد خلّوْك وانصدعوا** | | **فما آبوا ولا رجعوا** |
| --- | --- | --- |
| **ولم يوفوا بنذرِهمُ** | | **فيا تبَّا لما صَعنوا** |
والخامس: خسرت، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر:
| **تواعَدَني قوْمي ليَسْعوْا بمهجتي** | | **بجارية لهم تَبّا لهم تبّاً** |
| --- | --- | --- |
وفي قوله { يَدَا أَبِي لَهَبٍ } وجهان:
أحدهما: يعني نفس أبي لهب، وقد يعبر عن النفس باليد كما قال تعالى { ذلك بما قدمت يداك } أي نفسك.
الثاني: أي عمل أبي لهب، وإنما نسب العمل إلى اليد لأنه في الأكثر يكون بها.
وقيل إنه كني أبا لهب لحُسنه وتلهّب وجنته، وفي ذكر الله له بكنيته دون اسمه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه.
الثاني: لأنه كان مسمى بعبد هشم، وقيل إنه عبد العزى فلذلك عدل عنه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
الثالث: لأن الاسم أشرف من الكنية، لأن الكنية إشارة إليه باسم غيره، ولذلك دعا الله أنبياءه بأسمائهم.
وفي قوله { وتَبَّ } أربعة أوجه:
أحدها: أنه تأكيد للأول من قوله { تبت يدا أبي لهب } فقال بعده " وتب " تأكيداً. الثاني: يعني تبت يدا أبي لهب بما منعه الله تعالى من أذى لرسوله، وتب بما له عند الله من أليم عقابه.
الثالث: يعني قد تبّ، قاله ابن عباس.
الرابع: يعني وتبّ ولد أبي لهب، قاله مجاهد.
وفي قراءة ابن مسعود: تبت يدا أبي لهبٍ وقد تب، جعله خبراً، وهي على قراءة غيره تكون دعاء كالأول.
وفيما تبت عنه يدا أبي لهب وجهان:
أحدهما: عن التوحيد، قاله ابن عباس.
الثاني: عن الخيرات، قاله مجاهد.
{ ما أَغْنَى عَنْه مالُه وما كَسَب } في قوله " ما أغنى عنه " وجهان:
أحدهما: ما دفع عنه.
الثاني: ما نفعه، قاله الضحاك.
وفي { مالُه } وجهان:
أحدهما: أنه أراد أغنامه، لأنه كان صاحب سائمة، قاله أبو العالية.
الثاني: أنه أراد تليده وطارفه، والتليد: الموروث، والطارف: المكتسب.
وفي قوله { وما كَسَبَ } وجهان:
أحدهما: عمله الخبيث، قاله الضحاك.
الثاني: ولده، قاله ابن عباس.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" أولادكم من كسبكم "** وكان ولده عتبة بن أبي لهب مبالغاً في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم كأبيه، فقال حين نزلت { والنجم إذا هوى } كفرت بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، وتفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "** فأكله الأسد.
وفيما لم يغن عنه ماله وما كسب وجهان:
أحدهما: في عداوته النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: في دفع النار عنه يوم القيامة.
{ سَيَصْلَى ناراً ذاتَ لَهَبٍ } في سين سيصلى وجهان:
أحدهما: أنه سين سوف.
الثاني: سين الوعيد، كقوله تعالى { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ } و { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا } وفي { يَصْلًى } وجهان:
أحدهما: صلي النار، أي حطباً ووقوداً، قاله ابن كيسان.
الثاني: يعني تُصليه النار، أي تنضجه، وهو معنى قول ابن عباس، فيكون على الوجه الأول صفة له في النار، وعلى الوجه الثاني صفة للنار.
وفي { ناراً ذاتَ لَهَبٍ } وجهان:
أحدهما: ذات ارتفاع وقوة واشتعال، فوصف ناره ذات اللهب بقوتها، لأن قوة النار تكون مع بقاء لهبها.
الثاني: ما في هذه الصفة من مضارعة كنيته التي كانت من نذره ووعيده.
وهذه الآية تشتمل على امرين:
أحدهما: وعيد من الله حق عليه بكفره.
الثاني: إخبار منه تعالى بأنه سيموت على كفره، وكان خبره صدقاً، ووعيده حقاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
{ وامرأتُهُ حَمّالَةَ الحَطَبِ } وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان.
وفي { حمالة الحطب } أربعة أوجه: أحدها: أنها كانت تحتطب الشوك فتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها كانت تعيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، فكان يحتطب فعيرت بأنها كانت تحتطب، قاله قتادة.
الثالث: أنها كانت تحتطب الكلام وتمشي بالنميمة، قاله الحسن والسدي فسمي الماشي بالنميمة حمال الحطب لأنه يشعل العداوة كما تشعل النار الحطب، قال الشاعر:
| **إنّ بني الأَدْرَمِ حَمّالو الحَطَبْ** | | **هم الوُشاةُ في الرِّضا وفي الغَضَبْ.** |
| --- | --- | --- |
| **عليهمُ اللعْنةُ تَتْرى والحرَبْ.** | | |
وقال آخر:
| **مِنَ البِيضِ لم تُصْطَدْ على ظهر لأمةٍ** | | **ولم تمشِ بَيْن الحيّ بالحَطَب والرطْبِ.** |
| --- | --- | --- |
الرابع: أنه أراد ما حملته من الآثام في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كالحطب في مصيره إلى النار.
{ في جِيدِها حَبْل مِنْ مَسَدِ } جيدها: عنقها.
وفي { حبل من مسد } سبعة أقاويل:
أحدها: أنه سلسلة من حديد، قاله عروة بن الزبير، وهي التي قال الله تعالى فيها: { ذرعها سبعون ذراعاً } قال الحسن: سميت السلسلة مسداً لأنها ممسودة، أي مفتولة.
الثاني: أنه حبل من ليف النخل، قاله الشعبي، ومن قول الشاعر:
| **أعوذ بالله مِن لَيْل يُقرّبني** | | **إلى مُضاجعةٍ كالدَّلْكِ بالمسَدِ.** |
| --- | --- | --- |
الثالث: أنها قلادة من ودع، على وجه التعيير لها، قاله قتادة.
الرابع: أنه حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها، قاله الحسن، ذكرت به على وجه التعيير أيضاً.
الخامس: أنها قلادة من جوهر فاخر، قالت لأنفقنها في عداوة محمد، ويكون ذلك عذاباً في جيدها يوم القيامة.
السادس: أنه إشارة إلى الخذلان، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوطة في جيدها بحبل من مسد.
السابع: أنه لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى بها.
روى الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر أنه لما نزلت " تبت يدا " في أبي لهب وامرأته أم جميل أقبلت ولها ولولة وفي يدها قهر وهي تقول:
| **مُذَمَّماً عَصَيْنَا** | | **وأَمْرَهُ أَبَيْنا** |
| --- | --- | --- |
| **ودِينَه قَلَيْنا.** | | |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله قد أقبلت وإني أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى: { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } فأقبلت على أبي بكر، ولم تر رسول الله، فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت، ما هجاك، فولت فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مذمم، وانصرفت.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ | * تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) | { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قال ابن مسعود: لمّا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله عزّ وجلّ قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ }. أي ما يغني، وقيل: أي شيء يغني عنه ماله، أي ما يدفع عنه عذاب الله ما جمع من المال؟ وكان صاحب مواشٍ، { وَمَا كَسَبَ } قيل: يعني ولده لأن ولد الإنسان من كسبه كما جاء في الحديث: **" أطيبُ ما يأكل أحدُكم من كسبه، وإنّ ولده من كسبه ".** ثم أوعده بالنار فقال: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } ، أي ناراً تلتهب عليه. { وَٱمْرَأَتُهُ } ، أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه لتعقرهم، وهي رواية عطية عن ابن عباس. وقال قتادة ومجاهد والسُّدّي: كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث فتلقي العداوة بين الناس، وتوقد نارها كما توقد النار بالحطب، يقال: فلان يحطب على فلان إذا كان يُغْرِي به. وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا، دليله: قوله:**{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** [الأنعام: 31]. قرأ عاصم " حمَّالةَ " بالنصب على الذم، كقوله: { مَلعُونِين }. وقرأ الآخرون بالرفع وله وجهان: أحدهما سيصلى ناراً هو وامرأته حمالةُ الحطب والثاني: وامرأته حمالةُ الحطب في النار أيضاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) | روي في الحديث **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه: { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214] قال: " يا صفية بنت عبد المطلب، ويا فاطمة بنت محمد لا أملك لكما من الله شيئاً سلاني من مالي ما شئتما " ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش: " يا بني فلان، يا بني فلان " وروي أنه صاح بأعلى صوته: " يا صباحاه " فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم: " أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم، قال: " فإني نذير بين يدي عذاب شديد، " فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا، جمعتنا "؟ فافترقوا عنه ونزلت السورة "** ، و { تبت } معناه: خسرت، والتباب: الخسار والدمار، وأسند ذلك إلى اليدين من حيث اليد موضع الكسب والربح وضم ما يملك، ثم أوجب عليه أنه قد تب أي حتم ذلك عليه، ففي قراءة عبد الله بن مسعود: " تبت يدا أبي لهب وقد تب " ، و " أبو لهب ": هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سبقت له الشقاوة، وقرأ ابن كثير وابن محيصن: " أبي لهْب " بسكون الهاء، وقرأ الباقون: بتحريك الهاء، ولم يختلفوا في فتحها في { ذات لهب } ، وقوله تعالى: { ما أغنى عنه ماله وما كسب } يحتمل أن تكون { ما } نافية، ويكون الكلام خبراً عن أن جميع أحواله الدنياوية لم تغن عنه شيئاً حين حتم عذابه بعد موته، ويحتمل أن تكون { ما } استفهاماً على وجه التقرير أي أين الغناء الذي لماله ولكسبه؟ { وما كسب }: يراد به عرض الدنيا من عقار ونحوه، أو ليكون الكلام دالاً على أنه أتعب فيه نفسه لم يجئه عفوا لا بميراث وهبة ونحوه، وقال كثير من المفسرين: المراد بـ { ما كسب } بنوه، فكأنه قال: { ما أغنى عنه ماله } وولده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" خير ما كسب الرجل من عمل يده وإن ولد الرجل من كسبه "** ، وروي أن أولاد أبي لهب اختصموا عند ابن عباس فتنازعوا وتدافعوا، فقام ابن عباس ليحجز بينهم، فدفعه أحدهم، فوقع على فراشه، وكان قد كف بصره فغضب وصاح: أخرجوا عني الكسب الخبيث، وقرأ الأعمش وأبي بن كعب: " وما اكتسب " وقوله: { سيصلى ناراً ذات لهب } حتم عليه بالنار وإعلام بأنه يوافي على كفره، وانتزع أهل الأصول من هذه الآية تكليف ما لا يطاق، وأنه موجود في قصة أبي لهب، وذلك أنه مخاطب مكلف أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومكلف أن يؤمن بهذه السورة وصحتها، فكأنه قد كلف أن يؤمن، وأن يؤمن أنه لا يؤمن، قال الأصوليون ومتى ورد تكليف ما لا يطاق فهي أمارة من الله تعالى أنه قد حتم عذاب ذلك المكلف كقصة { أبي لهب } ، وقرأ الجمهور " سيَصلى " بفتح الياء، وقرأ ابن كثير والحسن وابن مسعود بضمها، وقوله تعالى: { وامرأته حمالة الحطب } هي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وعطف قوله { وامرأته } على المضمر المرفوع دون أن يؤكد الضمير بسبب الحائل الذي ناب مناب التأكيد، وكانت أم جميل هذه مؤذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها، وقال ابن عباس: كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه ليعقرهم، فلذلك سميت { حمالة الحطب } ، وعلى هذا التأويل، فـ { حمالة } معرفة يراد به الماضي، وقيل إن قوله { حمالة الحطب } استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها، فـ { حمالة } على هذا نكرة، يراد بها الاستقبال، وقيل هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين، كما تقول: فلان يحطب على فلان وفي حبل فلان، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين، وقال الشاعر:[الرجز]
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **إن بني الأدرم حمالو الحطب** | | **هم الوشاة في الرضى وفي الغضب** |
| --- | --- | --- |
وقرأ ابن مسعود: " ومرياته " ، وقرأ الجمهور: " حمالةُ " بالرفع، وقرأ عاصم: " حمالةَ " بالنصب على الذم، وهي قراءة الحسن والأعرج وابن محيصن، وقرأ ابن مسعود: " حمالةٌ للحطب " بالرفع ولام الجر، وقرأ أبو قلابة: " حاملة " الميم بعد الألف، وقوله: { في جيدها حبل من مسد } ، قال ابن عباس والضحاك والسدي وابن زيد: الإشارة إلى الحبل حقيقة الذي ربطت به الشوك وحطبه، قال السدي: " المسد " الليف، وقيل: ليف المقل ذكره أبو الفتح وغيره، وقال ابن زيد: هو شجر باليمن يسمى المسد، تصنع منه الحبال، وقال النابغة: [البسيط]
| **مقذوفة بدخيس النحض بازلها** | | **له صريف صريف القعو بالمسد** |
| --- | --- | --- |
القعو: البكرة، والمسد: الحبل، وقال عروة بن الزبير وسفيان ومجاهد وغيره: هذا الكلام استعارة والمراد سلسلة من حديد في جهنم ذرعها سبعون ذراعاً، ونحو هذا من العبارات، وقال قتادة: { حبل من مسد } ، قلادة من ودع، قال ابن المسيب: كان لها قلادة فاخرة فقالت: لأنفقنها على عداوة محمد.
قال القاضي أبو محمد: فإنما عبر عن قلادتها بـ { حبل من مسد } على جهة التفاؤل لها، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث، وروي في هذا الحديث أن هذه السورة لما نزلت وقرئت، بلغت أم جميل فجاءت أبا بكر وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقالت: يا أبا بكر: بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وإني شاعرة وقد قلت فيه [الرجز]
| **مذممـاً قلينـا** | | **ودينـه أبينـا** |
| --- | --- | --- |
فسكت أبو بكر ومضت هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لقد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) | وسبب نزولها ما روى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: **" لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214] صَعِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال: «يا صباحاه». فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ فقال: «أرأيتُكم إن أخبرتُكم أن العدوَّ مصبِّحكم، أو ممسِّيكم، أما كنتم تصدقوني؟» قالوا: بلى. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». قال أبو لهب: تَباً لك، ألهذا دَعوتَنَا؟ فأنزل الله تعالى: { تبت يدا أبي لهب } "** ومعنى تبت: خسرت يدا أبي لهب { وتب } أي: وخسر هو. قال الفراء: الأول: دعاء، والثاني: خبر، كما يقول الرجل: أهلكك الله وقد أهلكك، وجعلك الله صالحاً وقد جعلك. وقيل: ذكر يديه، والمراد نفسه، ولكن هذا عادة العرب يعبِّرون ببعض الشيء عن جميعه، كقوله تعالى:**{ ذلك بما قدَّمت يداك }** [الحج: 10]. وقال مجاهد: «تبت يدا أبي لهب وتب» ولد أبي لهب. فأما أبو لهب فهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن اسمه عبد العزى. وقرأ ابن كثير وحدُه «أبي لَهْبٍ» بإسكان الهاء. قال أبو علي: يشبه أن يكون لغة كالشَّمْعِ، والشَّمْعِ والنَّهْرِ، والنَّهَرِ.
فإن قيل: كيف كناه الله عز وجل، وفي الكنية نوع تعظيم؟
فعنه جوابان.
أحدهما: أنه إن صح أن اسمه عبد العُزَّى، فكيف يذكره الله بهذا الاسم وفيه معنى الشرك؟!
والثاني: أن كثيراً من الناس اشتهروا بكناهم، ولم يعرف لهم أسماء. قال ابن قتيبة: خبِّرني غير واحد عن الأصمعي أن أبا عمرو بن العلاء، وأبا سفيان ابن العلاء أسماؤهما كناهما، فإن كان اسم أبي لهب كنيته، فإنما ذكره بما لايعرف إلا به.
قوله تعالى: { ما أغنى عنه ماله } قال ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربيه إلى الله عز وجل قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإني أفتدي بمالي، وولدي، فقال الله عز وجل: { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قال الزجاج: و «ما» في موضع رفع. المعنى: ما أغنى عنه ماله وكسبه أي: ولده. وكذلك قال المفسرون: المراد بكسبه هاهنا: ولده. و «أغنى» بمعنى يغني { سيصلى ناراً ذات لهب } أي: تلتهب عليه من غير دخان { وامرأته } أي: ستصلى امرأته، وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. وفي هذا دلالة على صحة نُبوَّة نبينا عليه الصلاة والسلام، لأنه أخبر بهذا المعنى أنه وزوجته يموتان على الكفر، فكان كذلك. إذ لو قالا بألسنتهما: قد أسلمنا، لوجد الكفار متعلقاً في الرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن الله علم أنهما لا يسلمان باطناً ولا ظاهراً، فأخبره بذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قوله تعالى: { حمَّالة الحطب } فيه أربعة أقوال.
أحدهما: أنها كانت تمشي بالنميمة، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي، والفراء، وقال ابن قتيبة: فشبَّهوا النميمة بالحطب، والعداوة والشحناء بالنار، لأنهما يقعان بالنميمة، كما تلتهب النار بالحطب.
والثاني: أنها كانت تحتطب الشوك، فتلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً، رواه عطية عن ابن عباس. وبه قال الضحاك، وابن زيد.
والثالث: أن المراد بالحطب: الخطايا، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: أنها كانت تُعيِّرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب فَعُيِّرتْ بذلك، قاله قتادة. وليس بالقوي، لأن الله تعالى وصفه بالمال. وقرأ عاصم وحده { حمالةَ الحطب } بالنصب.
قال الزجاج: من نصب «حمالةَ» فعلى الذَّم. والمعنى: أعني: حمالةَ الحطب. والجيد: العُنُق. والمَسَدُ في لغة العرب: الحَبْل إذا كان من ليف المُقْل. وقد يقال لما كان من أوبار الإبل من الحبال: المَسَد. قال الشاعر:
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانُقِ** | | **[صُهْبٍ عِتاقٍ ذات مُخٍّ زَاهِقِ]** |
| --- | --- | --- |
وقال ابن قتيبة: المَسَد عند كثير من الناس: اللِّيف دون غيره، وليس كذلك، إنما المسد: كُلُّ ما ضُفِرَ وفُتِل من اللِّيف وغيره.
واختلف المفسرون في المراد بهذا الحبل على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها حبال كانت تكون بمكة، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال الضحاك: حبل من شجر كانت تحتطب به.
والثاني: أنه قلادة من وَدَع، قاله قتادة.
والثالث: أنه سلسلة من حديد ذَرْعُها سبعون ذراعاً، قاله عروة بن الزبير. وقال غيره: المراد بهذا الحبل: السلسلة التي ذكرها الله تعالى في النار، طولها سبعون ذراعاً، والمعنى: أن تلك السلسلة قد فتلت فتلاً مُحْكَماً، [فهي] في عنقها تعذَّب بها في النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) | { سَيَصْلَى } سين الوعيد أو بمعنى سوف يصلى يكون صلىً لها حطباً لها ووقوداً أو تصليه النار أي تنضجه " ع " { لَهَبٍ } ارتفاع أو قوة واشتعال وهذه صفة مضارعة لكنيته وعده الله تعالى بأنه يدخل النار بكفر أو يموت على كفره فكان كما أخبر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) | مكية وهي خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } التباب: الهلاك ومنه قولهم أشابّة أم تابّة أي هالكة من الهرم؟ والمعنى هلكت يداه لأنه فيما يروى أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَتَبَّ } وهلك كله أو جعلت يداه هالكتين والمراد هلاك جملته كقوله**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج: 10] ومعنى { وَتَبَّ } وكان ذلك وحصل، كقوله:
| **جزائي جزاء الله شر جزائه** | | **جزاء الكلاب العاويات وقد فعل** |
| --- | --- | --- |
وقد دلت عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: { وَقَد تَبَّ } ، روي أنه لما نزل**{ وأنذر عشيرتك الأقربين }** رقى الصفا **" وقال: يا صباحاه فاستجمع إليه الناس من كل أوب. فقال عليه الصلاة والسلام: يا بني عبد المطلب يا بني فهر إن أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. قال: «فإني نذير لكم بين يدي الساعة "** فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا فنزلت. وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بها دون الاسم، أو لكراهة اسمه فاسمه عبد العزى، أو لأن مآله إلى نار ذات لهب فوافقت حاله كنيته، { أَبِى لَهَبٍ } مكي { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } «ما» للنفي { وَمَا كَسَبَ } مرفوع و«ما» موصولة أو مصدرية أي ومكسوبه أو وكسبه أي لم ينفعه ماله الذي ورثه من أبيه، أو الذي كسبه بنفسه، أو ماله التالد والطارف، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما كسب ولده. وروي أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي { سَيَصْلَىٰ نَاراً } سيدخل { سَيَصْلَىٰ } البرجمي عن أبي بكر، والسين للوعيد أي هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته { ذَاتَ لَهَبٍ } توقد { وَٱمْرَأَتُهُ } هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: كانت تمشي بالنميمة فتشعل نار العداوة بين الناس. ونصب عاصم { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } على الشتم وأنا أحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل. وعلى هذا يسوغ الوقف على { ٱمْرَأَتُهُ } لأنها عطفت على الضمير في { سَيَصْلَىٰ } أي سيصلى هو وامرأته والتقدير: أعني حمالة الحطب، وغيره رفع { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } على أنها خبر وامرأته أو هي حمالة { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } حال أو خبر آخر. والمسد الذي فتل من الحبال فتلاً شديداً من ليف كان أو جلد أو غيرهما، والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تحقيراً لها وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات لتجزع من ذلك ويجزع بعلها، وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) | قوله عز وجل: { تبت يدا أبي لهب وتب } ق عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، ونادى يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ، قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً قال فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب تبّاً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب } "** وفي رواية **" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل، فنادى يا صباحاه فاجتمعت عليه قريش "** الحديث وذكر نحوه ومعنى تبت خابت وخسرت، والتباب هو الخسار المفضي إلى الهلاك، والمراد من اليد صاحبها وجملة بدنه، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله، وجميعه، وقيل إنه رمى النبي صلى الله عليه وسلم بحجر، فأدمى عقبه فلهذا ذكرت اليد، وإن كان المراد جملة البدن فهو كقولهم خسرت يده، وكسبت يده فأضيفت الأفعال إلى اليد، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه. فإن قلت لم كناه وفي الكنية تشريف وتكرمة قلت فيه وجوه أحدها أنه كان مشتهراً بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه لم يعرف الثاني أنه كان اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشّرك الثالث. أنه لما كان من أهل النّار ومآله إلى النار، والنار ذات لهب وافقت حاله كنيته، وكان جديراً بأن يذكر بها. { وتب } قيل الأول أخرج مخرج الدعاء عليه، والثاني أخرج مخرج الخبر كما يقال أهلكه الله، وقد هلك وقيل تبت يدا أبي لهب، يعني ماله وملكه، كما يقال فلان قليل ذات اليد يعنون به المال، وتب يعني نفسه أي وقد أهلكت نفسه { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قال ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله تعالى قال أبو لهب: إن كان ما تقول يا ابن أخي حقاً، فأنا أفتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى: { ما أغنى عنه ماله } ، أي شيء يغني عنه ماله، أي ما يدفع عنه عذاب الله، وما كسب يعني من المال، وكان صاحب مواشٍ، أي ما جمع من المال أو ما كسب من المال، أي الربح بعد رأس ماله، وقيل وما كسب يعني ولده لأن ولد الإنسان من كسبه، كما جاء في الحديث
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم "** أخرجه التّّرمذي ثم أوعده بالنّار فقال تعالى: { سيصلى ناراً ذات لهب } أي ناراً تلتهب عليه { وامرأته } يعني أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وكانت في نهاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. { حمالة الحطب } قيل كانت تحمل الشّوك، والحسك والعضاه باللّيل، فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس فإن قلت إنها كانت من بيت العز والشرف فكيف يليق بها حمل الحطب؟ قلت يحتمل أنها كانت مع كثرة مالها، وشرفها في نهاية البخل والخسة، فكان يحملها بخلها على حمل الحطب بنفسها، ويحتمل أنها كانت تفعل ذلك لشدّة عداوتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ترى أنها تستعين في ذلك بأحد بل تفعله هي بنفسها، وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقي العداوة بين النّاس وتوقد نارها، كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به، وقيل حمالة الخطايا والآثام التي حملتها في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها كانت كالحطب في مصيرها إلى النار. { في جيدها } أي عنقها { حبل من مسد } قال ابن عباس: سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً تدخل من فيها، وتخرج من دبرها، ويكون سائرها في عنقها. فتلت من حديد فتلاً محكماً وقيل هو حبل من ليف، وذلك الحبل هو الذي كانت تحتطب به، فبينما هي ذات يوم حاملة الحزمة أعيت، فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك، فجذبها من خلفها، فأهلكها، وقيل هو حبل من شجر ينبت باليمن يقال له المسد، وقيل قلادة من ودع، وقيل كانت لها خرزات في عنقها، وقيل كانت لها قلادة فاخرة. قالت لأنفقنها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) | وتقدم الكلام على التباب في سورة غافر، وهنا قال ابن عباس: خابت، وقتادة: خسرت، وابن جبير: هلكت، وعطاء: ضلت، ويمان بن رياب: صفرت من كل خير، وهذه الأقوال متقاربة في المعنى. وقالوا فيما حكى إشابة: أم تابة: أي هالكة من الهرم والتعجيز. وإسناد الهلاك إلى اليدين، لأن العمل أكثر ما يكون بهما، وهو في الحقيقة للنفس، كقوله:**{ ذلك بما قدمت يداك }** [الحج: 10] وقيل: أخذ بيديه حجراً ليرمي به الرسول صلى الله عليه وسلم، فأسند التب إليهما. والظاهر أن التب دعاء، وتب: إخبار بحصول ذلك، كما قال الشاعر:
| **جزاني جزاه الله شرّ جزائه** | | **جزاء الكلاب العاويات وقد فعل** |
| --- | --- | --- |
ويدل عليه قراءة عبد الله: وقد تب. روي أنه لما نزل:**{ وأنذر عشيرتك الأقربين }** [الشعراء: 214] قال: **" يا صفية بنت عبد المطلب، يا فاطمة بنت محمد، لا أغني لكما من الله شيئاً، سلاني من مالي ما شئتما ثم صعد الصفا، فنادى بطون قريش: يا بني فلان يا بني فلان. وروي أنه صاح بأعلى صوته: «يا صباحاه». فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم: «أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟» قالوا: نعم، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فافترقوا عنه، ونزلت هذه السورة "** وأبو لهب اسمه عبد العزى، ابن عم المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن محيصن وابن كثير: أبي لهب بسكون الهاء، وفتحها باقي السبعة ولم يختلفوا في ذات لهب، لأنها فاصلة، والسكون يزيلها على حسن الفاصلة. قال الزمخشري: وهو من تغيير الأعلام، كقولهم: شمس مالك بالضم. انتهى، يعني: سكون الهاء في لهب وضم الشين في شمس، ويعني في قول الشاعر:
| **وإني لمهد من ثنائي فقاصد** | | **به لابن عمي الصدق شمس بن مالك** |
| --- | --- | --- |
فأما في لهب، فالمشهور في كنيته فتح الهاء، وأما شمس بن مالك، فلا يتعين أن يكون من تغيير الأعلام، بل يمكن أن يكون مسمى بشمس المنقول من شمس الجمع، كما جاء أذناب خيل شمس. قيل: وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه، ولم يذكره تعالى باسمه لأن اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية، أو لأن الكنية كانت أغلب عليه من الاسم؛ أو لأن مآله إلى النار، فوافقت حالته كنيته، كما يقال للشرير: أبو الشر، وللخير أبو الخير؛ أو لأن الاسم أشرف من الكنية، فعدل إلى الأنقص؛ ولذلك ذكر الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم ولم يكنّ أحداً منهم.
والظاهر أن ما في { ما أغنى عنه ماله } نفي، أي لم يغن عنه ماله الموروث عن آبائه، وما كسب هو بنفسه أو ماشيته، وما كسب من نسلها ومنافعها، أو ما كسب من أرباح ماله الذي يتجر به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ويجوز أن تكون ما استفهاماً في موضع نصب، أي: أيّ شيء يغني عنه ماله على وجه التقرير والإنكار؟ والمعنى: أين الغني الذي لماله ولكسبه؟ والظاهر أن ما في قوله: { وما كسب } موصولة، وأجيز أن تكون مصدرية. وإذا كانت ما في { ما أغنى } استفهاماً، فيجوز أن تكون ما في { وما كسب } استفهاماً أيضاً، أي: وأي شيء كسب؟ أي لم يكسب شيئاً. وعن ابن عباس: { وما كسب } ولده.
وفي الحديث: **" ولد الرجل من كسبه "** وعن الضحاك: { وما كسب } هو عمله الخبيث في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم. وعن قتادة: وعمله الذي ظن أنه منه على شيء. وروي عنه أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي. وقرأ عبد الله: وما اكتسب بتاء الافتعال. وقرأ أبو حيوة وابن مقسم وعباس في اختياره، وهو أيضاً سيصلى بضم الياء وفتح الصاد وشد اللام، ومريئته؛ وعنه أيضاً: ومريته على التصغير فيهما بالهمز وبإبدالها ياء وإدغام ياء التصغير فيها. وقرأ أيضاً: حمالة للحطب، بالتنوين في حمالة، وبلام الجر في الحطب. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق: سيصلى بضم الياء وسكون الصاد؛ وأبو قلابة: حاملة الحطب على وزن فاعلة مضافاً، واختلس حركة الهاء في وامرأته أبو عمرو في رواية؛ والحسن وزيد بن علي والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن محيصن وعاصم: حمالة بالنصب.
وقرأ الجمهور: { سيصلى } بفتح الياء وسكون الصاد، { وامرأته } على التكبير، { حمالة } على وزن فعالة للمبالغة مضافاً إلى الحطب مرفوعاً، والسين للاستقبال وإن تراخى الزمان، وهو وعيد كائن إنجازه لا محالة. وارتفع { وامرأته } عطفاً على الضمير المستكن في { سيصلى } ، وحسنه وجود الفصل بالمفعول وصفته، و { حمالة } في قراءة الجمهور خبر مبتدأ محذوف، أو صفة لامرأته، لأنه مثال ماض فيعرف بالإضافة، وفعال أحد الأمثلة الستة وحكمها كاسم الفاعل. وفي قراءة النصب، انتصب على الذم. وأجازوا في قراءة الرفع أن يكون { وامرأته } مبتدأ، وحمالة، واسمها أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت عوراء. والظاهر أنها كانت تحمل الحطب، أي ما فيه شوك، لتؤذي بإلقائه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتعقرهم، فذمت بذلك وسميت حمالة الحطب، قاله ابن عباس. فحمالة معرفة، فإن كان صار لقباً لها جاز فيه حالة الرفع أن يكون عطف بيان، وأن يكون بدلاً. قيل: وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنشرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة والسدي: كانت تمشي بالنميمة، ويقال للمشاء بها: يحمل الحطب بين الناس، أي يوقد بينهم النائرة ويورث الشر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قال الشاعر:
| **من البيض لم يصطد على ظهر لامه** | | **ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب** |
| --- | --- | --- |
جعله رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر. وقال الراجز:
| **إن بني الأرزم حمالو الحطب** | | **هم الوشاة في الرضا وفي الغضب** |
| --- | --- | --- |
وقال ابن جبير: حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم: يحطب على ظهره. قال تعالى: { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } [الأنعام: 31]. وقيل: الحطب جمع حاطب، كحارس وحرس، أي يحمل الجناة على الجنايات، والظاهر أن الحبل من مسد. وقال عروة بن الزبير ومجاهد وسفيان: استعارة، والمراد سلسلة من حديد في جهنم. وقال قتادة: قلادة من ودع. وقال ابن المسيب: قلادة فاخرة من جوهر، فقالت: واللات والعزى لأنفقنها على عداوة محمد. قال ابن عطية: وإنما عبر عن قلادتها بحبل من مسد على جهة التفاؤل لها، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث، انتهى. وقال الحسن: إنما كانت خرزاً. وقال الزمخشري: والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال، وأنها تحمل الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها، كما يفعل الحطابون تخسيساً لحالها وتحقيراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة. ولقد عير بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بحمالة الحطب، فقال:
| **ماذا أردت إلى شتمي ومنقصتي** | | **أم ما تعير من حمالة الحطب** |
| --- | --- | --- |
| **غرساء شاذخة في المجد سامية** | | **كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب** |
ويحتمل أن يكون المعنى: إن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك، فلا يزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجر الزقوم أو الضريع، وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار، كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه، انتهى.
ولما سمعت أم جميل هذه السورة أتت أبا بكر، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وبيدها فهر، فقالت: بلغني أن صاحبك هجاني، ولأفعلنّ وأفعلن؛ وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فروي أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، قال لها: هل تري معي أحداً؟ فقالت: أتهزأ بي؟ لا أرى غيرك. وإن كان شاعراً فأنا مثله أقول:
| **مذمماً أبينا** | | **ودينه قلينا** |
| --- | --- | --- |
| **وأمـره عصينـا** | | |
فسكت أبو بكر ومضت هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لقد حجبتني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها "** وذكر أنها ماتت مخنوقة بحبلها، وأبو لهب رماه الله تعالى بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) | القراءات { أبي لهب } بسكون الهاء: ابن كثير { سيصلى } بضم الياء: البرجمي { حمالة } بالنصب: عاصم { جيدها } ممالة: نصير.
الوقوف: { وتب } ه { كسب } ه { لهب } ج ه لاحتمال كون { وامرأته } مبتدأ خبره { حمالة الحطب } أو { في جيدها } إلى آخره واحتمال كونه عطفاً على ضمير { سيصلى } والأوجه الوصل { وامرأته } ه لمن قرأ { حمالة } بالنصب على الذم، ويجوز الوقف لمن قرأ بالرفع أيضاً على تقدير هي حمالة الحطب. ومن قرأ { حمالة } بالنصب فله أن يصل { ذات لهب } بما بعده ويقف على { مسد } { مسد } ه.
التفسير: لما أخبر عن فتح الولي وهو النبي صلى الله عليه وسلم نبه على مآل حال العدو في الدارين. قال ابن عباس: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتم أمره في أول المبعث ويصلي في شعاب مكة ثلاث سنين إلى أن نزل قوله { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214] فصعد الصفا ونادى: يا آل غالب فخرجت إليه من المسجد. فقال أبو لهب: هذه غالب قد أتتك فما عندك؟ ثم نادى يا آل لؤي فرجع من لم يكن من لؤي فقال: هذه لؤي قد أتتك فما عندك؟ فقال يا آل - كلاب ثم قال بعده: يا آل قصي فقال أبو لهب: هذه قصي قد أتتك فما عندك، ثم قال: إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين وأنتم الأقربون، إني لا أملك لكم من الدنيا حظاً ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله فأشهد لكم بها عند ربكم. فقال أبو لهب عليه اللعنة: تباً لك ألهذا دعوتنا؟ فنزلت السورة "** وقيل: **" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أعمامه وقدم إليهم طعاماً في صحفة فاستحقروه وقالوا: إن أحدنا يأكل الشاة فقال: كلوا فأكلوا فشبعوا ولم ينتقص من الطعام إلا قليل. ثم قالوا فما عندك؟ فدعاهم إلى الإسلام. فقال أبو لهب ما قال "** وروي أنه قال أبو لهب: **" فما لي إن أسلمت؟ فقال: ما للمسلمين. فقال: أفلا أفضل عليهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وبماذا تفضل؟ فقال: تباً لهذا الدين الذي يستوي فيه أنا وغيري فنزلت { تبت يدا أبي لهب } "** التباب الهلاك كقوله**{ وما كيد فرعون إلا في تباب }** [غافر: 37] وقيل: الخسران المفضي إلى الهلاك. وقيل: الخيبة. وقال ابن عباس: لأنه كان يدفع قائلاً إنه ساحر فينصرفون عنه قبل لقائه لأنه كان شيخ القبيلة وكان له كالأب فكان لا يتهم، فلما نزلت السورة وسمع بها غضب وأظهر العداوى الشديدة فصار متهماً فلم يقبل قوله في الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فكأنه خاب سعيه وبطل غرضه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قالوا: ولعله إنما ذكر اليد لأنه كان يضرب بيده على كتف الوافد عليه فيقول: انصرف راشداً فإنه مجنون. ويروى أنه أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن طارق المحاربي أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ورجل خلفه يرميه بالحجارة وقد ادمى عقيبة وقال: لا تطيعوه إنه كذاب. فقلت: من هذا؟ فقالوا: محمد وعمه أبو لهب. وقال أهل المعاني: أراد باليدين الجملة كقوله**{ ذلك بما قدّمت يداك }** [الحج: 10] لأن أكثر الأعمال إنما تعمل باليد، فاليمين كالسلاح واليسار كالجنة، بالأولى يجر المنفعة وبالأخرى يدفع المضرة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما دعاه نهاراً فأبى ذهب إلى داره ليلاً مستناً بسنة نوح ليدعوه ليلاً كما دعاه نهاراً، فلما دخل عليه قال له: جئتني معتذراً. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم أمامه كالمحتاج وجعل يدعوه إلى الإسلام وقال: ن كان يمنعك العار فأجبني في هذا الوقت واسكت. فقال: لا أومن بك أو يؤمن هذا الجدي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجدي. من أنا؟ فقال: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلق لسانه يثني عليه فاستولى الحسد على أبي لهب وأخذ يدي الجدي ومزقه وقال: تباً لك أثر فيك السحر. فقال الجدي: بل تبت يدالك فنزلت السورة على وفق ذلك لتمزيقه يدي الحيوان الشاهد بالحق الناطق بالصدق. وفي ذكر أبي لهب بالكنية الدالة على التعظيم المنبئة عن شبهة الكذب إذ لم يكن له ولد مسمى بلهب وجوه منها: أن الكنية قد تصير اسماً بالغلبة فلا تدل على التعظيم، وإيهام الكذب منتف لأنهم يريدون بها التفاؤل فلا يلزم منه أن يحصل له ولد يسمى بلهب. ومناه أن اسمه كان عبد العزي فكان الاحتراز عن ذكره أولى. ومنها أنه إشارة إلى أنه من أهل النار كما يقال " أبو الخير " لمن يلازمه. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه " يا أبا تراب " لتراب لصق بظهره. وقيل: سمي بذلك لتلهب وجنتيه فسماه الله تعالى بذلك تهكماً ورمزاً إلى مآل حاله وفي قوله { سيصلى ناراً ذات لهب } قال أهل الخطابة: إنام لم يقل في أوّل هذه السورة " قل تبت " كما قال**{ قل يا أيها الكافرون }** [الكافرون: 1] لئلا يشافه عمه بما يشتد غضبه رعاية للحرمة وتحقيقاً لقوله**{ فبما رحمة من الله لنت لهم }** [آل عمران: 159] وأيضاً إن الكفار في تلك السورة طعنوا في الله فقال الله: يا محمد أجبهم عني**{ قل يا أيها الكافرون }** [الكافرون: 1] وفي هذ السورة طعنوا في حق محمد صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى اسكت أنت فإنيّ أشتمهم { تبت يدا أبي لهب } وفيه تنبيه على أن الذي لا يشافه السفيه كان الله ذاباً عنه وناصراً له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
يروى أن أبا بكر كان يؤذيه واحد فبقي ساكتاً فجعل الرسول يذبه عنه ويزجر ذلك المؤذي فشرع أبو بكر في الجواب فسكت الرسول فقال أبو بكر: ما السبب في ذلك؟ فقال: لإنك حين كنت ساكتاً كان الملك يجيب عنك، فلما شرعت في الجواب انصرف الملك وجاء الشيطان. قال أبو الليث: اللهب واللهب لغتان كالنهر والنهر ولكن الفتح أوجه، ولهذا قرأ به أكثر القراء. وأجمعوا في قوله { ذات لهب } على الفتح رعاية للفاصلة. وفي دفع التكرار عن قوله { وتب } وجوه منها: أن الأول دعاء والثاني إخبار ويؤيده قراءة ابن مسعود و " قد تب " ، ومنها أن الأول إخبار عن هلاك عمله لأن المرء إنما يسعى لمصلحة نفسه باليد، والثاني إخبار عن هلاك نفسه وهو قول أبي مسلم. وقيل: الأول إهلاك ما له فقد يقال للمال ذات اليد، والآخر هلاك نفسه وهو قول أبي مسلم. وقيل: الأول نفسه والثاني ولده عتبة على ما روي أن عتبة ابن أبي لهب خرج إلى الشام مع ناس من قريش فلما هموا أن يرجعوا قال لهم عتبة: بلغوا عني محمداً أني كفرت بالنجم إذا هوى. وروى أنه قال ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفل في جهه وكان مبالغاً في عداوته فقال: الله سلط عليه كلباً من كلابك. فوقع الرعب في قلب عتبة وكان يحترز دائماً فسار ليلة من الليالي إلى قريب من الصبح فقال له أصحابه: هلكت الركاب. فما زالوا به حتى نزل وهو مرعوب فأناح الإبل حوله كالسرادق فسلط الله الأسد وألقى السكينة على الإبل فجعل الأسد يتخلل حتى افترسه. فقوله { تبت } قبل هذه الواقعة على عادة إخبار الله تعالى في جعل المستقبل كالماضي المحقق. والفرق بين المال والكسب من وجوه أحدها: أن المال عني به رأس المال والمكسوب هو الربح. وثانيها أراد الماشية والذي كسبه من نسلها وكان صاحب النعم والنتاج. وثالثها أريد ماله الموروث والذي كسبه بنفسه. وعن ابن عباس: المكسوب الولد لقوله صلى الله عليه وسلم **" إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه "** روي أنه لما مات تركه أبناؤه ليلتين أو ثلاثاً حتى أنتن في بيته لعلة كانت به خافوا عدواها. وقال الضحاك وقتادة: ما ينفعه ماله وعمله الخبيث يعني كيده في عداوة الرسول وسائر أعماله التي ظن أنه منها على شيء كقوله**{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل }** [الفرقان: 23] وفي قوله { أغنى } بلفظ الماضي تأكيد وتحقيق على عادة إخبار الله تعالى وقد زاده تأكيداً بقوله { سيصلى ناراً ذات لهب } وطالما استدل به أهل السنة في وقوع تكليف ما لا يطاق قائلين إنه تعالى كلف أبا لهب بالإيمان، ومن جملة الإيمان تصديق الله في كل ما أخبر عنه، ومما خبر عنه أنه لا يؤمن وأنه من أهل النار، فقد صار مكلفاً بأن يؤمن وبأن لا يؤمن وهو تكليف بالجمع بين النقيضين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأجيب بأنه كلف بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لا بتصديقه وعدم تصديقه حتى يجتمع النقيضان، وغاية ذلك أنهم كلفوا بالإيمان بعد علمهم بأنهم لا يؤمنون وليس فيه إلا انتفاء فائدة التكليف، لأن فائدة التكليف بما علم الله لا يكون هو الابتلاء وإلزام الحجة وهذا لا يتصور بعد أن يعلم المكلف حاله من امتناع صدور الفعل عنه، والتكليف من غير فائدة جائز عندكم لأن أفعاله تعالى غير معللة بغرض وفائدة على معتقدكم. ثم إن امرأة أبي لهب أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية كانت في غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن المفسرين من قال: كانت تحمل الشوك والحطب وتلقيهما بالليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، فلعلها مع كونها من بيت العز كانت خسيسة أو كانت لشدة عداوتها تحمل بنفسها الشوك والحطب لتلقيه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم من هؤلاء من زعم أن الحبل اشتد في جيدها فماتت بسبب الاختناق، فقوله { في جيدها حبل من مسد } يحتمل على هذا أن يكون دعاء عليها وقد وقع كما أريد وكان معجزاً. ومنهم من قال: عيرها بذلك تشبيهاً لها بالحطابات وإيذاء لها ولزوجها. وعن قتادة أنها كانت تعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر فعيرها بأنها كانت تحتطب. والأكثرون على أن المراد بقوله { حمالة الحطب } أنها كانت تمشي بالنميمة يقال للنمام المفسد بين الناس إنه يحمل الحطب بينهم أي يوقد بينهم النائرة. ويقال للمكثار هو كحاطب ليل. وقال أبو مسلم وسعيد بن جبير: أراد ما حملت من الآثام في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان كالحطب في مصيره إلى النار نظيره**{ فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً }** [الأحزاب: 58]**{ وليحملن أثقالهم }** [العنكبوت: 13] **" يروى عن أسماء أنه لما نزلت السورة جاءت أم جميل ولها ولولة وبيدها حجر فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر وهي تقول: مذمماً قلينا. ودينه أبينا. وحكمه عصينا فقال أبو بكر: يا رسول الله قد أقبلت إليك فأنا أخاف أن تراك. فقال صلى الله عليه وسلم: إنها لا تراني وقرأ { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } [الإسراء:45] فقالت لأبي بكر: قد ذكر لي أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر: لا ورب الكعبة ما هجاك "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قالت العلماء: لعل أبا بكر عني بذلك أن الله تعالى قد هجاها ولم يهجها الرسول، أو اعتقد أن القرآن لا يسمى هجواً. ثم إن أم جميل ولت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها. قال الواحدي: المسد في كلام العرب الفتل. يقال: مسد الحبل مسداً إذا أجاد فتله. ورجل ممسود إذا كان مجدول الخلق. والمسد بالتحريك ما مسد أي فتل من أي شيء كان كالليف والخوص وجلود الإبل والحديد. وقد عرفت معنى قوله { في جيدها حبل من مسد } على رأي بعض أهل التفسير. وقال الآخرون: المعنى أن حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها في المعنى عند النميمة، أو في الظاهر حين كانت تحمل الحزمة من الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم وفي جيده حبل من سلاسل النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) | في «صحيح البخاري» وغيرِه عن ابن عباس: **" لَمَّا نَزَلَتْ: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء:214] ورهطك منهم المخلصين خَرَجَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهُ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فٱجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هٰذَا الجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؛ قَالُوا: نَعَمْ؛ مَا جَرَّيْنَا عَلَيْكَ كَذِباً، قَالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبّاً لَكَ، مَا جَمَعْتَنَا إلاَّ لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ: { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } إلَىٰ آخرها "** ، و { تَبَّتْ } معناه: خَسِرَتْ والتَّبابُ الخُسْرَانُ، والدَّمَارُ، وأسْنَدَ ذلك إلى اليدينِ من حيثُ إنَّ اليَدَ مَوضِعُ الكَسْبِ والرِّبْحِ، وضَمِّ مَا يُمْلَكُ، ثم أوْجَبَ عليه أنه قَدْ تَبَّ، أي: حُتِّمَ ذَلِكَ عَلَيْه، وفي قراءة ابن مسعود: «وقَدْ تَبَّ»، وأبو لَهَبٍ هو عَبْدُ العُزَّى بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وهو عمُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولكن سَبَقَتْ له الشقاوةُ، قال السهيليّ: كَنَّاهُ اللَّه بأبي لهبٍ لَمَّا خَلَقَهُ سبحانَه لِلَّهَبِ وإليه مصيرُه ألا تَرَاهُ تعالى، قال: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } فَكَانَتْ كُنْيَتُه بأبي لَهَبٍ تَقَدَّمَتْ لِمَا يصيرُ إليه من اللهبِ، انتهى.
وقوله سبحانه: { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } يحتملُ أن تَكُونَ «ما» نافيةً عَلَى معنى الخبرِ، ويحتملُ أنْ تكون «ما» استفهاميةً عَلَى وَجْهِ التقريرِ أي: أينَ الغَنَاءُ الذي لِمَالِه وَكَسْبهِ، { وَمَا كَسَبَ } يُرَادُ به عَرَضُ الدنيا، من عَقَارٍ، ونحوه، وقيل: كَسْبُه بَنُوه.
وقوله سبحانه: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } حَتْمٌ عَلَيْهِ بِالنارِ وإعْلاَمٌ بأنه يَتَوَفَّى على كفرِه، نعوذُ باللَّهِ من سوءِ القَضَاءِ ودَرْكِ الشقاءِ.
وقوله تعالى: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } هي أمَّ جميلٍ أخْتُ أبي سفيانَ بن حرب، وكانت مؤْذِيةً للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنينَ بلسانِها وغايةِ قُدْرَتِها، وكانَتْ تَطْرَحُ الشّوْكَ في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه لِيَعْقِرَهم؛ فلذلكَ سُمِّيتْ حَمَّالَةَ الحَطَبِ؛ قاله ابن عباس، وقيل هو استعارةٌ لذنوبِها، قال عياض: وذكر عَبْدُ بن حُمَيْدٍ قال: كَانَتْ حمالَة الحطبِ تَضَعُ العِضَاهَ، وَهِي جَمْرٌ عَلَىٰ طَرِيقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فكأنَّما يَطَؤُهَا كَثِيباً أَهْيَلَ، انتهى، \* ص \*: وقُرِىءَ شاذًّا: «وَمُرَيْئَتُهُ» بالتصغيرِ، والجيدُ هُو العُنُقُ، انتهى.
وقوله تعالى: { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال ابنُ عباس وجماعة: الإشَارَةُ إلى الحبلِ حَقِيقَةٌ، الذي رَبَطَتْ به الشوكَ، والمَسَدُ: الليفُ، وقِيلَ ليفُ المُقْلِ، وفي «صحيحِ البخاري»: يُقَالُ مِنْ مسد لِيف المُقْلِ وهي السلسلةُ الَّتِي في النارِ، انتهى، ورُوِي في الحديثِ أنَّ هذهِ السورةَ لما نزلتْ وقُرِئَتْ؛ بَلَغَتْ أُمَّ جميلٍ فَجَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ جَالسٌ معَ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجدِ وَبِيَدِهَا فِهْرُ حَجَرٍ، فأخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا وقَالَتْ: يا أبا بكرٍ؛ بَلَغَنِي أنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي، وَلَوْ وَجَدْتُه لَضَرَبْتُه بِهَذَا الفِهْرِ، وإنّي لَشَاعِرَة وَقْد قلت فيه [منهوك الرجز]
| **مُذَمَّمـــاً قَلَيْنَـــا** | | **وَدِينَـــهُ أَبَيْنَــــا** |
| --- | --- | --- |
فَسَكَتَ أبو بكرٍ، ومضتْ هي، فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ حَجَبَتْنِي عَنْهَا مَلاَئِكَةٌ فَمَا رَأَتْنِي وَكَفَانِيَ اللَّهُ شَرَّهَا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) | قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، أي: خسرت. وتقدم تفسير هذه المادة في سورة غافر عند قوله:**{ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }** [غافر: 37]، وأسند الفعل إلى اليدين مجازاً؛ لأن أكثر الأفعال تزاول بهما، وإن كان المراد جملة المدعو عليه.
وقوله: { تَبَّتْ } دعاء، { وَتَبَّ } إخبار، أي: قد وقع ما دعي به عليه؛ كقول الشاعر: [الطويل]
| **5341- جَزانِي، جَزَاهُ اللهُ شَرَّ جزَائِـه** | | **جَزاءَ الكِلابِ العَاويَاتِ وقَدْ فعلْ** |
| --- | --- | --- |
ويؤيده قراءة عبد الله: " وقَدْ تبَّ " ، والظَّاهر أنَّ كليهما دعاء، ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص؛ لأن اليدين بعض، وإن كان حقيقة اليدين غير مراد.
وقيل: كلاهما إخبار، أراد بالأول: هلاك عمله، وبالثاني: هلاك نفسه، وإنما عبر باليدين؛ لأن الأعمال غالباً تُزاول بهما.
وقيل: المراد باليدين نفسه وقد يعبر باليد عن النفس، كقوله تعالى:**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج: 10]، أي نفسك، وهذا شائع في كلام العرب يعبّرون ببعض الشيء عن كله، يقولون: أصابه يد الدهر، ويد المنايا، والرزايا، أي: أصابه كل ذلك.
قال الشاعر: [مخلع البسيط]
| **5342- لمَّـا أكبَّـتْ يَـدُ الرَّزَايَـا** | | **عَليْـهِ نَـادَى ألاّ مُجِيـرُ** |
| --- | --- | --- |
وقال ابن الخطيب: وعبر باليدين، إما لأنه كان يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وقيل: المراد دينه، ودنياه وأولاده، وعقباه، أو المراد بأحدهما جر المنفعة، وبالأخرى: دفع المضرة، أو لأن اليمين سلاح، والأخرى جُنَّة.
وقل: بمعنى ماله، وبنيه، " وتَبَّ " هو نفسه وقيل: " تبَّ " يعني ولده وعقبه، وهو الذي دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: **" اللَّهمَّ سلِّط عليْهِ كَلباً من كِلابِكَ "** لشدة عداوته، فافترسه الأسد.
وقرأ العامة: " لَهَب " بفتح الهاء، وابن كثير: بإسكانها.
فقيل: هما لغتان بمعنى نحو: النَّهَر والنَّهْر، والشَّعَر والشَّعْر، والبَعَر والبَعْر، والضَّجَر والضَّجْر.
وقال الزمخشري: " وهو من تغيير الأعلام، كقوله: شمس بن مالك، بالضم " ، يعني أن الأصل: بفتح الشين فغيرت إلى الضم.
ويشير بذلك لقول الشاعر: [الطويل]
| **5343- وإنِّي لمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَعاهِدٌ** | | **بِهِ لابْنِ عَمِّ الصِّدْقِ شُمْسِ بْنِ مَالِكِ** |
| --- | --- | --- |
وجوز أبو حيان في " شمس " أن يكون منقولاً من " شمس " الجمع، كما جاء " أذناب خيل شمس " ، فلا يكون من التغيير في شيء.
وكني بذلك أبو لهب: إما لالتهاب وجنتيه، وكان مشرق الوجه، أحمرهُ، وإما لما يئول إليه من لهب جهنم، كقولهم: أبو الخير، وأبو الشر، لصدورهما منه، وإما لأن الكنية أغلب من الاسم، أو لأنها أنقص منه، ولذلك ذكر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بأسمائهم جدون كُناهم، أو لقُبحِ اسمه؛ لأن اسمه عبد العُزَّى، فعدل عنه إلى الكنية؛ لأن الله لم يضف العبودية في كتابة إلى صنم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: اسمه أبو لهب، كما سمي أبو سفيان، وأبو طالب.
وقال الزمخشريُّ: فإن قلت: لم أكناه، والكنية تكرمه؟.
ثم ذكر ثلاثة أجوبة: إما لشهرته بكنيته، وإما لقبح اسمه كما تقدم، وإما لتجانس قوله: " ناراً ذات لهبٍ " لأن مآله إلى لهب جهنم. انتهى.
وهذا يقتضي أن الكنية أشرف، وأكمل لا أنقص، وهو عكس القول الذي تقدم آنفاً.
وقرئ: " يَدَا أبُو لهبٍ " بالواو مكان الجر.
قال الزمخشري: " كما قيل: علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان، لئلاَّ يغير منه شيء، فيشكل على السامع، ولفليتة بن قاسم أمير " مكة " ابنان: أحدهما: " عبدِ الله " بالجر، والآخر " عبدَ الله " بالنصب ".
ولم يختلف القراء في قوله: " ذَات لهب " أنها بالفتح. والفرق أنها فاصلة، فلو سكنت زال التشاكل.
[قال قتادة: تبت خسرت.
وقال ابن عباس: خابت.
وقال عطاء: ضلت.
وقال ابن جبير: هلكت. وقال يمان بن رئاب: صفرت من كل خير].
فصل في نزول الآية
حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، أنه لما قتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - سمع الناس هاتفاً يقول: [مجزوء الوافر]
| **5344- لَقدْ خَلَّوكَ وانْصَـرفُـوا** | | **فَمَـا آبُـوا وَلا رَجعُـوا** |
| --- | --- | --- |
| **ولَـمْ يُـوفُـوا بِنـذْرِهِـمُ** | | **فَيَـا تَبًّـا لِمَـا صَنَعُـوا** |
فصل في نزول السورة
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: **" لما نزلت: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى صعد الصَّفا، فهتف: يا صباحاه فقالوا: من هذا الذي يهتف؟.** **قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال: " يَا بَنِي فُلانٍ يَا بَنِي فُلانِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنافٍ، يا بني عبد المُطَّلب " ، فاجتمعوا إليه: فقال: " أرَأيْتُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً تَخرجُ بسفحِ هذا الجَبلِ، أكُنْتُمْ مُصدِّقِيّ "؟.** **قالوا: ما جرَّبنا عليك كذباً، قال: " فإنِّي نذيرٌ لكُم بينَ يدي عذاب شديدٍ " ، فقال أبُو لهبٍ: تبَّا لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة ".** وفي رواية: لما سمعت أمرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - وفي يدها فهر من حجارة، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربتُ بهذا الفهر فاهُ؛ والله إني لشاعرة: [منهوك الرجز]
| **5345- مُـذمَّـمـاً عَـصـيْـنَـا** | | **وأمْـرهُ أبَـيْـنَـا** |
| --- | --- | --- |
| **ودِينَـهُ قَـلَـيـنَـا** | | |
ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله, **" أما تراها رأتك؟ قال: " مَا رأتْنِي, لقَدْ أخَذَ اللَّهُ بَصرهَا عَنِّي ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمماً، ثم يسبونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: **" ألا تعجبون لما صرف الله تعالى عني من أذى كفار قريش يسبون ويهجون مذمماً وأنا محمد رسول الله ".** وحكى أبو عبد الرحمن بن زيد: **" أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد؟ قال: " كَمَا يُعطَى المُسلمُونَ " قال: ما لي عليهم فضل؟.** **قال: وأيَّ شيءٍ تَبْغِي؟ قال: تبًّا لهذا من دينٍ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء. فأنزل الله تعالى فيه: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ".** وحكى عبد الرحمن بن كيسان قال: كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفد، انطلق إليهم أبو لهب، فيسألونه عن رسول الله ويقولون له: أنت أعلم به منا، فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر، فيرجعون عنه، ولا يلقونه فأتى وفد، ففعل معهم مثل ذلك، فقالوا: لا ننصرف حتى نراه، ونسمع كلامه، فقال لهم أبو لهبٍ: إنا لم نزل نعالجه، فتبَّا له وتعساً، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتأب لذلك، فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لهَبٍ }.
وقيل: إن أبا لهبٍ أراد أن يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر، فمنعه الله تعالى من ذلك، فنزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } للمنع الذي وقع فيه.
فصل في تفسير التَّبِّ
قال ابن الخطيب: من فسر التبَّ بالهلاك، فلقوله تعالى:**{ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }** [غافر: 37]، أي: في هلاك، ومن فسَّره بالخسران، فلقوله تعالى:**{ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }** [هود: 101]، أي: تخسير، ومن فسره بالخيبة، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: لأنه كان يدفع القوم عنه صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، فينصرفون عنه قبل لقائه؛ لأنه كان شيخ القبيلة - لعنه الله - فكان لا يأتيهم، فلما نزلت هذه السورة، وسمع بها غضب، وأظهر العداوة الشديدة، وصار مُتَّهماً، فلما قال في الرسول - عليه الصلاة والسلام - بعد ذلك، فكأنه قد خاب لسعيه، ولعله إنما ذكر التب؛ لأنه إنما كان يضرب بيده على يد الوافد عليه، فيقول: انصرف راشداً فإنه مجنون، فإن المعتاد أن من يصرف إنساناً يضع بيده على كتفه، ويدفعه عن ذلك الموضع.
ومن فسر التبَّ بقوله: ضلت، فلأنه كان يعتقد أن يده العليا، وأنه يخرجه من " مكَّة " ، ويذلّه، ومن فسره: بـ " صَفرَتْ " فلأن يده خلت من كل خير.
فصل في ترجمة أبي لهب
أبو لهب: اسمه عبد العُزَّى بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وامرأته: العوراء أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب، وكلاهما كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال طارق بن عبد الله المحاربي: إني بسوق ذي المجاز، إذ أنا بإنسان يقول: " يا أيُّها النَّاسُ، قولوا: لا إلهَ إلاَّ اللهَ تُفلِحُوا " وإذا رجل خلفه يرميه، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه، ويقول: يا أيها الناس، إنه كذاب ساحر، فلا تصدقوه، فقلت: من هذا؟.
فقالوا: محمد، يزعم أنه نبيّ، وهو عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب.
وروى عطاء عن ابن عباس قال: قال أبو لهب: سحركم محمد، إن أحدنا ليأكلُ الجذعة، ويشرب العُسّ من اللبن، فلا يشبع، وإن محمداً قد أشبعكم من فخذِ شاةٍ، وأرواكم من عُسِّ لبن.
قوله: { مَآ أَغْنَىٰ }. يجوز في " مَا " النَّفي، والاستفهام، فعلى الاستفهام يكون منصوب المحل بما بعدها، التقدير: أي شيء أغنى المال، وقدم لكونه له صدر الكلام.
وقوله: { وَمَا كَسَبَ }: يجوز في " مَا " هذه أن تكون بمعنى " الَّذي " ، والعائد محذوف، وأن تكون مصدرية، أي: وكسبه، وأن تكون استفهامية: بمعنى وأي شيء كسب؛ أي: لم يكسب شيئاً، قاله أبو حيان، فجعل الاستفهام بمعنى النفي، فعل هذا يجوز أن تكون نافية، ويكون المعنى على ما ذكر، وهو غير ظاهر.
وقرأ ابن مسعود والأعمش: " وما اكتسبَ ".
فصل في معنى الآية
المعنى: ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من المال، ولا ما كسب من الجاه. وقال مجاهد: وما كسب من مال، وولد الرجل من كسبه.
وقال أبو الطفيل: جاء بنو أبي لهب يختصمون عند ابن عباس - رضي الله عنه - فاقتتلوا، فقام يحجز بينهم، فدفعه بعضهم فوقع على الفراشِ، فغضب ابن عباس، وقال: أخرجوا عنِّي الكسب الخبيثَ، يعني ولد أبي لهب.
وقال صلى الله عليه وسلم: **" إنَّ أطْيبَ ما أكَلَ الرجلُ من كسْبهِ ".** وقال ابن عباس: لما أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بالنَّار، قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقَّا فإني أفدي نفسي بمالي وولدي، فنزل: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }.
قال الضحاك: ما أغنى عنه ماله ما ينفعه ماله، وعمله الخبيث: يعني كيده، وعداوة رسول الله.
قوله: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }.
قرأ العامة: " سَيَصْلَى " بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي: يصلى هو بنفسه.
وقرأ أبو حيوة، وابن مقسم، وعياش في اختياره؛ قال القرطبي: والأشهب العقيلي، وأبو سمال العدوي، ومحمد بن السميفع، " سَيُصلَّى " بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ومعناه سيصليه الله.
وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو رجاء، والأعمش، ورواها محبوب عن إسماعيل عن ابن كثير عن أبيّ - رضي الله عنه -، وحسين عن أبي بكر عن عاصمٍ: بضم الياء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ومعنى ذات لهب أي ذات اشتعال وتلهب، وقد تقدم القول فيه في سورة المرسلات.
قوله: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }.
قرأ العامة: بالرفع، على أنها جملة من مبتدأ وخبر، سيقت للإخبار بذلك.
قيل: وامرأته، عطف على الضمير في " سيصلى " سوغه الفصل بالمفعول، و " حمَّالة الحَطبِ " على هذا فيها أوجه: كونها نعتاً لـ " امرأته " ، وجاز ذلك لأن إضافته حقيقية، إذ المراد المعنى، وكونها: بياناً أو بدلاً، لأنها أقرب من الجوامد لتمحض إضافتها، أو كونها خبراً لمبتدأ مضمر أي: هي حمالةُ.
وقرأ ابن عباس - رضي الله عنهما -: ومريئته حمالة الحطب.
وعنه أيضاً: " ومريته " على التصغير، إلا أنه أقر الهمزة تارة، وأبدلها ياء، وأدغم فيها أخرى.
وقرأ العامة: " حَمَّالةُ " بالرفع، وعاصم: بالنصب على الشَّتم. وقد أتى بجميل من سبّ أم جميل.
قال الزمخشري: وكانت تكنى أم جميل، لعنها الله.
وقيل: نصب على الحال من " امرأته " إذا جعلناها مرفوعة بالعطف على الضمير.
ويضعف جعلها حالاً عند الجمهور من الضمير في الجار بعدها إذا جعلناها لـ " امْرَأتهُ " لتقدمها على العامل المعنوي، واستشكل بعضهم الحالية - لما تقدم - من أن المراد به المعنى، فتتعرف بالإضافة، فكيف يكون حالاً عند الجمهور؟.
ثم أجاب بأن المراد الاستقبال؛ لأنه ورد أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب النار، كما كانت تحمل الحطب في الدنيا.
وفي قوله تعالى: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قولان:
أحدهما: هو حقيقة.
قال قتادة: كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها، فعيرت بالبخل.
وقال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل العِضَاهَ، والشَّوك، فتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكان صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير.
وقال مُرَّة الهمذاني: كانت أم جميل - لعنها الله - تأتي كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحها على طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها الملك من خلفها فأهلكها.
القول الثاني: أنه مجاز عن المشي بالنميمة، ورمي الفتن بين الناس؛ قال: [الرجز]
| **5346- إنَّ بَنِـي الأدْرمِ حَمَّـالُـو الحطـبْ** | | **هُمْ الوشَاةُ في الرِّضَا وفي الغَضَبْ** |
| --- | --- | --- |
| **عليْهِمُ اللَّعْنَةُ تَتَرَى والحَرَبْ** | | |
وقال آخر: [الطويل]
| **5347- مِن البيضِ لَمْ تَصطَدْ عَلى ظَهْر لأمَةٍ** | | **لمْ تَمْشِ بَينَ الحَيِّ بالحطَبِ الرَّطبِ** |
| --- | --- | --- |
وجعله رطباً تنبيهاً على تدخينه، وهو غريب من ترشيح المجاز، يعني لم تمش بالنمام.
وقال سعيد بن جبيرٍ: حمالة الخطايا، والذنوب، من قولهم: فلان يحتطب ظهره.
قال تعالى:**{ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** [الأنعام: 31].
وقرأ أبو قلابة: " حاملة الحطب " على وزن " فاعلة " ، وهي محتملة لقراءة العامة، وقرأ عياض: " حمالة للحطب " بالتنوين وجر المفعول بلام زائدة تقوية للعامل كقوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }** [البروج: 16]، وأبو عمرو في رواية: " وامرأته " باختلاس الهاء دون إشباع.
قوله: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } يجوز أن يكون " في جيدها " خبراً لـ " امرأته " ، و " حبل " فاعلاً به وأن يكون حالاً من امرأته على كونها فاعلة، و " حَبْلٌ " مرفوع به أيضاً، وأن يكون خبراً مقدماً و " حَبْلٌ " مبتدأ مؤخر، والجملة حالية أو خبر ثان.
والجيدُ: العُنُق.
قال امرؤ القيس: [الطويل]
| **5348- وجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بفَاحِـشٍ** | | **إذَا هِيَ نَصَّتْـهُ ولا بِمُعَطَّـلِ** |
| --- | --- | --- |
و " مِنْ مسدٍ " صفة لـ " حبل " ، والمسد: ليف المقل.
وقيل: الليف مطلقاً.
قال النابغة: [البسيط]
| **5349- مَقْذُوفةٍ بدَخيسِ النَّحضِ بَازلُهَا** | | **لَهُ صَريفٌ صَريفَ القََعْوِ بالمسَـدِ** |
| --- | --- | --- |
وقد يكون من جلود الإبل وأوبارها؛ قال الشاعر: [الرجز]
| **5350- ومَسَـدٍ أمِـرَّ مِـنْ أيـانِـقِ** | | **ليْـسَ بأنْيَـابٍ ولا حَقَائِـقِ** |
| --- | --- | --- |
وجمع المسد: أمساد.
وقال أبو عبيدة: هو حبل يكون من صوف.
وقال الحسن: هي حبال من شجرٍ ينبت بـ " اليمن " يسمى المسد وكانت تفتل.
فصل
قال الضحاك وغيره: هذا في الدنيا، وكانت تعيرُ النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وهي تحتطب في حبلٍ تجعله في عنقها من ليفٍ، فخنقها الله - عزَّ وجلَّ - به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار يلف على عنقها.
وعن ابن عباس: حبل من مسد قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً، وهو قول مجاهد وعروة بن الزبير، يدخل في فيها، ويخرج من أسفلها، ويلوى سائرها على عنقها، وقال قتادة: " حبل من مسد " حبل من وَدَعٍ.
وقال الحسن: إنما كان حرزاً في عنقها.
وقال سعيد بن المسيب: كانت قلادة واحدة من جوهر، فقالت: واللات والعزى لأنفقها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون عذاباً في جيدها يوم القيامة.
وقيل: إن ذلك إشارة إلى الخذلان يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوط في جيدها بحبل من مسد.
والمسدُ: الفَتْلُ، يقال: مسد حبله يمسده مسداً، أي: أجاد فتلهُ.
قال: [الرجز]
| **5351 يَمْسدُ أعْلَى لحْمِهِ ويَأرِمُهْ** | | |
| --- | --- | --- |
يقول: إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار.
وقال ابن الخطيب: وقيل: المسد يكون من الحديد، وظنُّ من ظنَّ أن المسد لا يكون من الحديد خطأ، لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد، أو من غيره، ورجل ممسود، أي: مجدول الخلق وجارية حسنة المسد، والعصب، والجدل، والأرم، وهي ممسودة، ومعصوبة، ومجدولة، ومأرومة؛ والمساد: على " فِعَال ": لغة في المساب، وهي نحي السمن، وسقاء العسل، قال كل ذلك الجوهري.
[فإن قيل: إن كان هذا الحبل كيف يبقى أبداً في النار؟.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قلنا: كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبداً في النار].
فصل في الإخبار عن الغيب
تضمنت هذه الأيات الإخبار عن الغيب من ثلاثة أوجه:
أولها: الأخبار عنه بالتباب، والخسار، وقد كان ذلك.
وثانيها: الإخبار عنه بعدم الانتفاع بماله وولده، وقد كان ذلك.
وثالثها: الإخبار بأنه من أهل النَّار، وقد كان ذلك، لأنه مات على الكفر، هو وامرأته، ففي ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فامرأته خنقها الله - تعالى - بحبلها، لعنها الله تعالى، وأبو لهبٍ رماه الله بالعدسةِ، بعد وقعة بدر بسبع ليال، فمات، وأقام ثلاثة أيام، ولم يدفن حتى أنتن، ثم إن ولده غسلوه بالماء قذفاً من بعيد مخافة عدوى العدسةِ، وكانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون، ثم احتملوه إلى أعلى " مكة " ، وأسندوه إلى جدار، ثم صمُّوا عليه الحجارة.
فصل في جواز تكليف ما لا يطاق
احتج أهل السنة على جواز تكليف ما لا يطاق بأنه تعالى كلف أبا لهب بالإيمان مع تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن وأنه من أهل النار، فقد صار مكلفاً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وهذا تكليف بالجمع بين النقيضين، وهو محال وذلك مذكور في أصول الفقه.
ذكر الثعلبيُّ عن أبيّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قَرَأَ سُورَةَ { تَبَّتْ } رجَوْتُ أنْ لا يجْمعَ اللهُ تَعَالَى بَينهُ وبَيْنَ أبِي لهبٍ في دارٍ واحدةٍ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) | لما قدم سبحانه وتعالى في سورة النصر القطع بتحقيق النصر لأهل هذا الدين بعد ما كانوا فيه من الذلة، والأمر الحتم بتكثيرهم بعد الذي مر عليهم مع الذلة من القلة، وختمها بأنه التواب، وكان أبو لهب - من شدة العناد لهذا الدين والأذى لإمامة النبي صلى الله عليه وسلم سيد العالمين مع قربه منه - بالمحل الذي لا يجهل، بل شاع واشتهر، وأحرق الأكباد وصهر، كان بحيث يسأل عن حاله إذ ذاك هل يثبت عليه أو يذل، فشفى غلَّ هذا السؤال، وأزيل بما يكون له من النكال، وليكون ذلك بعد وقوع الفتح ونزول الظفر والنصر، والإظهار على الأعداء بالعز والقهر، مذكراً له صلى الله عليه وسلم بما كان أول الأمر من جبروتهم وأذاهم وقوتهم بالعَدد والعُدد، وأنه لم يغن عنهم شيء من ذلك، بل صدق الله وعده في قوله سبحانه وتعالى**{ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جنهم وبئس المهاد }** [آل عمران: 12] وكذبوا فيما كانوا فيه من التعاضد والتناصر والتحالف والتعاقد، فذكر تعالى أعداهم له وأقربهم إليه في النسب إشارة إلى أنه لا فرق في تكذيبه لهم بين القريب والبعيد. وإلى أنه لم ينفعه قربه له ليكون ذلك حاملاً لأهل الدين على الاجتهاد في العمل من غير ركون إلى سبب أو نسب غير ما شرعه سبحانه، فقال تعالى معبراً بالماضي دلالة على أن الأمر قد قضى بذلك وفرغ منه، فلا بد من كونه ولا محيص: { تبت } أي حصل القطع الأعظم والحتم الأكمل، فإنها خابت وخسرت غاية الخسارة، وهي المؤدية إلى الهلاك لأنه لا نجاة إلا نجاة الآخرة، وجعل خطاب هذه السورة عن الله ولم يفتتحها بـ " قل " كأخواتها لأن هذا أكثر أدباً وأدخل في باب العذر وأولى في مراعاة ذوي الرحم، ولذلك لم يكرر ذكرها في القرآن، وأشد في انتصار الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى التخويف وتجويز سرعة الوقوع.
ولما كانت اليد محل قدرة الإنسان، فإذا اختلت اختل أمره، فكيف إذا حصل الخلل في يديه جميعاً، قال مشيراً بالتثنية إلى عموم هلاكه بأن قوته لم تغن عنه شيئاً، ولأن التثنية يعبر بها عن النفس، ومشيراً بالكنية وإن كان يؤتى بها غالباً للتشريف إلى مطابقة اسمه لحاله، ومجانسته الموجبة لعظيم نكاله: { يدا أبي لهب } فلا قدرة له على إعطاء ولا منع، ولا على جلب ولا دفع، وإشارة إلى أن حسن صورته لم تغن عنه شيئاً من قيبح سيرته لقوله صلى الله عليه وسلم **" إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
لأنه إنما كني بهذا لإشراق وجهه وتوقد وجنتيه، ولأنها أشهر، فالبيان بها أقوى وأظهر، والتعبير بها - مع كونه أوضح - أقعد في قول التي هي أحسن. لأن اسمه عبد العزى وهو قبيح موجب للعدول عنه غيرة على العبودية أن تضاف إلى غير مستحقها.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: هذه السورة وإن نزلت على سبب خاص وفي قصة معلومة فهي مع ما تقدمها واتصل بها في قوة أن لو قيل: قد انقضى عمرك يا محمد، وانتهى ما قلدته من عظيم أمانة الرسالة أمرك، وأديت ما تحملته وحان أجلك، وأمارة ذلك دخول الناس في دين الله أفواجاً، واستجابتهم بعد تلكؤهم، والويل لمن عاندك وعدل عن متابعتك وإن كان أقرب الناس إليك. فقد فصلت سورة { قل يا أيها الكافرون } بين أوليائك وأعدائك، وبان بها حكم من اتبعك من عاداك، ولهذا سماها عليه الصلاة والسلام المبرئة من النفاق، وليعلم كفار قريش وغيرهم أنه لا اعتصام لأحد من النار إلا بالإيمان، وأن القرابات غير نافعه ولا مجدية شيئاً إلا مع الإيمان { لكم دينك ولي دين }**{ أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون }** [يونس: 41]،**{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }** [التوبة: 71] وههنا انتهى الكتاب بجملته - انتهى.
ولما كان ربما خص التباب بالهلاك، وحمل على هلاك اليدين حقيقة، وكان الإنسان لا يزول جميع منفعته بفوات يديه وإن كان قد يعبر بهما عن النفس، قال مصرحاً بالمقصود: { وتب } أي هو بجملته بتمام الهلاك والخسران، فحقق بهذا ما أريد من الإسناد إلى اليدين من الكناية عن الهلاك الذي لا بقاء بعده، والظاهر أن الأول دعاء والثاني خبر، وعرف بهذا أن الانتماء إلى الصالحين لا يغني إلا إن وقع الاقتداء بهم في أفعالهم لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم.
ومادة " تب " و " بتّ " - الجامعة بجمع التاء والباء للسببين الأدنى الباطني والأعلى الظاهري - تدور على القطع المؤدي في أغلب أحواله إلى الهلاك، لأن من انقطع إلى الأسباب معرضاً عن مسببها كان في أعظم تباب، وربما كان القطع باستجماع الأسباب، فحصل العوز بالمقاصد والمحابّ، قال ابن مكتوم في الجمع بين المحكم والعباب: التب والتباب: الخسار، وتباً له - على الدعاء، وتباً تبيباً - على المبالغة، قال الإمام أبو عبد الله القزاز: كأنك قلت: خسراناً له، وهو المصدر، نصب نصب سقياً له، قال ابن دريد: وكأن التب المصدر والتباب الاسم، والتبب والتباب والتبيب: الهلاك، والتتبيب النقص والخسار، وكل هذا واضح في القطع عن الخير والفوز، قال: والتابّ: الكبير من الرجال، والأنثى تابة، وقال القزاز: إذا سألت الرجل عن المرأة قلت: أشابة هي أم تابة، أي أم عجوز فانية، ومعلوم أن كبر السن مقرب من القطع والهلاك، والتاب: الضعيف، والجمع أتباب - هذلية، وحمار تاب الظهر - إذا دبر، وجمل تاب كذلك نادرة، ولا شك أن الدبر والضعف هلاك في المعنى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وتب: قطع مثل بت، أي بتقديم الموحدة ووقعوا في تبوب منكرة، وهو بتبة أي بحالة شديدة، والتبي - بالفتح والكسر: ضرب من تمر البحرين، قيل: هو رديء يأكله سقاط الناس، وأتب الله قوته: أضعفها، وتببوهم تتبيباً: أهلكوهم، وتبتب: شاخ، وكل ذلك واضح في القطع بالهلاك والخسار، والتبوب يعني بالضم: ما انطوت عليه الأضلاع كالصدر والقلب، وهذا يحتمل الخير والشر، فإن القلب إذا فسد فسد الجسد كله، وإذا صلح صلح الجسد كله، فيكون حينئذ القطع، بالفوز والنجاة، أو لأن انطواء الأضلاع عليه قطعة عن الخارج، واستتب الأمر: تهيأ واستوى. وقال القزاز: ويقال: هذه العلة لا تستتب في نظار هذا القول، أي لا تجري في نظائره، كأنه من باب الإزالة إذ إن السين لما جامعت حرف السببين آذنت بالنجاح والفوز والفلاح، فإنها حرف تدل على الاستيفاء في الإنباء عن الشيء والتتمة والألفة، وأحسن من هذا أنها إذا جرت في النظائر أوضحتها وكشفت معانيها ففصلتها وأبانتها وقطعتها عن غير النظائر بما أزالت من الإلباس بها، والذي يحقق معاني التب ويظهر أنه يؤول إلى القطع مقلوبه، وهو البت - بتقديم الموحدة التي هي السبب الظاهر الذي هو أقوى من حيث إنه لا يتحقق إلا بكمال السبب الباطني، يقال: بت الشيء يبته بتاً، وأبته: قطعه قطعاً مستأصلاً، وبت هو يُبت وبيِت بتاً وانبت، ولعله استوى فيه المجرد والمزيد في التعدية دلالة على أن ما حصل بالمجرد من القطع هو من الكمال بحيث لا مزيد عليه، وكذا استوى القاصر مجرداً ومطاوعاً مع المتعدي في أصل المعنى. وصدقه بتة: بتلة باينة من صاحبها، وطلقها ثلاثاً بتة وإبتاتاً، أي قطعاً لا عود فيه، ولا أفعله البتة - كأنه قطع فعله، قال سيبويه: وقالوا: قعد البتة - مصدر مؤكد، ولا يستعمل إلا بالألف واللام، وبت عليه القضاء بتاً وأبته: قطعه، وسكران ما يُبت كلاماً وما يُبت أي ما يقطعه، قال القزاز: يُبت من أبت، ويبَت من بَتَّ، وسكران باتّ: منقطع عن العمل بالسكر، وأبت يمينه: أمضاها، أي قطعها عن الحنث، وبتت هي: وجبت وحلت بتاً وبتة وبتاتاً، وكل ذلك من القطع، وأبت بعيره، أي قطعه بالسير، والمنبت في الحديث: الذي أتعب دابته حتى عطب ظهره فبقي منقطعاً به، وقال القزاز: هو الذي أتعب دابته حتى قطع ظهرها فبقي منبتاً به، أي منقطعاً به، وبت عليه الشهادة وأبتها: قطع عليه بها وألزمه إياها، وبت عليه القضاء وأبته، قطعه، والبات: المهزول الذي لا يقدر أن يقوم - كأنه قد انقطعت قوته، وفي الحديث **" لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فمعناه: يوجبه، أي يقطعه على نفسه قبل الفجر، من أبت عليه الحكم - إذا قطعه، وروي: يبت، من بت - إذا قطع، وكلاهما بمعنى، وهما لغتان فصيحان. وروي في حديث **" من لم يبت "** من البيات، وأحمق بات: شديد الحمق - كذا قاله الليث، وقال الأزهري: هو تاب - بتأخير الموحدة، والبت: كساء غليظ مهلهل مربع أخضر، وقيل: هو من وبر وصوف، والجمع بتوت، والبتات أي بالتخفيف: متاع البيت والزاد، كأن ذلك يقطع صاحبه عن الحاجة، وبتتوه: زودوه، أو أن ذلك من الإزالة لأنه صلة لصاحبه ورفد لأن الاستقراء حاصل بأن كل مادة لها معنى غالب تدور عليه وفيها شيء لإزالة ذلك المعنى، وفلان على بتات أمر - إذا أشرف على فراغه، فإنه ينقطع حينئذ، وتقول: طحنت بالرحى بتاً - إذا ابتدأت الإدارة عن يسارك، كأنه دال على القطع بتمام العزيمة لأن ذلك أقوى للطاحن وأمكن، وانبت الرجل: انقطع ماء ظهره، ويقال: هذا حبل بتّ: إذا كان طاقاً واحداً، كأنه لما كان كذلك فكان سهل القطع أطلق عليه القطع مبالغة مثل عدل، وقد انبت فلان عن فلان - إذا انقطع وانقبض.
ولما أوقع سبحانه الإخبار بهلاكه على هذا الوجه المؤكد لما كان لصاحب القصة وغيره من الكفار من التكذيب بلسان حاله وقاله لما له من المال والولد، وما هو فيه من القوة بالعَدد والعُدد، زاد الأمر تحققاً إعلاماً بأن الأحوال الدنيوية لا غناء لها فقال مخبراً، أو مستفهماً منكراً { ما أغنى } أي أجزى وناب وسد { عنه } أي عن أبي لهب الشقي الطريد المبعود عن الرحمة مع العذاب { ماله } أي الكثير الذي جرت العادة بأنه ينجي من الهلاك.
ولما كان الكسب أعم من المال، وكان المال قد يكسب منافع هي أعظم منه من الجاه وغيره، وكان الإنسان قد يكون فائزاً ولا مال له بأمور أثلها بسعيه خارجة عن المال، قال مفيداً لذلك مبيناً أنه لا ينفع إلا ما أمر الله به { وما كسب \* } أي وإن كان ذلك على وجه هائل من الولد والأصحاب والعز بعشيرته التي كان يرضيها باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في المحافل يؤذيه ويكذبه وينهى الناس عن تصديقه مع أنه كان قبل ذلك يناديه بالصادق الأمين، وكان ابنه عتبة شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم **" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "** فكان أبو لهب يعرف أن هذه الدعوة لا بد أن تدركه، فلما حان الأمر وكان قد آن ما أراد صاحب العز الشامخ، سبب له أن سافر إلى الشام فأوصى به أبوه الرفاق لينجوه رغم من هذه الدعوة، فكانوا يحدقون به إذا نام ليكون وسطهم، والحمول محيطة به وهم محيطون بها والركاب محيطة بهم، فلم ينفعه ذلك بل جاء الأسد فتشمم الناس حتى وصل إليه فاقتلع رأسه ولم ينفع أباه ذلك، بل استمر على ضلاله لما سبق في علم الله تعالى حتى كانت وقعة بدر فلم يخرج فيها فلما جاء الفلال كان منهم ابن أخيه أبو سفيان بن الحارث فقال: هلم يا ابن أخي فعندك الخبر: فقال نعم! فوالله ما هو إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يفتلوننا كيف شاؤوا ويأسروننا كيف شاؤوا، ومع ذلك والله مللت الناس لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئاً - أي ما تبقيه - ولا يقوم لها شيء، قال أبو رافع غلام العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وكان جالساً في حجرة في المسجد يبري نبلاً، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت وكنا نكتم إسلامنا، فما ملكت نفسي أن قلت: تلك والله الملائكة، قال: فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، قال: وثاورته فاحتملني فضرب بي الأرض ثم برك عليّ يضربني وكنت رجلاً ضعيفاً، فقامت أم الفضل - يعني سيدته - زوجة العباس رضي الله عنها إلى عمود الحجرة - أي الخيمة - فضربته به ضربة فلقت في رأسه شجة منكرة وقالت: استضعفته أي عدو الله إن غاب عنه سيده، فقام مولياً ذليلاً فوالله ما عاش إلا سبع ليال أو ستاً حتى رماه الله بالعدسة فقتله وما نفعه إبعاده عن الخطر بتخلفه عن بدر، والعدسة بثرة تشبه العدسة تخرج في مواضع من الجسد من جنس الطاعون تقتل غالباً، قال القزاز: كانت تعدي في الجاهلية قلما يسلم منها أحد، تقول: عدس الرجل فهو معدوس، كما تقول: طعن فهو مطعون - إذا أصابه الطاعون - انتهى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولأجل تشاؤم العرب بها ترك أبو لهب من غير دفن ثلاثاً حتى أنتن ثم استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، ويقال: إنهم حفروا له حفرة بعيدة عنه من شدة نتنه ثم دفعوه بخشب طوال حتى رموه فيها ورجموه بالحجارة والتراب من بعيد حتى طموه، فكان ذلك سنة في رجمه فهو يرجم إلى الآن، وذلك من أول إعجاز هذه الآيات أن كان سبة في العرب دون أن يغني عنه شيء مما يظن أنه يغني عنه.
ولما أخبر سبحانه وتعالى بوقوع هذا التبار الأعظم به، وكان لا عذاب يداني عذاب الآخرة، بينه بقوله: { سيصلى } أي عن قرب بوعد لا خلف فيه { ناراً } أي فيدس فيها وتنعطف عليه وتحيط به.
ولما كان المقصود شدة نكايته بأشد ما يكون من الحرارة كما أحرق أكباد الأولياء، وكانت النار قد تكون جمراً ثم تنطفىء عن قرب قال: { ذات لهب \* } أي لا تسكن ولا تخمد أبداً لأن ذلك مدلول الصحبة المعبر عنها بـ " ذات " ، وذلك بعد موته وليس في السورة دليل قاطع على أنه لا يؤمن لجواز أن يكون الصلي على الفسق، فلا دليل فيها لمن يقول: إن فيها التكليف بما علم أنه محال ليكون قد كلف بأن يؤمن وقد علم أنه حكم بأنه لا يؤمن، وإن كان الله قد حقق هذا الخبر بموته كافراً في الثانية من الهجرة عقب غزوة بدر وهي الخامسة عشرة من النبوة، لكن ما عرف تحتم كفره إلا بموته كافراً لا بشيء في هذه السورة ولا غيرها، ومن الغرائب أن الكلمات المتعلقة به في هذه السورة خمس عشرة كلمة، فكانت مشيرة إلى سنة موته بعد أن رأى تبابه في وقعة بدر وغيرها بعينه، فإذا ضممنا إليها كلمات البسملة الأربع وازت سنة ست من الهجرة، وهي سنة عمرة الحديبية سنة الفتح السببي التي تحقق فيها تبابه وخساره عند كل من عنده إيمان بالغيب ودفع للريب، فإذا ضممت إليها الضميرين البارزين اللذين هما أقرب إلى الكلمات الاصطلاحية من المستترة وازت سنة ثمان من الهجرة التي كان فيها الفتح الحقيقي، فتحقق عند قريش كافة ما أنزل فيه في هذه السورة، فإذا ضممت إليها الضمائر الثلاثة المستترة وازت سنة إحدى عشرة على أنك إذا بدأت بالضمائر المستترة حصلت المناسبة أيضاً، وذلك أنها توازي سنة تسع وهي سنة الوفود التي دخل الناس فيها في الدين أفواجاً وحج فيها بالناس أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أميراً، ونودي في الموسم ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، فتحققت خيبة أبي لهب عند كل من حضر الموسم لا سيما من كان يعلم دورانه وراء النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه له من مسلم وغيره، فإذا ضممنا إلى ذلك الضميرين البارزين وازت سنة إحدى عشرة أول سني خلافة الصديق رضي الله عنه التي فتحت فيها جميع جزيرة العرب بعد أن لعب الشيطان بكثير من أهلها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فرجعوا بعد أن قتل الله منهم من علم أنه مخلوق لجهنم، وتحقق حينئذ ما لأبي لهب من التباب والنار ذات الالتهاب عند العرب كافة بإيمانهم عامة في السنة الحادية عشرة من الهجرة بعد مضي ثلاث وعشرين سنة من النبوة، واستقر الأمر حينئذ، وعلم أن الدين قد رسخت أوتاده وثبت عماده، وأن الذي كان يحميه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قد حماه بعده وهو سبحانه حي لا يموت وقادر لا يعجزه شيء، وعدد كلمات السورة ثلاث وعشرون وهي توازي سنة حجة الوداع سنة عشر، فإنها السنة الثالثة والعشرون من المبعث وفيها كمل الدين ونزلت آية المائدة. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرض العرب، فتحقق كل الناس لا سيما من حضر الموسم تباب أبي لهب الذي كان يدور في تلك المشاهد وراء النبي صلى الله عليه وسلم يكذبه ويؤذيه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ إن في ذلك لعبرة }** [آل عمران: 13 - والنور: 44].
ولما أخبر سبحانه وتعالى عنه بكمال التباب الذي هو نهاية الخسار، وكان أشق ما على الإنسان هتك ما يصونه من حريمه حتى أنه يبذل نفسه دون ذلك لا سيما العرب، فإنه لا يدانيهم في ذلك أحد، زاده تحقيراً بذكر من يصونها معبراً عنها بما صدرها بازراً صورة وأشنعها، فقال مشيراً إلى أن خلطة الأشرار غاية الخسار، فإن الطبع وإن كان جيداً يسرق من الردىء، فكيف إذا كان رديئاً وإن أرضى الناس بما يسخط الله أعظم الهلاك { وامرأته } أي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي مثل زوجها في التباب والصلي من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب، وعدل عن ذكرها بكنيتها لأن صفتها القباحة وهي ضد كنيتها، ومن هنا تؤخذ كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفاً بما دل عليه لقبه، ثم وصفها بما أشار إليه ذنبها وأكمل قبيح صورتها فقال: { حمالة الحطب } أي الحاملة أقصى ما يمكن حمله من حطب جهنم بما كانت تمشي به وتبالغ فيه من حمل حطب البهت والنميمة الذي تحمل به على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم وشدة أذاه وإيقاد نار الحرب والخصومة عليه صلى الله عليه وسلم، من قول الشاعر:
| **p>من البيض لم تصطد على ظهر لأمه** | | **ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب** |
| --- | --- | --- |
أراد النميمة، وعبر بالرطب للدلالة على زيادة الشر بما فيه من التدخين وشبهت النميمة بالحطب لأنها توقد الشر فتفرق بين الناس كما أن الحطب يكون وقوداً للنار فتفرقه، وكذا بما كانت تحمل من الشوك وتنثره ليلاً في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لتؤذيه، وكانت تفعله بنفسها من شدة عداوتها وتباشره ليلاً لتستخفي به لأنها كانت شريفة، فلما نزلت سورة صوّرتها بأقبح صورة فكان ذلك - أعظم فاضح لها، وقراءة عاصم بالنصب للقطع على الشتم تؤدي أن امرأته مبتدأ وأن الخبر { في جيدها } أي عنقها وأجود ما فيها - هو حال على التقدير الأول { حبل } كالحطابين تخسيساً لأمرها وتحقيراً لحالها { من مسد } أي ليف أو ليف المقل أو من شيء قد فتل وأحكم فتله، من قولهم: رجل ممسود الخلق، أي مجدوله - وقد رجع آخرها على أولها، فإن من كانت امرأته مصورة بصورة حطابة على ظهرها حزمة حطب معلق حبلها في جيدها فهو في غاية الحقارة، والتباب والخساسة والخسارة وحاصل هذه السورة أن أبا لهب قطع رحمه وجار عن قصد السبيل واجتهد بعد ضلاله في إضلال غيره، وظلم الناصح له الرؤوف به الذي لم يأل جهداً في نصحه على ما تراه من أنه لم يأل هو - جهداً في أذاه واعتمد على ماله وأكسابه فهلك وأهلك امرأته معه ومن تبعه من أولاده، ومن أعظم مقاصد سورة النساء المناظرة لها في رد المقطع على المطلع التواصل والتقارب والإحسان لا سيما لذوي الأرحام، والعدل في جميع الأقوال والأفعال، فكان شرح حال الناصح الذي لا ينطق عن الهوى، وحال الضال الذي إنما ينطق عن الهوى - قوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم }** [النساء: 26] وختمها إشارة إلى التحذير من مثل حاله، فكأنه قيل: يبين الله لكم أن تضلوا فكونوا كأبي لهب في البوار، وصلي النار - كما تبين لكم، فكونوا على حذر من كل ما يشابه حاله وإن ظهر لكم خلاف ذلك، فأنا أعلم منكم، والله بكل شيء عليم " والحمد لله رب العالمين ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) | أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت { تبت يدا أبي لهب } بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: ما كان أبو لهب إلا من كفار قريش، ما هو حتى خرج من الشعب حين تمالأت قريش حتى حصرونا في الشعب وظاهرهم، فلما خرج أبو لهب من الشعب وظاهرهم، فلما خرج أبو لهب من الشعب لقي هنداً بنت عتبة بن ربيعة حين فارق قومه، فقال: يا ابنت عتبة هل نصرت اللات والعزى؟ قالت: نعم فجزاك الله خيراً يا أبا عتبة. قال: إن محمداً يعدنا أشياء لا نراها كائنة، يزعم أنها كائنة بعد الموت، فما ذاك وصنع في يدي، ثم نفخ في يديه ثم قال: تباً لكما ما أرى فيكما شيئاً مما يقول محمد، فنزلت { تبت يدا أبي لهب } قال ابن عباس: فحصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة حتى إن الرجل ليخرج منا بالنفقة فما يبايع حتى يرجع حتى هلك فينا من هلك.
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين } [الشعراء: 214] خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه فاجتمعوا إليه فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبًّا لك إنما جمعتنا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة { تبت يدا أبي لهب وتب } ".** وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عمر في قوله: { تبت يدا أبي لهب } قال: خسرت.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في { تبت يدا أبي لهب } قال: خسرت { وتب } قال: خسر.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { تبت يدا أبي لهب وتب } قال: خسرت يدا أبي لهب وخسر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: إنما سمي أبا لهب من حسنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ابنه من كسبه، ثم قرأ { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قالت: وما كسب ولده.
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: كان يقال: ما أغنى عنه ماله وما كسب وولده كسبه ومجاهد وعائشة قالاه.
وأخرج الطبراني عن قتادة قال: كانت رقيه بنت النبي صلى الله عليه وسلم عند عتبة بن أبي لهب، فلما أنزل الله { تبت يدا أبي لهب } سأل النبي صلى الله عليه وسلم طلاق رقية فطلقها فتزوّجها عثمان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج الطبراني عن قتادة قال: تزوّج أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عتيبة بن أبي لهب، وكانت رقية عند أخيه عتبة بن أبي لهب، فلما أنزل الله { تبت يدا أبي لهب } قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة: رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا بنتي محمد، وقالت أمهما بنت حرب بن أميه، وهي حمالة الحطب: طلقاهما فإنهما قد صبتا، فطلقاهما.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبي صلى الله عليه وسلم الشوك، فنزلت { تبت يدا أبي لهب، وامرأته حمالة الحطب } فلما نزلت بلغ امرأة أبي لهب أن النبي يهجوك، قالت: علام يهجوني؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحمل حطباً في جيدي حبل من مسد؟ فمكثت ثم أتته فقالت: إن ربك قلاك وودعك، فأنزل الله**{ والضحى }** [الضحى: 1] إلى**{ وما قلى }** [الضحى: 3].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد { وامرأته حمالة الحطب } قال: كانت تأتي بأغصان الشوك تطرحها بالليل في طريق رسول الله.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وامرأته حمالة الحطب } قال: كانت تمشي بالنميمة { في جيدها حبل من مسد } من نار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { وامرأته حمالة الحطب } قال: كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض { في جيدها حبل } قال: عنقها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { حمالة الحطب } قال: كانت تحمل النميمة فتأتي بها بطون قريش.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن عروة بن الزبير { في جيدها حبل من مسد } قال: سلسلة من حديد من نار ذرعها سبعون ذراعاً.
وأخرج ابن الأنباري عن قتادة رضي الله عنه { في جيدها حبل من مسد } قال: من الودع.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: { وامرأته حمالة الحطب } قال: كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، ويقال { حمالة الحطب } نقالة الحديث { حبل من مسد } قال: هي حبال تكون بمكة، ويقال المسد العصا التي تكون في البكرة، ويقال: المسد قلادة لها من ودع.
وأخرج ابن عساكر بسند فيه الكديمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" بعثت ولي أربع عمومة، فأما العباس فيكنى بأبي الفضل، ولولده الفضل إلى يوم القيامة، وأما حمزة فيكنى بأبي يعلى، فأعلى الله قدره في الدنيا والآخرة، وأما عبد العزى فيكنى بأبي لهب، فأدخله الله النار وألهبها عليه، وأما عبد مناف فيكنى بأبي طالب فله ولولده المطاولة والرفعة إلى يوم القيامة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله عنه قال: مرت درة ابنة أبي لهب برجل فقال: هذه ابنة عدو الله أبي لهب، فأقبلت عليه فقالت ذكر الله أبي لنسابته وشرفه وترك أباك لجهالته، ثم ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فخطب الناس فقال: **" لا يؤذين مسلم بكافر ".** وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر رضي الله عنهم قالوا: قدمت درة بنت أبي لهب مهاجرة فقال لها نسوة: أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله { تبت يدا أبي لهب } فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فخطب فقال: **" يا أيها الناس مالي أوذى في أهلي فوالله إن شفاعتي لتنال بقرابتي حتى إن حكما وحاء وصدا وسلهبا تنالها يوم القيامة بقرابتي ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) | { سَيَصْلَىٰ } بفتحِ الياءِ وقُرِىءَ بضمِّها وفتحِ اللامِ بالتخفيفِ والتشديدِ والسينُ لتأكيدِ الوعيدِ وتشديدِه أيْ سيدخلُ لا محالةَ بعدَ هذا العذابِ العاجلِ في الآخرةِ { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أيْ ناراً عظيمةً ذاتَ اشتعالٍ وتوقدٍ وهيَ نارُ جهنمَ وليسَ هذا نصاً في أنَّه لا يؤمنُ أبداً حَتَّى يلزمَ تكليفُه الإيمانَ بالقرآنِ مكلفاً بأنُ يؤمنَ بأنَّهُ لاَ يؤمنُ أبداً فيكونَ مأموراً بالجمعِ بـينَ النقيضينِ كما هُوَ المشهورُ فإنَّ صِلي النارِ غيرُ مختصَ بالكفارِ فيجوزُ أنْ يفهمَ أبْو لهبٍ من هذا أنَّ دخولَهُ النارَ لفسقِه ومعاصيهِ لا لكفرِهِ فلا اضطرارَ إلى الجوابِ المشهورِ من أنَّ ما كلفَهُ هُوَ الإيمانُ بجميعِ ما جاءَ بهِ النبـيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إجمالاً لا الإيمانُ بتفاصيلِ ما نطقَ بهِ القرآنُ حتَّى يلزمَ أنْ يكلفَ الإيمانَ بعدمِ إيمانِه المستمرِ { وَٱمْرَأَتُهُ } عطفٌ على المستكنّ في سيصلَى لمكانِ الفصلِ بالمفعولِ وهيَ أمُّ جميلٍ بنتُ حربٍ أختْ أبـي سفيانَ وكانتْ تحملُ حزمةً من الشوكِ والحَسَكِ والسعدانِ فتنثرَها بالليلِ في طريقِ النبـيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وكانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يطؤُه كمَا يطأُ الحريرَ وقيلَ: كانتْ تمشِي بالنميمةِ ويقالُ لمنْ يمشِي بالنمائمِ ويفسدُ بـينَ الناسِ يحملُ الحطبَ بـينهُمْ أيْ يوقدُ بـينهُم النارَ { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } بالنصبِ على الشتمِ والذمِّ وقيلَ: على الحاليةِ بناءً على أنَّ الإضافةَ غيرُ حقيقيةٍ إذِ المرادُ أنَّها تحملُ يومَ القيامةِ حزمةً من حطبِ جهنمَ كالزقومِ والضريعِ. وعن قتادةَ أنَّها معَ كثرةِ مالِها كانتْ تحملُ الحطبَ على ظهرِهَا لشدةِ بُخْلها فعيرتْ بالبخلِ فالنصبُ حينئذٍ على الشتمِ حتماً وقرىءَ بالرفعِ على أنَّه خبرٌ وامرأتُهُ مبتدأٌ وقرىءَ حمالةٌ للحطبِ بالتنوينِ نصباً ورفعاً وقُرِىءَ مُريَّتُهُ بالتصغيرِ للتحقيرِ { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } جملةٌ من خبرٍ مقدمٍ ومبتدأ مؤخرٍ والجملةُ حاليةٌ وقيلَ: الظرفُ خبرٌ لامرأتِه وحبلٌ مرتفعٌ بهِ على الفاعليةِ وقيلَ: هُو حالٌ من امرأتِه على تقديرِ عطفِها على ضميرِ سيصلَى وحبلٌ فاعلٌ كما ذُكرَ والمسدُ ما يُفتلُ من الحبالِ فتلاً شديداً من ليفِ المقلِ وقيلَ: من أيِّ ليفٍ كانَ وقيلَ: من لُحاءِ شجرٍ باليمنِ وقَدْ يكونُ من جلودِ الإبلِ وأوبارِها والمَعْنى في عنقِها حبلٌ ممَّا مسدَ من الحبالِ وأنها تحملُ تلكَ الحزمةَ من الشوكِ وتربطُها في جيدِها كما يفعلُ الحطابونَ تخسيساً بحالِها وتصويراً لهَا بصورةِ بعضِ الحطاباتِ من المواهنِ لتمتعضَ من ذلكَ ويتمعضَ بعلُها وهُما في بـيتِ العزِّ والشرفِ. قالَ مُرةُ الهَمْدانيُّ: كانتْ أمُّ جميلٍ تأتِي كُلَّ يومٍ بإبالةٍ من حَسَكٍ فتطرحُها على طريقِ المسلمينَ فبـينَا هي ذاتَ ليلةٍ حاملةٌ حزمةً أعيتْ فقعدتْ على حجرٍ لتستريحَ فجذبَها الملكُ من خلفِها فاختنقتْ بحبلِها.
عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قرأَ سورةَ تبتْ رجوتُ أنْ لا يجمعَ الله بـينَهُ وبـينَ أبـي لهبٍ في دارٍ واحدةٍ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) | قوله تعالى: { سَيَصْلَىٰ نَاراً } [3] سيغشى أبو لهب ناراً في الآخرة. { ذَاتَ لَهَبٍ } [3] أي ليس لها دخان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) | قوله جل ذكره: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }.
أي: خَسِرَت يداه.
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }.
ما أغنى عنه مالُه ولا كَسْبُه الخبيثُ - شيئاً.
وقيل: { وَمَا كَسَبَ }: وَلَدُه.
قوله جل ذكره: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }.
يلزمها إذا دَخَلَها؛ فلا براحَ له منها. وامرأتُه أيضاً سَتَصْلَى النارَ معه.
{ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }.
" مَسَدٌ " شيءٌ مفتول، وكانت تحمل الشوك وتنقله وتبثه في طريقِ رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ويقال: سُحْقاً لِمَنْ لا يعرف قَدْرَكَ - يا محمد. وبُعْدَاً لِمَنْ لم يشهد ما خصصناكَ به مِنْ رَفْع محلِّك، وإكبارِ شأنِك... ومَنْ ناصبَكَ كيف ينفعه مالُه؟ والذي أقميناه لأجلِكَ وقد (أساء) أعماله.. فإنَّ إلى الهوانِ والخِزْي مآله، وإنَّ على أقبحِ حالٍ حالَ امرأتِه وحالَه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) | { تبت يدا أبي لهب وتب } أي: هلك ما هو سبب عمله الخبيث الذي استحق به الجهنمي الملازم لنار الهلاك وهلك ذاته الخبيثة لاستحقاقها بحسب استعدادها، أي: استحق النار بذاته وبوصفه ناراً على نار ولذلك ذكره بكنيته الدالة على لزومه إياها { ما أغنى عنه ماله وما كسب } أي: ما نفعه ماله الأصلي من العلم الاستعدادي الفطري ولا مكسوبه لعدم مطابقة اعتقاده لما في نفس الأمر وكلاهما متعاونان في تعذيبه وما يجدي له أحدهما. { سيصلى ناراً } عظيمة لاحتجابه بالشرك { ذات لهب } زائد على أصله لخبث أعماله وهيئاتها فيصلى بالاعتقاد الفاسد والعمل السيىء هو { وامرأته } متقارنين فيها { حمالة الحطب } أي: التي تحمل أوزار آثامها وهيئات أعمالها الخبيثة التي هي وقود نار جهنم وحطبها. { في جيدها حبل } قويّ مما مسد، أي: فتل فتلاً قويّاً من سلاسل النار لمحبتها الرذائل والفواحش فربطت هيئاتها وآثامها بذلك الحبل إلى عنقها تعذيباً لها بما يجانس خطاياها، والله اعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) | { سيصلى } اى ما ذكر من العذاب مآل امره فى النشأة الاولى وفى النشأة الآخرة سيدخل لا محالة { نارا ذات لهب } نارا عظيمة ذات اشتعال وتوقد وهى نار جهنم وليس هذا نصا فى انه لا يؤمن ابدا حتى يلزم من تكليفه الايمان بالقرءآن ان يكون مكلفا بأن يؤمن بأنه لا يؤمن ابدا فيكون مأمورا بالجمع بين النقيضين كما هو المشهور فان صلى النار غير مختص بالكفار فيجوز أن يفهم ابو لهب من هذا ان دخوله النار لفسقه ومعاصيه لا لكفره فلا اضطرار الى الجواب المشهور من ان ما كلفه هو الايمان بجميع ما جاء به النبى عليه السلام اجمالا لا الايمان بتفاصيل ما نطق به القرءآن حتى يلزم ان يكلف الايمان بعدم ايمانه المستمر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) | يقول الحق جلّ جلاله: { تَبَّتْ } ، أي: هلكت { يَدَا أبي لهبٍ } هو عبد العزى بن عبد المطلب، عم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإيثار لفظ التباب على الهلاك، وإسناده إلى يديه، لِما رُوي أنه لمّا نزل:**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء:214] **" رقى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصفا، وقال: " يا صباحاه " فاجتمع إليه الناسُ من كل أوب، فقال: " يابني عبد المطلب! يابني فهر! أرأيتم إن أخبرتكم أنَّ بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي؟ " قالوا نعم، قال: " فإني نذير لكم بين يديْ عذابٍ شديدٍ " فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلاّ لهذا؟ وأخذ حجراً ليرميه به عليه الصلاة والسلام، فنزلت "** ، أي: خسرت يدا أبي لهب { وتَبَّ } اي: وهلك كله، وقيل: المراد بالأول: هلاك جملته، كقوله:**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج:10]. ومعنى " وتَبَّ ": وكان ذلك وحصل، ويؤيده قراءة ابن مسعود " وقد تب ". وذكر كنيته للتعريض بكونه جهنميًّا، لاشتهاره بها، ولكراهة اسمه القبيح. وقرأ المكي بسكون الهاء، تخفيفاً. { ما أَغْنَى عنه مالُه وما كَسَبَ } أي: لم يُغن حين حلّ به التباب، على أنّ " ما " نافية، أو: أيّ شيء أغنى عنه، على أنها استفهامية في معنى الإنكار، منصوبة بما بعدها، أي: ما أغنى عنه أصل ماله وما كسب به من الأرباح والمنافع، أو: ما كسب من الوجاهة والأتباع، أو: ماله الموروث من أبيه والذي كسبه بنفسه، أو: ما كسب من عمله الخبيث، الذي هو كيده في عداوته عليه الصلاة والسلام، أو: عمله الذي ظنّ أنه منه على شيء، لقوله تعالى:**{ وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً }** [الفرقان:23]، وعن ابن عباس: " ما كسب ولده " ، رُوي أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقًا فأنا أفدي منه نفسي بمالي وولدي، فاستخلص منه، وقد خاب مرجاه، وما حصل ما تمناه فافترس ولده " عُتبة " أسدٌ في طريق الشام، وكان صلى الله عليه وسلم دعا عليه بقوله: **" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "** وهلك هو نفسه بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال، فاجتنبه الناسُ مخالفةَ العدوى، وكانوا يخافون منها كالطاعونن فبقي ثلاثاً حتى تغيّر، ثم استأجروا بعض السودان، فحملوه ودفنوه، فكان عاقبته كما قال تعالى: { سَيصْلى ناراً } أي: سيدخل لا محالة بعد هذا العذاب الأجل ناراً { ذاتَ لهبٍ } أي: ناراً عظيمة ذات اشتعال وتوقُّد، وهي نار جهنم. قال أبو السعود: وليس هذا نصًّا في أنه لا يؤمن أبداً، فيكون مأموراً بالجمع بين النقيضين، فإنَّ صَلْي النار غير مختص بالكفار، فيجوز أن يُفهم من هذا أنَّ دخوله النار لفسقه ومعاصيه لا لكفره، فلا اضطرار إلى الجواب المشهور، من أنّ ما كلفه هو الإيمان بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إجمالاً، لا الإيمان بما نطق به القرآن، حتى يلزم أن يكلف الإيمان بعدم إيمانه المستمر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
هـ. { وامرأتُه }: عطف على المستكن في " يَصْلى " لمكان الفعل. وهي أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان، وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعد، فتنثرها بالليل في طريق النبي، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير. وقيل كانت تمشي بالنميمة، ويقال لمَن يمشي بالنميمة ويُفسد بين الناس: يحمل الحطب بينهم، أي: يُوقد بينهم النار، وهذا معنى قوله: { حمّالةَ الحطبِ } بالنصب على الذم والشتم، أو: الحالية، بناء على أنَّ الإضافة غير حقيقية، لوجوب تنكير الحال، وقيل: المراد: أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب جهنم كالزقوم والضريع. وعن قتادة: أنها مع كثرة مالها كانت تحمل الحطب على ظهرها، لشدة بُخلها، فعيرت بالبخل، فالنصب حينئذ على الذم حتماً. ومَن رفع فخبر عن " امرأته " ، أو: خبر عن مضمر متوقف على ما قبله. وقُرىء " ومُرَيَّتُه " فالتصغير للتحقير، { في جِيدِها } في عُنقها { حَبْلٌ من مَسَد } والمسد: الذي فُتل من الحبال فتلاً شديداً من ليف المُقْل أو من أي ليفٍ كان وقيل: من لحاء شجر باليمن، وقد يكون من جلود الإبل وأوبارها. قال الأصمعي: صلّى أربعة من الشعراء خلف إمام اسمه " يحيى " فقرأ: " قل هو الله أحد " فتعتع فيها، فقال أحدهم:
| **أكثَرَ يَحْيى غلطا في قل هو الله أحد** | | |
| --- | --- | --- |
وقال الثاني:
| **قام طويلاً ساكتاً حتى إذا أعيا سجد** | | |
| --- | --- | --- |
وقال الثالث:
| **يزْحَرُ في محرابه زحيرَ حُبْلى بوتد** | | |
| --- | --- | --- |
وقال الرابع:
| **كــأنمـــا لسانـــه شُدّ بحبلٍ من مسد** | | |
| --- | --- | --- |
والمعنى: في جيدها حبل مما مُسد من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك، وتربطها في جيدها، كما يفعل الحطّابون، تحقيراً لها، وتصويراً لها، بصورة بعض الحطّابات، لتجزع من ذلك ويجزع بعلُها، وهما من بيت الشرف والعزّ. رُوي أنها لمّا نزلت فيها الآية أتت بيتَه صلى الله عليه وسلم وفي يدها حجر، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه الصدّيق، فأعماها اللهُ عن رسول صلى الله عليه وسلم ولم ترَ إلاّ الصدّيق، قالت: أين محمد؟ بلغني أنه يهجوني، لئن رأيته لأضربن فاه بهذا الفِهر. هـ. ومن أين ترى الشمسَ مقلةٌ عمياء، وقيل: هو تمثيل وإشارة لربطها بخذلانها عن الخير، ولذلك عظم حرصها على التكذيب والكفر. قال مُرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بحزمة من حسك، فتطرحها في طريق المسلمين، فبينما هي ذات ليلة حاملة حزمة أعيت، فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها الملك من خلفها بحبلها فاختنقت، فهلكت. هـ. الإشارة: إنما تبّت يدا أبي لهب، وخسر، وافتضح في القرآن على مرور الأزمان، لأنه أول مَن أظهر الكفر والإنكار، فكان إمام المنكِرين، فكل مَن بادر بالإنكار على أهل الخصوصية انخرط في سلك أبي لهب لا يُغني عنه مالُه وما كسب وسيصلى نارَ القطيعة والبُعد ذات احتراق ولهب، وامرأته، اي: نفسه، حمّالة حطب الأوزار، في جيدها حبل من مسد الخذلان. وبالله التوفيق وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ | * تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) | لما اجتمع مع قريش في دار الندوة وبايعهم على قتل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وكان كثير المال فقال الله: { ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب } [2-3] عليه فتحرقه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) | قرأ عاصم { حمالة الحطب } نصباً على الذم. الباقون بالرفع على أنه خبر الابتداء، ويجوز أن يكون ارتفع { امرأته } على أنه فاعل { سيصلي } فكأنه قال سيصلى أبو لهب وامرأته ناراً ذات لهب. وقرأ ابن كثير { يدا أبي لهب } ساكنة الهاء على التخفيف، كما قالوا فى نهر: نهر. الباقون بالتثقيل.
وروي أن أبا لهب كان قد عزم على أن يرمي النبي صلى الله عليه وآله بحجر فمنعه الله من ذلك، وقال تبت يداه للمنع الذي وقع به. ثم قال " وتب " بالعقاب الذي ينزل به فيما بعد، وقيل فى قوله { تبت يدا أبي لهب } أنه الدعاء عليه نحو قوله**{ قاتلهم الله أنى يؤفكون }** فاما قوله { وتب } فانه خبر محض، كأنه قال: وقد تب. وقيل: إنه جواب لقول أبي لهب: تباً لهذا من دين، حين نادى النبي صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب، فلما اجتمعوا له قال لهم: إن الله بعثني إلى الناس عاماً وإليكم خاصاً، وأن اعرض عليكم ما إن قبلتموه ملكتم به العرب والعجم. قالوا وما ذلك يا محمد صلى الله عليه وآله قال: **" أن تقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله "** فقال أبو لهب تباً لهذا من دين. فأنزل الله تعالى قوله { تبت يدا أبي لهب } والتباب الخسران المؤدي إلى الهلاك تبه يتب تباً، والتباب الهلاك. وفى { تبت يدا } مع أنه إخبار ذم لابي لهب لعنة الله. وإنما قال: تبت يداه ولم يقل: تب، مع انه هو الهالك فى الحقيقة لأنه جار مجرى قوله كسبت يداه، لأن اكثر العمل لما كان باليدين أضيف ذلك اليهما على معنى الخسران الذي أدى اليه العمل بهما.
وقوله { ما أغني عنه ماله وما كسب } معناه ما نفعه ماله ولا الذي كسبه من الاموال، ولا دفع عنه عقاب الله حين نزل به، فالاغناء عنه الدفع عنه، فأما الاغناء بالمال ونحوه فهو دفع وقوع المضارّ به.
وقوله { سيصلى ناراً ذات لهب } خبر من الله تعالى أن أبا لهب سيصلى ناراً ذات لهب، وهي نار جهنم المتلهبة. وفى ذلك دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وآله، لأنه اخبر بأنه يموت على كفره، وكان الأمر على ذلك.
وقوله { وامرأته حمالة الحطب } قال ابن عباس والضحاك وابن زيد: إن امرأة ابي لهب كانت تحمل الشوك فتطرحه فى طريق النبي صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الصلاة وقال عكرمة ومجاهد وقتادة: إنما وصفت بحمالة الحطب، لأنها كانت تمشي بالنميمة وقيل: حمالة الحطب فى النار. وفى ذلك دلالة أيضاً قاطعة على أنها تموت على الكفر. وامرأة أبي لهب أم جميل بنت حرب اخت ابي سفيان عمة معاوية،.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقوله { في جيدها حبل من مسد } فالمسد حبل من ليف، وجمعه أمساد وإنما وصفت بهذه الصفة تخسيساً لها وتحقيراً والجيد العنق، قال ذو الرمة:
| **فعيناك عيناها ولونك لونها** | | **وجيدك إلا انه غير عاطل** |
| --- | --- | --- |
وقال ابو عبيدة: المسد حبل يكون من ضروب، قال الراجز:
| **ومسد امر عن أيانق** | | **صهب عناق ذات منح زاهق** |
| --- | --- | --- |
والمسد الليف لان من شأنه أن يفتل للحبل. وأصل المسد المحور من حديد، لانه يدور بالفتل. وقال قوم: هو اليف المفتل.
فان قيل: ما الذي كان يجب على أبي لهب حين سمع هذه السورة؟ أكان يجب عليه ان يؤمن؟ فلو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله بأنه سيصلى ناراً ذات لهب، وإن لم يجب عليه الايمان فذلك خلاف الاجماع؟!!
قيل: خبر الله مشروط بأنه سيصلي ناراً ذات لهب إن لم يؤمن، ويجب عليه أن يعلم ذلك، وهذا أبين الاجوبة واظهرها. والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) | { (1) تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ } اي خسرت وهلكت فانّ التّباب خسران يؤدّي الى الهلاك قيل اريد بيده نفسه كقوله ولا تلقوا بأيديكم وقيل بل المراد دنياه وآخرته.
{ وَتَبَّ } اخبار بعد اخبار او دعاء عليه بعد دعاء.
{ (2) مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } حين نزل به التّباب قيل انّه مات بالعدسة بعد وقعة بدر بأيّام معدودة وترك ثلثاً حتّى انتن ثم استوجر بعض السودان فدفنوه.
{ (3) سَيَصْلَى نَارَاً ذَاتَ لَهَبٍ }.
{ (4)وَٱمْرَأَتُهُ } وهي أمّ جميل اخت ابي سفيان { حَمَالَةُ الْحَطَبِ } قيل يعني حطب جهنّم فانّها كانت تحمل الاوزار بمعادة الرسول وتحمل زوجها على ايذائه وقيل بل اريد به حزمة الشوك والحسك كانت تحملها فتنشرها باللّيل في طريق رسول الله صلّى الله عليه وآله وقرىء بالنّصب على الشتم.
{ (5) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } اي ممّا مسد اي فتل يعني من نار القمّي تبّت يدا ابي لَهَبٍ قال اي خسرت لمّا اجتمع مع قريش في دار النّدوة وبايعهم على قتل محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان كثير المال فقال الله ما اغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب عليه فتحرقه وامرأته حمّالة الحطب قال كانت امّ جميل بنت صخر وكانت تنم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وتنقل احاديثه الى الكفّار حمّالة الحطب اي احتطبت على رسول الله صلّى الله عليه وآله في جيدها اي في عنقها حبل من مسد اي من نار قال وكان اسم ابي لهب عبد مناف فكنّاه الله لأنّ منافاً صنم يعبدونه.
وفي المجمع في قوله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين.
عن ابن عبّاس قال لمّا نزلت هذه الآية صعد رسول الله صلّى الله عليه وآله على الصّفا فقال يا صباحاه فاجتمعت اليه قريش فقالوا ما لك فقال ارأيتم ان اخبرتكم انّ العدوّ مصبحكم وممسيكم ما كنتم تصدّقونني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال ابو لهب تبّاً لك الهذا دعوتنا جيمعاً فأنزل الله عزّ وجلّ تبّت يدا ابي لهب وتبّ السورة.
وفي قرب الاسناد عن الكاظم عليه السلام في حديث آيات النبيّ صلّى الله عليه وآله قال ومن ذلك انّ امّ جميل امرأة ابي لهب اتته حين نزلت سورة تبّت ومع النبيّ صلّى الله عليه وآله ابو بكر بن ابي قحافة فقال يا رسول الله هذه امّ جميل محفظة اي مغضبة تريدك ومعها حجر تريد ان ترميك به فقال انّها لا تراني فقالت لأبي بكر اين صاحبك قال حيث شاء الله قالت لقد جئته ولو أراه لرميته فانّه هجاني واللاّت والعزّى انّي لشاعرة فقال ابو بكر يا رسول الله لم ترك قال لا ضرب الله بيني وبينها حجاباً.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام قال اذا قرأتم تبّت يدا ابي لهب وتبّ فادعوا على ابي لهب فانّه كان من المكذّبين بالنبيّ وبما جاء من عند الله تعالى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) | { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } اى سيقاسى حرّها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) | قلت: التب: الخسران المؤدي الى الهلاك، تبّ يتبّ تباً والتباب الهلاك ومعنى { تبت } خسرت وهلكت، وفي هذا اخبار وذم له، وقيل: فيه بمعنى الدعاء نحو قاتلهم الله { يدا أبي لهب } فأخبر عن يده والمراد نفسه، وقيل: المراد اليد بعينها حين أراد أن يرمي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فمنعه الله منه، فقال: خسرت يدا أبي لهب، قيل: هي كناية واسمه عبد العزى، وقيل: كنايته، وقيل: سمي بذلك لحسنه واشراق وجهه وكان وجنتاه يلتهبان، وقيل: كني بذلك لأنه يصير الى النار ويعذب باللهب، وقيل: كان مشهوراً بالكنية فأراد أن يشتهر بالفضيحة { وتب } قيل: الواو للعطف، وقيل: للحال، قيل: وقد تب أي خسر وهلك، وقيل: الأول هلاك ماله، والثاني هلاك نفسه، والمعنى هلاك ماله ونفسه { ما أغنى عنه } أي ما كفا عنه ماله من عذاب الله شيئاً، وعن ابن مسعود: ان أبا لهب لما دعاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الى الاسلام وأخبره بالجنة والنار قال: ان ما يقول ابن اخي حقاً فاني أفتدي نفسي بمالي، فبين أنه لا يغني عنه ماله شيئاً، وقيل: معناه أي شيء يغني عنه ماله إذا نزل به عذاب الله { وما كسب } قيل: ولده، وقيل: كسبه أمواله، وقيل: أفعاله، ومتى قيل: من أي شيء لا يغني عنه ماله، قيل: فيه وجهان أحدهما من عذاب الله في الآخرة والثاني ما حل به في الدنيا { سيصلى ناراً } يعني سيفعل به ذلك { ذات لهب } يتوقد { وامرأته } أي ستصلى امرأته بتلك النار وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان عمة معاوية وكانت عوراء { حمالة الحطب } قيل: كانت تمشي بالنميمة فوصفت بحمالة الحطب كأنها نقّالة الحديث والكذب، وانما شبهت النميمة بالحطب لأن الحطب يوقد به الثأر والنميمة يوقد بها نار العداوة، وقيل: كانت تأتي بالشوك فتطرحه على طريق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا خرج الى الصلاة، وروي أنها كانت تأتي بالحسك فتطرحه في طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة حطب فأعيت فقعدت على حجرة لتستريح فأتاها ملك فحزفها من خلفها فأهلكها، وقيل: حمالة الخطايا ونظيره يحملون أوزارهم { في جيدها } في عنقها { حبل من مسد } قيل: تحمل الحطب بحبل من ليف، وأصل المسد الفتل وجمعه أمساد، ومنه الليف لأن من شأنه أن يفتل الحبل وكانت تحمل به حتى تلقي الشوك على ما تقدم، وقيل: سلسلة من حديد سبعون ذراعاً تدخل من فيها وتخرج من دبرها في النار، وعن ابن عباس: وقيل: ذلك الحبل الذي تحمل به يكون في عنقها في النار ويحتمل أن يكون حالها في النار على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجر الزقوم أو من الضريع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) | تفسير سورة تبّت يدا، وهي مكية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرِّحِيمِ } قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي: خسرت يدا أبي لهب { وَتبَّ } أي: وخسر. { مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } يعني ولده، أي: إذا صار إلى النار.
قال تعالى: { سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }.
قال: { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }. قال الحسن: كانت تلقي العضاه على طريق النبي عليه السلام، فكأنما يطأ به كثيباً. وقال مجاهد: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } يعني حمالة النميمة؛ [تمشي بالنميمة].
قال تعالى: { فِي جِيدِهَا } أي: في عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }. قال بعضهم: في عنقها قلادة فيها ودعات من مسد.
ذكروا أن رجلاً سأل النبي عليه السلام: وما المسد؟ قال: أما رأيتم الخيوط الصفر والحمر تنعقد فيها البرود اليمانية فإنها تجعلها في عنقها.
وقال ابن عباس: المسد: الحديد. وقال الكلبي: في عنقها سلسلة من حديد من نار ذرعها سبعون ذراعاً، وهي حبل من مسد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) | { سَيَصْلَى } يدخل \* { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتنكير النار واللهب للتعظيم والمراد نار الآخرة وفي الآية دليل على أنه لا يؤمن لأنه أوعده بدخول النار بعد لا محالة وكذا قيل ويبحث فيه باحتمال أنه سيؤمن ويفسق فيدخل النار بفسقه وعلى كل حال فقد مات مشركا وقرئ بضم الباء فتشديد اللام وتخفيفها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) | { سَيْصْلَى نَاراً } عظيمة والسين للاستقبال أخبرنا الله تعالى أنه يهلك فى الدنيا ويهلك يوم القيامة بالنار وزعم بعض أن الاستقبال من المضارع وأن السين لتأكيد الوعيد.
{ ذَاتَ لَهَبٍ } إتقاد عظيم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) | { سَيَصْلَىٰ نَاراً } سيدخلها لا محالة في الآخرة ويقاسي حرها / والسين لتأكيد الوعيد والتنوين للتعظيم أي ناراً عظيمة { ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتوقد عظيم وهي نار جهنم وجملة**{ مَآ أَغْنَىٰ }** [المسد: 2] الخ قال في «الكشف» استئناف جواباً عما كان يقول أنا أفتدي بمالي ويتوهم من صدقه وفيه تحسير له وتهكم بما كان يفتخر به من المال والبنين وهذه الجملة تصوير للهلاك بما يظهر معه عدم إغناء المال والولد وهو ظاهر على تفسير { مَا كَسَبَ } بالولد. وقال بعض الأفاضل الأولى إشارة لهلاك عمله وهذه إشارة لهلاك نفسه وهو أيضاً على بعض الأوجه السابقة فتذكر ولا تغفل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) | بيان لجملة { ما أغنى عنه ماله وما كسب } أي لا يغني عنه شيء من عذاب جهنم. ونزل هذا القرآن في حياة أبي لهب. وقد مات بعد ذلك كافراً، فكانت هذه الآية إعلاماً بأنه لا يُسلم وكانت من دلائل النبوة. والسين للتحقيق مثل قوله تعالى**{ قال سوف أستغفر لكم ربي }** يوسف 98. و«يصلى ناراً» يُشوَى بها ويحس بإحراقها. وأصل الفعل صلاهُ بالنار، إذا شواه، ثم جاء منه صَلي كأفعال الإِحساس مثل فرِح ومرِض. ونُصب { ناراً } على نزع الخافض. ووصف النار بــــ { ذات لهب } لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره إذ هو أبو لهب والنار ذات لهب. وهو ما تقدم الإِيماء إليه بذكر كنيته كما قدمناه آنفاً، وفي وصف النار بذلك زيادة كشف لحقيقة النار وهو مِثل التأكيد. وبين لَفضي { لهب } الأول و { لهب } الثاني الجناس التام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) | بيان وعيد شديد لأبي لهب بهلاك نفسه وعمله وبنار جهنم ولامرأته، والسورة مكية. قوله تعالى { تبت يدا أبي لهب وتب } التب والتباب هو الخسران والهلاك على ما ذكره الجوهري، ودوام الخسران على ما ذكره الراغب، وقيل الخيبة، وقيل الخلو من كل خير والمعاني - كما قيل - متقاربة فيد الإِنسان هي عضوه الذي يتوصل به إلى تحصيل مقاصده وينسب إليه جل أعماله، وتباب يديه خسرانهما فيما تكتسبانه من عمل وإن شئت فقل بطلان أعماله التي يعملها بهما من حيث عدم انتهائها إلى غرض مطلوب وعدم انتفاعه بشيء منها وتباب نفسه خسرانها في نفسها بحرمانها من سعادة دائمة وهو هلاكها المؤبد. فقوله { تبت يدا أبي لهب وتب } أي أبو لهب، دعاء عليه بهلاك نفسه وبطلان ما كان يأتيه من الأعمال لإِطفاء نور النبوَّة أو قضاء منه تعالى بذلك. وأبو لهب هذا هو أبو لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد المعاداة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مصراً في تكذيبه مبالغاً في إيذائه بما يستطيعه من قول وفعل وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تباً لك لما دعاهم إلى الإِسلام لأول مرة فنزلت السورة ورد الله التباب عليه. وذكر بعضهم أن أبا لهب اسمه وإن كان في صورة الكنية، وقيل اسمه عبد العزى وقيل عبد مناف وأحسن ما قيل في ذكره في الآية بكنيته لا باسمه أن في ذلك تهكماً به لأن أبا لهب يشعر بالنسبة إلى لهب النار كما يقال أبو الخير وأبو الفضل وأبو الشر في النسبة إلى الخير والفضل والشر فلما قيل { سيصلى ناراً ذات لهب } فهم منه أن قوله { تبت يدا أبي لهب } في معنى قولنا تبت يدا جهنمي يلازم لهبها. وقيل لم يذكر باسمه وهو عبد العزى لأن عزّى اسم صنم فكره أن يعد بحسب اللفظ عبداً لغير الله وهو عبد الله وإن كان الاسم إنما يقصد به المسمى. قوله تعالى { ما أغنى عنه ماله وما كسب } ما الأُولى نافية وما الثانية موصولة ومعنى { ما كسب } الذي كسبه بأعماله وهو أثر أعماله أو مصدرية والمعنى كسبه بيديه وهو عمله، والمعنى ما أغنى عنه عمله. ومعنى الآية على أي حال لم يدفع عنه ماله ولا عمله - أو أثر عمله - تباب نفسه ويديه الذي كتب عليه أودعي عليه. قوله تعالى { سيصلى ناراً ذات لهب } أي سيدخل ناراً ذات لهب وهي نار جهنم الخالدة، وفي تنكير لهب تفخيم له وتهويل. قوله تعالى { وامرأته حمَّالة الحطب } عطف على ضمير الفاعل المستكن في { سيصلى } والتقدير وستصلى امرأته الخ و { حمالة الحطب } بالنصب وصف مقطوع عن الوصفية للذم أي أذم حمالة الحطب، وقيل حال من { امرأته } وهو معنى لطيف على ما سيأتي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قوله تعالى { في جيدها حبل من مسد } المسد حبل مفتول من الليف، والجملة حال ثانية من امرأته. والظاهر أن المراد بالآيتين أنها ستتمثل في النار التي تصلاها يوم القيامة في هيئتها التي كانت تتلبس بها في الدنيا وهي أنها كانت تحمل أغصان الشوك وغيرها تطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تؤذيه بذلك فتعذب بالنار وهي تحمل الحطب وفي جيدها حبل من مسد. قال في مجمع البيان وإذا قيل هل كان يلزم أبا لهب الإِيمان بعد هذه السورة وهل كان يقدر على الإِيمان ولو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله سبحانه بأنه سيصلى ناراً ذات لهب. فالجواب أن الإِيمان يلزمه لأن تكليف الإِيمان ثابت عليه وإنما توعده الله بشرط أن لا يؤمن انتهى موضع الحاجة. أقول مبنى الاشكال على الغفلة من أن تعلق القضاء الحتمي منه تعالى بفعل الإِنسان الاختياري لا يستوجب بطلان الاختيار واضطرار الإِنسان على الفعل فإن الإِرادة الإِلهية - وكذا فعله تعالى - إنما يتعلق بفعله الاختياري على ما هو عليه أي أن يفعل الإِنسان باختياره كذا وكذا فلو لم يقع الفعل اختيارياً تخلف مراده تعالى عن إرادته وهو محال وإذا كان الفعل المتعلق للقضاء الموجب اختيارياً كان تركه أيضاً اختيارياً وإن كان لا يقع فافهم وقد تقدم هذا البحث في غير موضع من المباحث السابقة. فقد ظهر بذلك أن أبا لهب كان في اختياره أن يؤمن وينجو بذلك عن النار التي كان من المقضي المحتوم أن يدخلها بكفره. ومن هذا الباب الآيات النازلة في كفار قريش أنهم لا يؤمنون كقوله**{ إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون }** البقرة 6، وقوله**{ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون }** يس 7، ومن هذا الباب أيضاً آيات الطبع على القلوب. بحث روائي في المجمع في قوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصفا فقال يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا مالك؟ فقال أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم وممسيكم ما كنتم تصدقونني؟ قالوا بلى. قال فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال أبو لهب تباً لك ألهذا دعوتنا جميعاً؟ فأنزل الله عز وجل { تبت يدا أبي لهب }. أقول ورواه أيضاً في تفسير السورة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولم يذكر فيه كون الدعوة عند نزول آية { وأنذر عشيرتك } الآية. وفيه أيضاً عن طارق المحاربي قال بينما أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه فقلت من هذا؟ فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وفي قرب الإِسناد بإسناده إلى موسى بن جعفر عليه السلام في حديث طويل يذكر فيه آيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من ذلك **" أن أُم جميل امرأه أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبت ومع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر بن أبي قحافة فقال يا رسول الله هذه أُم جميل محفظة أي مغضبة تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به فقال صلى الله عليه وآله وسلم إنها لا تراني فقالت لأبي بكر أين صاحبك؟ قال حيث شاء الله قالت جئته ولو أراه لرميته فإنه هجاني واللات والعزى إني لشاعرة فقال أبو بكر يا رسول الله لم ترك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم لا. ضرب الله بيني وبينها حجاباً ".** أقول وروي ما يقرب منه بغير واحد من طرق أهل السنة. وفي تفسير القمي في قوله تعالى { وامرأته حمالة الحطب } قال كانت أُم جميل بنت صخر وكانت تنم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتنقل أحاديثه إلى الكفار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) | معنى { تَبَّتْ } هلكت وخسرت، ومنه قوله - تعالى -**{ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }** وقوله - سبحانه -**{ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }** وقوله { وَتَبَّ } أى وقد تب وهلك وخسر، فالجملة الأولى دعاء عليه بالهلاك والخسران، والجملة الثانية إخبار عن أن هذا الدعاء قد استجيب، وأن الخسران قد نزل به فعلا. أى خسرت وخابت يدا أبى لهب، وقد نزل هذا الهلاك والخسران به، بسبب عداوته الشديدة للحق، الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم من عند ربه - سبحانه -. والمراد باليدين هنا ذاته ونفسه، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، كما فى قوله - تعالى -**{ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** ويجوز أن يكون المراد باليدين حقيقتهما، وذلك لأنه كان يقول يعدنى محمد صلى الله عليه وسلم بأشياء، لا أدرى أنها كائنة، يزعم أنها بعد الموت، فلم يضع فى يدى شئ من ذلك، ثم ينفخ فى يديه ويقول تبا لكما ما أرى فيكما شيئا. وقوله - سبحانه - { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } كلام مستأنف للانتقال من ذمه والدعاء عليه بالهلاك، إلى بيان أن ماله وجاهه.. لن يغنى عنه من عذاب الله - تعالى - شيئا. أى أن أبا لهب لن يغنى عنه ماله الكثير، وكسبه الوفير من حطام الدنيا.. لن يغنى عنه شيئا من عذاب الله - تعالى -، أو شيئا من انتشار رسالة الله - تعالى - فى الأرض، فإن الله - سبحانه - ناصر نبيه صلى الله عليه وسلم ومؤيده بروح منه. والتعبير بالماضى فى قوله { مَآ أَغْنَىٰ... } لتحقيق وقوع عدم الإِغناء. والراجح أن " ما " الأولى نافية، والثانية موصولة، أى ما أغنى عنه شيئا ماله الذى ورثه عن أبيه، وأيضا ما أغنى عنه شيئا ماله الذى جمعه واكتسبه هو بنفسه عن طريق التجارة وغيرها. وقوله - سبحانه - { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } بيان للعاقبة السيئة التى تنتظره، بعد هذا الذم والتأنيب والوعيد. أى سيلقى بأبى لهب فى نار شديدة الحرارة، تشوى الوجوه والأبدان، ووصف - سبحانه - النار بأنها " ذات لهب " لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وكفره، إذ هو معروف بأبى لهب، والنار موصوفة بأنها ذات لهب شديد. ثم أعقب - سبحانه - ذلك، بذم زوجه التى كانت تشاركه العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }. وقوله { وَٱمْرَأَتُهُ } معطوف على الضمير المستتر العائد على أبى لهب فى قوله { سَيَصْلَىٰ } ، وانتصاب لفظ " حمالةَ " على الذم بفعل مضمر، لأن المقصود به هنا الذم، وقرأ الجمهور { حَمَّالَةَ } - بالرفع - على أنه صفة لها، أو خبر لمبتدأ محذوف، أى هى حمالة الحطب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والمقصود بقوله - تعالى - { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } الحقيقة، فقد روى أنها كانت تحمل بنفسها حزمة الشَّوْك والحسك والسَّعْدَان، فتنثرها بالليل فى طريقه صلى الله عليه وسلم، لإِيذائه به، ويصح أن يكون المراد بهذه الجملة الكناية عن مشيها بين الناس بالنميمة، وإشاعة السوء حول الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقال لمن يمشى بالنميمة ليفسد بين الناس، إنسان يحمل الحطب بين الناس، أى أنه يفسد بينهم. ويصح أن يكون المقصود بهذه الجملة، حملها للذنوب والخطايا، من قولهم فلان يَحْطِب على ظهره، إذا كان يكتسب الذنوب والخطايا، فاستعير الحطب لذلك. وقد رجح الإِمام ابن جرير القول الأول، لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه فى طريق النبى صلى الله عليه وسلم. وقوله - سبحانه - { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } زيادة فى تبشيع صورتها، وتحقير هيئتها. والجيد العنق، والمسد الليف المتين الذى فتل بشدة، يقال حبل ممسود، أى مفتول فتلا قويا. والمعنى سيصلى أبو لهب نارا شديدة، وستصلى معه امرأته التى تضع الشوك فى طريق النبى صلى الله عليه وسلم هذه النار المشتعلة - أيضا -، وسيزيد الله - تعالى - فى إذلالها وتحقيرها، بأن يأمر ملائكته بأن تضع فى عنقها حبلا مفتولا فتلا قويا، على سبيل الإِذلال والإِهانة لها، لأنها كانت فى الدنيا تزعم أنها من بنات الأشراف الأكابر. روى عن سعيد بن المسيب أنه قال كان لها قلادة ثمينة فقالت لأبيعنها ولأنفقن ثمنها فى عداوة محمد صلى الله عليه وسلم فأبدلها الله عنها حبلا فى جيدها من مسد النار. والذى يتأمل هذه السورة الكريمة، يراها قد اشتملت على أوضح الأدلة وأبلغ المعجزات الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، فإن الله - تعالى - قد أخبر بشقاء أبى لهب وامرأته، وأنهما سيصليان نارا ذات لهب.. وقد علما بما جاء فى هذه السورة من عقاب الله لهما.. ومع ذلك فقد بقيا على كفرهما حتى فارقا الحياة، دون أن ينطقا بكلمة التوحيد، ولو فى الظاهر - فثبت أن هذا القرآن من عند الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه - عز وجل -. نسأل الله - تعالى - أن يلحقنا بعباده الصالحين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) | { تبت يدا أبي لهب وتب } **" لمَّا نزل قوله: { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّفا، ونادى بأعلى صوته يدعو قومه، فاجتمعوا إليه فأنذرهم النَّار، وقال: إنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديدٍ، فقال أبو لهب: تبَّاً لك، ما دعوتنا إلاَّ لهذا "** ، فأنزل الله: { تبت يدا أبي لهب } أَيْ: خابت وخسرت { وتب } وخسر هو، ولمَّا خوَّفه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال: إنَّه إنْ كان ما يقوله ابن أخي حقاً؛ فإني أفتدي منه بمالي وولدي، فقال الله تعالى:
{ ما أغنى عنه ماله وما كسب } يعني: ولده.
{ سيصلى ناراً ذات لهب }.
{ وامرأته حَمّالةَ الحطب } نقَّالة الحديث الماشية بالنَّميمة، وهي أمُّ جميلٍ أخت أبي سفيان.
{ في جيدها } في عنقها { حبل من مسد } سلسلةٌ من حديدٍ ذرعها سبعون ذراعاً، تدخل في فيها وتخرج من دبرها، ويلوى سائرها في عنقها، والمسد: كلُّ ما أُحكم به الحبل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة | 1- هلكت يدا أبى لهب اللتان كان يؤذى بهما المسلمين، وهلك معهما.
2- ما دفع عنه عذاب الله ماله الذى كان له، ولا جاهه الذى كسبه.
3- سيدخل نارا مشتعلة يحترق فيها.
4- وستدخل امرأته حَمَّالة النميمة بين الناس النار كما دخلها.
5- فى عنقها حبل من ليف للتنكيل بها.
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) | شرح الكلمات:
تبت يدا أبي لهب: أي خسرت يدا أبي لهب بن عبد المطلب أي خسر عمله.
وتب: أي خسر هو بذاته إذ هو من أهل النار.
ما أغنى عنه ماله: أي أي شيء أغنى عنه ماله لما سخط الله تعالى عليه وعذبه في الدنيا والآخرة.
وما كسب: أي من المال والولد وغيرها.
سيصلى نارا: أي يدخل نارا يصطلي بحرها ولفحها.
ذات لهب: أي توقد واشتعال.
وامرأته: أي أم جميل العوراء.
حمالة الحطب: أي تحمل شوك السعدان وتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم أذية له وكرها.
في جيدها: أي في عنقها.
حبل من مسد: أي من ليف.
معنى الآيات:
قوله تعالى { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } الآيات الخمس المباركات نزلت ردا على أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم إذ صح أنه لما نزلت آية**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الآية: 214] من سورة الشعراء طلع صلى الله عليه وسلم إلى جبل الصفا ونادى: واصباحاه واصباحاه فاجتمع الناس حوله فقال لهم إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد: قولوا لا إله إلا لله كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم. فنطق أبو لهب فقال: ألهذا جمعتنا تبا لك طول اليوم فأنزل الله تعالى رداً عليه { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي خسر أبو لهب وخسر كل شيء له وهذه جملة دعائية ولذا هلك بمرض خطير لم يتمكنوا من غسله فأراقوا عليه الماء، فقط وقوله { وَتَبَّ } إخبار من الله تعالى بهلاك عبد العزى أبي لهب وقوله { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي لما سخط الله عليه وأدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله ولا ولده. وقوله تعالى { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي تَوقُّدٍ وتأجُّجٍ. { وَٱمْرَأَتُهُ } أم جميل العوراء { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } حيث كانت تأتي بشوك السعدان وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم عند ذهابه إلى صلاة الصبح بالمسجد الحرام. وقوله تعالى { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبل من ليف النخل أو مسد شجر الدوم بهذا حكم الله تعالى على أعدائه وأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان حكم الله بهلاك أبي لهب وإبطال كيده الذي كان يكيده لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- لا يغني المال ولا الولد عن العبد شيئا من عذاب الله إذا عمل بمساخطه وترك مراضيه.
3- حرمة أذية المؤمنين مطلقا.
4- عدم إغناء القرابة شيئا من الشرك والكفر إذ أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في النار ذات اللهب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) | قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } واسمه عبدالعزى بن عبدالمطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمي أبو لهب لأن وجنتيه كانتا حمراوين، كأنما يلتهب منهما النار، وذلك أنه لما نزلت**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214]، يعني بني هاشم، وبني المطلب، وهما ابنا عبد مناف بن قصى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: **" يا علي، قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لي طعاماً، حتى أدعوهم عليه وأنذرهم " ، فاشترى على، رحمة الله عليه، رجل شاة فطبخها وجاء بعس من لبن، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم، وبني المطلب إلى طعامه، وهم أربعون رجلاً غير رجل، على رجل شاة، وعس من لبن، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا.** **فقال أبو لهب: لهذا ما سحركم به، الرجال العشرة منا يأكلون الجذعة، ويشربون العس، وإن محمداً قد أشبعكم أربعين رجلاً من رجل شاة، ورواكم من عس من لبن، فلما سمع ذلك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه، ولم ينذرهم تلك الليلة، وأمر النبي علياً أن يتخذ لهم ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا بني هاشم، ويا بني المطلب، أنا لكم النذير من الله، وأنا لكم البشير من الله إني قد جئتكم بما لم يجىء به أحد من العرب، جئتكم في الدنيا بالشرف، فأسلموا تسلموا، وأطيعونى تهتدوا "** ، فقال أبو لهب: تبا لك، يا محمد، سائر اليوم لهذا دعوتنا؟ فأنزل الله عز وجل فيه: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [آية: 1] يعني وخسر أبو لهب.
ثم استأنف، فقال: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } في الآخرة { وَمَا كَسَبَ } [آية: 2] يعني أولاده عتبة وعتيبة ومتعب لأن ولده من كسبه { سَيَصْلَىٰ } يعني سيغشى أبو لهب { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [آية: 3] ليس لها دخان { وَٱمْرَأَتُهُ } وهى أم جميل بنت حرب، وهى أخت أبي سفيان بن حرب { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [آية: 4] يعني كل شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره.
ثم أخبر بما يصنع لها في الآخرة، فقال: { فِي جِيدِهَا } في عنقها يوم القيامة { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [آية: 5] يعني سلسلة من حديد، فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب قيل لها: إن محمداً قد هجا زوجك، وهجاك، وهجا ولدك، فغضبت وقامت فأمرت وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر، فانطلقت لتستدل على النبي صلى الله عليه وسلم لتلقى ذلك عليه فتصغره، وتذله به، لما بلغها عنه، فأخبرت أنه في بيت عند الصفا، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر، رحمه الله عليه، كلامها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم داخل البيت، فقال أبو بكر، رحمة الله عليه: يا رسول الله، إن أم جميل قد جاءت، وما أظنها جاءت بخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم خذ ببصرها " ، أو كما قال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
ثم قال لأبى بكر، رحمة الله عليه: " دعها تدخل، فإنها لن ترانى " ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، رحمة الله عليه، جميعاً، فدخلت أم جميل البيت، فرأت أبا بكر، رحمة الله عليه، ولم تر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانا جميعاً في مكان واحد، فقالت يا أبا بكر أين صاحبك؟ فقال: وما أردت منه يا أم جميل؟ قالت: إنه بلغنى أنه هجاني، وهجا زوجى، وهجا أولادي، وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه، ورأسه أذله بذلك، فقال لها: والله، ما هجاك، ولا هجا زوجك، ولا هجا ولدك.
قالت: أحق ما تقول يا أبا بكر، قال: نعم، فقالت: أما إنك لصادق، وأنت الصديق، وما أرى الناس إلا وقد كذبوا عليه، فانصرفت إلى منزلها، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أن يخرج إلى الشام في تجارة، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا الصفاح، فلما هموا أن يرجعوا عنه إلى مكة، قال لهم عتبة: إذا رجعتم إلى مكة، فاخبروا محمداً بأني كفرت بـ**{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ }** [النجم: 1]، كانت أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: " اللهم سلط عليه كلبك يأكله " ، فألقى الله عز وجل في قلب عتبة الرعب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا سار ليلاً ما يكاد ينزل بليل.
فهجر بالليل، فسار يومه وليلته،وهم أن لا ينزل حتى يصبح، فلما كان قبيل الصبح، قال له أصحابه: هلكت الركاب، فما زالوا به حتى نزل، وعرس وإبله، وهو مذعور فأناخ الإبل حوله مثل السرادق، وجعل الجواليق دون الإبل مثل السرادق، ثم أنام الرجال حوله دون الجواليق، فجاء الأسد، ومعه ملك يقوده، فألقى الله عز وجل على الإبل السكينة، فسكنت.
فجعل الأسد يتخلل الإبل، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه، وبقي عظامه وهم لا يشعرون، فأنزل الله عز وجل في قوله حين قال لهم: قولوا لمحمد: إني كفرت بالنجم إذا هوى، يعني القرآن إذ نزل، أنزل فيه:**{ قُتِلَ ٱلإِنسَانُ }** يعني لعن الإنسان**{ مَآ أَكْفَرَهُ }** [عبس: 17] يعني عتبة يقول: أي شىء أكفره بالقرآن إلى آخر الآيات.
حدثنا عبدالله بن ثابت، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: كانت قريش وأم جميل تقول: مذماً عصيناً، وأمره أبينا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" ومن لطف الله أن قريشاً تذم مذمماً، وأنا محمد " صلى الله عليه وسلم ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) | تَبَّ: خسر وهلك. تبَّ يتَبّ تَباً وتَبابا. يقال في الدعاء على الانسان: تبتّ يدُه. وتَبّاً له: هلاكاً له. يصلَى نارا: يدخلها ويجدُ حرها. أبو لهب: عبد العزّى بنُ عبد المطلب، عم النبيّ الكريم. امرأته: أروى بنت حرب، أُم جميل أخت أبي سفيان. حمّالة الحطَب: التي تسعى بالنميمة والفتنة بين الناس. الجيد: العنُق. المَسَد: كل حَبْل مفتول.
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }
تَبَّ: الأولى دعاءٌ عليه بالهلاك، وتبّت الثانية إخبارٌ بأنه قد هلك. لقد خسر أبو لهب وهلك، وضلّ عملُه لعدائه للرسول الكريم، وكثرةِ ما سبّب من الأذى له وللمسلمين. فقد كان من أشدّ الناس عداوةً للنبي صلى الله عليه وسلم.
والتعبيرُ باليد لأنها أداةُ العمل ومظهَرُ القوة.**{ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج: 10]. وهذا تعبيرٌ مألوفُ عندَ العرب، تقول: أصابتْهُ يدُ الدهر، ويدُ الرزايا والمنايا.
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }
إن كل ما جمع من مالٍ، وما عنده من أولادٍ لن ينفعَه بشيء، ولن يغنيَ عنه يومَ القيامة، ولا يدفع عنه العذاب.
وكان لأبي لهبٍ ثلاثةُ أولاد: عُتبة، ومعتِب، وعُتيبه. وقد أسلم عُتيبة ومعتبُ يوم الفتح، وشهِدا حُنَيْناً والطائف.
واما عتبة فلم يُسلم. وكانت أم كلثوم بنتُ رسول الله زوجةً له، وأختُها رقيةُ عند عتيبة. فلما نزلت هذه السورة قال أبو لهب: رأسي ورأساكما حَرامٌ إن لم تطلِّقا ابنتَي محمّد. فطلقاهما.
وأراد عُتبة ان يذهبَ إلى الشام مع أبيه فقال: لآتِيَنَّ محمّداً وأُوذينَّه. فقال: يا محمد، إني كافر بالنّجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلّى. ثم تفل امام الرسول الكريم وطلّق ابنته أُم كلثوم. فقال الرسول الكريم " اللهُمّ سَلِّطْ عليه كلباً من كلابك " فافترسَه الأسدُ بالزرقاءِ في الأردن. ومات أبو لهب بعد وقعةِ بدرٍ بسبعة أيام.
{ سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }
سيُعذَّب بنارِ جهنّم الحاميةِ ذاتِ الشرر واللّهب، الّتي أعدّها الله لمِثْله من الأشرارِ المعاندين.
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }
وستعذَّب امرأتُه، أم جميل العَوراء، بهذه النار أيضا، لشدة عِدائها للرسول الكريم، ولِما كانت تسعى بالنَّميمة والفتنة لإطفاء دعوةِ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال ابنُ عباس ومجاهد وقتادة والسُدّي: كانت تمشي بالنميمة بين الناس. والعربُ تقول: فلان يَحْطِب على فلانٍ إذا حَرَّضَ عليه.
وفي الحديث الصحيح **" لا يدخُل الجنّةَ نمّام " وقال: " ذو الوجهينِ لا يكونُ عند الله وَجِيها "** والنميمةُ من الكبائر.
وقيل ايضا إن أُمَّ جميل هذه كانت تحمِل حُزَمَ الشوكِ والحَطَب وتنثُرها باللّيل في طريق رسولِ الله لإيذائه. لذلك فإنّ في عنقِها يوم القيامة حَبلاً تُشَدّ به إلى النار، وبئس القرار.
قراءات:
قرأ ابن كثير: ابي لهب باسكان الهاء. والباقون بفتح الهاء وقرأ عاصم: حمّالة بنصب التاء. على الذم. وقرأ الباقون: حمالة بالرفع صفة لامرأته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) | (3) - وَسَيَذُوقُ فِي الآخِرَةِ حَرَّ النَّارِ، وَسَيُعَذَّبُ فِي لَظَاهَا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) | { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ }.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدّثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: **" لما أنزل الله سبحانه: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى: يا صباحاه، فأجتمع إليه الناس بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بني عبد المطلب يا بني فهر يا بني عدي أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذ الجبل يريد أن تغير عليكم صّدقتموني؟ " قالوا: نعم، قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب: تباً لكم سائر هذا اليوم، وما دعوتموني إلا لهذا؟ فأنزل { تَبَّتْ } "** أي خابت وخسرت، { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي تب هو أخبر عن يديه والمراد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كلّه كقوله سبحانه:**{ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }** [الشورى: 30] و**{ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ }** [البقرة: 95] ونحوها، وقيل: اليد صلة يقول العرب: يد الدّهر ويد الرزايا والمنايا، قال الشاعر:
| **لما أكبّت يد الرزايا** | | **عليه نادى ألا مجير** |
| --- | --- | --- |
وقيل: المراد به ماله وملكه يقال: فلان قليل ذات اليد، يعنون به المال.
والتباب الخسار والهلاك، سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت محمد بن مسعود السوري قال: سمعت نفطويه قال: سمعت المنقري عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه سمعوا صوت هاتف من الجن يبكي.
| **لقد خلّوك وأنصرفوا** | | **فما عطفوا ولا رجعوا** |
| --- | --- | --- |
| **ولم يوفوا بنذرهم** | | **فتبّاً للذي صنعوا** |
وأبو لهب هو ابن عبد المطلب واسمه عبد العزي فلذلك لم يسمّه، وقيل اسمه كتيبة، قال: مقاتل كنّي أبا لهب لحسنه وأشراق وجهه، وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان.
{ وَتَبَّ } أبو لهب الواو فيه واو العطف، وقرأ عبد الله وأُبي (وقد تب) فالأول دعاء والثاني كما يقال غفر الله لك، وقد فعل وأهلكه الله وقد فعل، والواو فيه واو الحال.
وقراءة العامة { أَبِي لَهَبٍ } بفتح الهاء، وقرأ أهل مكة بجزمها، ولم يختلفوا في قوله: { ذَاتَ لَهَبٍ } أنه مفتوح الهاء؛ لأنهم راعو فيه روس الأي.
أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا السني قال: حدّثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال: حدّثنا شريح بن يونس قال: حدّثنا هشيم قال: أخبرنا منصور عن الحكم عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: لما خلق الله القلم قال: أكتب ما هو كائن فكتب فمما كتب: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ }.
وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو الطيب محمد بن عبد الله ابن المبارك الثعيري قال: حدّثنا محمد بن أشرس السلمي قال: حدّثنا عبد الصمد بن حسان المروِّ الروذيّ عن سفيان عن منصور قال: سئل الحسن عن قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } هل كان في أم الكتاب وهل كان يستطيع أبو لهب أن لا يصلى النار؟ فقال الحسن: والله ما كان يستطيع أن لا يصليها وإنها لفي كتاب الله قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ويؤيد هذا ما أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قال: أخبرنا جدّي أمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" احتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك الله سبحانه بيده ونفخ فيك من روحه أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت موسى الذي أصطفاك الله بكلامه تلومني على عمل أعمله كتبه الله عليّ قبل أن يخلق السموات والأرض، قال: فحج آدم موسى ".** وأخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا جدي قال: حضر مجلس إسحاق بن إبراهيم وأنا على نمير الركاب فقرأ علينا قال: أخبرنا النظر بن شميل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن عمار ابن أبي عمار مولى بني هاشم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" لقي موسى آدم فقال: أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته فأخرجت ولدك من الجنة، قال له: يا موسى أنت الذي أصطفاك برسالته وكلّمك، فأنا أقدّم أم الذكر؟ قال: الذكر، فحجّ آدم موسى فحج آدم موسى ".** وأخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا جدّي قال: حدّثنا عبد الله بن محمد الزهري قال: حدّثنا سفيان قال: حدّثنا أبو الزياد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" أحتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيّبتنا وأخرجتنا من الجنة قال: آدم: ياموسى أصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدّره الله تعالى قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فحج آدم موسى فحج آدم موسى ".** { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قال: ابن مسعود: **" لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه الى الله سبحانه قال أبو لهب لأصحابه: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأني أفتدي نفسي وملكي وولدي، فأنزل الله سبحانه { مَآ أَغْنَىٰ } "** أي ما يغني، وقيل: أي شيء أغنى عنه ماله من عذاب الله.
قال: أبو العالية: يعني أغنامه، وكان صاحب سائمة ومواش، وما كسب: يعني ولده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قرأ الأعمش (وما أكتسب)، ورواه عن ابن مسعود.
أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن حنبل قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن خيثم عن أبي الطفيل قال: كنت عند ابن عباس يوماً فجاء بنو أبي لهب يختصمون في شيء بينهم فاقتتلوا عنده في البيت فقام يحجز بينهم فدفعه بعضهم فوقع على الفراش فغضب ابن عباس فقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث، يعني ولده أنهم كسبة.
دليل هذا التأويل ما أخبرني ابن فنجويه [..............].
أبو حمزة قال: حدّثني عمارة بن عمير التميمي عن عمته سودة قال: **" قالت لعائشة آكل من مال ولدي فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أطيب ما أكل أحدكم من كسبه وأن ولده من كسبه ".** { سَيَصْلَىٰ } هو سين سوف وقيل سين الوعد.
وقراءة العامة بفتح الياء الاولى وقرأ أبو رجاء بضم الياء، وقرأ شهب العقيلي بضم الياء وتشديد اللام.
{ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ | * تفسير تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ) | أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد: { مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } [الآية: 2]. يعني: ولده.
أَخبرنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [الآية: 4]. قال: يعني حمالة النميمة، تمشي بالنميمة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) | قوله: { سَيَصْلَىٰ } العامَّةُ على فتحِ الياءِ وإسكانِ الصادِ وتخفيفِ اللامِ، أي: يَصْلَىٰ هو بنفسِه. وأبو حيوةَ وابنُ مقسمٍ وعباسٌ في اختيارِه بالضمِّ والفتحِ والتشديدِ. والحسن وأبن أبي إسحاق بالضمِّ والسكون.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) | اللغَة: { تَبَّتْ } هلكت والتبابُ: الهلاك والخسران ومنه قوله تعالى**{ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }** [غافر: 37] وقال الشاعر:
| **" فتباً للذي صنعوا "** | | |
| --- | --- | --- |
{ ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتلهب { جِيدِهَا } عنقها قال امرؤ القيس:
| **" وجيدٍ كجيد الريم ليس بفاحش "** | | |
| --- | --- | --- |
{ مَّسَدٍ } ليف قال الواحدي: المسد في كلام العرب: الفتل، يقال مسد الحبل يمسده مسداً إِذا أجاد فتله، وكلُّ شيء فتل من الليف والخَوْص فهو مسد.
سبَبُ النّزول: عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون من قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إِذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو الخبر، فاجتمعت قريش وجاء عمه " أبو لهب " فقالوا: ما وراءك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم لو أخبرتكم أنَّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدِّقي؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً قط، قال: فإِني { نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } فقال له أبو لهب: تباً لك يا محمد سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }.. "** السورة.
ب - وعن طارق المحاربي قال " بينا أنا بسوق ذي المجاز إِذْ أنا بشاب حديث السن يقول أيها الناس: " قولوا لا إِله إِلا الله تفلحوا " وإِذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه - مؤخر القدم - ويقول: يا أيها الناس إِنه كذابٌ فلا تصدقوه، فقلت: من هذا؟ فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي، وهذا عمه " أبو لهب " يزعم أنه كذاب ".
التفسِير: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي هلكت يد ذلك الشقي { أَبِي لَهَبٍ } وخاب وخسر وضلَّ عمله { وَتَبَّ } أي وقد هلك وخسر، الأول دعاءٌ، والثاني إِخبارٌ كما يقال: أهلكه اللهُ وقد هلك قال المفسرون: التباب هو الخسار المفضي إِلى الهلاك، والمراد من اليد صاحبُها، على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله وجميعه، وأبو لهب هو " عبد العُزى بن عبد المطلب " عم النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته العوراء " أم جميل " أخت أبي سفيان، وقد كان كلٌ منهما شديد العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وفي يدها فهْر - قطعة - من الحجارة، فلما دنت من الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الله بصرها عنه فلم تر إِلاّ أبا بكر، فقالت يا أبا بكر: بلغني أن صاحبك يهجوني، فوالله لو وجدته لضربت بهذا الحجر فاه، ثم أنشدت تقول:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| **مُذمًّماً عصينَا وأمره أبينَا ودينه قليْنا** | | |
| --- | --- | --- |
ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله: أما تراها رأتك؟ قال: ما رأتني لقد أخذ الله بصرها عني، وكانت قريش يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: مذمماً بدل " محمد " وكان يقول صلوات الله عليه: ألا تعجبون كيف صرف الله عني أذى قريش؟ يسبون ويهجون مذمماً وأنا محمد!؟ قال الخازن: فإِن قلت: لم كناه وفي التكنية تشريف وتكرمة؟ فالجواب من وجوه: أحدهما: أنه كان مشتهراً بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه لم يعرف، الثاني: أنه كان اسمه " عبد العزى " فعدل عنه إِلى الكنية لما فيه من الشرك لأن العزَّى صنم فلم تضف العبودية إِلى صنم - الثالث: أنه لما كان من أهل النار، ومآله إِلى النار، والنارُ ذاتُ لهب، وافقت حاله كنيته وكان جديراً بأن يذكر بها { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي لم يفده ماله الذي جمعه، ولا جاهه وعزه الذي اكتسبه قال ابن عباس { وَمَا كَسَبَ } من الأولاد، فإِن ولد الرجل من كسبه.. روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إِلى الإِيمان، قال أبو لهب: إِن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإِني أفتدي نفسي من العذاب بمالي وولدي فنزلت قال الألوسي: كان لأبي لهب ثلاثة أبناء " عُتبة " و " معتب " و " عُتيبة " وقد أسلم الأولان يوم الفتح، وشهدا حنيناً والطائف، وأما " عُتيبة " فلم يسلم، وكانت " أم كلثوم " بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، وأختها " رُقية " عند أخيه عُتبة، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما: رأسي ورأسكما حرام إِن لم تطلقا ابنتي محمد، فطلقاهما ولما أراد " عُتيبة " بالتصغير الخروج إلى الشام مع أبيه قال: لآتينَّ محمداً وأوذينَّه فأتاه فقال يا محمد: إِني كافر بالنجم إِذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل أمام النبي صلى الله عليه وسلم وطلَّق ابنته " أم كلثوم " فغضب صلى الله عليه وسلم ودعا عليه فقال: **" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "** فافترسه الأسد، وهلك أبو لهب بعد وقعة بدر بسبع ليالٍ بمرضٍ معدٍ كالطاعون يسمى " العدسة " وبقي ثلاثة أيام حتى أنتن، فلما خافوا العار حفروا له حفرة ودفعوه إِليها بعود حتى وقع فيها ثم قذفوه بالحجارة حتى واروه، فكان الأمر كما أخبر به القرآن { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي سيدخل ناراً حامية، ذات اشتعال وتوقُّد عظيم، وهي نار جهنم { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي وستدخل معه نار جهنم، امرأته العوراء " أم جميل " التي كانت تمشي بالنميمة بين الناس، وتوقد بينهم نار العداوة والبغضاء قال أبو السعود: كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لإِيذائه وقال ابن عباس: كانت تمشي بالنميمة بين الناس لتفسد بينهم { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبلٌ من ليف قد فتل فتلاً شديداً، تعذب به يوم القيامة قال مجاهد: هو طوقٌ من حديد وقال ابن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت: واللاتِ والعُزَّى لأنفقنها في عداوة محمد، فأعقبها الله منها حبلاً في جيدها من مسد النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- المجاز المرسل { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أطلق الجزء وأراد الكل أي هلك أبو لهب.
2- الجناس بين { أَبِي لَهَبٍ } وبين { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } فالأول كنية والثاني وصف للنار.
3- الكنية للتصغير والتحقير { أَبِي لَهَبٍ } فليس المراد تكريمه بل تشهيره، كأبي جهل.
4- الاستعارة اللطيفة { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } مستعار للنميمة وهي استعارة مشهورة قال الشاعر: " ولم يمش بين الحي بالحطب والرطب.
5- النصب على الشتم والذم { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي أخص بالذم حمالة الحطب.
6- توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات وهو من المحسنات البديعية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) | روى البخاري: عن ابن عباس **" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش، فقال: " أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني؟ " قالوا: نعم، قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تباً لك، فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها "** وفي رواية: فقام ينفض يديه وهو يقول: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } الأول دعاء عليه، والثاني خبر عنه، فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه (عبد العزى بن عبد المطلب) وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغض له، والتنقص له ولدينه، روى الإمام أحمد عن أبي الزناد قال: **" أخبرني رجل يقال له (ربيعة بن عباد) من بني الديل وكان جاهلياً فأسلم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إلٰه إلاّ الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه، أحول ذو غديرتين، يقول: إنه صابيء كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فقالوا: هذا عمه أبو لهب "** وقال محمد بن إسحاق. عن ربيعة بن عباد: **" إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول: " يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، وأن تصدقوني وتمنعوني حق أنفذ عن الله ما بعثني به " ، وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه، فقلت لأبي: من هذا؟ قال عمه أبو لهب "** فقوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي خسرت وخابت وضل عمله وسعيه، { وَتَبَّ } أي وقد تبّ تحقق خسارته وهلاكه.
وقوله تعالى: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قال ابن عباس: { وَمَا كَسَبَ } يعني ولده، يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقوله تعالى: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي ذات شرر ولهب وإحراق شديد، { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي (أم جميل) واسمها (أروى بنت حرب بن أمية) وهي أخت أبي سفيان، وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال تعالى: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ \* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه، هي مهيأة لذلك مستعدة له، { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال مجاهد: من مسد النار، وعن مجاهد وعكرمة، { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تمشي بالنميمة. وقال ابن عباس والضحّاك: كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة، فقالت: لأنفقنها في عداوة محمد، فأعقبها الله منها حبلاً في جيدها من مسد النار، والمسد الليف، وقيل: هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعاًَ، قال الجوهري: المسد الليف، والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص، وقال مجاهد: { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي طوق من حديد، أخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لمّا نزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أقبلت العوراء (أم جميل) بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
| **مذمّمـاً أبيْنـا ـ ودينـه قليْنـا ـ وأمـره عصينـا** | | |
| --- | --- | --- |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله قد أقبلتْ وأنا أخاف عليك أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها لن تراني " ، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى:**{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }** [الإسراء: 45]، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولّت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها، قال: فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت، فقالت: تعس مذمم. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى سفيرها، ثم ترمى إلى أسفلها، ثم لا تزال كذلك دائماً.
قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوّة، فإنه منذ نزل قوله تعالى: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ \* وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ \* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً، لا سراً ولا علناً، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة، على النبوّة الظاهرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) | { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } معنى تبت خسرت والتباب هو: الخسران، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم وهو عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أشد الناس عداوة له. فإن قيل: لم ذكره الله بكنيته دون اسمه؟ فالجواب: من ثلاثة أوجه أحدها: أن كنيته كانت أغلب عليه من اسمه كأبي بكر وغيره ويقال: أنه كُني بأبي لهب لتلهب وجهه جمالاً. الثاني: أنه لما كان اسمه عبد العزى عدل عنه إلى الكنية. الثالث: أنه لما كان من أهل النار واللهب، كنَّاه أبا لهب وليناسب ذلك قوله: سيصلى ناراً ذات لهب.
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } يحتمل أن تكون ما نافية أو استفهامية يراد بها النفي، وماله: وهو رأس ماله وما كسب: الربح أو ماله: ما ورث، وما كسب: هو ما اكتسبه لنفسه، وقيل: جميع ماله وما كسب { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } هذا حتم عليه بدخول النار ومات بعد ذلك كافراً { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } اسم امرأته أم جميل بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان، وفي وصفها بحمالة الحطب أربعة أقوال. أحدها: أنها تحمل حطباً وشوكاً فتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لتؤذيه. الثاني: أن ذلك عبارة عن مشيها بالنميمة يقال: فلان يحمل الحطب بين الناس أي: يوقد بينهم نار العداوة بالنمائم. الثالث: أنه عبارة عن سعيها بالمضرة على المسلمين يقال: فلان يحطِب على فلان إذا قصد الإضرار به. الرابع: أنه عبارة عن ذنوبها وسوء أعمالها { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } الجِيد: العنق والمسَد الليف، وقيل: الحبل المفتول، وفي المراد به ثلاثة أقوال: الأول: أنه إخبار عن حملها الحطب في الدنيا على القول الأول، وفي ذلك تحقير لها وإظهار لخساسة حالها. والآخر: أنه حالها في جنهم يكون كذلك أي يكون في عنقها حبل. الثالث: أنها كانت لها قلادة فاخرة، فقالت لأنفقنها على عداوة محمد، فأخبر عن قلادتها بحبل المسد على جهة التفاؤل والذم لها بتبرجها، ويحتمل قوله: وامرأته وما بعده وجوها من الإعراب يختلف الوقف باختلافها وهي: أن يكون امرأته وحمالة الحطب خبره، أو يكون حمالةَ الحطب نعت والخبر: في جيدها حبل من مسد أو يكون امرأته معطوفاً على الضمير في يصلى وحمالة الحطب نعت، أو خبر ابتداء مضمر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|