surah_name
stringclasses 113
values | revelation_type
stringclasses 2
values | ayah
stringlengths 2
1.15k
| tafsir_book
stringclasses 84
values | tafsir_content
stringlengths 0
644k
|
---|---|---|---|---|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) | { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } هذه السورة مكية ولما ذكر فيما قبلها دخول الناس في دين الله اتبع بذكر من لم يدخل في الدين وخسر ولم يدخل فيما دخل فيه أهل مكة من الإِيمان والتب الخسران وأسند الهلاك إلى اليدين لأن العمل أكثر ما يكون بهما وهو في الحقيقة للنفس والظاهر أن تبت دعاء.
{ وَتَبَّ } إخبار بحصول ذلك روي أنه لما نزل وأنذر عشيرتك الأقربين قال عليه السلام **" يا صفية بنت عبد المطلب يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنكما من الله شيئاً سلاني من مالي ما شئتما ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش يا بني فلان يا بني فلان "** وروي **" أنه صاح بأعلى صوته يا صباحاه فاجتمعوا إليه من كل وجه فقال لهم: أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا: نعم، قال: فإِني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فافترقوا عنه ونزلت هذه السورة "** وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم والظاهر أن ما في ما أغنى عنه ماله نفي أي لم يغن عنه ماله الموروث عن آبائه.
{ وَمَا كَسَبَ } هو بنفسه أو ماشيته وما كسب من نسلها ومنافعها ويجوز أن تكون ما استفهاماً في موضع نصب أي شىء يغني عنه ماله على وجه التقرير والإِنكار والمعنى أين الغنى الذي لماله ولكسبه والظاهر أن ما في قوله: { وَمَا كَسَبَ } موصوله وأجيز أن تكون مصدرية وإذا كانت ما في ما أغنى استفهاماً فيجوز أن يكون ما في قوله وما كسب استفهاماً أيضاً.
{ سَيَصْلَىٰ } وعد له بأنه يصلى النار في الآخرة.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } يجوز أن تكون مبتدأ وحمالة خبره ويجوز أن يكون معطوفاً على الضمير المستكن في سيصلى وحسن ذلك الفصل بينهما وعلى هذا التأويل تكون حمالة خبر مبتدأ محذوف تقديره هي حمالة وقرىء عاصم حمالة نصباً على الذم فيتعين أن يكون وامرأته عطفاً على الضمير المستكن في سيصلى وامرأته اسمها أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان وكانت عوراء والظاهر أنها كانت تحمل الحطب الذي فيه الشوك لتؤذي بإِلقائه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتعقرهم حذفت بذلك وسميت حمالة الحطب وقيل حمالة الحطب كناية عن المشي بالنميمة والجيد العنق والظاهر أن الحبل من مسد والمسد الليف ولما سمعت أم جميل هذه السورة أتت أبا بكر وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وبيدها فهر فقالت بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وأعمى الله بصرها عن رسوله عليه السلام فروي أن أبا بكر قال لها: هل تري معي أحداً فقالت أتهزأ بي لا أرى غيرك وإن كان شاعراً فأنا مثله أقول:
| **\* مذمما أبينا** | | **ودينه قلينا** |
| --- | --- | --- |
| **وأمره عصينا \*** | | |
فسكت أبو بكر ومضت هي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لقد حجبتني ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها وذكر أنها ماتت مخنوقة بحبلها وأبو لهب رماه الله بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) | أي سيدخلُ أبو لَهب ناراً لا يسكنُ لَهبُها ولا يطفأُ جَمرُها، قرأ أبو رجاء (سَيُصَلَّى) بالتشديد وضمِّ الياء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) | قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها. أي: خسرت يدا أبي لهب، وقد خسر. فالأول [دعاء] والثاني [خبر]، كما تقول: [أهلكه] الله وقد هلك وفي قراءة عبد الله: " وقد تب " ووقع الإخبار والدعاء عن اليدين على طريق المجاز، والمراد صاحبهما، يدل على ذلك قوله: { وَتَبَّ } ولم يقل: وتبتا.
وقيل: هو حقيقة، وذلك أن أبا لهب أراد أن [يرمي] رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله من ذلك، ونزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، فالأولى على الحقيقة لليدين، والثانية لأبي لهب، لأنه إذا خسرت يداه فقد خسر هو.
(قال ابن زيد: التب: الخسران) قال ابن زيد: قال أبو لهب للنبي صلى الله عليه وسلم: وماذا أعطى - يا محمد - إن آمنت بربك؟ قال: كما يعطى المسلمون. قال [فمالي] عليكم فضل! قال: تبًّا وأي شيء [تبتغي]؟ قال: تبا لهذا من دين، (تباً) أن أكون أنا وهؤلاء سواءً، فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، فعلى هذا يكون مجازا، والمراد به عين أبي لهب لاَ يَدَاهُ.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خص عشيرته بالدعوة إذ نزل عليه:**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214] فجمعهم ودعاهم وأنذرهم، فقال له أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا دعوتنا، فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }.
قال ابن عباس: **" صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم [الصفا]، فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: ما لك؟ فقال: أرأيتكم إن (أخبرتكم) أن العدو [مصبحكم]) أو ممسيكم، أما كنتم تصدقونني؟ قالوا: بلى. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال [أبو] لهب: تباً لك: ألهذا دعوتنا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخر السورة ".** وكان اسم أبي لهب: عبد العزى، فذلك ذُكِرَ بكنيته في القرآن.
وقوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } إن جعلت ما أستفهاما كانت في موضع (نصب) بأغنى، وإن جعلتها نفيا كانت حرفا، وقدَّرْتَ مفعولاً محذوفاً، أي: ما أغنى عنه ماله شيئاً.
والمعنى: ما يغني عنه ماله في الآخرة وفي الدنيا إذا جاءه الموت.
وقوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } ، يعني ما اقتنى من الموال والأغراض.
وقيل: { وَمَا كَسَبَ } عني به ولده، أي ما أغنى عنه ماله وما ولد. وروى أبو الطفيل أن أولاد أبي لهب جاؤوا يختصمون في البيت، فقام ابن عباس يحجز بينهم (وقد كفّ بصرُهُ)، [فدفعه] بعضهم حتّى وَقَع عَلَى الفِرَاشِ فغَضِبَ وَقَالَ: أَخْرِجُوا عنّي الكَسْبَ الخَبِيثَ.
قال مجاهد: " وَمَا كسَبَ ولده ". وقيل: معناه: وما كسب من مال وجاه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ثم قال تعالى: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } روي عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ " سَيُصْلَى " بضم الياء والمعنى: سَيُقَاسِي حرَّ نارٍ ذاتِ توقُّدٍ وتَلَهُّبٍ.
يقال: صلَيْتُ بالأمْرِ أَصْلَى: إذَا قاسَيْتَ حَرَّهُ وَشِدَّتَهُ، وَصَلَيْتُهُ: شَوَيْتُهُ وفي الحديث شَاة مَصْلِيَّة أي: مَشْويَّة والمعنى: سيصلى أبو لهب ناراً ذات لهب وامراته، وجاز العطف على المضمر المرفوع، [لأنه قد فرق] بينهما فقام التفريق مقام التأكيد.
وقوله: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نعت للمرأة وهي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عَمَّةُ معاوية، نعتت بهذا لأنه قد كان له زوجات غيرها.
وقيل: نعتت به على طريق [التخسيس] [لها] عقوبة لأذَاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن تكون { وَٱمْرَأَتُهُ } [متبدأ] و { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نعت، وفي { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } ابتداء وخبر في موضع خبر (لامرأة، ويجوز أن يكون { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } خبراً " لامرأة " و { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } ابتداء وخبر في موضع خبر ثان، [أو في موضع] الحال.
ويجوز أن ترتفع " حمَّالَةُ الحطب " على البدل من [ { وَٱمْرَأَتُهُ } وتكون (بمعنى) الخبر { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } الجملة إن جعلت { وَٱمْرَأَتُهُ } [مبتدأ].
ويجوز أن يكون { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } / نكرة [يراد] به الاستقبال على ما سنذكره من قول المفسرين في معناه. ويجوز أن يكون معرفة يراد به الماضي على ما سنذكره من قول المفسرين.
فإن جعلت " المرأة " عطفاً على المضمر في { سَيَصْلَىٰ } كان { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } في موضع الحال من المرأة.
ومن [نصب] (حمَّالة) [نصبه] على الذم.
قال ابن عباس: كانت تحمل الشوك فتجره على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، فذلك نعتت " بحمالة الحطب ". وهو قول الضحاك وابن زيد. وقال عكرمة: " كانت تمشي بالنميمة ". وعن مجاهد مثله، وقاله قتادة.
[وقيل إن { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } تمثيل لأذاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعرب تقول: فلان] يحطب على فلان، أي [يُغْري به] [وَيُؤذِيهِ] فشبه الحطب [بالعداوة].
وقيل: معنى { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي: [الخطايا و] الذنوب والفواحش، كما يقال: فلان يحطب على نفسه، إذا كان كثير الاكتساب الذنوب.
وقوله: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي: في عنقها، والجيد: العُنُقُ.
قال الضحاك: " هو حبل من شجر، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به، [وقاله] ابن عباس. وقال ابن زيد: هي حبال من شجر [ينبت] باليمن يقال لها: مسد.
وقيل: { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } ، أي: " حبل من نار في رقبتها ". وقال السدي: المسد: الليف.
وقال عروة: " هو سلسلة من حديد ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً ". (وقال سفيان: " حبل في عنقها من النار مثل طوق طوله سبعون ذراعاً " وعن مجاهد { مِّن مَّسَدٍ } " من حديد ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقال عكرمة: { مِّن مَّسَدٍ } هي: " [الحدِيدَةُ] التي في وسط البكرة " وروي ذلك أيضا عن مجاهد.
وقال قتادة: { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }: " [قِلاَدَة] " من ودع.
فمن جعل هذا إخبار عما يكون في النار من حالها كانت { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نكرة لأنه يراد به الاستقبال، فلا يحسن أن يكون صفة لـ { ٱمْرَأَتُهُ }.
ومن جعله بمعنى قد مضى مثل [مشيها] بالنمائم وحَمْلِها الشوك لطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـ { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } معرفة يحسن أن [تكون] صفة لـ { ٱمْرَأَتُهُ }. والوقف في هذه السورة على مقدار ما تَقَّدَّرَ مما تَقَدَّمَ ذكره من النعت والخبر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) | قوله - عز وجل -: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }:
أي: خسرت، وخابت، كذلك قال أبو عوسجة، يقال: تب يتب تبا وتبابا.
ثم ما ذكر من قوله: { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } يحتمل حقيقة اليد.
ويحتمل أن يكون ذكر اليد على الصلة.
فإن كان على إرادة حقيقة اليد، فهو يخرج على وجوه:
أحدها: ما ذكر: أنه [كان] كثير الإحسان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنفاق عليه، والصنائع إليه، وكان يقول: إن كان الأمر لمحمد يومئذ؛ فيكون لي عنده يد، وإن كان لقريش فلي عندها يد؛ فأخبر - والله أعلم - أنه خسر فيما طمع ورجا من اليد التي له عنده والإحسان الذي أحسن إليه؛ إذ لم يصدقه، ولم يؤمن به، وخسر - أيضا - ما ادعى من اليد له عند قريش.
والثاني: يحتمل أن يكون من أبي لهب تخويف لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطش والأخذ باليد؛ فأمن الله - تعالى - رسوله عما خوفه [به]، حيث قال: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } ، أي: خسرت يداه، ولا يقدر على البطش.
والثالث: يحتمل أن يكون اليد كناية عن القوة في نفسه وماله في دفع العذاب عن نفسه، وكذلك كانوا يدعون دفع العذاب عن أنفسهم؛ بقولهم:**{ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }** [سبأ: 35].
وذكر بعض أهل التأويل: أنه لما نزل قوله - تعالى -:**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214]، جمع عشائره الأقرب فالأقرب منهم، وقال: " إني لا أملك لكم من الله نفعا في الدنيا والآخرة إلا بعد أن تقولوا شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله " فقال أبو لهب عند ذلك: " تبا لك يا محمد، ألهذا دعوتنا؟! " فنزل عند ذلك: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } مجازاة له.
فهذا وإن لم يكن في فعله في القصة استعمال اليدين، فيجوز أنه كان يصرف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، أو حين دعى إلى الإيمان بالله - تعالى - مد يديه على التعجب من ذلك، وقال: " ألهذا دعوتنا؟ " فرد الله - تعالى - عليه ذلك، وعيره به.
وقد يجوز أن يظهر في الجواب مقدمة السؤال وإن لم يذكر ذلك في السؤال؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -:**{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ }** [البقرة: 222]؛ فعلم بذلك أن السؤال إنما كان عن قربانهن في المحيض؛ فكذلك الأول.
وإن كان ذكر اليد على الصلة، فهو يخرج على وجهين:
أحدهما: ذكر اليد كناية عن العمل والفعل، إلا أنه ذكر اليد؛ لما باليد يقوم ويعمل؛ كقوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ }** [آل عمران: 182]، و**{ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }** [الشورى: 30]، وذلك على الكناية عما كان منه من الصنيع، أي: خسرت أعماله وبطلت.
والثاني: يذكر اليد على إرادة: قدام وأمام؛ كقوله - تعالى -:**{ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ }** [فصلت: 42]، أي: أمامه وخلفه؛ فيكون معناه: ما قدم من الأعمال، والله أعلم.
ثم تخصيص أبي لهب بالذكر من بين سائر الكفرة يحتمل وجوها:
أحدها: خصه بالاسم؛ لأنه كان من الفراعنة والأكابر، وهو المقصود به، والفراعنة قد يذكرون بأسمائهم؛ لما هم المقصودون به، وإن كان من دونهم يشاركونهم في ذلك؛ كذكر فرعون، وعاد، وثمود، وغيرهم.
والثاني: كان شديد الهيبة والخوف؛ فذكره باسمه، وخصه به؛ ليعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يهابه، ولا يخافه، والله أعلم.
والثالث: أنه كثير الأيادي والصنائع بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كان الخطاب بهذا يعم الكفرة، لكان يظن بما سبق منه من الأيادي أنه غير داخل تحت الخطاب؛ فخصه بالذكر؛ ليعلم أنه لا يغنيه من الله شيء.
ثم ذكره بالكنية يخرج على وجوه:
أحدها: يحتمل أن يكون بالكنية عرف عند الناس، وبها كان معروفا دون اسمه؛ فذكره بالذي كان معروفا به.
والثاني: ما ذكر أن اسمه كان عبد العزى؛ فلم يرد أن ينسبه إلى غيره، وهو العزى؛ فذكره بالكنية لهذا.
والثالث: أنه عيره بأشياء، وخوفه بمواعيد؛ فلو ذكره باسمه، فلعله يصرف ذلك الخطاب والوعيد الذي كان له إلى غيره؛ لما شرك غيره في الاسم؛ إذ كانوا يسمون أولادهم وينسبونهم إلى أصنامهم، ولم يكن أحد شركه في كنيته؛ فلا يمكنه التحويل إلى غيره.
وقيل: ذكره بالكنية يخرج مخرج الوعيد له، أي: تصير النار له كالابن، وهو كالأب لها؛ وذلك لأن هذه الكنى إنما تذكر في المتعارف على وجه التفاؤل، كما يقال: أبو منصور؛ على رجاء أن يولد له ابن يسمى: منصورا.
ثم إن الله - تعالى - سمى النار في بعض الآيات: أما للكافر، كقوله:**{ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ }** [القارعة: 9]، وفي بعضها: مولى؛ حيث قال:**{ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }** [الحديد: 15]؛ فجاز - أيضا - أن تكون النار إذا قربت منه، وانضمت إلى حجره أن تصير في التمثيل كالولد، ويصير هو أبا لها؛ فقال: { أَبِي لَهَبٍ }؛ على هذا الوجه من التأويل.
ووجه آخر: وهو أن ذكر الكنية وإن كان يراد بها التعظيم، فعند ذكر المواعيد والعقوبات يراد بها الاستخفاف والإهانة؛ وهو على ما ذكرنا في البشارة: أنها وإن كانت تذكر عندما يسر ويبهج في الأغلب، فعند ذكر العقوبة نذارة، كقوله - تعالى -:**{ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }** [آل عمران: 21]؛ فعلى ذلك الكنية، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } ، هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: لم يغن ماله وقوته وما كسب من عذاب الله شيئا، على ما يقولون:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }** [سبأ: 35].
والثاني: أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟!.
ثم قوله - عز وجل -: { وَمَا كَسَبَ } يحتمل الولد، أي: ما أغنى عنه ما جمع من ماله وما كسب من الولد؛ على ما ذكر في الخبر، روى أبو الأسود عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم: **" إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه ".** وسئل ابن عباس - رضي الله عنهما -: أيأخذ الرجل من مال ولده؟ فتلا**{ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً... }** الآية [الشورى: 49]، فهو مما وهب الله لنا؛ فهم وأموالهم لنا، والله أعلم.
ويحتمل ما أغنى عنه ما جمع من المال، وما كسب من العمل والإنفاق الذي أنفق على الطمع الذي فعل، أي: لم يغنه شيئا.
أو [لم يغنه] ما كسب عن صد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والدخول في دينه والاتباع له، وسوء المقال الذي قال فيه.
وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { تبت يدا أبي لهب وقد تب ما أغنى عنه ماله وما اكتسب }.
وقوله - عز وجل -: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }:
أي: ذات التهاب.
وفيه دلالة إثبات رسالته؛ حيث أخبر أنه سيصلى نارا، ولا يصلى النار إلا بعد ما يختم بالكفر، ثم كان كما أخبر؛ دل أنه علم ذلك بالله تعالى.
وفي هذه السورة دلالتان أخريان يدلان على نبوته:
إحداهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرأ هذه السورة عليهم بمكة حين لم يكن له ناصر في الدين، وكانت المنعة والقوة للكفرة، وكانوا جميعا أولياء أبي لهب وأنصارا له عن آخرهم، ولا يحتمل أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة عليه، وفيها سب له وتعيير إلى يوم القيامة، مع قلة أوليائه وكثرة أعدائه؛ إذ فيه خوف هلاكه - إلا برب العالمين.
ومعنى آخر: أنه - عليه السلام - كان موصوفا بحسن العشرة وإجمال الصحبة مع الأجانب؛ فما ظنك بالعشيرة والأقارب مع ما أنه كان متنزها عن الفحش في جميع أوقاته؛ فما جاز له هذا إلا بالأمر من الله تعالى؛ فدل ذلك على نبوته ورسالته.
وقوله - عز وجل -: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }:
قال بعضهم: أي: كانت حمالة النميمة والحديث بين الناس، فأوعدها الله - تعالى - لذلك في الآخرة ما ذكر: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } وهي السلسلة، ومنه يقال: فلان يحطب؛ إذا أغرى.
وقال بعضهم: كانت حمالة الحطب حقيقة، كانت تحمل الحطب الذي فيه الشوك، وتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ فأوعدها الله - تعالى - بما ذكر من حبل من مسد في الآخرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ومنهم من قال: إنها كانت كذلك في الدنيا، كانت تحمل الحطب إلى منزلها، وكان في جيدها حبل من ليف؛ فعيرها بذلك؛ لأنها كانت تعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر والحاجة.
وذكر أنها كانت تمسك في عنقها حبلا من ليف سرا من زوجها، وذلك مما لا يتحلى به النساء، وليس هو من أسباب الزينة؛ فأخبر الله - تعالى - عن سفهها وجهلها؛ ليكون ذلك سبا وتعييراً مجازاة لما كانت تقوله في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قالت لأبي بكر [الصديق] - رضي الله عنه -: " أما رضي محمد أن يهجو عمه حتى هجاني؟! " أو قالت: " حتى هجاني رب محمد؟! " صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) | { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي: خابت وخسرت، يداه كناية عنه، وما ذلك إلاَّ أنه من غاية نخوته وغروره، بحيث هلك في نار فظيعة كنفسه الجهنمية التي خيبته خيبة أبدية وخسراناً سرمدياً حينما ظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنواع المكروه، وعارض معه على وجه لا يليق بشأنه صلى الله عليه وسلم اتكالاً على ماله وجاهه وثروته وسيادته.
وذلك لمَّا نزلت الآية الكريمة:**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214] صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى الصفا، فنادى: **" يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش " حتى اجتمعوا، فقال: " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تقبل عليكم، أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم ما جربنا عليك إلاَّ صدقاً، قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ".** **فقال أبو لهب على سبيل الاستهزاء: تباً لك يا محمد، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } "** لمجادلته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرائه معه، وقصد استحقاره واستهانته إياه صلى الله عليه وسلم.
{ وَ } قد { تَبَّ } [المسد: 1] وهلك ذلك اللعين المفرط على الوجه الذي أخبر الله بهلاكه إلى حيث { مَآ أَغْنَىٰ } ودفع { عَنْهُ مَالُهُ } الذي يتكل عليه، ويستظهر به شيئاً من غضب الله { وَ } ما نفع له ونصر عليه { مَا كَسَبَ } [المسد: 2] وجمع من الأموال والأولاد والأتباع.
قيل: مات بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدودة، وتُرك ثلاثة أيام حتى أُنتن، ثمَّ استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، فهو إخبار عن الغيب، وقد وقع على وجهه، هذا مآل أمره في النشأة الأولى.
وفي النشأة الأخرى { سَيَصْلَىٰ } ويدخل ذلك اللعين { نَاراً } وأي نار، ناراً { ذَاتَ لَهَبٍ } [المسد: 3] واشتعال عال من شدة سورتها وفظاعتها.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } التي تمشي بالنميمة بين الناس، وتوقد نار الفتنة والعداوة بينهم تصير هي { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [المسد: 4] بنار جهنم، تحتطب لها من الضريع والزقوم، أو هي " حمالةُ الحطب " فيها على قراءة الرفع؛ يعني: صورت نميمتها التي قد مشيت بها في الدنيا بإيقاد نار الفتن على هذه الصورة، فتلازم عليها.
{ فِي جِيدِهَا } وعنقها { حَبْلٌ } سلسلة متخذة { مِّن مَّسَدٍ } [المسد: 5] مفتول قد فُتل من الحديد، تحمل بها الحطب مع أنها من أشراف قريش، هي وزوجها أيضاً.
خاتمة السورة
عليك أيها المعتبر المستبصر - عصمك الله من تباب الدارين وخسارهما ويوارهما - أن تتأمل في مرموزات القرآن من القصص والأحكام والعبر والأمثال، فتأخذ حظك منها مقدار ما يسر الله لك، وأودعه في وسعك وطاقتك.
فاعلم أن كل ما في القرآن إنما نزل للإرشاد والتكميل، فلك أن تأخذ من إشارات هذه السورة حسن المعاشرة وآداب المصاحبة، وحقارة مزخرفات الدنيا وما يترتب عليها من اللذات الوهمية، الساقطة عن درجة الاعتبار، الزائغة الزائلة بلا قرار ومدار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) | قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } بفتح الهاء وسكونها، سبعيتان ولغتان جيدتان، واتفق القراء على فتح الهاء في قوله: { ذَاتَ لَهَبٍ } والفرق أنها فاصلة، فلو سكنت زال التشاكل. قوله: (وهذه خبر) أي إخبار بحصول التباب له الذي دعا به عليه في الجملة الأولى، وهذا أحد قولين، وقيل: إن كلتا الجملتين دعاء، وصرح بكنيته لقبح اسمه، فإن اسمه عبد العزى، أو لأن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته بأن يدخله النار.
قوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } يصح أن تكون { مَآ } نافية أو استفهامية، وعلى الثاني فهو في محل نصب بـ { أَغْنَىٰ } والتقدير: أي شيء أغنى قدم لكونه له صدر الكلام. قوله: { مَالُهُ } أي الموروث من آبائه. قوله: (وكسبه) أشار بذلك إلى أن { مَا } مصدرية، ويصح أن تكون اسم موصول بمعنى الذي، والعائد محذوف، أي والذي كسبه. قوله: (أي ولده) وهو عتيبة بالتصغير، وأما عتبة ومعتب فقد أسلما، قال بعضهم:
| **كرهت عتيبة إذ أجرما** | | **وأحببت عتبة إذْ أسلما** |
| --- | --- | --- |
| **كذا معتب مسلم فاحترز** | | **وخف أن تسب فتى مسلما** |
ومات أبو لهب بداء يسمى العدسة، بعد وقعة بدر لسبع ليال، والعدسة قرحة تخرج بالبدن فتقتل صاحبها، كانت العرب تهرب منها لزعمهم أنها تعدي.
قوله: { سَيَصْلَىٰ نَاراً } أي يحترق بها. قوله: (فهي مآل تكنيته) جواب عما يقال: كيف ذكره بكنيته دون اسمه وهو عبد العزى، مع أن ذلك إكرام واحترام؟ وإيضاحه أنه ذكره بكنيته لموافقة حاله لها، فإن مصيره إلى النار ذات اللهب، أو لأن ذكره باسمه خلاف الواقع حقيقة، لأنه عبد الله لا عبد العزى (وهي أم جميل) أي وهي أخت أبي سفيان بن حرب، وكانت عوراء وماتت مخنوقة بحبلها.
قوله: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } إن قلت: إنها كانت من بيت العز والشرف، فكيف يليق بها حمل الحطب؟ قلت: إنها لشدة عداوتها للنبي صلى الله عليه وسلم لا تستعين في ذلك بأحد، بل تفعله بنفسها. قوله: (بالرفع) أي على أنه نعت لامرأته، وقرأ عاصم { حَمَّالَةَ } بالنصب على الذم أو الحال من امرأته، والمعنى: أنها تصل النار حال كونها { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } لما ورد: **" أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب النار، كما كانت تحمل الحطب في الدنيا ".** قوله: (والسعدان) هو نبت له شوك يشبه به حلمه الثدي وهو بوزن سرحان. قوله: (تلقيه) أي بالليل لقصد أذية النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قيل: إنها في الدنيا كانت تحتطب في حبل من ليف تجعله في عنقها، فبينما هي ذات يوم حاملة للحزمة، فقعدت على حجر لتستريح، إذا أتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها خنقاً بحبلها، وقيل: هذا في الآخرة، قال ابن عباس: هو سلسلة من حديد، ذرعها سبعون ذرعاً، تدخل من فيها وتخرج من دبرها، ويكون سائرها في عنقها، فتلت من حديد فتلا محكماً اهـ. ويكون المراد بالمسد الحديد، فإنه يطلب عليه أيضاً كما يؤخذ من القاموس، ولا مانع من الجمع، قوله: (أي ليف) قيل: هو ليف المقل وهو شجر الدوم أبيض مشهور، وقيل: مطلق الليف قوله: (وهذه الجملة) أي المركبة من المبتدأ الذي هو { حَبْلٌ } ، ومن الخبر الذي هو { فِي جِيدِهَا }. قوله: (أو خبر مبتدأ مقدر) أي وتقديره: المرأة المذكورة { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) | يا أيها الحريص على أطراف كعبة قلبك، اعلم أن أبا لهب نفسك أمر مرآة هواه ليجمع العصاة بين الحطب، ويفرق حول كعبة قلبك المبينة في حرم صدرك ليتخرج في قدم همتك ويمنعك عن الطواف بكعبة قلبك، أما تسمع ما يقول أبو لهب نفسك حين ناداه لطيفتك الخفية ليبلغ إليه ما أوحيه للطيفتك تبارك، تباً لك ألهذا وعدتنا وأبى دعوة الحق؟! فكيف أجاب الله له على لسان لطيفتك؟!
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } [المسد: 1]، أو هلكت قوتا القبض والبسط لنفسك الخبيثة المستعملة لهما في الباطل، { وَتَبَّ } [المسد: 1]؛ أي: أجاب هذا الدعاء؛ لأن يداه لا تصل إلى اللطيفة الخفية، وهي يجمع لنفسه الحطب ليحترق به بتلهب من سوأة نيران حسده وحقده، وكان أبو لهب؛ أي: صاحب لهب في سعير نفسه وجحيم قالبه، ولا شك أن الألقاب تنزل من السماء.
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } [المسد: 2] وهو ماله من القوى القالبية، { وَمَا كَسَبَ } [المسد: 2] في عالم الناسوت بتلك القوى الذميمة عن اللقب الذي نزل معه من السماء، { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [المسد: 3]؛ لأنه جمع الحطب بالقوى القالبية والنفسية، وأشعل نيران الحقد والحسد، وسير نفسه وجحيم قالبه ذات لهب من ريح غروره بنور ناره وعجبه بنفسه، وبكرة على القوى القلبية.
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [المسد: 4]؛ أي: هوى المؤدي الذي به يمكن لأبي لهب النفس أن يحمل الحطب من أشجار أم غيلان هلاكه في صحاري الشيطان، { فِي جِيدِهَا } [المسد: 5]؛ أي: في أصل خاطر الهوى، { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [المسد: 5] وأصل خاطر الكبر، وأبى الشيطان أمر الرحمن كان من استكباره، كما قال تعالى:**{ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }** [البقرة: 34]، ودعوى الهوى بالألهية أيضاً كان من غاية تكبره؛ أي: في عتق كبره الذي به تطاول على اللطائف حبل من ذلة، وهو تمنيها الكاذب الذي يجرها إلى أسفل سافلين دركات الطبيعة، ولأجل هذا يكون دائماً منكس الرأس، كما أخبر الله تعالى عن أحوالهم في كتابه حيث قال:**{ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ }** [السجدة: 12]، فالواجب على الطائف حول الكعبة ألاَّ يلتفت إلى هو نفسه لحظ نفسه؛ ليمكن له الدخول في بيت ربه ومشاهدة وجهه إن شاء الله تعالى.
اللهم خلصني من هوى نفسي، وأدخلني كعبة قلبي، وأقرر عيني بمشاهدة جمال ربي بحق محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، وعلى من اتبع الهدى وترك الهوى في متابعة المصطفى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) | أبو لهب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديد العداوة [والأذية] للنبي صلى الله عليه وسلم فلا فيه دين، ولا حميَة للقرابة - قبَّحه الله - فذمّه الله بهذا الذم العظيم، الذي هو خزيٌ عليه إلى يوم القيامة فقال: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي: خسرت يداه، وشقي { وَتَبَّ } فلم يربح، { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } الذي كان عنده وأطغاه، ولا ما كسبه فلم يرد عنه شيئاً من عذاب الله إذ نزل به، { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي: ستحيط به النار من كل جانب، هو { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }. وكانت أيضاً شديدة الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان، وتلقي الشر، وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول صلى الله عليه وسلم وتجمع على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطباً، قد أعد لها في عنقها حبلاً { مِّن مَّسَدٍ } أي: من ليف. أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها، متقلدة في عنقها حبلاً من مسد، وعلى كل، ففي هذه السورة، آية باهرة من آيات الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) | { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أي: خسرت يداه، وخسر هو. واليدان كناية عن الذات والنفس، لما بينهما من اللزوم في الجملة، أو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل. وجملة { وَتَبَّ } مؤكدة لما قبلها، أو المراد بالأولى: خسرانه فيما كسبه وعمله بيديه، حيث لم يفده ولم ينفعه. وما بعده عبارة عن خسرانه في نفسه وذاته؛ لأن سعي المرء لإصلاح نفسه وعمله. فأخبر بأن محروم منهما، كما تشير له الآيتان بعد: أعني: هلاك عمله وهلاك نفسه. وقال ابن جرير: كان بعض أهل العربية يقول قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } دعاء عليه من الله. وأما قوله: { وَتَبَّ } فإنه خبر. أي: عما سيحقق له في الدنيا والآخرة. وعبر عنه بالماضي لتحققه.
وأبو لهب: أحد عمومة النبيّ صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد العزّى، وقد اشتهر بكنيته وعرف بها لولدٍ له يقال له: لهب. أو لتلهب وجنتيه وإشراقهما. مع الإشارة إلى أنه من أهل النار، وأن مآله إلى نار ذات لهب. فوافقت حاله كنيته، فحسن ذكره بها.
قال الرواة: كان أبو لهب من أشد الناس عداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأذية له وبغضة له وازدراء به وتنقصا له ولدعوته. ومات على كفره بعد وقعة بدر ولم يحضرها. بل أرسل عنه بديلا. فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما - وقد روى الشيخان عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى: " يا بني فهر! يا بني عديّ! " (لبطون من قريش) حتى اجتمعوا. فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا، لينظر ما هو. فجاء أبو لهب وقريش فقال: " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ "؟ قالوا: نعم. ما جربنا عليك إلا صدقا. قال: " فإني لكم نذير بين يديّ عذاب شديد ". فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فنزلت السورة ".** وروى الإمام أحمد عن ربيعة بن عباد الديليّ قال: **" رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: " يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا ". والناس مجتمعون عليه. ووراءه رجل وضيء الوجه أحول، ذو غديرتين، يقول: إنه صابئ كاذب. يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا: هذا عمه أبو لهب "** وفي رواية له: **" يتبعه من خلفه يقول: يا بني فلان! هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة. فلا تسمعوا له ولا تتبعوه "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي: أيّ شيء أغنى عنه ماله وما كسبه من سخط الله عليه وخسرانه. فكسبه هو عمله الذي يظن أنه منه على شيء. وقيل: ولده. لقرن الأولاد بالأموال في كثير من الآيات. وكانت العرب تعد أولادها للنائبات كالأموال، فنفي إغناءهما عنه حين حل به التباب.
قال الشهاب: والذي صححه أهل الأثر أن أولاده، لعنه الله، ثلاثة: متعب وعتبة وهما أسلما. وعتيبة (مصغراً) وهذا هو الذي دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم لما جاهر بإيذائه وعداوته، ورد ابنته وطلقها. وقال صلوات الله عليه وسلامه: **" اللهم سلط عليه كلبا من كلابك "** فأكله السبع في خرجة خرجها إلى الشام. وفيه يقول حسان رضي الله عنه:
| **من يرجعُ العامَ إلى أهلِهِ** | | **فما أُكِيلُ السَّبْعِ بالراجِعِ** |
| --- | --- | --- |
ثم قال: ولهب هو أحد هؤلاء فيما قيل، قال الثعالبيّ: ومنه يعلم أن الأسد يطلق عليه كلب. ولما أضيف إلى الله، كان أعظم أفراده { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي: توقد واشتعال، وهي نار الآخرة، جزاء ما كان يأتيه من مقاومة الحق ومجاحدته { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي: وسيصلاها معه امرأته أيضاً: فـ { وَٱمْرَأَتُهُ } مرفوع عطفا على الضمير في { سَيَصْلَىٰ } أو على الابتداء، و { فِي جِيدِهَا } الخبر. وقرئ { حَمَّالَةَ } بالنصب على الشتم والذم، وبالرفع نعتاً أو بدلاً أو عطف بيان. إنما قيل لها ذلك لأنها كانت تحطب الكلام وتمشي بالنميمة. كما قاله مجاهد وعكرمة وقتادة.
قال الزمخشري: ويقال للمشَّاء بالنمائم المفسد بين الناس، يحمل الحطب بينهم، أي: يوقد بينهم ويورث الشر، قال:
| **من البيض لم تُصْطَدْ على ظهر لأُمة** | | **ولَمْ تَمْشِ بين الحيّ بالحَطَبِ الرَّطْبِ** |
| --- | --- | --- |
يمدحها بأنها من البيض الوجوه وأنها بريئة من أن تُصْطَادَ على سوء ولؤم فيها. ومن أن تمشي بالسعاية والنميمة بين الناس. وإنما جعل رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة الشر. ويقال: فلان يحطب على فلان، إذا أغرى به.
قال الشهاب: وهي استعارة مشهورة لطيفة، كاستعارة حطب جهنم للأوزار.
قال ابن كثير: وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي أم جميل، واسمها (أروى) بنت حرب بن أمية. وهي أخت أبي سفيان وعمة معاوية. وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال الإمام رحمه الله: أي: في عنقها حبل من الليف. أي: أنها في تكليف نفسها المشقة الفادحة، للإفساد بين الناس وتأريث نيران العداوة بينهم، بمنزلة حامل الحطب الذي في عنقه حبل خشن، يشد به ما حمله إلى عنقه، حتى يستقل به. وهذه أشنع صورة تظهر بها امرأة تحمل الحطب، وفي عنقها حبل من الليف، تشد به الحطب إلى كاهلها، حتى تكاد تختنق به.
وقال أيضاً: قد أنزل الله في أبي لهب وفي زوجته هذه السورة، ليكون مثلا يعتبر به من يعادي ما أنزل الله على نبيه، مطاوعة لهواه وإيثارا لما ألفه من العقائد والعوائد والأعمال، واغتراراً بما عنده من الأموال، وبما له من الصولة أو من المنزلة في قلوب الرجال، وأنه لا تغني عنه أمواله ولا أعماله شيئاً. وسيصلى ما يصلى. نسأل الله العافية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ) | قوله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أي خسرت { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } يعني ولده أي إذا صار إلى النار.
قال محمد أبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب وكنيته أبو عتبة وإنما قيل له أبو لهب فيما ذكر ابن عباس لأن وجهه كان يتلهب جمالاً.
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } تفسير بعضهم كانت تضع الشوك على طريق رسول الله.
قال محمد من قرأ { حَمَّالَةَ } بالرفع فعلى معنى سيصلى هو وامرأته حمالة الحطب، حمالة نعت لها ومن قرأها بالنصب حمالة فنصبه على الذم أعني حمالة الحطب.
{ فِي جِيدِهَا } عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } تفسير الحسن المسد خيوط صفر وحمر وقال ابن عباس كان في عنقها قلادة فيها ودعات في مسد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) | قوله تعالى: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [المسد: 1] - إلى قوله تعالى - { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [المسد: 5]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، قال: أي خسرت، لما اجتمع مع قريش في دار الندوة و بايعهم على قتل محمد (صلى الله عليه و آله)، و كان كثير المال، فقال الله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ \* سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } عليه فتحرقه { وَٱمْرَأَتُهُ } ، قال: كانت أم جميل بنت صخر، و كانت تنم على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و تنقل أحاديثه إلى الكفار { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي احتطبت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) { فِي جِيدِهَا } أي في عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي من نار، و كان اسم أبي لهب عبد مناف، فكناه الله عز و جل، لأن منافا اسم صنم يعبدونه.
- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير و علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " لما أرادت قريش قتل النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: كيف لنا بأبي لهب؟ فقالت أم جميل: أنا أكفيكموه، أنا أقول له: إني أحب أن تقعد اليوم [في البيت] نصطبح. فلما أن كان من الغد، و تهيأ المشركون للنبي (صلى الله عليه و آله) قعد أبو لهب و أم جميل يشربان، فدعا أبو طالب عليا (عليه السلام) فقال له: يا بني، اذهب إلى عمك أبي لهب فاستفتح عليه، فإن فتح لك فادخل، و إن لم يفتح لك فتحامل على الباب و اكسره و ادخل عليه، فإذا دخلت عليه فقل: يقول لك أبي:
إن امرءا عمه عينه في القوم ليس بذليل.
قال: فذهب أمير المؤمنين (عليه السلام)، فوجد الباب مغلقا، فاستفتح فلم يفتح له، فتحامل على الباب و كسره و دخل، فلما رآه أبو لهب، قال له: ما لك يا بن أخي؟ فقال له: [إن] أبي يقول لك: إن امرءا عمه عينه في القوم ليس بذليل. فقال له: صدق أبوك، فما ذا يا بن أخي؟ فقال له: يقتل ابن أخيك و أنت تأكل و تشرب! فوثب و أخذ سيفه، فتعلقت به أم جميل، فرفع يده و لطم وجهها لطمة ففقأ عينها، فماتت و هي عوراء، و خرج أبو لهب و معه السيف، فلما رأته قريش عرفت الغضب في وجهه، فقالت: ما لك يا أبا لهب؟ فقال: أبايعكم على ابن أخي، ثم تريدون قتله! و اللات و العزى، لقد هممت أن أسلم، ثم تنظرون ما أصنع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
فاعتذروا إليه و رجع ".
- سعد بن عبد الله: عن علي بن إسماعيل بن عيسى، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: **" صلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) ليلة فقرأ: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } فقيل لأم جميل امرأة أبي لهب: إن محمدا لم يزل البارحة يهتف بك و بزوجك في صلاته، فخرجت تطلبه و هي تقول: لئن رايته لاسمعنه، و جعلت تقول: من أحس لي محمدا؟ فانتهت إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و أبو بكر جالس معه إلى جنب حائط، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لو تنحيت، هذه أم جميل و أنا خائف أن تسمعك ما تكرهه. فقال: إنها لم ترني و لن تراني. فجاءت حتى قامت عليهما، فقالت: يا أبا بكر، رأيت محمدا؟ فقال: لا. فمضت "** قال أبو جعفر (عليه السلام): " ضرب بينهما حجاب أصفر ".
- ابن شهر آشوب: قال النبي (صلى الله عليه و آله): **" بعثت إلى أهل بيتي خاصة، و إلى الناس عامة "** و قد كان بعد مبعثه بثلاث سنين على ما ذكره الطبري في (تاريخه) و الخرگوشي في (تفسيره)، و محمد بن إسحاق في (كتابه) عن أبي مالك، عن ابن عباس، و عن ابن جبير: أنه لما نزل قوله**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214]، جمع رسول الله (صلى الله عليه و آله) بني هاشم، و هم يومئذ أربعون رجلا، و أمر عليا أن ينضج رجل شاة و يخبز لهم صاعا من طعام، و جاء بعس من لبن، ثم جعل يدخلهم إليه عشرة عشرة حتى شبعوا، و إن منهم لمن يأكل الجذعة و يشرب الفرق، و أراهم بذلك الآية الباهرة.
- و في رواية البراء بن عازب و ابن عباس: أنه بدرهم أبو لهب، فقال: هذا ما سحركم به الرجل. ثم قال لهم النبي (صلى الله عليه و آله): **" إني بعثت إلى الأسود و الأبيض و الأحمر، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، و إني لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله ". فقال أبو لهب: أ لهذا دعوتنا! ثم تفرقوا عنه، فنزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، ثم دعاهم دعوة أخرى، و أطعمهم و سقاهم، ثم قال لهم: " يا بني عبد المطلب، أطيعوني تكونوا ملوك الأرض و حكامها، و ما بعث الله نبيا إلا جعل له وصيا، أخا و وزيرا، فأيكم يكون أخي، و وزيري، و وصيي، و وارثي، و قاضي ديني؟ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
- و في رواية الطبري، و القاضي أبي الحسن الجرجاني، عن ابن جبير و ابن عباس: **" فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم؟ "** فأحجم القوم.
- و في رواية أبي بكر الشيرازي، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، و في (مسند العشرة) و (فضائل الصحابة): عن أحمد، بإسناده، عن ربيعة بن ناجد، عن علي (عليه السلام): " فأيكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي؟ ". فلم يقم إليه أحد، و كان علي أصغر القوم، يقول: " أنا ". فقال في الثالثة: " أجل ". و ضرب بيده على يدي أمير المؤمنين.
- و في (تفسير الخرگوشي): عن ابن عباس، و ابن جبير، و أبي مالك، و في (تفسير الثعلبي): عن البراء بن عازب: فقال علي، و هو أصغر القوم: " أنا يا رسول الله ". فقال: " أنت ". فلذلك كان وصيه. قالوا: فقام القوم، و هم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمر عليك!
- و في (تاريخ الطبري) و (صفوة الجرجاني): فأحجم القوم، فقال علي (عليه السلام): " أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ". فأخذ برقبته، ثم قال: " هذا أخي، و وصيي، و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوا ". قال: فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع.
- و في رواية الحارث بن نوفل، و أبي رافع، و عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي (عليه السلام): " فقلت: أنا يا رسول الله. قال: أنت، و أدناني إليه، و تفل في في، فقاموا يتضاحكون و يقولون: بئس ما حبا ابن عمه إذ اتبعه و صدقه ".
- (تاريخ الطبري): عن ربيعة بن ناجد: أن رجلا قال لعلي (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، بم ورثت ابن عمك دون عمك؟ فقال (عليه السلام)- بعد كلام ذكر فيه حديث الدعوة-: " فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه، و كنت من أصغر القوم،- قال-: فقال: اجلس، ثم قال [ذلك] ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس، حتى كان في الثالثة، ضرب بيده على يدي، قال: فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي ".
- و في حديث أبي رافع: " أنه قال أبو بكر للعباس: أنشدك الله، تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد جمعكم و قال: " يا بني عبد المطلب، إنه لم يبعث الله نبيا إلا جعل له من أهله وزيرا و أخا و وصيا و خليفة في أهله، فمن يقم منكم يبايعني على أن يكون أخي، و وزيري، و وارثي، و وصيي، و خليفتي في أهلي ". فبايعه علي (عليه السلام) على ما شرط له. و إذا صحت هذه الجملة وجبت إمامته بعد النبي (صلى الله عليه و آله) بلا فصل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) | والسبب في نزولها: ما أخرج في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس: **" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش، فقال: أرأيتكم إن حدّثتكم أن العدو مصبّحكم أو ممسّيكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا تباً لك، فأنزل الله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } إلى آخرها ".** ومعنى: " تَبَّتْ ": خَسِرَتْ يدا أبي لهب. [والمراد: جملته، فهو كقوله:**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج: 10].
وأبو لهب] عم النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه: عبد العزى، وكُنِّي بأبي لهب: لتوقد وجهه حُسْناً.
وإنما كَنَّاهُ الله تعالى؛ لاشتهاره بالكنية، والتسجيل عليه بأنه لا يراد بهذا الأمر الفظيع سواه، ولما في تسميته بعبد العزى من الشرك.
وقرأ ابن كثير: " لَهْبٍ " بإسكان الهاء، وهما لغتان، كالنَّهَر والنَّهْر، والشَّمْع والشَّمَع. وإنما يسوغ هذا فيما كان على هذا الوزن، وحرف الحلق عين الفعل [أو لامه].
قوله تعالى: { وَتَبَّ } إخبار أن التَّباب قد حصل له ووقع به. فالأول دعاء عليه، والثاني خبر.
ويؤيده قراءة ابن مسعود: " وقد تبّ ".
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } استفهام في معنى الإنكار عليه. ويجوز أن يكون نفياً.
" وما " في قوله: { وَمَا كَسَبَ } موصولة أو مصدرية، ومحلها الرفع. على معنى: ما أغنى عنه ماله والذي كسبه، أو كسبه.
والمراد بكسبه: ولده. وكان قال حين أنذرهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان ما يقول محمد حقاً فإني أفتدي بمالي وولدي.
ويجوز أن يراد: ما أغنى عنه رأس ماله ولا أرباحه التي اكتسبها، أو ما أغنى عنه ماله الذي ورثه وما كسبه هو.
ثم توعده بالنار فقال: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان، { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }.
قرأ عاصم: " حَمَّالَةَ " بالنصب على الذم. وقرأ الباقون: بالرفع على الصفة، أو على معنى: هي حمالة الحطب.
قال مجاهد والسدي: كانت تمشي بالنميمة. والعرب تقول: فلانٌ يحطب على فلان؛ إذا كان يُغري به ويُفسد أمره. قال الشاعر يذكر امرأة:
| **منَ البيضِ لمْ تُصْطَدْ على ظَهْرِ سَوْأَةٍ** | | **ولم تَمْشِ بين الحيِّ بالحَطَبِ الرَّطْب** |
| --- | --- | --- |
وقال الضحاك وابن زيد: كانت تحتطب الشوك فتُلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً.
والقولان عن ابن عباس.
وقال قتادة: كانت تُعَيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب، فعُيّرت بذلك.
قال الثعلبي: وهذا قول ليس بقوي؛ لأن الله وصفهم بالمال والولد، وحمل الحطب ليس بعيب.
قلتُ: وليس هذا التضعيف بشيء؛ لأن الاحتطاب مع كثرة المال دناءة وخسّة يأباها ذووا الأَنَفَة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا. تقول العرب: فلانٌ حاطب قريته؛ إذا كان مفسداً فيهم، جانياً عليهم.
قوله تعالى: { فِي جِيدِهَا } أي: في عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }.
قال ابن قتيبة وغيره: المَسَد: ما أُحكم فَتْلُه من أي شيء كان.
والمعنى: في عنقها حبل من ما مُسِدَ، رابطةً به حزمة من الحطب على ظهرها.
ذكر الله صورتها وهيئتها والحطب على ظهرها، والحبل في عنقها؛ تصغيراً لها، وتحقيراً لشأنها. ولن تجد أنكى لها ولزوجها من المناداة عليها بذلك، وهما من الشرف والعزة والمنعة والمال بالمكانة التي كانا عليها.
وقيل: المعنى: في جيدها في جهنم حبل من مسد، وهي سلسلة من حديد، ذرعها سبعون ذراعاً، قد أُحكم فَتْلُها، تُعذَّبُ بها في النار.
قال أهل العلم: وفي هذه السورة دلالة واضحة على صحة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أخبر عن مصير أبي لهب وامرأته إلى النار، وكانا من أحرص الناس على إبطال أمره، وإفساد ما جاء به، ولم يؤمنا به نقاماً، ليظهرا للناس الخُلْفَ فيما تُوعِّدا به.
وعندي: أن فيه دلالة على صحة نبوته من وجهين آخرين:
أحدهما: أنه لو لم يكن هذا من عند الله تعالى لم يقدم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على التسجيل عليهما به؛ لجواز وقوع الإسلام منهما في ثاني الحال، فيفضي إلى تطرُّق الطعن عليه من أعدائه.
الثاني: أنه أخبر بذلك واستمرّ موجبه، وهو [كُفْرُهُما] إلى الموت المفضي بهما إليه.
قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه: **" لما نزلت هذه السورة أقبلت أم جميل ولها ولولة وفي يدها فِهْر وهي تقول: مذمّماً أَبَيْنا، ودينه قَلَيْنا، وأمره عَصَيْنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه أبو بكر، فقال: هذه أم جميل يا رسول الله، وأنا أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به قال: { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } [الإسراء: 45]، ثم أقبلت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر إني أُخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا، ورب هذا البيت ما هجاك، فولّت فعثرت في مِرْطها فقالت: تعس مذمم، ثم انصرفت ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ) | لما وعده النصر أخبره بكيفية انتقامه في الدارين مِنْ أَعْدَى عَدُوِّهِ فَقالَ: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* تَبَّتْ }: أي: خسرت خُسراناً يؤدي إلى الهلاك { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ }: أي: نفسه نظير: " ولا تلقوا بأيديكم " نزلت حين دعا صلى الله عليه وسلم قومه وأنذرهم فقال أبو لهب تبا لك ألهذا دعوتنا ": وكناه مع أنها تكرمة غالبا لاشتهاره بها، ولقبح عبد العزى، وليجانس قوله: " ذات لهب { وَتَبَّ }: هو إخبار بعد الدعاء { مَآ أَغْنَىٰ }: أي: دفع { عَنْهُ }: عذاب الله { مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }: أي: أرباحه أو ولده، كان يقول: إن كان قول محمد حقّاً فأنا أفتدى عنه بمالي وولده، فمات بعد وقعة بدر بسبعة أيام بالعَدْسَة، وأنتن إلى ثلاثة أيام، ثم رَضَموا عليه الحجارة في أعلى مكة، وافترس أسد ولده في طريق الشام { سَيَصْلَىٰ }: يدخل { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }: عظيم { وَٱمْرَأَتُهُ }: معه { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }: نصب شتما كانت تطرح الشوك في طريقه صلى الله عليه وسلم بالليل، أو تحمل الحطب لبخلها { فِي جِيدِهَا }: أي: عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }: ما مُسد وفتل كما للحطابين، لكنه من الحديد في النار سبعون ذراعا كما مر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) | يقول تعالى ذكره: خَسِرت يدا أبي لهب، وخَسِر هو. وإنما عُنِي بقوله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } تبّ عمله. وكان بعض أهل العربية يقول: قوله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ }: دعاء عليه من الله. وأما قوله: { وَتَبَّ } فإنه خبر. ويُذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ». وفي دخول «قد» فيه دلالة على أنه خبر، ويمثَّل ذلك بقول القائل لآخر: أهلَكك الله، وقد أهلكك، وجعلك صالحاً وقد جعلك. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ }: أي خسرت وتب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } قال: التبّ: الخسران، قال: قال أبو لهب للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ماذا أُعطَى يا محمد إن آمنت بك؟ قال: **" كمَّا يُعْطَى المُسْلِمُونَ "** ، فقال: مالي عليهم فضل؟ قال: **" وأيَّ شَيْءٍ تَبْتَغِي؟ "** قال: تباً لهذا من دين تباً، أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } يقول: بما عملت أيديهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } قال: خَسِرت يدا أبي لهب وخَسِر. وقيل: إن هذه السورة نزلت في أبي لهب، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خَصَّ بالدعوة عشيرتَه، إذ نزل عليه:**{ وَأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ }** وجمعهم للدعاء، قال له أبو لهب: تبا لك سائرَ اليوم، ألهذا دعوتنا؟ ذكر الأخبار الواردة بذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا، فقال: **" يا صَباحاهْ "** فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ قال: **" أرأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أوْ مُمَسِّيكُمْ، أما كُنْتُمْ تُصَدَقُونِنَي؟ "** قالوا: بلى، قال: **" فإني نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "** ، فقال أبو لهب: تَبًّا لك، ألهذا دعوتنا وجمعتنا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ } إلى آخرها. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، مثله. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن نُمير، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت**{ وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ }** قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصَّفا ثم نادَى: **" يا صَباحاهْ "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
، فاجتمع الناس إليه، فبَيْنَ رجلٌ يجيء، وبين آخر يبعثُ رسولَه، فقال: **" يا بَنِي هاشِمٍ، يا بَنِي عَبْدَ المُطَّلِبِ، يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي... يا بَنِي أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً بِسَفْحٍ هَذَا الجَبَل "** يريد تغير عليكم **" صَدَّقْتُمُونِي؟ "** قالوا: نعم، قال: **" فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "** ، فقال أبو لهب: تَبًّا لك سائر اليوم، ألهذا دعوتنا؟ فنزلت: { تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ وَتَبَّ». حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو أُسامة، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية:**{ وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ }** ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى صعد الصفا، فهتف: **" يا صَباحاهْ "** ، فقالوا: مَنْ هذا الذي يهتف؟ فقالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال: **" يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي عَبْدَ المُطَّلِبِ، يا بَنِي عَبْدَ مَنافٍ "** ، فاجتمعوا إليه، فقال: **" أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدِّقْي؟ "** قالوا: ما جرّبنا عليك كذباً، قال: **" فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "** ، فقال أبو لهب: تَبًّا لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة: «تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ» كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } قال: حين أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إليه وإلى غيره، وكان أبو لهب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه عبد العُزّى، فذكرهم، فقال أبو لهب: تَبا لك، في هذا أرسلت إلينا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ }. وقوله: { ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ } يقول تعالى ذكره: أيَّ شيء أغنى عنه ماله، ودفع من سخط الله عليه { وَما كَسَبَ } وهم ولده. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأوي لذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن داود بن محمد المنكدِر، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خيثم، عن أبي الطفيل، قال: جاء بنو أبي لهب إلى ابن عباس، فقاموا يختصمون في البيت، فقام ابن عباس، فحجز بينهم، وقد كفّ بصره، فدفعه بعضهم حتى وقع على الفراش، فغضب وقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر الهُذَليّ، عن محمد بن سفيان، عن رجل من بني مخزوم، عن ابن عباس أنه رأى يوماً ولد أبي لهب يقتتلون، فجعل يحجُز بينهم ويقول: هؤلاء مما كسب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد { ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ } قال: ما كسب ولده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: { وَما كَسَبَ } قال: ولده هم من كسبه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله { وَما كَسَبَ } قال: ولده. وقوله: { سَيَصْلَى ناراً ذَاتَ لَهَبٍ } يقول: سيصلى أبو لهب ناراً ذات لهب. وقوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } يقول: سيصلى أبو لهب وامرأته حمالة الحطب، ناراً ذات لهب. واختلفت القرّاء في قراءة { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة: «حَمَّالَةُ الْحَطَبِ» بالرفع، غير عبد الله بن أبي إسحاق، فإنه قرأ ذلك نصباً فيما ذُكر لنا عنه. واختُلف فيه عن عاصم، فحكي عنه الرفع فيها والنصب، وكأنّ من رفع ذلك جعله من نعت المرأة، وجعل الرفع للمرأة ما تقدّم من الخبر، وهو «سيصلى»، وقد يجوز أن يكون رافعها الصفة، وذلك قوله: { فِي جِيدِها } وتكون «حَمَّالَة» نعتاً للمرأة. وأما النصب فيه فعلى الذمّ، وقد يُحتمل أن يكون نصبها على القطع من المرأة، لأن المرأة معرفة، وحمالة الحطب نكرة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: الرفع، لأنه أفصح الكلامين فيه، ولإجماع الحجة من القرّاء عليه. واختلف أهل التأويل، في معنى قوله: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } فقال بعضهم: كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليدخل في قَدمه إذا خرج إلى الصلاة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم، ليعقره وأصحابه، ويقال: { حَمَّالَةَ الْحَطَب }: نقالة للحديث. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل من هَمْدان يقال له يزيد بن زيد، أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم الشَّوْك، فنزلت: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَب } { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب }. حدثني أبو هريرة الضُّبَعي، محمد بن فِراس، قال: ثنا أبو عامر، عن قُرّة بن خالد، عن عطية الجدليّ. في قوله: { حمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تضع العِضاه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنما يطأ به كثيباً. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } كانت تحمل الشوك، فتلقيه على طريق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ليعقِره. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تأتي بأغصان الشوك، فتطرحُها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال آخرون: قيل لها ذلك: حمالة الحطب، لأنها كانت تحطب الكلام، وتمشي بالنميمة، وتعيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرِمة قال: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }: كانت تمشي بالنميمة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تمشي بالنميمة. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: النميمة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }: أي كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تحطِب الكلام، وتمشي بالنميمة. وقال بعضهم: كانت تُعَيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تَحْطِبُ فَعُيِّرت بأنها كانت تحطب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تمشي بالنميمة. وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عيسى بن يزيد، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زيد، وكان ألزم شيء لمسروق، قال: لما نزلت: { تَبَّتْ يَدَا أبَي لَهَبٍ } بلغ امرأة أبي لهب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يهجوكِ، قالت: علام يهجوني؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحمل حطباً «في جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»؟ فمكثت، ثم أتته، فقالت: إن ربك قلاك وودّعك، فأنزل الله:**{ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى }** وقوله: { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } يقول: في عنقها والعرب تسمى العنق جيداً ومنه قول ذي الرُّمَّة:
| **فَعَيْناكِ عَيْناها وَلَوْنُكِ لَوْنُها** | | **وَجِيدُكِ إلاَّ أنَّها غَيرُ عاطِلِ** |
| --- | --- | --- |
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { فِي جِيدِها حَبْلٌ } قال: في رقبتها. وقوله: { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: هي حبال تكون بمكة. ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: حبل من شجر، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: هي حبال تكون بمكة ويقال: المَسَد: العصا التي تكون في البكرة، ويقال المَسَد: قلادة من وَدَع. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: في قوله: { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد، وكانت تفتل وقال { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ }: حبل من نار في رقبتها. وقال آخرون: المَسَد: الليف. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السديّ، عن يزيد، عن عروة { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: سلسلة من حديد، ذرعها سبعون ذراعاً. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن السديّ، عن رجل يقال له يزيد، عن عروة بن الزُّبير { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن يزيد، عن عُرْوة بن الزبير { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن الأعمش، عن مجاهد { مِنْ مَسَدٍ } قال: من حديد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: حبل في عنقها في النار مثل طوق، طوله سبعون ذراعاً. وقال آخرون: المَسَد: الحديد الذي يكون في البَكْرة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: الحديدة تكون في البَكْرة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: عود البكرة من حديد. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: الحديدة للبكرة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ثنا المعمر بن سليمان، قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرِمة قال: { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } إنه الحديدة التي في وسط البكرة. وقال آخرون: هو قِلادة من وَدَع في عنقها. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: قلادة من وَدَع. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: قلادة من وَدَع. وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: هو حبلٌ جُمع من أنواع مختلفة، ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا، ومما يدلّ على صحة ما قلنا في ذلك قول الراجز:
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أيانِقَ** | | **صُهْبٍ عِتاقٍ ذاتِ مُخَ زَاهِقِ** |
| --- | --- | --- |
فجعل إمراره من شتى، وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب، أُمِرَّ من أشياء شتى، من ليف وحديد ولحاء، وجعل في عنقها طوقاً كالقلادة من ودع ومنه قول الأعشى:
| **تُمْسِي فيَصْرِفُ بابُها مِنْ دُونِنا** | | **غَلْقاً صَرِيفَ مَحَالَةِ الأَمْسادِ** |
| --- | --- | --- |
يعني بالأمساد: جمع مَسَد، وهي الجبال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) | التباب الهلاك. ومنه قولهم أشابة أم تابة؟ أي هالكة من الهرم والتعجيز. والمعنى هلكت يداه، لأنه فيما يروى أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَتَبَّ } وهلك كله. أو جعلت يداه هالكتين. والمراد هلاك جملته، كقوله تعالى**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** الحج 10 ومعنى { وَتَبَّ } وكان ذلك وحصل، كقوله
| **جَزَانِي جَزَاهُ اللَّهُ شَرَّ جَزَائِه جَزَاءَ الْكلاَبِ الْعَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَلْ** | | |
| --- | --- | --- |
ويدلّ عليه قراءة ابن مسعود «وقد تب» وروي 1369 أنه لما نزل**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** الشعراء 214 رقى الصفا وقال يا صباحاه، فاستجمع إليه الناس من كل أوب. فقال **" يا بني عبد المطلب، با بني فهر، إن أخبرتكم أنّ بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقيَّ "** ؟ قالوا نعم قال **" فإني نذير لكم بين يدي الساعة "** فقال أبو لهب تباً لك، ألهذا دعوتنا؟ فنزلت. فإن قلت لم كناه، والتكنية تكرمة؟ قلت فيه ثلاثة أوجه، أحدها أن يكون مشتهراً بالكنية دون الاسم، فقد يكون الرجل معروفاً بأحدهما، ولذلك تجري الكنية على الاسم، أو الاسم على الكنية عطف بيان، فلما أريد تشهيره بدعوة السوء، وأن تبقى سمة له، ذكر الأشهر من علميه ويؤيد ذلك قراءة من قرأ «يدا أبو لهب»، كما قيل علي بن أبو طالب. ومعاوية بن أبو سفيان لئلا يغير منه شيء فيشكل على السامع، ولفليتة بن قاسم أمير مكة ابنان، أحدهما عبد الله - بالجرّ، والآخر عبد الله بالنصب. كان بمكة رجل يقال له عبد الله - بجرّة الدال، لا يعرف إلاّ هكذا. والثاني أنه كان اسمه عبد العزّى، فعدّل عنه إلى كنيته. والثالث أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب، وافقت حاله كنيته فكان جديراً بأن يذكر بها. ويقال أبو لهب، كما يقال أبو الشر للشرير. وأبو الخير للخير، وكما كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المهلب أبا صفرة، بصفرة في وجهه. وقيل كنى بذلك لتهلب وجنتيه وإشراقهما، فيجوز أن يذكر بذلك تهكماً به، وبافتخاره بذلك. وقرىء «أبي لهب» بالسكون. وهو من تغيير الأعلام، كقولهم شمس بن مالك بالضم { مَا أَغْنَىٰ } استفهام في معنى الإنكار، ومحله النصب أو نفي { وَمَا كَسَبَ } مرفوع. وما موصولة أو مصدرية بمعنى ومكسوبه. أو وكسبه. والمعنى لم ينفعه ماله وما كسب بماله، يعني رأس المال والأرباح. أو ماشيته وما كسب من نسلها ومنافعها، وكان ذا سابياء. أو ماله الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه. أو ماله التالد والطارف. وعن ابن عباس ما كسب ولده. وحكي أن بني أبي لهب احتكموا إليه، فاقتتلوا، فقام يحجز بينهم، فدفعه بعضهم فوقع فغضب، فقال أخرجوا عني الكسب الخبيث، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه "** وعن الضحاك ما ينفعه ماله وعمله الخبيث، يعني كيده في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن قتادة عمله الذي ظنّ أنه منه على شيء، كقوله**{ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ }** الفرقان 23 وروي أنه كان يقول إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي «سيصلى» قرىء بفتح الياء وبضمها مخففاً ومشدداً، والسين للوعيد، أي هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته { وَٱمْرَأَتُهُ } هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل كانت تمشى بالنميمة ويقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم النائرة ويورث الشرّ. قال
| **مِنَ الْبِيضِ لَمْ تَصْطَدْ عَلَى ظَهْرِ لَأْمَةٍ وَلَمْ تَمْشِ بَيْنَ الْحَيِّ بالْحَطَبِ الرَّطْبِ** | | |
| --- | --- | --- |
جعله رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشرّ، ورفعت عطفاً على الضمير في { سَيَصْلَىٰ } أي سيصلى هو وامرأته. و { فِى جِيدِهَا } في موضع الحال، أو على الابتداء، وفي جيدها الخبر. وقرىء «حمالة الحطب» بالنصب على الشتم وأنا أستحب هذه القراءة وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل. وقرىء «حمالة الحطب» و«حمالة للحطب» بالتنوين، بالرفع والنصب. وقرىء «ومريته» بالتصغير. المسد الذي فتل من الحبال فتلاً شديداً، من ليف كان أو جلد، أو غيرهما. قال
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانِقِ** | | |
| --- | --- | --- |
ورجل ممسود الخلق مجدوله. والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تخسيساً لحالها، وتحقيراً لها، وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن، لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها وهما في بيت العزّ والشرف. وفي منصب الثروة والجدة. ولقد عيّر بعض الناس الفضل بن العباس ابن عتبة ابن أبي لهب بحمالة الحطب، فقال
| **مَاذَا أَرَدْتَ إلَى شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي أَمْ مَا تَعَيَّرُ مِنْ حَمَّالَةِ الْحَطَب ِ غَرَّاءَ شَادِخَةٍ فِي الْمَجْدِ غُرَّتُهَا كَانَتْ سَلِيلَةَ شَيْخٍ نَاقِبِ الحَسَبِ** | | |
| --- | --- | --- |
ويحتمل أن يكون المعنى أنّ حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم أو من الضريع وفي جيدها حبل من ما مسد من سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1370 **" من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) | القراءة: قرأ ابن كثير أبي لَهْب ساكنة الهاء والباقي بفتحها واتفقوا في ذات لهب أنها مفتوحة الهاء لوفاق الفواصل وقرأ عاصم حمالة الحطب بالنصب والباقون بالرفع وروي عن البرجمي { سيصلى } بضم الياء وهي قراءة أشهب العقيلي وأبي رجاء وفي الشواذ قراءة ابن مسعود ومُرَيْئَتُهُ حمالةٌ للحطب { في جيدها حبل من مسد } الحجة: قال أبو علي: يشبه أن يكون لَهَبَ وَلَهْب لغتين كالشَمَع والشَمْع والنَهَر والنَهْر واتفاقهم في الثانية على الفتح يدل على أنه أوجه من الإسكان وكذلك قوله ولا يغني من اللهب وأما { حمالة الحطب } فمن رفع جعله لقوله { وامرأته } ويدل على أن الفعل قد وقع كقولك مررت برجل ضارب عمراً أمس فهذا لا يكون إلا معرفة ولا يقدر فيه إلا الانفصال كما يقدر في هذا النحو إذا لم يكن الفعل واقعاً وأما ارتفاع امرأته فيحتمل وجهين أحدهما: العطف على فاعل سيصلى التقدير سيصلى ناراً هو وامرأته إلا أن الأحسن أن لا يؤكد لما جرى من الفصل بينهما ويكون { حمالة الحطب } على هذا وصفاً لها ويجوز في قوله { في جيدها } أن يكون في موضع حال وفيها ذكر منها ويتعلق بمحذوف ويجوز فيه وجه آخر وهو أن يرتفع امرأته بالابتداء { وحمالة } وصف لها { وفي جيدها } خبر المبتدأ وأما النصب في حمالة الحطب فعلى الذم لها كأنها كانت اشتهرت بذلك فجرت الصفة عليها للذم لا للتخصيص والتخليص من موصوف غيرها وقوله حبل معناه غليظ. رجل حبل الوجه وحبل الرأس. اللغة: التب والتباب الخسران المؤدّي إلى الهلاك والمسدّ الحبل من الليف وجمعه أمساد قال:
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِـــنْ أَيانِــقِ** | | **لَيْسَ بِأَنْيابٍ وَلا حَقائقِ** |
| --- | --- | --- |
النزول: سعيد بن جبير عن ابن عباس قال **" صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال: " يا صباحاه " فاقبلت إليه قريش فقالوا له ما لك فقال: " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدّقوني " قالوا: بلى قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " "** فقال أبو لهب: تبّاً لك لهذا دعوتنا جميعاً فأنزل الله هذه السورة أورده البخاري في الصحيح. المعنى: { تبت يدا أبي لهب وتب } أي خسرت يداه وخسر هو عن مقاتل وإنما قال خسرت يداه لأن أكثر العمل يكون باليد والمراد خسر عمله وخسرت نفسه بالوقوع في النار. وقيل: إن اليد هنا صلة كقولهم يد الدهر ويد السنة قال:
| **وأيدي الرزايا بالذخائر مولع** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل: معناه صفرت يداه من كل خير قال الفراء: الأول دعاء والثاني خبر فكأنه قال أهلكه الله وقد هلك وفي حرف عبد الله وأبي وقد تبَّ. وقيل: إن الأول أيضاً خبر ومعناه أنه لم تكتسب يداه خيراً قطّ وخسر مع ذلك هو نفسه أي تبَّ على كل حال وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديد المعاداة والمناصبة له قال طارق المحاربي: بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدّقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذّاب وإنما ذكر سبحانه كنيته دون اسمه لأنها كانت أغلب عليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: لأن اسمه عبد العزى فكره الله سبحانه أن ينسبه إلى العزى وأنه ليس بعبد لها وإنما هو عبد الله. وقيل: بل اسمه كنيته وإنما سمي بذلك لحسنه وإشراق وجهه وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان عن مقاتل. { ما أغنى عنه ماله وما كسب } أي ما نفعه ولا دفع عنه عذاب الله ماله { وما كسبه } ويكون ما في قوله وما كسب موصولة والضمير العائد من الصلة محذوف. وقيل: معناه أيّ شيء أغنى عنه ماله وما كسب يعني ولده لأن ولد الرجل من كسبه وذلك أنه قال لما أنذره النبي صلى الله عليه وسلم: بالنار إن كان ما تقول حقاً فإني أفتدي بمالي وولدي. ثم أنذره سبحانه بالنار فقال { سيصلى ناراً ذات لهب } أي سيدخل ناراً ذات قوة واشتعال تلتهب عليه وهي نار جهنم وفي هذا دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته لأنه أخبر أن أبا لهب يموت على كفره وكان كما قال { وامرأته } وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان { حمالة الحطب } كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة ليعقره عن ابن عباس وفي رواية الضحاك قال الربيع بن أنس: كانت تبث وتنشر الشوك على طريق الرسول فيطأه كما يطأ أحدكم الحرير. وقيل: إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس فتلقي بينهم العداوة وتوقد نارها بالتهييج كما توقد النار الحطب فسمى النميمة حطباً عن ابن عباس في رواية أخرى وقتادة ومجاهد وعكرمة والسدي قالت العرب: فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به قال:
| **ولـم يمـش بيـن الحـي بالحطـب الرطـب** | | |
| --- | --- | --- |
أي لم يمش بالنميمة. وقيل: حمالة الحطب معناه حمالة الخطايا عن سعيد بن جبير وأبي مسلم ونظيره قوله**{ وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم }** [الأنعام: 31]. { في جيدها حبل من مسد } أي في عنقها حبل من ليف وإنما وصفها بهذه الصفة تخسيساً لها وتحقيراً. وقيل: حبل يكون له خشونة الليف وحرارة النار وثقل الحديد يجعل في عنقها زيادة في عذابها. وقيل: في عنقها سلسلة من حديد طولها سبعون ذراعاً تدخل من فيها وتخرج من دبرها وتدار على عنقها في النار عن ابن عباس وعروة بن الزبير وسميت السلسلة مسداً بمعنى أنها ممسودة أي مفتولة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: أنها كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت لأنفقنها في عداوة محمد فيكون عذاباً يوم القيامة في عنقها عن سعيد بن المسيب. ويروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت هذه السورة أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
| **مُذَمَّماً أبينــا. ودينه قلينــا وأمره عصينــا** | | |
| --- | --- | --- |
والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إنها لن تراني "** وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال**{ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً }** [الإسراء: 45] فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر أخبرت أن صاحبك هجاني فقال: " لا وربّ البيت ما هجاك " فولَّت وهي تقول " قريش تعلم أني بنت سيّدها " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" صرف الله سبحانه عنّي أنهم يذمون مُذَمَّماً وأنا محمد "** ومتى قيل: كيف يجوز أن لا ترى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأت غيره فالجواب يجوز أن يكون الله قد عكس شعاع عينيها أو صلب الهواء فلم ينفذ فيه الشعاع أو فرَّق الشعاع فلم يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" ما زال ملك يسترني عنها "** وإذا قيل هل كان يلزم أبا لهب الإيمان بعد هذه السورة وهل كان يقدر على الإيمان ولو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله سبحانه بأنه سيصلى ناراً ذات لهب فالجواب أن الإيمان يلزمه لأن تكليف الإيمان ثابت عليه وإنما توعده الله بشرط أن لا يؤمن ألا ترى إلى قوله سبحانه في قصة فرعون**{ الآن وقد عصيت قبل }** [يونس: 91] وفي هذا دلالة على أنه لو تاب قبل وقت اليأس لكان يقبل منه ولهذا خصَّ ردّ التوبة عليه بذلك الوقت وأيضاً فلو قدرنا أن أبا لهب سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال لو آمنت هل أدخل النار لكان صلى الله عليه وسلم يقول له لا وذلك لعدم الشرط.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) | ففيه مسائل: المسألة الأولى: قرىء ومريئته بالتصغير وقرىء حمالة الحطب بالنصب على الشتم، قال صاحب الكشاف: وأنا أستحب هذه القراءة وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل وقرىء بالنصب والتنوين والرفع. المسألة الثانية: أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية، وكانت في غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكروا في تفسير كونها حمالة الحطب وجوهاً: أحدها: أنها كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله، فإن قيل: إنها كانت من بيت العز فكيف يقال: إنها حمالة الحطب؟ قلنا: لعلها كانت مع كثرة مالها خسيسة أو كانت لشدة عداوتها تحمل بنفسها الشوك والحطب، لأجل أن تلقيه في طريق رسول الله وثانيها: أنها كانت تمشي بالنميمة يقال: للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس: يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم النائرة، ويقال للمكثار: هو حاطب ليل وثالثها: قول قتادة: أنها كانت تعير رسول الله بالفقر، فعيرت بأنها كانت تحتطب والرابع: قول أبي مسلم وسعيد بن جبير: أن المراد ما حملت من الآثام في عداوة الرسول، لأنه كالحطب في تصيرها إلى النار، ونظيره أنه تعالى شبه فاعل الإثم بمن يمشي وعلى ظهره حمل، قال تعالى:**{ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً }** [الأحزاب: 58] وقال تعالى:**{ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** [الأنعام: 31] وقال تعالى:**{ وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ }** [الأحزاب: 72]. المسألة الثالثة: امرأته إن رفعته، ففيه وجهان أحدهما: العطف على الضمير في { سيصلى } ، أي سيصلى هو وامرأته. و { في جيدها } في موضع الحال والثاني: الرفع على الابتداء، وفي جيدها الخبر. المسألة الرابعة: عن أسماء لما نزلت { تَبَتْ } جاءت أم جميل ولها ولولة وبيدها حجر، فدخلت المسجد، ورسول الله جالس ومعه أبو بكر، وهي تقول:
| **مذمماً قلينا** | | **ودينه أبينا** |
| --- | --- | --- |
| **وحكمه عصينا** | | |
فقال أبو بكر: يا رسول الله قد أقبلت إليك فأنا أخاف أن تراك، فقال عليه السلام: **" إنها لا تراني "** وقرأ:**{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا }** [الإسراء: 45] وقالت لأبي بكر: قد ذكر لي أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول:
| **قد علمت قريش أني بنت سيدها** | | |
| --- | --- | --- |
وفي هذه الحكاية أبحاث: الأول: كيف جاز في أم جميل أن لا ترى الرسول، وترى أبا بكر والمكان واحد؟ الجواب: أما على قول أصحابنا فالسؤال زائل، لأن عند حصول الشرائط يكون الإدراك جائزاً لا واجباً، فإن خلق الله الإدراك رأى وإلا فلا، وأما المعتزلة فذكروا فيه وجوهاً أحدها: لعله عليه السلام أعرض وجهه عنها وولاها ظهره، ثم إنها كانت لغاية غضبها لم تفتش، أو لأن الله ألقى في قلبها خوفاً، فصار ذلك صارفاً لها عن النظر وثانيها: لعل الله تعالى ألقى شبه إنسان آخر على الرسول، كما فعل ذلك بعيسى وثالثها: لعل الله تعالى حول شعاع بصرها عن ذلك السمت حتى أنها ما رأته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
واعلم أن الإشكال على الوجوه الثلاثة لازم، لأن بهذه الوجوه عرفنا أنه يمكن أن يكون الشيء حاضر ولا نراه، وإذا جوزنا ذلك فلم لا يجوز أن يكون عندنا فيلات وبوقات، ولا نراها ولا نسمعها. البحث الثاني: أن أبا بكر حلف أنه ما هجاك، وهذا من باب المعاريض، لأن القرآن لا يسمى هجواً، ولأنه كلام الله لا كلام الرسول، فدلت هذه الحكاية على جواز المعاريض. بقي من مباحث هذه الآية سؤالان: السؤال الأول: لم لم يكتف بقوله: { وَٱمْرَأَتُهُ } بل وصفها بأنها حمالة الحطب؟ الجواب: قيل: كان له امرأتان سواها فأراد الله تعالى أن لا يظن ظان أنه أراد كل من كانت امرأة له، بل ليس المراد إلا هذه الواحدة. السؤال الثاني: أن ذكر النساء لا يليق بأهل الكرم والمروءة، فكيف يليق ذكرها بكلام الله، ولا سيما امرأة العم؟ الجواب: لما لم يستبعد في امرأة نوح وامرأة لوط بسبب كفر تينك المرأتين، فلأن لا يستعبد في امرأة كافرة زوجها رجل كافر أولى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) | قوله تعالى: { وَٱمْرَأَتُهُ } أم جميل. وقال ابن العربيّ: العوراء أم قبيح، وكانت عَوْراء. { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسُّدّيّ: كانت تمشي بالنميمة بين الناس تقول العرب: فلان يَحْطِب على فلان: إذا وَرَّشَ عليه. قال الشاعر:
| **إن بني الأَدْرَمِ حَمَّالو الحَطَبْ** | | **هُمْ الوُشاةُ في الرِّضَا وفي الغَضَبْ** |
| --- | --- | --- |
| **عَلـيـهِـمُ اللَّعـنَـةُ تَتْـرَى والْحَـرَب** | | |
وقال آخر:
| **مِنَ البِيض لَمْ تُصْطَدْ عَلَى ظَهْرِ لأُمَةٍ** | | **ولَم تَمْشِ بينَ الحيّ بالحَطَبِ الرطْبِ** |
| --- | --- | --- |
يعني: لم تمش بالنمائم، وجعل الحطبَ رطْباً ليدل على التدخين، الذي هو زيادة في الشرّ. وقال أكثم بن صَيْفِيّ لبنيه: إياكُمْ والنَّميمة! فإنها نارٌ مُحْرِقَة، وإنّ النمَّام ليَعْمل في ساعة ما لا يَعْمَل الساحر في شهر. أخذه بعض الشعراء فقال:
| **إنَّ النميمةَ نارٌ وَيْك مُحْرِقَةٌ** | | **فَفِرَّ عَنها وجانبْ مَنْ تَعاطَاهَا** |
| --- | --- | --- |
ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبو. وثَبَتَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: **" لا يَدْخُلُ الجنة نَمَّام "** وقال: **" ذُو الوَجْهَين لا يكون عند الله وجيهاً "** وقال عليه الصلاة والسلام: **" مِنْ شَرّ الناسِ ذُو الوَجْهَيْنِ: الَّذِي يَأَتِي هَؤُلاَءِ بوَجْهٍ، وهَأُلاَءِ بِوَجْهٍ "** وقال كعب الأحبار: أصاب بني إسرائيل قحط، فخرج بهم موسى عليه السلام ثلاث مرات يَسْتَسْقُون فلم يُسْقَوا. فقال موسى: «إلهي عبادُك» فأوحى الله إليه: «إني لا أستجيب لك ولا لمن معك، لأن فيهم رجلاً نماماً، قد أَصَرَّ على النميمة». فقال موسى: «يا رَبِّ مَنْ هُوَ حتّى نخرجه من بيننا»؟ فقال: «يا موسى، أنهاك عن النميمةِ وأكونَ نماماً» قال: فتابوا بأجمعهم، فسُقوا. والنميمة من الكبائر، لا خلاف في ذلك حتى قال الفُضَيل بن عِياض: ثلاث تهدّ العمل الصالح ويُفْطِرن الصائم، وينقُضْن الوضوء: الغِيبة، والنميمة، والكذب. وقال عطاء بن السائب: ذكرت للشعبيّ قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: **" لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ سافكُ دمٍ، ولا مشاء بنميمة، ولا تاجر يُرْبِي "** فقلت: يا أبا عمرو، قَرَن النمام بالقاتل وآكل الربا؟ فقال: وهل تسفك الدماء، وتنتهب الأموال، وتهيج الأمور العظام، إلا من أجل النميمة. وقال قتادة وغيره: كانت تُعَيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر. ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها، فعُيِّرَتْ بالبخل. وقال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل العِضاه والشوك، فتطرحه بالليل على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقاله ابن عباس. قال الربيع: فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يَطأُه كما يطأُ الحرير. وقال مُرَّة الهَمْدَانيّ: كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة من الحَسَك، فتطرحها على طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حُزْمة أَعْيَتْ، فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها المَلكَ من خلفها فأهكلها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقال سعيد بن جُبير: حمالة الخطايا والذنوب من قولهم: فلان يحتطب على ظهره دليله قوله تعالى:**{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** [الأنعام: 31]. وقيل: المعنى حمالة الحطب في النار وفيه بُعْد. وقراءة العامة «حمَّالَةُ» بالرفع، على أن يكون خبراً «وامرأته» مبتدأ. ويكون في «جِيدِها حبلٌ من مَسَدِ» جملة في موضع الحال من المضمر في «حَمّالة». أو خبراً ثانياً. أو يكون «حمالة الحطب» نعتاً لامرأته. والخبر { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } فيوقف على هذا على «ذَاتَ لَهَبٍ». ويجوز أن يكون «وامرأَته» معطوفة على المضمر في «سَيَصْلَى» فلا يوقف على «ذَاتَ لَهَبٍ» ويوقف على «وامْرَأَته» وتكون «حَمَّالة الحَطَبَ» خبر ابتداء محذوف. وقرأ عاصم «حمالة الحَطَب» بالنصب على الذم، كأنها اشتهرتْ بذلك، فجاءت الصفة للذم لا للتخصيص، كقوله تعالى:**{ مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ }** [الأحزاب: 61]. وقرأ أبو قِلابة «حامِلَةَ الحَطَب».
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) | مكية، وآيها خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ تَبَّتْ } هلكت أو خسرت والتباب خسران يؤدي إلى الهلاك. { يَدَا أَبِى لَهَبٍ } نفسه كقوله تعالى:**{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ }** [البقرة: 195] وقيل إنما خصتا لأنه عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214] جمع أقاربه فأنذرهم فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا، وأخذ حجراً ليرميه به فنزلت. وقيل المراد بهما دنياه وأخراه، وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته ولأن اسمه عبد العزى فاستكره ذكره، ولأنه لما كان من أصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله، أو ليجانس قوله: { ذَاتَ لَهَبٍ } وقرىء «أبو لهب» كما قيل علي بن أبو طالب. { وَتَبَّ } إخبار بعد دعاء والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه كقوله:
| **جَزَانِي جَزَاهُ الله شَرَّ جَزائِه** | | **جَزاءَ الكِلاَبِ العَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَل** |
| --- | --- | --- |
ويدل عليه أنه قرىء «وقد تب» أو الأول إخبار عما كسبت يداه والثاني عن عمل نفسه.
{ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } نفي لإِغناء المال عنه حين نزل به التباب أو استفهام إنكار له ومحلها النصب. { وَمَا كَسَبَ } وكسبه أو مكسوبه بماله من النتائج والأرباح والوجاهة والإِتباع، أو عمله الذي ظن أنه ينفعه أو ولده عتبة، وقد افترسه أسد في طريق الشام وقد أحدق به العير ومات أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدودة، وترك ثلاثاً حتى أنتن ثم استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، فهو إخبار عن الغيب طابقه وقوعه.
{ سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } اشتعال يريد نار جهنم، وليس فيه ما يدل على أنه لا يؤمن لجواز أن يكون صليها للفسق، وقرىء { سَيُصْلَىٰ } بالضم مخففاً و { سَيُصْلَىٰ } مشدداً.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } عطف على المستتر في { سَيَصْلَىٰ } أو مبتدأ وهي أم جميل أخت أبي سفيان. { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } يعني حطب جهنم فإنها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمل زوجها على إيذائه، أو اليميمة فإنها كانت توقد نار الخصومة، أو حزمة الشوك أو الحسك، فإنها كانت تحملها فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عاصم بالنصب على الشتم.
{ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } أي مِمَّا مُسِّدَ أي فَتِلَ، ومنه رجل ممسود الخلق أي مجدوله، وهو ترشيح للمجاز أو تصوير لها بصورة الخطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تحقيراً لشأنها، أو بياناً لحالها في نار جهنم حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنم كالزقوم، والضريع وفي جيدها سلسلة من النار، والظرف في موضع الحال أو الخبر وحبل مرتفع به.
عن النبي صلى الله عليه وسلم **" من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) | قال البخاري حدثنا محمد بن سلام، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى **" يا صباحاه "** فاجتمعت إليه قريش، فقال **" أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقوني؟ ــــ قالوا نعم، قال ــــ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد "** فقال أبو لهب ألهذا جمعتنا؟ تبّاً لك، فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها. وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } الأول دعاء عليه، والثاني خبر عنه، فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وكنيته أبو عتيبة، وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والبغضة له، والازدراء به، والتنقص له ولدينه. قال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل، وكان جاهلياً فأسلم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول **" يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله، تفلحوا "** والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول إنه صابىء كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فقالوا هذا عمه أبو لهب، ثم رواه عن سريج عن ابن أبي الزناد عن أبيه، فذكره. قال أبو الزناد قلت لربيعة كنت يومئذ صغيراً؟ قال لا، والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة، تفرد به أحمد. وقال محمد بن إسحاق حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة، فيقول **" يا بني فلان إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به "** وإذا فرغ من مقالته، قال الآخر من خلفه يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه، فقلت لأبي من هذا؟ قال عمه أبو لهب، رواه أحمد أيضاً والطبراني بهذا اللفظ، فقوله تعالى { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } أي خسرت وخابت، وضل عمله وسعيه { وَتُبْ } أي وقد تب، تحقق خسارته وهلاكه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقوله تعالى { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قال ابن عباس وغيره { وَمَا كَسَبَ } يعني ولده، وروي عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين مثله، وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان، قال أبو لهب إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } وقوله تعالى { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي ذات لهب وشرر وإحراق شديد { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان، وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال تعالى { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } يعني تحمل الحطب، فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه، وهي مهيأة لذلك، مستعدة له { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال مجاهد وعروة من مسد النار. وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تمشي بالنميمة، واختاره ابن جرير. وقال العوفي عن ابن عباس، وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير كانت تعيرالنبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب، فعيرت بذلك، كذا حكاه، ولم يعزه إلى أحد، والصحيح الأول، والله أعلم. قال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فاخرة، فقالت لأنفقنها في عداوة محمد، يعني فأعقبها الله بها حبلاً في جيدها من مسد النار. وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال المسد الليف، وقال عروة بن الزبير المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً، وعن الثوري هي قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً، وقال الجوهري المسد الليف، والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص، وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها، ومسدت الحبل أمسده مسداً، إذا أجدت فتله. وقال مجاهد { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي طوق من حديد، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسداً؟ وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الوليد بن كثير عن أبي تدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| **مُذَمَّماً أَبَيْنا ودِيْنَهُ قَلَيْنا وأَمْرَهُ عَصَيْنا** | | |
| --- | --- | --- |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله لقد أقبلت، وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إنها لن تراني "** وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى**{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا }** الإسراء 45 فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم ترَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها. قال وقال الوليد في حديثه أو غيره فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت، فقالت تعس مذمم، فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب إني لحصان فما أكلم، وثقاف فما أعلم، وكلتانا من بني العم، وقريش بعد أعلم. وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } ، جاءت امرأة أبي لهب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ومعه أبو بكر، فقال له أبو بكر لو تنحيت لا تؤذيك بشيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إنه سيحال بيني وبينها "** فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، فقالت يا أبا بكر هجانا صاحبك، فقال أبو بكر لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر، ولا يتفوه به، فقالت إنك لمصدق، فلما ولّت، قال أبو بكر ما رأتك؟ قال **" لا، ما زال ملك يسترني حتى ولت "** ثم قال البزار لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبل من نار جهنم، ترفع به إلى شفيرها، ثم ترمى إلى أسفلها، ثم كذلك دائماً، قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير، وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات كل مسد رشاء، وأنشد في ذلك
| **وبَكْرَةً ومِحْوَراً صَرّاراً ومَسَداً مِنْ أَبقٍ مُغاراً** | | |
| --- | --- | --- |
قال والأبق القنَّب. وقال آخر
| **يا مَسَدَ الخُوصِ تَعَوَّذْ مِنِّي إنْ تَكُ لَدْناً لَيِّناً فإِنِّي ما شِئْتَ منْ أَشْمَطَ مُقْسَئِنِّ** | | |
| --- | --- | --- |
قال العلماء وفي هذه السورة معجزة ظاهرة، ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما، لا باطناً ولا ظاهراً، لا مسراً ولا معلناً، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة. آخر تفسير السورة، ولله الحمد والمنة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) | { وَٱمْرَأَتُهُ } عطف على ضمير «يصلى» سَوَّغه الفصلُ بالمفعول وصفته، وهي أمّ جميل { حَمَّالَةَ } بالرفع والنصب { ٱلْحَطَبِ } الشوك والسعدان تلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم.p>
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) | معنى { تَبَّت } هلكت. وقال مقاتل خسرت. وقيل خابت. وقال عطاء ضلت. وقيل صفرت من كل خير، وخصّ اليدين بالتباب، لأن أكثر العمل يكون بهما. وقيل المراد باليدين نفسه، وقد يعبر باليد عن النفس، كما في قوله**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** الحج 10 أي نفسك. والعرب تعبر كثيراً ببعض الشيء عن كله، كقولهم أصابته يد الدهر، وأصابته يد المنايا، كما في قول الشاعر
| **لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مخبر** | | |
| --- | --- | --- |
وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم. وقوله { وَتَبَّ } أي هلك. قال الفراء الأوّل دعاء عليه، والثاني خبر، كما تقول أهلكه الله وقد هلك. والمعنى أنه قد وقع ما دعا به عليه، ويؤيده قراءة ابن مسعود وقد تبّ. وقيل كلاهما إخبار، أراد بالأوّل هلاك عمله، وبالثاني هلاك نفسه. وقيل كلاهما دعاء عليه، ويكون في هذا شبه من مجيء العامّ بعد الخاص، وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة، وذكره سبحانه بكنيته لاشتهاره بها، ولكون اسمه، كما تقدّم عبد العزى، والعزّى اسم صنم، ولكون في هذه الكنية ما يدلّ على أنه ملابس للنار لأن اللهب هي لهب النار، وإن كان إطلاق ذلك عليه في الأصل لكونه كان جميلاً، وأن وجهه يتلهب لمزيد حسنه، كما تتلهب النار. قرأ الجمهور { لهب } بفتح اللام، والهاء. وقرأ مجاهد، وحميد، وابن كثير وابن محيصن بإسكان الهاء، واتفقوا على فتح الهاء في قوله { ذَاتَ لَهَبٍ }. وروى صاحب الكشاف أنه قرىء " تبت يدا أبو لهب " وذكر وجه ذلك. { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي ما دفع عنه ما حلّ به من التباب، وما نزل به من عذاب الله ما جمع من المال، ولا ما كسب من الأرباح والجاه أو المراد بقوله { ماله } ما ورثه من أبيه، وبقوله { وَمَا كَسَبَ } الذي كسبه بنفسه. قال مجاهد وما كسب من ولد، وولد الرجل من كسبه، ويجوز أن تكون «ما» في قوله { مَا أَغْنَىٰ } استفهامية، أي أيّ شيء أغنى عنه؟ وكذا يجوز في قوله { وَمَا كَسَبَ } أن تكون استفهامية، أي وأيّ شيء كسب؟ ويجوز أن تكون مصدرية، أي وكسبه. والظاهر أن «ما» الأولى نافية، والثانية موصولة. ثم أوعده سبحانه بالنار فقال { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }. قرأ الجمهور { سيصلى } بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي سيصلى هو بنفسه، وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة، وابن مقسم، والأشهب العقيلي، وأبو السماك، والأعمش، ومحمد بن السميفع بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير، والمعنى سيصليه الله، ومعنى { ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتوقد، وهي نار جهنم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } معطوف على الضمير في " يصلى ". وجاز ذلك للفصل. أي وتصلى امرأته ناراً ذات لهب. وهي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. وكانت تحمل الغضى والشوك، فتطرحه بالليل على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن زيد، والضحاك، والربيع بن أنس، ومرّة الهمداني. وقال مجاهد، وقتادة، والسديّ إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس. والعرب تقول فلان يحطب على فلان إذا نمّ به، ومنه قول الشاعر
| **إن بني الأدرم حمالوا الحطب هم الوشاة في الرضا والغضب عليهم اللعنة تترى والحرب** | | |
| --- | --- | --- |
وقال آخر
| **من البيض لم يصطد على ظهر لأمة ولم يمش بين الناس بالحطب الرطب** | | |
| --- | --- | --- |
وجعل الحطب في هذا البيت رطباً لما فيه من التدخين الذي هو زيادة في الشرّ، ومن الموافقة للمشي بالنميمة. وقال سعيد بن جبير معنى حمالة الحطب أنها حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم فلان يحتطب على ظهره، كما في قوله**{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** الأنعام 31. وقيل المعنى حمالة الحطب في النار. قرأ الجمهور حمالة بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب، وأما على ما قدّمنا من عطف، { وامرأته } على الضمير في { تصلى } ، فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته، والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضيّ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي حمالة. وقرأ عاصم بنصب { حمالة } على الذمّ، أو على أنه حال من امرأته. وقرأ أبو قلابة حاملة الحطب. { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } الجملة في محل نصب على الحال من { امرأته }. والجيد العنق، والمسد الليف الذي تفتل منه الحبال، ومنه قول النابغة
| **مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد** | | |
| --- | --- | --- |
وقول الآخر
| **يا مسد الخوص تعوّذ مني إن كنت لدنا لينا فإني** | | |
| --- | --- | --- |
وقال أبو عبيدة المسد هو الحبل يكون من صوف. وقال الحسن هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن تسمى بالمسد. وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها. قال الضحاك، وغيره هذا في الدنيا، كانت تعير النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفقر، وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها فخنقها الله به فأهلكها. وهو في الآخرة حبل من نار. وقال مجاهد، وعروة بن الزبير هو سلسلة من نار تدخل في فيها وتخرج من أسفلها. وقال قتادة هو قلادة من ودع كانت لها. قال الحسن إنما كان خرزاً في عنقها. وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت واللات والعزّى، لأنفقنها في عداوة محمد، فيكون ذلك عذاباً في جسدها يوم القيامة. والمسد الفتل يقال مسد حبله يمسده مسداً أجاد فتله. وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن عباس قال «لما نزلت
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأقْرَبِينَ }** الشعراء 214 خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف **" يا صباحاه "** فاجتمعوا إليه، فقال **" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ؟ "** قالوا ما جربنا عليك كذباً، قال **" فإني نذير لكم بني يدي عذاب شديد "** فقال أبو لهب تباً لك إنما جمعتنا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } ». وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ }. قال خسرت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ابنه من كسبه. ثم قرأت { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قالت وما كسب ولده. وأخرج عبد الرزاق، والحاكم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَمَا كَسَبَ } قال كسبه ولده. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قال كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، وقال { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نقالة الحديث. { حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } قال هي حبال تكون بمكة. ويقال المسد العصا التي تكون في البكرة. ويقال المسد قلادة من ودع. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر، قالت «لما نزلت { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول
| **مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا** | | |
| --- | --- | --- |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت، وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إنها لن تراني "** وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى**{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا }** الإسراء 45 فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال لا، وربّ البيت ما هجاك فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها. وأخرجه البزار بمعناه، وقال لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ) | وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } وذلك أنه لما قال الله لنبيه عليه السلام وأنذر عشيرتك الأقربين فقال لهم بعدما دعاهم قولوا لا إله إلا الله فقال له عمه أخو أبيه من أمه واسمه عبد العزى كنيته أبو لهب تباً لك يا محمد ألهذا دعوتنا فأنزل الله فيه { تبت يدا أبي لهب } يقول خسرت يدا أبي لهب من كل خير { وَتَبَّ } خسر نفسه عن التوحيد { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ } في الآخرة { مَالُهُ } كثرة ماله في الدنيا { وَمَا كَسَبَ } يعني كثرة الأولاد { سَيَصْلَىٰ } سيدخل في الآخرة { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } تشعل تغيظ { وَٱمْرَأَتُهُ } معه أم جميلة بنت حرب بن أمية { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نقالة النميمة كانت تمشي بالنميمة بين المسلمين والكافرين ويقال كانت تأتي بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وطريق المسلمين { فِي جِيدِهَا } في عنقها في النار { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } سلسلة من حديد ويقال في عنقها رسن من ليف الذي اختنقت به وماتت.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) | قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } يعني خسر أبو لهب وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين نزل قوله تعالى**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء:214] صعد على الصفا ونادى فاجتمعوا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - **" أمرني ربي أن أنذر عشيرتي الأقربين وأدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فقولوا أشهد لكم بها عند ربي "** فأنكروا ذلك فقال أبو لهب تباً لك سائر الأيام ألهذا دعوتنا، وروي في خبر آخر أنه اتخذ طعاماً ودعاهم ثم قال **" أسلموا تسلموا وأطيعوا تهتدوا "** فقال أبو لهب تبّاً لك سائر الأيام ألهذا دعوتنا فنزلت (تبت يدا أبي لهب) يعني خسرت يدا أبي لهب عن التوحيد { وَتَبَّ } يعني وقد خسر ويقال إنما ذكر اليد وأراد به هو وقال مقاتل تبت يدا أبي لهب وتب يعني خسر نفسه وكان أبو لهب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه " عبد العزى " ولهذا ذكره بالكنية ولم يذكر اسمه لأن اسمه كان منسوباً إلى صنم وقال بعضهم كنيته كان اسمه ثم قال عز وجل { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } يعني ما نفعه ماله في الآخرة إذ كفر في الدنيا { وَمَا كَسَبَ } يعني ما ينفعه ولده في الآخرة إذا كفر في الدنيا والكسب أراد به الولد لأن ولد الرجل من كسبه ثم قال عز وجل { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } يعني يدخل في النار ذات لهب يعني ذات شعل ثم قال عز وجل { وَٱمْرَأَتُهُ } يعني امرأته تدخل النار معه { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قرأ عاصم حمالة الحطب بنصب الهاء ويكون على معنى الذم والشين ومعناه أعني حمالة الحطب والباقون بالضم على معنى الإبتداء وحمالة الحطب جعل نعتاً لها فقال (حمالة الحطب) يعني حمالة الخطايا والذنوب ويقال (حمالة الحطب) يعني تمشي بالنميمة فسمى النميمة حطباً لأنه يلقي بين القوم العداوة والبغضاء وكانت تمشي بالنميمة في عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويقال كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالليل من بغضها لهم حتى بلغ النبي - عليه السلام - شدة وعناء فحملت ذات ليلة حزمة شوك لكي تطرحها في طريقهم فوضعتها على جدار وشدتها بحبل من ليف على صدرها فأتاها جبريل - عليه السلام - ومده خلف الجدار وخنقها حتى ماتت فذلك قوله { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } أي من ليف وقال أكثر أهل التفسير (في جيدها حبل من مسد) يعني في الآخرة في عنقها سلسلة من حديد وتحتها نار وفوقها نار، وروى سعيد بن جبير رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب فقال أبو بكر رضي الله عنه لو تنحَّيْتَ يا رسول الله فإنها امرأة بذية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" سَيُحَال بيني وبينها "** فدخلت فلم تره فقالت لأبي بكر رضي الله عنه هجانا صاحبك فقال والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله قالت إنك لمصدق فاندفعت راجعة فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله ما رأتك فقال: **" لم يزل بيني وبينها ملك يسترني عنها حتى رجعت "** وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي يزيد بن زيد قال لما نزلت هذه السورة قيل لأمرأة أبي لهب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد هجاك فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في الخلاء وقالت يا محمد - صلى الله عليه وسلم - على ماذا تهجوني فقال **" أما والله ما أنا هجوتك ما هجاك إلا الله عز وجل "** قالت هل رأيتني أحمل الحطب أو رأيت في جيدي حبل من مسد؟ وقال مجاهد: (في جيدها حبل من مسد) مثل حديد البكرة، وقال غيره يعني عروة سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) | قوله تعالى: { تبّتْ يدا أبي لهب } اختلف في سبب نزولها في أبي لهب على ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أُعطَى إن آمنتُ بك يا محمد؟ قال: ما يعطَى المسلمون، قال: ما عليهم فضل؟ قال: وأي شيء تبتغي؟ قال: تبَّا لهذا من دين أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله فيه: { تبت يدا أبي لهب }.
الثاني: ما رواه ابن عباس أنه لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليها، ثم نادى يا صباحاه! فاجتمع الناس إليه، فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟! فأنزل الله تعالى هذه السورة.
الثالث: ما حكاه عبد الرحمن بن كيسان أنه كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفْدٌ انطلق إليهم أبو لهب، فيسألونه عن رسول الله ويقولون: أنت أعلم به، فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر، فيرجعون عنه ولا يلقونه، فأتاه وفد، ففعل معهم مثل ذلك، فقالوا: لا ننصرف حتى نراه ونسمع كلامه، فقال لهم أبو لهب: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبّاً له وتعساً، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاكتأب له، فأنزل الله تعالى " تَبّتْ " السورة، وفي " تبّتْ " خمسة أوجه:
أحدها: خابت، قاله ابن عباس.
الثاني: ضلّت، وهو قول عطاء.
الثالث: هلكت، قاله ابن جبير.
الرابع: صفِرت من كل خير، قاله يمان بن رئاب.
حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان بن عفان سمع الناس هاتفاً يقول:
| **لقد خلّوْك وانصدعوا** | | **فما آبوا ولا رجعوا** |
| --- | --- | --- |
| **ولم يوفوا بنذرِهمُ** | | **فيا تبَّا لما صَعنوا** |
والخامس: خسرت، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر:
| **تواعَدَني قوْمي ليَسْعوْا بمهجتي** | | **بجارية لهم تَبّا لهم تبّاً** |
| --- | --- | --- |
وفي قوله { يَدَا أَبِي لَهَبٍ } وجهان:
أحدهما: يعني نفس أبي لهب، وقد يعبر عن النفس باليد كما قال تعالى { ذلك بما قدمت يداك } أي نفسك.
الثاني: أي عمل أبي لهب، وإنما نسب العمل إلى اليد لأنه في الأكثر يكون بها.
وقيل إنه كني أبا لهب لحُسنه وتلهّب وجنته، وفي ذكر الله له بكنيته دون اسمه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه.
الثاني: لأنه كان مسمى بعبد هشم، وقيل إنه عبد العزى فلذلك عدل عنه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
الثالث: لأن الاسم أشرف من الكنية، لأن الكنية إشارة إليه باسم غيره، ولذلك دعا الله أنبياءه بأسمائهم.
وفي قوله { وتَبَّ } أربعة أوجه:
أحدها: أنه تأكيد للأول من قوله { تبت يدا أبي لهب } فقال بعده " وتب " تأكيداً. الثاني: يعني تبت يدا أبي لهب بما منعه الله تعالى من أذى لرسوله، وتب بما له عند الله من أليم عقابه.
الثالث: يعني قد تبّ، قاله ابن عباس.
الرابع: يعني وتبّ ولد أبي لهب، قاله مجاهد.
وفي قراءة ابن مسعود: تبت يدا أبي لهبٍ وقد تب، جعله خبراً، وهي على قراءة غيره تكون دعاء كالأول.
وفيما تبت عنه يدا أبي لهب وجهان:
أحدهما: عن التوحيد، قاله ابن عباس.
الثاني: عن الخيرات، قاله مجاهد.
{ ما أَغْنَى عَنْه مالُه وما كَسَب } في قوله " ما أغنى عنه " وجهان:
أحدهما: ما دفع عنه.
الثاني: ما نفعه، قاله الضحاك.
وفي { مالُه } وجهان:
أحدهما: أنه أراد أغنامه، لأنه كان صاحب سائمة، قاله أبو العالية.
الثاني: أنه أراد تليده وطارفه، والتليد: الموروث، والطارف: المكتسب.
وفي قوله { وما كَسَبَ } وجهان:
أحدهما: عمله الخبيث، قاله الضحاك.
الثاني: ولده، قاله ابن عباس.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" أولادكم من كسبكم "** وكان ولده عتبة بن أبي لهب مبالغاً في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم كأبيه، فقال حين نزلت { والنجم إذا هوى } كفرت بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، وتفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "** فأكله الأسد.
وفيما لم يغن عنه ماله وما كسب وجهان:
أحدهما: في عداوته النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: في دفع النار عنه يوم القيامة.
{ سَيَصْلَى ناراً ذاتَ لَهَبٍ } في سين سيصلى وجهان:
أحدهما: أنه سين سوف.
الثاني: سين الوعيد، كقوله تعالى { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ } و { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا } وفي { يَصْلًى } وجهان:
أحدهما: صلي النار، أي حطباً ووقوداً، قاله ابن كيسان.
الثاني: يعني تُصليه النار، أي تنضجه، وهو معنى قول ابن عباس، فيكون على الوجه الأول صفة له في النار، وعلى الوجه الثاني صفة للنار.
وفي { ناراً ذاتَ لَهَبٍ } وجهان:
أحدهما: ذات ارتفاع وقوة واشتعال، فوصف ناره ذات اللهب بقوتها، لأن قوة النار تكون مع بقاء لهبها.
الثاني: ما في هذه الصفة من مضارعة كنيته التي كانت من نذره ووعيده.
وهذه الآية تشتمل على امرين:
أحدهما: وعيد من الله حق عليه بكفره.
الثاني: إخبار منه تعالى بأنه سيموت على كفره، وكان خبره صدقاً، ووعيده حقاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
{ وامرأتُهُ حَمّالَةَ الحَطَبِ } وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان.
وفي { حمالة الحطب } أربعة أوجه: أحدها: أنها كانت تحتطب الشوك فتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها كانت تعيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، فكان يحتطب فعيرت بأنها كانت تحتطب، قاله قتادة.
الثالث: أنها كانت تحتطب الكلام وتمشي بالنميمة، قاله الحسن والسدي فسمي الماشي بالنميمة حمال الحطب لأنه يشعل العداوة كما تشعل النار الحطب، قال الشاعر:
| **إنّ بني الأَدْرَمِ حَمّالو الحَطَبْ** | | **هم الوُشاةُ في الرِّضا وفي الغَضَبْ.** |
| --- | --- | --- |
| **عليهمُ اللعْنةُ تَتْرى والحرَبْ.** | | |
وقال آخر:
| **مِنَ البِيضِ لم تُصْطَدْ على ظهر لأمةٍ** | | **ولم تمشِ بَيْن الحيّ بالحَطَب والرطْبِ.** |
| --- | --- | --- |
الرابع: أنه أراد ما حملته من الآثام في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كالحطب في مصيره إلى النار.
{ في جِيدِها حَبْل مِنْ مَسَدِ } جيدها: عنقها.
وفي { حبل من مسد } سبعة أقاويل:
أحدها: أنه سلسلة من حديد، قاله عروة بن الزبير، وهي التي قال الله تعالى فيها: { ذرعها سبعون ذراعاً } قال الحسن: سميت السلسلة مسداً لأنها ممسودة، أي مفتولة.
الثاني: أنه حبل من ليف النخل، قاله الشعبي، ومن قول الشاعر:
| **أعوذ بالله مِن لَيْل يُقرّبني** | | **إلى مُضاجعةٍ كالدَّلْكِ بالمسَدِ.** |
| --- | --- | --- |
الثالث: أنها قلادة من ودع، على وجه التعيير لها، قاله قتادة.
الرابع: أنه حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها، قاله الحسن، ذكرت به على وجه التعيير أيضاً.
الخامس: أنها قلادة من جوهر فاخر، قالت لأنفقنها في عداوة محمد، ويكون ذلك عذاباً في جيدها يوم القيامة.
السادس: أنه إشارة إلى الخذلان، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوطة في جيدها بحبل من مسد.
السابع: أنه لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى بها.
روى الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر أنه لما نزلت " تبت يدا " في أبي لهب وامرأته أم جميل أقبلت ولها ولولة وفي يدها قهر وهي تقول:
| **مُذَمَّماً عَصَيْنَا** | | **وأَمْرَهُ أَبَيْنا** |
| --- | --- | --- |
| **ودِينَه قَلَيْنا.** | | |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله قد أقبلت وإني أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى: { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } فأقبلت على أبي بكر، ولم تر رسول الله، فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت، ما هجاك، فولت فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مذمم، وانصرفت.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ | * تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) | { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قال ابن مسعود: لمّا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله عزّ وجلّ قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ }. أي ما يغني، وقيل: أي شيء يغني عنه ماله، أي ما يدفع عنه عذاب الله ما جمع من المال؟ وكان صاحب مواشٍ، { وَمَا كَسَبَ } قيل: يعني ولده لأن ولد الإنسان من كسبه كما جاء في الحديث: **" أطيبُ ما يأكل أحدُكم من كسبه، وإنّ ولده من كسبه ".** ثم أوعده بالنار فقال: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } ، أي ناراً تلتهب عليه. { وَٱمْرَأَتُهُ } ، أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه لتعقرهم، وهي رواية عطية عن ابن عباس. وقال قتادة ومجاهد والسُّدّي: كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث فتلقي العداوة بين الناس، وتوقد نارها كما توقد النار بالحطب، يقال: فلان يحطب على فلان إذا كان يُغْرِي به. وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا، دليله: قوله:**{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** [الأنعام: 31]. قرأ عاصم " حمَّالةَ " بالنصب على الذم، كقوله: { مَلعُونِين }. وقرأ الآخرون بالرفع وله وجهان: أحدهما سيصلى ناراً هو وامرأته حمالةُ الحطب والثاني: وامرأته حمالةُ الحطب في النار أيضاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) | روي في الحديث **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه: { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214] قال: " يا صفية بنت عبد المطلب، ويا فاطمة بنت محمد لا أملك لكما من الله شيئاً سلاني من مالي ما شئتما " ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش: " يا بني فلان، يا بني فلان " وروي أنه صاح بأعلى صوته: " يا صباحاه " فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم: " أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم، قال: " فإني نذير بين يدي عذاب شديد، " فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا، جمعتنا "؟ فافترقوا عنه ونزلت السورة "** ، و { تبت } معناه: خسرت، والتباب: الخسار والدمار، وأسند ذلك إلى اليدين من حيث اليد موضع الكسب والربح وضم ما يملك، ثم أوجب عليه أنه قد تب أي حتم ذلك عليه، ففي قراءة عبد الله بن مسعود: " تبت يدا أبي لهب وقد تب " ، و " أبو لهب ": هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سبقت له الشقاوة، وقرأ ابن كثير وابن محيصن: " أبي لهْب " بسكون الهاء، وقرأ الباقون: بتحريك الهاء، ولم يختلفوا في فتحها في { ذات لهب } ، وقوله تعالى: { ما أغنى عنه ماله وما كسب } يحتمل أن تكون { ما } نافية، ويكون الكلام خبراً عن أن جميع أحواله الدنياوية لم تغن عنه شيئاً حين حتم عذابه بعد موته، ويحتمل أن تكون { ما } استفهاماً على وجه التقرير أي أين الغناء الذي لماله ولكسبه؟ { وما كسب }: يراد به عرض الدنيا من عقار ونحوه، أو ليكون الكلام دالاً على أنه أتعب فيه نفسه لم يجئه عفوا لا بميراث وهبة ونحوه، وقال كثير من المفسرين: المراد بـ { ما كسب } بنوه، فكأنه قال: { ما أغنى عنه ماله } وولده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" خير ما كسب الرجل من عمل يده وإن ولد الرجل من كسبه "** ، وروي أن أولاد أبي لهب اختصموا عند ابن عباس فتنازعوا وتدافعوا، فقام ابن عباس ليحجز بينهم، فدفعه أحدهم، فوقع على فراشه، وكان قد كف بصره فغضب وصاح: أخرجوا عني الكسب الخبيث، وقرأ الأعمش وأبي بن كعب: " وما اكتسب " وقوله: { سيصلى ناراً ذات لهب } حتم عليه بالنار وإعلام بأنه يوافي على كفره، وانتزع أهل الأصول من هذه الآية تكليف ما لا يطاق، وأنه موجود في قصة أبي لهب، وذلك أنه مخاطب مكلف أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومكلف أن يؤمن بهذه السورة وصحتها، فكأنه قد كلف أن يؤمن، وأن يؤمن أنه لا يؤمن، قال الأصوليون ومتى ورد تكليف ما لا يطاق فهي أمارة من الله تعالى أنه قد حتم عذاب ذلك المكلف كقصة { أبي لهب } ، وقرأ الجمهور " سيَصلى " بفتح الياء، وقرأ ابن كثير والحسن وابن مسعود بضمها، وقوله تعالى: { وامرأته حمالة الحطب } هي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وعطف قوله { وامرأته } على المضمر المرفوع دون أن يؤكد الضمير بسبب الحائل الذي ناب مناب التأكيد، وكانت أم جميل هذه مؤذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها، وقال ابن عباس: كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه ليعقرهم، فلذلك سميت { حمالة الحطب } ، وعلى هذا التأويل، فـ { حمالة } معرفة يراد به الماضي، وقيل إن قوله { حمالة الحطب } استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها، فـ { حمالة } على هذا نكرة، يراد بها الاستقبال، وقيل هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين، كما تقول: فلان يحطب على فلان وفي حبل فلان، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين، وقال الشاعر:[الرجز]
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **إن بني الأدرم حمالو الحطب** | | **هم الوشاة في الرضى وفي الغضب** |
| --- | --- | --- |
وقرأ ابن مسعود: " ومرياته " ، وقرأ الجمهور: " حمالةُ " بالرفع، وقرأ عاصم: " حمالةَ " بالنصب على الذم، وهي قراءة الحسن والأعرج وابن محيصن، وقرأ ابن مسعود: " حمالةٌ للحطب " بالرفع ولام الجر، وقرأ أبو قلابة: " حاملة " الميم بعد الألف، وقوله: { في جيدها حبل من مسد } ، قال ابن عباس والضحاك والسدي وابن زيد: الإشارة إلى الحبل حقيقة الذي ربطت به الشوك وحطبه، قال السدي: " المسد " الليف، وقيل: ليف المقل ذكره أبو الفتح وغيره، وقال ابن زيد: هو شجر باليمن يسمى المسد، تصنع منه الحبال، وقال النابغة: [البسيط]
| **مقذوفة بدخيس النحض بازلها** | | **له صريف صريف القعو بالمسد** |
| --- | --- | --- |
القعو: البكرة، والمسد: الحبل، وقال عروة بن الزبير وسفيان ومجاهد وغيره: هذا الكلام استعارة والمراد سلسلة من حديد في جهنم ذرعها سبعون ذراعاً، ونحو هذا من العبارات، وقال قتادة: { حبل من مسد } ، قلادة من ودع، قال ابن المسيب: كان لها قلادة فاخرة فقالت: لأنفقنها على عداوة محمد.
قال القاضي أبو محمد: فإنما عبر عن قلادتها بـ { حبل من مسد } على جهة التفاؤل لها، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث، وروي في هذا الحديث أن هذه السورة لما نزلت وقرئت، بلغت أم جميل فجاءت أبا بكر وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقالت: يا أبا بكر: بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وإني شاعرة وقد قلت فيه [الرجز]
| **مذممـاً قلينـا** | | **ودينـه أبينـا** |
| --- | --- | --- |
فسكت أبو بكر ومضت هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لقد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) | وسبب نزولها ما روى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: **" لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214] صَعِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال: «يا صباحاه». فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ فقال: «أرأيتُكم إن أخبرتُكم أن العدوَّ مصبِّحكم، أو ممسِّيكم، أما كنتم تصدقوني؟» قالوا: بلى. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». قال أبو لهب: تَباً لك، ألهذا دَعوتَنَا؟ فأنزل الله تعالى: { تبت يدا أبي لهب } "** ومعنى تبت: خسرت يدا أبي لهب { وتب } أي: وخسر هو. قال الفراء: الأول: دعاء، والثاني: خبر، كما يقول الرجل: أهلكك الله وقد أهلكك، وجعلك الله صالحاً وقد جعلك. وقيل: ذكر يديه، والمراد نفسه، ولكن هذا عادة العرب يعبِّرون ببعض الشيء عن جميعه، كقوله تعالى:**{ ذلك بما قدَّمت يداك }** [الحج: 10]. وقال مجاهد: «تبت يدا أبي لهب وتب» ولد أبي لهب. فأما أبو لهب فهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن اسمه عبد العزى. وقرأ ابن كثير وحدُه «أبي لَهْبٍ» بإسكان الهاء. قال أبو علي: يشبه أن يكون لغة كالشَّمْعِ، والشَّمْعِ والنَّهْرِ، والنَّهَرِ.
فإن قيل: كيف كناه الله عز وجل، وفي الكنية نوع تعظيم؟
فعنه جوابان.
أحدهما: أنه إن صح أن اسمه عبد العُزَّى، فكيف يذكره الله بهذا الاسم وفيه معنى الشرك؟!
والثاني: أن كثيراً من الناس اشتهروا بكناهم، ولم يعرف لهم أسماء. قال ابن قتيبة: خبِّرني غير واحد عن الأصمعي أن أبا عمرو بن العلاء، وأبا سفيان ابن العلاء أسماؤهما كناهما، فإن كان اسم أبي لهب كنيته، فإنما ذكره بما لايعرف إلا به.
قوله تعالى: { ما أغنى عنه ماله } قال ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربيه إلى الله عز وجل قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإني أفتدي بمالي، وولدي، فقال الله عز وجل: { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قال الزجاج: و «ما» في موضع رفع. المعنى: ما أغنى عنه ماله وكسبه أي: ولده. وكذلك قال المفسرون: المراد بكسبه هاهنا: ولده. و «أغنى» بمعنى يغني { سيصلى ناراً ذات لهب } أي: تلتهب عليه من غير دخان { وامرأته } أي: ستصلى امرأته، وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. وفي هذا دلالة على صحة نُبوَّة نبينا عليه الصلاة والسلام، لأنه أخبر بهذا المعنى أنه وزوجته يموتان على الكفر، فكان كذلك. إذ لو قالا بألسنتهما: قد أسلمنا، لوجد الكفار متعلقاً في الرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن الله علم أنهما لا يسلمان باطناً ولا ظاهراً، فأخبره بذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قوله تعالى: { حمَّالة الحطب } فيه أربعة أقوال.
أحدهما: أنها كانت تمشي بالنميمة، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي، والفراء، وقال ابن قتيبة: فشبَّهوا النميمة بالحطب، والعداوة والشحناء بالنار، لأنهما يقعان بالنميمة، كما تلتهب النار بالحطب.
والثاني: أنها كانت تحتطب الشوك، فتلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً، رواه عطية عن ابن عباس. وبه قال الضحاك، وابن زيد.
والثالث: أن المراد بالحطب: الخطايا، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: أنها كانت تُعيِّرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب فَعُيِّرتْ بذلك، قاله قتادة. وليس بالقوي، لأن الله تعالى وصفه بالمال. وقرأ عاصم وحده { حمالةَ الحطب } بالنصب.
قال الزجاج: من نصب «حمالةَ» فعلى الذَّم. والمعنى: أعني: حمالةَ الحطب. والجيد: العُنُق. والمَسَدُ في لغة العرب: الحَبْل إذا كان من ليف المُقْل. وقد يقال لما كان من أوبار الإبل من الحبال: المَسَد. قال الشاعر:
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانُقِ** | | **[صُهْبٍ عِتاقٍ ذات مُخٍّ زَاهِقِ]** |
| --- | --- | --- |
وقال ابن قتيبة: المَسَد عند كثير من الناس: اللِّيف دون غيره، وليس كذلك، إنما المسد: كُلُّ ما ضُفِرَ وفُتِل من اللِّيف وغيره.
واختلف المفسرون في المراد بهذا الحبل على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها حبال كانت تكون بمكة، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال الضحاك: حبل من شجر كانت تحتطب به.
والثاني: أنه قلادة من وَدَع، قاله قتادة.
والثالث: أنه سلسلة من حديد ذَرْعُها سبعون ذراعاً، قاله عروة بن الزبير. وقال غيره: المراد بهذا الحبل: السلسلة التي ذكرها الله تعالى في النار، طولها سبعون ذراعاً، والمعنى: أن تلك السلسلة قد فتلت فتلاً مُحْكَماً، [فهي] في عنقها تعذَّب بها في النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) | { وَامْرَأَتُهُ } أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } تحتطب الشوك فتلقيه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ليلاً " ع " أو كانت تعير الرسول صلى الله عليه وسلم بالفقر [وكانت تحطب فعيّرت بأنها كانت تحطب أو] لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى به أو لأنها كانت تمشي بالنميمة وسمي النمام حمالاً للحطب لأنه يشعل العداوة كما يشعل الحطب النار أو جعل ما حملته من الإثم في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم كالحطب في مصيره إلى النار فيكون عذاباً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) | مكية وهي خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } التباب: الهلاك ومنه قولهم أشابّة أم تابّة أي هالكة من الهرم؟ والمعنى هلكت يداه لأنه فيما يروى أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَتَبَّ } وهلك كله أو جعلت يداه هالكتين والمراد هلاك جملته كقوله**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج: 10] ومعنى { وَتَبَّ } وكان ذلك وحصل، كقوله:
| **جزائي جزاء الله شر جزائه** | | **جزاء الكلاب العاويات وقد فعل** |
| --- | --- | --- |
وقد دلت عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: { وَقَد تَبَّ } ، روي أنه لما نزل**{ وأنذر عشيرتك الأقربين }** رقى الصفا **" وقال: يا صباحاه فاستجمع إليه الناس من كل أوب. فقال عليه الصلاة والسلام: يا بني عبد المطلب يا بني فهر إن أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. قال: «فإني نذير لكم بين يدي الساعة "** فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا فنزلت. وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بها دون الاسم، أو لكراهة اسمه فاسمه عبد العزى، أو لأن مآله إلى نار ذات لهب فوافقت حاله كنيته، { أَبِى لَهَبٍ } مكي { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } «ما» للنفي { وَمَا كَسَبَ } مرفوع و«ما» موصولة أو مصدرية أي ومكسوبه أو وكسبه أي لم ينفعه ماله الذي ورثه من أبيه، أو الذي كسبه بنفسه، أو ماله التالد والطارف، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما كسب ولده. وروي أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي { سَيَصْلَىٰ نَاراً } سيدخل { سَيَصْلَىٰ } البرجمي عن أبي بكر، والسين للوعيد أي هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته { ذَاتَ لَهَبٍ } توقد { وَٱمْرَأَتُهُ } هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: كانت تمشي بالنميمة فتشعل نار العداوة بين الناس. ونصب عاصم { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } على الشتم وأنا أحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل. وعلى هذا يسوغ الوقف على { ٱمْرَأَتُهُ } لأنها عطفت على الضمير في { سَيَصْلَىٰ } أي سيصلى هو وامرأته والتقدير: أعني حمالة الحطب، وغيره رفع { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } على أنها خبر وامرأته أو هي حمالة { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } حال أو خبر آخر. والمسد الذي فتل من الحبال فتلاً شديداً من ليف كان أو جلد أو غيرهما، والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تحقيراً لها وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات لتجزع من ذلك ويجزع بعلها، وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) | قوله عز وجل: { تبت يدا أبي لهب وتب } ق عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، ونادى يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ، قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً قال فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب تبّاً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب } "** وفي رواية **" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل، فنادى يا صباحاه فاجتمعت عليه قريش "** الحديث وذكر نحوه ومعنى تبت خابت وخسرت، والتباب هو الخسار المفضي إلى الهلاك، والمراد من اليد صاحبها وجملة بدنه، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله، وجميعه، وقيل إنه رمى النبي صلى الله عليه وسلم بحجر، فأدمى عقبه فلهذا ذكرت اليد، وإن كان المراد جملة البدن فهو كقولهم خسرت يده، وكسبت يده فأضيفت الأفعال إلى اليد، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه. فإن قلت لم كناه وفي الكنية تشريف وتكرمة قلت فيه وجوه أحدها أنه كان مشتهراً بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه لم يعرف الثاني أنه كان اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشّرك الثالث. أنه لما كان من أهل النّار ومآله إلى النار، والنار ذات لهب وافقت حاله كنيته، وكان جديراً بأن يذكر بها. { وتب } قيل الأول أخرج مخرج الدعاء عليه، والثاني أخرج مخرج الخبر كما يقال أهلكه الله، وقد هلك وقيل تبت يدا أبي لهب، يعني ماله وملكه، كما يقال فلان قليل ذات اليد يعنون به المال، وتب يعني نفسه أي وقد أهلكت نفسه { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قال ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله تعالى قال أبو لهب: إن كان ما تقول يا ابن أخي حقاً، فأنا أفتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى: { ما أغنى عنه ماله } ، أي شيء يغني عنه ماله، أي ما يدفع عنه عذاب الله، وما كسب يعني من المال، وكان صاحب مواشٍ، أي ما جمع من المال أو ما كسب من المال، أي الربح بعد رأس ماله، وقيل وما كسب يعني ولده لأن ولد الإنسان من كسبه، كما جاء في الحديث
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم "** أخرجه التّّرمذي ثم أوعده بالنّار فقال تعالى: { سيصلى ناراً ذات لهب } أي ناراً تلتهب عليه { وامرأته } يعني أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وكانت في نهاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. { حمالة الحطب } قيل كانت تحمل الشّوك، والحسك والعضاه باللّيل، فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس فإن قلت إنها كانت من بيت العز والشرف فكيف يليق بها حمل الحطب؟ قلت يحتمل أنها كانت مع كثرة مالها، وشرفها في نهاية البخل والخسة، فكان يحملها بخلها على حمل الحطب بنفسها، ويحتمل أنها كانت تفعل ذلك لشدّة عداوتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ترى أنها تستعين في ذلك بأحد بل تفعله هي بنفسها، وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقي العداوة بين النّاس وتوقد نارها، كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به، وقيل حمالة الخطايا والآثام التي حملتها في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها كانت كالحطب في مصيرها إلى النار. { في جيدها } أي عنقها { حبل من مسد } قال ابن عباس: سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً تدخل من فيها، وتخرج من دبرها، ويكون سائرها في عنقها. فتلت من حديد فتلاً محكماً وقيل هو حبل من ليف، وذلك الحبل هو الذي كانت تحتطب به، فبينما هي ذات يوم حاملة الحزمة أعيت، فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك، فجذبها من خلفها، فأهلكها، وقيل هو حبل من شجر ينبت باليمن يقال له المسد، وقيل قلادة من ودع، وقيل كانت لها خرزات في عنقها، وقيل كانت لها قلادة فاخرة. قالت لأنفقنها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) | وتقدم الكلام على التباب في سورة غافر، وهنا قال ابن عباس: خابت، وقتادة: خسرت، وابن جبير: هلكت، وعطاء: ضلت، ويمان بن رياب: صفرت من كل خير، وهذه الأقوال متقاربة في المعنى. وقالوا فيما حكى إشابة: أم تابة: أي هالكة من الهرم والتعجيز. وإسناد الهلاك إلى اليدين، لأن العمل أكثر ما يكون بهما، وهو في الحقيقة للنفس، كقوله:**{ ذلك بما قدمت يداك }** [الحج: 10] وقيل: أخذ بيديه حجراً ليرمي به الرسول صلى الله عليه وسلم، فأسند التب إليهما. والظاهر أن التب دعاء، وتب: إخبار بحصول ذلك، كما قال الشاعر:
| **جزاني جزاه الله شرّ جزائه** | | **جزاء الكلاب العاويات وقد فعل** |
| --- | --- | --- |
ويدل عليه قراءة عبد الله: وقد تب. روي أنه لما نزل:**{ وأنذر عشيرتك الأقربين }** [الشعراء: 214] قال: **" يا صفية بنت عبد المطلب، يا فاطمة بنت محمد، لا أغني لكما من الله شيئاً، سلاني من مالي ما شئتما ثم صعد الصفا، فنادى بطون قريش: يا بني فلان يا بني فلان. وروي أنه صاح بأعلى صوته: «يا صباحاه». فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم: «أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟» قالوا: نعم، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فافترقوا عنه، ونزلت هذه السورة "** وأبو لهب اسمه عبد العزى، ابن عم المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن محيصن وابن كثير: أبي لهب بسكون الهاء، وفتحها باقي السبعة ولم يختلفوا في ذات لهب، لأنها فاصلة، والسكون يزيلها على حسن الفاصلة. قال الزمخشري: وهو من تغيير الأعلام، كقولهم: شمس مالك بالضم. انتهى، يعني: سكون الهاء في لهب وضم الشين في شمس، ويعني في قول الشاعر:
| **وإني لمهد من ثنائي فقاصد** | | **به لابن عمي الصدق شمس بن مالك** |
| --- | --- | --- |
فأما في لهب، فالمشهور في كنيته فتح الهاء، وأما شمس بن مالك، فلا يتعين أن يكون من تغيير الأعلام، بل يمكن أن يكون مسمى بشمس المنقول من شمس الجمع، كما جاء أذناب خيل شمس. قيل: وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه، ولم يذكره تعالى باسمه لأن اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية، أو لأن الكنية كانت أغلب عليه من الاسم؛ أو لأن مآله إلى النار، فوافقت حالته كنيته، كما يقال للشرير: أبو الشر، وللخير أبو الخير؛ أو لأن الاسم أشرف من الكنية، فعدل إلى الأنقص؛ ولذلك ذكر الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم ولم يكنّ أحداً منهم.
والظاهر أن ما في { ما أغنى عنه ماله } نفي، أي لم يغن عنه ماله الموروث عن آبائه، وما كسب هو بنفسه أو ماشيته، وما كسب من نسلها ومنافعها، أو ما كسب من أرباح ماله الذي يتجر به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ويجوز أن تكون ما استفهاماً في موضع نصب، أي: أيّ شيء يغني عنه ماله على وجه التقرير والإنكار؟ والمعنى: أين الغني الذي لماله ولكسبه؟ والظاهر أن ما في قوله: { وما كسب } موصولة، وأجيز أن تكون مصدرية. وإذا كانت ما في { ما أغنى } استفهاماً، فيجوز أن تكون ما في { وما كسب } استفهاماً أيضاً، أي: وأي شيء كسب؟ أي لم يكسب شيئاً. وعن ابن عباس: { وما كسب } ولده.
وفي الحديث: **" ولد الرجل من كسبه "** وعن الضحاك: { وما كسب } هو عمله الخبيث في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم. وعن قتادة: وعمله الذي ظن أنه منه على شيء. وروي عنه أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي. وقرأ عبد الله: وما اكتسب بتاء الافتعال. وقرأ أبو حيوة وابن مقسم وعباس في اختياره، وهو أيضاً سيصلى بضم الياء وفتح الصاد وشد اللام، ومريئته؛ وعنه أيضاً: ومريته على التصغير فيهما بالهمز وبإبدالها ياء وإدغام ياء التصغير فيها. وقرأ أيضاً: حمالة للحطب، بالتنوين في حمالة، وبلام الجر في الحطب. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق: سيصلى بضم الياء وسكون الصاد؛ وأبو قلابة: حاملة الحطب على وزن فاعلة مضافاً، واختلس حركة الهاء في وامرأته أبو عمرو في رواية؛ والحسن وزيد بن علي والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن محيصن وعاصم: حمالة بالنصب.
وقرأ الجمهور: { سيصلى } بفتح الياء وسكون الصاد، { وامرأته } على التكبير، { حمالة } على وزن فعالة للمبالغة مضافاً إلى الحطب مرفوعاً، والسين للاستقبال وإن تراخى الزمان، وهو وعيد كائن إنجازه لا محالة. وارتفع { وامرأته } عطفاً على الضمير المستكن في { سيصلى } ، وحسنه وجود الفصل بالمفعول وصفته، و { حمالة } في قراءة الجمهور خبر مبتدأ محذوف، أو صفة لامرأته، لأنه مثال ماض فيعرف بالإضافة، وفعال أحد الأمثلة الستة وحكمها كاسم الفاعل. وفي قراءة النصب، انتصب على الذم. وأجازوا في قراءة الرفع أن يكون { وامرأته } مبتدأ، وحمالة، واسمها أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت عوراء. والظاهر أنها كانت تحمل الحطب، أي ما فيه شوك، لتؤذي بإلقائه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتعقرهم، فذمت بذلك وسميت حمالة الحطب، قاله ابن عباس. فحمالة معرفة، فإن كان صار لقباً لها جاز فيه حالة الرفع أن يكون عطف بيان، وأن يكون بدلاً. قيل: وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنشرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة والسدي: كانت تمشي بالنميمة، ويقال للمشاء بها: يحمل الحطب بين الناس، أي يوقد بينهم النائرة ويورث الشر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قال الشاعر:
| **من البيض لم يصطد على ظهر لامه** | | **ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب** |
| --- | --- | --- |
جعله رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر. وقال الراجز:
| **إن بني الأرزم حمالو الحطب** | | **هم الوشاة في الرضا وفي الغضب** |
| --- | --- | --- |
وقال ابن جبير: حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم: يحطب على ظهره. قال تعالى: { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } [الأنعام: 31]. وقيل: الحطب جمع حاطب، كحارس وحرس، أي يحمل الجناة على الجنايات، والظاهر أن الحبل من مسد. وقال عروة بن الزبير ومجاهد وسفيان: استعارة، والمراد سلسلة من حديد في جهنم. وقال قتادة: قلادة من ودع. وقال ابن المسيب: قلادة فاخرة من جوهر، فقالت: واللات والعزى لأنفقنها على عداوة محمد. قال ابن عطية: وإنما عبر عن قلادتها بحبل من مسد على جهة التفاؤل لها، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث، انتهى. وقال الحسن: إنما كانت خرزاً. وقال الزمخشري: والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال، وأنها تحمل الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها، كما يفعل الحطابون تخسيساً لحالها وتحقيراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة. ولقد عير بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بحمالة الحطب، فقال:
| **ماذا أردت إلى شتمي ومنقصتي** | | **أم ما تعير من حمالة الحطب** |
| --- | --- | --- |
| **غرساء شاذخة في المجد سامية** | | **كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب** |
ويحتمل أن يكون المعنى: إن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك، فلا يزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجر الزقوم أو الضريع، وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار، كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه، انتهى.
ولما سمعت أم جميل هذه السورة أتت أبا بكر، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وبيدها فهر، فقالت: بلغني أن صاحبك هجاني، ولأفعلنّ وأفعلن؛ وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فروي أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، قال لها: هل تري معي أحداً؟ فقالت: أتهزأ بي؟ لا أرى غيرك. وإن كان شاعراً فأنا مثله أقول:
| **مذمماً أبينا** | | **ودينه قلينا** |
| --- | --- | --- |
| **وأمـره عصينـا** | | |
فسكت أبو بكر ومضت هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لقد حجبتني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها "** وذكر أنها ماتت مخنوقة بحبلها، وأبو لهب رماه الله تعالى بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) | القراءات { أبي لهب } بسكون الهاء: ابن كثير { سيصلى } بضم الياء: البرجمي { حمالة } بالنصب: عاصم { جيدها } ممالة: نصير.
الوقوف: { وتب } ه { كسب } ه { لهب } ج ه لاحتمال كون { وامرأته } مبتدأ خبره { حمالة الحطب } أو { في جيدها } إلى آخره واحتمال كونه عطفاً على ضمير { سيصلى } والأوجه الوصل { وامرأته } ه لمن قرأ { حمالة } بالنصب على الذم، ويجوز الوقف لمن قرأ بالرفع أيضاً على تقدير هي حمالة الحطب. ومن قرأ { حمالة } بالنصب فله أن يصل { ذات لهب } بما بعده ويقف على { مسد } { مسد } ه.
التفسير: لما أخبر عن فتح الولي وهو النبي صلى الله عليه وسلم نبه على مآل حال العدو في الدارين. قال ابن عباس: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتم أمره في أول المبعث ويصلي في شعاب مكة ثلاث سنين إلى أن نزل قوله { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214] فصعد الصفا ونادى: يا آل غالب فخرجت إليه من المسجد. فقال أبو لهب: هذه غالب قد أتتك فما عندك؟ ثم نادى يا آل لؤي فرجع من لم يكن من لؤي فقال: هذه لؤي قد أتتك فما عندك؟ فقال يا آل - كلاب ثم قال بعده: يا آل قصي فقال أبو لهب: هذه قصي قد أتتك فما عندك، ثم قال: إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين وأنتم الأقربون، إني لا أملك لكم من الدنيا حظاً ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله فأشهد لكم بها عند ربكم. فقال أبو لهب عليه اللعنة: تباً لك ألهذا دعوتنا؟ فنزلت السورة "** وقيل: **" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أعمامه وقدم إليهم طعاماً في صحفة فاستحقروه وقالوا: إن أحدنا يأكل الشاة فقال: كلوا فأكلوا فشبعوا ولم ينتقص من الطعام إلا قليل. ثم قالوا فما عندك؟ فدعاهم إلى الإسلام. فقال أبو لهب ما قال "** وروي أنه قال أبو لهب: **" فما لي إن أسلمت؟ فقال: ما للمسلمين. فقال: أفلا أفضل عليهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وبماذا تفضل؟ فقال: تباً لهذا الدين الذي يستوي فيه أنا وغيري فنزلت { تبت يدا أبي لهب } "** التباب الهلاك كقوله**{ وما كيد فرعون إلا في تباب }** [غافر: 37] وقيل: الخسران المفضي إلى الهلاك. وقيل: الخيبة. وقال ابن عباس: لأنه كان يدفع قائلاً إنه ساحر فينصرفون عنه قبل لقائه لأنه كان شيخ القبيلة وكان له كالأب فكان لا يتهم، فلما نزلت السورة وسمع بها غضب وأظهر العداوى الشديدة فصار متهماً فلم يقبل قوله في الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فكأنه خاب سعيه وبطل غرضه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قالوا: ولعله إنما ذكر اليد لأنه كان يضرب بيده على كتف الوافد عليه فيقول: انصرف راشداً فإنه مجنون. ويروى أنه أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن طارق المحاربي أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ورجل خلفه يرميه بالحجارة وقد ادمى عقيبة وقال: لا تطيعوه إنه كذاب. فقلت: من هذا؟ فقالوا: محمد وعمه أبو لهب. وقال أهل المعاني: أراد باليدين الجملة كقوله**{ ذلك بما قدّمت يداك }** [الحج: 10] لأن أكثر الأعمال إنما تعمل باليد، فاليمين كالسلاح واليسار كالجنة، بالأولى يجر المنفعة وبالأخرى يدفع المضرة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما دعاه نهاراً فأبى ذهب إلى داره ليلاً مستناً بسنة نوح ليدعوه ليلاً كما دعاه نهاراً، فلما دخل عليه قال له: جئتني معتذراً. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم أمامه كالمحتاج وجعل يدعوه إلى الإسلام وقال: ن كان يمنعك العار فأجبني في هذا الوقت واسكت. فقال: لا أومن بك أو يؤمن هذا الجدي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجدي. من أنا؟ فقال: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلق لسانه يثني عليه فاستولى الحسد على أبي لهب وأخذ يدي الجدي ومزقه وقال: تباً لك أثر فيك السحر. فقال الجدي: بل تبت يدالك فنزلت السورة على وفق ذلك لتمزيقه يدي الحيوان الشاهد بالحق الناطق بالصدق. وفي ذكر أبي لهب بالكنية الدالة على التعظيم المنبئة عن شبهة الكذب إذ لم يكن له ولد مسمى بلهب وجوه منها: أن الكنية قد تصير اسماً بالغلبة فلا تدل على التعظيم، وإيهام الكذب منتف لأنهم يريدون بها التفاؤل فلا يلزم منه أن يحصل له ولد يسمى بلهب. ومناه أن اسمه كان عبد العزي فكان الاحتراز عن ذكره أولى. ومنها أنه إشارة إلى أنه من أهل النار كما يقال " أبو الخير " لمن يلازمه. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه " يا أبا تراب " لتراب لصق بظهره. وقيل: سمي بذلك لتلهب وجنتيه فسماه الله تعالى بذلك تهكماً ورمزاً إلى مآل حاله وفي قوله { سيصلى ناراً ذات لهب } قال أهل الخطابة: إنام لم يقل في أوّل هذه السورة " قل تبت " كما قال**{ قل يا أيها الكافرون }** [الكافرون: 1] لئلا يشافه عمه بما يشتد غضبه رعاية للحرمة وتحقيقاً لقوله**{ فبما رحمة من الله لنت لهم }** [آل عمران: 159] وأيضاً إن الكفار في تلك السورة طعنوا في الله فقال الله: يا محمد أجبهم عني**{ قل يا أيها الكافرون }** [الكافرون: 1] وفي هذ السورة طعنوا في حق محمد صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى اسكت أنت فإنيّ أشتمهم { تبت يدا أبي لهب } وفيه تنبيه على أن الذي لا يشافه السفيه كان الله ذاباً عنه وناصراً له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
يروى أن أبا بكر كان يؤذيه واحد فبقي ساكتاً فجعل الرسول يذبه عنه ويزجر ذلك المؤذي فشرع أبو بكر في الجواب فسكت الرسول فقال أبو بكر: ما السبب في ذلك؟ فقال: لإنك حين كنت ساكتاً كان الملك يجيب عنك، فلما شرعت في الجواب انصرف الملك وجاء الشيطان. قال أبو الليث: اللهب واللهب لغتان كالنهر والنهر ولكن الفتح أوجه، ولهذا قرأ به أكثر القراء. وأجمعوا في قوله { ذات لهب } على الفتح رعاية للفاصلة. وفي دفع التكرار عن قوله { وتب } وجوه منها: أن الأول دعاء والثاني إخبار ويؤيده قراءة ابن مسعود و " قد تب " ، ومنها أن الأول إخبار عن هلاك عمله لأن المرء إنما يسعى لمصلحة نفسه باليد، والثاني إخبار عن هلاك نفسه وهو قول أبي مسلم. وقيل: الأول إهلاك ما له فقد يقال للمال ذات اليد، والآخر هلاك نفسه وهو قول أبي مسلم. وقيل: الأول نفسه والثاني ولده عتبة على ما روي أن عتبة ابن أبي لهب خرج إلى الشام مع ناس من قريش فلما هموا أن يرجعوا قال لهم عتبة: بلغوا عني محمداً أني كفرت بالنجم إذا هوى. وروى أنه قال ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفل في جهه وكان مبالغاً في عداوته فقال: الله سلط عليه كلباً من كلابك. فوقع الرعب في قلب عتبة وكان يحترز دائماً فسار ليلة من الليالي إلى قريب من الصبح فقال له أصحابه: هلكت الركاب. فما زالوا به حتى نزل وهو مرعوب فأناح الإبل حوله كالسرادق فسلط الله الأسد وألقى السكينة على الإبل فجعل الأسد يتخلل حتى افترسه. فقوله { تبت } قبل هذه الواقعة على عادة إخبار الله تعالى في جعل المستقبل كالماضي المحقق. والفرق بين المال والكسب من وجوه أحدها: أن المال عني به رأس المال والمكسوب هو الربح. وثانيها أراد الماشية والذي كسبه من نسلها وكان صاحب النعم والنتاج. وثالثها أريد ماله الموروث والذي كسبه بنفسه. وعن ابن عباس: المكسوب الولد لقوله صلى الله عليه وسلم **" إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه "** روي أنه لما مات تركه أبناؤه ليلتين أو ثلاثاً حتى أنتن في بيته لعلة كانت به خافوا عدواها. وقال الضحاك وقتادة: ما ينفعه ماله وعمله الخبيث يعني كيده في عداوة الرسول وسائر أعماله التي ظن أنه منها على شيء كقوله**{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل }** [الفرقان: 23] وفي قوله { أغنى } بلفظ الماضي تأكيد وتحقيق على عادة إخبار الله تعالى وقد زاده تأكيداً بقوله { سيصلى ناراً ذات لهب } وطالما استدل به أهل السنة في وقوع تكليف ما لا يطاق قائلين إنه تعالى كلف أبا لهب بالإيمان، ومن جملة الإيمان تصديق الله في كل ما أخبر عنه، ومما خبر عنه أنه لا يؤمن وأنه من أهل النار، فقد صار مكلفاً بأن يؤمن وبأن لا يؤمن وهو تكليف بالجمع بين النقيضين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأجيب بأنه كلف بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لا بتصديقه وعدم تصديقه حتى يجتمع النقيضان، وغاية ذلك أنهم كلفوا بالإيمان بعد علمهم بأنهم لا يؤمنون وليس فيه إلا انتفاء فائدة التكليف، لأن فائدة التكليف بما علم الله لا يكون هو الابتلاء وإلزام الحجة وهذا لا يتصور بعد أن يعلم المكلف حاله من امتناع صدور الفعل عنه، والتكليف من غير فائدة جائز عندكم لأن أفعاله تعالى غير معللة بغرض وفائدة على معتقدكم. ثم إن امرأة أبي لهب أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية كانت في غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن المفسرين من قال: كانت تحمل الشوك والحطب وتلقيهما بالليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، فلعلها مع كونها من بيت العز كانت خسيسة أو كانت لشدة عداوتها تحمل بنفسها الشوك والحطب لتلقيه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم من هؤلاء من زعم أن الحبل اشتد في جيدها فماتت بسبب الاختناق، فقوله { في جيدها حبل من مسد } يحتمل على هذا أن يكون دعاء عليها وقد وقع كما أريد وكان معجزاً. ومنهم من قال: عيرها بذلك تشبيهاً لها بالحطابات وإيذاء لها ولزوجها. وعن قتادة أنها كانت تعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر فعيرها بأنها كانت تحتطب. والأكثرون على أن المراد بقوله { حمالة الحطب } أنها كانت تمشي بالنميمة يقال للنمام المفسد بين الناس إنه يحمل الحطب بينهم أي يوقد بينهم النائرة. ويقال للمكثار هو كحاطب ليل. وقال أبو مسلم وسعيد بن جبير: أراد ما حملت من الآثام في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان كالحطب في مصيره إلى النار نظيره**{ فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً }** [الأحزاب: 58]**{ وليحملن أثقالهم }** [العنكبوت: 13] **" يروى عن أسماء أنه لما نزلت السورة جاءت أم جميل ولها ولولة وبيدها حجر فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر وهي تقول: مذمماً قلينا. ودينه أبينا. وحكمه عصينا فقال أبو بكر: يا رسول الله قد أقبلت إليك فأنا أخاف أن تراك. فقال صلى الله عليه وسلم: إنها لا تراني وقرأ { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } [الإسراء:45] فقالت لأبي بكر: قد ذكر لي أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر: لا ورب الكعبة ما هجاك "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قالت العلماء: لعل أبا بكر عني بذلك أن الله تعالى قد هجاها ولم يهجها الرسول، أو اعتقد أن القرآن لا يسمى هجواً. ثم إن أم جميل ولت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها. قال الواحدي: المسد في كلام العرب الفتل. يقال: مسد الحبل مسداً إذا أجاد فتله. ورجل ممسود إذا كان مجدول الخلق. والمسد بالتحريك ما مسد أي فتل من أي شيء كان كالليف والخوص وجلود الإبل والحديد. وقد عرفت معنى قوله { في جيدها حبل من مسد } على رأي بعض أهل التفسير. وقال الآخرون: المعنى أن حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها في المعنى عند النميمة، أو في الظاهر حين كانت تحمل الحزمة من الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم وفي جيده حبل من سلاسل النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) | في «صحيح البخاري» وغيرِه عن ابن عباس: **" لَمَّا نَزَلَتْ: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء:214] ورهطك منهم المخلصين خَرَجَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهُ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فٱجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هٰذَا الجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؛ قَالُوا: نَعَمْ؛ مَا جَرَّيْنَا عَلَيْكَ كَذِباً، قَالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبّاً لَكَ، مَا جَمَعْتَنَا إلاَّ لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ: { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } إلَىٰ آخرها "** ، و { تَبَّتْ } معناه: خَسِرَتْ والتَّبابُ الخُسْرَانُ، والدَّمَارُ، وأسْنَدَ ذلك إلى اليدينِ من حيثُ إنَّ اليَدَ مَوضِعُ الكَسْبِ والرِّبْحِ، وضَمِّ مَا يُمْلَكُ، ثم أوْجَبَ عليه أنه قَدْ تَبَّ، أي: حُتِّمَ ذَلِكَ عَلَيْه، وفي قراءة ابن مسعود: «وقَدْ تَبَّ»، وأبو لَهَبٍ هو عَبْدُ العُزَّى بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وهو عمُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولكن سَبَقَتْ له الشقاوةُ، قال السهيليّ: كَنَّاهُ اللَّه بأبي لهبٍ لَمَّا خَلَقَهُ سبحانَه لِلَّهَبِ وإليه مصيرُه ألا تَرَاهُ تعالى، قال: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } فَكَانَتْ كُنْيَتُه بأبي لَهَبٍ تَقَدَّمَتْ لِمَا يصيرُ إليه من اللهبِ، انتهى.
وقوله سبحانه: { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } يحتملُ أن تَكُونَ «ما» نافيةً عَلَى معنى الخبرِ، ويحتملُ أنْ تكون «ما» استفهاميةً عَلَى وَجْهِ التقريرِ أي: أينَ الغَنَاءُ الذي لِمَالِه وَكَسْبهِ، { وَمَا كَسَبَ } يُرَادُ به عَرَضُ الدنيا، من عَقَارٍ، ونحوه، وقيل: كَسْبُه بَنُوه.
وقوله سبحانه: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } حَتْمٌ عَلَيْهِ بِالنارِ وإعْلاَمٌ بأنه يَتَوَفَّى على كفرِه، نعوذُ باللَّهِ من سوءِ القَضَاءِ ودَرْكِ الشقاءِ.
وقوله تعالى: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } هي أمَّ جميلٍ أخْتُ أبي سفيانَ بن حرب، وكانت مؤْذِيةً للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنينَ بلسانِها وغايةِ قُدْرَتِها، وكانَتْ تَطْرَحُ الشّوْكَ في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه لِيَعْقِرَهم؛ فلذلكَ سُمِّيتْ حَمَّالَةَ الحَطَبِ؛ قاله ابن عباس، وقيل هو استعارةٌ لذنوبِها، قال عياض: وذكر عَبْدُ بن حُمَيْدٍ قال: كَانَتْ حمالَة الحطبِ تَضَعُ العِضَاهَ، وَهِي جَمْرٌ عَلَىٰ طَرِيقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فكأنَّما يَطَؤُهَا كَثِيباً أَهْيَلَ، انتهى، \* ص \*: وقُرِىءَ شاذًّا: «وَمُرَيْئَتُهُ» بالتصغيرِ، والجيدُ هُو العُنُقُ، انتهى.
وقوله تعالى: { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال ابنُ عباس وجماعة: الإشَارَةُ إلى الحبلِ حَقِيقَةٌ، الذي رَبَطَتْ به الشوكَ، والمَسَدُ: الليفُ، وقِيلَ ليفُ المُقْلِ، وفي «صحيحِ البخاري»: يُقَالُ مِنْ مسد لِيف المُقْلِ وهي السلسلةُ الَّتِي في النارِ، انتهى، ورُوِي في الحديثِ أنَّ هذهِ السورةَ لما نزلتْ وقُرِئَتْ؛ بَلَغَتْ أُمَّ جميلٍ فَجَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ جَالسٌ معَ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجدِ وَبِيَدِهَا فِهْرُ حَجَرٍ، فأخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا وقَالَتْ: يا أبا بكرٍ؛ بَلَغَنِي أنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي، وَلَوْ وَجَدْتُه لَضَرَبْتُه بِهَذَا الفِهْرِ، وإنّي لَشَاعِرَة وَقْد قلت فيه [منهوك الرجز]
| **مُذَمَّمـــاً قَلَيْنَـــا** | | **وَدِينَـــهُ أَبَيْنَــــا** |
| --- | --- | --- |
فَسَكَتَ أبو بكرٍ، ومضتْ هي، فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ حَجَبَتْنِي عَنْهَا مَلاَئِكَةٌ فَمَا رَأَتْنِي وَكَفَانِيَ اللَّهُ شَرَّهَا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) | قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، أي: خسرت. وتقدم تفسير هذه المادة في سورة غافر عند قوله:**{ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }** [غافر: 37]، وأسند الفعل إلى اليدين مجازاً؛ لأن أكثر الأفعال تزاول بهما، وإن كان المراد جملة المدعو عليه.
وقوله: { تَبَّتْ } دعاء، { وَتَبَّ } إخبار، أي: قد وقع ما دعي به عليه؛ كقول الشاعر: [الطويل]
| **5341- جَزانِي، جَزَاهُ اللهُ شَرَّ جزَائِـه** | | **جَزاءَ الكِلابِ العَاويَاتِ وقَدْ فعلْ** |
| --- | --- | --- |
ويؤيده قراءة عبد الله: " وقَدْ تبَّ " ، والظَّاهر أنَّ كليهما دعاء، ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص؛ لأن اليدين بعض، وإن كان حقيقة اليدين غير مراد.
وقيل: كلاهما إخبار، أراد بالأول: هلاك عمله، وبالثاني: هلاك نفسه، وإنما عبر باليدين؛ لأن الأعمال غالباً تُزاول بهما.
وقيل: المراد باليدين نفسه وقد يعبر باليد عن النفس، كقوله تعالى:**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج: 10]، أي نفسك، وهذا شائع في كلام العرب يعبّرون ببعض الشيء عن كله، يقولون: أصابه يد الدهر، ويد المنايا، والرزايا، أي: أصابه كل ذلك.
قال الشاعر: [مخلع البسيط]
| **5342- لمَّـا أكبَّـتْ يَـدُ الرَّزَايَـا** | | **عَليْـهِ نَـادَى ألاّ مُجِيـرُ** |
| --- | --- | --- |
وقال ابن الخطيب: وعبر باليدين، إما لأنه كان يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وقيل: المراد دينه، ودنياه وأولاده، وعقباه، أو المراد بأحدهما جر المنفعة، وبالأخرى: دفع المضرة، أو لأن اليمين سلاح، والأخرى جُنَّة.
وقل: بمعنى ماله، وبنيه، " وتَبَّ " هو نفسه وقيل: " تبَّ " يعني ولده وعقبه، وهو الذي دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: **" اللَّهمَّ سلِّط عليْهِ كَلباً من كِلابِكَ "** لشدة عداوته، فافترسه الأسد.
وقرأ العامة: " لَهَب " بفتح الهاء، وابن كثير: بإسكانها.
فقيل: هما لغتان بمعنى نحو: النَّهَر والنَّهْر، والشَّعَر والشَّعْر، والبَعَر والبَعْر، والضَّجَر والضَّجْر.
وقال الزمخشري: " وهو من تغيير الأعلام، كقوله: شمس بن مالك، بالضم " ، يعني أن الأصل: بفتح الشين فغيرت إلى الضم.
ويشير بذلك لقول الشاعر: [الطويل]
| **5343- وإنِّي لمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَعاهِدٌ** | | **بِهِ لابْنِ عَمِّ الصِّدْقِ شُمْسِ بْنِ مَالِكِ** |
| --- | --- | --- |
وجوز أبو حيان في " شمس " أن يكون منقولاً من " شمس " الجمع، كما جاء " أذناب خيل شمس " ، فلا يكون من التغيير في شيء.
وكني بذلك أبو لهب: إما لالتهاب وجنتيه، وكان مشرق الوجه، أحمرهُ، وإما لما يئول إليه من لهب جهنم، كقولهم: أبو الخير، وأبو الشر، لصدورهما منه، وإما لأن الكنية أغلب من الاسم، أو لأنها أنقص منه، ولذلك ذكر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بأسمائهم جدون كُناهم، أو لقُبحِ اسمه؛ لأن اسمه عبد العُزَّى، فعدل عنه إلى الكنية؛ لأن الله لم يضف العبودية في كتابة إلى صنم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: اسمه أبو لهب، كما سمي أبو سفيان، وأبو طالب.
وقال الزمخشريُّ: فإن قلت: لم أكناه، والكنية تكرمه؟.
ثم ذكر ثلاثة أجوبة: إما لشهرته بكنيته، وإما لقبح اسمه كما تقدم، وإما لتجانس قوله: " ناراً ذات لهبٍ " لأن مآله إلى لهب جهنم. انتهى.
وهذا يقتضي أن الكنية أشرف، وأكمل لا أنقص، وهو عكس القول الذي تقدم آنفاً.
وقرئ: " يَدَا أبُو لهبٍ " بالواو مكان الجر.
قال الزمخشري: " كما قيل: علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان، لئلاَّ يغير منه شيء، فيشكل على السامع، ولفليتة بن قاسم أمير " مكة " ابنان: أحدهما: " عبدِ الله " بالجر، والآخر " عبدَ الله " بالنصب ".
ولم يختلف القراء في قوله: " ذَات لهب " أنها بالفتح. والفرق أنها فاصلة، فلو سكنت زال التشاكل.
[قال قتادة: تبت خسرت.
وقال ابن عباس: خابت.
وقال عطاء: ضلت.
وقال ابن جبير: هلكت. وقال يمان بن رئاب: صفرت من كل خير].
فصل في نزول الآية
حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، أنه لما قتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - سمع الناس هاتفاً يقول: [مجزوء الوافر]
| **5344- لَقدْ خَلَّوكَ وانْصَـرفُـوا** | | **فَمَـا آبُـوا وَلا رَجعُـوا** |
| --- | --- | --- |
| **ولَـمْ يُـوفُـوا بِنـذْرِهِـمُ** | | **فَيَـا تَبًّـا لِمَـا صَنَعُـوا** |
فصل في نزول السورة
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: **" لما نزلت: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى صعد الصَّفا، فهتف: يا صباحاه فقالوا: من هذا الذي يهتف؟.** **قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال: " يَا بَنِي فُلانٍ يَا بَنِي فُلانِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنافٍ، يا بني عبد المُطَّلب " ، فاجتمعوا إليه: فقال: " أرَأيْتُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً تَخرجُ بسفحِ هذا الجَبلِ، أكُنْتُمْ مُصدِّقِيّ "؟.** **قالوا: ما جرَّبنا عليك كذباً، قال: " فإنِّي نذيرٌ لكُم بينَ يدي عذاب شديدٍ " ، فقال أبُو لهبٍ: تبَّا لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة ".** وفي رواية: لما سمعت أمرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - وفي يدها فهر من حجارة، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربتُ بهذا الفهر فاهُ؛ والله إني لشاعرة: [منهوك الرجز]
| **5345- مُـذمَّـمـاً عَـصـيْـنَـا** | | **وأمْـرهُ أبَـيْـنَـا** |
| --- | --- | --- |
| **ودِينَـهُ قَـلَـيـنَـا** | | |
ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله, **" أما تراها رأتك؟ قال: " مَا رأتْنِي, لقَدْ أخَذَ اللَّهُ بَصرهَا عَنِّي ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمماً، ثم يسبونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: **" ألا تعجبون لما صرف الله تعالى عني من أذى كفار قريش يسبون ويهجون مذمماً وأنا محمد رسول الله ".** وحكى أبو عبد الرحمن بن زيد: **" أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد؟ قال: " كَمَا يُعطَى المُسلمُونَ " قال: ما لي عليهم فضل؟.** **قال: وأيَّ شيءٍ تَبْغِي؟ قال: تبًّا لهذا من دينٍ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء. فأنزل الله تعالى فيه: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ".** وحكى عبد الرحمن بن كيسان قال: كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفد، انطلق إليهم أبو لهب، فيسألونه عن رسول الله ويقولون له: أنت أعلم به منا، فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر، فيرجعون عنه، ولا يلقونه فأتى وفد، ففعل معهم مثل ذلك، فقالوا: لا ننصرف حتى نراه، ونسمع كلامه، فقال لهم أبو لهبٍ: إنا لم نزل نعالجه، فتبَّا له وتعساً، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتأب لذلك، فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لهَبٍ }.
وقيل: إن أبا لهبٍ أراد أن يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر، فمنعه الله تعالى من ذلك، فنزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } للمنع الذي وقع فيه.
فصل في تفسير التَّبِّ
قال ابن الخطيب: من فسر التبَّ بالهلاك، فلقوله تعالى:**{ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }** [غافر: 37]، أي: في هلاك، ومن فسَّره بالخسران، فلقوله تعالى:**{ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }** [هود: 101]، أي: تخسير، ومن فسره بالخيبة، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: لأنه كان يدفع القوم عنه صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، فينصرفون عنه قبل لقائه؛ لأنه كان شيخ القبيلة - لعنه الله - فكان لا يأتيهم، فلما نزلت هذه السورة، وسمع بها غضب، وأظهر العداوة الشديدة، وصار مُتَّهماً، فلما قال في الرسول - عليه الصلاة والسلام - بعد ذلك، فكأنه قد خاب لسعيه، ولعله إنما ذكر التب؛ لأنه إنما كان يضرب بيده على يد الوافد عليه، فيقول: انصرف راشداً فإنه مجنون، فإن المعتاد أن من يصرف إنساناً يضع بيده على كتفه، ويدفعه عن ذلك الموضع.
ومن فسر التبَّ بقوله: ضلت، فلأنه كان يعتقد أن يده العليا، وأنه يخرجه من " مكَّة " ، ويذلّه، ومن فسره: بـ " صَفرَتْ " فلأن يده خلت من كل خير.
فصل في ترجمة أبي لهب
أبو لهب: اسمه عبد العُزَّى بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وامرأته: العوراء أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب، وكلاهما كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال طارق بن عبد الله المحاربي: إني بسوق ذي المجاز، إذ أنا بإنسان يقول: " يا أيُّها النَّاسُ، قولوا: لا إلهَ إلاَّ اللهَ تُفلِحُوا " وإذا رجل خلفه يرميه، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه، ويقول: يا أيها الناس، إنه كذاب ساحر، فلا تصدقوه، فقلت: من هذا؟.
فقالوا: محمد، يزعم أنه نبيّ، وهو عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب.
وروى عطاء عن ابن عباس قال: قال أبو لهب: سحركم محمد، إن أحدنا ليأكلُ الجذعة، ويشرب العُسّ من اللبن، فلا يشبع، وإن محمداً قد أشبعكم من فخذِ شاةٍ، وأرواكم من عُسِّ لبن.
قوله: { مَآ أَغْنَىٰ }. يجوز في " مَا " النَّفي، والاستفهام، فعلى الاستفهام يكون منصوب المحل بما بعدها، التقدير: أي شيء أغنى المال، وقدم لكونه له صدر الكلام.
وقوله: { وَمَا كَسَبَ }: يجوز في " مَا " هذه أن تكون بمعنى " الَّذي " ، والعائد محذوف، وأن تكون مصدرية، أي: وكسبه، وأن تكون استفهامية: بمعنى وأي شيء كسب؛ أي: لم يكسب شيئاً، قاله أبو حيان، فجعل الاستفهام بمعنى النفي، فعل هذا يجوز أن تكون نافية، ويكون المعنى على ما ذكر، وهو غير ظاهر.
وقرأ ابن مسعود والأعمش: " وما اكتسبَ ".
فصل في معنى الآية
المعنى: ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من المال، ولا ما كسب من الجاه. وقال مجاهد: وما كسب من مال، وولد الرجل من كسبه.
وقال أبو الطفيل: جاء بنو أبي لهب يختصمون عند ابن عباس - رضي الله عنه - فاقتتلوا، فقام يحجز بينهم، فدفعه بعضهم فوقع على الفراشِ، فغضب ابن عباس، وقال: أخرجوا عنِّي الكسب الخبيثَ، يعني ولد أبي لهب.
وقال صلى الله عليه وسلم: **" إنَّ أطْيبَ ما أكَلَ الرجلُ من كسْبهِ ".** وقال ابن عباس: لما أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته بالنَّار، قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقَّا فإني أفدي نفسي بمالي وولدي، فنزل: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }.
قال الضحاك: ما أغنى عنه ماله ما ينفعه ماله، وعمله الخبيث: يعني كيده، وعداوة رسول الله.
قوله: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }.
قرأ العامة: " سَيَصْلَى " بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي: يصلى هو بنفسه.
وقرأ أبو حيوة، وابن مقسم، وعياش في اختياره؛ قال القرطبي: والأشهب العقيلي، وأبو سمال العدوي، ومحمد بن السميفع، " سَيُصلَّى " بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ومعناه سيصليه الله.
وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو رجاء، والأعمش، ورواها محبوب عن إسماعيل عن ابن كثير عن أبيّ - رضي الله عنه -، وحسين عن أبي بكر عن عاصمٍ: بضم الياء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ومعنى ذات لهب أي ذات اشتعال وتلهب، وقد تقدم القول فيه في سورة المرسلات.
قوله: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }.
قرأ العامة: بالرفع، على أنها جملة من مبتدأ وخبر، سيقت للإخبار بذلك.
قيل: وامرأته، عطف على الضمير في " سيصلى " سوغه الفصل بالمفعول، و " حمَّالة الحَطبِ " على هذا فيها أوجه: كونها نعتاً لـ " امرأته " ، وجاز ذلك لأن إضافته حقيقية، إذ المراد المعنى، وكونها: بياناً أو بدلاً، لأنها أقرب من الجوامد لتمحض إضافتها، أو كونها خبراً لمبتدأ مضمر أي: هي حمالةُ.
وقرأ ابن عباس - رضي الله عنهما -: ومريئته حمالة الحطب.
وعنه أيضاً: " ومريته " على التصغير، إلا أنه أقر الهمزة تارة، وأبدلها ياء، وأدغم فيها أخرى.
وقرأ العامة: " حَمَّالةُ " بالرفع، وعاصم: بالنصب على الشَّتم. وقد أتى بجميل من سبّ أم جميل.
قال الزمخشري: وكانت تكنى أم جميل، لعنها الله.
وقيل: نصب على الحال من " امرأته " إذا جعلناها مرفوعة بالعطف على الضمير.
ويضعف جعلها حالاً عند الجمهور من الضمير في الجار بعدها إذا جعلناها لـ " امْرَأتهُ " لتقدمها على العامل المعنوي، واستشكل بعضهم الحالية - لما تقدم - من أن المراد به المعنى، فتتعرف بالإضافة، فكيف يكون حالاً عند الجمهور؟.
ثم أجاب بأن المراد الاستقبال؛ لأنه ورد أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب النار، كما كانت تحمل الحطب في الدنيا.
وفي قوله تعالى: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قولان:
أحدهما: هو حقيقة.
قال قتادة: كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها، فعيرت بالبخل.
وقال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل العِضَاهَ، والشَّوك، فتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكان صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير.
وقال مُرَّة الهمذاني: كانت أم جميل - لعنها الله - تأتي كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحها على طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها الملك من خلفها فأهلكها.
القول الثاني: أنه مجاز عن المشي بالنميمة، ورمي الفتن بين الناس؛ قال: [الرجز]
| **5346- إنَّ بَنِـي الأدْرمِ حَمَّـالُـو الحطـبْ** | | **هُمْ الوشَاةُ في الرِّضَا وفي الغَضَبْ** |
| --- | --- | --- |
| **عليْهِمُ اللَّعْنَةُ تَتَرَى والحَرَبْ** | | |
وقال آخر: [الطويل]
| **5347- مِن البيضِ لَمْ تَصطَدْ عَلى ظَهْر لأمَةٍ** | | **لمْ تَمْشِ بَينَ الحَيِّ بالحطَبِ الرَّطبِ** |
| --- | --- | --- |
وجعله رطباً تنبيهاً على تدخينه، وهو غريب من ترشيح المجاز، يعني لم تمش بالنمام.
وقال سعيد بن جبيرٍ: حمالة الخطايا، والذنوب، من قولهم: فلان يحتطب ظهره.
قال تعالى:**{ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** [الأنعام: 31].
وقرأ أبو قلابة: " حاملة الحطب " على وزن " فاعلة " ، وهي محتملة لقراءة العامة، وقرأ عياض: " حمالة للحطب " بالتنوين وجر المفعول بلام زائدة تقوية للعامل كقوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }** [البروج: 16]، وأبو عمرو في رواية: " وامرأته " باختلاس الهاء دون إشباع.
قوله: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } يجوز أن يكون " في جيدها " خبراً لـ " امرأته " ، و " حبل " فاعلاً به وأن يكون حالاً من امرأته على كونها فاعلة، و " حَبْلٌ " مرفوع به أيضاً، وأن يكون خبراً مقدماً و " حَبْلٌ " مبتدأ مؤخر، والجملة حالية أو خبر ثان.
والجيدُ: العُنُق.
قال امرؤ القيس: [الطويل]
| **5348- وجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بفَاحِـشٍ** | | **إذَا هِيَ نَصَّتْـهُ ولا بِمُعَطَّـلِ** |
| --- | --- | --- |
و " مِنْ مسدٍ " صفة لـ " حبل " ، والمسد: ليف المقل.
وقيل: الليف مطلقاً.
قال النابغة: [البسيط]
| **5349- مَقْذُوفةٍ بدَخيسِ النَّحضِ بَازلُهَا** | | **لَهُ صَريفٌ صَريفَ القََعْوِ بالمسَـدِ** |
| --- | --- | --- |
وقد يكون من جلود الإبل وأوبارها؛ قال الشاعر: [الرجز]
| **5350- ومَسَـدٍ أمِـرَّ مِـنْ أيـانِـقِ** | | **ليْـسَ بأنْيَـابٍ ولا حَقَائِـقِ** |
| --- | --- | --- |
وجمع المسد: أمساد.
وقال أبو عبيدة: هو حبل يكون من صوف.
وقال الحسن: هي حبال من شجرٍ ينبت بـ " اليمن " يسمى المسد وكانت تفتل.
فصل
قال الضحاك وغيره: هذا في الدنيا، وكانت تعيرُ النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وهي تحتطب في حبلٍ تجعله في عنقها من ليفٍ، فخنقها الله - عزَّ وجلَّ - به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار يلف على عنقها.
وعن ابن عباس: حبل من مسد قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً، وهو قول مجاهد وعروة بن الزبير، يدخل في فيها، ويخرج من أسفلها، ويلوى سائرها على عنقها، وقال قتادة: " حبل من مسد " حبل من وَدَعٍ.
وقال الحسن: إنما كان حرزاً في عنقها.
وقال سعيد بن المسيب: كانت قلادة واحدة من جوهر، فقالت: واللات والعزى لأنفقها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون عذاباً في جيدها يوم القيامة.
وقيل: إن ذلك إشارة إلى الخذلان يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوط في جيدها بحبل من مسد.
والمسدُ: الفَتْلُ، يقال: مسد حبله يمسده مسداً، أي: أجاد فتلهُ.
قال: [الرجز]
| **5351 يَمْسدُ أعْلَى لحْمِهِ ويَأرِمُهْ** | | |
| --- | --- | --- |
يقول: إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار.
وقال ابن الخطيب: وقيل: المسد يكون من الحديد، وظنُّ من ظنَّ أن المسد لا يكون من الحديد خطأ، لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد، أو من غيره، ورجل ممسود، أي: مجدول الخلق وجارية حسنة المسد، والعصب، والجدل، والأرم، وهي ممسودة، ومعصوبة، ومجدولة، ومأرومة؛ والمساد: على " فِعَال ": لغة في المساب، وهي نحي السمن، وسقاء العسل، قال كل ذلك الجوهري.
[فإن قيل: إن كان هذا الحبل كيف يبقى أبداً في النار؟.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قلنا: كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبداً في النار].
فصل في الإخبار عن الغيب
تضمنت هذه الأيات الإخبار عن الغيب من ثلاثة أوجه:
أولها: الأخبار عنه بالتباب، والخسار، وقد كان ذلك.
وثانيها: الإخبار عنه بعدم الانتفاع بماله وولده، وقد كان ذلك.
وثالثها: الإخبار بأنه من أهل النَّار، وقد كان ذلك، لأنه مات على الكفر، هو وامرأته، ففي ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فامرأته خنقها الله - تعالى - بحبلها، لعنها الله تعالى، وأبو لهبٍ رماه الله بالعدسةِ، بعد وقعة بدر بسبع ليال، فمات، وأقام ثلاثة أيام، ولم يدفن حتى أنتن، ثم إن ولده غسلوه بالماء قذفاً من بعيد مخافة عدوى العدسةِ، وكانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون، ثم احتملوه إلى أعلى " مكة " ، وأسندوه إلى جدار، ثم صمُّوا عليه الحجارة.
فصل في جواز تكليف ما لا يطاق
احتج أهل السنة على جواز تكليف ما لا يطاق بأنه تعالى كلف أبا لهب بالإيمان مع تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن وأنه من أهل النار، فقد صار مكلفاً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وهذا تكليف بالجمع بين النقيضين، وهو محال وذلك مذكور في أصول الفقه.
ذكر الثعلبيُّ عن أبيّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قَرَأَ سُورَةَ { تَبَّتْ } رجَوْتُ أنْ لا يجْمعَ اللهُ تَعَالَى بَينهُ وبَيْنَ أبِي لهبٍ في دارٍ واحدةٍ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) | لما قدم سبحانه وتعالى في سورة النصر القطع بتحقيق النصر لأهل هذا الدين بعد ما كانوا فيه من الذلة، والأمر الحتم بتكثيرهم بعد الذي مر عليهم مع الذلة من القلة، وختمها بأنه التواب، وكان أبو لهب - من شدة العناد لهذا الدين والأذى لإمامة النبي صلى الله عليه وسلم سيد العالمين مع قربه منه - بالمحل الذي لا يجهل، بل شاع واشتهر، وأحرق الأكباد وصهر، كان بحيث يسأل عن حاله إذ ذاك هل يثبت عليه أو يذل، فشفى غلَّ هذا السؤال، وأزيل بما يكون له من النكال، وليكون ذلك بعد وقوع الفتح ونزول الظفر والنصر، والإظهار على الأعداء بالعز والقهر، مذكراً له صلى الله عليه وسلم بما كان أول الأمر من جبروتهم وأذاهم وقوتهم بالعَدد والعُدد، وأنه لم يغن عنهم شيء من ذلك، بل صدق الله وعده في قوله سبحانه وتعالى**{ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جنهم وبئس المهاد }** [آل عمران: 12] وكذبوا فيما كانوا فيه من التعاضد والتناصر والتحالف والتعاقد، فذكر تعالى أعداهم له وأقربهم إليه في النسب إشارة إلى أنه لا فرق في تكذيبه لهم بين القريب والبعيد. وإلى أنه لم ينفعه قربه له ليكون ذلك حاملاً لأهل الدين على الاجتهاد في العمل من غير ركون إلى سبب أو نسب غير ما شرعه سبحانه، فقال تعالى معبراً بالماضي دلالة على أن الأمر قد قضى بذلك وفرغ منه، فلا بد من كونه ولا محيص: { تبت } أي حصل القطع الأعظم والحتم الأكمل، فإنها خابت وخسرت غاية الخسارة، وهي المؤدية إلى الهلاك لأنه لا نجاة إلا نجاة الآخرة، وجعل خطاب هذه السورة عن الله ولم يفتتحها بـ " قل " كأخواتها لأن هذا أكثر أدباً وأدخل في باب العذر وأولى في مراعاة ذوي الرحم، ولذلك لم يكرر ذكرها في القرآن، وأشد في انتصار الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى التخويف وتجويز سرعة الوقوع.
ولما كانت اليد محل قدرة الإنسان، فإذا اختلت اختل أمره، فكيف إذا حصل الخلل في يديه جميعاً، قال مشيراً بالتثنية إلى عموم هلاكه بأن قوته لم تغن عنه شيئاً، ولأن التثنية يعبر بها عن النفس، ومشيراً بالكنية وإن كان يؤتى بها غالباً للتشريف إلى مطابقة اسمه لحاله، ومجانسته الموجبة لعظيم نكاله: { يدا أبي لهب } فلا قدرة له على إعطاء ولا منع، ولا على جلب ولا دفع، وإشارة إلى أن حسن صورته لم تغن عنه شيئاً من قيبح سيرته لقوله صلى الله عليه وسلم **" إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
لأنه إنما كني بهذا لإشراق وجهه وتوقد وجنتيه، ولأنها أشهر، فالبيان بها أقوى وأظهر، والتعبير بها - مع كونه أوضح - أقعد في قول التي هي أحسن. لأن اسمه عبد العزى وهو قبيح موجب للعدول عنه غيرة على العبودية أن تضاف إلى غير مستحقها.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: هذه السورة وإن نزلت على سبب خاص وفي قصة معلومة فهي مع ما تقدمها واتصل بها في قوة أن لو قيل: قد انقضى عمرك يا محمد، وانتهى ما قلدته من عظيم أمانة الرسالة أمرك، وأديت ما تحملته وحان أجلك، وأمارة ذلك دخول الناس في دين الله أفواجاً، واستجابتهم بعد تلكؤهم، والويل لمن عاندك وعدل عن متابعتك وإن كان أقرب الناس إليك. فقد فصلت سورة { قل يا أيها الكافرون } بين أوليائك وأعدائك، وبان بها حكم من اتبعك من عاداك، ولهذا سماها عليه الصلاة والسلام المبرئة من النفاق، وليعلم كفار قريش وغيرهم أنه لا اعتصام لأحد من النار إلا بالإيمان، وأن القرابات غير نافعه ولا مجدية شيئاً إلا مع الإيمان { لكم دينك ولي دين }**{ أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون }** [يونس: 41]،**{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }** [التوبة: 71] وههنا انتهى الكتاب بجملته - انتهى.
ولما كان ربما خص التباب بالهلاك، وحمل على هلاك اليدين حقيقة، وكان الإنسان لا يزول جميع منفعته بفوات يديه وإن كان قد يعبر بهما عن النفس، قال مصرحاً بالمقصود: { وتب } أي هو بجملته بتمام الهلاك والخسران، فحقق بهذا ما أريد من الإسناد إلى اليدين من الكناية عن الهلاك الذي لا بقاء بعده، والظاهر أن الأول دعاء والثاني خبر، وعرف بهذا أن الانتماء إلى الصالحين لا يغني إلا إن وقع الاقتداء بهم في أفعالهم لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم.
ومادة " تب " و " بتّ " - الجامعة بجمع التاء والباء للسببين الأدنى الباطني والأعلى الظاهري - تدور على القطع المؤدي في أغلب أحواله إلى الهلاك، لأن من انقطع إلى الأسباب معرضاً عن مسببها كان في أعظم تباب، وربما كان القطع باستجماع الأسباب، فحصل العوز بالمقاصد والمحابّ، قال ابن مكتوم في الجمع بين المحكم والعباب: التب والتباب: الخسار، وتباً له - على الدعاء، وتباً تبيباً - على المبالغة، قال الإمام أبو عبد الله القزاز: كأنك قلت: خسراناً له، وهو المصدر، نصب نصب سقياً له، قال ابن دريد: وكأن التب المصدر والتباب الاسم، والتبب والتباب والتبيب: الهلاك، والتتبيب النقص والخسار، وكل هذا واضح في القطع عن الخير والفوز، قال: والتابّ: الكبير من الرجال، والأنثى تابة، وقال القزاز: إذا سألت الرجل عن المرأة قلت: أشابة هي أم تابة، أي أم عجوز فانية، ومعلوم أن كبر السن مقرب من القطع والهلاك، والتاب: الضعيف، والجمع أتباب - هذلية، وحمار تاب الظهر - إذا دبر، وجمل تاب كذلك نادرة، ولا شك أن الدبر والضعف هلاك في المعنى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وتب: قطع مثل بت، أي بتقديم الموحدة ووقعوا في تبوب منكرة، وهو بتبة أي بحالة شديدة، والتبي - بالفتح والكسر: ضرب من تمر البحرين، قيل: هو رديء يأكله سقاط الناس، وأتب الله قوته: أضعفها، وتببوهم تتبيباً: أهلكوهم، وتبتب: شاخ، وكل ذلك واضح في القطع بالهلاك والخسار، والتبوب يعني بالضم: ما انطوت عليه الأضلاع كالصدر والقلب، وهذا يحتمل الخير والشر، فإن القلب إذا فسد فسد الجسد كله، وإذا صلح صلح الجسد كله، فيكون حينئذ القطع، بالفوز والنجاة، أو لأن انطواء الأضلاع عليه قطعة عن الخارج، واستتب الأمر: تهيأ واستوى. وقال القزاز: ويقال: هذه العلة لا تستتب في نظار هذا القول، أي لا تجري في نظائره، كأنه من باب الإزالة إذ إن السين لما جامعت حرف السببين آذنت بالنجاح والفوز والفلاح، فإنها حرف تدل على الاستيفاء في الإنباء عن الشيء والتتمة والألفة، وأحسن من هذا أنها إذا جرت في النظائر أوضحتها وكشفت معانيها ففصلتها وأبانتها وقطعتها عن غير النظائر بما أزالت من الإلباس بها، والذي يحقق معاني التب ويظهر أنه يؤول إلى القطع مقلوبه، وهو البت - بتقديم الموحدة التي هي السبب الظاهر الذي هو أقوى من حيث إنه لا يتحقق إلا بكمال السبب الباطني، يقال: بت الشيء يبته بتاً، وأبته: قطعه قطعاً مستأصلاً، وبت هو يُبت وبيِت بتاً وانبت، ولعله استوى فيه المجرد والمزيد في التعدية دلالة على أن ما حصل بالمجرد من القطع هو من الكمال بحيث لا مزيد عليه، وكذا استوى القاصر مجرداً ومطاوعاً مع المتعدي في أصل المعنى. وصدقه بتة: بتلة باينة من صاحبها، وطلقها ثلاثاً بتة وإبتاتاً، أي قطعاً لا عود فيه، ولا أفعله البتة - كأنه قطع فعله، قال سيبويه: وقالوا: قعد البتة - مصدر مؤكد، ولا يستعمل إلا بالألف واللام، وبت عليه القضاء بتاً وأبته: قطعه، وسكران ما يُبت كلاماً وما يُبت أي ما يقطعه، قال القزاز: يُبت من أبت، ويبَت من بَتَّ، وسكران باتّ: منقطع عن العمل بالسكر، وأبت يمينه: أمضاها، أي قطعها عن الحنث، وبتت هي: وجبت وحلت بتاً وبتة وبتاتاً، وكل ذلك من القطع، وأبت بعيره، أي قطعه بالسير، والمنبت في الحديث: الذي أتعب دابته حتى عطب ظهره فبقي منقطعاً به، وقال القزاز: هو الذي أتعب دابته حتى قطع ظهرها فبقي منبتاً به، أي منقطعاً به، وبت عليه الشهادة وأبتها: قطع عليه بها وألزمه إياها، وبت عليه القضاء وأبته، قطعه، والبات: المهزول الذي لا يقدر أن يقوم - كأنه قد انقطعت قوته، وفي الحديث **" لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فمعناه: يوجبه، أي يقطعه على نفسه قبل الفجر، من أبت عليه الحكم - إذا قطعه، وروي: يبت، من بت - إذا قطع، وكلاهما بمعنى، وهما لغتان فصيحان. وروي في حديث **" من لم يبت "** من البيات، وأحمق بات: شديد الحمق - كذا قاله الليث، وقال الأزهري: هو تاب - بتأخير الموحدة، والبت: كساء غليظ مهلهل مربع أخضر، وقيل: هو من وبر وصوف، والجمع بتوت، والبتات أي بالتخفيف: متاع البيت والزاد، كأن ذلك يقطع صاحبه عن الحاجة، وبتتوه: زودوه، أو أن ذلك من الإزالة لأنه صلة لصاحبه ورفد لأن الاستقراء حاصل بأن كل مادة لها معنى غالب تدور عليه وفيها شيء لإزالة ذلك المعنى، وفلان على بتات أمر - إذا أشرف على فراغه، فإنه ينقطع حينئذ، وتقول: طحنت بالرحى بتاً - إذا ابتدأت الإدارة عن يسارك، كأنه دال على القطع بتمام العزيمة لأن ذلك أقوى للطاحن وأمكن، وانبت الرجل: انقطع ماء ظهره، ويقال: هذا حبل بتّ: إذا كان طاقاً واحداً، كأنه لما كان كذلك فكان سهل القطع أطلق عليه القطع مبالغة مثل عدل، وقد انبت فلان عن فلان - إذا انقطع وانقبض.
ولما أوقع سبحانه الإخبار بهلاكه على هذا الوجه المؤكد لما كان لصاحب القصة وغيره من الكفار من التكذيب بلسان حاله وقاله لما له من المال والولد، وما هو فيه من القوة بالعَدد والعُدد، زاد الأمر تحققاً إعلاماً بأن الأحوال الدنيوية لا غناء لها فقال مخبراً، أو مستفهماً منكراً { ما أغنى } أي أجزى وناب وسد { عنه } أي عن أبي لهب الشقي الطريد المبعود عن الرحمة مع العذاب { ماله } أي الكثير الذي جرت العادة بأنه ينجي من الهلاك.
ولما كان الكسب أعم من المال، وكان المال قد يكسب منافع هي أعظم منه من الجاه وغيره، وكان الإنسان قد يكون فائزاً ولا مال له بأمور أثلها بسعيه خارجة عن المال، قال مفيداً لذلك مبيناً أنه لا ينفع إلا ما أمر الله به { وما كسب \* } أي وإن كان ذلك على وجه هائل من الولد والأصحاب والعز بعشيرته التي كان يرضيها باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في المحافل يؤذيه ويكذبه وينهى الناس عن تصديقه مع أنه كان قبل ذلك يناديه بالصادق الأمين، وكان ابنه عتبة شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم **" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "** فكان أبو لهب يعرف أن هذه الدعوة لا بد أن تدركه، فلما حان الأمر وكان قد آن ما أراد صاحب العز الشامخ، سبب له أن سافر إلى الشام فأوصى به أبوه الرفاق لينجوه رغم من هذه الدعوة، فكانوا يحدقون به إذا نام ليكون وسطهم، والحمول محيطة به وهم محيطون بها والركاب محيطة بهم، فلم ينفعه ذلك بل جاء الأسد فتشمم الناس حتى وصل إليه فاقتلع رأسه ولم ينفع أباه ذلك، بل استمر على ضلاله لما سبق في علم الله تعالى حتى كانت وقعة بدر فلم يخرج فيها فلما جاء الفلال كان منهم ابن أخيه أبو سفيان بن الحارث فقال: هلم يا ابن أخي فعندك الخبر: فقال نعم! فوالله ما هو إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يفتلوننا كيف شاؤوا ويأسروننا كيف شاؤوا، ومع ذلك والله مللت الناس لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئاً - أي ما تبقيه - ولا يقوم لها شيء، قال أبو رافع غلام العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وكان جالساً في حجرة في المسجد يبري نبلاً، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت وكنا نكتم إسلامنا، فما ملكت نفسي أن قلت: تلك والله الملائكة، قال: فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، قال: وثاورته فاحتملني فضرب بي الأرض ثم برك عليّ يضربني وكنت رجلاً ضعيفاً، فقامت أم الفضل - يعني سيدته - زوجة العباس رضي الله عنها إلى عمود الحجرة - أي الخيمة - فضربته به ضربة فلقت في رأسه شجة منكرة وقالت: استضعفته أي عدو الله إن غاب عنه سيده، فقام مولياً ذليلاً فوالله ما عاش إلا سبع ليال أو ستاً حتى رماه الله بالعدسة فقتله وما نفعه إبعاده عن الخطر بتخلفه عن بدر، والعدسة بثرة تشبه العدسة تخرج في مواضع من الجسد من جنس الطاعون تقتل غالباً، قال القزاز: كانت تعدي في الجاهلية قلما يسلم منها أحد، تقول: عدس الرجل فهو معدوس، كما تقول: طعن فهو مطعون - إذا أصابه الطاعون - انتهى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولأجل تشاؤم العرب بها ترك أبو لهب من غير دفن ثلاثاً حتى أنتن ثم استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، ويقال: إنهم حفروا له حفرة بعيدة عنه من شدة نتنه ثم دفعوه بخشب طوال حتى رموه فيها ورجموه بالحجارة والتراب من بعيد حتى طموه، فكان ذلك سنة في رجمه فهو يرجم إلى الآن، وذلك من أول إعجاز هذه الآيات أن كان سبة في العرب دون أن يغني عنه شيء مما يظن أنه يغني عنه.
ولما أخبر سبحانه وتعالى بوقوع هذا التبار الأعظم به، وكان لا عذاب يداني عذاب الآخرة، بينه بقوله: { سيصلى } أي عن قرب بوعد لا خلف فيه { ناراً } أي فيدس فيها وتنعطف عليه وتحيط به.
ولما كان المقصود شدة نكايته بأشد ما يكون من الحرارة كما أحرق أكباد الأولياء، وكانت النار قد تكون جمراً ثم تنطفىء عن قرب قال: { ذات لهب \* } أي لا تسكن ولا تخمد أبداً لأن ذلك مدلول الصحبة المعبر عنها بـ " ذات " ، وذلك بعد موته وليس في السورة دليل قاطع على أنه لا يؤمن لجواز أن يكون الصلي على الفسق، فلا دليل فيها لمن يقول: إن فيها التكليف بما علم أنه محال ليكون قد كلف بأن يؤمن وقد علم أنه حكم بأنه لا يؤمن، وإن كان الله قد حقق هذا الخبر بموته كافراً في الثانية من الهجرة عقب غزوة بدر وهي الخامسة عشرة من النبوة، لكن ما عرف تحتم كفره إلا بموته كافراً لا بشيء في هذه السورة ولا غيرها، ومن الغرائب أن الكلمات المتعلقة به في هذه السورة خمس عشرة كلمة، فكانت مشيرة إلى سنة موته بعد أن رأى تبابه في وقعة بدر وغيرها بعينه، فإذا ضممنا إليها كلمات البسملة الأربع وازت سنة ست من الهجرة، وهي سنة عمرة الحديبية سنة الفتح السببي التي تحقق فيها تبابه وخساره عند كل من عنده إيمان بالغيب ودفع للريب، فإذا ضممت إليها الضميرين البارزين اللذين هما أقرب إلى الكلمات الاصطلاحية من المستترة وازت سنة ثمان من الهجرة التي كان فيها الفتح الحقيقي، فتحقق عند قريش كافة ما أنزل فيه في هذه السورة، فإذا ضممت إليها الضمائر الثلاثة المستترة وازت سنة إحدى عشرة على أنك إذا بدأت بالضمائر المستترة حصلت المناسبة أيضاً، وذلك أنها توازي سنة تسع وهي سنة الوفود التي دخل الناس فيها في الدين أفواجاً وحج فيها بالناس أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أميراً، ونودي في الموسم ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، فتحققت خيبة أبي لهب عند كل من حضر الموسم لا سيما من كان يعلم دورانه وراء النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه له من مسلم وغيره، فإذا ضممنا إلى ذلك الضميرين البارزين وازت سنة إحدى عشرة أول سني خلافة الصديق رضي الله عنه التي فتحت فيها جميع جزيرة العرب بعد أن لعب الشيطان بكثير من أهلها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فرجعوا بعد أن قتل الله منهم من علم أنه مخلوق لجهنم، وتحقق حينئذ ما لأبي لهب من التباب والنار ذات الالتهاب عند العرب كافة بإيمانهم عامة في السنة الحادية عشرة من الهجرة بعد مضي ثلاث وعشرين سنة من النبوة، واستقر الأمر حينئذ، وعلم أن الدين قد رسخت أوتاده وثبت عماده، وأن الذي كان يحميه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قد حماه بعده وهو سبحانه حي لا يموت وقادر لا يعجزه شيء، وعدد كلمات السورة ثلاث وعشرون وهي توازي سنة حجة الوداع سنة عشر، فإنها السنة الثالثة والعشرون من المبعث وفيها كمل الدين ونزلت آية المائدة. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرض العرب، فتحقق كل الناس لا سيما من حضر الموسم تباب أبي لهب الذي كان يدور في تلك المشاهد وراء النبي صلى الله عليه وسلم يكذبه ويؤذيه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ إن في ذلك لعبرة }** [آل عمران: 13 - والنور: 44].
ولما أخبر سبحانه وتعالى عنه بكمال التباب الذي هو نهاية الخسار، وكان أشق ما على الإنسان هتك ما يصونه من حريمه حتى أنه يبذل نفسه دون ذلك لا سيما العرب، فإنه لا يدانيهم في ذلك أحد، زاده تحقيراً بذكر من يصونها معبراً عنها بما صدرها بازراً صورة وأشنعها، فقال مشيراً إلى أن خلطة الأشرار غاية الخسار، فإن الطبع وإن كان جيداً يسرق من الردىء، فكيف إذا كان رديئاً وإن أرضى الناس بما يسخط الله أعظم الهلاك { وامرأته } أي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي مثل زوجها في التباب والصلي من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب، وعدل عن ذكرها بكنيتها لأن صفتها القباحة وهي ضد كنيتها، ومن هنا تؤخذ كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفاً بما دل عليه لقبه، ثم وصفها بما أشار إليه ذنبها وأكمل قبيح صورتها فقال: { حمالة الحطب } أي الحاملة أقصى ما يمكن حمله من حطب جهنم بما كانت تمشي به وتبالغ فيه من حمل حطب البهت والنميمة الذي تحمل به على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم وشدة أذاه وإيقاد نار الحرب والخصومة عليه صلى الله عليه وسلم، من قول الشاعر:
| **p>من البيض لم تصطد على ظهر لأمه** | | **ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب** |
| --- | --- | --- |
أراد النميمة، وعبر بالرطب للدلالة على زيادة الشر بما فيه من التدخين وشبهت النميمة بالحطب لأنها توقد الشر فتفرق بين الناس كما أن الحطب يكون وقوداً للنار فتفرقه، وكذا بما كانت تحمل من الشوك وتنثره ليلاً في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لتؤذيه، وكانت تفعله بنفسها من شدة عداوتها وتباشره ليلاً لتستخفي به لأنها كانت شريفة، فلما نزلت سورة صوّرتها بأقبح صورة فكان ذلك - أعظم فاضح لها، وقراءة عاصم بالنصب للقطع على الشتم تؤدي أن امرأته مبتدأ وأن الخبر { في جيدها } أي عنقها وأجود ما فيها - هو حال على التقدير الأول { حبل } كالحطابين تخسيساً لأمرها وتحقيراً لحالها { من مسد } أي ليف أو ليف المقل أو من شيء قد فتل وأحكم فتله، من قولهم: رجل ممسود الخلق، أي مجدوله - وقد رجع آخرها على أولها، فإن من كانت امرأته مصورة بصورة حطابة على ظهرها حزمة حطب معلق حبلها في جيدها فهو في غاية الحقارة، والتباب والخساسة والخسارة وحاصل هذه السورة أن أبا لهب قطع رحمه وجار عن قصد السبيل واجتهد بعد ضلاله في إضلال غيره، وظلم الناصح له الرؤوف به الذي لم يأل جهداً في نصحه على ما تراه من أنه لم يأل هو - جهداً في أذاه واعتمد على ماله وأكسابه فهلك وأهلك امرأته معه ومن تبعه من أولاده، ومن أعظم مقاصد سورة النساء المناظرة لها في رد المقطع على المطلع التواصل والتقارب والإحسان لا سيما لذوي الأرحام، والعدل في جميع الأقوال والأفعال، فكان شرح حال الناصح الذي لا ينطق عن الهوى، وحال الضال الذي إنما ينطق عن الهوى - قوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم }** [النساء: 26] وختمها إشارة إلى التحذير من مثل حاله، فكأنه قيل: يبين الله لكم أن تضلوا فكونوا كأبي لهب في البوار، وصلي النار - كما تبين لكم، فكونوا على حذر من كل ما يشابه حاله وإن ظهر لكم خلاف ذلك، فأنا أعلم منكم، والله بكل شيء عليم " والحمد لله رب العالمين ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) | أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت { تبت يدا أبي لهب } بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: ما كان أبو لهب إلا من كفار قريش، ما هو حتى خرج من الشعب حين تمالأت قريش حتى حصرونا في الشعب وظاهرهم، فلما خرج أبو لهب من الشعب وظاهرهم، فلما خرج أبو لهب من الشعب لقي هنداً بنت عتبة بن ربيعة حين فارق قومه، فقال: يا ابنت عتبة هل نصرت اللات والعزى؟ قالت: نعم فجزاك الله خيراً يا أبا عتبة. قال: إن محمداً يعدنا أشياء لا نراها كائنة، يزعم أنها كائنة بعد الموت، فما ذاك وصنع في يدي، ثم نفخ في يديه ثم قال: تباً لكما ما أرى فيكما شيئاً مما يقول محمد، فنزلت { تبت يدا أبي لهب } قال ابن عباس: فحصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة حتى إن الرجل ليخرج منا بالنفقة فما يبايع حتى يرجع حتى هلك فينا من هلك.
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين } [الشعراء: 214] خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه فاجتمعوا إليه فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبًّا لك إنما جمعتنا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة { تبت يدا أبي لهب وتب } ".** وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عمر في قوله: { تبت يدا أبي لهب } قال: خسرت.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في { تبت يدا أبي لهب } قال: خسرت { وتب } قال: خسر.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { تبت يدا أبي لهب وتب } قال: خسرت يدا أبي لهب وخسر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: إنما سمي أبا لهب من حسنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ابنه من كسبه، ثم قرأ { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قالت: وما كسب ولده.
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: كان يقال: ما أغنى عنه ماله وما كسب وولده كسبه ومجاهد وعائشة قالاه.
وأخرج الطبراني عن قتادة قال: كانت رقيه بنت النبي صلى الله عليه وسلم عند عتبة بن أبي لهب، فلما أنزل الله { تبت يدا أبي لهب } سأل النبي صلى الله عليه وسلم طلاق رقية فطلقها فتزوّجها عثمان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج الطبراني عن قتادة قال: تزوّج أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عتيبة بن أبي لهب، وكانت رقية عند أخيه عتبة بن أبي لهب، فلما أنزل الله { تبت يدا أبي لهب } قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة: رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا بنتي محمد، وقالت أمهما بنت حرب بن أميه، وهي حمالة الحطب: طلقاهما فإنهما قد صبتا، فطلقاهما.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبي صلى الله عليه وسلم الشوك، فنزلت { تبت يدا أبي لهب، وامرأته حمالة الحطب } فلما نزلت بلغ امرأة أبي لهب أن النبي يهجوك، قالت: علام يهجوني؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحمل حطباً في جيدي حبل من مسد؟ فمكثت ثم أتته فقالت: إن ربك قلاك وودعك، فأنزل الله**{ والضحى }** [الضحى: 1] إلى**{ وما قلى }** [الضحى: 3].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد { وامرأته حمالة الحطب } قال: كانت تأتي بأغصان الشوك تطرحها بالليل في طريق رسول الله.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وامرأته حمالة الحطب } قال: كانت تمشي بالنميمة { في جيدها حبل من مسد } من نار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { وامرأته حمالة الحطب } قال: كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض { في جيدها حبل } قال: عنقها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { حمالة الحطب } قال: كانت تحمل النميمة فتأتي بها بطون قريش.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن عروة بن الزبير { في جيدها حبل من مسد } قال: سلسلة من حديد من نار ذرعها سبعون ذراعاً.
وأخرج ابن الأنباري عن قتادة رضي الله عنه { في جيدها حبل من مسد } قال: من الودع.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: { وامرأته حمالة الحطب } قال: كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، ويقال { حمالة الحطب } نقالة الحديث { حبل من مسد } قال: هي حبال تكون بمكة، ويقال المسد العصا التي تكون في البكرة، ويقال: المسد قلادة لها من ودع.
وأخرج ابن عساكر بسند فيه الكديمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" بعثت ولي أربع عمومة، فأما العباس فيكنى بأبي الفضل، ولولده الفضل إلى يوم القيامة، وأما حمزة فيكنى بأبي يعلى، فأعلى الله قدره في الدنيا والآخرة، وأما عبد العزى فيكنى بأبي لهب، فأدخله الله النار وألهبها عليه، وأما عبد مناف فيكنى بأبي طالب فله ولولده المطاولة والرفعة إلى يوم القيامة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله عنه قال: مرت درة ابنة أبي لهب برجل فقال: هذه ابنة عدو الله أبي لهب، فأقبلت عليه فقالت ذكر الله أبي لنسابته وشرفه وترك أباك لجهالته، ثم ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فخطب الناس فقال: **" لا يؤذين مسلم بكافر ".** وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر رضي الله عنهم قالوا: قدمت درة بنت أبي لهب مهاجرة فقال لها نسوة: أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله { تبت يدا أبي لهب } فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فخطب فقال: **" يا أيها الناس مالي أوذى في أهلي فوالله إن شفاعتي لتنال بقرابتي حتى إن حكما وحاء وصدا وسلهبا تنالها يوم القيامة بقرابتي ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ | * تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) | { سَيَصْلَىٰ } بفتحِ الياءِ وقُرِىءَ بضمِّها وفتحِ اللامِ بالتخفيفِ والتشديدِ والسينُ لتأكيدِ الوعيدِ وتشديدِه أيْ سيدخلُ لا محالةَ بعدَ هذا العذابِ العاجلِ في الآخرةِ { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أيْ ناراً عظيمةً ذاتَ اشتعالٍ وتوقدٍ وهيَ نارُ جهنمَ وليسَ هذا نصاً في أنَّه لا يؤمنُ أبداً حَتَّى يلزمَ تكليفُه الإيمانَ بالقرآنِ مكلفاً بأنُ يؤمنَ بأنَّهُ لاَ يؤمنُ أبداً فيكونَ مأموراً بالجمعِ بـينَ النقيضينِ كما هُوَ المشهورُ فإنَّ صِلي النارِ غيرُ مختصَ بالكفارِ فيجوزُ أنْ يفهمَ أبْو لهبٍ من هذا أنَّ دخولَهُ النارَ لفسقِه ومعاصيهِ لا لكفرِهِ فلا اضطرارَ إلى الجوابِ المشهورِ من أنَّ ما كلفَهُ هُوَ الإيمانُ بجميعِ ما جاءَ بهِ النبـيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إجمالاً لا الإيمانُ بتفاصيلِ ما نطقَ بهِ القرآنُ حتَّى يلزمَ أنْ يكلفَ الإيمانَ بعدمِ إيمانِه المستمرِ { وَٱمْرَأَتُهُ } عطفٌ على المستكنّ في سيصلَى لمكانِ الفصلِ بالمفعولِ وهيَ أمُّ جميلٍ بنتُ حربٍ أختْ أبـي سفيانَ وكانتْ تحملُ حزمةً من الشوكِ والحَسَكِ والسعدانِ فتنثرَها بالليلِ في طريقِ النبـيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وكانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يطؤُه كمَا يطأُ الحريرَ وقيلَ: كانتْ تمشِي بالنميمةِ ويقالُ لمنْ يمشِي بالنمائمِ ويفسدُ بـينَ الناسِ يحملُ الحطبَ بـينهُمْ أيْ يوقدُ بـينهُم النارَ { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } بالنصبِ على الشتمِ والذمِّ وقيلَ: على الحاليةِ بناءً على أنَّ الإضافةَ غيرُ حقيقيةٍ إذِ المرادُ أنَّها تحملُ يومَ القيامةِ حزمةً من حطبِ جهنمَ كالزقومِ والضريعِ. وعن قتادةَ أنَّها معَ كثرةِ مالِها كانتْ تحملُ الحطبَ على ظهرِهَا لشدةِ بُخْلها فعيرتْ بالبخلِ فالنصبُ حينئذٍ على الشتمِ حتماً وقرىءَ بالرفعِ على أنَّه خبرٌ وامرأتُهُ مبتدأٌ وقرىءَ حمالةٌ للحطبِ بالتنوينِ نصباً ورفعاً وقُرِىءَ مُريَّتُهُ بالتصغيرِ للتحقيرِ { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } جملةٌ من خبرٍ مقدمٍ ومبتدأ مؤخرٍ والجملةُ حاليةٌ وقيلَ: الظرفُ خبرٌ لامرأتِه وحبلٌ مرتفعٌ بهِ على الفاعليةِ وقيلَ: هُو حالٌ من امرأتِه على تقديرِ عطفِها على ضميرِ سيصلَى وحبلٌ فاعلٌ كما ذُكرَ والمسدُ ما يُفتلُ من الحبالِ فتلاً شديداً من ليفِ المقلِ وقيلَ: من أيِّ ليفٍ كانَ وقيلَ: من لُحاءِ شجرٍ باليمنِ وقَدْ يكونُ من جلودِ الإبلِ وأوبارِها والمَعْنى في عنقِها حبلٌ ممَّا مسدَ من الحبالِ وأنها تحملُ تلكَ الحزمةَ من الشوكِ وتربطُها في جيدِها كما يفعلُ الحطابونَ تخسيساً بحالِها وتصويراً لهَا بصورةِ بعضِ الحطاباتِ من المواهنِ لتمتعضَ من ذلكَ ويتمعضَ بعلُها وهُما في بـيتِ العزِّ والشرفِ. قالَ مُرةُ الهَمْدانيُّ: كانتْ أمُّ جميلٍ تأتِي كُلَّ يومٍ بإبالةٍ من حَسَكٍ فتطرحُها على طريقِ المسلمينَ فبـينَا هي ذاتَ ليلةٍ حاملةٌ حزمةً أعيتْ فقعدتْ على حجرٍ لتستريحَ فجذبَها الملكُ من خلفِها فاختنقتْ بحبلِها.
عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قرأَ سورةَ تبتْ رجوتُ أنْ لا يجمعَ الله بـينَهُ وبـينَ أبـي لهبٍ في دارٍ واحدةٍ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) | { وَٱمْرَأَتُهُ } [4] أم جميل. { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [4] قيل النمامة. وقال عكرمة: إنها كانت تحمل الشوك تلقيه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) | قوله جل ذكره: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }.
أي: خَسِرَت يداه.
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }.
ما أغنى عنه مالُه ولا كَسْبُه الخبيثُ - شيئاً.
وقيل: { وَمَا كَسَبَ }: وَلَدُه.
قوله جل ذكره: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }.
يلزمها إذا دَخَلَها؛ فلا براحَ له منها. وامرأتُه أيضاً سَتَصْلَى النارَ معه.
{ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }.
" مَسَدٌ " شيءٌ مفتول، وكانت تحمل الشوك وتنقله وتبثه في طريقِ رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ويقال: سُحْقاً لِمَنْ لا يعرف قَدْرَكَ - يا محمد. وبُعْدَاً لِمَنْ لم يشهد ما خصصناكَ به مِنْ رَفْع محلِّك، وإكبارِ شأنِك... ومَنْ ناصبَكَ كيف ينفعه مالُه؟ والذي أقميناه لأجلِكَ وقد (أساء) أعماله.. فإنَّ إلى الهوانِ والخِزْي مآله، وإنَّ على أقبحِ حالٍ حالَ امرأتِه وحالَه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) | { تبت يدا أبي لهب وتب } أي: هلك ما هو سبب عمله الخبيث الذي استحق به الجهنمي الملازم لنار الهلاك وهلك ذاته الخبيثة لاستحقاقها بحسب استعدادها، أي: استحق النار بذاته وبوصفه ناراً على نار ولذلك ذكره بكنيته الدالة على لزومه إياها { ما أغنى عنه ماله وما كسب } أي: ما نفعه ماله الأصلي من العلم الاستعدادي الفطري ولا مكسوبه لعدم مطابقة اعتقاده لما في نفس الأمر وكلاهما متعاونان في تعذيبه وما يجدي له أحدهما. { سيصلى ناراً } عظيمة لاحتجابه بالشرك { ذات لهب } زائد على أصله لخبث أعماله وهيئاتها فيصلى بالاعتقاد الفاسد والعمل السيىء هو { وامرأته } متقارنين فيها { حمالة الحطب } أي: التي تحمل أوزار آثامها وهيئات أعمالها الخبيثة التي هي وقود نار جهنم وحطبها. { في جيدها حبل } قويّ مما مسد، أي: فتل فتلاً قويّاً من سلاسل النار لمحبتها الرذائل والفواحش فربطت هيئاتها وآثامها بذلك الحبل إلى عنقها تعذيباً لها بما يجانس خطاياها، والله اعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) | { وامرأته } عطف على المستكن فى سيصلى لكون الفصل بالمفعول يعنى زن اونيز بااودر آيد وداخل نارشود وهى ام جميل بنت حرب بن امية اخت ابى سفيان عمة معاوية رضى الله عنه واسمها العورآء وآن درهمسا يكئ حضرت عليه السلام خانه داشت وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنشرها بالليل فى طريق النبى عليه السلام تا خارى نعوذ بالله در دامنش آو يزديا دربايش خلد وكان عليه السلام يطأه كما يطأ الحرير وفى تفسير أبى الليث حتى صار النبى عليه السلام واصحابه فى شدة وعناء وفى تفسير الكاشفى وآن حضرت كه بنماز بيرون آمدى انها برسرراه بركرفتى وبطريق ملايمت كفتى اين جه نوع همسا يكيست كه يامن ميكنيد
| **ميريختند درره توخار باهمه جون كل شكفته بود رخ كلستان تو** | | |
| --- | --- | --- |
{ حمالة الحطب } الحطب ما اعد من الشجر شبوبا كما فى القاموس ونصب حمالة على الشتم والذم اى أذم حمالة الحطب قال الزمخشرى وانا استحب هذه القرآءة وقد توسل الى رسول الله عليه السلام بجميل من احب شتم ام جميل انتهى وقيل على الحالية بناء على ان الاضافة غير حقيقية اذا المراد انها تحمل يوم القيامة حزمة حطب كالزقوم والضريع وفى جيدها سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يناسب حاله فى جرمه وعن قتادة انها مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها فعيرت بالبخل فالنصب حينئذ على الشتم حتما وقيل كانت تمشى بالنميمة وتفسد بين الناس تحمل الحطب بينهم اى توقد بينهم النائرة وتورث الشر. بس هيزم كشى عبارتست از سخن جينى كه آتش خصومت ميان دوكس برمى افروزد
| **ميان دوكس جنك جون آتش است سخن جين بدبحت هيزم كش است كنند اين وآن خوش دكر باره دل وى اندرميان كور بخت وخجل ميان دوكس آتش افروختن نه عقلست خود درميان سوختن** | | |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) | يقول الحق جلّ جلاله: { تَبَّتْ } ، أي: هلكت { يَدَا أبي لهبٍ } هو عبد العزى بن عبد المطلب، عم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإيثار لفظ التباب على الهلاك، وإسناده إلى يديه، لِما رُوي أنه لمّا نزل:**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء:214] **" رقى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصفا، وقال: " يا صباحاه " فاجتمع إليه الناسُ من كل أوب، فقال: " يابني عبد المطلب! يابني فهر! أرأيتم إن أخبرتكم أنَّ بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي؟ " قالوا نعم، قال: " فإني نذير لكم بين يديْ عذابٍ شديدٍ " فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلاّ لهذا؟ وأخذ حجراً ليرميه به عليه الصلاة والسلام، فنزلت "** ، أي: خسرت يدا أبي لهب { وتَبَّ } اي: وهلك كله، وقيل: المراد بالأول: هلاك جملته، كقوله:**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج:10]. ومعنى " وتَبَّ ": وكان ذلك وحصل، ويؤيده قراءة ابن مسعود " وقد تب ". وذكر كنيته للتعريض بكونه جهنميًّا، لاشتهاره بها، ولكراهة اسمه القبيح. وقرأ المكي بسكون الهاء، تخفيفاً. { ما أَغْنَى عنه مالُه وما كَسَبَ } أي: لم يُغن حين حلّ به التباب، على أنّ " ما " نافية، أو: أيّ شيء أغنى عنه، على أنها استفهامية في معنى الإنكار، منصوبة بما بعدها، أي: ما أغنى عنه أصل ماله وما كسب به من الأرباح والمنافع، أو: ما كسب من الوجاهة والأتباع، أو: ماله الموروث من أبيه والذي كسبه بنفسه، أو: ما كسب من عمله الخبيث، الذي هو كيده في عداوته عليه الصلاة والسلام، أو: عمله الذي ظنّ أنه منه على شيء، لقوله تعالى:**{ وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً }** [الفرقان:23]، وعن ابن عباس: " ما كسب ولده " ، رُوي أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقًا فأنا أفدي منه نفسي بمالي وولدي، فاستخلص منه، وقد خاب مرجاه، وما حصل ما تمناه فافترس ولده " عُتبة " أسدٌ في طريق الشام، وكان صلى الله عليه وسلم دعا عليه بقوله: **" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "** وهلك هو نفسه بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال، فاجتنبه الناسُ مخالفةَ العدوى، وكانوا يخافون منها كالطاعونن فبقي ثلاثاً حتى تغيّر، ثم استأجروا بعض السودان، فحملوه ودفنوه، فكان عاقبته كما قال تعالى: { سَيصْلى ناراً } أي: سيدخل لا محالة بعد هذا العذاب الأجل ناراً { ذاتَ لهبٍ } أي: ناراً عظيمة ذات اشتعال وتوقُّد، وهي نار جهنم. قال أبو السعود: وليس هذا نصًّا في أنه لا يؤمن أبداً، فيكون مأموراً بالجمع بين النقيضين، فإنَّ صَلْي النار غير مختص بالكفار، فيجوز أن يُفهم من هذا أنَّ دخوله النار لفسقه ومعاصيه لا لكفره، فلا اضطرار إلى الجواب المشهور، من أنّ ما كلفه هو الإيمان بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إجمالاً، لا الإيمان بما نطق به القرآن، حتى يلزم أن يكلف الإيمان بعدم إيمانه المستمر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
هـ. { وامرأتُه }: عطف على المستكن في " يَصْلى " لمكان الفعل. وهي أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان، وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعد، فتنثرها بالليل في طريق النبي، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير. وقيل كانت تمشي بالنميمة، ويقال لمَن يمشي بالنميمة ويُفسد بين الناس: يحمل الحطب بينهم، أي: يُوقد بينهم النار، وهذا معنى قوله: { حمّالةَ الحطبِ } بالنصب على الذم والشتم، أو: الحالية، بناء على أنَّ الإضافة غير حقيقية، لوجوب تنكير الحال، وقيل: المراد: أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب جهنم كالزقوم والضريع. وعن قتادة: أنها مع كثرة مالها كانت تحمل الحطب على ظهرها، لشدة بُخلها، فعيرت بالبخل، فالنصب حينئذ على الذم حتماً. ومَن رفع فخبر عن " امرأته " ، أو: خبر عن مضمر متوقف على ما قبله. وقُرىء " ومُرَيَّتُه " فالتصغير للتحقير، { في جِيدِها } في عُنقها { حَبْلٌ من مَسَد } والمسد: الذي فُتل من الحبال فتلاً شديداً من ليف المُقْل أو من أي ليفٍ كان وقيل: من لحاء شجر باليمن، وقد يكون من جلود الإبل وأوبارها. قال الأصمعي: صلّى أربعة من الشعراء خلف إمام اسمه " يحيى " فقرأ: " قل هو الله أحد " فتعتع فيها، فقال أحدهم:
| **أكثَرَ يَحْيى غلطا في قل هو الله أحد** | | |
| --- | --- | --- |
وقال الثاني:
| **قام طويلاً ساكتاً حتى إذا أعيا سجد** | | |
| --- | --- | --- |
وقال الثالث:
| **يزْحَرُ في محرابه زحيرَ حُبْلى بوتد** | | |
| --- | --- | --- |
وقال الرابع:
| **كــأنمـــا لسانـــه شُدّ بحبلٍ من مسد** | | |
| --- | --- | --- |
والمعنى: في جيدها حبل مما مُسد من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك، وتربطها في جيدها، كما يفعل الحطّابون، تحقيراً لها، وتصويراً لها، بصورة بعض الحطّابات، لتجزع من ذلك ويجزع بعلُها، وهما من بيت الشرف والعزّ. رُوي أنها لمّا نزلت فيها الآية أتت بيتَه صلى الله عليه وسلم وفي يدها حجر، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه الصدّيق، فأعماها اللهُ عن رسول صلى الله عليه وسلم ولم ترَ إلاّ الصدّيق، قالت: أين محمد؟ بلغني أنه يهجوني، لئن رأيته لأضربن فاه بهذا الفِهر. هـ. ومن أين ترى الشمسَ مقلةٌ عمياء، وقيل: هو تمثيل وإشارة لربطها بخذلانها عن الخير، ولذلك عظم حرصها على التكذيب والكفر. قال مُرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بحزمة من حسك، فتطرحها في طريق المسلمين، فبينما هي ذات ليلة حاملة حزمة أعيت، فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها الملك من خلفها بحبلها فاختنقت، فهلكت. هـ. الإشارة: إنما تبّت يدا أبي لهب، وخسر، وافتضح في القرآن على مرور الأزمان، لأنه أول مَن أظهر الكفر والإنكار، فكان إمام المنكِرين، فكل مَن بادر بالإنكار على أهل الخصوصية انخرط في سلك أبي لهب لا يُغني عنه مالُه وما كسب وسيصلى نارَ القطيعة والبُعد ذات احتراق ولهب، وامرأته، اي: نفسه، حمّالة حطب الأوزار، في جيدها حبل من مسد الخذلان. وبالله التوفيق وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) | { وامرأته حمالة الحطب } قال: كانت أم جميل بنت صخر، وكانت تنم على رسول الله صلى الله عليه وآله وتنقل أحاديثه إلى الكفار، حمالة الحطب أي احتطبت على رسول الله صلى الله عليه وآله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) | قرأ عاصم { حمالة الحطب } نصباً على الذم. الباقون بالرفع على أنه خبر الابتداء، ويجوز أن يكون ارتفع { امرأته } على أنه فاعل { سيصلي } فكأنه قال سيصلى أبو لهب وامرأته ناراً ذات لهب. وقرأ ابن كثير { يدا أبي لهب } ساكنة الهاء على التخفيف، كما قالوا فى نهر: نهر. الباقون بالتثقيل.
وروي أن أبا لهب كان قد عزم على أن يرمي النبي صلى الله عليه وآله بحجر فمنعه الله من ذلك، وقال تبت يداه للمنع الذي وقع به. ثم قال " وتب " بالعقاب الذي ينزل به فيما بعد، وقيل فى قوله { تبت يدا أبي لهب } أنه الدعاء عليه نحو قوله**{ قاتلهم الله أنى يؤفكون }** فاما قوله { وتب } فانه خبر محض، كأنه قال: وقد تب. وقيل: إنه جواب لقول أبي لهب: تباً لهذا من دين، حين نادى النبي صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب، فلما اجتمعوا له قال لهم: إن الله بعثني إلى الناس عاماً وإليكم خاصاً، وأن اعرض عليكم ما إن قبلتموه ملكتم به العرب والعجم. قالوا وما ذلك يا محمد صلى الله عليه وآله قال: **" أن تقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله "** فقال أبو لهب تباً لهذا من دين. فأنزل الله تعالى قوله { تبت يدا أبي لهب } والتباب الخسران المؤدي إلى الهلاك تبه يتب تباً، والتباب الهلاك. وفى { تبت يدا } مع أنه إخبار ذم لابي لهب لعنة الله. وإنما قال: تبت يداه ولم يقل: تب، مع انه هو الهالك فى الحقيقة لأنه جار مجرى قوله كسبت يداه، لأن اكثر العمل لما كان باليدين أضيف ذلك اليهما على معنى الخسران الذي أدى اليه العمل بهما.
وقوله { ما أغني عنه ماله وما كسب } معناه ما نفعه ماله ولا الذي كسبه من الاموال، ولا دفع عنه عقاب الله حين نزل به، فالاغناء عنه الدفع عنه، فأما الاغناء بالمال ونحوه فهو دفع وقوع المضارّ به.
وقوله { سيصلى ناراً ذات لهب } خبر من الله تعالى أن أبا لهب سيصلى ناراً ذات لهب، وهي نار جهنم المتلهبة. وفى ذلك دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وآله، لأنه اخبر بأنه يموت على كفره، وكان الأمر على ذلك.
وقوله { وامرأته حمالة الحطب } قال ابن عباس والضحاك وابن زيد: إن امرأة ابي لهب كانت تحمل الشوك فتطرحه فى طريق النبي صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الصلاة وقال عكرمة ومجاهد وقتادة: إنما وصفت بحمالة الحطب، لأنها كانت تمشي بالنميمة وقيل: حمالة الحطب فى النار. وفى ذلك دلالة أيضاً قاطعة على أنها تموت على الكفر. وامرأة أبي لهب أم جميل بنت حرب اخت ابي سفيان عمة معاوية،.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقوله { في جيدها حبل من مسد } فالمسد حبل من ليف، وجمعه أمساد وإنما وصفت بهذه الصفة تخسيساً لها وتحقيراً والجيد العنق، قال ذو الرمة:
| **فعيناك عيناها ولونك لونها** | | **وجيدك إلا انه غير عاطل** |
| --- | --- | --- |
وقال ابو عبيدة: المسد حبل يكون من ضروب، قال الراجز:
| **ومسد امر عن أيانق** | | **صهب عناق ذات منح زاهق** |
| --- | --- | --- |
والمسد الليف لان من شأنه أن يفتل للحبل. وأصل المسد المحور من حديد، لانه يدور بالفتل. وقال قوم: هو اليف المفتل.
فان قيل: ما الذي كان يجب على أبي لهب حين سمع هذه السورة؟ أكان يجب عليه ان يؤمن؟ فلو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله بأنه سيصلى ناراً ذات لهب، وإن لم يجب عليه الايمان فذلك خلاف الاجماع؟!!
قيل: خبر الله مشروط بأنه سيصلي ناراً ذات لهب إن لم يؤمن، ويجب عليه أن يعلم ذلك، وهذا أبين الاجوبة واظهرها. والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) | { (1) تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ } اي خسرت وهلكت فانّ التّباب خسران يؤدّي الى الهلاك قيل اريد بيده نفسه كقوله ولا تلقوا بأيديكم وقيل بل المراد دنياه وآخرته.
{ وَتَبَّ } اخبار بعد اخبار او دعاء عليه بعد دعاء.
{ (2) مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } حين نزل به التّباب قيل انّه مات بالعدسة بعد وقعة بدر بأيّام معدودة وترك ثلثاً حتّى انتن ثم استوجر بعض السودان فدفنوه.
{ (3) سَيَصْلَى نَارَاً ذَاتَ لَهَبٍ }.
{ (4)وَٱمْرَأَتُهُ } وهي أمّ جميل اخت ابي سفيان { حَمَالَةُ الْحَطَبِ } قيل يعني حطب جهنّم فانّها كانت تحمل الاوزار بمعادة الرسول وتحمل زوجها على ايذائه وقيل بل اريد به حزمة الشوك والحسك كانت تحملها فتنشرها باللّيل في طريق رسول الله صلّى الله عليه وآله وقرىء بالنّصب على الشتم.
{ (5) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } اي ممّا مسد اي فتل يعني من نار القمّي تبّت يدا ابي لَهَبٍ قال اي خسرت لمّا اجتمع مع قريش في دار النّدوة وبايعهم على قتل محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان كثير المال فقال الله ما اغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب عليه فتحرقه وامرأته حمّالة الحطب قال كانت امّ جميل بنت صخر وكانت تنم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وتنقل احاديثه الى الكفّار حمّالة الحطب اي احتطبت على رسول الله صلّى الله عليه وآله في جيدها اي في عنقها حبل من مسد اي من نار قال وكان اسم ابي لهب عبد مناف فكنّاه الله لأنّ منافاً صنم يعبدونه.
وفي المجمع في قوله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين.
عن ابن عبّاس قال لمّا نزلت هذه الآية صعد رسول الله صلّى الله عليه وآله على الصّفا فقال يا صباحاه فاجتمعت اليه قريش فقالوا ما لك فقال ارأيتم ان اخبرتكم انّ العدوّ مصبحكم وممسيكم ما كنتم تصدّقونني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال ابو لهب تبّاً لك الهذا دعوتنا جيمعاً فأنزل الله عزّ وجلّ تبّت يدا ابي لهب وتبّ السورة.
وفي قرب الاسناد عن الكاظم عليه السلام في حديث آيات النبيّ صلّى الله عليه وآله قال ومن ذلك انّ امّ جميل امرأة ابي لهب اتته حين نزلت سورة تبّت ومع النبيّ صلّى الله عليه وآله ابو بكر بن ابي قحافة فقال يا رسول الله هذه امّ جميل محفظة اي مغضبة تريدك ومعها حجر تريد ان ترميك به فقال انّها لا تراني فقالت لأبي بكر اين صاحبك قال حيث شاء الله قالت لقد جئته ولو أراه لرميته فانّه هجاني واللاّت والعزّى انّي لشاعرة فقال ابو بكر يا رسول الله لم ترك قال لا ضرب الله بيني وبينها حجاباً.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام قال اذا قرأتم تبّت يدا ابي لهب وتبّ فادعوا على ابي لهب فانّه كان من المكذّبين بالنبيّ وبما جاء من عند الله تعالى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) | { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قرئ حمّالة الحطب بالرّفع وحينئذٍ يجوز ان يكون امرأته عطفاً على المستتر فى يصلى وان يكون عطفاً على ما اغنى على ان يكون فاعل تبّ او على يدا ابى لهبٍ ويكون حمّالة الحطب على التّقادير خبر مبتدءٍ محذوفٍ او صفة لامرأته اذا جعل معرفة بالاضافة، ويجوز ان يكون امرأته مبتدءً وحمّالة الحطب خبره او صفته، والجملة معطوفة على واحدةٍ من الجمل السّابقة، وقرئ حمّالة الحطب بالنّصب حالاً او مفعولاً لمحذوفٍ او منصوباً على الاختصاص، وامرأته على الوجوه السّابقة الاّ انّه اذا كان مبتدءً يكون خبره بعده وسمّيت حمّالة الحطب لانّها كانت تحمل الاوزار الّتى هى وقود جهنّم بمعاداة الرّسول (ص) او تحمل النّاس وتحمل زوجها على معاداة الرّسول وتجرّهم الى جهنّم بالصّدّ عن رسول الله (ص) والحمل على معاداته، او لانّها كانت تمشى بالنّميمة بين النّاس فيوقد نار العداوة بينهم وتسمّى النّميمة حطباً لذلك، او لانّها كانت تحمل حزمة الشّوك والخسك فتنشرها فى طريق الرّسول (ص).
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) | قلت: التب: الخسران المؤدي الى الهلاك، تبّ يتبّ تباً والتباب الهلاك ومعنى { تبت } خسرت وهلكت، وفي هذا اخبار وذم له، وقيل: فيه بمعنى الدعاء نحو قاتلهم الله { يدا أبي لهب } فأخبر عن يده والمراد نفسه، وقيل: المراد اليد بعينها حين أراد أن يرمي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فمنعه الله منه، فقال: خسرت يدا أبي لهب، قيل: هي كناية واسمه عبد العزى، وقيل: كنايته، وقيل: سمي بذلك لحسنه واشراق وجهه وكان وجنتاه يلتهبان، وقيل: كني بذلك لأنه يصير الى النار ويعذب باللهب، وقيل: كان مشهوراً بالكنية فأراد أن يشتهر بالفضيحة { وتب } قيل: الواو للعطف، وقيل: للحال، قيل: وقد تب أي خسر وهلك، وقيل: الأول هلاك ماله، والثاني هلاك نفسه، والمعنى هلاك ماله ونفسه { ما أغنى عنه } أي ما كفا عنه ماله من عذاب الله شيئاً، وعن ابن مسعود: ان أبا لهب لما دعاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الى الاسلام وأخبره بالجنة والنار قال: ان ما يقول ابن اخي حقاً فاني أفتدي نفسي بمالي، فبين أنه لا يغني عنه ماله شيئاً، وقيل: معناه أي شيء يغني عنه ماله إذا نزل به عذاب الله { وما كسب } قيل: ولده، وقيل: كسبه أمواله، وقيل: أفعاله، ومتى قيل: من أي شيء لا يغني عنه ماله، قيل: فيه وجهان أحدهما من عذاب الله في الآخرة والثاني ما حل به في الدنيا { سيصلى ناراً } يعني سيفعل به ذلك { ذات لهب } يتوقد { وامرأته } أي ستصلى امرأته بتلك النار وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان عمة معاوية وكانت عوراء { حمالة الحطب } قيل: كانت تمشي بالنميمة فوصفت بحمالة الحطب كأنها نقّالة الحديث والكذب، وانما شبهت النميمة بالحطب لأن الحطب يوقد به الثأر والنميمة يوقد بها نار العداوة، وقيل: كانت تأتي بالشوك فتطرحه على طريق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا خرج الى الصلاة، وروي أنها كانت تأتي بالحسك فتطرحه في طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة حطب فأعيت فقعدت على حجرة لتستريح فأتاها ملك فحزفها من خلفها فأهلكها، وقيل: حمالة الخطايا ونظيره يحملون أوزارهم { في جيدها } في عنقها { حبل من مسد } قيل: تحمل الحطب بحبل من ليف، وأصل المسد الفتل وجمعه أمساد، ومنه الليف لأن من شأنه أن يفتل الحبل وكانت تحمل به حتى تلقي الشوك على ما تقدم، وقيل: سلسلة من حديد سبعون ذراعاً تدخل من فيها وتخرج من دبرها في النار، وعن ابن عباس: وقيل: ذلك الحبل الذي تحمل به يكون في عنقها في النار ويحتمل أن يكون حالها في النار على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجر الزقوم أو من الضريع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) | تفسير سورة تبّت يدا، وهي مكية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرِّحِيمِ } قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي: خسرت يدا أبي لهب { وَتبَّ } أي: وخسر. { مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } يعني ولده، أي: إذا صار إلى النار.
قال تعالى: { سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }.
قال: { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }. قال الحسن: كانت تلقي العضاه على طريق النبي عليه السلام، فكأنما يطأ به كثيباً. وقال مجاهد: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } يعني حمالة النميمة؛ [تمشي بالنميمة].
قال تعالى: { فِي جِيدِهَا } أي: في عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }. قال بعضهم: في عنقها قلادة فيها ودعات من مسد.
ذكروا أن رجلاً سأل النبي عليه السلام: وما المسد؟ قال: أما رأيتم الخيوط الصفر والحمر تنعقد فيها البرود اليمانية فإنها تجعلها في عنقها.
وقال ابن عباس: المسد: الحديد. وقال الكلبي: في عنقها سلسلة من حديد من نار ذرعها سبعون ذراعاً، وهي حبل من مسد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) | { وَامْرَأَتِهِ } عطف على المستتر في يصلي وقرئ ومريته بالتصغير وإنما عطف على ذلك الضمير لوجود الفصل ويجوز كونه مبتدأ خبره ستصلى محذوفا أو حمالة وعلى العطف فحمالة خبر لمحذوف وفي جيدها الخ خبر آخر وعلى حذف الخبر فحمالة الخ خبران آخران وهي أم جميل بن حرب أخت أبي سفيان عمة معاوية كانت شديدة العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. \* { حَمَّالَةَ الحَطَبِ } حطب جهنم فإنها كانت تحمل الأوزار بمعادات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحمل زوجها على إيذائه وحطب النار الأخيرة هو الذنوب وقيل كانت تمشي بالنميمة يقال للمشاء بالنمائم يحمل الحطب أي يوقد بينهم النار ويورث الشر وقيل كانت تحمل الشوك والحسك والسعدان وتنشرها في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال بعض وطريق أصحابه لتعقرهم وقيل كانت تضع العصاة وهي جمر على طريق النبي صلى الله عليه وسلم فكان يطأها كثيبا وكانت في بيت عز ومال ومع ذلك تحمل الحطب المذكور بنفسها للبخل والحرص على مباشرة الإيذاء بنفسها، وقرئ حمالة بالنصب على الشتم قال جار الله وأنا أستحب هذه القراءة وقد توسل إلي رسول الله بجميل من أحب شتم أم جميل وهي قراءة عاصم، وقرئ حمالة للحطب بالنصب والرفع مع التنوين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) | { وامْرَأتُهُ } عطف على ضمير يصلى لا مبتدأ مخبر عنه بحمالة أو منعوت به والخبر الجملة بعده وإن كان الذم بمجرد حمل الحطب أو النميمة بلا تصريح بدخول النار وهى أُم جميل بنت حرب ابن أُمية أُخت أبى سفيان عمة معاوية وكانت عوراء، روى جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر وهما من أهل البيت أن عقيل بن أبى طالب وهو من أجداد ابن عقيل شارح الأُلفية دخل على معاوية فقال معاوية أين ترى عمك أبا لهب من النار فقال إذا دخلتها فهو عن يسارك مفترش عمتك حمالة الحطب والراكب خير من المركوب وكان معاوية حليماً جداً يتحمل فإن صح الخبر فلعل إذا بمعنى إن الشرطية لكن من أين له أن يعلم أنه على يساره وأنه فوقها وكأنه فرض كلام فى سرعة جواب وانتقام فى عجلة.
{ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } تحتطب سراً وخفاء عن الناس لئلا تعاب وكانت راغبة فى المال شحيحة عن أن تشترى أو تاجر وإن اشترته حملته على ظهرها سراً وكانت أيضاً تضع شوك الحطب حزمة فى طريق النبى - صلى الله عليه وسلم - فيلينه الله فلا يضره فذلك تعيير لها بالبخل، وعن ابن عباس حمل الحطب عبارة عن المشى بالنميمة بين الناس يقال للنمام يحمل الحطب بين الناس فالحطب استعارة للنار وقال الطبرى الحطب الخطايا والذنوب ومنها عداوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله كما يقول المظلوم للظالم احمل حقى على ظهرك فالاستعارة تمثيلية أو مفردة باستعارة لفظ الحطب للخطايا والذنوب لأن كلا مبدأ للإحراق نار الدنيا بالحطب ونار الآخرة بالمعاصى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) | وقوله تعالى: { وَٱمْرَأَتُهُ } عطف على المستكن في**{ سَيَصْلَىٰ }** [المسد: 3] لمكان الفصل بالمفعول وقوله تعالى: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نصب على الشتم والذم وقيل على الحالية بناء على أن الإضافة غير حقيقية للاستقبال على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى. وهي أم جميل بنت حرب أخت أبـي سفيان أخرج ابن عساكر عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر رضي الله تعالى عنهما أن عقيل بن أبـي طالب دخل على معاوية فقال معاوية له أين ترى عمك أبا لهب من النار؟ فقال له عقيل إذا دخلتها فهو على يسارك مفترش عمتك حمالة الحطب والراكب خير من المركوب ولا أظن صحة هذا الخبر عن الصادق لأن فيه ما فيه وكانت على ما في «البحر» عوراء ووسمت بذلك لأنها على ما أخرج ابن أبـي حاتم وابن جرير عن ابن زيد كانت تأتي بأغصان الشوك تطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كانت تحمل حزمة الشوك والحسك والسعدان فتنثرها بالليل في طريقه عليه الصلاة والسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير وروي عن قتادة أنها مع كثرة مالها كانت تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها فعيرت بالبخل وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم عنه وعن مجاهد أنها كانت تمشي بالنميمة وأخرجه ابن أبـي حاتم عن الحسن أيضاً وروي عن ابن عباس والسدى ويقال لمن يمشي بها يحمل الحطب بين الناس أي يوقد بينهم النائرة ويؤرث الشر فالحطب مستعار للنميمة وهي استعارة مشهورة ومن ذلك قوله:
| **من البيض لم تصطد على ظهر لامة** | | **ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب** |
| --- | --- | --- |
وجعله رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشر ففيه إيغال حسن وكذا قول الراجز:
| **إن بني الأدرم حمالو الحطب** | | **هم الوشاة في الرضاء والغضب** |
| --- | --- | --- |
وقال ابن جبير حمالة الخطايا والذنوب من قولهم فلان يحطب على ظهره إذا كان يكتسب الآثام والخطايا والظاهر أن الحطب عليه مستعار للخطايا بجامع أن كلاً منها مبدأ للإحراق وقيل الحطب جمع حاطب كحارس وحرس أي تحمل الجناة على الجنايات وهو محمل بعيد.
وقرأ أبو حيوة وابن مقسم (سيصلي) بضم الياء وفتح الصاد وشد اللام (ومريئته) بالتصغير والهمز وقرىء (ومريته) بالتصغير وقلب الهمزة ياء وإدغامها وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق (سيصلي) بضم الياء وسكون الصاد. واختلس حركة الهاء في (امرأته) أبو عمرو في رواية وقرأ أبو قلابة (حاملة الحطب) على وزن فاعلة مضافاً وقرأ الأكثرون (حمالة الحطب) بالرفع والإضافة وقرىء (حمالة للحطب) بالتنوين رفعاً ونصباً وبلام الجر في (الحطب).
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) | أعقب ذم أبي لهب ووعيدهُ بمثل ذلك لامرأته لأنها كانت تشاركه في أذى النبي صلى الله عليه وسلم وتعينه عليه. وامرأته أي زوجُه، قال تعالى في قصة إبراهيم**{ وامرأته قائمة }** هود 71 وفي قصة لوط**{ إلا امرأته كانت من الغابرين }** الأعراف 83 وفي قصة نسوة يوسف**{ امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه }** يوسف 30. وامرأة أبي لهب هي أم جَميل، واسمها أرْوَى بنتُ حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان ابن حرب، وقيل اسمها العَوراء، فقيل هو وصف وأنها كانت عوراء، وقيل اسمها، وذكر بعضهم أن اسمها العَوَّاء بهمزة بعد الواو. وكانت أم جميل هذه تحمل حطب العضاه والشوككِ فتضعه في الليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم الذي يسلك منه إلى بيته ليعقِر قدميه. فلما حصل لأبي لهب وعيد مقتبس من كنيته جُعل لامرأته وعيد مقتبَس لفظُه من فِعلها وهو حَمْل الحطب في الدنيا، فأُنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقَد به على زوجها، وذلك خزي لها ولزوجها إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، وجعلها سبباً لعذاب أعز الناس عليها. فقوله { وامرأته } عطف على الضمير المستتر في**{ سيصلى }** المسد 3 أي وتصلى امرأته ناراً. وقوله { حمالةُ الحطب } قرأه الجمهور برفع { حمّالةُ } على أنه صفة لامرأته فيَحتمل أنها صفتها في جهنم ويحتمل أنها صفتها التي كانت تعمل في الدّنيا بجلب حطب العضاه لتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم على طريقة التوجيه والإِيماء إلى تعليل تعذيبها بذلك. وقرأه عاصم بنصب { حمالة } على الحال من { امرأته }. وفيه من التوجيه والإِيماء ما في قراءة الرفع. وجملة { في جيدها حبل من مسد } صفة ثانية أو حال ثانية وذلك إخبار بما تعامل به في الآخرة، أي جعل لها حبل في عنقها تحمِل فيه الحطب في جهنم لإِسعار النار على زوجها جزاء مماثلاً لعملها في الدنيا الذي أغضب الله تعالى عليها. والجِيد العُنق، وغلَب في الاستعمال على عنق المرأة وعلى محل القلادة منه فَقَلّ أن يذكر العُنق في وصف النساء في الشعر العربي إلا إذا كان عُنُقاً موصوفاً بالحسن وقد جمعهما امرؤ القيس في قوله
| **وجيدٍ كجِيد الرِئم ليس بفاحش إذا هي نَصَّتْه ولا بمُعَطَّل** | | |
| --- | --- | --- |
قال السهيلي في «الروض» «والمعروف أن يذكر العنق إذا ذكر الحَلي أو الحُسن فإنما حَسُن هنا ذِكر الجيد في حكم البلاغة لأنها امرأة والنساء تحلي أجيادَهن وأم جميل لا حلي لها في الآخرة إلا الحَبل المجعول في عنقها فلما أقيم لها ذلك مقام الحَلي ذُكر الجيد معه، ألا ترى إلى قول الأعشى
| **يومَ تبدي لنا قتيلةُ عن جيــــ ــــد أسيل تزينُه الأطواق** | | |
| --- | --- | --- |
ولم يقل عن عنق، وقول الآخر
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **وأحسن من عقد المليحة جيدُها** | | |
| --- | --- | --- |
ولم يقل عنقها ولو قال لكان غثاً من الكلام. ا هــــ. قلت وأما قول المعري
| **الحَجْلُ للرِّجْل والتاجُ المُنيفُ لما فوقَ الحِجَاج وعِقْد الدرّ للعنق** | | |
| --- | --- | --- |
فإنما حسنه ما بين العقد والعنق من الجناس إتماماً للمجانسة التي بين الحَجْل والرجل، والتاج والحجاج، وهو مقصود الشاعر. والحبْل ما يربط به الأشياء التي يراد اتصالُ بعضها ببعض وتقيدُ به الدابة والمسجون كيلا يبرح من المكان، وهو ضفير من الليف أو من سُيور جلد في طول متفاوت على حسب قوة ما يشد به أو يربط في وتدٍ أو حلقة أو شجرة بحيث يمنع المربوط به من مغادرة موضعه إلى غيره على بعد يراد، وتربط به قلوع السفن وتشد به السفن في الأرض في الشواطىء، وتقدم في قوله تعالى**{ واعتصموا بحبل اللَّه جميعاً }** في سورة آل عمران 103 وقوله**{ إلا بحبل من اللَّه وحبل من الناس }** في سورة آل عمران 112، ويقال حبله إذا ربطه. والمسدّ ليف من ليف اليمن شديد، والحِبال التي تفتل منه تكون قوية وصُلبة. وقدم الخبر من قوله { في جيدها } للاهتمام بوصف تلك الحالة الفظيعة التي عوضت فيها بحبل في جيدها عن العقد الذي كانت تحلي به جيدها في الدنيا فتربط به إذ قد كانت هي وزوجها من أهل الثراء وسادة أهل البطحاء، وقد ماتت أم جميل على الشرك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) | بيان وعيد شديد لأبي لهب بهلاك نفسه وعمله وبنار جهنم ولامرأته، والسورة مكية. قوله تعالى { تبت يدا أبي لهب وتب } التب والتباب هو الخسران والهلاك على ما ذكره الجوهري، ودوام الخسران على ما ذكره الراغب، وقيل الخيبة، وقيل الخلو من كل خير والمعاني - كما قيل - متقاربة فيد الإِنسان هي عضوه الذي يتوصل به إلى تحصيل مقاصده وينسب إليه جل أعماله، وتباب يديه خسرانهما فيما تكتسبانه من عمل وإن شئت فقل بطلان أعماله التي يعملها بهما من حيث عدم انتهائها إلى غرض مطلوب وعدم انتفاعه بشيء منها وتباب نفسه خسرانها في نفسها بحرمانها من سعادة دائمة وهو هلاكها المؤبد. فقوله { تبت يدا أبي لهب وتب } أي أبو لهب، دعاء عليه بهلاك نفسه وبطلان ما كان يأتيه من الأعمال لإِطفاء نور النبوَّة أو قضاء منه تعالى بذلك. وأبو لهب هذا هو أبو لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد المعاداة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مصراً في تكذيبه مبالغاً في إيذائه بما يستطيعه من قول وفعل وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تباً لك لما دعاهم إلى الإِسلام لأول مرة فنزلت السورة ورد الله التباب عليه. وذكر بعضهم أن أبا لهب اسمه وإن كان في صورة الكنية، وقيل اسمه عبد العزى وقيل عبد مناف وأحسن ما قيل في ذكره في الآية بكنيته لا باسمه أن في ذلك تهكماً به لأن أبا لهب يشعر بالنسبة إلى لهب النار كما يقال أبو الخير وأبو الفضل وأبو الشر في النسبة إلى الخير والفضل والشر فلما قيل { سيصلى ناراً ذات لهب } فهم منه أن قوله { تبت يدا أبي لهب } في معنى قولنا تبت يدا جهنمي يلازم لهبها. وقيل لم يذكر باسمه وهو عبد العزى لأن عزّى اسم صنم فكره أن يعد بحسب اللفظ عبداً لغير الله وهو عبد الله وإن كان الاسم إنما يقصد به المسمى. قوله تعالى { ما أغنى عنه ماله وما كسب } ما الأُولى نافية وما الثانية موصولة ومعنى { ما كسب } الذي كسبه بأعماله وهو أثر أعماله أو مصدرية والمعنى كسبه بيديه وهو عمله، والمعنى ما أغنى عنه عمله. ومعنى الآية على أي حال لم يدفع عنه ماله ولا عمله - أو أثر عمله - تباب نفسه ويديه الذي كتب عليه أودعي عليه. قوله تعالى { سيصلى ناراً ذات لهب } أي سيدخل ناراً ذات لهب وهي نار جهنم الخالدة، وفي تنكير لهب تفخيم له وتهويل. قوله تعالى { وامرأته حمَّالة الحطب } عطف على ضمير الفاعل المستكن في { سيصلى } والتقدير وستصلى امرأته الخ و { حمالة الحطب } بالنصب وصف مقطوع عن الوصفية للذم أي أذم حمالة الحطب، وقيل حال من { امرأته } وهو معنى لطيف على ما سيأتي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قوله تعالى { في جيدها حبل من مسد } المسد حبل مفتول من الليف، والجملة حال ثانية من امرأته. والظاهر أن المراد بالآيتين أنها ستتمثل في النار التي تصلاها يوم القيامة في هيئتها التي كانت تتلبس بها في الدنيا وهي أنها كانت تحمل أغصان الشوك وغيرها تطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تؤذيه بذلك فتعذب بالنار وهي تحمل الحطب وفي جيدها حبل من مسد. قال في مجمع البيان وإذا قيل هل كان يلزم أبا لهب الإِيمان بعد هذه السورة وهل كان يقدر على الإِيمان ولو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله سبحانه بأنه سيصلى ناراً ذات لهب. فالجواب أن الإِيمان يلزمه لأن تكليف الإِيمان ثابت عليه وإنما توعده الله بشرط أن لا يؤمن انتهى موضع الحاجة. أقول مبنى الاشكال على الغفلة من أن تعلق القضاء الحتمي منه تعالى بفعل الإِنسان الاختياري لا يستوجب بطلان الاختيار واضطرار الإِنسان على الفعل فإن الإِرادة الإِلهية - وكذا فعله تعالى - إنما يتعلق بفعله الاختياري على ما هو عليه أي أن يفعل الإِنسان باختياره كذا وكذا فلو لم يقع الفعل اختيارياً تخلف مراده تعالى عن إرادته وهو محال وإذا كان الفعل المتعلق للقضاء الموجب اختيارياً كان تركه أيضاً اختيارياً وإن كان لا يقع فافهم وقد تقدم هذا البحث في غير موضع من المباحث السابقة. فقد ظهر بذلك أن أبا لهب كان في اختياره أن يؤمن وينجو بذلك عن النار التي كان من المقضي المحتوم أن يدخلها بكفره. ومن هذا الباب الآيات النازلة في كفار قريش أنهم لا يؤمنون كقوله**{ إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون }** البقرة 6، وقوله**{ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون }** يس 7، ومن هذا الباب أيضاً آيات الطبع على القلوب. بحث روائي في المجمع في قوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصفا فقال يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا مالك؟ فقال أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم وممسيكم ما كنتم تصدقونني؟ قالوا بلى. قال فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال أبو لهب تباً لك ألهذا دعوتنا جميعاً؟ فأنزل الله عز وجل { تبت يدا أبي لهب }. أقول ورواه أيضاً في تفسير السورة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولم يذكر فيه كون الدعوة عند نزول آية { وأنذر عشيرتك } الآية. وفيه أيضاً عن طارق المحاربي قال بينما أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه فقلت من هذا؟ فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وفي قرب الإِسناد بإسناده إلى موسى بن جعفر عليه السلام في حديث طويل يذكر فيه آيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من ذلك **" أن أُم جميل امرأه أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبت ومع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر بن أبي قحافة فقال يا رسول الله هذه أُم جميل محفظة أي مغضبة تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به فقال صلى الله عليه وآله وسلم إنها لا تراني فقالت لأبي بكر أين صاحبك؟ قال حيث شاء الله قالت جئته ولو أراه لرميته فإنه هجاني واللات والعزى إني لشاعرة فقال أبو بكر يا رسول الله لم ترك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم لا. ضرب الله بيني وبينها حجاباً ".** أقول وروي ما يقرب منه بغير واحد من طرق أهل السنة. وفي تفسير القمي في قوله تعالى { وامرأته حمالة الحطب } قال كانت أُم جميل بنت صخر وكانت تنم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتنقل أحاديثه إلى الكفار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) | معنى { تَبَّتْ } هلكت وخسرت، ومنه قوله - تعالى -**{ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }** وقوله - سبحانه -**{ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }** وقوله { وَتَبَّ } أى وقد تب وهلك وخسر، فالجملة الأولى دعاء عليه بالهلاك والخسران، والجملة الثانية إخبار عن أن هذا الدعاء قد استجيب، وأن الخسران قد نزل به فعلا. أى خسرت وخابت يدا أبى لهب، وقد نزل هذا الهلاك والخسران به، بسبب عداوته الشديدة للحق، الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم من عند ربه - سبحانه -. والمراد باليدين هنا ذاته ونفسه، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، كما فى قوله - تعالى -**{ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** ويجوز أن يكون المراد باليدين حقيقتهما، وذلك لأنه كان يقول يعدنى محمد صلى الله عليه وسلم بأشياء، لا أدرى أنها كائنة، يزعم أنها بعد الموت، فلم يضع فى يدى شئ من ذلك، ثم ينفخ فى يديه ويقول تبا لكما ما أرى فيكما شيئا. وقوله - سبحانه - { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } كلام مستأنف للانتقال من ذمه والدعاء عليه بالهلاك، إلى بيان أن ماله وجاهه.. لن يغنى عنه من عذاب الله - تعالى - شيئا. أى أن أبا لهب لن يغنى عنه ماله الكثير، وكسبه الوفير من حطام الدنيا.. لن يغنى عنه شيئا من عذاب الله - تعالى -، أو شيئا من انتشار رسالة الله - تعالى - فى الأرض، فإن الله - سبحانه - ناصر نبيه صلى الله عليه وسلم ومؤيده بروح منه. والتعبير بالماضى فى قوله { مَآ أَغْنَىٰ... } لتحقيق وقوع عدم الإِغناء. والراجح أن " ما " الأولى نافية، والثانية موصولة، أى ما أغنى عنه شيئا ماله الذى ورثه عن أبيه، وأيضا ما أغنى عنه شيئا ماله الذى جمعه واكتسبه هو بنفسه عن طريق التجارة وغيرها. وقوله - سبحانه - { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } بيان للعاقبة السيئة التى تنتظره، بعد هذا الذم والتأنيب والوعيد. أى سيلقى بأبى لهب فى نار شديدة الحرارة، تشوى الوجوه والأبدان، ووصف - سبحانه - النار بأنها " ذات لهب " لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وكفره، إذ هو معروف بأبى لهب، والنار موصوفة بأنها ذات لهب شديد. ثم أعقب - سبحانه - ذلك، بذم زوجه التى كانت تشاركه العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }. وقوله { وَٱمْرَأَتُهُ } معطوف على الضمير المستتر العائد على أبى لهب فى قوله { سَيَصْلَىٰ } ، وانتصاب لفظ " حمالةَ " على الذم بفعل مضمر، لأن المقصود به هنا الذم، وقرأ الجمهور { حَمَّالَةَ } - بالرفع - على أنه صفة لها، أو خبر لمبتدأ محذوف، أى هى حمالة الحطب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والمقصود بقوله - تعالى - { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } الحقيقة، فقد روى أنها كانت تحمل بنفسها حزمة الشَّوْك والحسك والسَّعْدَان، فتنثرها بالليل فى طريقه صلى الله عليه وسلم، لإِيذائه به، ويصح أن يكون المراد بهذه الجملة الكناية عن مشيها بين الناس بالنميمة، وإشاعة السوء حول الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقال لمن يمشى بالنميمة ليفسد بين الناس، إنسان يحمل الحطب بين الناس، أى أنه يفسد بينهم. ويصح أن يكون المقصود بهذه الجملة، حملها للذنوب والخطايا، من قولهم فلان يَحْطِب على ظهره، إذا كان يكتسب الذنوب والخطايا، فاستعير الحطب لذلك. وقد رجح الإِمام ابن جرير القول الأول، لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه فى طريق النبى صلى الله عليه وسلم. وقوله - سبحانه - { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } زيادة فى تبشيع صورتها، وتحقير هيئتها. والجيد العنق، والمسد الليف المتين الذى فتل بشدة، يقال حبل ممسود، أى مفتول فتلا قويا. والمعنى سيصلى أبو لهب نارا شديدة، وستصلى معه امرأته التى تضع الشوك فى طريق النبى صلى الله عليه وسلم هذه النار المشتعلة - أيضا -، وسيزيد الله - تعالى - فى إذلالها وتحقيرها، بأن يأمر ملائكته بأن تضع فى عنقها حبلا مفتولا فتلا قويا، على سبيل الإِذلال والإِهانة لها، لأنها كانت فى الدنيا تزعم أنها من بنات الأشراف الأكابر. روى عن سعيد بن المسيب أنه قال كان لها قلادة ثمينة فقالت لأبيعنها ولأنفقن ثمنها فى عداوة محمد صلى الله عليه وسلم فأبدلها الله عنها حبلا فى جيدها من مسد النار. والذى يتأمل هذه السورة الكريمة، يراها قد اشتملت على أوضح الأدلة وأبلغ المعجزات الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، فإن الله - تعالى - قد أخبر بشقاء أبى لهب وامرأته، وأنهما سيصليان نارا ذات لهب.. وقد علما بما جاء فى هذه السورة من عقاب الله لهما.. ومع ذلك فقد بقيا على كفرهما حتى فارقا الحياة، دون أن ينطقا بكلمة التوحيد، ولو فى الظاهر - فثبت أن هذا القرآن من عند الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه - عز وجل -. نسأل الله - تعالى - أن يلحقنا بعباده الصالحين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) | { تبت يدا أبي لهب وتب } **" لمَّا نزل قوله: { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّفا، ونادى بأعلى صوته يدعو قومه، فاجتمعوا إليه فأنذرهم النَّار، وقال: إنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديدٍ، فقال أبو لهب: تبَّاً لك، ما دعوتنا إلاَّ لهذا "** ، فأنزل الله: { تبت يدا أبي لهب } أَيْ: خابت وخسرت { وتب } وخسر هو، ولمَّا خوَّفه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال: إنَّه إنْ كان ما يقوله ابن أخي حقاً؛ فإني أفتدي منه بمالي وولدي، فقال الله تعالى:
{ ما أغنى عنه ماله وما كسب } يعني: ولده.
{ سيصلى ناراً ذات لهب }.
{ وامرأته حَمّالةَ الحطب } نقَّالة الحديث الماشية بالنَّميمة، وهي أمُّ جميلٍ أخت أبي سفيان.
{ في جيدها } في عنقها { حبل من مسد } سلسلةٌ من حديدٍ ذرعها سبعون ذراعاً، تدخل في فيها وتخرج من دبرها، ويلوى سائرها في عنقها، والمسد: كلُّ ما أُحكم به الحبل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة | 1- هلكت يدا أبى لهب اللتان كان يؤذى بهما المسلمين، وهلك معهما.
2- ما دفع عنه عذاب الله ماله الذى كان له، ولا جاهه الذى كسبه.
3- سيدخل نارا مشتعلة يحترق فيها.
4- وستدخل امرأته حَمَّالة النميمة بين الناس النار كما دخلها.
5- فى عنقها حبل من ليف للتنكيل بها.
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) | شرح الكلمات:
تبت يدا أبي لهب: أي خسرت يدا أبي لهب بن عبد المطلب أي خسر عمله.
وتب: أي خسر هو بذاته إذ هو من أهل النار.
ما أغنى عنه ماله: أي أي شيء أغنى عنه ماله لما سخط الله تعالى عليه وعذبه في الدنيا والآخرة.
وما كسب: أي من المال والولد وغيرها.
سيصلى نارا: أي يدخل نارا يصطلي بحرها ولفحها.
ذات لهب: أي توقد واشتعال.
وامرأته: أي أم جميل العوراء.
حمالة الحطب: أي تحمل شوك السعدان وتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم أذية له وكرها.
في جيدها: أي في عنقها.
حبل من مسد: أي من ليف.
معنى الآيات:
قوله تعالى { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } الآيات الخمس المباركات نزلت ردا على أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم إذ صح أنه لما نزلت آية**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الآية: 214] من سورة الشعراء طلع صلى الله عليه وسلم إلى جبل الصفا ونادى: واصباحاه واصباحاه فاجتمع الناس حوله فقال لهم إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد: قولوا لا إله إلا لله كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم. فنطق أبو لهب فقال: ألهذا جمعتنا تبا لك طول اليوم فأنزل الله تعالى رداً عليه { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي خسر أبو لهب وخسر كل شيء له وهذه جملة دعائية ولذا هلك بمرض خطير لم يتمكنوا من غسله فأراقوا عليه الماء، فقط وقوله { وَتَبَّ } إخبار من الله تعالى بهلاك عبد العزى أبي لهب وقوله { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي لما سخط الله عليه وأدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله ولا ولده. وقوله تعالى { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي تَوقُّدٍ وتأجُّجٍ. { وَٱمْرَأَتُهُ } أم جميل العوراء { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } حيث كانت تأتي بشوك السعدان وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم عند ذهابه إلى صلاة الصبح بالمسجد الحرام. وقوله تعالى { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبل من ليف النخل أو مسد شجر الدوم بهذا حكم الله تعالى على أعدائه وأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان حكم الله بهلاك أبي لهب وإبطال كيده الذي كان يكيده لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- لا يغني المال ولا الولد عن العبد شيئا من عذاب الله إذا عمل بمساخطه وترك مراضيه.
3- حرمة أذية المؤمنين مطلقا.
4- عدم إغناء القرابة شيئا من الشرك والكفر إذ أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في النار ذات اللهب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) | قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } واسمه عبدالعزى بن عبدالمطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمي أبو لهب لأن وجنتيه كانتا حمراوين، كأنما يلتهب منهما النار، وذلك أنه لما نزلت**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214]، يعني بني هاشم، وبني المطلب، وهما ابنا عبد مناف بن قصى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: **" يا علي، قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لي طعاماً، حتى أدعوهم عليه وأنذرهم " ، فاشترى على، رحمة الله عليه، رجل شاة فطبخها وجاء بعس من لبن، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم، وبني المطلب إلى طعامه، وهم أربعون رجلاً غير رجل، على رجل شاة، وعس من لبن، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا.** **فقال أبو لهب: لهذا ما سحركم به، الرجال العشرة منا يأكلون الجذعة، ويشربون العس، وإن محمداً قد أشبعكم أربعين رجلاً من رجل شاة، ورواكم من عس من لبن، فلما سمع ذلك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه، ولم ينذرهم تلك الليلة، وأمر النبي علياً أن يتخذ لهم ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا بني هاشم، ويا بني المطلب، أنا لكم النذير من الله، وأنا لكم البشير من الله إني قد جئتكم بما لم يجىء به أحد من العرب، جئتكم في الدنيا بالشرف، فأسلموا تسلموا، وأطيعونى تهتدوا "** ، فقال أبو لهب: تبا لك، يا محمد، سائر اليوم لهذا دعوتنا؟ فأنزل الله عز وجل فيه: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [آية: 1] يعني وخسر أبو لهب.
ثم استأنف، فقال: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } في الآخرة { وَمَا كَسَبَ } [آية: 2] يعني أولاده عتبة وعتيبة ومتعب لأن ولده من كسبه { سَيَصْلَىٰ } يعني سيغشى أبو لهب { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [آية: 3] ليس لها دخان { وَٱمْرَأَتُهُ } وهى أم جميل بنت حرب، وهى أخت أبي سفيان بن حرب { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [آية: 4] يعني كل شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره.
ثم أخبر بما يصنع لها في الآخرة، فقال: { فِي جِيدِهَا } في عنقها يوم القيامة { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [آية: 5] يعني سلسلة من حديد، فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب قيل لها: إن محمداً قد هجا زوجك، وهجاك، وهجا ولدك، فغضبت وقامت فأمرت وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر، فانطلقت لتستدل على النبي صلى الله عليه وسلم لتلقى ذلك عليه فتصغره، وتذله به، لما بلغها عنه، فأخبرت أنه في بيت عند الصفا، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر، رحمه الله عليه، كلامها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم داخل البيت، فقال أبو بكر، رحمة الله عليه: يا رسول الله، إن أم جميل قد جاءت، وما أظنها جاءت بخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم خذ ببصرها " ، أو كما قال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
ثم قال لأبى بكر، رحمة الله عليه: " دعها تدخل، فإنها لن ترانى " ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، رحمة الله عليه، جميعاً، فدخلت أم جميل البيت، فرأت أبا بكر، رحمة الله عليه، ولم تر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانا جميعاً في مكان واحد، فقالت يا أبا بكر أين صاحبك؟ فقال: وما أردت منه يا أم جميل؟ قالت: إنه بلغنى أنه هجاني، وهجا زوجى، وهجا أولادي، وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه، ورأسه أذله بذلك، فقال لها: والله، ما هجاك، ولا هجا زوجك، ولا هجا ولدك.
قالت: أحق ما تقول يا أبا بكر، قال: نعم، فقالت: أما إنك لصادق، وأنت الصديق، وما أرى الناس إلا وقد كذبوا عليه، فانصرفت إلى منزلها، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أن يخرج إلى الشام في تجارة، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا الصفاح، فلما هموا أن يرجعوا عنه إلى مكة، قال لهم عتبة: إذا رجعتم إلى مكة، فاخبروا محمداً بأني كفرت بـ**{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ }** [النجم: 1]، كانت أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: " اللهم سلط عليه كلبك يأكله " ، فألقى الله عز وجل في قلب عتبة الرعب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا سار ليلاً ما يكاد ينزل بليل.
فهجر بالليل، فسار يومه وليلته،وهم أن لا ينزل حتى يصبح، فلما كان قبيل الصبح، قال له أصحابه: هلكت الركاب، فما زالوا به حتى نزل، وعرس وإبله، وهو مذعور فأناخ الإبل حوله مثل السرادق، وجعل الجواليق دون الإبل مثل السرادق، ثم أنام الرجال حوله دون الجواليق، فجاء الأسد، ومعه ملك يقوده، فألقى الله عز وجل على الإبل السكينة، فسكنت.
فجعل الأسد يتخلل الإبل، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه، وبقي عظامه وهم لا يشعرون، فأنزل الله عز وجل في قوله حين قال لهم: قولوا لمحمد: إني كفرت بالنجم إذا هوى، يعني القرآن إذ نزل، أنزل فيه:**{ قُتِلَ ٱلإِنسَانُ }** يعني لعن الإنسان**{ مَآ أَكْفَرَهُ }** [عبس: 17] يعني عتبة يقول: أي شىء أكفره بالقرآن إلى آخر الآيات.
حدثنا عبدالله بن ثابت، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: كانت قريش وأم جميل تقول: مذماً عصيناً، وأمره أبينا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" ومن لطف الله أن قريشاً تذم مذمماً، وأنا محمد " صلى الله عليه وسلم ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) | تَبَّ: خسر وهلك. تبَّ يتَبّ تَباً وتَبابا. يقال في الدعاء على الانسان: تبتّ يدُه. وتَبّاً له: هلاكاً له. يصلَى نارا: يدخلها ويجدُ حرها. أبو لهب: عبد العزّى بنُ عبد المطلب، عم النبيّ الكريم. امرأته: أروى بنت حرب، أُم جميل أخت أبي سفيان. حمّالة الحطَب: التي تسعى بالنميمة والفتنة بين الناس. الجيد: العنُق. المَسَد: كل حَبْل مفتول.
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }
تَبَّ: الأولى دعاءٌ عليه بالهلاك، وتبّت الثانية إخبارٌ بأنه قد هلك. لقد خسر أبو لهب وهلك، وضلّ عملُه لعدائه للرسول الكريم، وكثرةِ ما سبّب من الأذى له وللمسلمين. فقد كان من أشدّ الناس عداوةً للنبي صلى الله عليه وسلم.
والتعبيرُ باليد لأنها أداةُ العمل ومظهَرُ القوة.**{ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج: 10]. وهذا تعبيرٌ مألوفُ عندَ العرب، تقول: أصابتْهُ يدُ الدهر، ويدُ الرزايا والمنايا.
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }
إن كل ما جمع من مالٍ، وما عنده من أولادٍ لن ينفعَه بشيء، ولن يغنيَ عنه يومَ القيامة، ولا يدفع عنه العذاب.
وكان لأبي لهبٍ ثلاثةُ أولاد: عُتبة، ومعتِب، وعُتيبه. وقد أسلم عُتيبة ومعتبُ يوم الفتح، وشهِدا حُنَيْناً والطائف.
واما عتبة فلم يُسلم. وكانت أم كلثوم بنتُ رسول الله زوجةً له، وأختُها رقيةُ عند عتيبة. فلما نزلت هذه السورة قال أبو لهب: رأسي ورأساكما حَرامٌ إن لم تطلِّقا ابنتَي محمّد. فطلقاهما.
وأراد عُتبة ان يذهبَ إلى الشام مع أبيه فقال: لآتِيَنَّ محمّداً وأُوذينَّه. فقال: يا محمد، إني كافر بالنّجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلّى. ثم تفل امام الرسول الكريم وطلّق ابنته أُم كلثوم. فقال الرسول الكريم " اللهُمّ سَلِّطْ عليه كلباً من كلابك " فافترسَه الأسدُ بالزرقاءِ في الأردن. ومات أبو لهب بعد وقعةِ بدرٍ بسبعة أيام.
{ سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }
سيُعذَّب بنارِ جهنّم الحاميةِ ذاتِ الشرر واللّهب، الّتي أعدّها الله لمِثْله من الأشرارِ المعاندين.
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }
وستعذَّب امرأتُه، أم جميل العَوراء، بهذه النار أيضا، لشدة عِدائها للرسول الكريم، ولِما كانت تسعى بالنَّميمة والفتنة لإطفاء دعوةِ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال ابنُ عباس ومجاهد وقتادة والسُدّي: كانت تمشي بالنميمة بين الناس. والعربُ تقول: فلان يَحْطِب على فلانٍ إذا حَرَّضَ عليه.
وفي الحديث الصحيح **" لا يدخُل الجنّةَ نمّام " وقال: " ذو الوجهينِ لا يكونُ عند الله وَجِيها "** والنميمةُ من الكبائر.
وقيل ايضا إن أُمَّ جميل هذه كانت تحمِل حُزَمَ الشوكِ والحَطَب وتنثُرها باللّيل في طريق رسولِ الله لإيذائه. لذلك فإنّ في عنقِها يوم القيامة حَبلاً تُشَدّ به إلى النار، وبئس القرار.
قراءات:
قرأ ابن كثير: ابي لهب باسكان الهاء. والباقون بفتح الهاء وقرأ عاصم: حمّالة بنصب التاء. على الذم. وقرأ الباقون: حمالة بالرفع صفة لامرأته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) | (4) - وَسَتُعَذَّبُ فِي هَذِهِ النَّارِ أَيْضاً زَوْجَتُهُ لِسَعْيِهَا فِي الفِتْنَةِ والنَّمِيمَةِ لإِطْفَاءِ نُورِ الدَّعْوَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ، وَإِيذَاءِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْقَوْلِ وَالفِعْلِ.
(وَامْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ اسْمُهَا أَرْوَى بِنْتُ حَرْبٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَتُكَنَّى بِأَمِّ جَمِيلٍ).
حَمّالَةَ الحَطَبِ - تَسْعَى فِي الفِتْنَةِ وَنَشْرِ الأَكَاذِيبِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) | { وامرأته } أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، وكانت عوراء. { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } يقال: الحديث والكذب قال: ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: كانت تمشي بالنميمة، يقول العرب: فلان يحطب على فلان إذا ورشى وأغزى، قال: شاعرهم:
| **من البيض لم يصطد على ظهر لامة** | | **ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب** |
| --- | --- | --- |
يعني لم يمش بالنمائم، وقال آخر:
| **فلسنا كمن يرجى المقالة شطره** | | **يفرق العصاه الرطب والغيل اليبس** |
| --- | --- | --- |
وروى معمر عن قتادة قال: كانت تعيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر وكانت تحتطب فعيّرت بذلك، وهذا قول غير قوي، لأن الله سبحانه وصفهم بالمال والولد وحمل الحطب ليس بعيب، وقال: الضحاك وابن زيد: كانت تأتي بالشوك والعصاة فتطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعقرهم، وهي رواية عطية عن ابن عباس، قال الربيع بن أنس: كانت تنشر السعدان على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطأه كما يطأ الحرير والفرند.
مرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بأبالة من الحسك فتطرحه على طريق المسلمين فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فحدّثها من خلفها فأهلكها.
وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا. دليله قوله سبحانه:**{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** [الأنعام: 31]، وقول العرب: فلان يحطب على ظهره إذا أساء، فلان حاطب قريته إذا كان الجاني فيهم، وفلان محطوب عليه إذا كان مجنياً عليه.
وقراءة العامة بالرفع فيهما وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم ولها وجهان: أحدهما: سيصلى ناراً هو وامرأته حمالة الحطب، والثاني: وامرأته حمالة الحطب في النار أيضاً.
وحجّة الرافعين ما أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا الحسين بن أيوب قال: أخبرنا علي ابن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدّثنا حجاج بن هارون قال: في قراءة عبد الله وامرأته حمالة للحطب، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محتضر والأعرج وعاصم { حَمَّالَةَ } بالنصب ولها وجهان: أحدهما الحال والقطع لأن أصله وامرأته الحمالة الحطب فلما القيت الألف واللام نصب الكلام، والثاني على الذم والشتم كقوله سبحانه:**{ مَّلْعُونِينَ }** [الأحزاب: 61].
وروى ابن أبي الزياد عن أبيه قال: كان عامة العرب يقرؤون حمالة الحطب وقرأ أبو قلابة وامرأته حمالة الحطب على فاعله، والحطب جمع واحدتها حطبة.
وقال: بعض أهل اللغة: الحطب ها هنا جمع الحاطب وهو الجانب المذنب يعني أنَّها كانت تحملهم بالنميمة على معاداته، ونظيره من الكلام راصد و رصد و حارس وحرس وطالب وطلب وغائب وغيب، والعلة في تشبيههم النميمة بالحطب هي أن الحطب يوقد ويضرم كذلك النميمة، قال: أكثم بن صيفي لبنيه: أياكم والنميمة فأنَّها نار محرقة وأن النمام ليعمل في ساعة مالا يعمل الساحر في شهر، فاخذه الشاعر فقال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **أن النميمة نار ويك محرقة** | | **فعد عنها وحارب من تعاطاها** |
| --- | --- | --- |
ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبوا.
والعلة الثانية: أن الحطب يصير ناراً والنار سبب التفريق فكذلك النميمة، وأنشدني وأبو القاسم [الحبيبي] قال: أنشدني أبو محمد الهاراني الجويني قال:
| **إنّ بني الأدرم حمالوا الحطب** | | **هم الوشاة في الرضا وفي الغضب** |
| --- | --- | --- |
عليهم اللعنة تترى والحَرَبَ.
{ فِي جِيدِهَا } عنقها، قال ذو الرمة:
| **فعينك عينها ولونك لونها** | | **وجيدك الا أنها غير عاطل** |
| --- | --- | --- |
وجمعها أجياد، قال: الأعمش:
| **وبيداء تحسب آرامها** | | **رجال إياد بأجيادها** |
| --- | --- | --- |
{ حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أختلفوا فيه فقال ابن عباس وعروة بن الزبير: سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً يدخل من فيها فيخرج من دبرها ويلوى سائرها في عنقها، وقال السدي: خلق الحديد وهي السلسلة تختلف في جهنم كما يختلف الحبل والدلو في البئر، وروى الأعمش عن مجاهد: من حديد، منصور عنه: المسد: الحديدة التي تكون في البكرة، ويقال له المحور، وإليه ذهب عطاء وعكرمة، الشعبي ومقاتل: من ليف، ضحاك وغيره: في الدنيا من ليف وهو الحبل الذي كانت تحطب به فخنقها الله تعالى به فأهلكها، وفي الآخرة من نار، قتادة: قلادة من ردع، الحسن: إنما كانت خرزات في عنقها، سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة في عنقها فاخرة فقالت لأنفقها في عداوة محمد، ابن زيد: حبال من شجر ينبت في اليمن يقال لها: المسد وكانت تفتل، المروج من شهر الحرم والسلم والمسد في كلام العرب كل حبل غيروا أمر ليفاً كان أو غيره، وأصله من المسد وهو الفتل، ودابة ممسودة الخلق إذا كانت شديدة الأسر، قال: الشاعر:
| **مسد أمر من أيانق** | | **ليس بأنياب ولا حقائق** |
| --- | --- | --- |
وجمعها أمساد قال: الأعشى:
| **تمسي فيصرف بابها من دوننا** | | **غلقاً صريف محالة الأمساد** |
| --- | --- | --- |
وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد ابن ملجان البصري يقول: سمعت بشر بن موسى الأسدي يقول: سمعت الأصمعي يقول: صلّى أربعة من الشعراء خلف أمام اسمه يحيى فقرأ**{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }** [الإخلاص: 1] فيتعتع فيها فقال أحدهم:
| **أكثر يحيى غلطاً** | | **في { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }** |
| --- | --- | --- |
فقال الثاني:
| **قام طويلا ساكتاً** | | **حتى إذا أعيا سجد** |
| --- | --- | --- |
فقال الثالث:
| **يزجر في محرابه** | | **زجير حبلى لولد** |
| --- | --- | --- |
فقال الرابع:
| **كأنّما لسانه** | | **شدّ بحبل من مسد** |
| --- | --- | --- |
وفي هذه السورة دلالة واضحة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن الله سبحانه أخبر عن مصير أبي لهب وامرأته الى النار وكانا من أحرص الناس على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحملهما ذلك على اظهار الإيمان حتى يكذبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل داما على كفرهما حتى علم أن وعيد الله سبحانه إياهما وإخباره عن مصيرهما إلى النار حق وصدق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ | * تفسير تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ) | أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد: { مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } [الآية: 2]. يعني: ولده.
أَخبرنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [الآية: 4]. قال: يعني حمالة النميمة، تمشي بالنميمة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) | قوله: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }: قراءةُ العامَّةِ بالرفع على أنهما جملةٌ مِنْ مبتدأ وخبرٍ سِيْقَتْ للإِخبار بذلك. وقيل: " وامرأتُه " عطفٌ على الضميرِ في " سَيَصْلى " ، سَوَّغَه الفصلُ بالمفعولِ. و " حَمَّالةُ الحطبِ " على هذا فيه أوجهٌ: كونُها نعتاً لـ " امرأتهُ ". وجاز ذلك لأن الإِضافةَ حقيقيةٌ؛ إذا المرادُ المضيُّ، أو كونُها بياناً أو كونُها بدلاً لأنها قريبٌ مِنْ الجوامدِ لِتَمَحُّضِ إضافتِها، أو كونُها خبراً لمبتدأ مضمرٍ، أي: هي حَمَّالةُ. وقرأ ابنُ عباس " ومُرَيَّتُهُ " و " مْرَيْئَتُهُ " على التصغير، إلاَّ أنَّه أقَرَّ الهمزةَ تارةً وأبدلَها ياءً، وأدغم فيها أخرى.
وقرأ العامةُ { حَمَّالَةُ } بالرفع. وعاصمٌ بالنصبِ فقيل: على الشَّتْم، وقد أتى بجميلٍ مَنْ سَبَّ أمَّ جميل. قاله الزمخشري، وكانت تُكْنَى بأمِّ جميل. وقيل: نصبٌ على الحالِ مِنْ " أمرأتُه " إذا جَعَلْناها مرفوعةً بالعطفِ على الضَّميرِ. ويَضْعُفُ جَعْلُها حالاً عند الجمهور من الضميرِ في الجارِّ بعدها إذا جَعَلْناه خبراً لـ " امرأتُه " لتقدُّمها على العاملِ المعنويِّ. واستشكل بعضُهم الحاليةَ لِما تقدَّم من أنَّ المرادَ به المُضِيُّ، فيتعرَّفُ بالإِضافةِ، فكيف يكونُ حالاً عند الجمهور؟ ثم أجابَ بأنَّ المرادَ الاستقبالُ لأنَّه وَرَدَ في التفسير: أنها تحملُ يومَ القيامةِ حُزْمَةً مِنْ حَطَبِ النار، كما كانت تحملُ الحطبَ في الدنيا.
وفي قوله: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قولان. أحدُهما: هو حقيقةُ. والثاني: أنه مجازٌ عن المَشْيِِ بالنميمةِ ورَمْيِ الفِتَنِ بين الناس. قال الشاعر:
| **4670ـ إنَّ بني الأَدْرَمِ حَمَّالو الحَطَبْ** | | **هُمُ الوشاةُ في الرِّضا وفي الغضبْ** |
| --- | --- | --- |
وقال آخر:
| **4671ـ مِنْ البِيْضِ لم تُصْطَدْ على ظَهْرِ لأْمَةٍ** | | **ولم تَمْشِ بين الحَيِِّ بالحطبِ الرَّطْبِ** |
| --- | --- | --- |
جَعَلَه رَطْباً تنبيهاً على تَدْخينه، وهو قريبٌ مِنْ ترشيحِ المجازِ. وقرأ أبو قلابة { حاملةَ الحطبِ } على وزن فاعِلَة. وهي محتملةُ لقراةِ العامَّةِ. وعباس " حَمَّالة للحطَبِ " بالتنوين وجَرِّ المفعولِ بلامٍ زائدةٍ تقويةً للعاملِ، كقولِه تعالىٰ:**{ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }** [هود: 107] وأبو عمروٍ في روايةٍ " وامرأتُه " باختلاسِ الهاءِ دونَ إشباعٍ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) | اللغَة: { تَبَّتْ } هلكت والتبابُ: الهلاك والخسران ومنه قوله تعالى**{ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }** [غافر: 37] وقال الشاعر:
| **" فتباً للذي صنعوا "** | | |
| --- | --- | --- |
{ ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتلهب { جِيدِهَا } عنقها قال امرؤ القيس:
| **" وجيدٍ كجيد الريم ليس بفاحش "** | | |
| --- | --- | --- |
{ مَّسَدٍ } ليف قال الواحدي: المسد في كلام العرب: الفتل، يقال مسد الحبل يمسده مسداً إِذا أجاد فتله، وكلُّ شيء فتل من الليف والخَوْص فهو مسد.
سبَبُ النّزول: عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون من قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إِذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو الخبر، فاجتمعت قريش وجاء عمه " أبو لهب " فقالوا: ما وراءك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم لو أخبرتكم أنَّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدِّقي؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً قط، قال: فإِني { نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } فقال له أبو لهب: تباً لك يا محمد سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }.. "** السورة.
ب - وعن طارق المحاربي قال " بينا أنا بسوق ذي المجاز إِذْ أنا بشاب حديث السن يقول أيها الناس: " قولوا لا إِله إِلا الله تفلحوا " وإِذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه - مؤخر القدم - ويقول: يا أيها الناس إِنه كذابٌ فلا تصدقوه، فقلت: من هذا؟ فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي، وهذا عمه " أبو لهب " يزعم أنه كذاب ".
التفسِير: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي هلكت يد ذلك الشقي { أَبِي لَهَبٍ } وخاب وخسر وضلَّ عمله { وَتَبَّ } أي وقد هلك وخسر، الأول دعاءٌ، والثاني إِخبارٌ كما يقال: أهلكه اللهُ وقد هلك قال المفسرون: التباب هو الخسار المفضي إِلى الهلاك، والمراد من اليد صاحبُها، على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله وجميعه، وأبو لهب هو " عبد العُزى بن عبد المطلب " عم النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته العوراء " أم جميل " أخت أبي سفيان، وقد كان كلٌ منهما شديد العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وفي يدها فهْر - قطعة - من الحجارة، فلما دنت من الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الله بصرها عنه فلم تر إِلاّ أبا بكر، فقالت يا أبا بكر: بلغني أن صاحبك يهجوني، فوالله لو وجدته لضربت بهذا الحجر فاه، ثم أنشدت تقول:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| **مُذمًّماً عصينَا وأمره أبينَا ودينه قليْنا** | | |
| --- | --- | --- |
ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله: أما تراها رأتك؟ قال: ما رأتني لقد أخذ الله بصرها عني، وكانت قريش يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: مذمماً بدل " محمد " وكان يقول صلوات الله عليه: ألا تعجبون كيف صرف الله عني أذى قريش؟ يسبون ويهجون مذمماً وأنا محمد!؟ قال الخازن: فإِن قلت: لم كناه وفي التكنية تشريف وتكرمة؟ فالجواب من وجوه: أحدهما: أنه كان مشتهراً بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه لم يعرف، الثاني: أنه كان اسمه " عبد العزى " فعدل عنه إِلى الكنية لما فيه من الشرك لأن العزَّى صنم فلم تضف العبودية إِلى صنم - الثالث: أنه لما كان من أهل النار، ومآله إِلى النار، والنارُ ذاتُ لهب، وافقت حاله كنيته وكان جديراً بأن يذكر بها { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي لم يفده ماله الذي جمعه، ولا جاهه وعزه الذي اكتسبه قال ابن عباس { وَمَا كَسَبَ } من الأولاد، فإِن ولد الرجل من كسبه.. روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إِلى الإِيمان، قال أبو لهب: إِن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإِني أفتدي نفسي من العذاب بمالي وولدي فنزلت قال الألوسي: كان لأبي لهب ثلاثة أبناء " عُتبة " و " معتب " و " عُتيبة " وقد أسلم الأولان يوم الفتح، وشهدا حنيناً والطائف، وأما " عُتيبة " فلم يسلم، وكانت " أم كلثوم " بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، وأختها " رُقية " عند أخيه عُتبة، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما: رأسي ورأسكما حرام إِن لم تطلقا ابنتي محمد، فطلقاهما ولما أراد " عُتيبة " بالتصغير الخروج إلى الشام مع أبيه قال: لآتينَّ محمداً وأوذينَّه فأتاه فقال يا محمد: إِني كافر بالنجم إِذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل أمام النبي صلى الله عليه وسلم وطلَّق ابنته " أم كلثوم " فغضب صلى الله عليه وسلم ودعا عليه فقال: **" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "** فافترسه الأسد، وهلك أبو لهب بعد وقعة بدر بسبع ليالٍ بمرضٍ معدٍ كالطاعون يسمى " العدسة " وبقي ثلاثة أيام حتى أنتن، فلما خافوا العار حفروا له حفرة ودفعوه إِليها بعود حتى وقع فيها ثم قذفوه بالحجارة حتى واروه، فكان الأمر كما أخبر به القرآن { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي سيدخل ناراً حامية، ذات اشتعال وتوقُّد عظيم، وهي نار جهنم { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي وستدخل معه نار جهنم، امرأته العوراء " أم جميل " التي كانت تمشي بالنميمة بين الناس، وتوقد بينهم نار العداوة والبغضاء قال أبو السعود: كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لإِيذائه وقال ابن عباس: كانت تمشي بالنميمة بين الناس لتفسد بينهم { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبلٌ من ليف قد فتل فتلاً شديداً، تعذب به يوم القيامة قال مجاهد: هو طوقٌ من حديد وقال ابن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت: واللاتِ والعُزَّى لأنفقنها في عداوة محمد، فأعقبها الله منها حبلاً في جيدها من مسد النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- المجاز المرسل { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أطلق الجزء وأراد الكل أي هلك أبو لهب.
2- الجناس بين { أَبِي لَهَبٍ } وبين { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } فالأول كنية والثاني وصف للنار.
3- الكنية للتصغير والتحقير { أَبِي لَهَبٍ } فليس المراد تكريمه بل تشهيره، كأبي جهل.
4- الاستعارة اللطيفة { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } مستعار للنميمة وهي استعارة مشهورة قال الشاعر: " ولم يمش بين الحي بالحطب والرطب.
5- النصب على الشتم والذم { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي أخص بالذم حمالة الحطب.
6- توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات وهو من المحسنات البديعية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) | روى البخاري: عن ابن عباس **" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش، فقال: " أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني؟ " قالوا: نعم، قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تباً لك، فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها "** وفي رواية: فقام ينفض يديه وهو يقول: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } الأول دعاء عليه، والثاني خبر عنه، فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه (عبد العزى بن عبد المطلب) وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغض له، والتنقص له ولدينه، روى الإمام أحمد عن أبي الزناد قال: **" أخبرني رجل يقال له (ربيعة بن عباد) من بني الديل وكان جاهلياً فأسلم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إلٰه إلاّ الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه، أحول ذو غديرتين، يقول: إنه صابيء كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فقالوا: هذا عمه أبو لهب "** وقال محمد بن إسحاق. عن ربيعة بن عباد: **" إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول: " يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، وأن تصدقوني وتمنعوني حق أنفذ عن الله ما بعثني به " ، وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه، فقلت لأبي: من هذا؟ قال عمه أبو لهب "** فقوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي خسرت وخابت وضل عمله وسعيه، { وَتَبَّ } أي وقد تبّ تحقق خسارته وهلاكه.
وقوله تعالى: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قال ابن عباس: { وَمَا كَسَبَ } يعني ولده، يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقوله تعالى: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي ذات شرر ولهب وإحراق شديد، { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي (أم جميل) واسمها (أروى بنت حرب بن أمية) وهي أخت أبي سفيان، وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال تعالى: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ \* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه، هي مهيأة لذلك مستعدة له، { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال مجاهد: من مسد النار، وعن مجاهد وعكرمة، { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تمشي بالنميمة. وقال ابن عباس والضحّاك: كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة، فقالت: لأنفقنها في عداوة محمد، فأعقبها الله منها حبلاً في جيدها من مسد النار، والمسد الليف، وقيل: هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعاًَ، قال الجوهري: المسد الليف، والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص، وقال مجاهد: { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي طوق من حديد، أخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لمّا نزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أقبلت العوراء (أم جميل) بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
| **مذمّمـاً أبيْنـا ـ ودينـه قليْنـا ـ وأمـره عصينـا** | | |
| --- | --- | --- |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله قد أقبلتْ وأنا أخاف عليك أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها لن تراني " ، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى:**{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }** [الإسراء: 45]، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولّت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها، قال: فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت، فقالت: تعس مذمم. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى سفيرها، ثم ترمى إلى أسفلها، ثم لا تزال كذلك دائماً.
قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوّة، فإنه منذ نزل قوله تعالى: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ \* وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ \* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً، لا سراً ولا علناً، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة، على النبوّة الظاهرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) | { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } معنى تبت خسرت والتباب هو: الخسران، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم وهو عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أشد الناس عداوة له. فإن قيل: لم ذكره الله بكنيته دون اسمه؟ فالجواب: من ثلاثة أوجه أحدها: أن كنيته كانت أغلب عليه من اسمه كأبي بكر وغيره ويقال: أنه كُني بأبي لهب لتلهب وجهه جمالاً. الثاني: أنه لما كان اسمه عبد العزى عدل عنه إلى الكنية. الثالث: أنه لما كان من أهل النار واللهب، كنَّاه أبا لهب وليناسب ذلك قوله: سيصلى ناراً ذات لهب.
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } يحتمل أن تكون ما نافية أو استفهامية يراد بها النفي، وماله: وهو رأس ماله وما كسب: الربح أو ماله: ما ورث، وما كسب: هو ما اكتسبه لنفسه، وقيل: جميع ماله وما كسب { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } هذا حتم عليه بدخول النار ومات بعد ذلك كافراً { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } اسم امرأته أم جميل بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان، وفي وصفها بحمالة الحطب أربعة أقوال. أحدها: أنها تحمل حطباً وشوكاً فتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لتؤذيه. الثاني: أن ذلك عبارة عن مشيها بالنميمة يقال: فلان يحمل الحطب بين الناس أي: يوقد بينهم نار العداوة بالنمائم. الثالث: أنه عبارة عن سعيها بالمضرة على المسلمين يقال: فلان يحطِب على فلان إذا قصد الإضرار به. الرابع: أنه عبارة عن ذنوبها وسوء أعمالها { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } الجِيد: العنق والمسَد الليف، وقيل: الحبل المفتول، وفي المراد به ثلاثة أقوال: الأول: أنه إخبار عن حملها الحطب في الدنيا على القول الأول، وفي ذلك تحقير لها وإظهار لخساسة حالها. والآخر: أنه حالها في جنهم يكون كذلك أي يكون في عنقها حبل. الثالث: أنها كانت لها قلادة فاخرة، فقالت لأنفقنها على عداوة محمد، فأخبر عن قلادتها بحبل المسد على جهة التفاؤل والذم لها بتبرجها، ويحتمل قوله: وامرأته وما بعده وجوها من الإعراب يختلف الوقف باختلافها وهي: أن يكون امرأته وحمالة الحطب خبره، أو يكون حمالةَ الحطب نعت والخبر: في جيدها حبل من مسد أو يكون امرأته معطوفاً على الضمير في يصلى وحمالة الحطب نعت، أو خبر ابتداء مضمر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير غريب القرآن / زيد بن علي (ت 120 هـ) | وقوله تعالى: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } هي أُمُ جَميلٍ بنت حَرب بن أمية كانتْ تَحملُ شوكاً فتطرحَهُ في طَريق رَسولِ الله صلّى الله عليهِ وآلهِ وسلمَ. ويقال حَملها الحَطبُ: هو كِذبُها وسِعايتُها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) | { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } هذه السورة مكية ولما ذكر فيما قبلها دخول الناس في دين الله اتبع بذكر من لم يدخل في الدين وخسر ولم يدخل فيما دخل فيه أهل مكة من الإِيمان والتب الخسران وأسند الهلاك إلى اليدين لأن العمل أكثر ما يكون بهما وهو في الحقيقة للنفس والظاهر أن تبت دعاء.
{ وَتَبَّ } إخبار بحصول ذلك روي أنه لما نزل وأنذر عشيرتك الأقربين قال عليه السلام **" يا صفية بنت عبد المطلب يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنكما من الله شيئاً سلاني من مالي ما شئتما ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش يا بني فلان يا بني فلان "** وروي **" أنه صاح بأعلى صوته يا صباحاه فاجتمعوا إليه من كل وجه فقال لهم: أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا: نعم، قال: فإِني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فافترقوا عنه ونزلت هذه السورة "** وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم والظاهر أن ما في ما أغنى عنه ماله نفي أي لم يغن عنه ماله الموروث عن آبائه.
{ وَمَا كَسَبَ } هو بنفسه أو ماشيته وما كسب من نسلها ومنافعها ويجوز أن تكون ما استفهاماً في موضع نصب أي شىء يغني عنه ماله على وجه التقرير والإِنكار والمعنى أين الغنى الذي لماله ولكسبه والظاهر أن ما في قوله: { وَمَا كَسَبَ } موصوله وأجيز أن تكون مصدرية وإذا كانت ما في ما أغنى استفهاماً فيجوز أن يكون ما في قوله وما كسب استفهاماً أيضاً.
{ سَيَصْلَىٰ } وعد له بأنه يصلى النار في الآخرة.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } يجوز أن تكون مبتدأ وحمالة خبره ويجوز أن يكون معطوفاً على الضمير المستكن في سيصلى وحسن ذلك الفصل بينهما وعلى هذا التأويل تكون حمالة خبر مبتدأ محذوف تقديره هي حمالة وقرىء عاصم حمالة نصباً على الذم فيتعين أن يكون وامرأته عطفاً على الضمير المستكن في سيصلى وامرأته اسمها أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان وكانت عوراء والظاهر أنها كانت تحمل الحطب الذي فيه الشوك لتؤذي بإِلقائه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتعقرهم حذفت بذلك وسميت حمالة الحطب وقيل حمالة الحطب كناية عن المشي بالنميمة والجيد العنق والظاهر أن الحبل من مسد والمسد الليف ولما سمعت أم جميل هذه السورة أتت أبا بكر وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وبيدها فهر فقالت بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وأعمى الله بصرها عن رسوله عليه السلام فروي أن أبا بكر قال لها: هل تري معي أحداً فقالت أتهزأ بي لا أرى غيرك وإن كان شاعراً فأنا مثله أقول:
| **\* مذمما أبينا** | | **ودينه قلينا** |
| --- | --- | --- |
| **وأمره عصينا \*** | | |
فسكت أبو بكر ومضت هي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لقد حجبتني ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها وذكر أنها ماتت مخنوقة بحبلها وأبو لهب رماه الله بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) | اسمها أُمُّ جَميل بنتُ حرب، أختُ أبي سفيان، يُصْلِيها اللهُ معه، وكانت عَورَاء، وقولهُ تعالى: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي نقَّالَةً للكذب، قال ابنُ عباس: ((إنَّهَا كَانَتْ تَمْشِي بالنَّمِيمَةِ))، تقولُ العرب: فلانٌ يَحْطِبُ على فلانٍ؛ أي ينمُّ عليه.
وقال الضحَّاك: ((كَانَتْ تَأْتِي بالشَّوْكِ وَالْفَضَلاَتِ، فَتَطْرَحُهَا باللَّيْلِ فِي طَرِيقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابهِ لِتَعْقِرُهُمْ، وَكَانَتْ تُعَيِّرُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالْفَقْرِ، فَعَيَّرَهَا اللهُ تَعَالَى بالاحْتِطَاب)).
وهو ما تحمله من الشوكِ. قراءةُ العامَّة (حَمَّالَةُ) بالرفع، على أنه خبر لمبتدأ، ويجوز أن يكون نعتاً وخبرُ المبتدأ (فِي جِيدِهَا)، ومن نصبَ (حَمَّالَةَ) فعلى الذمِّ والشتمِ، كقوله تعالى**{ مَّلْعُونِينَ }** [الأحزاب: 61] والمعنى: أعنِي حَمَّالَةَ الحطب، وفي قراءةِ عبدِ الله (وَمَرِيَّتُهُ حَمَّالة الْحَطَب)، وقراءة أبي قلابة (وَامْرَأتُهُ حَامِلَةَ الْحَطَبِ) على وزن فاعلة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) | قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها. أي: خسرت يدا أبي لهب، وقد خسر. فالأول [دعاء] والثاني [خبر]، كما تقول: [أهلكه] الله وقد هلك وفي قراءة عبد الله: " وقد تب " ووقع الإخبار والدعاء عن اليدين على طريق المجاز، والمراد صاحبهما، يدل على ذلك قوله: { وَتَبَّ } ولم يقل: وتبتا.
وقيل: هو حقيقة، وذلك أن أبا لهب أراد أن [يرمي] رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله من ذلك، ونزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، فالأولى على الحقيقة لليدين، والثانية لأبي لهب، لأنه إذا خسرت يداه فقد خسر هو.
(قال ابن زيد: التب: الخسران) قال ابن زيد: قال أبو لهب للنبي صلى الله عليه وسلم: وماذا أعطى - يا محمد - إن آمنت بربك؟ قال: كما يعطى المسلمون. قال [فمالي] عليكم فضل! قال: تبًّا وأي شيء [تبتغي]؟ قال: تبا لهذا من دين، (تباً) أن أكون أنا وهؤلاء سواءً، فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، فعلى هذا يكون مجازا، والمراد به عين أبي لهب لاَ يَدَاهُ.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خص عشيرته بالدعوة إذ نزل عليه:**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214] فجمعهم ودعاهم وأنذرهم، فقال له أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا دعوتنا، فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }.
قال ابن عباس: **" صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم [الصفا]، فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: ما لك؟ فقال: أرأيتكم إن (أخبرتكم) أن العدو [مصبحكم]) أو ممسيكم، أما كنتم تصدقونني؟ قالوا: بلى. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال [أبو] لهب: تباً لك: ألهذا دعوتنا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخر السورة ".** وكان اسم أبي لهب: عبد العزى، فذلك ذُكِرَ بكنيته في القرآن.
وقوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } إن جعلت ما أستفهاما كانت في موضع (نصب) بأغنى، وإن جعلتها نفيا كانت حرفا، وقدَّرْتَ مفعولاً محذوفاً، أي: ما أغنى عنه ماله شيئاً.
والمعنى: ما يغني عنه ماله في الآخرة وفي الدنيا إذا جاءه الموت.
وقوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } ، يعني ما اقتنى من الموال والأغراض.
وقيل: { وَمَا كَسَبَ } عني به ولده، أي ما أغنى عنه ماله وما ولد. وروى أبو الطفيل أن أولاد أبي لهب جاؤوا يختصمون في البيت، فقام ابن عباس يحجز بينهم (وقد كفّ بصرُهُ)، [فدفعه] بعضهم حتّى وَقَع عَلَى الفِرَاشِ فغَضِبَ وَقَالَ: أَخْرِجُوا عنّي الكَسْبَ الخَبِيثَ.
قال مجاهد: " وَمَا كسَبَ ولده ". وقيل: معناه: وما كسب من مال وجاه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ثم قال تعالى: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } روي عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ " سَيُصْلَى " بضم الياء والمعنى: سَيُقَاسِي حرَّ نارٍ ذاتِ توقُّدٍ وتَلَهُّبٍ.
يقال: صلَيْتُ بالأمْرِ أَصْلَى: إذَا قاسَيْتَ حَرَّهُ وَشِدَّتَهُ، وَصَلَيْتُهُ: شَوَيْتُهُ وفي الحديث شَاة مَصْلِيَّة أي: مَشْويَّة والمعنى: سيصلى أبو لهب ناراً ذات لهب وامراته، وجاز العطف على المضمر المرفوع، [لأنه قد فرق] بينهما فقام التفريق مقام التأكيد.
وقوله: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نعت للمرأة وهي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عَمَّةُ معاوية، نعتت بهذا لأنه قد كان له زوجات غيرها.
وقيل: نعتت به على طريق [التخسيس] [لها] عقوبة لأذَاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن تكون { وَٱمْرَأَتُهُ } [متبدأ] و { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نعت، وفي { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } ابتداء وخبر في موضع خبر (لامرأة، ويجوز أن يكون { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } خبراً " لامرأة " و { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } ابتداء وخبر في موضع خبر ثان، [أو في موضع] الحال.
ويجوز أن ترتفع " حمَّالَةُ الحطب " على البدل من [ { وَٱمْرَأَتُهُ } وتكون (بمعنى) الخبر { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } الجملة إن جعلت { وَٱمْرَأَتُهُ } [مبتدأ].
ويجوز أن يكون { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } / نكرة [يراد] به الاستقبال على ما سنذكره من قول المفسرين في معناه. ويجوز أن يكون معرفة يراد به الماضي على ما سنذكره من قول المفسرين.
فإن جعلت " المرأة " عطفاً على المضمر في { سَيَصْلَىٰ } كان { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } في موضع الحال من المرأة.
ومن [نصب] (حمَّالة) [نصبه] على الذم.
قال ابن عباس: كانت تحمل الشوك فتجره على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، فذلك نعتت " بحمالة الحطب ". وهو قول الضحاك وابن زيد. وقال عكرمة: " كانت تمشي بالنميمة ". وعن مجاهد مثله، وقاله قتادة.
[وقيل إن { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } تمثيل لأذاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعرب تقول: فلان] يحطب على فلان، أي [يُغْري به] [وَيُؤذِيهِ] فشبه الحطب [بالعداوة].
وقيل: معنى { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي: [الخطايا و] الذنوب والفواحش، كما يقال: فلان يحطب على نفسه، إذا كان كثير الاكتساب الذنوب.
وقوله: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي: في عنقها، والجيد: العُنُقُ.
قال الضحاك: " هو حبل من شجر، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به، [وقاله] ابن عباس. وقال ابن زيد: هي حبال من شجر [ينبت] باليمن يقال لها: مسد.
وقيل: { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } ، أي: " حبل من نار في رقبتها ". وقال السدي: المسد: الليف.
وقال عروة: " هو سلسلة من حديد ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً ". (وقال سفيان: " حبل في عنقها من النار مثل طوق طوله سبعون ذراعاً " وعن مجاهد { مِّن مَّسَدٍ } " من حديد ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقال عكرمة: { مِّن مَّسَدٍ } هي: " [الحدِيدَةُ] التي في وسط البكرة " وروي ذلك أيضا عن مجاهد.
وقال قتادة: { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }: " [قِلاَدَة] " من ودع.
فمن جعل هذا إخبار عما يكون في النار من حالها كانت { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نكرة لأنه يراد به الاستقبال، فلا يحسن أن يكون صفة لـ { ٱمْرَأَتُهُ }.
ومن جعله بمعنى قد مضى مثل [مشيها] بالنمائم وحَمْلِها الشوك لطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـ { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } معرفة يحسن أن [تكون] صفة لـ { ٱمْرَأَتُهُ }. والوقف في هذه السورة على مقدار ما تَقَّدَّرَ مما تَقَدَّمَ ذكره من النعت والخبر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) | قوله - عز وجل -: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }:
أي: خسرت، وخابت، كذلك قال أبو عوسجة، يقال: تب يتب تبا وتبابا.
ثم ما ذكر من قوله: { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } يحتمل حقيقة اليد.
ويحتمل أن يكون ذكر اليد على الصلة.
فإن كان على إرادة حقيقة اليد، فهو يخرج على وجوه:
أحدها: ما ذكر: أنه [كان] كثير الإحسان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنفاق عليه، والصنائع إليه، وكان يقول: إن كان الأمر لمحمد يومئذ؛ فيكون لي عنده يد، وإن كان لقريش فلي عندها يد؛ فأخبر - والله أعلم - أنه خسر فيما طمع ورجا من اليد التي له عنده والإحسان الذي أحسن إليه؛ إذ لم يصدقه، ولم يؤمن به، وخسر - أيضا - ما ادعى من اليد له عند قريش.
والثاني: يحتمل أن يكون من أبي لهب تخويف لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطش والأخذ باليد؛ فأمن الله - تعالى - رسوله عما خوفه [به]، حيث قال: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } ، أي: خسرت يداه، ولا يقدر على البطش.
والثالث: يحتمل أن يكون اليد كناية عن القوة في نفسه وماله في دفع العذاب عن نفسه، وكذلك كانوا يدعون دفع العذاب عن أنفسهم؛ بقولهم:**{ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }** [سبأ: 35].
وذكر بعض أهل التأويل: أنه لما نزل قوله - تعالى -:**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214]، جمع عشائره الأقرب فالأقرب منهم، وقال: " إني لا أملك لكم من الله نفعا في الدنيا والآخرة إلا بعد أن تقولوا شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله " فقال أبو لهب عند ذلك: " تبا لك يا محمد، ألهذا دعوتنا؟! " فنزل عند ذلك: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } مجازاة له.
فهذا وإن لم يكن في فعله في القصة استعمال اليدين، فيجوز أنه كان يصرف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، أو حين دعى إلى الإيمان بالله - تعالى - مد يديه على التعجب من ذلك، وقال: " ألهذا دعوتنا؟ " فرد الله - تعالى - عليه ذلك، وعيره به.
وقد يجوز أن يظهر في الجواب مقدمة السؤال وإن لم يذكر ذلك في السؤال؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -:**{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ }** [البقرة: 222]؛ فعلم بذلك أن السؤال إنما كان عن قربانهن في المحيض؛ فكذلك الأول.
وإن كان ذكر اليد على الصلة، فهو يخرج على وجهين:
أحدهما: ذكر اليد كناية عن العمل والفعل، إلا أنه ذكر اليد؛ لما باليد يقوم ويعمل؛ كقوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ }** [آل عمران: 182]، و**{ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }** [الشورى: 30]، وذلك على الكناية عما كان منه من الصنيع، أي: خسرت أعماله وبطلت.
والثاني: يذكر اليد على إرادة: قدام وأمام؛ كقوله - تعالى -:**{ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ }** [فصلت: 42]، أي: أمامه وخلفه؛ فيكون معناه: ما قدم من الأعمال، والله أعلم.
ثم تخصيص أبي لهب بالذكر من بين سائر الكفرة يحتمل وجوها:
أحدها: خصه بالاسم؛ لأنه كان من الفراعنة والأكابر، وهو المقصود به، والفراعنة قد يذكرون بأسمائهم؛ لما هم المقصودون به، وإن كان من دونهم يشاركونهم في ذلك؛ كذكر فرعون، وعاد، وثمود، وغيرهم.
والثاني: كان شديد الهيبة والخوف؛ فذكره باسمه، وخصه به؛ ليعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يهابه، ولا يخافه، والله أعلم.
والثالث: أنه كثير الأيادي والصنائع بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كان الخطاب بهذا يعم الكفرة، لكان يظن بما سبق منه من الأيادي أنه غير داخل تحت الخطاب؛ فخصه بالذكر؛ ليعلم أنه لا يغنيه من الله شيء.
ثم ذكره بالكنية يخرج على وجوه:
أحدها: يحتمل أن يكون بالكنية عرف عند الناس، وبها كان معروفا دون اسمه؛ فذكره بالذي كان معروفا به.
والثاني: ما ذكر أن اسمه كان عبد العزى؛ فلم يرد أن ينسبه إلى غيره، وهو العزى؛ فذكره بالكنية لهذا.
والثالث: أنه عيره بأشياء، وخوفه بمواعيد؛ فلو ذكره باسمه، فلعله يصرف ذلك الخطاب والوعيد الذي كان له إلى غيره؛ لما شرك غيره في الاسم؛ إذ كانوا يسمون أولادهم وينسبونهم إلى أصنامهم، ولم يكن أحد شركه في كنيته؛ فلا يمكنه التحويل إلى غيره.
وقيل: ذكره بالكنية يخرج مخرج الوعيد له، أي: تصير النار له كالابن، وهو كالأب لها؛ وذلك لأن هذه الكنى إنما تذكر في المتعارف على وجه التفاؤل، كما يقال: أبو منصور؛ على رجاء أن يولد له ابن يسمى: منصورا.
ثم إن الله - تعالى - سمى النار في بعض الآيات: أما للكافر، كقوله:**{ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ }** [القارعة: 9]، وفي بعضها: مولى؛ حيث قال:**{ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }** [الحديد: 15]؛ فجاز - أيضا - أن تكون النار إذا قربت منه، وانضمت إلى حجره أن تصير في التمثيل كالولد، ويصير هو أبا لها؛ فقال: { أَبِي لَهَبٍ }؛ على هذا الوجه من التأويل.
ووجه آخر: وهو أن ذكر الكنية وإن كان يراد بها التعظيم، فعند ذكر المواعيد والعقوبات يراد بها الاستخفاف والإهانة؛ وهو على ما ذكرنا في البشارة: أنها وإن كانت تذكر عندما يسر ويبهج في الأغلب، فعند ذكر العقوبة نذارة، كقوله - تعالى -:**{ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }** [آل عمران: 21]؛ فعلى ذلك الكنية، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } ، هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: لم يغن ماله وقوته وما كسب من عذاب الله شيئا، على ما يقولون:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }** [سبأ: 35].
والثاني: أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟!.
ثم قوله - عز وجل -: { وَمَا كَسَبَ } يحتمل الولد، أي: ما أغنى عنه ما جمع من ماله وما كسب من الولد؛ على ما ذكر في الخبر، روى أبو الأسود عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم: **" إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه ".** وسئل ابن عباس - رضي الله عنهما -: أيأخذ الرجل من مال ولده؟ فتلا**{ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً... }** الآية [الشورى: 49]، فهو مما وهب الله لنا؛ فهم وأموالهم لنا، والله أعلم.
ويحتمل ما أغنى عنه ما جمع من المال، وما كسب من العمل والإنفاق الذي أنفق على الطمع الذي فعل، أي: لم يغنه شيئا.
أو [لم يغنه] ما كسب عن صد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والدخول في دينه والاتباع له، وسوء المقال الذي قال فيه.
وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { تبت يدا أبي لهب وقد تب ما أغنى عنه ماله وما اكتسب }.
وقوله - عز وجل -: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }:
أي: ذات التهاب.
وفيه دلالة إثبات رسالته؛ حيث أخبر أنه سيصلى نارا، ولا يصلى النار إلا بعد ما يختم بالكفر، ثم كان كما أخبر؛ دل أنه علم ذلك بالله تعالى.
وفي هذه السورة دلالتان أخريان يدلان على نبوته:
إحداهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرأ هذه السورة عليهم بمكة حين لم يكن له ناصر في الدين، وكانت المنعة والقوة للكفرة، وكانوا جميعا أولياء أبي لهب وأنصارا له عن آخرهم، ولا يحتمل أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة عليه، وفيها سب له وتعيير إلى يوم القيامة، مع قلة أوليائه وكثرة أعدائه؛ إذ فيه خوف هلاكه - إلا برب العالمين.
ومعنى آخر: أنه - عليه السلام - كان موصوفا بحسن العشرة وإجمال الصحبة مع الأجانب؛ فما ظنك بالعشيرة والأقارب مع ما أنه كان متنزها عن الفحش في جميع أوقاته؛ فما جاز له هذا إلا بالأمر من الله تعالى؛ فدل ذلك على نبوته ورسالته.
وقوله - عز وجل -: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }:
قال بعضهم: أي: كانت حمالة النميمة والحديث بين الناس، فأوعدها الله - تعالى - لذلك في الآخرة ما ذكر: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } وهي السلسلة، ومنه يقال: فلان يحطب؛ إذا أغرى.
وقال بعضهم: كانت حمالة الحطب حقيقة، كانت تحمل الحطب الذي فيه الشوك، وتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ فأوعدها الله - تعالى - بما ذكر من حبل من مسد في الآخرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ومنهم من قال: إنها كانت كذلك في الدنيا، كانت تحمل الحطب إلى منزلها، وكان في جيدها حبل من ليف؛ فعيرها بذلك؛ لأنها كانت تعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر والحاجة.
وذكر أنها كانت تمسك في عنقها حبلا من ليف سرا من زوجها، وذلك مما لا يتحلى به النساء، وليس هو من أسباب الزينة؛ فأخبر الله - تعالى - عن سفهها وجهلها؛ ليكون ذلك سبا وتعييراً مجازاة لما كانت تقوله في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قالت لأبي بكر [الصديق] - رضي الله عنه -: " أما رضي محمد أن يهجو عمه حتى هجاني؟! " أو قالت: " حتى هجاني رب محمد؟! " صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) | { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي: خابت وخسرت، يداه كناية عنه، وما ذلك إلاَّ أنه من غاية نخوته وغروره، بحيث هلك في نار فظيعة كنفسه الجهنمية التي خيبته خيبة أبدية وخسراناً سرمدياً حينما ظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنواع المكروه، وعارض معه على وجه لا يليق بشأنه صلى الله عليه وسلم اتكالاً على ماله وجاهه وثروته وسيادته.
وذلك لمَّا نزلت الآية الكريمة:**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214] صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى الصفا، فنادى: **" يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش " حتى اجتمعوا، فقال: " أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تقبل عليكم، أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم ما جربنا عليك إلاَّ صدقاً، قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ".** **فقال أبو لهب على سبيل الاستهزاء: تباً لك يا محمد، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } "** لمجادلته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرائه معه، وقصد استحقاره واستهانته إياه صلى الله عليه وسلم.
{ وَ } قد { تَبَّ } [المسد: 1] وهلك ذلك اللعين المفرط على الوجه الذي أخبر الله بهلاكه إلى حيث { مَآ أَغْنَىٰ } ودفع { عَنْهُ مَالُهُ } الذي يتكل عليه، ويستظهر به شيئاً من غضب الله { وَ } ما نفع له ونصر عليه { مَا كَسَبَ } [المسد: 2] وجمع من الأموال والأولاد والأتباع.
قيل: مات بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدودة، وتُرك ثلاثة أيام حتى أُنتن، ثمَّ استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، فهو إخبار عن الغيب، وقد وقع على وجهه، هذا مآل أمره في النشأة الأولى.
وفي النشأة الأخرى { سَيَصْلَىٰ } ويدخل ذلك اللعين { نَاراً } وأي نار، ناراً { ذَاتَ لَهَبٍ } [المسد: 3] واشتعال عال من شدة سورتها وفظاعتها.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } التي تمشي بالنميمة بين الناس، وتوقد نار الفتنة والعداوة بينهم تصير هي { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [المسد: 4] بنار جهنم، تحتطب لها من الضريع والزقوم، أو هي " حمالةُ الحطب " فيها على قراءة الرفع؛ يعني: صورت نميمتها التي قد مشيت بها في الدنيا بإيقاد نار الفتن على هذه الصورة، فتلازم عليها.
{ فِي جِيدِهَا } وعنقها { حَبْلٌ } سلسلة متخذة { مِّن مَّسَدٍ } [المسد: 5] مفتول قد فُتل من الحديد، تحمل بها الحطب مع أنها من أشراف قريش، هي وزوجها أيضاً.
خاتمة السورة
عليك أيها المعتبر المستبصر - عصمك الله من تباب الدارين وخسارهما ويوارهما - أن تتأمل في مرموزات القرآن من القصص والأحكام والعبر والأمثال، فتأخذ حظك منها مقدار ما يسر الله لك، وأودعه في وسعك وطاقتك.
فاعلم أن كل ما في القرآن إنما نزل للإرشاد والتكميل، فلك أن تأخذ من إشارات هذه السورة حسن المعاشرة وآداب المصاحبة، وحقارة مزخرفات الدنيا وما يترتب عليها من اللذات الوهمية، الساقطة عن درجة الاعتبار، الزائغة الزائلة بلا قرار ومدار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) | قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } بفتح الهاء وسكونها، سبعيتان ولغتان جيدتان، واتفق القراء على فتح الهاء في قوله: { ذَاتَ لَهَبٍ } والفرق أنها فاصلة، فلو سكنت زال التشاكل. قوله: (وهذه خبر) أي إخبار بحصول التباب له الذي دعا به عليه في الجملة الأولى، وهذا أحد قولين، وقيل: إن كلتا الجملتين دعاء، وصرح بكنيته لقبح اسمه، فإن اسمه عبد العزى، أو لأن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته بأن يدخله النار.
قوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } يصح أن تكون { مَآ } نافية أو استفهامية، وعلى الثاني فهو في محل نصب بـ { أَغْنَىٰ } والتقدير: أي شيء أغنى قدم لكونه له صدر الكلام. قوله: { مَالُهُ } أي الموروث من آبائه. قوله: (وكسبه) أشار بذلك إلى أن { مَا } مصدرية، ويصح أن تكون اسم موصول بمعنى الذي، والعائد محذوف، أي والذي كسبه. قوله: (أي ولده) وهو عتيبة بالتصغير، وأما عتبة ومعتب فقد أسلما، قال بعضهم:
| **كرهت عتيبة إذ أجرما** | | **وأحببت عتبة إذْ أسلما** |
| --- | --- | --- |
| **كذا معتب مسلم فاحترز** | | **وخف أن تسب فتى مسلما** |
ومات أبو لهب بداء يسمى العدسة، بعد وقعة بدر لسبع ليال، والعدسة قرحة تخرج بالبدن فتقتل صاحبها، كانت العرب تهرب منها لزعمهم أنها تعدي.
قوله: { سَيَصْلَىٰ نَاراً } أي يحترق بها. قوله: (فهي مآل تكنيته) جواب عما يقال: كيف ذكره بكنيته دون اسمه وهو عبد العزى، مع أن ذلك إكرام واحترام؟ وإيضاحه أنه ذكره بكنيته لموافقة حاله لها، فإن مصيره إلى النار ذات اللهب، أو لأن ذكره باسمه خلاف الواقع حقيقة، لأنه عبد الله لا عبد العزى (وهي أم جميل) أي وهي أخت أبي سفيان بن حرب، وكانت عوراء وماتت مخنوقة بحبلها.
قوله: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } إن قلت: إنها كانت من بيت العز والشرف، فكيف يليق بها حمل الحطب؟ قلت: إنها لشدة عداوتها للنبي صلى الله عليه وسلم لا تستعين في ذلك بأحد، بل تفعله بنفسها. قوله: (بالرفع) أي على أنه نعت لامرأته، وقرأ عاصم { حَمَّالَةَ } بالنصب على الذم أو الحال من امرأته، والمعنى: أنها تصل النار حال كونها { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } لما ورد: **" أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب النار، كما كانت تحمل الحطب في الدنيا ".** قوله: (والسعدان) هو نبت له شوك يشبه به حلمه الثدي وهو بوزن سرحان. قوله: (تلقيه) أي بالليل لقصد أذية النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قيل: إنها في الدنيا كانت تحتطب في حبل من ليف تجعله في عنقها، فبينما هي ذات يوم حاملة للحزمة، فقعدت على حجر لتستريح، إذا أتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها خنقاً بحبلها، وقيل: هذا في الآخرة، قال ابن عباس: هو سلسلة من حديد، ذرعها سبعون ذرعاً، تدخل من فيها وتخرج من دبرها، ويكون سائرها في عنقها، فتلت من حديد فتلا محكماً اهـ. ويكون المراد بالمسد الحديد، فإنه يطلب عليه أيضاً كما يؤخذ من القاموس، ولا مانع من الجمع، قوله: (أي ليف) قيل: هو ليف المقل وهو شجر الدوم أبيض مشهور، وقيل: مطلق الليف قوله: (وهذه الجملة) أي المركبة من المبتدأ الذي هو { حَبْلٌ } ، ومن الخبر الذي هو { فِي جِيدِهَا }. قوله: (أو خبر مبتدأ مقدر) أي وتقديره: المرأة المذكورة { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) | يا أيها الحريص على أطراف كعبة قلبك، اعلم أن أبا لهب نفسك أمر مرآة هواه ليجمع العصاة بين الحطب، ويفرق حول كعبة قلبك المبينة في حرم صدرك ليتخرج في قدم همتك ويمنعك عن الطواف بكعبة قلبك، أما تسمع ما يقول أبو لهب نفسك حين ناداه لطيفتك الخفية ليبلغ إليه ما أوحيه للطيفتك تبارك، تباً لك ألهذا وعدتنا وأبى دعوة الحق؟! فكيف أجاب الله له على لسان لطيفتك؟!
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } [المسد: 1]، أو هلكت قوتا القبض والبسط لنفسك الخبيثة المستعملة لهما في الباطل، { وَتَبَّ } [المسد: 1]؛ أي: أجاب هذا الدعاء؛ لأن يداه لا تصل إلى اللطيفة الخفية، وهي يجمع لنفسه الحطب ليحترق به بتلهب من سوأة نيران حسده وحقده، وكان أبو لهب؛ أي: صاحب لهب في سعير نفسه وجحيم قالبه، ولا شك أن الألقاب تنزل من السماء.
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } [المسد: 2] وهو ماله من القوى القالبية، { وَمَا كَسَبَ } [المسد: 2] في عالم الناسوت بتلك القوى الذميمة عن اللقب الذي نزل معه من السماء، { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [المسد: 3]؛ لأنه جمع الحطب بالقوى القالبية والنفسية، وأشعل نيران الحقد والحسد، وسير نفسه وجحيم قالبه ذات لهب من ريح غروره بنور ناره وعجبه بنفسه، وبكرة على القوى القلبية.
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [المسد: 4]؛ أي: هوى المؤدي الذي به يمكن لأبي لهب النفس أن يحمل الحطب من أشجار أم غيلان هلاكه في صحاري الشيطان، { فِي جِيدِهَا } [المسد: 5]؛ أي: في أصل خاطر الهوى، { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [المسد: 5] وأصل خاطر الكبر، وأبى الشيطان أمر الرحمن كان من استكباره، كما قال تعالى:**{ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }** [البقرة: 34]، ودعوى الهوى بالألهية أيضاً كان من غاية تكبره؛ أي: في عتق كبره الذي به تطاول على اللطائف حبل من ذلة، وهو تمنيها الكاذب الذي يجرها إلى أسفل سافلين دركات الطبيعة، ولأجل هذا يكون دائماً منكس الرأس، كما أخبر الله تعالى عن أحوالهم في كتابه حيث قال:**{ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ }** [السجدة: 12]، فالواجب على الطائف حول الكعبة ألاَّ يلتفت إلى هو نفسه لحظ نفسه؛ ليمكن له الدخول في بيت ربه ومشاهدة وجهه إن شاء الله تعالى.
اللهم خلصني من هوى نفسي، وأدخلني كعبة قلبي، وأقرر عيني بمشاهدة جمال ربي بحق محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، وعلى من اتبع الهدى وترك الهوى في متابعة المصطفى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ) | 3736- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }: [الآية: 4]، قال: كانت تحْطُبُ الكلام، تمشي بالنميمة.
3737- قال عبد الرزاق، قال معمر، وقال بعضهم: كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر وكانت تحطب، فعُيِّرت بأنَّها كانت تحطب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) | { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أي: خسرت يداه، وخسر هو. واليدان كناية عن الذات والنفس، لما بينهما من اللزوم في الجملة، أو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل. وجملة { وَتَبَّ } مؤكدة لما قبلها، أو المراد بالأولى: خسرانه فيما كسبه وعمله بيديه، حيث لم يفده ولم ينفعه. وما بعده عبارة عن خسرانه في نفسه وذاته؛ لأن سعي المرء لإصلاح نفسه وعمله. فأخبر بأن محروم منهما، كما تشير له الآيتان بعد: أعني: هلاك عمله وهلاك نفسه. وقال ابن جرير: كان بعض أهل العربية يقول قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } دعاء عليه من الله. وأما قوله: { وَتَبَّ } فإنه خبر. أي: عما سيحقق له في الدنيا والآخرة. وعبر عنه بالماضي لتحققه.
وأبو لهب: أحد عمومة النبيّ صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد العزّى، وقد اشتهر بكنيته وعرف بها لولدٍ له يقال له: لهب. أو لتلهب وجنتيه وإشراقهما. مع الإشارة إلى أنه من أهل النار، وأن مآله إلى نار ذات لهب. فوافقت حاله كنيته، فحسن ذكره بها.
قال الرواة: كان أبو لهب من أشد الناس عداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأذية له وبغضة له وازدراء به وتنقصا له ولدعوته. ومات على كفره بعد وقعة بدر ولم يحضرها. بل أرسل عنه بديلا. فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما - وقد روى الشيخان عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى: " يا بني فهر! يا بني عديّ! " (لبطون من قريش) حتى اجتمعوا. فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا، لينظر ما هو. فجاء أبو لهب وقريش فقال: " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ "؟ قالوا: نعم. ما جربنا عليك إلا صدقا. قال: " فإني لكم نذير بين يديّ عذاب شديد ". فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فنزلت السورة ".** وروى الإمام أحمد عن ربيعة بن عباد الديليّ قال: **" رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: " يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا ". والناس مجتمعون عليه. ووراءه رجل وضيء الوجه أحول، ذو غديرتين، يقول: إنه صابئ كاذب. يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا: هذا عمه أبو لهب "** وفي رواية له: **" يتبعه من خلفه يقول: يا بني فلان! هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة. فلا تسمعوا له ولا تتبعوه "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي: أيّ شيء أغنى عنه ماله وما كسبه من سخط الله عليه وخسرانه. فكسبه هو عمله الذي يظن أنه منه على شيء. وقيل: ولده. لقرن الأولاد بالأموال في كثير من الآيات. وكانت العرب تعد أولادها للنائبات كالأموال، فنفي إغناءهما عنه حين حل به التباب.
قال الشهاب: والذي صححه أهل الأثر أن أولاده، لعنه الله، ثلاثة: متعب وعتبة وهما أسلما. وعتيبة (مصغراً) وهذا هو الذي دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم لما جاهر بإيذائه وعداوته، ورد ابنته وطلقها. وقال صلوات الله عليه وسلامه: **" اللهم سلط عليه كلبا من كلابك "** فأكله السبع في خرجة خرجها إلى الشام. وفيه يقول حسان رضي الله عنه:
| **من يرجعُ العامَ إلى أهلِهِ** | | **فما أُكِيلُ السَّبْعِ بالراجِعِ** |
| --- | --- | --- |
ثم قال: ولهب هو أحد هؤلاء فيما قيل، قال الثعالبيّ: ومنه يعلم أن الأسد يطلق عليه كلب. ولما أضيف إلى الله، كان أعظم أفراده { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي: توقد واشتعال، وهي نار الآخرة، جزاء ما كان يأتيه من مقاومة الحق ومجاحدته { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي: وسيصلاها معه امرأته أيضاً: فـ { وَٱمْرَأَتُهُ } مرفوع عطفا على الضمير في { سَيَصْلَىٰ } أو على الابتداء، و { فِي جِيدِهَا } الخبر. وقرئ { حَمَّالَةَ } بالنصب على الشتم والذم، وبالرفع نعتاً أو بدلاً أو عطف بيان. إنما قيل لها ذلك لأنها كانت تحطب الكلام وتمشي بالنميمة. كما قاله مجاهد وعكرمة وقتادة.
قال الزمخشري: ويقال للمشَّاء بالنمائم المفسد بين الناس، يحمل الحطب بينهم، أي: يوقد بينهم ويورث الشر، قال:
| **من البيض لم تُصْطَدْ على ظهر لأُمة** | | **ولَمْ تَمْشِ بين الحيّ بالحَطَبِ الرَّطْبِ** |
| --- | --- | --- |
يمدحها بأنها من البيض الوجوه وأنها بريئة من أن تُصْطَادَ على سوء ولؤم فيها. ومن أن تمشي بالسعاية والنميمة بين الناس. وإنما جعل رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة الشر. ويقال: فلان يحطب على فلان، إذا أغرى به.
قال الشهاب: وهي استعارة مشهورة لطيفة، كاستعارة حطب جهنم للأوزار.
قال ابن كثير: وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي أم جميل، واسمها (أروى) بنت حرب بن أمية. وهي أخت أبي سفيان وعمة معاوية. وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال الإمام رحمه الله: أي: في عنقها حبل من الليف. أي: أنها في تكليف نفسها المشقة الفادحة، للإفساد بين الناس وتأريث نيران العداوة بينهم، بمنزلة حامل الحطب الذي في عنقه حبل خشن، يشد به ما حمله إلى عنقه، حتى يستقل به. وهذه أشنع صورة تظهر بها امرأة تحمل الحطب، وفي عنقها حبل من الليف، تشد به الحطب إلى كاهلها، حتى تكاد تختنق به.
وقال أيضاً: قد أنزل الله في أبي لهب وفي زوجته هذه السورة، ليكون مثلا يعتبر به من يعادي ما أنزل الله على نبيه، مطاوعة لهواه وإيثارا لما ألفه من العقائد والعوائد والأعمال، واغتراراً بما عنده من الأموال، وبما له من الصولة أو من المنزلة في قلوب الرجال، وأنه لا تغني عنه أمواله ولا أعماله شيئاً. وسيصلى ما يصلى. نسأل الله العافية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ) | قوله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أي خسرت { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } يعني ولده أي إذا صار إلى النار.
قال محمد أبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب وكنيته أبو عتبة وإنما قيل له أبو لهب فيما ذكر ابن عباس لأن وجهه كان يتلهب جمالاً.
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } تفسير بعضهم كانت تضع الشوك على طريق رسول الله.
قال محمد من قرأ { حَمَّالَةَ } بالرفع فعلى معنى سيصلى هو وامرأته حمالة الحطب، حمالة نعت لها ومن قرأها بالنصب حمالة فنصبه على الذم أعني حمالة الحطب.
{ فِي جِيدِهَا } عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } تفسير الحسن المسد خيوط صفر وحمر وقال ابن عباس كان في عنقها قلادة فيها ودعات في مسد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ | * تفسير كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ) | { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }: هي امرأة أبي لهب كانت تمشي بالنمائم، وحمل الحطب كناية عن النمائم، لأنها توقع بين الناس الشر وتشعل بينهم النيران كالحطب الذي تذكى به النار، ويقال إنها كانت موسرة، وكانت لفرط بخلها تحمل الحطب على ظهرها، فنعى الله هذا القبيح من فعلها. ويقال: إنها كانت تقطع الشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتؤذيهم بذلك. والحطب معنى به الشوك في هذا الجواب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) | قوله تعالى: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [المسد: 1] - إلى قوله تعالى - { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [المسد: 5]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، قال: أي خسرت، لما اجتمع مع قريش في دار الندوة و بايعهم على قتل محمد (صلى الله عليه و آله)، و كان كثير المال، فقال الله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ \* سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } عليه فتحرقه { وَٱمْرَأَتُهُ } ، قال: كانت أم جميل بنت صخر، و كانت تنم على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و تنقل أحاديثه إلى الكفار { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } أي احتطبت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) { فِي جِيدِهَا } أي في عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي من نار، و كان اسم أبي لهب عبد مناف، فكناه الله عز و جل، لأن منافا اسم صنم يعبدونه.
- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير و علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " لما أرادت قريش قتل النبي (صلى الله عليه و آله)، قال: كيف لنا بأبي لهب؟ فقالت أم جميل: أنا أكفيكموه، أنا أقول له: إني أحب أن تقعد اليوم [في البيت] نصطبح. فلما أن كان من الغد، و تهيأ المشركون للنبي (صلى الله عليه و آله) قعد أبو لهب و أم جميل يشربان، فدعا أبو طالب عليا (عليه السلام) فقال له: يا بني، اذهب إلى عمك أبي لهب فاستفتح عليه، فإن فتح لك فادخل، و إن لم يفتح لك فتحامل على الباب و اكسره و ادخل عليه، فإذا دخلت عليه فقل: يقول لك أبي:
إن امرءا عمه عينه في القوم ليس بذليل.
قال: فذهب أمير المؤمنين (عليه السلام)، فوجد الباب مغلقا، فاستفتح فلم يفتح له، فتحامل على الباب و كسره و دخل، فلما رآه أبو لهب، قال له: ما لك يا بن أخي؟ فقال له: [إن] أبي يقول لك: إن امرءا عمه عينه في القوم ليس بذليل. فقال له: صدق أبوك، فما ذا يا بن أخي؟ فقال له: يقتل ابن أخيك و أنت تأكل و تشرب! فوثب و أخذ سيفه، فتعلقت به أم جميل، فرفع يده و لطم وجهها لطمة ففقأ عينها، فماتت و هي عوراء، و خرج أبو لهب و معه السيف، فلما رأته قريش عرفت الغضب في وجهه، فقالت: ما لك يا أبا لهب؟ فقال: أبايعكم على ابن أخي، ثم تريدون قتله! و اللات و العزى، لقد هممت أن أسلم، ثم تنظرون ما أصنع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
فاعتذروا إليه و رجع ".
- سعد بن عبد الله: عن علي بن إسماعيل بن عيسى، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: **" صلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) ليلة فقرأ: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } فقيل لأم جميل امرأة أبي لهب: إن محمدا لم يزل البارحة يهتف بك و بزوجك في صلاته، فخرجت تطلبه و هي تقول: لئن رايته لاسمعنه، و جعلت تقول: من أحس لي محمدا؟ فانتهت إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و أبو بكر جالس معه إلى جنب حائط، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لو تنحيت، هذه أم جميل و أنا خائف أن تسمعك ما تكرهه. فقال: إنها لم ترني و لن تراني. فجاءت حتى قامت عليهما، فقالت: يا أبا بكر، رأيت محمدا؟ فقال: لا. فمضت "** قال أبو جعفر (عليه السلام): " ضرب بينهما حجاب أصفر ".
- ابن شهر آشوب: قال النبي (صلى الله عليه و آله): **" بعثت إلى أهل بيتي خاصة، و إلى الناس عامة "** و قد كان بعد مبعثه بثلاث سنين على ما ذكره الطبري في (تاريخه) و الخرگوشي في (تفسيره)، و محمد بن إسحاق في (كتابه) عن أبي مالك، عن ابن عباس، و عن ابن جبير: أنه لما نزل قوله**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214]، جمع رسول الله (صلى الله عليه و آله) بني هاشم، و هم يومئذ أربعون رجلا، و أمر عليا أن ينضج رجل شاة و يخبز لهم صاعا من طعام، و جاء بعس من لبن، ثم جعل يدخلهم إليه عشرة عشرة حتى شبعوا، و إن منهم لمن يأكل الجذعة و يشرب الفرق، و أراهم بذلك الآية الباهرة.
- و في رواية البراء بن عازب و ابن عباس: أنه بدرهم أبو لهب، فقال: هذا ما سحركم به الرجل. ثم قال لهم النبي (صلى الله عليه و آله): **" إني بعثت إلى الأسود و الأبيض و الأحمر، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، و إني لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله ". فقال أبو لهب: أ لهذا دعوتنا! ثم تفرقوا عنه، فنزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، ثم دعاهم دعوة أخرى، و أطعمهم و سقاهم، ثم قال لهم: " يا بني عبد المطلب، أطيعوني تكونوا ملوك الأرض و حكامها، و ما بعث الله نبيا إلا جعل له وصيا، أخا و وزيرا، فأيكم يكون أخي، و وزيري، و وصيي، و وارثي، و قاضي ديني؟ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
- و في رواية الطبري، و القاضي أبي الحسن الجرجاني، عن ابن جبير و ابن عباس: **" فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم؟ "** فأحجم القوم.
- و في رواية أبي بكر الشيرازي، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، و في (مسند العشرة) و (فضائل الصحابة): عن أحمد، بإسناده، عن ربيعة بن ناجد، عن علي (عليه السلام): " فأيكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي؟ ". فلم يقم إليه أحد، و كان علي أصغر القوم، يقول: " أنا ". فقال في الثالثة: " أجل ". و ضرب بيده على يدي أمير المؤمنين.
- و في (تفسير الخرگوشي): عن ابن عباس، و ابن جبير، و أبي مالك، و في (تفسير الثعلبي): عن البراء بن عازب: فقال علي، و هو أصغر القوم: " أنا يا رسول الله ". فقال: " أنت ". فلذلك كان وصيه. قالوا: فقام القوم، و هم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمر عليك!
- و في (تاريخ الطبري) و (صفوة الجرجاني): فأحجم القوم، فقال علي (عليه السلام): " أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ". فأخذ برقبته، ثم قال: " هذا أخي، و وصيي، و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوا ". قال: فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع.
- و في رواية الحارث بن نوفل، و أبي رافع، و عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي (عليه السلام): " فقلت: أنا يا رسول الله. قال: أنت، و أدناني إليه، و تفل في في، فقاموا يتضاحكون و يقولون: بئس ما حبا ابن عمه إذ اتبعه و صدقه ".
- (تاريخ الطبري): عن ربيعة بن ناجد: أن رجلا قال لعلي (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، بم ورثت ابن عمك دون عمك؟ فقال (عليه السلام)- بعد كلام ذكر فيه حديث الدعوة-: " فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه، و كنت من أصغر القوم،- قال-: فقال: اجلس، ثم قال [ذلك] ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس، حتى كان في الثالثة، ضرب بيده على يدي، قال: فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي ".
- و في حديث أبي رافع: " أنه قال أبو بكر للعباس: أنشدك الله، تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد جمعكم و قال: " يا بني عبد المطلب، إنه لم يبعث الله نبيا إلا جعل له من أهله وزيرا و أخا و وصيا و خليفة في أهله، فمن يقم منكم يبايعني على أن يكون أخي، و وزيري، و وارثي، و وصيي، و خليفتي في أهلي ". فبايعه علي (عليه السلام) على ما شرط له. و إذا صحت هذه الجملة وجبت إمامته بعد النبي (صلى الله عليه و آله) بلا فصل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) | والسبب في نزولها: ما أخرج في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس: **" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش، فقال: أرأيتكم إن حدّثتكم أن العدو مصبّحكم أو ممسّيكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا تباً لك، فأنزل الله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } إلى آخرها ".** ومعنى: " تَبَّتْ ": خَسِرَتْ يدا أبي لهب. [والمراد: جملته، فهو كقوله:**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج: 10].
وأبو لهب] عم النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه: عبد العزى، وكُنِّي بأبي لهب: لتوقد وجهه حُسْناً.
وإنما كَنَّاهُ الله تعالى؛ لاشتهاره بالكنية، والتسجيل عليه بأنه لا يراد بهذا الأمر الفظيع سواه، ولما في تسميته بعبد العزى من الشرك.
وقرأ ابن كثير: " لَهْبٍ " بإسكان الهاء، وهما لغتان، كالنَّهَر والنَّهْر، والشَّمْع والشَّمَع. وإنما يسوغ هذا فيما كان على هذا الوزن، وحرف الحلق عين الفعل [أو لامه].
قوله تعالى: { وَتَبَّ } إخبار أن التَّباب قد حصل له ووقع به. فالأول دعاء عليه، والثاني خبر.
ويؤيده قراءة ابن مسعود: " وقد تبّ ".
{ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } استفهام في معنى الإنكار عليه. ويجوز أن يكون نفياً.
" وما " في قوله: { وَمَا كَسَبَ } موصولة أو مصدرية، ومحلها الرفع. على معنى: ما أغنى عنه ماله والذي كسبه، أو كسبه.
والمراد بكسبه: ولده. وكان قال حين أنذرهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان ما يقول محمد حقاً فإني أفتدي بمالي وولدي.
ويجوز أن يراد: ما أغنى عنه رأس ماله ولا أرباحه التي اكتسبها، أو ما أغنى عنه ماله الذي ورثه وما كسبه هو.
ثم توعده بالنار فقال: { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان، { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }.
قرأ عاصم: " حَمَّالَةَ " بالنصب على الذم. وقرأ الباقون: بالرفع على الصفة، أو على معنى: هي حمالة الحطب.
قال مجاهد والسدي: كانت تمشي بالنميمة. والعرب تقول: فلانٌ يحطب على فلان؛ إذا كان يُغري به ويُفسد أمره. قال الشاعر يذكر امرأة:
| **منَ البيضِ لمْ تُصْطَدْ على ظَهْرِ سَوْأَةٍ** | | **ولم تَمْشِ بين الحيِّ بالحَطَبِ الرَّطْب** |
| --- | --- | --- |
وقال الضحاك وابن زيد: كانت تحتطب الشوك فتُلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً.
والقولان عن ابن عباس.
وقال قتادة: كانت تُعَيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب، فعُيّرت بذلك.
قال الثعلبي: وهذا قول ليس بقوي؛ لأن الله وصفهم بالمال والولد، وحمل الحطب ليس بعيب.
قلتُ: وليس هذا التضعيف بشيء؛ لأن الاحتطاب مع كثرة المال دناءة وخسّة يأباها ذووا الأَنَفَة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا. تقول العرب: فلانٌ حاطب قريته؛ إذا كان مفسداً فيهم، جانياً عليهم.
قوله تعالى: { فِي جِيدِهَا } أي: في عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }.
قال ابن قتيبة وغيره: المَسَد: ما أُحكم فَتْلُه من أي شيء كان.
والمعنى: في عنقها حبل من ما مُسِدَ، رابطةً به حزمة من الحطب على ظهرها.
ذكر الله صورتها وهيئتها والحطب على ظهرها، والحبل في عنقها؛ تصغيراً لها، وتحقيراً لشأنها. ولن تجد أنكى لها ولزوجها من المناداة عليها بذلك، وهما من الشرف والعزة والمنعة والمال بالمكانة التي كانا عليها.
وقيل: المعنى: في جيدها في جهنم حبل من مسد، وهي سلسلة من حديد، ذرعها سبعون ذراعاً، قد أُحكم فَتْلُها، تُعذَّبُ بها في النار.
قال أهل العلم: وفي هذه السورة دلالة واضحة على صحة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أخبر عن مصير أبي لهب وامرأته إلى النار، وكانا من أحرص الناس على إبطال أمره، وإفساد ما جاء به، ولم يؤمنا به نقاماً، ليظهرا للناس الخُلْفَ فيما تُوعِّدا به.
وعندي: أن فيه دلالة على صحة نبوته من وجهين آخرين:
أحدهما: أنه لو لم يكن هذا من عند الله تعالى لم يقدم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على التسجيل عليهما به؛ لجواز وقوع الإسلام منهما في ثاني الحال، فيفضي إلى تطرُّق الطعن عليه من أعدائه.
الثاني: أنه أخبر بذلك واستمرّ موجبه، وهو [كُفْرُهُما] إلى الموت المفضي بهما إليه.
قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه: **" لما نزلت هذه السورة أقبلت أم جميل ولها ولولة وفي يدها فِهْر وهي تقول: مذمّماً أَبَيْنا، ودينه قَلَيْنا، وأمره عَصَيْنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه أبو بكر، فقال: هذه أم جميل يا رسول الله، وأنا أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به قال: { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } [الإسراء: 45]، ثم أقبلت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر إني أُخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا، ورب هذا البيت ما هجاك، فولّت فعثرت في مِرْطها فقالت: تعس مذمم، ثم انصرفت ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ) | لما وعده النصر أخبره بكيفية انتقامه في الدارين مِنْ أَعْدَى عَدُوِّهِ فَقالَ: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* تَبَّتْ }: أي: خسرت خُسراناً يؤدي إلى الهلاك { يَدَآ أَبِي لَهَبٍ }: أي: نفسه نظير: " ولا تلقوا بأيديكم " نزلت حين دعا صلى الله عليه وسلم قومه وأنذرهم فقال أبو لهب تبا لك ألهذا دعوتنا ": وكناه مع أنها تكرمة غالبا لاشتهاره بها، ولقبح عبد العزى، وليجانس قوله: " ذات لهب { وَتَبَّ }: هو إخبار بعد الدعاء { مَآ أَغْنَىٰ }: أي: دفع { عَنْهُ }: عذاب الله { مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }: أي: أرباحه أو ولده، كان يقول: إن كان قول محمد حقّاً فأنا أفتدى عنه بمالي وولده، فمات بعد وقعة بدر بسبعة أيام بالعَدْسَة، وأنتن إلى ثلاثة أيام، ثم رَضَموا عليه الحجارة في أعلى مكة، وافترس أسد ولده في طريق الشام { سَيَصْلَىٰ }: يدخل { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }: عظيم { وَٱمْرَأَتُهُ }: معه { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }: نصب شتما كانت تطرح الشوك في طريقه صلى الله عليه وسلم بالليل، أو تحمل الحطب لبخلها { فِي جِيدِهَا }: أي: عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }: ما مُسد وفتل كما للحطابين، لكنه من الحديد في النار سبعون ذراعا كما مر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) | يقول تعالى ذكره: خَسِرت يدا أبي لهب، وخَسِر هو. وإنما عُنِي بقوله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } تبّ عمله. وكان بعض أهل العربية يقول: قوله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ }: دعاء عليه من الله. وأما قوله: { وَتَبَّ } فإنه خبر. ويُذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ». وفي دخول «قد» فيه دلالة على أنه خبر، ويمثَّل ذلك بقول القائل لآخر: أهلَكك الله، وقد أهلكك، وجعلك صالحاً وقد جعلك. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ }: أي خسرت وتب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } قال: التبّ: الخسران، قال: قال أبو لهب للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ماذا أُعطَى يا محمد إن آمنت بك؟ قال: **" كمَّا يُعْطَى المُسْلِمُونَ "** ، فقال: مالي عليهم فضل؟ قال: **" وأيَّ شَيْءٍ تَبْتَغِي؟ "** قال: تباً لهذا من دين تباً، أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } يقول: بما عملت أيديهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } قال: خَسِرت يدا أبي لهب وخَسِر. وقيل: إن هذه السورة نزلت في أبي لهب، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خَصَّ بالدعوة عشيرتَه، إذ نزل عليه:**{ وَأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ }** وجمعهم للدعاء، قال له أبو لهب: تبا لك سائرَ اليوم، ألهذا دعوتنا؟ ذكر الأخبار الواردة بذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا، فقال: **" يا صَباحاهْ "** فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ قال: **" أرأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أوْ مُمَسِّيكُمْ، أما كُنْتُمْ تُصَدَقُونِنَي؟ "** قالوا: بلى، قال: **" فإني نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "** ، فقال أبو لهب: تَبًّا لك، ألهذا دعوتنا وجمعتنا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ } إلى آخرها. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، مثله. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن نُمير، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت**{ وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ }** قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصَّفا ثم نادَى: **" يا صَباحاهْ "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
، فاجتمع الناس إليه، فبَيْنَ رجلٌ يجيء، وبين آخر يبعثُ رسولَه، فقال: **" يا بَنِي هاشِمٍ، يا بَنِي عَبْدَ المُطَّلِبِ، يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي... يا بَنِي أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً بِسَفْحٍ هَذَا الجَبَل "** يريد تغير عليكم **" صَدَّقْتُمُونِي؟ "** قالوا: نعم، قال: **" فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "** ، فقال أبو لهب: تَبًّا لك سائر اليوم، ألهذا دعوتنا؟ فنزلت: { تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ وَتَبَّ». حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو أُسامة، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية:**{ وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ }** ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى صعد الصفا، فهتف: **" يا صَباحاهْ "** ، فقالوا: مَنْ هذا الذي يهتف؟ فقالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال: **" يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي عَبْدَ المُطَّلِبِ، يا بَنِي عَبْدَ مَنافٍ "** ، فاجتمعوا إليه، فقال: **" أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدِّقْي؟ "** قالوا: ما جرّبنا عليك كذباً، قال: **" فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ "** ، فقال أبو لهب: تَبًّا لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة: «تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ» كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } قال: حين أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إليه وإلى غيره، وكان أبو لهب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه عبد العُزّى، فذكرهم، فقال أبو لهب: تَبا لك، في هذا أرسلت إلينا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ }. وقوله: { ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ } يقول تعالى ذكره: أيَّ شيء أغنى عنه ماله، ودفع من سخط الله عليه { وَما كَسَبَ } وهم ولده. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأوي لذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن داود بن محمد المنكدِر، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خيثم، عن أبي الطفيل، قال: جاء بنو أبي لهب إلى ابن عباس، فقاموا يختصمون في البيت، فقام ابن عباس، فحجز بينهم، وقد كفّ بصره، فدفعه بعضهم حتى وقع على الفراش، فغضب وقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر الهُذَليّ، عن محمد بن سفيان، عن رجل من بني مخزوم، عن ابن عباس أنه رأى يوماً ولد أبي لهب يقتتلون، فجعل يحجُز بينهم ويقول: هؤلاء مما كسب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد { ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ } قال: ما كسب ولده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: { وَما كَسَبَ } قال: ولده هم من كسبه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله { وَما كَسَبَ } قال: ولده. وقوله: { سَيَصْلَى ناراً ذَاتَ لَهَبٍ } يقول: سيصلى أبو لهب ناراً ذات لهب. وقوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } يقول: سيصلى أبو لهب وامرأته حمالة الحطب، ناراً ذات لهب. واختلفت القرّاء في قراءة { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة: «حَمَّالَةُ الْحَطَبِ» بالرفع، غير عبد الله بن أبي إسحاق، فإنه قرأ ذلك نصباً فيما ذُكر لنا عنه. واختُلف فيه عن عاصم، فحكي عنه الرفع فيها والنصب، وكأنّ من رفع ذلك جعله من نعت المرأة، وجعل الرفع للمرأة ما تقدّم من الخبر، وهو «سيصلى»، وقد يجوز أن يكون رافعها الصفة، وذلك قوله: { فِي جِيدِها } وتكون «حَمَّالَة» نعتاً للمرأة. وأما النصب فيه فعلى الذمّ، وقد يُحتمل أن يكون نصبها على القطع من المرأة، لأن المرأة معرفة، وحمالة الحطب نكرة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: الرفع، لأنه أفصح الكلامين فيه، ولإجماع الحجة من القرّاء عليه. واختلف أهل التأويل، في معنى قوله: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } فقال بعضهم: كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليدخل في قَدمه إذا خرج إلى الصلاة. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم، ليعقره وأصحابه، ويقال: { حَمَّالَةَ الْحَطَب }: نقالة للحديث. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل من هَمْدان يقال له يزيد بن زيد، أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم الشَّوْك، فنزلت: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَب } { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب }. حدثني أبو هريرة الضُّبَعي، محمد بن فِراس، قال: ثنا أبو عامر، عن قُرّة بن خالد، عن عطية الجدليّ. في قوله: { حمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تضع العِضاه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنما يطأ به كثيباً. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } كانت تحمل الشوك، فتلقيه على طريق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ليعقِره. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تأتي بأغصان الشوك، فتطرحُها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال آخرون: قيل لها ذلك: حمالة الحطب، لأنها كانت تحطب الكلام، وتمشي بالنميمة، وتعيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرِمة قال: { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }: كانت تمشي بالنميمة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وَامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تمشي بالنميمة. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: النميمة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }: أي كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تحطِب الكلام، وتمشي بالنميمة. وقال بعضهم: كانت تُعَيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تَحْطِبُ فَعُيِّرت بأنها كانت تحطب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { وامْرأتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } قال: كانت تمشي بالنميمة. وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عيسى بن يزيد، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زيد، وكان ألزم شيء لمسروق، قال: لما نزلت: { تَبَّتْ يَدَا أبَي لَهَبٍ } بلغ امرأة أبي لهب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يهجوكِ، قالت: علام يهجوني؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحمل حطباً «في جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»؟ فمكثت، ثم أتته، فقالت: إن ربك قلاك وودّعك، فأنزل الله:**{ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى }** وقوله: { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } يقول: في عنقها والعرب تسمى العنق جيداً ومنه قول ذي الرُّمَّة:
| **فَعَيْناكِ عَيْناها وَلَوْنُكِ لَوْنُها** | | **وَجِيدُكِ إلاَّ أنَّها غَيرُ عاطِلِ** |
| --- | --- | --- |
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { فِي جِيدِها حَبْلٌ } قال: في رقبتها. وقوله: { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: هي حبال تكون بمكة. ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: حبل من شجر، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: هي حبال تكون بمكة ويقال: المَسَد: العصا التي تكون في البكرة، ويقال المَسَد: قلادة من وَدَع. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: في قوله: { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد، وكانت تفتل وقال { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ }: حبل من نار في رقبتها. وقال آخرون: المَسَد: الليف. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السديّ، عن يزيد، عن عروة { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: سلسلة من حديد، ذرعها سبعون ذراعاً. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن السديّ، عن رجل يقال له يزيد، عن عروة بن الزُّبير { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن يزيد، عن عُرْوة بن الزبير { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن الأعمش، عن مجاهد { مِنْ مَسَدٍ } قال: من حديد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: حبل في عنقها في النار مثل طوق، طوله سبعون ذراعاً. وقال آخرون: المَسَد: الحديد الذي يكون في البَكْرة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: الحديدة تكون في البَكْرة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: عود البكرة من حديد. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: الحديدة للبكرة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ثنا المعمر بن سليمان، قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرِمة قال: { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } إنه الحديدة التي في وسط البكرة. وقال آخرون: هو قِلادة من وَدَع في عنقها. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: قلادة من وَدَع. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } قال: قلادة من وَدَع. وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: هو حبلٌ جُمع من أنواع مختلفة، ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا، ومما يدلّ على صحة ما قلنا في ذلك قول الراجز:
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أيانِقَ** | | **صُهْبٍ عِتاقٍ ذاتِ مُخَ زَاهِقِ** |
| --- | --- | --- |
فجعل إمراره من شتى، وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب، أُمِرَّ من أشياء شتى، من ليف وحديد ولحاء، وجعل في عنقها طوقاً كالقلادة من ودع ومنه قول الأعشى:
| **تُمْسِي فيَصْرِفُ بابُها مِنْ دُونِنا** | | **غَلْقاً صَرِيفَ مَحَالَةِ الأَمْسادِ** |
| --- | --- | --- |
يعني بالأمساد: جمع مَسَد، وهي الجبال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) | التباب الهلاك. ومنه قولهم أشابة أم تابة؟ أي هالكة من الهرم والتعجيز. والمعنى هلكت يداه، لأنه فيما يروى أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَتَبَّ } وهلك كله. أو جعلت يداه هالكتين. والمراد هلاك جملته، كقوله تعالى**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** الحج 10 ومعنى { وَتَبَّ } وكان ذلك وحصل، كقوله
| **جَزَانِي جَزَاهُ اللَّهُ شَرَّ جَزَائِه جَزَاءَ الْكلاَبِ الْعَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَلْ** | | |
| --- | --- | --- |
ويدلّ عليه قراءة ابن مسعود «وقد تب» وروي 1369 أنه لما نزل**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** الشعراء 214 رقى الصفا وقال يا صباحاه، فاستجمع إليه الناس من كل أوب. فقال **" يا بني عبد المطلب، با بني فهر، إن أخبرتكم أنّ بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقيَّ "** ؟ قالوا نعم قال **" فإني نذير لكم بين يدي الساعة "** فقال أبو لهب تباً لك، ألهذا دعوتنا؟ فنزلت. فإن قلت لم كناه، والتكنية تكرمة؟ قلت فيه ثلاثة أوجه، أحدها أن يكون مشتهراً بالكنية دون الاسم، فقد يكون الرجل معروفاً بأحدهما، ولذلك تجري الكنية على الاسم، أو الاسم على الكنية عطف بيان، فلما أريد تشهيره بدعوة السوء، وأن تبقى سمة له، ذكر الأشهر من علميه ويؤيد ذلك قراءة من قرأ «يدا أبو لهب»، كما قيل علي بن أبو طالب. ومعاوية بن أبو سفيان لئلا يغير منه شيء فيشكل على السامع، ولفليتة بن قاسم أمير مكة ابنان، أحدهما عبد الله - بالجرّ، والآخر عبد الله بالنصب. كان بمكة رجل يقال له عبد الله - بجرّة الدال، لا يعرف إلاّ هكذا. والثاني أنه كان اسمه عبد العزّى، فعدّل عنه إلى كنيته. والثالث أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب، وافقت حاله كنيته فكان جديراً بأن يذكر بها. ويقال أبو لهب، كما يقال أبو الشر للشرير. وأبو الخير للخير، وكما كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المهلب أبا صفرة، بصفرة في وجهه. وقيل كنى بذلك لتهلب وجنتيه وإشراقهما، فيجوز أن يذكر بذلك تهكماً به، وبافتخاره بذلك. وقرىء «أبي لهب» بالسكون. وهو من تغيير الأعلام، كقولهم شمس بن مالك بالضم { مَا أَغْنَىٰ } استفهام في معنى الإنكار، ومحله النصب أو نفي { وَمَا كَسَبَ } مرفوع. وما موصولة أو مصدرية بمعنى ومكسوبه. أو وكسبه. والمعنى لم ينفعه ماله وما كسب بماله، يعني رأس المال والأرباح. أو ماشيته وما كسب من نسلها ومنافعها، وكان ذا سابياء. أو ماله الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه. أو ماله التالد والطارف. وعن ابن عباس ما كسب ولده. وحكي أن بني أبي لهب احتكموا إليه، فاقتتلوا، فقام يحجز بينهم، فدفعه بعضهم فوقع فغضب، فقال أخرجوا عني الكسب الخبيث، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه "** وعن الضحاك ما ينفعه ماله وعمله الخبيث، يعني كيده في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن قتادة عمله الذي ظنّ أنه منه على شيء، كقوله**{ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ }** الفرقان 23 وروي أنه كان يقول إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي «سيصلى» قرىء بفتح الياء وبضمها مخففاً ومشدداً، والسين للوعيد، أي هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته { وَٱمْرَأَتُهُ } هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل كانت تمشى بالنميمة ويقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم النائرة ويورث الشرّ. قال
| **مِنَ الْبِيضِ لَمْ تَصْطَدْ عَلَى ظَهْرِ لَأْمَةٍ وَلَمْ تَمْشِ بَيْنَ الْحَيِّ بالْحَطَبِ الرَّطْبِ** | | |
| --- | --- | --- |
جعله رطباً ليدل على التدخين الذي هو زيادة في الشرّ، ورفعت عطفاً على الضمير في { سَيَصْلَىٰ } أي سيصلى هو وامرأته. و { فِى جِيدِهَا } في موضع الحال، أو على الابتداء، وفي جيدها الخبر. وقرىء «حمالة الحطب» بالنصب على الشتم وأنا أستحب هذه القراءة وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل. وقرىء «حمالة الحطب» و«حمالة للحطب» بالتنوين، بالرفع والنصب. وقرىء «ومريته» بالتصغير. المسد الذي فتل من الحبال فتلاً شديداً، من ليف كان أو جلد، أو غيرهما. قال
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانِقِ** | | |
| --- | --- | --- |
ورجل ممسود الخلق مجدوله. والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تخسيساً لحالها، وتحقيراً لها، وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن، لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها وهما في بيت العزّ والشرف. وفي منصب الثروة والجدة. ولقد عيّر بعض الناس الفضل بن العباس ابن عتبة ابن أبي لهب بحمالة الحطب، فقال
| **مَاذَا أَرَدْتَ إلَى شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي أَمْ مَا تَعَيَّرُ مِنْ حَمَّالَةِ الْحَطَب ِ غَرَّاءَ شَادِخَةٍ فِي الْمَجْدِ غُرَّتُهَا كَانَتْ سَلِيلَةَ شَيْخٍ نَاقِبِ الحَسَبِ** | | |
| --- | --- | --- |
ويحتمل أن يكون المعنى أنّ حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم أو من الضريع وفي جيدها حبل من ما مسد من سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1370 **" من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) | القراءة: قرأ ابن كثير أبي لَهْب ساكنة الهاء والباقي بفتحها واتفقوا في ذات لهب أنها مفتوحة الهاء لوفاق الفواصل وقرأ عاصم حمالة الحطب بالنصب والباقون بالرفع وروي عن البرجمي { سيصلى } بضم الياء وهي قراءة أشهب العقيلي وأبي رجاء وفي الشواذ قراءة ابن مسعود ومُرَيْئَتُهُ حمالةٌ للحطب { في جيدها حبل من مسد } الحجة: قال أبو علي: يشبه أن يكون لَهَبَ وَلَهْب لغتين كالشَمَع والشَمْع والنَهَر والنَهْر واتفاقهم في الثانية على الفتح يدل على أنه أوجه من الإسكان وكذلك قوله ولا يغني من اللهب وأما { حمالة الحطب } فمن رفع جعله لقوله { وامرأته } ويدل على أن الفعل قد وقع كقولك مررت برجل ضارب عمراً أمس فهذا لا يكون إلا معرفة ولا يقدر فيه إلا الانفصال كما يقدر في هذا النحو إذا لم يكن الفعل واقعاً وأما ارتفاع امرأته فيحتمل وجهين أحدهما: العطف على فاعل سيصلى التقدير سيصلى ناراً هو وامرأته إلا أن الأحسن أن لا يؤكد لما جرى من الفصل بينهما ويكون { حمالة الحطب } على هذا وصفاً لها ويجوز في قوله { في جيدها } أن يكون في موضع حال وفيها ذكر منها ويتعلق بمحذوف ويجوز فيه وجه آخر وهو أن يرتفع امرأته بالابتداء { وحمالة } وصف لها { وفي جيدها } خبر المبتدأ وأما النصب في حمالة الحطب فعلى الذم لها كأنها كانت اشتهرت بذلك فجرت الصفة عليها للذم لا للتخصيص والتخليص من موصوف غيرها وقوله حبل معناه غليظ. رجل حبل الوجه وحبل الرأس. اللغة: التب والتباب الخسران المؤدّي إلى الهلاك والمسدّ الحبل من الليف وجمعه أمساد قال:
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِـــنْ أَيانِــقِ** | | **لَيْسَ بِأَنْيابٍ وَلا حَقائقِ** |
| --- | --- | --- |
النزول: سعيد بن جبير عن ابن عباس قال **" صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال: " يا صباحاه " فاقبلت إليه قريش فقالوا له ما لك فقال: " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدّقوني " قالوا: بلى قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " "** فقال أبو لهب: تبّاً لك لهذا دعوتنا جميعاً فأنزل الله هذه السورة أورده البخاري في الصحيح. المعنى: { تبت يدا أبي لهب وتب } أي خسرت يداه وخسر هو عن مقاتل وإنما قال خسرت يداه لأن أكثر العمل يكون باليد والمراد خسر عمله وخسرت نفسه بالوقوع في النار. وقيل: إن اليد هنا صلة كقولهم يد الدهر ويد السنة قال:
| **وأيدي الرزايا بالذخائر مولع** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل: معناه صفرت يداه من كل خير قال الفراء: الأول دعاء والثاني خبر فكأنه قال أهلكه الله وقد هلك وفي حرف عبد الله وأبي وقد تبَّ. وقيل: إن الأول أيضاً خبر ومعناه أنه لم تكتسب يداه خيراً قطّ وخسر مع ذلك هو نفسه أي تبَّ على كل حال وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديد المعاداة والمناصبة له قال طارق المحاربي: بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدّقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذّاب وإنما ذكر سبحانه كنيته دون اسمه لأنها كانت أغلب عليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: لأن اسمه عبد العزى فكره الله سبحانه أن ينسبه إلى العزى وأنه ليس بعبد لها وإنما هو عبد الله. وقيل: بل اسمه كنيته وإنما سمي بذلك لحسنه وإشراق وجهه وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان عن مقاتل. { ما أغنى عنه ماله وما كسب } أي ما نفعه ولا دفع عنه عذاب الله ماله { وما كسبه } ويكون ما في قوله وما كسب موصولة والضمير العائد من الصلة محذوف. وقيل: معناه أيّ شيء أغنى عنه ماله وما كسب يعني ولده لأن ولد الرجل من كسبه وذلك أنه قال لما أنذره النبي صلى الله عليه وسلم: بالنار إن كان ما تقول حقاً فإني أفتدي بمالي وولدي. ثم أنذره سبحانه بالنار فقال { سيصلى ناراً ذات لهب } أي سيدخل ناراً ذات قوة واشتعال تلتهب عليه وهي نار جهنم وفي هذا دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته لأنه أخبر أن أبا لهب يموت على كفره وكان كما قال { وامرأته } وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان { حمالة الحطب } كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة ليعقره عن ابن عباس وفي رواية الضحاك قال الربيع بن أنس: كانت تبث وتنشر الشوك على طريق الرسول فيطأه كما يطأ أحدكم الحرير. وقيل: إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس فتلقي بينهم العداوة وتوقد نارها بالتهييج كما توقد النار الحطب فسمى النميمة حطباً عن ابن عباس في رواية أخرى وقتادة ومجاهد وعكرمة والسدي قالت العرب: فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به قال:
| **ولـم يمـش بيـن الحـي بالحطـب الرطـب** | | |
| --- | --- | --- |
أي لم يمش بالنميمة. وقيل: حمالة الحطب معناه حمالة الخطايا عن سعيد بن جبير وأبي مسلم ونظيره قوله**{ وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم }** [الأنعام: 31]. { في جيدها حبل من مسد } أي في عنقها حبل من ليف وإنما وصفها بهذه الصفة تخسيساً لها وتحقيراً. وقيل: حبل يكون له خشونة الليف وحرارة النار وثقل الحديد يجعل في عنقها زيادة في عذابها. وقيل: في عنقها سلسلة من حديد طولها سبعون ذراعاً تدخل من فيها وتخرج من دبرها وتدار على عنقها في النار عن ابن عباس وعروة بن الزبير وسميت السلسلة مسداً بمعنى أنها ممسودة أي مفتولة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: أنها كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت لأنفقنها في عداوة محمد فيكون عذاباً يوم القيامة في عنقها عن سعيد بن المسيب. ويروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت هذه السورة أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
| **مُذَمَّماً أبينــا. ودينه قلينــا وأمره عصينــا** | | |
| --- | --- | --- |
والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إنها لن تراني "** وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال**{ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً }** [الإسراء: 45] فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر أخبرت أن صاحبك هجاني فقال: " لا وربّ البيت ما هجاك " فولَّت وهي تقول " قريش تعلم أني بنت سيّدها " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" صرف الله سبحانه عنّي أنهم يذمون مُذَمَّماً وأنا محمد "** ومتى قيل: كيف يجوز أن لا ترى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأت غيره فالجواب يجوز أن يكون الله قد عكس شعاع عينيها أو صلب الهواء فلم ينفذ فيه الشعاع أو فرَّق الشعاع فلم يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" ما زال ملك يسترني عنها "** وإذا قيل هل كان يلزم أبا لهب الإيمان بعد هذه السورة وهل كان يقدر على الإيمان ولو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله سبحانه بأنه سيصلى ناراً ذات لهب فالجواب أن الإيمان يلزمه لأن تكليف الإيمان ثابت عليه وإنما توعده الله بشرط أن لا يؤمن ألا ترى إلى قوله سبحانه في قصة فرعون**{ الآن وقد عصيت قبل }** [يونس: 91] وفي هذا دلالة على أنه لو تاب قبل وقت اليأس لكان يقبل منه ولهذا خصَّ ردّ التوبة عليه بذلك الوقت وأيضاً فلو قدرنا أن أبا لهب سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال لو آمنت هل أدخل النار لكان صلى الله عليه وسلم يقول له لا وذلك لعدم الشرط.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ | * تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) | قال الواحدي: المسد في كلام العرب الفتل، يقال مسد الحبل يمسده مسداً إذا أجاد فتله، ورجل ممسود إذا كان مجدول الخلق، والمسد ما مسد أي فتل من أي شيء كان، فيقال لما فتل من جلود الإبل، ومن الليف والخوص مسد. ولما فتل من الحديد أيضاً مسد، إذا عرفت هذا فنقول ذكر المفسرون وجوهاً أحدها: في جيدها حبل مما مسد من الحبال لأنها كانت تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون، والمقصود بيان خساستها تشبيهاً لها بالحطابات إيذاء لها ولزوجها وثانيها: أن يكون المعنى أن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل الحزمة من الشوك، فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم وفي جيدها حبل من سلاسل النار. فإن قيل: الحبل المتخذ من المسد كيف يبقى أبداً في النار؟ قلنا: كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبداً في النار، ومنهم من قال: ذلك المسد يكون من الحديد، وظن من ظن أن المسد لا يكون من الحديد خطأ، لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد أو من غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ | * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) | قوله تعالى: { فِي جِيدِهَا } أي عنقِها. وقال امرؤ القيس:
| **وجِيدٍ كجِيدِ الرِّيمِ لَيْسَ بفاحشٍ** | | **إذَا هِي نَصَّتْهُ ولاَ بِمُعَطلِ** |
| --- | --- | --- |
{ حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي من لِيف قال النابغة:
| **مَقْذُوفةٍ بدَخِيسِ النَّحْضِ بازِلُها** | | **له صَرِيفٌ صَرِيفُ القَعْوِ بالمَسَد** |
| --- | --- | --- |
وقال آخر:
| **يا مَسَدَ الخُوصِ تَعَوَّذْ مِنِّي** | | **إِنْ كُنْتُ لَدْناً ليِّناً فإنِّي** |
| --- | --- | --- |
| **مـا شِـئْـتَ مِـنْ أَشْمَـطَ مُقْـسئِـنَّ** | | |
وقد يكون من جلود الإبل، أو من أوبارها قال الشاعر:
| **ومَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيانِقِ** | | **لَسْنَ بِأنْيابٍ ولاَ حَقَائِقِ** |
| --- | --- | --- |
وجمع الجيد أجياد، والمسدِ أمساد. أبو عبيدة: هو حَبْل يكون من صوف. قال الحسن: هي حبال من شجر تَنبتُ باليمن تسمى المَسَد، وكانت تُفْتل. قال الضحاك وغيره: هذا في الدنيا فكانت تُعَيِّر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في جيدها من ليف، فخنقها الله جل وعزّ به فأهلكها وهو في الآخرة حبْل من نار. وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال: سلسلة ذرْعُها سبعون ذراعاً ـ وقاله مجاهد وعروة بن الزبير: تَدْخُل مِنْ فيها، وتَخْرُج من أسفلها، ويُلْوَى سائِرها على عنقها. وقال قتادة. «حبْل مِن مَسَدٍ» قال: قِلادة من وَدَع. الوَدَع: خرز بيض تخرج من البحر، تتفاوت في الصغر والكبر. قال الشاعر:
| **والحِلم حِلْمُ صبِيٍّ يَمْرِث الوَدَعَهْ** | | |
| --- | --- | --- |
والجمع: وَدَعات. الحسن: إنما كان خَرَزاً في عنقها. سعيد بن المسيب: كانت لها قِلادة فاخرة من جوهر، فقالت: واللاتِ والعُزَّى لأنفِقنها في عداوة محمد. ويكون ذلك عذاباً في جيدها يوم القيامة. وقيل: إن ذلك إشارة إلى الخِذلان يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء، كالمربوط في جيده بحبل من مسد. والمَسَد: الفتل. يقال: مَسَد حَبْلَه يَمْسِده مَسْداً أي أجاد فتله. قال:
| **يَمْسِـد أَعْلَى لحمِهِ ويأرِمُهْ** | | |
| --- | --- | --- |
يقول: إن البقل يقوّي ظهر هذا الحمار ويشدّه. ودابة مَمْسودة الخَلْق: إذا كانت شديدة الأَسْر. قال الشاعر:
| **ومَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانِقِ** | | **صُهْبٍ عِتاقٍ ذاتِ مُخٍّ زاهِقِ** |
| --- | --- | --- |
| **لَـسْنَ بـأنـيـابٍ ولاَ حَـقَـائِـق** | | |
ويروى:
| **ولا ضـعـافٍ مُـخُّـهُـنَّ زاهِـقِ** | | |
| --- | --- | --- |
قال الفراء: هو مرفوع والشعر مُكْفأ. يقول: بل مخهن مكتنِز رفعه على الابتداء. قال: ولا يجوز أن يريد ولا ضعافٍ زاهقٍ مخهنّ. كما لا يجوز أن تقول: مررت برجل أبوه قائمٍ بالخفض. وقال غيره: الزاهق هنا: بمعنى الذاهب كأنه قال: ولا ضعافً مُخَّهُنَّ، ثم ردّ الزاهق. على الضعاف. ورجل ممسود: أي مجدول الخلق. وجارية حسنة المَسْد والعَصْبِ والجَدْلِ والأَرْم وهي ممسودة ومعصوبة ومجدولة ومَأرومة. والمِساد، على فِعال: لغة في المِسَاب، وهي نِحى السمن، وسِقاء العسل. قال جميعه الجوهريّ. وقد اعْتُرِض فقيل: إن كان ذلك حبلها الذي تحتطب به، فكيفَ يبقى في النار؟ وأجيب عنه بأن الله عزّ وجلّ قادر على تجديده كلما احترق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والحكم ببقاء أبي لهب وامرأته في النار مشروط ببقائهما على الكفر إلى الموافاة فلما ماتا على الكفر صدق الإخبار عنهما. ففيه معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم. فامرأته خنقها الله بحبلها، وأبو لهب رماه الله بالعَدَسة بعد وقعة بدر بسبع ليال، بعد أن شَجَّتْه أمّ الفضل. وذلك أنه لما قدم الحَيْسُمانُ مكةَ يخبر خبر بدر، قال له أبو لهب: أَخْبرني خبر الناس. قال: نعم، والله ما هو إلا أَن لقِينا القوم، فمنحناهم أكتافنا، يضعون السلاح منا حيث شاؤوا، ومع ذلك ما لَمَسْتُ الناس. لقِينا رجالاً بِيضاً على خيل بُلْق، لا والله ما تُبْقِي منا يقول: ما تُبْقِي شيئاً. قال أبو رافع: وكنت غلاماً للعباس أَنحِت الأَقداح في صُفَّةِ زمزم، وعندي أمّ الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، فرفعت طُنُبَ الحجرة، فقلت: تلك والله الملائكة. قال: فرفع أبو لهب يده، فضرب وجهي ضَرْبة مُنْكرة، وثَاوَرْتُهُ، وكنت رجلاً ضعيفاً، فاحتملني، فضرب بي الأرض، وبَرَك على صدري يضْربني. وتقدّمت أمّ الفضل إلى عمود من عُمُد الحُجْرة، فتأخذه وتقول: استضعفتَه أن غاب عنه سيده! وتضربه بالعمود على رأسه فتفلِقُه شَجَّةٌ مُنْكَرة. فقام يجر رجليه ذليلاً، ورماه الله بالعَدَسة، فمات، وأقام ثلاثة أيام لم يُدْفن حتى أنتن ثم إن ولده غَسّلوه بالماء، قَذْفاً من بعيد، مخافة عَدْوَى العَدَسة. وكانت قريشٌ تَتَّقيها كما يُتَّقَى الطاعون. ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار، ثم رَضموا عليه الحجارة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) | مكية، وآيها خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ تَبَّتْ } هلكت أو خسرت والتباب خسران يؤدي إلى الهلاك. { يَدَا أَبِى لَهَبٍ } نفسه كقوله تعالى:**{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ }** [البقرة: 195] وقيل إنما خصتا لأنه عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء: 214] جمع أقاربه فأنذرهم فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا، وأخذ حجراً ليرميه به فنزلت. وقيل المراد بهما دنياه وأخراه، وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته ولأن اسمه عبد العزى فاستكره ذكره، ولأنه لما كان من أصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله، أو ليجانس قوله: { ذَاتَ لَهَبٍ } وقرىء «أبو لهب» كما قيل علي بن أبو طالب. { وَتَبَّ } إخبار بعد دعاء والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه كقوله:
| **جَزَانِي جَزَاهُ الله شَرَّ جَزائِه** | | **جَزاءَ الكِلاَبِ العَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَل** |
| --- | --- | --- |
ويدل عليه أنه قرىء «وقد تب» أو الأول إخبار عما كسبت يداه والثاني عن عمل نفسه.
{ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } نفي لإِغناء المال عنه حين نزل به التباب أو استفهام إنكار له ومحلها النصب. { وَمَا كَسَبَ } وكسبه أو مكسوبه بماله من النتائج والأرباح والوجاهة والإِتباع، أو عمله الذي ظن أنه ينفعه أو ولده عتبة، وقد افترسه أسد في طريق الشام وقد أحدق به العير ومات أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدودة، وترك ثلاثاً حتى أنتن ثم استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، فهو إخبار عن الغيب طابقه وقوعه.
{ سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } اشتعال يريد نار جهنم، وليس فيه ما يدل على أنه لا يؤمن لجواز أن يكون صليها للفسق، وقرىء { سَيُصْلَىٰ } بالضم مخففاً و { سَيُصْلَىٰ } مشدداً.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } عطف على المستتر في { سَيَصْلَىٰ } أو مبتدأ وهي أم جميل أخت أبي سفيان. { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } يعني حطب جهنم فإنها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمل زوجها على إيذائه، أو اليميمة فإنها كانت توقد نار الخصومة، أو حزمة الشوك أو الحسك، فإنها كانت تحملها فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عاصم بالنصب على الشتم.
{ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } أي مِمَّا مُسِّدَ أي فَتِلَ، ومنه رجل ممسود الخلق أي مجدوله، وهو ترشيح للمجاز أو تصوير لها بصورة الخطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تحقيراً لشأنها، أو بياناً لحالها في نار جهنم حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنم كالزقوم، والضريع وفي جيدها سلسلة من النار، والظرف في موضع الحال أو الخبر وحبل مرتفع به.
عن النبي صلى الله عليه وسلم **" من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) | قال البخاري حدثنا محمد بن سلام، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى **" يا صباحاه "** فاجتمعت إليه قريش، فقال **" أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقوني؟ ــــ قالوا نعم، قال ــــ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد "** فقال أبو لهب ألهذا جمعتنا؟ تبّاً لك، فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها. وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } الأول دعاء عليه، والثاني خبر عنه، فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وكنيته أبو عتيبة، وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والبغضة له، والازدراء به، والتنقص له ولدينه. قال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل، وكان جاهلياً فأسلم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول **" يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله، تفلحوا "** والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول إنه صابىء كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فقالوا هذا عمه أبو لهب، ثم رواه عن سريج عن ابن أبي الزناد عن أبيه، فذكره. قال أبو الزناد قلت لربيعة كنت يومئذ صغيراً؟ قال لا، والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة، تفرد به أحمد. وقال محمد بن إسحاق حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة، فيقول **" يا بني فلان إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به "** وإذا فرغ من مقالته، قال الآخر من خلفه يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه، فقلت لأبي من هذا؟ قال عمه أبو لهب، رواه أحمد أيضاً والطبراني بهذا اللفظ، فقوله تعالى { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } أي خسرت وخابت، وضل عمله وسعيه { وَتُبْ } أي وقد تب، تحقق خسارته وهلاكه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقوله تعالى { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قال ابن عباس وغيره { وَمَا كَسَبَ } يعني ولده، وروي عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين مثله، وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان، قال أبو لهب إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } وقوله تعالى { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } أي ذات لهب وشرر وإحراق شديد { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان، وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال تعالى { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } يعني تحمل الحطب، فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه، وهي مهيأة لذلك، مستعدة له { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } قال مجاهد وعروة من مسد النار. وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تمشي بالنميمة، واختاره ابن جرير. وقال العوفي عن ابن عباس، وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير كانت تعيرالنبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب، فعيرت بذلك، كذا حكاه، ولم يعزه إلى أحد، والصحيح الأول، والله أعلم. قال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فاخرة، فقالت لأنفقنها في عداوة محمد، يعني فأعقبها الله بها حبلاً في جيدها من مسد النار. وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال المسد الليف، وقال عروة بن الزبير المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً، وعن الثوري هي قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً، وقال الجوهري المسد الليف، والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص، وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها، ومسدت الحبل أمسده مسداً، إذا أجدت فتله. وقال مجاهد { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي طوق من حديد، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسداً؟ وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الوليد بن كثير عن أبي تدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| **مُذَمَّماً أَبَيْنا ودِيْنَهُ قَلَيْنا وأَمْرَهُ عَصَيْنا** | | |
| --- | --- | --- |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله لقد أقبلت، وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إنها لن تراني "** وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى**{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا }** الإسراء 45 فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم ترَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها. قال وقال الوليد في حديثه أو غيره فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت، فقالت تعس مذمم، فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب إني لحصان فما أكلم، وثقاف فما أعلم، وكلتانا من بني العم، وقريش بعد أعلم. وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } ، جاءت امرأة أبي لهب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ومعه أبو بكر، فقال له أبو بكر لو تنحيت لا تؤذيك بشيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إنه سيحال بيني وبينها "** فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، فقالت يا أبا بكر هجانا صاحبك، فقال أبو بكر لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر، ولا يتفوه به، فقالت إنك لمصدق، فلما ولّت، قال أبو بكر ما رأتك؟ قال **" لا، ما زال ملك يسترني حتى ولت "** ثم قال البزار لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي في عنقها حبل من نار جهنم، ترفع به إلى شفيرها، ثم ترمى إلى أسفلها، ثم كذلك دائماً، قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير، وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات كل مسد رشاء، وأنشد في ذلك
| **وبَكْرَةً ومِحْوَراً صَرّاراً ومَسَداً مِنْ أَبقٍ مُغاراً** | | |
| --- | --- | --- |
قال والأبق القنَّب. وقال آخر
| **يا مَسَدَ الخُوصِ تَعَوَّذْ مِنِّي إنْ تَكُ لَدْناً لَيِّناً فإِنِّي ما شِئْتَ منْ أَشْمَطَ مُقْسَئِنِّ** | | |
| --- | --- | --- |
قال العلماء وفي هذه السورة معجزة ظاهرة، ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما، لا باطناً ولا ظاهراً، لا مسراً ولا معلناً، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة. آخر تفسير السورة، ولله الحمد والمنة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ | * تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) | { فِى جِيدِهَا } عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } أي ليف. وهذه الجملة حال من «حمالة الحطب» الذي هو نعت ل«امرأته» أو خبر مبتدأ مقدّر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) | معنى { تَبَّت } هلكت. وقال مقاتل خسرت. وقيل خابت. وقال عطاء ضلت. وقيل صفرت من كل خير، وخصّ اليدين بالتباب، لأن أكثر العمل يكون بهما. وقيل المراد باليدين نفسه، وقد يعبر باليد عن النفس، كما في قوله**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** الحج 10 أي نفسك. والعرب تعبر كثيراً ببعض الشيء عن كله، كقولهم أصابته يد الدهر، وأصابته يد المنايا، كما في قول الشاعر
| **لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مخبر** | | |
| --- | --- | --- |
وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم. وقوله { وَتَبَّ } أي هلك. قال الفراء الأوّل دعاء عليه، والثاني خبر، كما تقول أهلكه الله وقد هلك. والمعنى أنه قد وقع ما دعا به عليه، ويؤيده قراءة ابن مسعود وقد تبّ. وقيل كلاهما إخبار، أراد بالأوّل هلاك عمله، وبالثاني هلاك نفسه. وقيل كلاهما دعاء عليه، ويكون في هذا شبه من مجيء العامّ بعد الخاص، وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة، وذكره سبحانه بكنيته لاشتهاره بها، ولكون اسمه، كما تقدّم عبد العزى، والعزّى اسم صنم، ولكون في هذه الكنية ما يدلّ على أنه ملابس للنار لأن اللهب هي لهب النار، وإن كان إطلاق ذلك عليه في الأصل لكونه كان جميلاً، وأن وجهه يتلهب لمزيد حسنه، كما تتلهب النار. قرأ الجمهور { لهب } بفتح اللام، والهاء. وقرأ مجاهد، وحميد، وابن كثير وابن محيصن بإسكان الهاء، واتفقوا على فتح الهاء في قوله { ذَاتَ لَهَبٍ }. وروى صاحب الكشاف أنه قرىء " تبت يدا أبو لهب " وذكر وجه ذلك. { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي ما دفع عنه ما حلّ به من التباب، وما نزل به من عذاب الله ما جمع من المال، ولا ما كسب من الأرباح والجاه أو المراد بقوله { ماله } ما ورثه من أبيه، وبقوله { وَمَا كَسَبَ } الذي كسبه بنفسه. قال مجاهد وما كسب من ولد، وولد الرجل من كسبه، ويجوز أن تكون «ما» في قوله { مَا أَغْنَىٰ } استفهامية، أي أيّ شيء أغنى عنه؟ وكذا يجوز في قوله { وَمَا كَسَبَ } أن تكون استفهامية، أي وأيّ شيء كسب؟ ويجوز أن تكون مصدرية، أي وكسبه. والظاهر أن «ما» الأولى نافية، والثانية موصولة. ثم أوعده سبحانه بالنار فقال { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }. قرأ الجمهور { سيصلى } بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي سيصلى هو بنفسه، وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة، وابن مقسم، والأشهب العقيلي، وأبو السماك، والأعمش، ومحمد بن السميفع بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير، والمعنى سيصليه الله، ومعنى { ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتوقد، وهي نار جهنم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } معطوف على الضمير في " يصلى ". وجاز ذلك للفصل. أي وتصلى امرأته ناراً ذات لهب. وهي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. وكانت تحمل الغضى والشوك، فتطرحه بالليل على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن زيد، والضحاك، والربيع بن أنس، ومرّة الهمداني. وقال مجاهد، وقتادة، والسديّ إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس. والعرب تقول فلان يحطب على فلان إذا نمّ به، ومنه قول الشاعر
| **إن بني الأدرم حمالوا الحطب هم الوشاة في الرضا والغضب عليهم اللعنة تترى والحرب** | | |
| --- | --- | --- |
وقال آخر
| **من البيض لم يصطد على ظهر لأمة ولم يمش بين الناس بالحطب الرطب** | | |
| --- | --- | --- |
وجعل الحطب في هذا البيت رطباً لما فيه من التدخين الذي هو زيادة في الشرّ، ومن الموافقة للمشي بالنميمة. وقال سعيد بن جبير معنى حمالة الحطب أنها حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم فلان يحتطب على ظهره، كما في قوله**{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }** الأنعام 31. وقيل المعنى حمالة الحطب في النار. قرأ الجمهور حمالة بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب، وأما على ما قدّمنا من عطف، { وامرأته } على الضمير في { تصلى } ، فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته، والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضيّ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي حمالة. وقرأ عاصم بنصب { حمالة } على الذمّ، أو على أنه حال من امرأته. وقرأ أبو قلابة حاملة الحطب. { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } الجملة في محل نصب على الحال من { امرأته }. والجيد العنق، والمسد الليف الذي تفتل منه الحبال، ومنه قول النابغة
| **مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد** | | |
| --- | --- | --- |
وقول الآخر
| **يا مسد الخوص تعوّذ مني إن كنت لدنا لينا فإني** | | |
| --- | --- | --- |
وقال أبو عبيدة المسد هو الحبل يكون من صوف. وقال الحسن هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن تسمى بالمسد. وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها. قال الضحاك، وغيره هذا في الدنيا، كانت تعير النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفقر، وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها فخنقها الله به فأهلكها. وهو في الآخرة حبل من نار. وقال مجاهد، وعروة بن الزبير هو سلسلة من نار تدخل في فيها وتخرج من أسفلها. وقال قتادة هو قلادة من ودع كانت لها. قال الحسن إنما كان خرزاً في عنقها. وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت واللات والعزّى، لأنفقنها في عداوة محمد، فيكون ذلك عذاباً في جسدها يوم القيامة. والمسد الفتل يقال مسد حبله يمسده مسداً أجاد فتله. وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن عباس قال «لما نزلت
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأقْرَبِينَ }** الشعراء 214 خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف **" يا صباحاه "** فاجتمعوا إليه، فقال **" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ؟ "** قالوا ما جربنا عليك كذباً، قال **" فإني نذير لكم بني يدي عذاب شديد "** فقال أبو لهب تباً لك إنما جمعتنا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } ». وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ }. قال خسرت. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ابنه من كسبه. ثم قرأت { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قالت وما كسب ولده. وأخرج عبد الرزاق، والحاكم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَمَا كَسَبَ } قال كسبه ولده. وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قال كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه، وقال { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نقالة الحديث. { حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } قال هي حبال تكون بمكة. ويقال المسد العصا التي تكون في البكرة. ويقال المسد قلادة من ودع. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر، قالت «لما نزلت { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول
| **مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا** | | |
| --- | --- | --- |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت، وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إنها لن تراني "** وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى**{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا }** الإسراء 45 فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال لا، وربّ البيت ما هجاك فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها. وأخرجه البزار بمعناه، وقال لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ) | وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } وذلك أنه لما قال الله لنبيه عليه السلام وأنذر عشيرتك الأقربين فقال لهم بعدما دعاهم قولوا لا إله إلا الله فقال له عمه أخو أبيه من أمه واسمه عبد العزى كنيته أبو لهب تباً لك يا محمد ألهذا دعوتنا فأنزل الله فيه { تبت يدا أبي لهب } يقول خسرت يدا أبي لهب من كل خير { وَتَبَّ } خسر نفسه عن التوحيد { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ } في الآخرة { مَالُهُ } كثرة ماله في الدنيا { وَمَا كَسَبَ } يعني كثرة الأولاد { سَيَصْلَىٰ } سيدخل في الآخرة { نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } تشعل تغيظ { وَٱمْرَأَتُهُ } معه أم جميلة بنت حرب بن أمية { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نقالة النميمة كانت تمشي بالنميمة بين المسلمين والكافرين ويقال كانت تأتي بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وطريق المسلمين { فِي جِيدِهَا } في عنقها في النار { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } سلسلة من حديد ويقال في عنقها رسن من ليف الذي اختنقت به وماتت.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) | قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } يعني خسر أبو لهب وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين نزل قوله تعالى**{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }** [الشعراء:214] صعد على الصفا ونادى فاجتمعوا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - **" أمرني ربي أن أنذر عشيرتي الأقربين وأدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فقولوا أشهد لكم بها عند ربي "** فأنكروا ذلك فقال أبو لهب تباً لك سائر الأيام ألهذا دعوتنا، وروي في خبر آخر أنه اتخذ طعاماً ودعاهم ثم قال **" أسلموا تسلموا وأطيعوا تهتدوا "** فقال أبو لهب تبّاً لك سائر الأيام ألهذا دعوتنا فنزلت (تبت يدا أبي لهب) يعني خسرت يدا أبي لهب عن التوحيد { وَتَبَّ } يعني وقد خسر ويقال إنما ذكر اليد وأراد به هو وقال مقاتل تبت يدا أبي لهب وتب يعني خسر نفسه وكان أبو لهب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه " عبد العزى " ولهذا ذكره بالكنية ولم يذكر اسمه لأن اسمه كان منسوباً إلى صنم وقال بعضهم كنيته كان اسمه ثم قال عز وجل { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } يعني ما نفعه ماله في الآخرة إذ كفر في الدنيا { وَمَا كَسَبَ } يعني ما ينفعه ولده في الآخرة إذا كفر في الدنيا والكسب أراد به الولد لأن ولد الرجل من كسبه ثم قال عز وجل { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } يعني يدخل في النار ذات لهب يعني ذات شعل ثم قال عز وجل { وَٱمْرَأَتُهُ } يعني امرأته تدخل النار معه { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قرأ عاصم حمالة الحطب بنصب الهاء ويكون على معنى الذم والشين ومعناه أعني حمالة الحطب والباقون بالضم على معنى الإبتداء وحمالة الحطب جعل نعتاً لها فقال (حمالة الحطب) يعني حمالة الخطايا والذنوب ويقال (حمالة الحطب) يعني تمشي بالنميمة فسمى النميمة حطباً لأنه يلقي بين القوم العداوة والبغضاء وكانت تمشي بالنميمة في عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويقال كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالليل من بغضها لهم حتى بلغ النبي - عليه السلام - شدة وعناء فحملت ذات ليلة حزمة شوك لكي تطرحها في طريقهم فوضعتها على جدار وشدتها بحبل من ليف على صدرها فأتاها جبريل - عليه السلام - ومده خلف الجدار وخنقها حتى ماتت فذلك قوله { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } أي من ليف وقال أكثر أهل التفسير (في جيدها حبل من مسد) يعني في الآخرة في عنقها سلسلة من حديد وتحتها نار وفوقها نار، وروى سعيد بن جبير رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب فقال أبو بكر رضي الله عنه لو تنحَّيْتَ يا رسول الله فإنها امرأة بذية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" سَيُحَال بيني وبينها "** فدخلت فلم تره فقالت لأبي بكر رضي الله عنه هجانا صاحبك فقال والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله قالت إنك لمصدق فاندفعت راجعة فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله ما رأتك فقال: **" لم يزل بيني وبينها ملك يسترني عنها حتى رجعت "** وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي يزيد بن زيد قال لما نزلت هذه السورة قيل لأمرأة أبي لهب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد هجاك فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في الخلاء وقالت يا محمد - صلى الله عليه وسلم - على ماذا تهجوني فقال **" أما والله ما أنا هجوتك ما هجاك إلا الله عز وجل "** قالت هل رأيتني أحمل الحطب أو رأيت في جيدي حبل من مسد؟ وقال مجاهد: (في جيدها حبل من مسد) مثل حديد البكرة، وقال غيره يعني عروة سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) | قوله تعالى: { تبّتْ يدا أبي لهب } اختلف في سبب نزولها في أبي لهب على ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أُعطَى إن آمنتُ بك يا محمد؟ قال: ما يعطَى المسلمون، قال: ما عليهم فضل؟ قال: وأي شيء تبتغي؟ قال: تبَّا لهذا من دين أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله فيه: { تبت يدا أبي لهب }.
الثاني: ما رواه ابن عباس أنه لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليها، ثم نادى يا صباحاه! فاجتمع الناس إليه، فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟! فأنزل الله تعالى هذه السورة.
الثالث: ما حكاه عبد الرحمن بن كيسان أنه كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفْدٌ انطلق إليهم أبو لهب، فيسألونه عن رسول الله ويقولون: أنت أعلم به، فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر، فيرجعون عنه ولا يلقونه، فأتاه وفد، ففعل معهم مثل ذلك، فقالوا: لا ننصرف حتى نراه ونسمع كلامه، فقال لهم أبو لهب: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبّاً له وتعساً، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاكتأب له، فأنزل الله تعالى " تَبّتْ " السورة، وفي " تبّتْ " خمسة أوجه:
أحدها: خابت، قاله ابن عباس.
الثاني: ضلّت، وهو قول عطاء.
الثالث: هلكت، قاله ابن جبير.
الرابع: صفِرت من كل خير، قاله يمان بن رئاب.
حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان بن عفان سمع الناس هاتفاً يقول:
| **لقد خلّوْك وانصدعوا** | | **فما آبوا ولا رجعوا** |
| --- | --- | --- |
| **ولم يوفوا بنذرِهمُ** | | **فيا تبَّا لما صَعنوا** |
والخامس: خسرت، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر:
| **تواعَدَني قوْمي ليَسْعوْا بمهجتي** | | **بجارية لهم تَبّا لهم تبّاً** |
| --- | --- | --- |
وفي قوله { يَدَا أَبِي لَهَبٍ } وجهان:
أحدهما: يعني نفس أبي لهب، وقد يعبر عن النفس باليد كما قال تعالى { ذلك بما قدمت يداك } أي نفسك.
الثاني: أي عمل أبي لهب، وإنما نسب العمل إلى اليد لأنه في الأكثر يكون بها.
وقيل إنه كني أبا لهب لحُسنه وتلهّب وجنته، وفي ذكر الله له بكنيته دون اسمه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه.
الثاني: لأنه كان مسمى بعبد هشم، وقيل إنه عبد العزى فلذلك عدل عنه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
الثالث: لأن الاسم أشرف من الكنية، لأن الكنية إشارة إليه باسم غيره، ولذلك دعا الله أنبياءه بأسمائهم.
وفي قوله { وتَبَّ } أربعة أوجه:
أحدها: أنه تأكيد للأول من قوله { تبت يدا أبي لهب } فقال بعده " وتب " تأكيداً. الثاني: يعني تبت يدا أبي لهب بما منعه الله تعالى من أذى لرسوله، وتب بما له عند الله من أليم عقابه.
الثالث: يعني قد تبّ، قاله ابن عباس.
الرابع: يعني وتبّ ولد أبي لهب، قاله مجاهد.
وفي قراءة ابن مسعود: تبت يدا أبي لهبٍ وقد تب، جعله خبراً، وهي على قراءة غيره تكون دعاء كالأول.
وفيما تبت عنه يدا أبي لهب وجهان:
أحدهما: عن التوحيد، قاله ابن عباس.
الثاني: عن الخيرات، قاله مجاهد.
{ ما أَغْنَى عَنْه مالُه وما كَسَب } في قوله " ما أغنى عنه " وجهان:
أحدهما: ما دفع عنه.
الثاني: ما نفعه، قاله الضحاك.
وفي { مالُه } وجهان:
أحدهما: أنه أراد أغنامه، لأنه كان صاحب سائمة، قاله أبو العالية.
الثاني: أنه أراد تليده وطارفه، والتليد: الموروث، والطارف: المكتسب.
وفي قوله { وما كَسَبَ } وجهان:
أحدهما: عمله الخبيث، قاله الضحاك.
الثاني: ولده، قاله ابن عباس.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" أولادكم من كسبكم "** وكان ولده عتبة بن أبي لهب مبالغاً في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم كأبيه، فقال حين نزلت { والنجم إذا هوى } كفرت بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، وتفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "** فأكله الأسد.
وفيما لم يغن عنه ماله وما كسب وجهان:
أحدهما: في عداوته النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: في دفع النار عنه يوم القيامة.
{ سَيَصْلَى ناراً ذاتَ لَهَبٍ } في سين سيصلى وجهان:
أحدهما: أنه سين سوف.
الثاني: سين الوعيد، كقوله تعالى { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ } و { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا } وفي { يَصْلًى } وجهان:
أحدهما: صلي النار، أي حطباً ووقوداً، قاله ابن كيسان.
الثاني: يعني تُصليه النار، أي تنضجه، وهو معنى قول ابن عباس، فيكون على الوجه الأول صفة له في النار، وعلى الوجه الثاني صفة للنار.
وفي { ناراً ذاتَ لَهَبٍ } وجهان:
أحدهما: ذات ارتفاع وقوة واشتعال، فوصف ناره ذات اللهب بقوتها، لأن قوة النار تكون مع بقاء لهبها.
الثاني: ما في هذه الصفة من مضارعة كنيته التي كانت من نذره ووعيده.
وهذه الآية تشتمل على امرين:
أحدهما: وعيد من الله حق عليه بكفره.
الثاني: إخبار منه تعالى بأنه سيموت على كفره، وكان خبره صدقاً، ووعيده حقاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
{ وامرأتُهُ حَمّالَةَ الحَطَبِ } وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان.
وفي { حمالة الحطب } أربعة أوجه: أحدها: أنها كانت تحتطب الشوك فتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها كانت تعيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، فكان يحتطب فعيرت بأنها كانت تحتطب، قاله قتادة.
الثالث: أنها كانت تحتطب الكلام وتمشي بالنميمة، قاله الحسن والسدي فسمي الماشي بالنميمة حمال الحطب لأنه يشعل العداوة كما تشعل النار الحطب، قال الشاعر:
| **إنّ بني الأَدْرَمِ حَمّالو الحَطَبْ** | | **هم الوُشاةُ في الرِّضا وفي الغَضَبْ.** |
| --- | --- | --- |
| **عليهمُ اللعْنةُ تَتْرى والحرَبْ.** | | |
وقال آخر:
| **مِنَ البِيضِ لم تُصْطَدْ على ظهر لأمةٍ** | | **ولم تمشِ بَيْن الحيّ بالحَطَب والرطْبِ.** |
| --- | --- | --- |
الرابع: أنه أراد ما حملته من الآثام في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كالحطب في مصيره إلى النار.
{ في جِيدِها حَبْل مِنْ مَسَدِ } جيدها: عنقها.
وفي { حبل من مسد } سبعة أقاويل:
أحدها: أنه سلسلة من حديد، قاله عروة بن الزبير، وهي التي قال الله تعالى فيها: { ذرعها سبعون ذراعاً } قال الحسن: سميت السلسلة مسداً لأنها ممسودة، أي مفتولة.
الثاني: أنه حبل من ليف النخل، قاله الشعبي، ومن قول الشاعر:
| **أعوذ بالله مِن لَيْل يُقرّبني** | | **إلى مُضاجعةٍ كالدَّلْكِ بالمسَدِ.** |
| --- | --- | --- |
الثالث: أنها قلادة من ودع، على وجه التعيير لها، قاله قتادة.
الرابع: أنه حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها، قاله الحسن، ذكرت به على وجه التعيير أيضاً.
الخامس: أنها قلادة من جوهر فاخر، قالت لأنفقنها في عداوة محمد، ويكون ذلك عذاباً في جيدها يوم القيامة.
السادس: أنه إشارة إلى الخذلان، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوطة في جيدها بحبل من مسد.
السابع: أنه لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى بها.
روى الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر أنه لما نزلت " تبت يدا " في أبي لهب وامرأته أم جميل أقبلت ولها ولولة وفي يدها قهر وهي تقول:
| **مُذَمَّماً عَصَيْنَا** | | **وأَمْرَهُ أَبَيْنا** |
| --- | --- | --- |
| **ودِينَه قَلَيْنا.** | | |
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله قد أقبلت وإني أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى: { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } فأقبلت على أبي بكر، ولم تر رسول الله، فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت، ما هجاك، فولت فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مذمم، وانصرفت.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ | * تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) | { فِى جِيدِهَا } ، في عنقها، وجمعه أجياد، { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }. واختلفوا فيه قال ابن عباس وعروة بن الزبير: سلسلة من حديدٍ ذَرْعُها سبعون ذراعاً تدخل في فيها وتخرج من دبرها، ويكون سائرها في عنقها، وأصله من " المسْد " وهو الفتل، و " المَسَدُ " ما فُتِل وأحكم من أي شيء كان، يعني: السلسلة التي في عنقها ففتلت من الحديد فتلاً محكماً. وروى الأعمش عن مجاهد: " من مَسَدٍ " أي من حديد، والمسد: الحديدة التي تكون في البَكَرَةِ، يقال لها المحور. وقال الشعبي ومقاتل: من ليف. قال الضحَّاك وغيره: في الدنيا من ليف وفي الآخرة من نار، وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها. قال ابن زيد: حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد. قال قتادة: قلادة من ودع. وقال الحسن: كانت خرزات في عنقها فاخرة وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة في عنقها فاخرة، فقالت: لأنفقنّها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) | روي في الحديث **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه: { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214] قال: " يا صفية بنت عبد المطلب، ويا فاطمة بنت محمد لا أملك لكما من الله شيئاً سلاني من مالي ما شئتما " ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش: " يا بني فلان، يا بني فلان " وروي أنه صاح بأعلى صوته: " يا صباحاه " فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم: " أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم، قال: " فإني نذير بين يدي عذاب شديد، " فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا، جمعتنا "؟ فافترقوا عنه ونزلت السورة "** ، و { تبت } معناه: خسرت، والتباب: الخسار والدمار، وأسند ذلك إلى اليدين من حيث اليد موضع الكسب والربح وضم ما يملك، ثم أوجب عليه أنه قد تب أي حتم ذلك عليه، ففي قراءة عبد الله بن مسعود: " تبت يدا أبي لهب وقد تب " ، و " أبو لهب ": هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سبقت له الشقاوة، وقرأ ابن كثير وابن محيصن: " أبي لهْب " بسكون الهاء، وقرأ الباقون: بتحريك الهاء، ولم يختلفوا في فتحها في { ذات لهب } ، وقوله تعالى: { ما أغنى عنه ماله وما كسب } يحتمل أن تكون { ما } نافية، ويكون الكلام خبراً عن أن جميع أحواله الدنياوية لم تغن عنه شيئاً حين حتم عذابه بعد موته، ويحتمل أن تكون { ما } استفهاماً على وجه التقرير أي أين الغناء الذي لماله ولكسبه؟ { وما كسب }: يراد به عرض الدنيا من عقار ونحوه، أو ليكون الكلام دالاً على أنه أتعب فيه نفسه لم يجئه عفوا لا بميراث وهبة ونحوه، وقال كثير من المفسرين: المراد بـ { ما كسب } بنوه، فكأنه قال: { ما أغنى عنه ماله } وولده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" خير ما كسب الرجل من عمل يده وإن ولد الرجل من كسبه "** ، وروي أن أولاد أبي لهب اختصموا عند ابن عباس فتنازعوا وتدافعوا، فقام ابن عباس ليحجز بينهم، فدفعه أحدهم، فوقع على فراشه، وكان قد كف بصره فغضب وصاح: أخرجوا عني الكسب الخبيث، وقرأ الأعمش وأبي بن كعب: " وما اكتسب " وقوله: { سيصلى ناراً ذات لهب } حتم عليه بالنار وإعلام بأنه يوافي على كفره، وانتزع أهل الأصول من هذه الآية تكليف ما لا يطاق، وأنه موجود في قصة أبي لهب، وذلك أنه مخاطب مكلف أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومكلف أن يؤمن بهذه السورة وصحتها، فكأنه قد كلف أن يؤمن، وأن يؤمن أنه لا يؤمن، قال الأصوليون ومتى ورد تكليف ما لا يطاق فهي أمارة من الله تعالى أنه قد حتم عذاب ذلك المكلف كقصة { أبي لهب } ، وقرأ الجمهور " سيَصلى " بفتح الياء، وقرأ ابن كثير والحسن وابن مسعود بضمها، وقوله تعالى: { وامرأته حمالة الحطب } هي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وعطف قوله { وامرأته } على المضمر المرفوع دون أن يؤكد الضمير بسبب الحائل الذي ناب مناب التأكيد، وكانت أم جميل هذه مؤذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها، وقال ابن عباس: كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه ليعقرهم، فلذلك سميت { حمالة الحطب } ، وعلى هذا التأويل، فـ { حمالة } معرفة يراد به الماضي، وقيل إن قوله { حمالة الحطب } استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها، فـ { حمالة } على هذا نكرة، يراد بها الاستقبال، وقيل هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين، كما تقول: فلان يحطب على فلان وفي حبل فلان، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين، وقال الشاعر:[الرجز]
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **إن بني الأدرم حمالو الحطب** | | **هم الوشاة في الرضى وفي الغضب** |
| --- | --- | --- |
وقرأ ابن مسعود: " ومرياته " ، وقرأ الجمهور: " حمالةُ " بالرفع، وقرأ عاصم: " حمالةَ " بالنصب على الذم، وهي قراءة الحسن والأعرج وابن محيصن، وقرأ ابن مسعود: " حمالةٌ للحطب " بالرفع ولام الجر، وقرأ أبو قلابة: " حاملة " الميم بعد الألف، وقوله: { في جيدها حبل من مسد } ، قال ابن عباس والضحاك والسدي وابن زيد: الإشارة إلى الحبل حقيقة الذي ربطت به الشوك وحطبه، قال السدي: " المسد " الليف، وقيل: ليف المقل ذكره أبو الفتح وغيره، وقال ابن زيد: هو شجر باليمن يسمى المسد، تصنع منه الحبال، وقال النابغة: [البسيط]
| **مقذوفة بدخيس النحض بازلها** | | **له صريف صريف القعو بالمسد** |
| --- | --- | --- |
القعو: البكرة، والمسد: الحبل، وقال عروة بن الزبير وسفيان ومجاهد وغيره: هذا الكلام استعارة والمراد سلسلة من حديد في جهنم ذرعها سبعون ذراعاً، ونحو هذا من العبارات، وقال قتادة: { حبل من مسد } ، قلادة من ودع، قال ابن المسيب: كان لها قلادة فاخرة فقالت: لأنفقنها على عداوة محمد.
قال القاضي أبو محمد: فإنما عبر عن قلادتها بـ { حبل من مسد } على جهة التفاؤل لها، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث، وروي في هذا الحديث أن هذه السورة لما نزلت وقرئت، بلغت أم جميل فجاءت أبا بكر وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقالت: يا أبا بكر: بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وإني شاعرة وقد قلت فيه [الرجز]
| **مذممـاً قلينـا** | | **ودينـه أبينـا** |
| --- | --- | --- |
فسكت أبو بكر ومضت هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لقد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) | وسبب نزولها ما روى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: **" لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214] صَعِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال: «يا صباحاه». فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ فقال: «أرأيتُكم إن أخبرتُكم أن العدوَّ مصبِّحكم، أو ممسِّيكم، أما كنتم تصدقوني؟» قالوا: بلى. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». قال أبو لهب: تَباً لك، ألهذا دَعوتَنَا؟ فأنزل الله تعالى: { تبت يدا أبي لهب } "** ومعنى تبت: خسرت يدا أبي لهب { وتب } أي: وخسر هو. قال الفراء: الأول: دعاء، والثاني: خبر، كما يقول الرجل: أهلكك الله وقد أهلكك، وجعلك الله صالحاً وقد جعلك. وقيل: ذكر يديه، والمراد نفسه، ولكن هذا عادة العرب يعبِّرون ببعض الشيء عن جميعه، كقوله تعالى:**{ ذلك بما قدَّمت يداك }** [الحج: 10]. وقال مجاهد: «تبت يدا أبي لهب وتب» ولد أبي لهب. فأما أبو لهب فهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن اسمه عبد العزى. وقرأ ابن كثير وحدُه «أبي لَهْبٍ» بإسكان الهاء. قال أبو علي: يشبه أن يكون لغة كالشَّمْعِ، والشَّمْعِ والنَّهْرِ، والنَّهَرِ.
فإن قيل: كيف كناه الله عز وجل، وفي الكنية نوع تعظيم؟
فعنه جوابان.
أحدهما: أنه إن صح أن اسمه عبد العُزَّى، فكيف يذكره الله بهذا الاسم وفيه معنى الشرك؟!
والثاني: أن كثيراً من الناس اشتهروا بكناهم، ولم يعرف لهم أسماء. قال ابن قتيبة: خبِّرني غير واحد عن الأصمعي أن أبا عمرو بن العلاء، وأبا سفيان ابن العلاء أسماؤهما كناهما، فإن كان اسم أبي لهب كنيته، فإنما ذكره بما لايعرف إلا به.
قوله تعالى: { ما أغنى عنه ماله } قال ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربيه إلى الله عز وجل قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإني أفتدي بمالي، وولدي، فقال الله عز وجل: { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قال الزجاج: و «ما» في موضع رفع. المعنى: ما أغنى عنه ماله وكسبه أي: ولده. وكذلك قال المفسرون: المراد بكسبه هاهنا: ولده. و «أغنى» بمعنى يغني { سيصلى ناراً ذات لهب } أي: تلتهب عليه من غير دخان { وامرأته } أي: ستصلى امرأته، وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. وفي هذا دلالة على صحة نُبوَّة نبينا عليه الصلاة والسلام، لأنه أخبر بهذا المعنى أنه وزوجته يموتان على الكفر، فكان كذلك. إذ لو قالا بألسنتهما: قد أسلمنا، لوجد الكفار متعلقاً في الرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن الله علم أنهما لا يسلمان باطناً ولا ظاهراً، فأخبره بذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قوله تعالى: { حمَّالة الحطب } فيه أربعة أقوال.
أحدهما: أنها كانت تمشي بالنميمة، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي، والفراء، وقال ابن قتيبة: فشبَّهوا النميمة بالحطب، والعداوة والشحناء بالنار، لأنهما يقعان بالنميمة، كما تلتهب النار بالحطب.
والثاني: أنها كانت تحتطب الشوك، فتلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً، رواه عطية عن ابن عباس. وبه قال الضحاك، وابن زيد.
والثالث: أن المراد بالحطب: الخطايا، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: أنها كانت تُعيِّرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب فَعُيِّرتْ بذلك، قاله قتادة. وليس بالقوي، لأن الله تعالى وصفه بالمال. وقرأ عاصم وحده { حمالةَ الحطب } بالنصب.
قال الزجاج: من نصب «حمالةَ» فعلى الذَّم. والمعنى: أعني: حمالةَ الحطب. والجيد: العُنُق. والمَسَدُ في لغة العرب: الحَبْل إذا كان من ليف المُقْل. وقد يقال لما كان من أوبار الإبل من الحبال: المَسَد. قال الشاعر:
| **وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانُقِ** | | **[صُهْبٍ عِتاقٍ ذات مُخٍّ زَاهِقِ]** |
| --- | --- | --- |
وقال ابن قتيبة: المَسَد عند كثير من الناس: اللِّيف دون غيره، وليس كذلك، إنما المسد: كُلُّ ما ضُفِرَ وفُتِل من اللِّيف وغيره.
واختلف المفسرون في المراد بهذا الحبل على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها حبال كانت تكون بمكة، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال الضحاك: حبل من شجر كانت تحتطب به.
والثاني: أنه قلادة من وَدَع، قاله قتادة.
والثالث: أنه سلسلة من حديد ذَرْعُها سبعون ذراعاً، قاله عروة بن الزبير. وقال غيره: المراد بهذا الحبل: السلسلة التي ذكرها الله تعالى في النار، طولها سبعون ذراعاً، والمعنى: أن تلك السلسلة قد فتلت فتلاً مُحْكَماً، [فهي] في عنقها تعذَّب بها في النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ | * تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) | { فِى جِيدِهَا } يوم القيامة. جيدها: عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً سميت مسداً لأنها ممسودة أي مفتولة أو حبل من ليف المقل أو قلادة من ودع على وجه التعيير لها أو حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها " ح " فعيرت بذلك أو قلاده جوهر فاخر قالت لأنفقنها في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو عبر بذلك عن خذلانها كالمربوطة عن الإيمان بحبل من مسد ولما نزلت أقبلت تولول وبيدها فِهْر وهي تقول:
| **مذمماً أبينا** | | **ودينه قلينا** |
| --- | --- | --- |
| **وأمره عصينا** | | |
والرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه في المسجد فقال يا رسول الله إني أخاف أن تراك فقال إنها لن تراني وقرأ قرآناً اعتصم به فلم تره فقالت لأبي بكر رضي الله تعالى عنه إني أخبرت أن صاحبك هجاني فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" قد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفاني الله تعالى شرها "** فعثرت في مرطها فقالت: تعس مذمم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) | مكية وهي خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } التباب: الهلاك ومنه قولهم أشابّة أم تابّة أي هالكة من الهرم؟ والمعنى هلكت يداه لأنه فيما يروى أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَتَبَّ } وهلك كله أو جعلت يداه هالكتين والمراد هلاك جملته كقوله**{ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ }** [الحج: 10] ومعنى { وَتَبَّ } وكان ذلك وحصل، كقوله:
| **جزائي جزاء الله شر جزائه** | | **جزاء الكلاب العاويات وقد فعل** |
| --- | --- | --- |
وقد دلت عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: { وَقَد تَبَّ } ، روي أنه لما نزل**{ وأنذر عشيرتك الأقربين }** رقى الصفا **" وقال: يا صباحاه فاستجمع إليه الناس من كل أوب. فقال عليه الصلاة والسلام: يا بني عبد المطلب يا بني فهر إن أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. قال: «فإني نذير لكم بين يدي الساعة "** فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا فنزلت. وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بها دون الاسم، أو لكراهة اسمه فاسمه عبد العزى، أو لأن مآله إلى نار ذات لهب فوافقت حاله كنيته، { أَبِى لَهَبٍ } مكي { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } «ما» للنفي { وَمَا كَسَبَ } مرفوع و«ما» موصولة أو مصدرية أي ومكسوبه أو وكسبه أي لم ينفعه ماله الذي ورثه من أبيه، أو الذي كسبه بنفسه، أو ماله التالد والطارف، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما كسب ولده. وروي أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي { سَيَصْلَىٰ نَاراً } سيدخل { سَيَصْلَىٰ } البرجمي عن أبي بكر، والسين للوعيد أي هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته { ذَاتَ لَهَبٍ } توقد { وَٱمْرَأَتُهُ } هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: كانت تمشي بالنميمة فتشعل نار العداوة بين الناس. ونصب عاصم { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } على الشتم وأنا أحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل. وعلى هذا يسوغ الوقف على { ٱمْرَأَتُهُ } لأنها عطفت على الضمير في { سَيَصْلَىٰ } أي سيصلى هو وامرأته والتقدير: أعني حمالة الحطب، وغيره رفع { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } على أنها خبر وامرأته أو هي حمالة { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } حال أو خبر آخر. والمسد الذي فتل من الحبال فتلاً شديداً من ليف كان أو جلد أو غيرهما، والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تحقيراً لها وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات لتجزع من ذلك ويجزع بعلها، وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ المَسَدِ | Meccan | تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ | * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) | قوله عز وجل: { تبت يدا أبي لهب وتب } ق عن ابن عباس قال: **" لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، ونادى يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ، قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً قال فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب تبّاً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب } "** وفي رواية **" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل، فنادى يا صباحاه فاجتمعت عليه قريش "** الحديث وذكر نحوه ومعنى تبت خابت وخسرت، والتباب هو الخسار المفضي إلى الهلاك، والمراد من اليد صاحبها وجملة بدنه، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله، وجميعه، وقيل إنه رمى النبي صلى الله عليه وسلم بحجر، فأدمى عقبه فلهذا ذكرت اليد، وإن كان المراد جملة البدن فهو كقولهم خسرت يده، وكسبت يده فأضيفت الأفعال إلى اليد، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه. فإن قلت لم كناه وفي الكنية تشريف وتكرمة قلت فيه وجوه أحدها أنه كان مشتهراً بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه لم يعرف الثاني أنه كان اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشّرك الثالث. أنه لما كان من أهل النّار ومآله إلى النار، والنار ذات لهب وافقت حاله كنيته، وكان جديراً بأن يذكر بها. { وتب } قيل الأول أخرج مخرج الدعاء عليه، والثاني أخرج مخرج الخبر كما يقال أهلكه الله، وقد هلك وقيل تبت يدا أبي لهب، يعني ماله وملكه، كما يقال فلان قليل ذات اليد يعنون به المال، وتب يعني نفسه أي وقد أهلكت نفسه { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قال ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله تعالى قال أبو لهب: إن كان ما تقول يا ابن أخي حقاً، فأنا أفتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى: { ما أغنى عنه ماله } ، أي شيء يغني عنه ماله، أي ما يدفع عنه عذاب الله، وما كسب يعني من المال، وكان صاحب مواشٍ، أي ما جمع من المال أو ما كسب من المال، أي الربح بعد رأس ماله، وقيل وما كسب يعني ولده لأن ولد الإنسان من كسبه، كما جاء في الحديث
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم "** أخرجه التّّرمذي ثم أوعده بالنّار فقال تعالى: { سيصلى ناراً ذات لهب } أي ناراً تلتهب عليه { وامرأته } يعني أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان، وكانت في نهاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. { حمالة الحطب } قيل كانت تحمل الشّوك، والحسك والعضاه باللّيل، فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس فإن قلت إنها كانت من بيت العز والشرف فكيف يليق بها حمل الحطب؟ قلت يحتمل أنها كانت مع كثرة مالها، وشرفها في نهاية البخل والخسة، فكان يحملها بخلها على حمل الحطب بنفسها، ويحتمل أنها كانت تفعل ذلك لشدّة عداوتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ترى أنها تستعين في ذلك بأحد بل تفعله هي بنفسها، وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقي العداوة بين النّاس وتوقد نارها، كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به، وقيل حمالة الخطايا والآثام التي حملتها في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها كانت كالحطب في مصيرها إلى النار. { في جيدها } أي عنقها { حبل من مسد } قال ابن عباس: سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً تدخل من فيها، وتخرج من دبرها، ويكون سائرها في عنقها. فتلت من حديد فتلاً محكماً وقيل هو حبل من ليف، وذلك الحبل هو الذي كانت تحتطب به، فبينما هي ذات يوم حاملة الحزمة أعيت، فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك، فجذبها من خلفها، فأهلكها، وقيل هو حبل من شجر ينبت باليمن يقال له المسد، وقيل قلادة من ودع، وقيل كانت لها خرزات في عنقها، وقيل كانت لها قلادة فاخرة. قالت لأنفقنها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|