surah_name
stringclasses 113
values | revelation_type
stringclasses 2
values | ayah
stringlengths 2
1.15k
| tafsir_book
stringclasses 84
values | tafsir_content
stringlengths 0
644k
|
---|---|---|---|---|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) | أحد: واحد. الصمد: المقصود في الحاجات. الكفء: النظير.
قل يا محمدُ لِمَن سألوك عن صِفة ربك: اللهُ هو الواحدُ، لا شريكَ له ولا شبيه.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }
الله هو المقصود، يتوجّه اليه العِبادُ في جميع مطالبهم وحوائجهم، لا واسطةَ بينه وبين عبادِه.
{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }
لم يتَّخِذ ولداً ولا زوجة، ولم يولَد من أبٍ ولا أُم.. فهو قَديمٌ ليس بحادِثٍ، ولو كان مولُودا لكان حادِثا. إنه ليس له بدايةٌ ولا نهاية.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
وليس له نِدٌّ ولا مماثِل، ولا شَبيه.**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11]. فهذه السورةُ الكريمة إثباتٌ وتقريرٌ لعقيدة التوحيد الإسلامية، كما أن سورةَ " الكافرون " نفيٌ لأيّ تشابُهٍ او التقاء بين عقيدةِ التوحيد وعقيدةِ الشِرك.
وقد سُئل أعرابي ماذا يحفظ من القرآن فقال: أحفَظ هِجاءَ أبي لَهَبٍ**{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ... }** [المسد: 1] وصِفَةَ الربّ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
تعالى الله عما يقولُ الظالمون علوّا كبيرا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ | * تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) | (2) - وَهُوَ الذِي يَقْصدُهُ العِبَادُ فِي الحَاجَاتِ، وَيَتَوَّجَّهُونَ إِلَيهِ بِالدُّعَاءِ وَالرَّجَاءِ فِيمَا أَهَمَّهُمْ وَأَغَمَّهُمْ.
الصَّمَدُ - المَقْصُودُ فِي الحَاجَاتِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) | { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أخبرنا الشيخ أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكى قال: أخبرنا الإمام أبو بدر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا: حدثنا أبو سعد الصغاني قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله (عليه السلام): انسب لنا ربك، فأنزل الله سبحانه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الى آخر السورة.
وروى أبو ضبيان وأبو صالح عن ابن عباس **" أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: الى ما تدعونا يا محمد؟ قال: " الى الله سبحانه " فقالا: صفه لنا، أذهب هو أم فضة أم حديد أم من خشب؟ فنزلت هذه السورة، فأرسل الله سبحانه الصاعقة إلى أربد فأحرقته وطعن عامر في خنصره فمات، "** وقد ذكرت قصتهما في سورة الرعد.
وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: **" جاء ناس من أحبار اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربّك لعلنا نؤمن بك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا به من أي شيء هو من أي جنس أمن ذهب هو أو نحاس أم صفر أم حديد أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممّن ورث الدنيا؟ ومن يورثها؟ فأنزل الله سبحانه هذه السورة "** وهي نسبة الله خاصة.
وأخبرني عقيل أن أبا فرج البغدادي أخبرهم عن أبي جعفر الطرفي قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثني ابن إسحاق عن محمد بن سعيد قال: **" أتى رهط من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي حتى أمتقع لونه ثم ساورهم غضباً لربه، فجاءه جبرائيل فسكّنه وقال: أخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله سبحانه بجواب ما سألوه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } السورة، فلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: صف لنا ربك كيف خلق وكيف عضده وذراعه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأوّل وساورهم، فأتاه جبرائيل فقال: له مثل مقالته وأتاه بجواب ما سألوه { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الزمر: 67] ".** وقال الضحاك عن ابن عباس: **" إنَّ وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أساقفة من بني الحرث بن كعب فيهم السيد والعاقب، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك من أي شيء هو؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنَّ ربي ليس من شيء وهو بائن من الأشياء " فأنزل الله سبحانه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي واحد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولا فرق بين الواحد والأحد عند أكثر أصحابنا يدل عليه قراءة عبد الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [.......].
وفرق قوم بينهما فقال بعضهم: الواحد للفصل والأحد للغاية، وقيل: واحد بصفاته أحد بذاته، وقيل: إنَّ الواحد يدلّ على أزليته وأوّليته، لأنَّ الواحد في الأعداد ركنها وأصلها وميدانها، والأحد يدل على بينونته من خلقه في جميع الصفات، ونفي أبواب الشرك عنه، فالأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد أسم لمفتتح العدد، فأحد صلح في الكلام في موضع الجحود، والواحد في موضع الإثبات تقول: لم يأتني منهم أحد وجاءني منهم واحد، فالمعنى أنه لم يأتني أثنان، وقال ابن الأنباري: أجد في الأصل واحد كما قالوا للمرأة أناة والأصل ونأة من الوني وهو الفتور قال الشاعر:
| **رمته أناة من ربيعة عامر** | | **نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم** |
| --- | --- | --- |
وقال النابغة في الواحد:
| **كأن رحلي وقد زال النهار بنا** | | **بذي الجليل على مستأنس وحد** |
| --- | --- | --- |
سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء يقول في قوله سبحانه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }: هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتحّد بأظهار الخفيّات.
وقراءة العامة { أَحَدٌ } بالتنوين، وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وابن إسحاق وأبان بن عثمان وهارون بن عيسى { أَحَدٌ \* ٱللَّهُ } بلا تنوين طلباً للخفة وفراراً من التقاء الساكنين كقراءة من قرأ**{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] بغير تنوين.
وأما قوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فاختلفوا فيه فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير: الذي لا جوف له، وأما سعيد بن المسيب: الذي لا حشو له، الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشرب، وإليه ذهب الفرضي، وقيل: يفتره ما بعده.
أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منبع ومحمود بن خراش قال: حدّثنا أبو سعد الصعالي قال: حدّثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب قال: الصمد الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس يرث إلا سيورث وأن الله لا يموت ولا يورث.
وقال أبو وائل شفيق بن سلمة: وهو السيّد الذي قد أنتهى سؤدده، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع الشرف والسؤدد.
غيره: هو السيد المقصود في الحوائج، يقول العرب: صمّدت فلاناً أصمده وأصمُده صمْداً بسكون الميم إذا قصدته، والمصمود صمد كالقبض والنفض، ويقال: بيت مصمود ومصمّد إذا قصده الناس في حوائجهم قال طرفة:
| **وأن يلتقي الحي الجميع تلاقني** | | **الى ذروة البيت الرفيع المصمد** |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأنشد الأئمة في الصمد:
| **ألا بكر الناعي بخيري بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
وقال قتادة: الصمد: الباقي بعد خلقه، عاصم ومعمر: هو الدائم، علي بن موسى الرضا: هو الذي أيست العقول عن الإطلاع على كيفيته، محمد بن علي الترمذي: هو الأزلي بلا عدد، والباقي بلا أمد، والقائم بلا عمد، الحسين بن الفضل: هو الأزلي بلا أبتداء، وقيل: هو الذي جلّ عن شبه المصورين وقيل: هو بمعنى نفي التجزؤ والتأليف عن ذاته، ميسرة: المصمت، ابن مسعود: الذي ليست له أحشاء، أبو إسحاق الكوفي عن عكرمة: الصمد الذي ليس فوقه أحد، وهو قول علي عليه السلام.
السدي: هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب، يمان: الذي لاينام، كعب الأحبار: الذي لا يكافئه من خلقه أحد. ابن كيسان: الذي لا يوصف بصفته أحد، مقاتل ابن حيان: الذي لا عيب فيه، ربيع: الذي لا تعتريه الآفات، سعيد بن جبير أيضاً: الكامل في جميع صفاته وأفعاله، الصادق: وهو الغالب الذي لا يغلب، أبو هريرة: المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد، مرّة الهمداني: الذي لا يبلى ولا يغنى، الحسين بن الفضل أيضاً: هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء لا معقّب لحكمه ولا راد لقضائه.
محمد بن علي: الصمد: الذي لا تدركه الأبصار ولا تحويه الأفكار ولا تبلغه الأقطار وكل شي عنده بمقدار.
ابن عطاء: الصمد: الذي لم يتبّين عليه أثر فيما أظهر، جعفر: الذي لم يعط لخلقه من معرفته الا الاسم والصفة، جنيد: الذي لم يجعل لأعدائه سبيلا الى معرفته، وقيل: هو الذي لا يدرك حقيقة نعوته وصفاته فلا يتسع له اللسان ولا يشير إليه البيان، ابن عطاء: هو المتعالي عن الكون والفساد، وقال الواسطي: الذي لا يسحر ولا يستغرق ولا تعترض عليه القواطع والغلل.
وقال جعفر أيضاً: الصمد خمس حروف: فالألف دليل على أحديّته، واللام دليل على الهيته وهما مدغمان لا يظهران على اللسان ويظهران في الكتابة، فدلّ على أحديته والهيّته خفية لا يدرك بالحواس، وأنّه لا يقاس بالناس فخفاءه في اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه ولا تحيط به علماً، وأظهاره في الكتابة دليل على أنه يظهر على قلوب العارفين، ويبدو لأعين المحبين في دار السلام، والصاد دليل على صدقه، فوعده صدق وقوله صدق وفعله صدق ودعا عباده الى الصدق، والميم دليل على ملكه فهو الملك على الحقيقة، والدال علامة دوامه في أبديته وأزليته.
{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } اختلف القراء فيه، فقرأ حمزة ويعقوب ساكنة الفاء مهموزة ومثله روى العباس عن أبي عمرو وإسماعيل عن نافع، وقرأ شيبة مشبعة غير مهموزة ومثله روى حفص عن عاصم، وقرأ الآخرون مثقلاً مهموزاً وكلّها لغات صحيحة فصيحة ومعناه المثل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
{ أَحَدٌ } أي هو واحد، وقيل: على التقديم والتأخير مجازه: " وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ أَحَدٌ كُفُواً ".
وقال عبد خير: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام عن تفسير هذه السورة قال: قل هو الله أحد بلا تأويل عدد، الله الصمد لا يتبعض بدد، لم يلد فيكون هالكاً، ولم يولد فيكون إلهاً مُشارَكاً، ولم يكن له من خلقه كفؤاً أحد.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي بقراءتي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: وجدنا أنواع الشرك ثمانية: النقص والتقلّب والكثرة والعدد وكونه علّة أو معلولاً، والأشكال والأضداد، فنفى الله تعالى عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ونفى التنقّص والتقلّب بقوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ونفى العلل والمعلول بقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ونفى الأشكال والأضداد بقول: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فحصلت الوحدانية البحت لذلك سمّيت سورة الإخلاص.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ | * تفسير تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ) | أَخبرنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا قيس بن الربيع، قال ثنا الأَعمش وعاصم بن أَبي النجود، عن أَبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قالت قريش للنبي، صلى الله عليه وسلم: انسُب لنا ربك. فأَنزل الله هذه السورة، فقال: يا محمد انسُبني إِلى هذا.
أَخبرنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا حبان عن الأَعمش، عن شقيق بن سلمة قال: { ٱلصَّمَدُ } [الآية: 2]. السيد الذي قد انتهى سؤدده.
أَخبرنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قال: { ٱلصَّمَدُ } [الآية: 2]: الذي لا جوف له.
أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا أَبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: { ٱلصَّمَدُ } [الآية: 2]. هو الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الآية: 3 ـ 4].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ | * تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) | قوله: { ٱلصَّمَدُ }: فَعَل بمعنى مَفْعُول كالقَبَضِ والنَّقَضِ. وهو السَّيِّدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائجِ، أي: يُقْصَدُ ولا يَقْدِرُ على قضائِها إلاَّ هو. وأنشد:
| **4677ـ ألا بَكَّرَ النَّاعي بخَيْرِ بني أسدْ** | | **بعَمْرِو بن مسعودٍ وبالسَّيِّد الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وقال الآخر:
| **4678ـ عَلَوْتُه بحُسامٍ ثم قُلْتُ له** | | **خُذْها حُذَيْفُ فأنتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ** |
| --- | --- | --- |
وقيل: الصَّمَدُ: هو الذي لا جَوْفَ له، ومنه قوله:
| **4679ـ شِهابُ حُروبٍ لا تَزال جيادُه** | | **عوابِسَ يَعْلُكْنَ الشَّكِيْمَ المُصَمَّدا** |
| --- | --- | --- |
وقال ابن كعب: تفسيرُه ما بعده مِنْ قولِه: " لم يَلِدْ ولم يُوْلَدُ " وهذا يُشْبِهُ ما قالوه في تفسير الهَلوع. والأحسنُ في هذه الجملة أَنْ تكون مستقلةً بفائدةِ هذا الخبرِ. ويجوز أنْ يكونَ " الصَّمَدُ " صفةً. والخبرُ في الجملةِ بعده، كذا قيل: وهو ضعيفٌ، من حيث السِّياقُ، فإنَّ السِّياقَ يَقْتضي الاستقلالَ بأخبارِ كلِّ جملةٍ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) | اللغَة: { ٱلصَّمَدُ } السيد المقصود في قضاء الحاجات قال الشاعر:
| **ألا بكَّر الناعي بخير بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
{ كُفُواً } الكُفُوءُ: النظير والشبيه قال أبو عبيدة: يقال: كفُو، وكفء، وكفاء كلها بمعنى واحد وهو المِثْل والنظير.
سَبَبُ النّزول: روي أن بعض المشركين جاءوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربَّك، أمن ذهبٍ هو، أم من فضة، أم من زبرجد، أم من ياقوت؟! فنزلت { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ.. } السورة.
التفسِير: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين: إِن ربي الذي أعبده، والذي أدعوكم لعبادته هو واحد أحد لا شريك له، ولا شبيه له ولا نظير، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو جل وعلا واحد أحد، ليس كما يعتقد النصارى بالتثليث " الآب، والابن، وروح القدس " ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة قال في التسهيل: واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معانٍ، كلها صحيحة في حقه تعالى: الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفيٌ للعدد، والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد في عصره أي لا نظير له والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض، والمراد بالسورة نفي الشريك رداً على المشركين، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته تعالى، وذلك كثير جداً، وأوضحها أربعة براهين: الأول؛ قوله تعالى**{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ }** [النحل: 17] - وهذا دليل الخلق والإِيجاد - فإِذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات، لم يصح أن يكون واحد منها شريكاً له والثاني: قوله تعالى**{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }** [الأنبياء: 22] - وهو دليل الإِحكام والإِبداع - الثالث: قوله تعالى**{ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً }** [الإِسراء: 42] - وهو دليل القهر والغلبة - الرابع: قوله تعالى**{ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }** [المؤمنون: 91] - وهو دليل التنازع والاستعلاء ثم أكد تعالى وحدانيته واستغناءه عن الخلق فقال { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي هو جل وعلا المقصود في الحوائج على الدوام، يحتاج إِليه الخلق وهو مستغنٍ عن العالمين قال الألوسي: الصَّمد السيدُ الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمدُ إِليه - أي يلجأ إِليه - الناسُ في حوائجهم وأمورهم { لَمْ يَلِدْ } أي لم يتخذ ولداً، وليس له أبناء وبنات، فكما هو متصف بالكمالات، منزَّه عن النقائص قال المفسرون: في الآية ردٌّ على كل من جعل لله ولداً، كاليهود في قولهم
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] والنصارى في قولهم**{ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] وكمشركي العرب في زعمهم أن (الملائكة بنات الله) فردَّ الله تعالى على الجميع في أنه ليس له ولد، لأن الولد لا بدَّ أن يكون من جنس والده، والله تعالى أزلي قديم، ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يكون له ولد،ولأن الولد لا يكون إلا لمن له زوجة، والله تعالى ليس له زوجة وإِليه الإِشارة بقوله تعالى**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ }** [الأنعام: 101]؟! { وَلَمْ يُولَدْ } أي ولم يولد من أبٍ ولا أُمٍ، لأن كل مولود حادث، والله تعالى قديم أزلي، فلا يصح أن يكون مولوداً ولا أن يكون له والد، وقد نفت الآية عنه تعالى إِحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لا ابتداء لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي وليس له جل وعلا مثيلٌ، ولا نظير، ولا شبيه أحدٌ من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }** [الشورى: 11] قال ابن كثير: هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدَّس وتنزَّه، وفي الحديث القدسي **" يقول الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إِياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إِعادته، وأما شتمه إِياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد ".** البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- ذكر الاسم الجليل بضمير الشأن { قُلْ هُوَ } للتعظيم والتفخيم.
2- تعريف الطرفين { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } لإِفادة التخصيص.
3- الجناس الناقص { لَمْ يَلِدْ } { وَلَمْ يُولَدْ } لتغير الشكل وبعض الحروف.
4- التجريد فإِن قوله تعالى { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يقتضي نفي الكفء والولد، وقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } هو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في العموم وذلك زيادة في الايضاح والبيان.
5- السجع المرصَّع وهو من المحسنات البديعية { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
لطيفَة: هذه السورة الكريمة مؤلفة من أربع آيات، وقد جاءت في غاية الإِيجاز والإِعجاز، وأوضحت صفات الجلال والكمال، ونزهت الله جل وعلا عن صفات العجز والنقص، فقد أثبتت الآية الأولى الوحدانية، ونفت التعدد { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وأثبتت الثانية كماله تعالى، ونفت النقص والعجز { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } وأثبتت الثالثة أزليته وبقاءه ونفت الذرية والتناسل { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وأثبتت الرابعة عظمته وجلاله ونفت الأنداد والأضداد { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فالسورة إِثبات لصفات الجلال والكمال، وتنزيه للرب بأسمى صور التنزيه عن النقائص.
فَائِدَة: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فكأنما قرأ بثلث القرآن "** قال العلماء: وذلك لما تضمنته من المعاني والعلوم والمعارف، فإِن علوم القرآن ثلاثة: " توحيد، وأحكام وقصص " وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد، فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وقيل: إِن ذلك في الثواب أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) | قال عكرمة: لما قالت اليهود: نحن نعبد عزير بن الله، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح بن الله، وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر، وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا شبيه ولا عديل، لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، قال ابن عباس: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، ليس له كفء وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار، وقال الأعمش { ٱلصَّمَدُ } السيد الذي قد انتهى سؤدده، وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه، وقال الحسن أيضاً { ٱلصَّمَدُ } الحي القيوم الذي لا زوال له، وقال الربيع بن أنَس: هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له، وهو قوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وهو تفسير جيد، وقال ابن مسعود والضحّاك والسدي: { ٱلصَّمَدُ } الذي لا جوف له، وقال مجاهد { ٱلصَّمَدُ } المصمت الذي لا جوف له، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب. وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في " كتاب السنة " بعد إيراده كثيراً من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عزَّ وجلَّ، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه، وقال البيهقي نحو ذلك، وقوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة، قال مجاهد: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يعني لا صاحبة له، وهذا كما قال تعالى:**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ }** [الأنعام: 101] أي هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدس وتنزه، قال تعالى:**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً \* لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً }** [مريم: 88-89]، وقال تعالى:**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ \* لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ }** [الأنبياء: 26-27]، وفي " صحيح البخاري ": **" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم "** وفي الحديث القدسي: **" كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) | واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: **" { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن "** فقيل: إن ذلك في الثواب، أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، وقيل: إن ذلك فيما تضمنته من المعاني والعلوم؛ وذلك أن علوم القرآن ثلاثة: توحيد وأحكام وقصص، وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وهذا أظهر وعليه حمل ابن عطية الحديث. ويؤيده أن في بعض روايات الحديث: **" إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن "** وأخرج النسائي **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرؤها فقال: أما هذا فقد غفر له "** وفي رواية أنه قال: **" وجبت له الجنة "** ، وأخرج مسلم **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في الصلاة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمٰن فأنا أحب أن أقرأها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه "** وفي رواية خرّجها الترمذي **" أنه صلى الله عليه وسلم قال للرجل: حبك إياها أدخلك الجنة "** وخرّج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } مائة مرة كل يوم غفرت له ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين.
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الضمير هنا عند البصريين ضمير الأمر والشأن والذي يراد به التعظيم والتفخيم، وإعرابه مبتدأ وخبره الجملة التي بعده وهي المفسرة له، والله مبتدأ وأحد خبره. وقيل: الله هو الخبر وأحد بدل منه وقيل: الله بدل وأحد هو الخبر. وأحد له معنيان أحدهما أن يكون من أسماء النفي التي لا تقع إلا في غير الواجب كقولك: ما جاءني أحد وليس هذا موضع هذا المعنى وإنما موضعه قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } والآخر أن يكون بمعنى واحد وأصله واحد بواو ثم أبدل من الواو همزة وهذا هو المراد هنا.
واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى. الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفي للعدد. والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له كما تقول: فلان واحد عصره أي لا نظير له. والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض، والأظهر أن المراد في السورة نفي الشريك لقصد الرد على المشركين ومنه قوله تعالى:**{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ }** [البقرة: 163] قال الزمخشري: أحد وصفُ بالوحدانية ونفي الشركاء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قلت: وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته وذلك في القرآن كثير جداً أوضحها أربعة براهين: الأول قوله:**{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ }** [النحل: 17] لأنه إذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات لم يمكن أن يكون واحد منها شريكاً له، والثاني قوله:**{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }** [الأنبياء: 22] والثالث قوله:**{ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً }** [الإسراء: 42] والرابع قوله:**{ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }** [المؤمنون: 91] وقد فسرنا هذه الآيات في مواضعها وتكلمنا على حقيقة التوحيد في قوله:**{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ }** [البقرة: 163].
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } في معنى الصمد ثلاثة أقوال: أحدها: أن الصمد الذي يُصمَد إليه في الأمور أي يلجأ إليه. والآخر: أنه لا يأكل ولا يشرب فهو كقوله:**{ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ }** [الأنعام: 14] والثالث: أنه الذي لا جوف له، والأول هو المراد هنا على الأظهر، ورجحه ابن عطية بأن الله موجد الموجودات وبه قوامها، فهي مفتقرة إليه أي تصمد إليه إذ لا تقوم بأنفسها. ورجّحه شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير لورود معناه في القرآن حيثما ورد نفي الولد عن الله تعالى كقوله في مريم " وقالوا اتخذ الله ولداً " ثم أعقبه بقوله:**{ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }** [مريم: 93] وقوله:**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ }** [الأنعام: 101] وقوله:**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }** [البقرة: 116] وكذلك هنا ذكره مع قوله لم يلد فيكون برهاناً على نفي الولد، قال الزمخشري: صمد فَعَل بمعنى مفعول لأنه مصمود إليه في الحوائج.
{ لَمْ يَلِدْ }. هذا ردّ على كل من جعل لله ولداً فمنهم النصارى في قولهم: " عيسى ابن الله " واليهود في قولهم: " عزيز ابن الله " والعرب في قولهم: " الملائكة بنات الله " وقد أقام الله البراهين في القرآن على نفي الولد، وأوضحها أربعة أقوال: الأول: أن الولد لا بد أن يكون من جنس والده. والله تعالى ليس له جنس فلا يمكن أن يكون له ولد وإليه الإشارة بقوله تعالى:**{ مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ }** [المائدة: 75] فوصفهما بصفة الحدوث لينفي عنهما صفة القدم فتبطل مقالة الكفار. والثاني: أن الوالد إنما يتخذ ولداً للحاجة إليه، والله لا يفتقر إلى شيء فلا يتخذ ولداً وإلى هذا أشار بقوله:**{ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ }** [يونس: 68] الثالث: أن جميع الخلق عباد الله والعبودية تنافي النبوة وإلى هذا أشار بقوله تعالى:**{ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
[مريم: 93] الرابع أنه لا يكون له ولد إلا لمن له زوجة، والله تعالى لم يتخذ زوجة فلا يكون له ولد وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101].
{ وَلَمْ يُولَدْ } هذا رد على الذين قالوا: أنسب لنا ربك، وذلك أن كل مولود محدث، والله تعالى هو الأول الذي لا افتتاح لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره، فلا يمكن أن يكون مولوداً تعالى عن ذلك.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } الكفؤ هو النظير والمماثل قال الزمخشري: يجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، فيكون نفياً للصاحبة. وهذا بعيد والأول هو الصحيح ومعناه أن الله ليس له نظير ولا شبيه ولا مثيل، ويجوز في كفوءاً ضم الفاء وإسكانها مع ضم الكاف. وقد قرئ بالوجهين ويجوز أيضاً كسر الكاف وإسكان الفاء، ويجوز كسر الكاف وفتح الفاء والمدّ ويجوز فيه الهمزة والتسهيل وانتصب كفواً على أنه خبر كان، وأحد اسمها، قال ابن عطية: ويجوز أن يكون كفواً حالها لكونه كان صفة للنكرة فقدم عليها، فإن قيل: لم قدَّم المجرور وهو له على اسم كان وخبرها، وشأن الظرف إذا وقع غير خبر أن يؤخر؟ فالجواب: من وجهين: أحدهما: أنه قدم للاعتناء به والتعظيم، لأنه ضمير الله تعالى وشأن العرب تقديم ما هو أهم وأولى. والآخر: أن هذا المجرور به يتم معنى الخبر وتكمل فائدته، فإنه ليس المقصود نفي الكفؤ مطلقاً إنما المقصود نفي الكفؤ عن الله تعالى، فلذلك اعتنى بهذا المجرور الذي يحرز هذا المعنى، فقدم.
فإن قيل: إن قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يقتضي نفي الولد والكفؤ فلم نص على ذلك بعده؟ فالجواب: أن هذا من التجريد، وهو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في عموم ما تقدم، كقوله تعالى:**{ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ }** [البقرة: 98] ويفعل ذلك لوجهين يصح كل واحد منهما هنا؛ أحدهما: الإعتناء، ولا شك أن نفي الولد والكفؤ عن الله ينبغي الاعتناء به للرد على من قال خلاف ذلك من الكفار. والآخر: الإيضاح والبيان، فإن دخول الشيء في ضمن العموم ليس كالنص عليه فنص على هذا بياناً، وإيضاحاً للمعنى ومبالغة في الرد على الكفار، وتأكيداً لإقامة الحجة عليهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير غريب القرآن / زيد بن علي (ت 120 هـ) | قولهِ تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } معناه واحدٌ { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ، فالصَّمدُ: هو السَّيدُ الذي لَيسَ فَوقَهُ أحدٌ. ولا يُدانيهِ أحدٌ. المَرغوبُ إليه عِندَ الرّغائبِ. المَفزوعُ إليهِ في النَّوائبِ. والصَّمدُ: الباقي الدَائمُ. ويقال: هو الله أحدٌ: ليسَ مَعهُ شَريكٌ. الصَّمدُ: يقال هو المَصمودُ إليهِ بالحَوائجِ { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } معناه لَيسَ بوَالدٍ ولا مَولودٍ { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } معناه شِبهٌ. ويقال لَم يَلدْ: لم يَتولدْ منهُ شَيءٌ. ولم يَتولدْ هو مِن شَيءٍ. ولم يَكنْ لَهُ كُفُواً أَحدٌ: ليسَ لَهُ شِبهٌ ولاَ نَظيرٌ ولَيسَ كَمثلهِ شَيءٌ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) | { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الآية، هذه السورة مكية ولما تقدم فيما قبلها عداوة أقرب الناس إليه وهو عمه أبو لهب وما كان يقاسي من عباد الأصنام الذين اتخذوا مع الله آلهة جاءت هذه السورة مصرحة بالتوحيد رادّة على عباد الأوثان والقائلين بالثنوية وبالتثليث وبغير ذلك من المذاهب المخالفة للتوحيد.
وعن ابن عباس أن اليهود قالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه فنزل: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } مبتدأ وخبر " والصمد " فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض من صمد إليه إذا قصده وهو السيد المصمود إليه في الحوائج، قال الشاعر:
| **الا خبر الناعي بحير بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود بالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
قال الزمخشري: لم يلد لأنه لا يجانس حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا وقد دل على هذا المعنى بقوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101].
{ وَلَمْ يُولَدْ } لأن كل مولود محدث وجسم والله تعالى قديم لا أول لوجوده وليس بجسم ولم يكافئه فيه أحد أي لم يماثله ولم يشاكله ويجوز أن تكون من الكفاءة في النكاح نفياً للصاحبة " انتهى ".
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يقال كفو بضم الكاف وفتحها وكسرها مع سكون الفاء وقال الزمخشري: فإِن قلت الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه فما باله مقدماً في أفصح الكلام وأعربه. قلت: هذا الكلام إنما سيق لنعي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وتعالى وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان لذلك أهم شىء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه. " انتهى ".
وهذه الجملة ليست من هذا الباب وذلك أن قوله ولم يكن له كفواً أحد ليس الجار والمجرور فيه تاماً إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبراً الكان بل هو متعلق بكفواً وقدم عليه فالتقدير { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي مكافئه فهو في معنى المفعول متعلق بكفواً وتقدم على كفواً للاهتمام به إذ فيه ضمير الباري تعالى وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخير لأن تأخير الاسم هو فاصلة فحسن ذلك وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره إن له الخبر وكفواً حال من أحد لأنه ظرف ناقص لا يصلح أن يكون خبراً وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه وسيبويه إنما تكلم في الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً ويصلح أن يكون غير خبر قال سيبويه: وتقول ما كان فيها أحد خير منك وما كان أحد مثلك فيها وليس أحد فيها خير منك إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك فيها زيد قائم أجريت الصفة على الإِثم فإِن جعلته على فيها زيد قائم نصبت فتقول ما كان فيها أحد خيراً منك وما كان أحد خيراً منك إذا أردت الإِلغاء فكلما أخرت المعنى كان أحسن وإذا أردت أن يكون مستقراً فكلما قدمت كان أحسن والتقديم والتأخير والإِلغاء والاستقرار عربي جيد كثير قال تعالى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ | * تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) | معناهُ: هو اللهُ الذي يصمَدُ إليه في الحوائجِ وإليه المفزَعُ في الشدائدِ، تقول العربُ: صَمَدْتُ إلى فلانٍ أصْمُدُ صَمْداً بسكونِ الميم إذا قصدتهُ، والْمَصْمُودُ: المقصودُ.
وعن ابنِ عبَّاس: (أنَّ الصَّمَدَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدَدِه، وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظَمَتِهِ، وَالْجَبَّارُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَبَرُوتِهِ، وَالْغَنِيُّ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي غِنَاهُ، وَالْعَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ، فَهُوَ اللهُ الَّذِي لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتِ كُلَّهَا لاَ تَنْبَغِي إلاَّ لَهُ)).
وقال قتادةُ: ((الصَّمْدُ: الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ))، وَقِيْلَ: هو الدائمُ، وقال السديُّ: ((الصَّمَدُ الْمَقْصُودُ إلَيْهِ فِي الرَّغَائِب، الْمُسْتَعَانُ بهِ عِنْدَ الْمَصَائِب))، والعربُ تسمي السيِّدَ الصمدَ، قال الشاعرُ:
| **ألاَ بَكَّرَ النَّاعِي بخَيْرِ بَنِي أسَدْ** | | **بعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وعن أُبَيِّ بن كعبٍ قال: ((الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ؛ لأَنَّهُ لاَ شَيْءَ يَلِدُ إلاَّ سَيُورَثُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إلاَّ سَيَمُوتُ، وَاللهُ سََبْحَانَهُ لاَ يُورَثُ وَلاَ يَمُوتُ)).
وكتبَ أهلُ البصرةِ إلى الحسنِ بن عليٍّ يسألوهُ عن معنى الصَّمَدِ، فَكَتَبَ إليهم: ((بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: أمَّا بَعْدُ؛ فَلاَ تَخُوضُوا فِي الْقُرْآنِ بغَيْرِ عِلْمٍ، فَإنَّ اللهَ جَلَّ ذِكْرُهُ قَدْ فَسَّرَ الصَّمَدَ فَقَالَ: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } )).
وعن محمَّد بن الحنفية قال: ((الصَّمَدُ الغَنِيُّ عَنْ غَيْرِهِ))، وعن زيدِ بن عليٍّ قال: ((الصَّمَدُ الَّذِي أمْرُهُ إذا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)).
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها.
والمعنى: الحَدِيثُ الَّذي هو الحقُّ: اللهُ أَحَدٌ، فهو رفع بالابتداء كِنَايَةً عن الحديث، و { ٱللَّهُ } مبتدأ و { أَحَدٌ } خبره، والجملة خبر عن { هُوَ }.
ولا يجيز الفراء أن [يكون] { هُوَ } كناية عن الحديث إلا (إذا) تقَدَّمَهُ شيء، وهو عنده كناية عن مُفردٍ الله خَبَرُهُ،. وهو قول الأخفش.
وقال الأخفش: { أَحَدٌ } بدل من لفظ اسم الله. والمعنى: الله [إله] واحد، أي معبود واحد لا معبود غيره تجب له العبادة.
ثم قال تعالى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
{ ٱللَّهُ } رفع بالابتداء، و { ٱلصَّمَدُ } نعته، وما بعد ذلك خبر. ويجوز أن يكون { ٱلصَّمَدُ } هو الخبر.
ويجوز أن يرفع على إضمار ابتداء و { ٱلصَّمَدُ } نعت، أي: هو الله الصمد، ويجوز على هذا أن يكون { ٱلصَّمَدُ } خبراً ثانياً، ويجوز أن يكون { ٱللَّهُ } بدلا من { أَحَدٌ }.
ويجوز أن يكون { ٱللَّهُ } بدلا من { ٱللَّهُ } الأول، وفي التكرير معنى التعظيم.
وروي أن اليهود عليهم اللعنة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم ربه عز وجل و (ينسبه) فأنزل الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها.
وروي عن أبي عمرو أنه قرأ بحذف التنوين من { أَحَدٌ } ، حَذَفَهُ لالتقاءِ السَّاكنين. وروي عنه أنه إنما كان يفعل ذلك يريد السكوت عليه فإذا وَصَلَ نَوَّن، وَحَسُنَ الوَقْفُ عليه لأنه رأس آية.
و { أَحَدٌ } بمعنى واحد.
وقيل: { أَحَدٌ } هنا على بابه، بمعنى: أول، كما يقال: الْيَوُمُ الأَحَدُ، أي اليوم الأول، أي: أول الأيام، وذلك مسموع من العرب.
وقال بعض العلماء: في " أحد " من [الفائدة] ما ليس في " واحد " وذلك أنك إذا قلت: فلان لا يقوم به واحد، جاز أم يقوم به اثنان فأكثر.
وإذا قلت: فلان لا يقوم به أحد، تَضَمَّنَ معنى " واحد " (فأكثر)، [وأَكْثَرُ] ما يقع " أحد " إذا كان للعموم بعد النفي، فلذلك بَعُدَ أن يكون " أحد " [هنا] على بابه. وجعله أكثرهم بمعنى " واحد " ، لأن واحداً يقع في الإيجاب، [تقول]: مرَّ بنا أحد، أي واحد.
وقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } أي: لم يكن له ولد ولا يكون، ولم يكن هو من والد ولا يكون.
وقيل: معناه ليس بِفَانٍ، لأنه ليس شيء " يَلِدُ إلاَّ وهو فَانٍ { وَلَمْ يُولَدْ } ليس بمُحْدَثٍ، لم يكن فكان، لأن كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن لكنه جل وعز قديم لا يَبِيدُ وَلا يَفْنَى ليس كمثله شيء.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: تَفَكَّرُوا في كل شيء، ولا تَفَكَّرُوا في ذات الله، فإن بين السماء السابعة [إلى الكرسي] سبعة آلاف نور، والله فوق ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وروي أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة رب العزة، فأنزل الله عليه هذه السورة جواباً لهم.
وقيل: إن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم /: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق اللهَ جل ثناؤه؟ فأُنْزِلَت هذه السورة جواباً لهم.
وقال عكرمة: إن المشركين قالوا: يا محمد، [أخبرنا عن ربك]، [صف] لنا ربك ما هو؟ ومن أي شيء هو؟ فأنزل الله جل ذكره { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها.
وقال أبو العالية: [قال قَادَةُ الأحزاب] للنبي صلى الله عليه وسلم: انْسُبْ لنا ربَّك، فأتاه جبريل عليه السلام بهذه السورة.
[وقال] ابن عباس: **" دَخلَتِ اليَهُودُ عَلَىَ نَبِيِّ (الله) صلى الله عليه وسلم فقالت: يا محمد، لنا ربَّك [وانْسُبْهُ لنا]، فقد وَصَفَ نفسَه في التوراة ونَسَبَها. فارْتَعَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فقال: كَيْفَ تَسْألُونِي عَنْ [صِفَةِ] رَبِّي ونَسَبِه؟! وَلَوْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَصِفَ لَكُمُ الشَّمْسَ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، فَهَبَطَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْ لَهُمْ: { ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ \* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ، أي ليس بوالد ولا بمولود، و { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } "** ، أي: لم يكن (لَهُ) شبيه من خلقه فيوصف به أو ينسب إليه، فهذه صِفَةُ ربي ونَسَبُه.
وروى محمد بن إسحاق عن محمد [عن] سعيد **" أن رهطاً من اليهود أَتَوْا إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، اللهُ خَالِقُ الْخَلْقِ، فَمَنْ خَلَقَهُ؟ فَغَضِبَ النَّبي صلى الله عليه وسلم حَتَى [انْتَقَعَ] لَوْنُهُ غَضَباً لِرَبِّهِ، فَجَاءهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَسَكَّنَهُ، وَقَالَ: اخْفِضْ عَلَيْكِ جَنَاحَكَ - يَا مُحَمَّدُ - وَجَاءَهُ مِنَ الله جَوَابُ مَا سَأَلُوهُ عَنْه، قَالَ: يَقولُ الله - جَلَّ ثَنَاؤهُ - { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها، فَلَمَّا تَلاَ عَلَيْهمُ النَّبيُّ - عليه السلام - السُّورَةَ. قَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ، كَيْفَ خَلْقُهُ؟ وَكَيْفَ عَضُدُهُ؟ وكَيْفَ [ذِرَاعُهُ]؟، فَغَضِبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ مِنْ غَضَبِهِ الأَوَّلِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَقَالَ لهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأُولَى، وأَتَاهُ بِجَوابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } إلى قوله: { عَمَّا يُشْرِكُونَ } ".** وقوله: { ٱلصَّمَدُ }. قال ابن عباس: { ٱلصَّمَدُ } الذي لا جوف له. وهو قول مجاهد والحسن. وابن جبير والضحاك.
وقال الشعبي: هو " الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ". وقال عكرمة: هو " الذي لم يخرج منه شيء { [لَمْ] يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }.
وقال أبو العالية: { ٱلصَّمَدُ } الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يلد إلا سيورث ولا شيء يولد إلا سيموت، فأخبرهم جل وعز أنه لا يورث ولا يموت، وهو قول أبي بن كعب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقال [شقيق]: { ٱلصَّمَدُ }: (السيد) الذي قد انتهى سؤدده.
وقال ابن عباس: { ٱلصَّمَدُ } السَّيّدُ الذِي قَدْ كَمُلَ [فِي] سُؤْددِهِ وَالشَّرِيفُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالعظِيمُ الذي [قد] كمل فِي عَظَمَتِهِ، والحَلِيمُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي [حِلْمِهِ]، وَالغَنِيُّ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي غِنَاهُ، وَالجَبَّارُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَبَرُوتِهِ، وَالعَالِمُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالحَكِيمُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدَدِ، وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ، هَذِهِ صِفَتُهُ، [لاَ تَنْبغِي] لأَِحَدٍ إلاَّ لَهُ.
وقال قتادة: { ٱلصَّمَدُ } البَاقي الذي لا يَفْنَى، وقال: هذه سورة خالصة ليس فيها شيء من أمر الدنيا والآخرة.
وقال [الحسن]: الصمد الدائم. والصمد عند العرب الذي يصمد إليه، الذي لا [أحد] فوقه.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
{ كُفُواً } خبر " كان " و { أَحَدٌ } اسمها.
وكان سيبويه يختار أن يكون الظرف خبرا إذا قدَّمَهُ [فيختار] إنَّ فِي الدّارِ زَيْداً جَالِساً، فجعل الظرف خبرا لتقدمه وينصب " جالسا " على الحال، فَخَطَّأَهُ المُبَرِّدُ [بِهَذِهِ] الآية، لأنه (قد) قدم الظرف ولم يجعله خبراً. والجواب عن سيبويه أن [سيبويه] لم يمنع [إلغاء] الظرف إذا [تقدم]، إنما اختار أن يكون خبراً ويجوز عنده ألا [يكون] خبراً، [وقد] أشهد شاهداً على [إلغائه] وهو مقدم، وذلك قول الشاعر:
| **مَا دَامَ فِيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّا** | | |
| --- | --- | --- |
وأيضا فإنه (قد) يجوز أن يكون (كفؤاً) حالاً من النكرة [وهي] { أَحَدٌ } لمَّا تَقَدَّمَ نعتُها عليها نُصِبَ لِلْحَالِ، فيكون " [له] " الخبر على مذهب سيبويه واختياره، ولا يكون للمبرد على سيبويه حجة على هذا القول.
وقال أبو العالية في [معنى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }: ليس] له [مثل] شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء.
وقال كعب: إن الله جل ذكره [أسس] السماوات السبع والأرضين السبع على هذه السورة: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } إلى آخرها، وإن الله جل ذكره لم يكافئه من خلقه أحد.
قال ابن عباس: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }: ليس كمثله شيء، فسبحانه هو الله الواحد / القهار. وقال مجاهد: معناه: ولم تكن له صاحبة. والكفء - في كلام العرب - الشبيه والمثل.
وقولهم: لا كفاء له، أي لا مثل له، وقولهم: فلان كفء لفلان معناه: نظير له وشبيه. ومنه: كافأت الرجل، أي فعلت به مثل [ما فعل]. ومنه كفأت [الإناء]، أي جعلت (في) موضع الماء [التفريغ]. وكفأت في [الشعر]: جعلت حرفا نظير حرف.
وقرأ سليمان بن علي الهاشمي: ولم يكن له [كفاء] أحد، وهو بمعنى { كُفُواً } " ، يقال: كفء [وكفء] وكِفاء وكفء بمعنى [فيجمع] [كفء] [كفء] على أكفاء، ويجمع كفاء وكفئ على أكفية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) | قوله - عز وجل -: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }:
ذكر أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب الله تعالى.
وقيل: عن صفته.
وقيل عن الله تعالى: ما هو؟.
فنزلت هذه السورة معلمة بجميع من يُسأل عنه [و] جوابه؛ ولذلك أثبت { قُلْ }؛ ليكون مخاطبة كل مسئول عن ذلك أن قل، لا على تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر؛ إذ ليس في حق الائتمار بالأمر إعادة حرف الأمر في الائتمار؛ فتبين بذلك أنه ليس على تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعليم، بل هو أحق من سبق له الغناء عن تعليم الإجابة لهذا عند حضرة هذا السؤال، كما سبقت منه الدعوة إلى الله - تعالى - بحقيقة ما يقتضي ما جرى به السؤال، وكما أثبت كذلك؛ ليقرأه أبدا، وحق المخصوص بالأمر أن يأتمر، ولا يجعل ذلك متلوا كذلك في الوقت الذي يحتمل المأمور الأمر به، والوقت الذي لا يحتمل؛ فثبت أن ذلك على ما بينا، ودل قوله: { قُلْ }: أنه على أمر سبق عنه السؤال؛ فيكون في ذلك إجابة لما سبق عنه السؤال، وكذلك جميع ما في القرآن { قُلْ } ففيه أحد أمرين:
إما إجابة عن أمر سبق عنه السؤال؛ فينزل بحق تعريف كل مسئول عن مثله.
أو يكون الله - تعالى - إذ علم أنه - عليه السلام - أو من يتبعه يسأل عما يقتضي ذلك الجواب؛ فأنزل ما به يبقى في أهل التوحيد؛ منا منه وفضلا.
ثم لم يجب تحقيق الحرف الذي وقع عنه السؤال إلا لمن شهد وسمع، وقد يتوجه ذلك [الحرف الذي وقع عنه] إلى ما ذكروا من الأسباب وغيرها، وفيما نزل يصلح جواب ذلك كله ويليق به، وإن كنا لا نشهد على حقيقة ما كان أنه ذا، دون ذا ونجيب بذلك لو سئلنا عما ذكرنا، وعن كل حرف يصح في العقل والحكمة الجواب بمثل ما اقتضته هذه السورة.
[و] قوله - عز وجل -: { هُوَ }:
اختلف في تأويله:
من الناس من قال: هو إضافة إلى الذي عنه كان - أو يكون - السؤال المقتضي ما جرى به البيان من الجواب، أي: الذي يسألون عنه: { ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } إلى آخر السورة.
ومنهم من قال: هو اسم الله الأكبر، يروى ذلك عن بعض أولاد [علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -] أنه كان يقول في دعائه: " يا هو، يا من لا هو إلا هو، يا من به كانت هوية كل هو " ، وذلك يخرج على وجهين:
أحدهما: أنه هو لذاته هوية كل من سواه؛ لما هو يكون محتملا للتلاشي والوجود، إلا هو سبحانه لم يزل ولا يزال هو
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11] على ما اقتضى بيان وحدانيته في هذه السورة؛ وعلى ذلك قيل: هو الأحد بذاته، المنشئ أحدية كل الآحاد، المتعالي عن كل معاني أحدية من سواه.
والثاني: أن يكون إضافه إلى اسمه الذي لا يحتمله اللسان، وهو الذي لم يطلع عليه الخلائق، وهو الذي يراد في الدعاء: " باسمك الذي من سألك به أعطيته، ومن دعاك به أجبته " فيكون السؤال به بما يكنى عنه من الوجه الذي ذكرت، لا أن يسعه اللسان أو يحتمل الطوق التفوه به تعالى.
والتأويل الأول هو أقرب إلى الأفهام، وأحق أن يكون على ذكر من يقتضي عنه السؤال، ثم التفسير على ما جرى.
وقوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ }:
اختلف في المعنى الذي جرى هذا في حق أهل هذا اللسان أنه مما اشتق من أمر عرفوه أو لا عن أمر عرفوه؟ إذ في كل لسان لما أريد به عند الذكر لسان العرب اسم يدعى به ويسمى، وإن اختلف وزن كل من ذلك على اختلاف الألسن؛ ليعلم أن الأحرف والتقطيع في التكلم إنما هو ليفهم المقصود، لا على توهم حقيقة الاسم بتلك الحروف والتقطيع، وذلك كما يعبر عن تكوينه الخلائق بـ " كن " ، لا على تحقيق كاف أو نون في التكوين؛ فعلى ذلك جميع ما يسمى الله - تعالى - لا على تحقيق الحروف التي تجري بها التسمية ممن لا يحتمل طوقه إلا بها؛ لكن على ما يقرب إلى الأفهام المراد في التفوه به.
وقال قوم: { ٱللَّهُ } هو المعبود في لسان العرب لا على الاستحقاق، لكن على وضع ذلك كذلك؛ دليله تسميتهم كل من عبدوه وكل شيء عبدوه: إلها، وإن كان جميع ما سوى إله الحق ممن عبد لا يحتمل شيئا من تلك المعاني التي زعم من ادعى الاشتقاق عنها من الاحتجاب، أو الالتجاء إليه، ونحو ذلك؛ فثبت أنه اسم موضوع للمعبود.
وعلى ذلك قوله - تعالى -:**{ أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ }** [الفرقان: 43]، أي: معبوده ما يهواه، لا أن للهوى شيئا من ذلك؛ [فيكون المعبود الحق هو الله - تعالى - لما له في كل شيء أثر عبودة ذلك] الشيء ودلالة الربوبية له عليه سبحانه فهو المعبود بذاته، بمعنى المستحق بذاته العبادة من جميع خلقه والاستسلام له والخضوع بما ذكرت من الموضوع في كل آية ذلك، ولا قوة إلا بالله، وهذا تحقيق ما ذهبنا إليه أنه خالق بذاته؛ رحمان رحيم بذاته، موصوف به في الأزل، وإن كان الذي وصل إليه أثر رحمته وفيه ظهور دلالة تدبيره حدث بعد أن لم يكن على ما كانت العبادة والاستحقاق كان ممن حدث وفيمن كان بعد أن لم يكن، وهو إله لم يزل ولا يزال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعلى ذلك قوله - عز وجل -:**{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }** [الفاتحة: 4] و**{ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ }** [الأنعام: 164]، وإن كان من الأشياء ما سيكون، لا أنها كانت كائنة، وكذلك يوم الدين؛ فعلى ذلك أمر " خالق " ، ونحو ذلك؛ ومن هذا الوجه أنكر قوم أن يكون الإله اسم معبود في الحقيقة، أو اسما مشتقا على لسان؛ إذ هو لم يزل إلها، ومن به العبادة أو عنه الاشتقاق حادث.
والأصل عندنا: ما ذكرنا: أنه بجميع ما وصف به وصف بذاته؛ إذ لا يحتمل التغير والاستحالة، ولا نيل مدح بغير ممدح، وإنما يمدح به لذاته: لأنه استحق من كلٍّ ذلك لوقت كون ذلك، وعلى ذلك القول بـ " العالم " و " القادر ": أنه كذلك، وإن كان الذي علمه ممن سواه وكل مقدور عليه حادث بعد أن لم يكن، ولا قوة إلا بالله.
وقال الضحاك: الله اسمه الأكبر؛ لأنه يبتدأ به في كل موضع.
ثم اختلف في معنى الاشتقاق:
فمنهم من يقول: أصله: إله، من أله الرجل إلى آخر، أي: التجأ إليه واستجاره؛ فآلهه، بمعنى: أجاره وآمنه؛ فسمي: إلها على وزن الفعال؛ كما يسمى: إماما؛ لما يؤتم [به]، وفخم بإدخال الألف واللام، ثم لين وحذف الهمزة كما هو لغة قريش، ثم أدغم أحد اللامين في الآخر، فشدد؛ فصار الله.
وعلى ذلك تأويل الصمد: أن يصمد إليه من الحوائج، ويستغاث به ويلتجأ إليه.
وقيل: إن اشتقاقه من وله يله ولها؛ إذا فزع إليه، فسمي به؛ لأن المفزع إليه، وهو قريب من الأول.
ولكن حق ذلك في الاسم أن يكون ولاه، فأبدل الواو ألفا، كما يقال في وكاف: إكاف، وكذلك أهل الحجاز يجعلون الواو ألفا، قال الشاعر:
| **فأقبلت ألهي ثكلى على عجل** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل: سمي به؛ لأنه أله كل شيء، أي: ذلـله وعبده؛ فتأله له، أي: عبده، قال: قائلهم:
| **وأله إلهك واحدا متفردا** | | **ساد الملوك بعزه وتمجدا** |
| --- | --- | --- |
وقال آخرون: سمي به؛ لاستتاره، ومنه يقال: لهت؛ فلا ترى، وقال الشاعر:
| **لاه ربي عن الخلائق طرا** | | **خالق الخلق لا يرى ويرانا** |
| --- | --- | --- |
وقيل: سمي به؛ لتحير القلوب عن التفكر في عظمته؛ كقوله: ألاهني الشيء حتى ألهت، ومنه مفازة ملهة، يعني: العقل يحار عند النظر إلى عظمته، ومنه أله يأله؛ [فهو إله].
وقال الشاعر:
| **وبهما تيه تأله العين وسطها** | | **مخففة الأعلام بيد ضر ما تتملق** |
| --- | --- | --- |
قال - رضي الله عنه -: والأصل عندنا: الإغضاء عن هذا؛ لما أن الحاجة إلى تعرف الاشتقاق والوضع؛ لتعرف محل الأمر، وموقع الحكم، ومن جميع ما اشتقوا به الاسم يحتمل تسمية الغير بكل ذلك، وتحقيق الإضافة إلى ذلك وتسميته: إلها، أو إضافة ما به عرف الحقيقة - لا يحتمل غيره سبحانه وتعالى، ولا يجوز التسمية به؛ فثبت الغناء في معرفته عن جميع الوجوه التي أريد الاستخراج [منها]؛ إذ هي طرق توصلهم إلى العلم بالمقصود والوقوف على المراد، وقد عرف دون الذي ذكروا، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
والأصل عندنا في ذلك: أن الله - سبحانه وتعالى - بلطفه يمنع الخلق عن تسمية أحد: إلها، إلا من جهة أحوال تعترض؛ فسموا به على معنى جعل الاسم الذي جرت التسمية به حقيقة له؛ فسموا؛ ظنا منهم أن بذلك التوسل والتقرب، لا أن يروا لشيء من ذلك حقيقة ذلك، بل قالوا:**{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ }** [الزمر: 3]، وقالوا:**{ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ }** [يونس: 18]، وقالوا:**{ وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا }** [الأعراف: 28]؛ ليعلم أنهم عرفوا لله - تعالى - بما دعوا لأنفسهم في ذلك معاني تردهم إلى الله سبحانه وتعالى، فذكروا مجازا من أحد لسانين، والله أعلم.
أما لسان الرسل في ذكر الله ففي أمور تقربهم إلى الله تعالى، لقوله:**{ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ }** [النساء: 59]، وقال:**{ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ }** [محمد: 7]، وقال:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ }** [الفتح: 10]، وصف مبايعة العبد ونصره أو نصر دينه نصراً لله ومبايعته، بما يقرب ذلك إليه؛ فعلى ذلك تسميتهم ما عبدوها، لا أنهم رأوها آلهة في الحقيقة.
أو عن ألسن الفلاسفة أن ليس لله اسم ذاتي؛ وإنما سمي هو بذكر كل ذي شرف ومنزلة عنده؛ فعلى ذلك إذ محل من يعبدون عندهم ما ذكرنا من القول عنهم؛ فسموا به، لا أن حققوا كما ذكروا حقيقة ذلك الاسم إلى من عرفوه أنه إله، ردوا أمرهم في ذلك، وذلك من لطف الله - تعالى - فيما سخرهم عليه؛ كتسمية الخالق والرحمن: أنهم لا يسمون أحدا بهما، وإن كثرت أفعاله، وعظمت رحمته في الخلق؛ ليعلم أنها أسماء الله - تعالى - منع الخلق عن التسمي بها باللطف من حيث لا يعرف سببه.
ثم قوله - عز وجل -: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: الأمر هو الله أحد؛ كما تقول: إنه زيد قائم، أي: الأمر زيد قائم، جواب من يسألك: ما الأمر والشأن في أن قمت هاهنا؟ فتقول: الأمر زيد قائم، أي: قمت لأجله، إلى هذا يذهب الزجاج؛ كأنه يذهب إلى أنه لما قال: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فقيل له: ما الأمر والشأن؟ فقال: الأمر الله أحد؛ أي: ليعرفوا أنه كذلك.
وقوله - عز وجل -: { أَحَدٌ } يتوجه إلى واحد، ثم " واحد " اسم ينفي المثل في الإضافة، كما يقال: هو واحد الزمان، وواحد الخلق؛ على نفي التشبيه له عما أضيف إليه، ويكون واحدا من حيث العدد بما عن مثله يبتدأ الحساب، ولا يبتدأ من أحد؛ فيصير أحدا من ذا الوجه، وإن كان الله - تعالى - بأي حرف ذكر، ففيه ذلك، وهو الواحد الذي يستحيل أن تكون وحدانيته من وجه يحتمل ثانيا، أو من وجه تعديل، هو الواحد الإله الحق المتعالي عن معنى الأعداد والأنداد، وهو على ما ذكر الحكيم في الآحاد أنها أربع:
واحد هو كلٌّ لا يحتمل التضعيف؛ لإحالة كون وراء الكل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وواحد هو الأقل، وهو الذي لا يحتمل التضعيف والتجزؤ؛ لأنه أقل الأشياء، [فإذا تنصف يكون] ذلك النصف أقل منه.
وواحد هو وسط، وهو الذي يحتمل التنصيف والتضعيف جميعا.
والرابع: هو الذي قام به الآحاد هو، ولا هو أخفى من هو، هو الذي انخرس عنه اللسان، وانقطع دونه البيان، وانحسرت عنه الأوهام، وحارت فيه الأفهام، فذلك الله رب العالمين.
والأصل في ذلك: أنه لا سبيل إلى العبارة عنه بغير هذا اللسان، ولا وجه للتقريب إلى الأفهام بهذا اللسان إلا بما جرى به الاعتياد، وظهرت به المعارف؛ فلما ذكرنا من الضرورة جعل التوحيد في الحقيقة بالأدلة والبراهين في ضمن التسمية في عبارة اللسان، وحقه مما أخبرت من ضرورات الأحوال في إرادة التقريب إلى الأفهام إلى عبارات اللسان المؤسس على الاعتياد في إظهار المعارف؛ فعلى ذلك القول بـ " واحد " ، وبـ " أحد " ، لا على أحدية غيره من جهة التوسط، أو من جهة القلة، أو من جهة الكثرة، مع ما كل من هو في معنى واحد، فهو واحد الآحاد المجتمعة، إلا الواحد الذي يقال جزء لا يتجزأ، وهو من غير في الجملة متجزئ عن توهم ذلك الجزء غير متجزئ في الوهم، أو هو الأقل منه، وهو جزء في الحقيقة، والله يتعالى عن الوصف بالكل والبعض، والقليل والكثير، والواحد مما له حق الأبعاض، أو الكل، أو رتبة القليل والكثير، جل ثناؤه؛ بل هو الذي [خلق] جميع ما وصفت، وجعل لكل من ذلك مقابلا بما ذكر؛ ليصير كل من ذلك زوجا؛ فتكون الوحدانية الحق له، ولا قوة إلا بالله.
وقوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
فذكر أنه أحد، وذكر أنه الصمد في تحقيق ما وصف من الأحدية، وهو - والله أعلم - أن أحوج جميع من سواه؛ حتى تحقق قصد جميع من سواه بالحاجات إليه بالكون في الخلقة وفي الصلاح بعد الكون، وفي الذي به الدوام بعد الوجود، والوجود بعد العدم ما احتمل الوجود دونه، ولا البقاء إلا به، أحاطت الحاجات بكلٍّ؛ ليكون له الغناء عن الكل في الوجود والبقاء؛ ليتحقق أنه الموجود بذاته والباقي بذاته، والمتعالي عن معنى وجود غيره سبحانه، وهو على ما ذكرنا من عجز الألسن عن البيان عنه بالعبارة إلا على التقريب إلى الأفهام بالمجعول من آثار هويته في جميع الأنام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم قيل في { ٱلصَّمَدُ } بوجوه يرجع جميع ذلك إلى ما بينا.
أحدها: السيد الذي قد انتهى سؤدده، ومعنى ذلك في المفهوم من السؤدد في صرف الحوائج إليه، ورجاء كل المحاوج به.
والثاني: في أن لا جوف له، وذلك في وصف الوحدانية والتعالي عن معنى أحدية غيره من اجتماع أجزاء ممكن فيها الفرج والثقب التي هي كالأجواف.
أو على ما فسر قوم بالذي هو في ظاهر العبارة مخرج الكتاب، وهو الذي ذكر على أثره، وهو قوله - تعالى -: { لَمْ يَلِدْ }؛ لأن كل ذي الكون ذو جوف عنه يتولد الأولاد، ويكون في ذلك إحالة قول من نسب إليه الولد؛ فيقول: كيف يكون له ولد، وقد تعلمون أنه ليس بذي جوف؟ كما قال:**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101] في قوم نزهوه عن الصاحبة، وهم لم يشهدوا الولادة إلا بها، كما لم يشهدوا الولادة إلا عن ذي جوف؛ فيكون في هذا نقض قول هذا الفريق فيه بالولادة بما نزهوه عن الجوف، كما في الأول بما برءوه عن الصاحبة.
وقيل: بما لذي الأجواف من الحاجات؛ فيرجع إلى التأويل الأول: أنه المصمود إليه بالحوائج.
وظن قوم: أنه إذا نفى عنه الجوف ثبت أنه مصمت، وذلك معنى اجتماع أجزاء تتداخل فتتكاثر كذي الجوف هو اجتماع أجزاء تتفق، فإذا تحقق التنزيه عن أحد الوجهين تحقق التنزيه عن الوجه [الآخر]؛ ففي الوجهين نفي الوحدانية، وتحقيق ازدواج الأجساد مع ما قد ينفى عن أشياء أمور لا تحقق لها المقابلة؛ كما ينفى عن الأعراض: السمع والبصر والعلم، لا على إثبات مقابلتها بما علموا أن الأعراض لا تحتمل الإعراضات؛ فعلى ذلك العلم بوحدانية الله - تعالى - والتنزيه عن احتمال الأزواج يحقق القول الذي ذكرت.
وقد قيل في الصمد: إنه الدائم، وذلك - أيضا - يرجع إلى ما ذكرت: أنه لا يحتمل التغير والاستحالة وإصابة أثر الحاجة، وهو المصمود إليه بالحوائج.
وقد قائل قائل في التأويل الأول:
| **لقد بكر الناعي بخيري بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
ويقال: صمدت إلى فلان، أي: قصدت إليه، وهذا يوضح معنى الصمد: أنه يصمد إليه في الحوائج.
وقيل في ذلك: إن الصمد تأويله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
قال الشيخ أبو منصور - رضي الله عنه -: الأصل: أنه - تعالى - عظم القول بالولاد ما عظم بجعل الشركاء؛ وذلك أن معنى الولاد: أن يكون بجوهر من له ولد؛ فيكون بذلك شريكا، وذلك ينفي التوحيد؛ فعلى ذلك القول بالولاد؛ لذلك عظم القول به، وألزم على من عرفه بالأدلة القول ببراءته عن الولاد؛ كما ثبت الاشتراك من الوجه الذي بينا، وقد شهد العالم بكليته بحق الخلقة على أنه - تعالى - منشئه عن الشركاء والأشباه جميعا؛ فيبطل القول بالذي ذكرنا، مع ما كان جميع الخلائق على الإشارة إلى كل منه يحتمل الأزدواج، ومنه يكون التوالد، والله تعالى متعالٍ عن ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وبعد: فإن [كلام العالم] على الإشارة إلى آحاد متولد عن غير، أو يتولد منه غير، وهما أمران راجعان إلى ما عليه حق هذا العالم، وعليه موضوعهم؛ وقد ثبت تعاليه عن جميع معاني غيره؛ إذ كل غير له بجميع معانيه حدث بعد أن لم يكن أتى عليه تدبير غيره، وجرى عليه تقدير سلطان غيره، والله - تعالى - لو كان يتوهم شيء من ذلك فيه تسقط له الألوهية، وتحقق له الحاجة إلى غيره، ويوجب جري سلطان غيره عليه، وذلك يوجب غيرا خارجا عن هذه المعاني؛ حتى تسلم الأدلة له على حد الموضوع، وتصفو له الشهادة على ما قامت وأنقطعت بالخلقة، وبما فيه من الحكمة، ولا قوة إلا بالله.
وعلى ذلك ختم السورة: أن ليس له أحد كفُؤاً؛ لأنه من ذلك توجب المماثلة، وفي المماثلة اشتراك، وقد ثبت فساد العالم بتوهم الاشتراك في تدبيره، وقد لزم التعالي عن المعاني التي للأرواح بها يقوم التدبير، ويجري سلطان التقدير.
وجائز أن يكون مخرج السورة في تحقيق نعت من قد عرفوه بإحدى خصال ثلاث:
إما بالتلقين لكل عن كل، إلى أن ينتهي ذلك إلى علام الغيوب، فسخرهم بذلك وأنشأهم على ذلك؛ حتى أيقن من جحد ذلك أنه بعد تلقين متوارث ظاهر لا يحتمل مثله الخطأ في حق توارث الأمور بما يبطل المعارف كلها بأسرها - أنشئوا وبها تعالموا، وذلك كأول علوم الخلق وكالشيء المطبوع الذي لا يستطاع جحده إلا بما لعل الطباع المخلوقة على جهة الرياضة وأنواع الحيل.
وإما بالتأمل فيها في كل جزء من أجزاء العالم من الأدلة عليه والشهادة له؛ فبين بالآية للذين عرفوه بأحد الوجوه التي ذكرنا [أن] نعته كذا؛ ليقطع به توهم المثل له، أو العدل في أمر؛ وليعرفوا أن القول بغير خارج عن الوجوه التي ذكرنا، وأنه يرجع إلى ضرب من التلقين، ليس له حق الطباع ولا حق التلقين الذي له صفة الكافية والكلية في التلقين، ولا في حق شهادة الكل بالخلقة يدرك بالتأمل والتفكر؛ فيمتنع عن ذلك، ويرجع إلى حقيقة ما جرى به النعت دون غيره مما [ألفوا فيه] يرجع إلى تلقين من ذكر، وتلبيس بلا حجة؛ لذلك لا يضاهي شيئا مما ذكرت، مع ما في كل ذلك جميع ما في غير ذلك من شهادة الخلقة، والحاجة فيها إلى غيره من الإيجاد والإبقاء، وهو الأحد بما لا دليل لغيره؛ بل في ذلك إحالة الألوهية من كل الوجوه الثلاثة، وهو الصمد بمعنى المصمود إليه في الحوائج، المالك لقضائها، وهو الذي لم يلد ولم يولد، وهو المتعالي عن احتمال ولاد فيه ومنه؛ لما ذكرت من فساد الألوهية الثابتة له بما ذكر من الوجوه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقوله - عز وجل -: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }؛ لما في كل أحد سواه جميع الوجوه التي منها يعرف سلطان غيره عليه، وأنه ذليل لمن ذل له كل شيء على السواء، ولا قوة إلا بالله، ومنه الاستهداء، ولما ذكرت سميت هذه السورة: سورة الإخلاص؛ لأنها في إخلاص التوحيد لله، ونفي الأشباه والشركاء في الألوهية والربوبية، وأن كل شيء سواه مربوب ومملوك له، ولا قوة إلا بالله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) | { قُلْ } يا أكمل الرسل لمن سأل عنك بقوله: صف لنا ربك ألذي تدعونا إلى الإيمان به وعبادته: { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإِخلاص: 1] أي: هو الذات المتصف بالألوهية الغيبية والشهادة، المتعالية عن كليهما بحسب ذاته المتصفة بالألوهية والربوبية، المستجمعة لجميع شرائط الكمال حسب الأسماء والصفات الكاملة، الكامنة في تلك الذات المتصفة بالأحدية المطلقة المنزهة عن التعدد والكثرة مطلقاً، المستقل في الوجود والحياة والقيومية المستلزمة للديمومية والبقاء الأزلي الأبدي السرمدي، الذي كان لا يكال بقاؤه ودوامه بمطلق الموازين والمقادير، ولا يحيط به وبقيوميته مطل التدابير والتقادير.
فكيف كان سبحانه محلاً للتقدير؛ إذ هو { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [الإِخلاص: 2] أي: السيد السند الذي يقصد نحوه ويرجع إليه عموم ما ظهر وبطن من الكوائن والفواسد الكائنة في نشأتي الغيب والشهادة، والأولى والأخرى، وهو في ذاته مستغن عن جميعها مطلقاً.
وكيف لا يكون مستغنياً؛ إذ هو الله الذي { لَمْ يَلِدْ } إذ الإيلاد إنما هو للأخلاف وخوف الانعدام والانقضاء، وهو سبحانه بمقتضى قيوميته ووجوب وجوده ودوام بقائه لا يطرأ عليه أمثال هذه النقائص المستلزمة لضبط العاقبة والمآل؛ إذ لا يجر عليه انقضاء وانتقال { وَ } كذا { لَمْ يُولَدْ } [الإِخلاص: 3] لذلك؛ إذ كل ما ظهر وبطن، أزلاً وأبداً إنما هو منه وبه وله وفيه، وكل ما فُرض من الموجود أزلاً وأبداً ما هو خارج عن حيطة أظلال أسمائه وعكوس صفاته، فكيف يتصور أن يسبقه شيء هو غيره مع أنه لا غير في الوجود مطلقاً حتى يلده.
{ وَ } باجملة: هو سبحانه منفرد في توحده، متوحد في انفراده، ومستقل في استقلاقه، بحيث { لَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإِخلاص: 4] لا قبله ولا بعده، بل لا إله سواه، ولا موجود غيره.
خاتمة السورة
عليك أيها الموحد المحمدي المنكشف بالتوحيد الذاتي - مكنك الله في مقر عزك وتمكينك - أن تصرف عنان عزمك وهمتك بعدما كوشفت بتوحيده الذاتي وكمالات أسمائه وصفاته نحو سوابغ آلائه ونعمائه الفائضة منه سبحانه حسب رقائق أسمائه الحسنى وأوصافه العظمة، وتشاهد آثار قدرته الغالبة التي تتحير منه العقول والآراء.
وإياك إياك أن تغفل عن الله طرفة، فإنها تورثك حسرة طويلة؛ إذ كل نفس من النفسات الإلهية التي جرت عليك في أوقات حياتك مشتملة على عجائب صنع الله وبدائع حكمته المتقنة البالغة، بحيث ما مضى مثلها أزلاً ولا سيأتي شبهها أبداً، فعليك أن تغتنم الفرصة وتتعرض للنفحات الإلهية، ولا يشغلك شيء منها.
جعلنا الله من المتعرضين بنفحات الحقن المستنشقين من نسمات روحه وراحته بمنِّه وجوده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) | قوله: (فالله خبر هو) إلخ، هذا مبني على أن الضمير { هُوَ } عائد على المسؤول عنه في كلام الكفار، وقيل: إنه ضمير الشأن يفسره الجملة بعده فـ { ٱللَّهُ } مبتدأ و { أَحَدٌ } خبره، والجملة خبر { هُوَ } وهمزة { أَحَدٌ } بدل من واو، لأنه من الوحدة، أو ليست مبدلة من شيء قولان، وإثبات لفظ { قُلْ } مع تنوين { أَحَدٌ } هو قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بحذف { قُلْ } وقرئ أيضاً: قل هو الله أحد، وقرئ أيضاً بحذف التنوين لالتقاء الساكنين، واعلم أن هذه الآية يأخذ منها عقائد التوحيد، وذلك لأن الله تعالى علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، ومن كان وجوده واجباً، لزم اتصافه بسائر الكمالات، كالقدرة والإدارة والعلم والحياة، وقوله: { أَحَدٌ } يدل على الصفات السلبية وهي: القدم والبقاء والغنى المطلق والتنزه عن الشبيه والنظير والمثيل في الذات والصفات والأفعال، وبذلك انتفت الكموم الخمسة وهي: لكم المتصل والمنفصل في الذات والصفات والمنفصل في الأفعال، فالمتصل في الذات والصفات هو التركيب، والمنفصل فيهما هو الشبيه والنظير، والمنفصل في الأفعال هو الشبيه فيها، وكل هذه منفية ومستحيلة عليه تعالى، وأما المتصل في الأفعال فهو ثابت، ولأن أفعال الله متعددة لا نهاية لها، بقي شيء آخر وهو أن { أَحَدٌ } يستعمل في النفي، وأما واحد فيستعمل في الإثبات، فلم ذكره في الإثبات؟ أجيب: بأن ذلك أغلبيّ، وقد يستعمل كل في كل، والقرآن وارد بذلك في غيره آية، وآثر الأحد على الواحد لمراعاة الفواصل. قوله: (وأحد بدل) أي بدل نكرة من معرفة وهو جائز.
قوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } نتيجة ما قبله، ولذا ترك العاطف، وذلك لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات منزه عن النقائض، فلا يقصد غيره، ولا يعول إلا عليه. قوله: (أي المقصود في الحوائج) هذا أحد أقوال في معنى { ٱلصَّمَدُ } وهو المشهور، وقيل: هو الذي لا جوف له، وقيل: هو الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل: هو الذي ليس فوقه أحد، وقيل: غير ذلك، وإنما عرف { ٱلصَّمَدُ } لعلمهم به ومعرفتهم إياه، بخلاف أحديته، وكرر لفظ { ٱللَّهُ } إشعاراً بأن من لم يتصف به لا يستحق الألوهية.
قوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } رد على مشركي العرب القائلين: الملائكة بنات الله، واليهود القائلين: عزير ابن الله، والنصارى القائلين: المسيح بان الله، وهذه الجملة نتيجة ما قبلها، لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات، منزه عن النقائص، مقصود في جميع الأمور، فلم يكن علة في غيره، ولا غيره علة فيه، وأتى بالعاطف في الجملتين الأخيرتين دون ما عداهما، لأنهما سيقتا لمعنى وهو نفي المماثلة عنه تعالى بوجوهها، لأن المماثلة إما ولد أو والد أو نظير، فلتغاير الأقسام أتى بالعطف لأنه يقتضي المغايرة، وترك العاطف في { لَمْ يَلِدْ } لأنه مؤكد للصمدية، لأن الغني عن كل شيء، المحتاج إليه كل ما سواه، لا يكون والداً ولا مولوداً، فهذه الجمل الثلاث في معنى جملة واحدة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قوله: (لانتفاء مجانسته) أي لغيره، لأن الولد من جنس أبيه، والله لا يجانسه أحد، لأنه واجب وغيره ممكن، ولأن الولد يطلب إما لإعانة والده، أو لتخلفه بعده، والله تعالى غني عن كل شيء ولا يفنى. قوله: (لانتفاء الحدوث عنه) أي لأن كل مولود جسم ومحدث، والله تعالى ليس كذلك. قوله: (ومماثلاً) عطف تفسير، واعلم أن الكفر يعم الشبيه والنظير والمثيل، فالمثيل هو المشارك لك في جميع صفاتك، والشبيه هو المشارك في غالبها، والنظير هو الماشرك في أقلها، والله تعالى منزه عن ذلك كله. قوله: (وقدم عليه) أي وكان الأصل أن يؤخر الظرف، لكن قدم لأهميته اعتناء بنفي المكافأة عنه تعالى لأن المقصود. قوله: (لأنه محط القصد بالنفي) أي فالقصد نفي المكافأة عن ذات الله، فكأن تقديمه أولى، وهذه السورة الشريفة، نفت أصول الكفر الثمانية: التركيب والعدد والنقص بمعنى الاحتياج والقلة بمعنى البساطة والعلة والمعلول والشبيه والنظير، أما الكثرة والعدد فانتفاؤهما بقوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } والنقص والقلة بقوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } والعلة والمعلول بقوله { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } والشبيه والنظير بقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) | يا طالب الوحدانية وسرها في عالم الخفى، { قُلْ } [الإخلاص: 1] بلسانك للطيفتك الخفية في عالم الخفى: { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] إشارة إلى الله؛ لأن اللطيفة الخفية في عالمها؛ وهي محجوبة عن غيب الغيوب الذي هو عالم الحق؛ لأن الله { أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] في ذاته، { ٱلصَّمَدُ } [الإخلاص: 2]؛ أي: الصمد في صفاته ليس لذاته مثل ولا لصفاته شبه، ولا له ضد، ولا له ند.
{ لَمْ يَلِدْ } [الإخلاص: 3] لأنه صمدي الصفات، { وَلَمْ يُولَدْ } [الإِخلاص: 3]؛ لأنه أحدي الذات، أول كل شيء وآخره، موجد كل شيء ومعدمه، مبقي الحقوق المفردة ومغني الحظوظ المركبة، ومهلك المفردات عند تجلي صفة وتريته.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 4] في ملكه وملكوته، واللطيفة الأنانية المستحقة المرائية يقول: سبحان الله الواحد الأحد، الفرد الوتر الصمد، الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 3-4] سبحانه ما أعظم شأنه.
وإذا كانت في اللطيفة بقية من القوى الحميدة اللطيفة القالبية أو النفسية يقول: " سبحاني ما أعظم شأني " ، وأنا الحق "؛ فإذا أفاق من غلبة حالتها يقول:
| **أقتلوني يا ثِقاتي** | | **إِنَّ في قَتلي حَياتي** |
| --- | --- | --- |
| **وَمَماتي في حَياتي** | | **وَحَياتي في مَماتي** |
وهذه منزلة عظيمة مشكلة ينبغي للسالك أن يكون في بدرقة حماية شيخه ووليه وتقليد نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ليخلصه من هذه الورطة في عالم [سيره]، ويصله إلى لطيفة الخفية في غيب الغيوب، ويعرض هذا الغلط على لطيفته الخفية عند تجلي اللطيفة الخفية على اللطيفة الأنانية، والنصارى لأجل هذا أثبتوا الأبوة والأمومة والبنونة وقالوا:**{ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ }** [المائدة: 73]، وتحزبوا في مذهب الاتحاد أحزاباً كثيرة، مثل: اليعاقبة والملكية، والنسطورية، فكلهم قالوا بالاتحاد.
ولكن اليعاقبة يزعمون أن الاتحاد كان بالناسوت واللاهوت من حيث الامتزاج والاختلاف، بحيث صار الله تعالى حصلت عظمته، والبصري المأخوذ من مريم جوهراً واحداً، شخصاً واحداً، إلهاً واحداً، يكفرون الملكية والنسطورية، ويستحلون دمهما.
والملكية يزعمون أن الاتحاد كان بالناسوت لا باللاهوت، اتحاد للجارة بحيث صار الله عز وجل كما يقول الظالمون الكافرون الجاهلون والإنسان المولد من مريم، بل هو جوهرين ناسوتي ولاهوتي شخصاً واحداً إلهاً واحداً، ومن لم يعتقدهم يحكمون بكفره واستباحة دمه.
والنسطورية يزعمون أن الاتحاد كان بالشبه والرضاء بحيث صار الله تعالى عما يصفه المشركون الجاحدون علواً كبيراً، والمولود من مريم يسمونه بلغتهم (عمّايزيل) ومعناها بالعربي: لنا جوهران أزلي وزمني، وأقنوماني ناسوتي ولاهوتي ابناً واحداً مسيحيّاً واحداً إلهاً حقاً من إله حق ابن جوهر أبيه، ومن لم يذهب مذهبهم فلا يدخلون القداس، ويقرون بكفرهم وقتلهم وكلهم صدقوا بتكفيرهم وأمرهم بقتلهم، علا الله تعالى وتقدست صفاته بالأقانيم الثلاثة بالاتفاق بعضهم يفسرون الأقانيم الثلاثة؛ أي: الأشخاص بالأب والابن وروح القدس، وبعضهم يقولون: إن ذات البارئ تعالى الله عن ذلك
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ عُلُوّاً كَبِيراً }** [الإسراء: 43] الأب والمسيح الابن، والكلمة هي الجابلة المصورة المفصلة للمعاني المبسوطة، التي بها يكون التعقل هي**{ رُوحُ ٱلْقُدُسِ }** [النحل: 102]، وبعضهم يزعمون أن الأب هو القدم والابن هو الحكمة، وروح القدس هي الحياة.
وكلهم غلطوا في النقطات الخارجة عن بحر الجبروت وقت المد، وهي النقطة العلمية التي هي منبع عالم الخفاء، والنقطة الإرادية التي هي منبع عالم الروح، والنقطة القدرية التي هي منبع عالم السر، وظنوا بالنقطة العلمية أنها ذات البارئ، وبالنقطة الإرادية أنها ابن البارئ، وبالنقطة القدرية أنها هي الكلمة، وبعبارة بعضهم هي روح القدس، فكفروا بالله تعالى، واشركوا به في عين اعتقادهم بالاتحاد؛ لأن سنة الله تعالى جرت على إثبات الوسائط كما نشاهدها في عالم الشهادة، إن الولد لا يحصل إلا بازدواج الذكر والأنثى، فعلى هذا الترتيب أثبتوا الوسائط في عالم الغيب بالنقطة الفاعلة؛ وهي النقطة القابلة، وهي للنقطة القدرية لظهور نقطة الإرادة وهي النتيجة، فحسبوا أن ليس وراء العبادات قربة، وأثبتوا رقائق الدقائق الملكية وحقوق ثلاثة، وما وفقوا السير إلى عالم الجبروت ليشاهدوا دقائقها المتصلة إلى حقائق اللاهوتي، ويعاينوا بالذوق الصرف استهلاك الحقائق في ذات الحق الأعظم أحدي الذات وأحدي الصفات، الذي هو فرد بين الخلق وتر بعد الخلق، ولا يمكن الوصول إلى هذا المقام إلا بمتابعة المحبوب؛ لأنه اللطيفة الخفية وينزل ويقتدي بالمهدي الذي يكون من أمة الحبيب وولد من أولاده؛ ليطَّلع على اللطيفة الخفية ويستغفر عن رؤية لطفية روح القدس في نفسه، ويدعو أمته إلى الدين الحنفي ليدخلوا في الحنيفية السمحة السهلة، ويكسروا صليبهم، ويهرقوا خمرهم، ويقتلوا خنزيرهم، ويقولوا كلمتي الشهادة ويشهدوا بأن لا إله إلا الله حقاً، وأن محمداً رسول الله صدقاً.
فاجتهد أيها العابر على اللطائف القالبية، والنفسية والقلبية، والسرية والروحية، والواصل إلى لطيفتك الخفية، ألاَّ تعجب بنفسك ولا تظن بأنك وصلت وكملت بتجلي لطيفة أنانيتك على لطيفة خفيك، وتلوذ بأذيال سنن الحبيب المطلق وتعتصم بحبل الله المتين؛ وهو القرآن المبين الذي أنزل على حبيبه الأمين، حتى تصل جذبة الحق من عالم اللطيفة الحقيقية، ويجذبك من اللطائف كلها ويوصلك إلى اللطيفة الخفية، ويجعلك محرماً لأسرار ذاته وحكمته التي كانت له في إيجاده الموجودات وإفناء المركبات وإهلاك المفردات، وإبقاء اللطائف المستكملة أبد الآباد إما متنعماً وإما متألماً، فسير عيسى عليه السلام كان سير الحبيب من الأنبياء المتقدمة؛ ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم: **" الأنبياء أبناء علات إلا أنا وعيسى "** ، وأما سير إبراهيم عليه السلام كان مستقيماً إلى أن وصل إلى فاطر السماوات والأرض، وتوجه إليه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً }** [آل عمران: 67]؛ لأنهم أثبتوا اللطيفة السرية بالنبوة في عالم السر، إذا وجدوها غير حاصلة من امتزاج الروح والقلب، وقالوا: إن عزير ابن الله**{ وَلاَ نَصْرَانِيّاً }** [آل عمران: 67]؛ لأنهم غلطوا في الخفى؛ لأن اللطيفة الخفية أعظم قدراً من اللطيفة السرية، وأعلى مرتبة من اللطيفة الروحية، وأثبتوا الأبوة والأمومة والبنوة كما ذكرنا،**{ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً }** [آل عمران: 67] بسيره المستقيم إلى عالم القلب،**{ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }** [آل عمران: 67] فيما رأى من الآيات الملكوتية المودعة في نفسه في ظلمة ليل القالب بقوله:**{ هَـٰذَا رَبِّي }** [الأنعام: 76]؛ لأنه وصل إلى فاطر السماوات والأرض في عالم القلب، تبرأ من الأفلاك وتوجه بالكلية إلى فاطر الأرضين والسماوات، وقال في نهاية معراجه:**{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }** [الأنعام: 79].
وأمر الله تعالى حبيبه المصطفى بأن يبتدي به في بداية معراجه ويزيد عليه بقوله:**{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ \* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }** [الأنعام: 162-163]، وقال الله تعالى:**{ إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ }** [آل عمران: 68]، ومن على أمته في كل يوم خمس أوقات بالصلاة، التي هي معراج أمته بقوله تعالى:**{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }** [الأنعام: 79]،**{ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ \* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }** [الأنعام: 162-163]، وذكرت حقيقة الصلاة التي كانت معراجاً في مدارج المعارج، فلا أكررها فإن كنت تشتهي مطالعتها فاطلبه وطالعه وأدِ حقه؛ لتصل إلى حظك المخفي الخفي المودع فيه.
اللهم اجعلنا موحدين قائمين بالقسط غير راغبين إلى الباطل، الثابتين على الحق بمحمد حبيبك المطلق صلى الله عليه وسلم، وصحبه وسلم والتابعين لهم بإحسان إلى اليوم الدين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) | أي { قُلْ } قولاً جازماً به، معتقداً له، عارفاً بمعناه، { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ | * تفسير تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ) | 3740- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن قال: { ٱلصَّمَدُ }: [الآية: 2]، الدَّائم.
3741- قال عبد الرزاق، قال معمر، وقال عكرمة: هو الَّذي لا جَوْف لَهُ.
3742- حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا قيس بن الربيع، عن منصور، عن مجاهد قال: { ٱلصَّمَدُ }؛ الذي لا جَوْف له.
3743- عبد الرزاق، عن قيس بن الربيع، عن عاصم، عن شقيق قال: { ٱلصَّمَدُ }: السيد الذي قد انتهى سؤدده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) | { قُلْ هُوَ } أي: الخبر الحق المؤيد بالبرهان الذي لا يرتاب فيه، وهو ما يعبر عنه النحويون بالقصة أو الحديث أو الشأن. قال أبو السعود: ومدار وضعه موضعه، مع عدم سبق ذكره، الإيذان بأنه من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد، وإليه يشير كل مشير، وإليه يعود كل ضمير { ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: واحد في الألوهية والربوبية. قال الزمخشريّ: { أَحَدٌ } بمعنى: واحد. وقال ابن الأثير: (الأحد) في أسمائه تعالى، الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر، والهمزة فيه بدل من الواو. وأصله (وحد) لأنه من الوحدة. وفي (المصباح): يكون (أحد) مرادفاً (لواحد) في موضعين سماعاً:
أحدهما: وصف اسم البارئ تعالى فقال: هو الواحد وهو الأحد، لاختصاصه بالأحدية. فلا يشركه فيها غيره. ولهذا لا ينعت به غير الله تعالى. فلا يقال: (رجل أحد) ولا (درهم أحد) ونحو ذلك.
والموضع الثاني: أسماء العدد للغلبة وكثرة الاستعمال. فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون. وفي غير هذين يقع الفرق بينهما في الاستعمال، بأن (الأحد) لنفي ما يذكر معه، فلا يستعمل إلا في الجحد، لما فيه من العموم، نحو ما قام أحد. أو مضافاً نحو (ما قام أحد الثلاثة). و (الواحد) اسم لمفتتح العدد. ويستعمل في الإثبات، مضافاً وغير مضاف. فيقال: (جاءني واحد من القوم). انتهى.
وقال الأزهري: الواحد من صفات الله تعالى، معناه أنه لا ثاني له. ويجوز أن ينعت الشيء. بأنه واحد. فأما { أَحَدٌ } فلا ينعت به غير الله تعالى، لخلوص هذا الاسم الشريف له جل ثناؤه.
قال الإمام: ونكّر الخبر؛ لأن المقصود أن يخبر عن الله بأنه واحد، لا بأنه لا واحد سواه. فإن الوحدة تكون لكل واحد. تقول: (لا أحد في الدار) بمعنى: لا واحد من الناس فيها. والذي كان يزعمه المخاطبون هو التعدد في ذاته. فأراد نفي ذلك بأنه أحد. وهو تقرير لخلاف ما يعتقد به أهل الأصلين من المجوس، وما يعتقده القائلون بالثلاثة، منهم ومن غيرهم. وسيأتي لابن تيمية كلام آخر في سر إيثاره بالتنكير { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي: الذي يصمد إليه في الحوائج، ويقصد إليه في الرغائب. إذ ينتهي إليه منتهى السؤدد، قاله الغزاليّ في (المقصد الأسني). وهكذا قال ابن جرير: الصمد عند العرب: هو السيد الذي يصمد إليه، الذي لا أحد فوقه، وكذلك تسمى أشرافها. ومنه قول الشاعر:
| **ألا بَكََرَ النَّاعي بخَيْرَيْ بني أَسَدْ** | | **بعَمْرِو بن مسعودٍ وبالسَّيِّدِ الصّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
قال الشهاب: فهو (فَعَل) بمعنى مفعول. وصمد بمعنى قصد. فيتعدى بنفسه وباللام وإلى. وقال ابن تيمية رحمه الله: وفي الصمد للسلف أقوال متعددة، قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك بل كلها صواب. والمشهور منها قولان:
أحدهما: أن الصمد هو الذي لا جوف له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
والثاني: أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج.
والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة.
والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين.
ثم توسع رحمه الله في مأخذ ذلك واشتقاقه والمأثور فيه، إلى أن قال:
وإنما أدخل اللام في { ٱلصَّمَدُ } ولم يدخلها في { أَحَدٌ } لأنه ليس في الموجودات ما يسمى أحداً في الإثبات مفرداً غير مضاف. ولم يوصف به شيء من الأعيان إلا الله وحده. وإنما يستعمل في غير الله في النفي وفي الإضافة وفي العدد المطلق. وأما اسم الصمد فقد استعمله أهل اللغة في حق المخلوقين، كما تقدم، فلم يقل صمد بل قال { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فبين أنه المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه. فإنه المستوجب لغايته على الكمال. والمخلوق، وإن كان صمدا من بعض الوجوه، فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه. فإنه يقبل التفرق والتجزئة. وهو أيضاً محتاج إلى غيره. فإن كل ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه، فليس أحد يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو على شيء، إلا الله. وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن يتجزأ ويتفرق وينقسم وينفصل بعضه من بعض. والله سبحانه هو الصمد الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك، بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده واجبة لازمة، لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه، كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه.
وقال أبو السعود: وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك فهو بمعزل من استحقاق الألوهية. وتعرية الجملة على العاطف لأنها كالنتيجة للأولى. بيَّن أولاً أُلوهيته عز وجل المستتبعة لكافة نعوت الكمال، ثم أحدّيته الموجبة تنزهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجه من الوجوه، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها. ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتيّ عما سواه، وافتقار جميع المخلوقات إليه، في وجودها وبقائها وسائر أحوالها، تحقيقاً للحق، وإرشاداً لهم إلى سننه الواضح. ثم صرح ببعض ما يندرج فيما تقدم، بقوله سبحانه: { لَمْ يَلِدْ } تنصيصاً على إبطال زعم المفترين في حق الملائكة والمسيح. ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي. أي: لم يصدر عنه ولد، لأنه لا يجانسه شيء ليمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا. كما نطق به قوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101] ولا يفتقر إلى ما يعنيه أو يخلفه، لاستحالة الحاجة والفناء عليه، سبحانه. انتهى.
وقال ابن تيمية: وقد شمل ما أخبر به سبحانه من تنزيهه وتقديسه عما أضافوه إليه من الولادة كل أفرادها. سواء سموها حسية أو عقلية، كما تزعمه الفلاسفة الصابئون من تولد العقول العشرة والنفوس الفلكية التسعة التي هم مضطربون فيها، هل هي جواهر أو أعراض؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور والنفوسَ بمنزلة الإناث، ويجعلون ذلك آباءهم وأمهاتهم وآلهتهم وأربابهم القريبة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم، الذين جعلوا له بنين وبنات، قال تعالى:**{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ }** [الأنعام: 100]، وقال تعالى:**{ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ \* وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }** [الصافات: 151 - 152] وكانوا يقولون: الملائكة بنات الله. كما يزعم هؤلاء أن النفوس هي الملائكة، وهي متولدة عن الله، فقال تعالى:**{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ }** [النحل: 57] والآيات في هذا كثيرة.
وقوله: { وَلَمْ يُولَدْ } نفي لإحاطة النسب من جميع الجهات. فهو الأول الذي لم يتقدمه والد كان منه، وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه. قال الإمام: قوله: { وَلَمْ يُولَدْ } يصرح ببطلان ما يزعمه بعض أرباب الأديان من أن ابنا لله يكون إلها، ويعبد عبادة الإله، ويقصد فيما يقصد فيه الإله. بل لا يستحي الغالون منهم أن يعبروا عن والدته بأم الإله القادرة، فإن المولود حادث ولا يكون إلا بمزاج، وهو لا يسلم من عاقبة الفناء، ودعوى أنه أزليّ مع أبيه مما لا يمكن تعقله. فهو سبحانه منزه عن ذلك { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي: ولم يكن أحد يكافئه أي: يماثله من صاحبة أو غيرها. وقال الإمام: الكفؤ معناه: المكافئ والمماثل في العمل والقدرة. وهو نفي لما يعتقده بعض الوثنيين في الشيطان مثلا. فقد نفى بهذه السورة جميع أنواع الإشراك. وقرر جميع أصول التوحيد والتنزيه. وقال ابن جرير: الكفؤ والكفيء والكفاء، في كلام العرب، واحد. وهو المثل والشَّبْه.
وقرئ { كُفُواً } بضم الكاف والفاء وقلب الهمزة واواً. وقرئ بتسكين الفاء وهمزها، وهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان. و { لَّهُ } صلة لـ { كُفُواً } قدمت عليه، مع أن حقها التأخر عنه، للاهتمام بها، لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى. وأما تأخير اسم كان فلمراعاة الفواصل.
فوائد من هذه السورة
الأولى: قال الشهاب: فإن قلت المأمور بـ { قُلُ } من شأنه إذا امتثل أن يتلفظ بالمقول وحده، فلم كانت { قُلْ } من المتلوّ فيه وفي نظائره في القراءة؟ قلت: المأمور به سواء كان معينا أم لا، مأمور بالإقرار بالمقول. فأثبت القول ليدل على إيجاب مقوله ولزوم الإقرار به على مرّ الدهور.
الثانية: قال الإمام ابن تيمية: احتج بقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } من أهل الكلام المحدث من يقول الرب تعالى جسم، كبعض الذي وافقوا هشام بن الحكم ومحمد بن كرام وغيرهما. قالوا: هو صمد، والصمد الذي لا جوف له. وهذا إنما يكون في الأجسام المصمتة، فإنها لا جوف لها، كما في الجبال والصخور وما يصنع من عواميد الحجارة. ولهذا قيل في تفسيره إنه الذي لا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء ولا يأكل ولا يشرب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ونفي هذا لا يعقل إلا عما هو جسم. وقالوا: أصل الصمد: الاجتماع. ومنه تصميد المال، وهذا إنما يعقل في الجسم المجتمع. وأما النفاة فقالوا: الصمد الذي لا يجوز عليه التفرق والانقسام. وكل جسم في العالم يجوز عليه التفرق والانقسام. وقالوا أيضاً: الأحد الذي لا يقبل التجزؤ والانقسام. وكل جسم في العالم يجوز عليه التفرق والتجزؤ والانقسام. وقالوا: إذا قلتم هو جسم كان مركباً مؤلفاً من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة. وما كان مركباً مؤلفاً من غيره كان مفتقراً إليه، وهو سبحانه صمد. والصمد: الغنيّ عما سواه، فالمركب لا يكون صمداً. انتهى.
وقال الرازيّ: قد استدل القوم من جهال المشبهة بهذه الآية في أنه تعالى جسم، وهذا باطل لأنا بينا أن كونه أحدا ينافي كونه جسما. فمقدمة هذه الآية دالة على أنه لا يمكن أن يكون المراد من الصمد هذا المعنى، ولأن الصمد بهذا التفسير صفة الأجسام المتضاغظة. وتعالى الله عن ذلك. فإذن يجب أن يحمل ذلك على مجازه. وذلك لأن الجسم الذي يكون كذلك. يكون عديم الانفعال والتأثر عن الغير. وذلك إشارة إلى كونه سبحانه واجباً لذاته، ممتنع التغير في وجوده وبقائه وجميع صفاته. انتهى.
وأقول: الصحيح في تأويل الصمد ما ذكرناه أولا. وهو ما حكاه ابن جرير وغيره عن العرب في معناه. وإذا تحقق هذا، فلا يعول على هذا الثاني ولا لوازمه.
الثالثة: قال ابن تيمية: كما يجب تنزيه الرب عن كل نقص وعيب، يجب تنزيهه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفات الكمال الثابتة له. وهذان النوعان يجمعان التنزيه الواجب لله. وهذه السورة دلت على النوعين. فقوله { أَحَدٌ } من قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ينفي المماثلة والمشاركة. وقوله: { صَّمَدُ } يتضمن جميع صفات الكمال. فالنقائص جنسها منفي عن الله تعالى. وكل ما اختص به المخلوق فهو من النقائص التي يجب تنزيه الرب عنها. بخلاف ما يوصف به الرب. ويوصف العبد بما يليق به مثل العلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك. فإن هذه ليست نقائص بل ما ثبت لله من هذه المعاني، فإنه يثبت لله على وجه لا يقاربه فيه أحد من المخلوقات، فضلا عن أن يماثله فيه. بل ما خلقه الله في الجنة من المآكل والمشارب والملابس لا يماثل ما خلقه في الدنيا وإن اتفقا في الاسم، وكلاهما مخلوق. فالخالق تعالى أبعد في مماثلة المخلوقات من المخلوقات إلى المخلوق. وقد سمى الله نفسه عليما حليما رؤوفاً رحيما سميعاً بصيراً عزيزاً ملكا جباراً متكبراً، وسمى أيضاً بعض مخلوقاته بهذه الأسماء. مع العلم أنه ليس المسمى بهذه الأسماء من المخلوقين مماثلا للخالق جل جلاله في شيء من الأشياء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
الرابعة: قدمنا ما ورد في الحديث من أن **" سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ".** وقد ذكروا في ذلك وجوهاً - منها ما قاله أبو العباس بن سريج: أن القرآن أنزل على ثلاثة أقسام ثلث منها الأحكام، وثلث منها وعد ووعيد، وثلث منها الأسماء والصفات. وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات.
وقال الغزاليّ في (جواهر القرآن): مهمات القرآن هي معرفة الله ومعرفة الآخرة ومعرفة الصراط المستقيم. فهذه المعارف الثلاثة هي المهمة. والباقي توابع. وسورة الإخلاص تشتمل على واحدة من الثلاث، وهي معرفة الله وتقديسه وتوحيده عن مشارك في الجنس والنوع. وهو المراد بنفي الأصل والفرع والكفؤ.
قال: والوصف بالصمد يشعر بأنه السيد الذي لا يقصد في الوجود للحوائج سواه. نعم، ليس فيها حديث الآخرة والصراط المستقيم. فلذلك تعدل ثلث القرآن أي ثلث الأصول من القرآن كما قال: **" الحج عرفة "** أي: هو الأصل والباقي تبع.
وقال ابن القيّم في (زاد المعاد): كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في سنة الفجر والوتر سورتا الإخلاص والكافرون وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد. فسورة الإخلاص متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة بوجه من الوجوه. والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه. ونفي الولد والوالد الذي هو من لازم الصمدية وغناه وأحديته. ونفيُ الكفؤ المتضمن لنفي الشبيه والتمثيل والتنظير: فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له، ونفي كل نقص عنه، ونفي إثبات شبيه أو مثل له في كماله ونفي مطلق الشريك عنه. وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلميّ الاعتقاديّ الذي يباين صاحبه جميع فرق الضلال والشرك. ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن. فإن القرآن مداره على الخبر والإنشاء. والإنشاء ثلاثة: أمر، ونهي، وإباحة. والخبر نوعان: خبر عن الخالق تعالى وأسمائه وصفاته وأحكامه، وخبر عن خلقه - فأخلصت سورة الإخلاص الخبر عنه وعن أسمائه وصفاته فعدلت ثلث القرآن. وخلصت قارئها المؤمن من الشرك العلميّ. كما خلصت سورة**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }** [الكافرون: 1] من الشرك العملي الإراديّ القصديّ. ولما كان العلم قبل العمل وهو إمامه وقائده وسائقه والحاكم عليه ومنزله منازله، كانت سورة: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن، والأحاديث بذلك تكاد تبلغ مبلغ التواتر. و**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }** [الكافرون: 1] تعدل ربع القرآن، وفي الترمذي: من رواية ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه: **" { إِذَا زُلْزِلَتِ } [الزلزلة: 1] تعدل نصف القرآن و { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن و { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [الكافرون: 1] تعدل ربع القرآن "** رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد.
ولما كان الشرك العمليّ الإراديّ أغلب على النفوس لأجل متابعتها هواها، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرته وبطلانه، لما لها فيه من نيل الأغراض.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وإزالتُه وقلعُه منها أصعب وأشد من قلع الشرك العلميّ وإزالته. لأن هذا يزول بالعلم والحجة ولا يمكن صاحبه أن يعلم الشيء على غير ما هو عليه، بخلاف شرك الإرادة والقصد، فإن صاحبه يرتكب ما يدلّه العلم على بطلانه وضرره لأجل غلبة هواه واستيلاء سلطان الشهوة والغضب على نفسه. فجاء من التأكيد والتكرار في سورة**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }** [الكافرون: 1] المتضمنة لإزالة الشرك العمليّ ما لم يجئ مثله في سورة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
ولما كان القرآن شطرين: شطراً في الدنيا وأحكامها ومتعلقاتها والأمور الواقعة فيها من أفعال المكلفين وغيرها. وشطراً في الآخرة وما يقع فيها. وكانت سورة**{ إِذَا زُلْزِلَتِ }** [الزلزلة: 1] قد أخلصت من أولها وآخرها لهذا الشطر، فلم يذكر إلا الآخرة، وما يكون من أحوال الأرض وسكانها، كانت تعدل نصف القرآن. فأحْرِ بهذا الحديث أن يكون صحيحاً. والله أعلم.
الخامسة: قال ابن تيمية: سورة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أكثرهم على أنها مكية. وقد ذكر في أسباب نزولها سؤال المشركين بمكة، وسؤال الكفار من أهل الكتاب اليهود بالمدينة. ولا منافاة. فإن الله أنزلها بمكة أولاً. ثم لما سئل نحو ذلك أنزلها مرة أخرى. وهذا مما ذكر طائفة من العلماء. وقالوا: إن الآية أو السورة قد تنزل مرتين وأكثر من ذلك. فما يذكر من أسباب النزول المتعددة قد يكون جميعه حقّاً. والمراد بذلك أنه إذا حدث سبب يناسبها؛ نزل جبريل فقرأها عليه، ليعلمه أنها تتضمن جواب ذلك السبب. إن كان الرسول يحفظها قبل ذلك. انتهى.
وقد تقدم في مقدمة هذا التفسير، ومواضع أخر منه، تحقيق البحث في معنى سبب النزول، بما يدفع المنافاة في أمثال هذا. فراجعه. ولهذه السورة الشريفة تفاسير على حدة. من أمثلها كتابان لشيخ الإسلام ابن تيمية: أحدهما في تفسيرها، والثاني في سر كونها تعدل ثلث القرآن. فاحتفظ بهما. والله الهادي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ) | قوله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني الواحد { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } تفسير قتادة الصمد الباقي وتفسير بعضهم الصمد السيد الذي قد انتهى سؤدده.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ولم يكن له أحد كفوا له أي مثل وشبه.
تفسير الكلبي إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك وصفه فأنزل الله هذه السورة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ | * تفسير كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ) | { ٱلصَّمَدُ }: يقال: الصمد: السيد الذي يصمد إليه ليس فوقه أحد، والصمد أيضا: الذي لا جوف له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تذكرة الاريب في تفسير الغريب/ الامام ابي الفرج ابن الجوزي (ت 597 هـ) | الأحد الواحد والصمد السيد الذي ليس فوقه أحد وقيل الذي لا جوف له
والكفو المثل
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) | - الطبرسي في (الاحتجاج): عن الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام): **" أن اليهود أعداء الله لما قدم النبي (صلى الله عليه و آله) المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا- و ذكر حديثا طويلا يسأل فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، إلى أن قال له- أخبرني عن ربك ما هو؟ فنزلت: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فقال ابن صوريا: صدقت ".** - محمد بن يعقوب: عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: **" إن اليهود سألوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا:** **انسب لنا ربك؟ فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها ".** و رواه محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب.
- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فقال (عليه السلام):
" نسبة الله إلى خلقه، أحدا صمدا أزليا صمديا لا ظل له يمسكه، و هو يمسك الأشياء بأظلتها، عارف بالمجهول، معروف عند كل جاهل، فردانيا، لا خلقه فيه، و لا هو في خلقه، غير محسوس و لا مجسوس لا تدركه الأبصار، علا فقرب، و دنا فبعد، و عصي فغفر، و أطيع فشكر، لا تحويه أرضه، و لا تقله سماواته، حامل الأشياء بقدرته، ديمومي أزلي، لا ينسى و لا يلهو، و لا يغلط و لا يلعب، [و] لا لإرادته فصل، و فصله جزاء، و أمره واقع، لم يلد فيورث، و لم يولد فيشارك، و لم يكن له كفوا أحد ".
- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، قال: سئل علي بن الحسين (عليهما السلام)، عن التوحيد؟ فقال: " إن الله عز و جل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون، فأنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، و الآيات من سورة الحديد إلى قوله:**{ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }** [الحديد: 6] فمن رام وراء ذلك فقد هلك ".
- و عنه: عن محمد بن أبي عبد الله، رفعه، عن عبد العزيز بن المهتدي، قال سألت الرضا (عليه السلام) عن التوحيد، فقال: " كل من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } و آمن بها، فقد عرف التوحيد ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: قلت: كيف يقرؤها؟ قال:
" كما يقرؤها الناس، و زاد فيه: كذلك الله ربي، كذلك الله ربي ".
- و عنه: عن علي بن محمد، و محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد و لقبه شباب الصيرفي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك، ما الصمد؟
قال: " السيد المصمود إليه في القليل و الكثير ".
- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن السري، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شيء من التوحيد؟ فقال: " إن الله تباركت أسماؤه التي يدعى بها، و تعالى في علو كنهه، واحد توحد بالتوحيد في توحده، ثم أجراه على خلقه، فهو واحد صمد قدوس، يعبده كل شيء، و يصمد إليه كل شيء، و وسع كل شيء علما ".
فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل الصمد، لا ما ذهب إليه المشبهة أن تأويل الصمد المصمت الذي لا جوف له، لأن ذلك لا يكون إلا من صفة الجسم، و الله جل ذكره متعال عن ذلك، و هو أعظم و أجل من أن تقع الأوهام على صفته أو تدرك كنه عظمته، و لو كان تأويل الصمد في صفة الله عز و جل المصمت لكان مخالفا لقوله عز و جل:**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11] لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها، مثل الحجر و الحديد و سائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فأما ما جاء في الأخبار من ذلك، فالعالم (عليه السلام): أعلم بما قال، و هذا الذي قال (عليه السلام): " إن الصمد هو السيد المصمود إليه " هو معنى صحيح موافق لقول الله عز و جل:**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11] و المقصود إليه: المقصود في اللغة، قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبي (صلى الله عليه و آله) من شعره:
| **و بالجمرة الوسطى إذا صمدوا لها** | | **يؤمون رضخا رأسها بالجنادل** |
| --- | --- | --- |
يعني قصدوا نحوها يرمون رأسها بالجنادل، يعني الحصى الصغار التي تسمى بالجمار.
و قال بعض شعراء الجاهلية:
| **ما كنت أحسب أن بيتا ظاهرا** | | **لله في أكناف مكة يصمد** |
| --- | --- | --- |
يعني يقصد.
و قال ابن الزبرقان: و لا رهيبة إلا سيد صمد و قال شداد بن معاوية في حذيفة بن بدر:
| **علوته بحسام ثم قلت له:** | | **خذها حذيف فأنت السيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
و مثل هذا كثير، و الله عز و جل هو السيد الصمد الذي جميع الخلق من الجن و الإنس إليه يصمدون في الحوائج، و إليه يلجأون عند الشدائد، و منه يرجون الرخاء و دوام النعماء ليدفع عنهم الشدائد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبو سعيد عبدان بن الفضل، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن يعقوب بن محمد بن يوسف بن جعفر ابن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمدينة خجندة، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن أحمد بن شجاع الفرغاني، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن محمد بن حماد العنبري بمصر، قال: حدثني إسماعيل بن عبد الجليل البرقي، عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الباقر (عليهم السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، قال: " قل أي أظهر ما أوحينا إليك و بعثناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع و هو شهيد، و هو اسم مكنى مشار به إلى غائب، فالهاء تنبيه على معنى ثابت، و الواو إشارة إلى الغائب عن الحواس، كما أن قولك:
هذا، إشارة إلى الشاهد عن الحواس، و ذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار، فأشر أنت- يا محمد- إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه و ندركه و لا نأله فيه، فأنزل الله تبارك و تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فالهاء تثبيت للثابت، و الواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار و لمس الحواس، و الله تعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار و مبدع الحواس ".
- " حدثني أبي، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: رأيت الخضر (عليه السلام) في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علمني شيئا أنتصر به على الأعداء، فقال: قل: يا هو يا من لا هو إلا هو، فلما أصبحت، قصصتها على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال لي: يا علي، علمت الاسم الأعظم، فكان على لساني يوم بدر.
وإن أمير المؤمنين (عليه السلام) قرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فلما فرغ قال: يا هو يا من لا هو إلا هو اغفر لي و انصرني على القوم الكافرين. و كان علي (عليه السلام) يقول ذلك يوم صفين و هو يطارد، فقال له عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين، ما هذه الكنايات؟ قال: اسم الله الأعظم و عماد التوحيد لله لا إله إلا هو، ثم قرأ:**{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
[آل عمران: 18]، و آخر الحشر، ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال.
قال: و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الله معناه: المعبود الذي يأله فيه الخلق و يؤله [إليه]، و الله هو المستور عن درك الأبصار، المحجوب عن الأوهام و الخطرات ".
- قال الباقر (عليه السلام): " [الله] معناه: المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته، و الإحاطة بكفيته، و تقول العرب: أله الرجل إذا تحير في الشيء فلم يحط به علما، و وله إذا فزع إلى شيء مما يحذره و يخافه فالإله هو المستور عن حواس الخلق ".
- قال الباقر (عليه السلام): " الأحد: الفرد المتفرد، و الأحد و الواحد بمعنى واحد، و هو المتفرد الذي لا نظير له، و التوحيد: الإقرار بالوحدة و هو الانفراد، و الواحد: المتباين الذي لا ينبعث من شيء و لا يتحد بشيء، و من ثم قالوا: إن بناء العدد من الواحد، و ليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين، فمعنى قول: الله أحد، أي المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه و الإحاطة بكيفيته، فرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه ".
- قال الباقر (عليه السلام): " حدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام)، أنه قال: الصمد: الذي لا جوف له، و الصمد: الذي قد انتهى سؤدده، و الصمد: الذي لا يأكل و لا يشرب، و الصمد: الذي لا ينام، و الصمد: الدائم الذي لم يزل و لا يزال ".
- قال الباقر (عليه السلام): " كان محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) يقول: الصمد: القائم بنفسه، الغني عن غيره، و قال غيره: الصمد: المتعالي عن الكون و الفساد، و الصمد: الذي لا يوصف بالتغاير ".
- قال الباقر (عليه السلام): " الصمد: السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر و ناه ".
- قال: " و سئل علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) عن الصمد؟ فقال: الصمد: الذي لا شريك له، و لا يؤوده حفظ شيء، و لا يعزب عنه شيء ".
- قال وهب بن وهب القرشي: قال زيد بن علي زين العابدين (عليه السلام): الصمد: [هو] الذي إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون. و الصمد: الذي ابتدع الأشياء فخلقها أضدادا و أشكالا و أزواجا، و تفرد بالوحدة بلا ضد و لا شكل و لا مثل و لا ند.
- قال وهب بن وهب القرشي: و حدثني الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه (عليهم السلام): " إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) يسألونه عن الصمد، فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
و إن الله سبحانه و تعالى قد فسر الصمد، فقال: اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ثم فسره فقال: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } { لَمْ يَلِدْ } لم يخرج منه شيء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، و لا شيء لطيف كالنفس، و لا يتشعب منه البدوات كالسنة و النوم و الخطرة و الهم و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء و الرغبة و السأمة و الجوع و الشبع، تعالى أن يخرج منه شيء، و أن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف، { وَلَمْ يُولَدْ } لم يتولد من شيء، و لم يخرج من شيء، كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشيء من الشيء، و الدابة من الدابة، و النبات من الأرض، و الماء من الينابيع، و الثمار من الأشجار، و لا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، و السمع من الأذن، و الشم من الأنف، و الذوق من الفم، و الكلام من اللسان، و المعرفة و التميز من القلب، و كالنار من الحجر، لا، بل هو الله الصمد الذي لا من شيء و لا في شيء و لا على شيء، مبدع الأشياء و خالقها، و منشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته، و يبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد ".
- قال وهب بن وهب القرشي: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: " قدم وفد من [أهل] فلسطين على الباقر (عليه السلام) فسألوه عن مسائل، فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد، فقال: تفسيره فيه: الصمد خمسة أحرف، فالألف دليل على إنيته، و هو قوله عز و جل:**{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }** [آل عمران: 18]، و ذلك تنبيه و إشارة إلى الغائب عن درك الحواس.
و اللام دليل على إلهيته بأنه [هو] الله، و الألف و اللام مدغمان، لا يظهران على اللسان و لا يقعان في السمع، و يظهران في الكتابة، دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس، و لا تقع في اللسان واصف و لا أذن سامع، لأن تفسير الإله: هو الذي أله الخلق عن درك ماهيته و كيفيته بحس أو بوهم، لا، بل هو مبدع الأوهام و خالق الحواس، و إنما يظهر ذلك عند الكتابة، دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق و تركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
كما أن لام الصمد لا تتبين، و لا تدخل في حاسة من الحواس الخمس، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي و لطف، فمتى تفكر العبد في ماهية البارئ و كيفيته، أله فيه و تحير، و لم تحط فكرته بشيء يتصور له، لأنه عز و جل خالق الصور، فإذا نظر إلى خلقه تثبت له أنه عز و جل خالقهم، و مركب أرواحهم في أجسادهم.
و أما الصاد فدليل على أنه عز و جل صادق، و قوله صدق و كلامه صدق، و دعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق، و وعد بالصدق دار الصدق.
و أما الميم فدليل على ملكه، و أنه الملك الحق، لم يزل و لا يزال و لا يزول.
و أما الدال فدليل على دوام ملكه، و أنه عز و جل دائم، تعالى عن الكون و الزوال، بل هو عز و جل مكون الكائنات، الذي كان بتكوينه كل كائن.
ثم قال (عليه السلام): لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز و جل حملة، لنشرت التوحيد و الإسلام و الإيمان و الدين و الشرائع من الصمد، و كيف لي بذلك و لم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء و يقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين الجوانح مني علما جما، هاه هاه ألا لا أجد من يحمله، ألا و إني عليكم من الله الحجة البالغة، فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور.
ثم قال الباقر (عليه السلام): الحمد لله الذي من علينا و وفقنا لعبادة الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، و جنبنا عبادة الأوثان، حمدا سرمدا و شكرا واصبا، و قوله عز و جل { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } يقول: لم يلد عز و جل فيكون له ولد يرثه ملكه، و لم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته و ملكه، و لم يكن له كفوا أحد فيضادهفي سلطانه ".
- و عنه، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمان، عن الربيع بن مسلم، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) و سئل عن الصمد، فقال: " الصمد: الذي لا جوف له ".
- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن اليهود سألوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: انسب لنا ربك، فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت هذه السورة إلى آخرها ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقلت له: ما الصمد؟ فقال: " الذي ليس بمجوف ".
- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن الحلبي و زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن الله تبارك و تعالى أحد صمد ليس له جوف، و إنما الروح خلق من خلقه، نصر و تأييد و قوة يجعله الله في قلوب الرسل و المؤمنين ".
- علي بن إبراهيم: في معنى السورة: قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قال: **" كان سبب نزولها أن اليهود جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالت: ما نسب ربك؟ فأنزل الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ \* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } و معنى قوله أحد: أحدي النعت، كما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): " نور لا ظلام فيه، و علم لا جهل فيه " ، و قوله: { ٱلصَّمَدُ } أي الذي لا مدخل فيه، و قوله: { لَمْ يَلِدْ } أي لم يحدث { وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ، قال: لا له كفو و لا شبيه و لا شريك و لا ظهير و لا معين ".** - ثم قال علي بن إبراهيم: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا الحسن بن علي، عن حماد بن مهران، قال: حدثنا محمد بن خالد بن إبراهيم السعدي، قال: حدثني أبان بن عبد الله، قال: حدثني يحيى بن آدم، عن الفزاري، عن حريز، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قالت قريش للنبي (صلى الله عليه و آله) بمكة: صف لنا ربك لنعرفه فنعبده، فأنزل الله تبارك و تعالى على النبي (صلى الله عليه و آله) { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني غير مبعض، و لا متجزئ، و لا مكيف، و لا يقع عليه اسم العدد و لا الزيادة و لا النقصان، { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } الذي قد انتهى إليه السؤدد، و الذي يصمد أهل السماوات و الأرض بحوائجهم إليه، لم يلد منه عزير، كما قالت اليهود لعنهم الله، و لا المسيح كما قالت النصارى عليهم سخط الله، و لا الشمس و لا القمر و لا النجوم، كما قالت المجوس لعنهم الله، و لا الملائكة، كما قالت مشركو العرب، { وَلَمْ يُولَدْ } لم يسكن الأصلاب، و لم تضمه الأرحام، و لا من شيء كان، و لا من شيء خلق ما كان { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يقول: ليس له شبيه و لا مثل و لا عدل، و لا يكافيه أحد من خلقه بما أنعم عليه من فضله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
- الطبرسي في (الاحتجاج)، قال: روى أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، ما معنى الأحد؟ قال: " المجمع عليه بالوحدانية، أما سمعته يقول:**{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ }** [العكبوت: 61] ثم يقولون بعد ذلك: له شريك و صاحبة! ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) | قال الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله تعالى. والمعنى: الذي سألتم تبيين نسبته: هو الله. و " أحد " مرفوع على معنى: هو أحد. المعنى: هو الله هو أحد. ويجوز أن يكون " هو " [للأمر]، كما تقول: هو زيد قائم، أي: الأمر زيد قائم. فالمعنى: الأمر الله أحد.
قرأتُ على الشيخين أبي البقاء اللغوي وأبي عمرو الياسري لأبي عمرو من رواية أبي خلاد عن اليزيدي عنه: " أحدُ الله " بضم الدال وصلتها باسم الله من غير تنوين ولالتقاء ساكنين.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } قال بعض المفسرين: الصمد: الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج. ويروى هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. يقال: صَمَدْتُ صَمْدَه؛ إذا قَصَدْتَ قَصْدَهُ.
وقال الزجاج: الصَّمَد: السيد الذي ينتهي إليه السُّؤدد.
قال الشاعر:
| **لقدْ بَكَّرَ النَّاعِي بخَيْرَي بني أسد** | | **بعمرو بن ميمونٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَد** |
| --- | --- | --- |
قال غيره: ومعنى هذا: أن السؤدد قد انتهى إليه، فلا سيد فوقه.
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والسدي: الصَّمَد: الذي لا جوف له.
قال ابن قتيبة: كأن الدال في هذا التفسير مبدلة عن تاء.
وحكى الزجاج والخطابي: أن الصَّمد: الباقي بعد فَنَاء خلقه.
قوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } تكذيب لليهود والنصارى في قولهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله.
والمعنى: " لم يلد "؛ لأنه لا يجانس حتى يكونه له صاحبة من جنسه فيتوالدان، ويدل عليه قوله في موضع آخر:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101]، " ولم يولد "؛ لأن كل مولود محدث وجسم، وهو تعالى منزه عن ذلك.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } قرأ حمزة: " كُفْواً " بسكون الفاء. وقرأ حفص: بالتثقيل وقلب الهمزة واواً، الباقون: بالتثقيل والهمز. وقد ذكرنا أنها لغات فيما مضى.
قال أبي بن كعب: المعنى: لم يكن له مثل ولا عديل.
قال مجاهد: لم يكن له صاحبة.
قال قتادة: لا يكافئه أحد من خلقه.
وفيه تقديم وتأخير، تقديره: لم يكن له أحد كفواً، لكنه راعى رؤوس الآي.
قرأتُ على أبي الحسن علي بن أبي بكر، أخبركم أبو الوقت فأقرَّ به.
وأخبرنا أحمد بن عبدالله العطار قال: أخبرنا أبو الوقت قال: أخبرنا الداودي، أخبرنا السرخسي، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي [فقوله]: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ) | لَمَّا بين تحال المشركين الظَّانّين بالله ظنّ السَّوء ووبالهم، نزه ذاته تعالى عما يصفون فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* قُلْ } لمن قال يقول لك: صف لنا ربك: { هُوَ }: أي: المسئول عنه، أو الشأن { ٱللَّهُ }: الذات المستجمع لصفات الكمال { أَحَدٌ }: مستجمع لنعوت الجلال، وتستعمل أحد في الاثبات مكان واحد لا تحادهما معنى { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }: المصمود إليه، أي: المقصود في كل الحوائج، وترك العطف لأنها كالدليل على الأولى، أو نتيجتها وعرَّفهُ دون أحد لعلمهم بصمديته دون أحديته { لَمْ يَلِدْ }: كريما، لأنه لم يجانس { وَلَمْ يُولَدْ }: كعيسى وعزير، لتنزهه عن الحدوث { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً }: مكافئا مماثلاُ { أَحَدٌ }: قدم الظروف لأنه أهم، وربط الثلاث بالعطف لأنها كجملة نافية للأمثال، والسورة تعدل ثلث القرآن، لأن مقصاده إما العقائد الإلهية أو الأحكام، أو القصص، وهي عين الثلث، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) | ذُكر أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربّ العزة، فأنزل الله هذا السورة جواباً لهم. وقال بعضهم: بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه، فقالوا له: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فأُنزلت جواباً لهم. ذكر من قال: أُنزلت جواباً للمشركين الذين سألوه أن ينسُب لهم الربّ تبارك وتعالى. حدثنا أحمد بن منيع المَرْوزيّ ومحمود بن خِداش الطالَقَاني، قالا: ثنا أبو سعيد الصنعاني، قال: ثنا أبو جعفر الرازيّ، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، قال: قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: انسُبْ لنا ربك، فأنزل الله: { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصَّمَدُ }. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، قال: إن المشركين قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو، ومن أيّ شيء هو؟ فأنزل الله: { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ } إلى آخر السورة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصَّمَدُ } قال: قال ذلك قادة الأحزاب: انسُب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه. حدثني محمد بن عوف، قال: ثنا شريح، قال: ثنا إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبيّ، عن جابر قال: قال المشركون: انسُب لنا ربك، فأنزل الله { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ }. ذكر من قال: نزل ذلك من أجل مسألة اليهود: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن محمد، عن سعيد، قال: أتى رهط من اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق، فمن خلقه؟ فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى انتُقِعَ لونه ثم ساوَرَهم غضباً لربه، فجاءه جبريل عليه السلام فسكنَّه، وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه. قال: يقول الله: { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ } فلما تلا عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: صف لنا ربك كيف خَلْقُه، وكيف عضُدُه، وكيف ذراعُه، فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم أشدّ من غضبه الأوّل، وساوَرَهم غضباً، فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته، وأتاه بجواب ما سألوه عنه:**{ وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ }** حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مِهران، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، قال: جاء ناس من اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: انسب لنا ربك، فنزلت: { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ } حتى ختم السورة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا: قل يا محمد لهؤلاء السائليك عن نسب ربك وصفته، ومن خلقه: الربّ الذي سألتموني عنه، هو الله الذي له عبادة كل شيء، لا تنبغي العبادة إلاَّ له، ولا تصلح لشيء سواه. واختلف أهل العربية في الرافع { أحَدٌ } فقال بعضهم: الرافع له «الله»، و «هو» عماد، بمنزلة الهاء في قوله:**{ إنَّهُ أنا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }** وقال آخر منهم: بل «هو» مرفوع، وإن كان نكرة بالاستئناف، كقوله: هذا بعلي شيخ، وقال: هو الله جواب لكلام قوم قالوا له: ما الذي تعبد؟ فقال: هو الله، ثم قيل له: فما هو؟ قال: هو أحد. وقال آخرون { أحَدٌ } بمعنى: واحد، وأنكر أن يكون العماد مستأنفاً به، حتى يكون قبله حرف من حروف الشكّ، كظنّ وأخواتها، وكان وذواتها، أو إنّ وما أشبهها، وهذا القول الثاني هو أشبه بمذاهب العربية. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار { أحَدٌ اللّهُ الصَّمَدُ } بتنوين «أحدٌ»، سوى نصر بن عاصم، وعبد الله بن أبي إسحاق، فإنه رُوي عنهما ترك التنوين: «أحَدُ اللّهُ» وكأن من قرأ ذلك كذلك، قال: نون الإعراب إذا استقبلتها الألف واللام أو ساكن من الحروف حُذفت أحياناً، كما قال الشاعر:
| **كَيْفَ نَوْمي على الفرَاشِ ولمَا** | | **تَشْمَلِ الشَّامَ غارَةٌ شَعْوَاءُ** |
| --- | --- | --- |
| **تُذْهِلُ الشَّيْخَ عَن بَنِيهِ وتُبْدِي** | | **عَنْ خِدَامِ العَقِيلَةُ العَذْراءُ** |
يريد: عن خِدامٍ العقيلةُ. والصواب في ذلك عندنا: التنوين، لمعنيين: أحدهما أفصح اللغتين، وأشهر الكلامين، وأجودهما عند العرب. والثاني: إجماع الحجة من قرّاء الأمصار على اختيار التنوين فيه، ففي ذلك مُكْتفًى عن الاستشهاد على صحته بغيره. وقد بيَّنا معنى قوله «أحد» فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: { اللّهُ الصَّمَدُ } يقول تعالى ذكره: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاَّ له الصمدُ. واختلف أهل التأويل في معنى الصمد، فقال بعضهم: هو الذي ليس بأجوف، ولا يأكل ولا يشرب. ذكر من قال ذلك: حدثنا عبد الرحمن بن الأسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن سلمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عباس، قال: الصمد: الذي ليس بأجوف. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الصمد: المُصْمَت الذي لا جوف له. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثلَه سواء. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الصمد: المُصْمَت الذي ليس له جوف. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ووكيع، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الصمد: الذي لا جوف له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران جميعاً، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثلَه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا الربيع بن مسلم، عن الحسن، قال: الصَّمَدُ: الذي لا جوف له. قال: ثنا الربيع بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة، قال: أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جُبير أسأله عن الصمد، فقال: الذي لا جوف له. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبيّ، قال: الصمدُ الذي لا يَطْعَم الطعام. حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبيّ أنه قال: الصَّمَدُ: الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب. حدثنا أبو كُرَيب وابن بشار، قالا: ثنا وكيع، عن سلمة بن نُبَيط، عن الضحاك، قال: الصمدُ: الذي لا جوف له. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل، عن عامر، قال: الصمدُ: الذي لا يأكل الطعام. حدثنا ابن بشار وزيد بن أخزم، قالا: ثنا ابن داود، عن المستقيم بن عبد الملك، عن سعيد بن المسيب قال: الصمدُ: الذي لا حِشوة له. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الصمدُ: الذي لا جوف له. حدثني العباس بن أبي طالب، قال: ثنا محمد بن رومي، عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش، قال: ثني صالح بن حيان، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: لا أعلمه إلاَّ قد رَفَعه، قال: الصَّمَد الذي لا جوف له. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن الربيع بن مسلم، قال: سمعت الحسن يقول: الصَّمَدُ: الذي لا جوف له. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عكرِمة، قال: الصمدُ: الذي لا جوف له. وقال آخرون: هو الذي لا يخرج منه شيء. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سمعت عِكْرِمة، قال في قوله: { الصَّمَدُ }: الذي لم يخرج منه شيء، ولم يَلِد، ولم يُولَد. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء محمد بن يوسف، عن عكرِمة قال: الصمدُ: الذي لا يخرج منه شيء. وقال آخرون: هو الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: { الصَّمَدُ }: الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يلد إلاَّ سيورث، ولا شيء يولد إلاَّ سيموت، فأخبرهم تعالى ذكره أنه لا يُورث ولا يموت. حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خِداش قالا: ثنا أبو سعيد الصَّنْعانيّ، قال: قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أنسُب لنا ربك، فأنزل الله: { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ } لأنه ليس شيء يولد إلاَّ سيموت، وليس شيء يموت إلاَّ سيُورث، وإن الله جلّ ثناؤه لا يموت ولا يورث { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ }: ولم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: الصَّمَد: الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. وقال آخرون: هو السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه. ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب، قال: ثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: { الصَّمَدُ }: هو السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه. حدثنا أبو كريب وابن بشار وابن عبد الأعلى، قالوا: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: { الصَّمد }: السيد الذي قد انتهى سُؤدَدُه ولم يقل أبو كُرَيب وابن عبد الأعلى سُؤدَدُه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل مثله. حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { الصَّمَدُ } يقول: السيد الذي قد كمل في سُؤدَدِه، والشريف الذي قد كمُل في شرفه، والعظيم الذي قد عظُم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغنيّ الذي قد كمل في غناه، والجبَّار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسُّؤدَد، وهو الله سبحانه هذه صفته، لا تنبغي إلاَّ له. وقال آخرون: بل هو الباقي الذي لا يفنَى. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهَ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } قال: كان الحسن وقتادة يقولان: الباقي بعد خلقه، قال: هذه سورة خالصة، ليس فيها ذكر شيء من أمر الدنيا والآخرة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: { الصَّمَدُ }: الدائم. قال أبو جعفر: الصَّمَدُ عند العرب: هو السيد الذي يُصْمَدُ إليه، الذي لا أحد فوقه، وكذلك تسمي أشرافَها ومنه قول الشاعر:
| **ألا بَكَرَ النَّاعي بِخَيْرَيْ بَنِي أسَدْ** | | **بعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وقال الزبرقان:
| **وَلا رَهِينَةَ إلاَّ سَيِّدٌ صَمَدُ** | | |
| --- | --- | --- |
فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل الكلمة، المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه ولو كان حديث ابن بُريدة، عن أبيه صحيحاً، كان أولى الأقوال بالصحة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما عَنى الله جلّ ثناؤه، وبما أنْزل عليه. وقوله: { لَمْ يَلِدْ } يقول: ليس بفان، لأنه لا شيء يلد إلا هو فان بائد { ولَمْ يُولَدْ } يقول: وليس بمحدث لم يكن فكان، لأن كلّ مولود فإنما وُجد بعد أن لم يكن، وحدث بعد أن كان غير موجود، ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل، ودائم لم يَبِد، ولا يزول ولا يفني.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ } اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولم يكن له شبيه ولا مِثْل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قوله: { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ }: لم يكن له شبيه، ولا عِدْل، وليس كمثله شيء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عمرو بن غَيلانَ الثقفيّ، وكان أميرَ البصرة، عن كعب، قال: إن الله تعالى ذكره أسَّس السموات السبع، والأرضين السبع، على هذه السورة { لَمْ يَلِدْ وَلمْ يُولَدْ ولمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ } وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ } قال: ليس كمثله شيء، فسبحان الله الواحد القهَّار. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن جُرَيج { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا }: مثل. وقال آخرون: معنى ذلك، أنه لم يكن له صاحبة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك بن أبجر، عن طلحة، عن مجاهد، قوله: { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ } قال: صاحبة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن ابن أبجر، عن طلحة، عن مجاهد، مثلَه. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عبد الملك، عن طلحة، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبجر، عن رجل عن مجاهد { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ } قال: صاحبة. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبجر، عن طلحة بن مصرّف، عن مجاهد { ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ } قال: صاحبة. حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عبد الملك، عن طلحة، عن مجاهد، مثله. والكُفُؤْ والكفىء والكِفاء في كلام العرب واحد، وهو المِثْل والشِّبْه ومنه قول نابغة بني ذُبيان:
| **لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاءَ لَهُ** | | **وَلَوْ تأَثَّفَكَ الأعْدَاءُ بالرِّفَدِ** |
| --- | --- | --- |
يعني: لا كفاء له: لا مثل له. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { كُفُوًا }. فقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة: { كُفُوًا } بضم الكاف والفاء. وقرأه بعض قرّاء الكوفة بتسكين الفاء وهمزها «كُفْئاً». والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) | { هُوَ } ضمير الشأن، و { ٱللَّهُ أَحَدٌ } هو الشأن، كقولك هو زيد منطلق، كأنه قيل الشأن هذا، وهو أن الله واحد لا ثاني له. فإن قلت ما محل هو؟ قلت الرفع على الابتداء والخبر الجملة. فإن قلت فالجملة الواقعة خبراً لا بد فيها من راجع إلى المبتدأ، فأين الراجع؟ قلت حكم هذه الجملة حكم المفرد في قولك «زيد غلامك» في أنه هو المبتدأ في المعنى، وذلك أن قوله { ٱللَّهُ أَحَدٌ } هو الشأن الذي هو عبارة عنه، وليس كذلك «زيد أبوه منطلق» فإن زيداً والجملة يدلان على معنيين مختلفين، فلا بد مما يصل بينهما. وعن ابن عباس قالت قريش يا محمد، صف لنا ربك الذي تدعونا إليه، فنزلت يعني الذي سألتموني وصفه هو الله، وأحد بدل من قوله، «الله». أو على هو أحد، وهو بمعنى واحد، وأصله وحد. وقرأ عبد الله وأبيّ «هو الله أحد» بغير { قُلْ } وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم «الله أحد» بغير { قُلْ هُوَ } وقال من قرأ الله أحد، كان بعدل القرآن. وقرأ الأعمش «قل هو الله الواحد». وقرىء «أحد الله» بغير تنوين أسقط لملاقاته لام التعريف. ونحوه
| **وَلاَ ذَاكِر اللَّهِ إلاّ قَلِيلاً** | | |
| --- | --- | --- |
والجيد هو التنوين، وكسره لالتقاء الساكنين. و { ٱلصَّمَدُ } فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج. والمعنى هو الله الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السمٰوات والأرض وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلٰهية لا يشارك فيها، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق ولا يستغنون عنه، وهو الغني عنهم { لَمْ يَلِدْ } لأنه لا يجانس، حتى يكون له من جنسه صاحبه فيتوالدا. وقد دلّ على هذا المعنى بقوله**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ }** الأنعام 101. { وَلَمْ يُولَدْ } لأنّ كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أوّل لوجوده وليس بجسم ولم يكافئه أحد، أي لم يماثله ولم يشاكله. ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، نفياً للصاحبة سألوه أن يصفه لهم، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته، فقوله { هُوَ ٱللَّهُ } إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها، وفي طيّ ذلك وصفه بأنه قادر عالم لأنّ الخلق يستدعي القدرة والعلم، لكونه واقعاً على غاية إحكام واتساق وانتظام. وفي ذلك وصفه بأنه حيّ سميع بصير. وقوله { أَحَدٌ } وصف بالوحدانية ونفي الشركاء. وقوله { ٱلصَّمَدُ } وصف بأنه ليس إلاّ محتاجاً إليه، وإذا لم يكن إلاّ محتاجاً إليه فهو غني. وفي كونه غنياً مع كونه عالماً أنه عدل غير فاعل للقبائح، لعلمه بقبح القبيح وعلمه بغناه عنه. وقوله { لَمْ يُولَدْ } وصف بالقدم والأوّلية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقوله { لَمْ يَلِدْ } نفي للشبه والمجانسة. وقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تقرير لذلك وبت للحكم به، فإن قلت الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نصّ سيبويه على ذلك في كتابه، فما باله مقدّماً في أفصح كلام وأعربه؟ قلت هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقه بالتقدم وأحراه. وقرىء «كفؤاً» بضم الكاف والفاء. وبضم الكاف وكسرها مع سكون الفاء فإن قلت لم كانت هذه السورة عدل القرآن كله على قصر منها وتقارب طرفيها؟ قلت لأمر ما يسود من يسود، وما ذاك إلا لاحتوائها على صفات الله تعالى وعدله وتوحيده، وكفى دليلاً من اعتراف بفضلها وصدق بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إنّ علم التوحيد من الله تعالى بمكان، وكيف لا يكون كذلك والعلم تابع للمعلوم يشرف بشرفه، ويتضع بضعته ومعلوم هذا العلم هو الله تعالى وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز، فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله، وإنافته على كل علم، واستيلائه على قصب السبق دونه ومن ازدراه فلضعف علمه بمعلومه، وقلة تعظيمه له، وخلوه من خشيته، وبعده من النظر لعاقبته. اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك العاملين لك، القائلين بعدلك وتوحيدك، الخائفين من وعيدك. وتسمى سورة الأساس لاشتمالها على أصول الدين، وروى أبيّ وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم 1371 **" أسست السمٰوات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد "** يعني ما خلقت إلاّ لتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته التي نطقت بها هذه السورة. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1372 أنه سمع رجلاً يقرأ قل هو الله أحد فقال «وجبت». قيل يا رسول الله وما وجبت؟ قال **" وجبت له الجنة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) | القراءة: قرأ أبو عمرو { أحد الله الصمد } بغير تنوين الدال من أحد وروي عنه ع أنه كان يقول { قل هو الله أحد } ثم يقف فإن وصل قال أحد الله وزعم أن العرب لم تكن تصل مثل هذا والباقون أحد الله بالتنوين وقرأ إسماعيل عن نافع وحمزة وخلف ورويس كُفْؤاً ساكنة الفاء مهموزة وقرأ حفص كُفُواً مضمومة الفاء مفتوحة الواو وغير مهموزة وقرأ الباقون كُفُؤاً بالهمزة وضم الفاء. الحجة: قال أبو علي: من قرأ أحدٌ الله فوجهه بين وذلك أن التنوين من أحد ساكن ولام المعرفة من الاسم ساكن فلما التقى الساكنان حرك الأول منهما بالكسر كما تقول اذهب اذهب ومن قال أحد الله فحذف النون فإن النون قد شابهت حروف اللين في الآخر في أنها تزاد كما يزدن وفي أنها تدغم فيهن كما يدغم كل واحد من الواو والياء في الآخر وفي أنها قد أبدلت منها الألف في الأسماء المنصوبة وفي الخفيفة فلما شابهت حروف اللين أجريت مجراها في أن حذفت ساكنة لالتقاء الساكنين كما حذف الألف والواو والياء لذلك في نحو رمى القوم ويغزو الجيش ويرمي القوم ومن ثم حذفت ساكنة في الفعل في نحو لم يك ولا تك في مرية فحذفت في أحد الله لالتقاء الساكنين كما حذفت هذه الحروف في نحو هذا زيد بن عمرو حتى استمرَّ ذلك في الكلام وأنشد أبو زيد:
| **فَأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتَبِ** | | **وَلا ذاكِرَ اللهَ إلاَّ قَليلا** |
| --- | --- | --- |
وقال الشاعر:
| **كَيْفَ نَوْمي عَلَى الْفِرَاشِ وَلَمَّا** | | **تَشْمَــلِ اشَّامَ غَـــارةٌ شَعْواءُ** |
| --- | --- | --- |
| **تُذْهِــلُ الشَّيْخَ عَنْ بَنِيهِ وَتُبْدِي** | | **عَـــنْ خِــدامِ الْعَقيلَــةُ الْعذْراءُ** |
أما كفواً وكفواً فأصله الضم فخفف مثل طنب وطنب وعنق وعنق. اللغة: أحد أصله وحد فقلبت الواو همزة ومثله أناة وأصله وناة وهو على ضربين أحدهما: أن يكون اسماً والآخر: أن يكون صفة فالاسم نحو أحد وعشرون يريد به الواحد والصفة كما في قول النابغة:
| **كَأَنَّ رَحْلِي وَقَدْ زالَ النَّهارُ بِنا** | | **بِذِي الْجَليلِ عَلى مُسْتَأَنِسٍ وَحَدِ** |
| --- | --- | --- |
وكذلك قولهم واحد يكون اسماً كالكاهل والغارب ومنه قولهم واحد اثنان ثلاثة وتكون صفة كما في قول الشاعر:
| **فَقَــدْ رَجَعُــوا كَحَـيّ واحدِينــا** | | |
| --- | --- | --- |
وقد جمعوا أحداً الذي هو الصفة على أحد إن قالوا أحد وأُحدان شبَّهوه بسلق وسُلقان ونحوه قول الشاعر:
| **يَحْمِي الصَّرِيمَةَ أُحْدانُ الرِّجالِ لَهُ** | | **صَيْــدٌ وَمُجْتَرِىءٌ بِاللَّيْلِ هَمَّــاسُ** |
| --- | --- | --- |
فهذا جمع لأحد الذي يراد به الرفع من الموصوف والتعظيم له وأنه متفرد عن الشبه والمثل وقالوا هو أحد الأحد إذا رفع منه وعظم وقالوا أحد الأحدين وواحد الآحاد وحقيقة الواحد شيء لا ينقسم في نفسه أو في معنى صفته فإذا أطلق واحد من غير تقدم موصوف فهو واحد في نفسه وإذا أجري على موصوف فهو واحد في معنى صفته فإذا قيل الجزء الذي لا يتجزأ واحد أريد أنه واحد في نفسه وإذا قيل هذا الرجل إنسان واحد فهو واحد في معنى صفته وإذا وصف الله تعالى بأنه واحد فمعناه أنه المختص بصفات لا يشاركه فيها أحد غيره نحو كونه قادراً لنفسه عالماً حيّاً موجوداً كذلك والصمد السيد المعظم الذي يصمد إليه في الحوائج أي يقصد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: هو السيد الذي ينتهي إليه السؤدد قال الأسدي:
| **أَلا بَكَّــرَ النَّاعِي بِخَيْــرِيَ بَنِي أَسَدٍ** | | **بِعَمْروِ بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وقال الزبرقان:
| **وَلا رهينَــةً إلاّ السَّيِــد الصَّمَــدِ** | | |
| --- | --- | --- |
وقال رجل مصمد أي مقصود وكذلك بيت مصمد قال طرفة:
| **وَإنْ يَلْتَقِي الْحَيُّ الْجَمِيعُ تُلاقِني** | | **إلى ذِرْوَةِ الْبَيْتِ الرَّفِيعِ الْمُصَمَّدِ** |
| --- | --- | --- |
والكفو والكفىء والكفاء واحد وهو المثل والنظير قال النابغة:
| **لا تَقْذِفَنّي بِرُكْنٍ لا كِفاءَ لَهُ** | | **وَلـَـوْ تأَثَّفكَ الأعْـــداءُ بالـرَّفَــدِ** |
| --- | --- | --- |
وقال حسان:
| **وَجِبْرِيـــلُ رَسُولُ اللهِ مِنّـا** | | **وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفاءُ** |
| --- | --- | --- |
وقال آخر في الكفىء:
| **أَمـا كانَ عَبَّـادٌ كَفِيئاً لِدارِمٍ** | | **بَلى وَلأَبْياتِ بِهَا الْحُجُراتُ** |
| --- | --- | --- |
الإعراب: قال أبو علي: { قل هو الله أحد } يجوز في إعراب الله ضربان أحدهما: أن يكون خبر مبتدأ وذلك على قول من ذهب إلى أن هو كناية عن اسم الله تعالى ثم يجوز في قوله أحد ما يجوز في قولك زيد أخوك قائم والآخر: على قول من ذهب إلى أن هو كناية عن القصة والحديث فيكون اسم الله عنده مرتفعاً بالابتداء واحد خبره ومثله قوله تعالى**{ فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا }** [الأنبياء: 97] إلا أن هي جاءت على التأنيث لأن في التفسير اسماً مؤنثاً وعلى هذا جاء فإنها لا تعمي الأبصار وإذا لم يكن في التفسير مؤنث لم يؤنث ضمير القصة وقوله { الله الصمد } الله مبتدأ والصمد خبره ويجوز أن يكون الصمد صفة الله والله خبر مبتدأ محذوف أي هو الله الصمد ويجوز أن يكون الله الصمد خبراً بعد خبر على قول من جعل هو ضمير الأمر والحديث. { ولم يكن له كفواً أحد } قال: إن له ظرف غير مستقر وهو متعلق بكان وكفواً منتصب بأنه خبر متقدم كما كان قوله تعالى**{ وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }** [الروم: 47] كذلك وزعموا أن من البغداديين من يقول أن في يكن من قوله { ولم يكن له كفواً أحد } ضميراً مجهولاً وقوله { كفواً } ينتصب على الحال والعامل فيها له وهذا إذا أفردته عن يكن كان معناه له أحد كفواً وإذا حمل على هذا لم يسغ ووجه ذلك أنه محمول على معنى النفي فكأنه لم يكن أحد له كفواً كما كان قولهم ليس الطيب إلا المسك محمولاً على معنى النفي ولولا حمله على المعنى لم يجز ألا ترى أنك لو قلت زيد إلا منطلق لم يكن كلاماً فكما أن هذا محمول على المعنى كذلك له كفواً أحد محمول على المعنى وعلى هذا جاز أن يكون أحد فيه الذي يقع لعموم النفي ولولا ذلك لم يجز أن يقع أحد هذا في الإيجاب فإن قلت أيجوز أن يكون قوله تعالى { له } عندكم حالاً على أن يكون المعنى ولم يكن كفواً له أحد فيكون له صفة للنكرة فلما قدم صار في موضع الحال كقوله:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| **لِعَـــزَّةَ مُوحِشــــاً طَــلَـــلٌ قَــدِيــــمٌ** | | |
| --- | --- | --- |
فإن سيبويه قال إن ذلك يقل في الكلام وإن كثر في الشعر فإن حملته على هذا على استكراه كان غير ممتنع والعامل في قوله { له } إذا كان حالاً يجوز أن يكون أحد شيئين أحدهما: يكن والآخر: أن يكون ما في معنى كفواً من معنى المماثلة فإن قلت إن العامل في الحال إذا كان معنى لم يتقدم الحال عليه فإن له لما كان على لفظ الظرف والظرف يعمل فيه المعنى وإن تقدم عليه كقولك كل يوم لك ثوب كذلك يجوز في هذا الظرف وذلك من حيث كان ظرفاً وفيه ضمير في الوجهين يعود إلى ذي الحال وهو كفواً. النزول: قيل إن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فنزلت السورة عن أبي بن كعب وجابر. وقيل: **" أتى عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخو لبيد النبي صلى الله عليه وسلم وقال عامر: إلى ما تدعونا يا محمد فقال: " إلى الله " فقال: صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة أم من حديد أم من خشب فنزلت السورة وأرسل الله الصاعقة على أربد فأحرقته وطعن عامر في خنصره فمات "** عن ابن عباس. وقيل: جاء أناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد صف لنا ربك لعلَّنا نؤمن بك فإن الله أنزل نعته في التوراة فنزلت السورة وهي نسبة الله خاصة عن الضحاك وقتادة ومقاتل. وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال إن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أنسب لنا ربك فمكث ثلاثاً لا يجيبهم ثم نزلت السورة. وقريب منه ما ذكره القاضي في تفسيره **" أن عبد الله بن سلام انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنشدك بالله هل تجدني في التوراة رسول الله " فقال: أنعت لنا ربك فنزلت هذه السورة فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت سبب إسلامه إلاَّ أنه كان يكتم ذلك إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم أظهر الإسلام ".** المعنى: { قل هو الله أحد } هذا أمر من الله عزّ اسمه لنبّيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لجميع المكلفين هو الله الذي تحق له العبادة قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله عز وجل ومعناه الذي سألتم تبيين نسبته هو الله أحد أي واحد ويجوز أن يكون المعنى الأمر الله أحد لا شريك له ولا نظير.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: معناه واحد { ليس كمثله شيء } عن ابن عباس. وقيل: واحد في الإِلهية والقدم. وقيل: واحد في صفة ذاته لا يشركه في وجوب صفاته أحد فإنه يجب أن يكون موجوداً عالماً قادراً حياً ولا يكون ذلك واجباً لغيره. وقيل: واحد في أفعاله لأن أفعاله كلها إحسان لم يفعلها لجرّ نفع ولا لدفع ضرر فاختص بالوحدة من هذا الوجه إذ لا يشركه فيه سواه واحد في أنه لا يستحق العبادة سواه لأنه القادر على أصول النعم من الحياة والقدرة والشهوة وغير ذلك مما لا تكون النعمة نعمة إلاّ به ولا يقدر على شيء من ذلك غيره فهو أحد من هذه الوجوه الثلاثة. وقيل: إنما قال أحد ولم يقل واحد لأن الواحد يدخل في الحساب ويضم إليه آخر وأما الأحد فهو الذي لا يتجزأ ولا ينقسم في ذاته ولا في معنى صفاته ويجوز أن يجعل للواحد ثانياً ولا يجوز أن يجعل للأحد ثانياً لأن الأحد يستوعب جنسه بخلاف الواحد ألا ترى أنك لو قلت فلان لا يقاومه واحد جاز أن يقاومه اثنان ولما قلت لا يقاومه أحد لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر فهو أبلغ. وقال أبو جعفر الباقر ع في معنى { قل هو الله أحد } أي { قل } أظهر ما أوحينا إليك وما نبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها عليك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد وهو اسم مكنى مشار إلى غائب فالهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس كما أن قولك هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة إلى المشاهد المدرك فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة بالأبصار فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه فأنزل الله سبحانه { قل هو الله أحد } فالهاء تثبيت للثابت والواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وأنه يتعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواس وحدثني أبي عن أبيه عن أمير المؤمنين ع أنه قال رأيت الخضر في المنام قبل بدر بليلة فقلت له علّمني شيئاً أنتصر به على الأعداء فقال قل يا هو يا من لا هو إلا هو فلما أصبحت قصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا علي علمت الاسم الأعظم فكان على لساني يوم بدر قال وقرأ ع يوم بدر { قل هو الله أحد } فلما فرغ قال يا هو يا من لا هو إلا هو إغفر لي وانصرني على القوم الكافرين وكان يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد فقال له عمار بن ياسر يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات قال اسم الله الأعظم وعماد التوحيد الله لا إله إلا هو ثم قرأ
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم }** [آل عمران: 18] وآخر الحشر ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال. قال وقال أمير المؤمنين ع: الله معناه المعبود الذي يُؤَلَّهُ فيه الخلق ويؤله إليه الله المستور عن إدراك الأبصار المحجوب عن الأوهام والخطرات وقال الباقر ع: الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن إدراك ماهيته والإِحاطة بكيفيته وتقول العرب أله الرجل إذا تحيَّر في الشيء فلم يحط به علماً ووله إذا فزع إلى شيء قال والأحد الفرد المتفرد والأحد والواحد بمعنى واحد وهو المتفرد الذي لا نظير له والتوحيد الإِقرار بالوحدة وهو الانفراد والواحد المباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء ومن ثم قالوا إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله { الله أحد } أي المعبود الذي يسأله الخلق عن إدراكه والإِحاطة بكيفيته فرد بإلهيته متعال عن صفات خلقه. { الله الصمد } قال الباقر ع: حدثني أبي زين العابدين ع عن أبيه الحسين بن علي ع أنه قال: الصمد الذي قد انتهى سؤدده والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال والصمد الذي لا جوف له والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب والصمد الذي لا ينام وأقول إن المعنى في هذه الثلاثة أنه سبحانه الحي الذي لا يحتاج إلى الطعام والشراب والنوم قال الباقر ع: والصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه قال وكان محمد بن الحنفية يقول الصمد القائم بنفسه الغني عن غيره وقال غيره: الصمد المتعالي عن الكون والفساد والصمد الذي لا يوصف بالنظائر قال وسئل علي بن الحسين زين العابدين ع عن الصمد فقال: الصمد الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء وقال أبو البختري وهب بن وهب القرشي: قال زيد بن علي ع: الصمد الذي إذا أراد شيئاً أي يقول له كن فيكون والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضداداً وأصنافاً وأشكالاً وأزواجاً وتفرد بالوحدة بلا ضدَّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ. قال وهب بن وهب: وحدثني الصادق جعفر بن محمد ع عن أبيه الباقر ع أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي ع يسألونه عن الصمد فكتب إليهم بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" من قال في القرآن بغير علم فليتبوّء مقعده من النار "** وإن الله قد فسَّر سبحانه الصمد فقال { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } { لم يلد } لم يخرج منه شيء كثيف كالولد ولا سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا ينبعث منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والغم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسآمة والجوع والشبع تعالى أن يخرج منه شيء وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف. { ولم يولد } أي ولم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الأذن والشم من الأنف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتمييز من القلب والنار من الحجر لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الأشياء وخالقها ومنشىء الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. { ولم يكن له كفواً أحد } قال وهب بن وهب: سمعت الصادق ع يقول وفد من فلسطين على الباقر ع فسألوه عن مسائل فأجابهم عنها ثم سألوه عن الصمد فقال تفسيره فيه الصمد خمسة أحرف فالألف دليل على أنيته وهو قوله عز وجل**{ شهد الله أنه لا إله إلا هو }** [آل عمران: 18] وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس. واللام دليل على إلاهيته بأنه هو الله والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلاهيته بلطفه خافية لا يدرك بالحواس ولا يقع في لسان واصف ولا أذن سامع لأن تفسير الإِله هو الله الذي أله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحسّ أو بوهم لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس وإنما يظهر ذلك عند الكتابة فهو دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة وإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا يتبيّن ولا يدخل في حاسة من حواسه الخمس فلما نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف فمتى تفكر العبد في ماهية الباري وكيفيته أله وتحيَّر ولم تحط فكرته بشيء يتصور له لأنه تعالى خالق الصور وإذا نظر إلى خلقه ثبت تله أنه عز وجل خالقهم ومركب أرواحهم في أجسادهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأما الصاد فدليل على أنه سبحانه صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ووعدنا بالصدق وأراد الصدق وأما الميم فدليل على ملكه وأنه الملك الحق المبين لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه وأما الدال فدليل على دوام ملكه وأنه دائم تعالى عن الكون والزوال بل هو الله عز وجل مكوّن الكائنات الذي كان بتكوينه كل كائن ثم قال ع: لو وجدت لعلمي الذي أتاني الله حملةً لنشرت التوحيد والإِسلام والدين والشرائع من الصمد وكيف لي بذلك ولم يجد جدّي أمير المؤمنين ع حملة لعلمه حتى كان يتنفس على الصعداء أو يقول على المنبر سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح مني علماً جماً هاه هاه ألا لا أجد من يحمله ألا وإن عليكم من الله الحجة البالغة فلا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور. وعن عبد خير قال سأل رجل علياً ع عن تفسير هذه السورة فقال قل هو الله أحد بلا تأويل عدد الصمد بلا تبعيض بدد لم يلد فيكون موروثاً هالكاً ولم يولد فيكون إلهاً مشاركاً ولم يكن له من خلقه كفواً أحد وقال ابن عباس: { لم يلد } فيكون والداً { ولم يولد } فيكون ولداً. وقيل: { لم يلد } ولداً فيرث عنه ملكه { ولم يولد } فيكون قد ورث الملك عن غيره. وقيل: { لم يلد } فيدل على حاجته فإن الإنسان يشتهي الولد لحاجته إليه { ولم يولد } فيدل على حدوثه وذلك من صفة الأجسام وفي هذا ردّ على القائلين أن عزيراً والمسيح ابن الله وأن الملائكة بنات الله { ولم يكن له كفواً أحد } أي لم يكن له أحد كفواً أي عديلاً ونظيراً يماثله وفي هذا ردّ على من أثبت له مثلاً في القدم وغيره من الصفات. وقيل: معناه ولم تكن له صاحبة وزوجة فتلد منه لأن الولد يكون من الزوجة فكنّى عنها بالكفوء لأن الزوجة تكون كفواً لزوجها. وقيل: إنه سبحانه بيَّن التوحيد بقوله { الله أحد } وبيَّن العدل بقوله { الله الصمد } وبيَّن ما يستحيل عليه من الوالد والولد بقوله { لم يلد ولم يولد } وبيَّن ما لا يجوز عليه من الصفات بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } وفيه دلالة على أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو في مكان ولا جهة وقال بعض أرباب اللسان وجدنا أنواع الشرك ثمانية النقص والتقلب والكثرة والعدد وكونه علة أو معلولاً والأشكال والأضداد فنفى الله سبحانه عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله { قل هو الله أحد } ونفى التقلب والنقص بقوله { الله الصمد } ونفى العلة والمعلول بقوله { لم يلد ولم يولد } ونفى الأشكال والأضداد بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } فحصلت الوحدانية البحت.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروى عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية واستعمل عليها علياً ع فلما رجعوا سألهم عن علي ع فقالوا كل خير غير أنه كان يقرأ في أثناء كل صلاة بقل هو الله أحد فقال لم فعلتَ يا علي هذا فقال لحبّي قل هو الله أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: **" ما أحببتها حتى أحبَّك الله عز وجل "** ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف عند آخر كل آية من هذه السورة وروى الفضيل بن يسار قال أمرني أبو جعفر أن أقرأ { قل هو الله أحد } وأقول إذا فرغت منها كذلك الله ربي ثلاثاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) | قبل الخوض في التفسير لا بد من تقديم فصول: الفصل الأول: روى أبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ سورة قل هو الله أحد، فكأنما قرأ ثلث القرآن وأعطى من الأجر عشر حسنات بعدد من أشرك بالله وأمن بالله "** وقال عليه الصلاة والسلام: **" من قرأ قل هو الله أحد مرة واحدة أعطى من الأجر كمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وأعطى من الأجر مثل مائة شهيد "** وروى: **" أنه كان جبريل عليه السلام مع الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أقبل أبو ذر الغفاري، فقال جبريل: هذا أبو ذر قد أقبل، فقال عليه الصلاة والسلام: أو تعرفونه؟ قال: هو أشهر عندنا منه عندكم، فقال عليه الصلاة والسلام: بماذا نال هذه الفضيلة؟ قال لصغره في نفسه وكثرة قراءته قل هو الله أحد "** وروى أنس قال: **" كنا في تبوك فطلعت الشمس مالها شعاع وضياء وما رأيناها على تلك الحالة قط قبل ذلك فعجب كلنا، فنزل جبريل وقال: إن الله أمر أن ينزل من الملائكة سبعون ألف ملك فيصلوا على معاوية بن معاوية، فهل لك أن تصلي عليه ثم ضرب بجناحه الأرض فأزال الجبال وصار الرسول عليه الصلاة والسلام كأنه مشرف عليه فصلى هو وأصحابه عليه، ثم قال: بم بلغ ما بلغ؟ فقال جبريل: كان يحب سورة الإخلاص "** وروى: **" أنه دخل المسجد فسمع رجلاً يدعو ويقول أسألك يا ألله يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: غفر لك غفر لك غفر لك ثلاث مرات "** وعن سهل بن سعد: **" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الفقر فقال: إذا دخلت بيتك فسلم إن كان فيه أحد وإن لم يكن فيه أحد فسلم على نفسك، واقرأ قل هو الله أحد مرة واحدة ففعل الرجل فأدر الله عليه رزقاً حتى أفاض على جيرانه "** وعن أنس: **" أن رجلاً كان يقرأ في جميع صلاته: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فسأله الرسول عن ذلك فقال: يا رسول الله إني أحبها، فقال: حبك إياها يدخلك الجنة "** وقيل من قرأها في المنام: أعطي التوحيد وقلة العيال وكثرة الذكر لله، وكان مستجاب الدعوة. الفصل الثاني: في سبب نزولها وفيه وجوه الأول: أنها نزلت بسبب سؤال المشركين، قال الضحاك: إن المشركين أرسلوا عامر بن الطفيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: شققت عصانا وسببت آلهتنا، وخالفت دين آبائك، فإن كنت فقيراً أغنيناك، وإن كنت مجنوناً داويناك، وإن هويت امرأة زوجناكها، فقال عليه الصلاة والسلام:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" لست بفقير، ولا مجنون، ولا هويت امرأة، أنا رسول الله أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته، "** فأرسلوه ثانية وقالوا: قل له بين لنا جنس معبودك، أمن ذهب أو فضة، فأنزل الله هذه السورة، فقالوا له: ثلثمائة وستون صنماً لا تقوم بحوائجنا، فكيف يقوم الواحد بحوائج الخلق؟ فنزلت: { وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ } إلى قوله:**{ إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ }** [الصافات: 1-4] فأرسلوه أخرى، وقالوا: بين لنا أفعاله فنزل:**{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ }** [الأعراف:54] الثاني: أنها نزلت بسبب سؤال اليهود روى عكرمة عن ابن عباس، أن اليهود جاؤا إلى رسول الله ومعهم كعب بن الأشرف، فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فغضب نبي الله عليه السلام فنزل جبريل فسكنه، وقال: اخفض جناحك يا محمد، فنزل: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فلما تلاه عليهم قالوا: صف لنا ربك كيف عضده، وكيف ذراعه؟ فغضب أشد من غضبه الأول، فأتاه جبريل بقوله:**{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }** [الأنعام: 91] الثالث: أنها نزلت بسبب سؤال النصارى، روى عطاء عن ابن عباس، قال: قدم وفد نجران، فقالوا: صف لنا ربك أمن زبرجد أو ياقوت، أو ذهب، أو فضة؟ فقال: **" إن ربي ليس من شيء لأنه خالق الأشياء "** فنزلت: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قالوا: هو واحد، وأنت واحد، فقال: ليس كمثله شيء، قالوا: زدنا من الصفة، فقال: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فقالوا: وما الصمد؟ فقال: الذي يصمد إليه الخلق في الحوائج، فقالوا: زدنا فنزل: { لَمْ يَلِدْ } كما ولدت مريم: { وَلَمْ يُولَدْ } كما ولد عيسى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يريد نظيراً من خلقه. الفصل الثالث: في أساميها، اعلم أن كثرة الألقاب تدل على مزيد الفضيلة، والعرف يشهد لما ذكرناه فأحدها: سورة التفريد وثانيها: سورة التجريد وثالثها: سورة التوحيد ورابعها: سورة الإخلاص لأنه لم يذكر في هذه السورة سوى صفاته السلبية التي هي صفات الجلال، ولأن من اعتقده كان مخلصاً في دين الله، ولأن من مات عليه كان خلاصه من النار، ولأن ما قبله خلص في ذم أبي لهب فكان جزاء من قرأه أن لا يجمع بينه وبين أبي لهب وخامسها: سورة النجاة لأنها تنجيك عن التشبيه والكفر في الدنيا، وعن النار في الآخرة وسادسها: سورة الولاية لأن من قرأها صار من أولياء الله ولأن من عرف الله على هذا الوجه فقد والاه فبعد محنة رحمة كما بعد منحة نعمة وسابعها: سورة النسبة لما روينا أنه ورد جواباً لسؤال من قال: أنسب لنا ربك، ولأنه عليه السلام قال لرجل من بني سليم: **" يا أخا بني سليم استوص بنسبة الله خيراً "** وهو من لطيف المباني، لأنهم لما قالوا: انسب لنا ربك، فقال: نسبة الله هذا والمحافظة على الأنساب من شأن العرب، وكانوا يتشددون على من يزيد في بعض الأنساب أو ينقص، فنسبة الله في هذه السورة أولى بالمحافظة عليها وثامنها: سورة المعرفة لأن معرفة الله لا تتم إلا بمعرفة هذه السورة، روى جابر أن رجلاً صلى فقرأ: قل هو الله أحد فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن هذا عبد عرف ربه فسميت سورة المعرفة لذلك وتاسعها: سورة الجمال قال عليه الصلاة والسلام:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" إن الله جميل يحب الجمال "** فسألوه عن ذلك فقال: أحد صمد لم يلد ولم يولد لأنه إذا لم يكن واحداً عديم النظير جاز أن ينوب ذلك المثل منابه وعاشرها: سورة المقشقشة، يقال: تقشيش المريض مما به، فمن عرف هذا حصل له البرء من الشرك والنفاق لأن النفاق مرض كما قال:**{ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ }** [التوبة: 10] الحادي عشر: المعوذة، روى أنه عليه السلام دخل على عثمان بن مظعون فعوذه بها وباللتين بعدها، ثم قال: **" نعوذ بهن فما تعوذت بخير منها "** والثاني عشر: سورة الصمد لأنها مختصة بذكره تعالى والثالث عشر: سورة الأساس، قال عليه الصلاة والسلام: **" أسست السموات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد "** ومما يدل عليه أن القول بالثلاثة سبب لخراب السموات والأرض بدليل قوله:**{ تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ }** [مريم: 90] فوجب أن يكون التوحيد سبباً لعمارة هذه الأشياء وقيل السبب فيه معنى قوله تعالى:**{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }** [الأنبياء: 22] الرابع عشر: سورة المانعة روى ابن عباس أنه تعالى قال: لنبيه حين عرج به أعطيتك سورة الإخلاص وهي من ذخائر كنوز عرشي، وهي المانعة تمنع عذاب القبر ولفحات النيران الخامس عشر: سورة المحضر لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت السادس عشر: المنفرة لأن الشيطان ينفر عند قراءتها السابع عشر: البراءة لأنه روي أنه عليه السلام رأى رجل يقرأ هذه السورة، فقال: أما هذا فقد برىء من الشرك، وقال عليه السلام: من قرأ سورة قل هو الله أحد مائة مرة في صلاة أو في غيرها كتبت له براءة من النار الثامن عشر: سورة المذكرة لأنها تذكر العبد خالص التوحيد فقراءة السورة كالوسمة تذكرك ما تتغافل عنه مما أنت محتاج إليه التاسع عشر: سورة النور قال الله تعالى:**{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ }** [النور: 35] فهوالمنور للسموات والأرض، والسورة تنور قلبك وقال عليه السلام: **" إن لكل شيء نور ونور القرآن قل هو الله أحد "** ونظيره أن نور الإنسان في أصغر أعضائه وهو الحدقة، فصارت السورة للقرآن كالحدقة للإنسان العشرون: سورة الأمان قال عليه السلام: **" إذا قال العبد لا إله إلا الله دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
الفصل الرابع: في فضائل هذه السورة وهي من وجوه الأول: اشتهر في الأحاديث أن قراءة هذه السورة تعدل قراءة ثلث القرآن، ولعل الغرض منه أن المقصود الأشرف من جميع الشرائع والعبادات، معرفة ذات الله ومعرفة صفاته ومعرفة أفعاله، وهذه السورة مشتملة على معرفة الذات، فكانت هذه السورة معادلة لثلث القرآن، وأما سورة: { قُلْ يا أَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } فهي معادلة لربع القرآن، لأن المقصود من القرآن إما الفعل وإما الترك وكل واحد منهما فهو إما في أفعال القلوب وإما في أفعال الجوارح فالأقسام أربعة، وسورة: { قُلْ يا أَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } لبيان ما ينبغي تركه من أفعال القلوب، فكانت في الحقيقة مشتملة على ربع القرآن، ومن هذا السبب اشتركت السورتان أعني: { قُلْ يا أَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } ، و: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } في بعض الأسامي فهما المقشقشتان والمبرئتان، من حيث إن كل واحدة منهما تفيد براءة القلب عما سوى الله تعالى، إلا أن: { قُلْ يا أَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } يفيد بلفظه البراءة عما سوى الله وملازمة الاشتغال بالله و: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يفيد بلفظه الاشتغال بالله وملازمة الإعراض عن غير الله أو من حيث إن: { قُلْ يا أَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } تفيد براءة القلب عن سائر المعبودين سوى الله، و: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تفيد براءة المعبود عن كل مالا يليق به الوجه الثاني: وهو أن ليلة القدر لكونها صدقاً للقرآن كانت خيراً من ألف شهر فالقرآن كله صدف والدر هو قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فلا جرم حصلت لها هذه الفضيلة الوجه الثالث: وهو أن الدليل العقلي دل على أن أعظم درجات العبد أن يكون قلبه مستنيراً بنور جلال الله وكبريائه، وذلك لا يحصل إلا من هذه السورة، فكانت هذه السورة أعظم السور، فإن قيل: فصفات الله أيضاً مذكورة في سائر السور، قلنا: لكن هذه السورة لها خاصية وهي أنها لصغرها في الصورة تبقى محفوظة في القلوب معلومة للعقول فيكون ذكر جلال الله حاضراً أبداً بهذا السبب، فلا جرم امتازت عن سائر السور بهذه الفضائل ولنرجع الآن إلى التفسير. قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن معرفة الله تعالى جنة حاضرة إذ الجنة أن تنال ما يوافق عقلك وشهوتك، ولذلك لم تكن الجنة جنة لآدم لما نازع عقله هواه، ولا كان القبر سجناً على المؤمن لأنه حصل له هناك ما يلائم عقله وهواه، ثم إن معرفة الله تعالى مما يريدها الهوى والعقل، فصارت جنة مطلقة، وبيان ما قلنا: أن العقل يريد أميناً تودع عنده الحسنات، والشهوة تريد غنياً يطلب منه المستلذات، بل العقل كالإنسان الذي له همة عالية فلا ينقاد إلا لمولاه، والهوى كالمنتجع الذي إذا سمع حضور غني، فإنه ينشط للانتجاع إليه، بل العقل يطلب معرفة المولى ليشكر له النعم الماضية والهوى يطلبها ليطمع منه في النعم المتربصة، فلما عرفاه كما أراده عالماً وغنياً تعلقا بذيله، فقال العقل: لا أشكر أحداً سواك، وقالت الشهوة: لا أسأل أحداً إلا إياك، ثم جاءت الشبهة فقالت: يا عقل كيف أفردته بالشكر ولعل له مثلاً؟ ويا شهوة كيف اقتصرت عليه ولعل ههنا باباً آخر؟ فبقي العقل متحيراً وتنغصت عليه تلك الراحة، فأراد أن يسافر في عالم الاستدلال ليفوز بجوهرة اليقين فكأن الحق سبحانه قال: كيف أنغص على عبدي لذة الاشتغال بخدمتي وشكري، فبعث الله رسوله وقال: لا تقله من عند نفسك، بل قل هو الذي عرفته صادقاً يقول لي: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فعرفك الوحدانية بالسمع وكفاك مؤنة النظر والاستدلال بالعقل، وتحقيقه أن المطالب على ثلاثة أقسام قسم منها لا يمكن الوصول إليه بالسمع وهو كل ما تتوقف صحة السمع على صحته كالعلم بذات الله تعالى وعلمه وقدرته وصحة المعجزات، وقسم منها لا يمكن الوصول إليه إلا بالسمع وهو وقوع كل ما علم بالعقل والسمع معاً، وهو كالعلم بأنه واحد وبأنه مرئي إلى غيرهما، وقد استقصينا في تقرير دلائل الوحدانية في تفسير قوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }** [الأنبياء: 22]. المسألة الثانية: اعلم أنهم أجمعوا على أنه لا بد في سورة: { قُلْ يا أَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } من قل وأجمعوا على أنه لا يجوز لفظ قل في سورة: { تُبْتُ } وأما في هذه السورة فقد اختلفوا، فالقراءة المشهورة: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وقرأ أبي وابن مسعود. بغير قل هكذا: { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم، بدون قل هو هكذا: { ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فمن أثبت قل قال: السبب فيه بيان أن النظم ليس في مقدوره، بل يحكي كل ما يقال له، ومن حذفه قال: لئلا يتوهم أن ذلك ما كان معلوماً للنبي عليه الصلاة والسلام. المسألة الثالثة: اعلم أن في إعراب هذه الآية وجوهاً أحدها: أن هو كناية عن اسم الله، فيكون قوله: الله مرتفعاً بأنه خبر مبتدأ، ويجوز في قوله: { أَحَدٌ } ما يجوز في قولك: زيد أخوك قائم الثاني: أن هو كناية عن الشأن، وعلى هذا التقرير يكون الله مرتفعاً بالابتداء وأحد خبره، والجملة تكون خبراً عن هو، والتقدير الشأن والحديث: هو أن الله أحد، ونظيره قوله:**{ فَإِذَا هِىَ شَـٰخِصَةٌ أَبْصَـٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }** [الأنبياء: 97] إلا أن هي جاءت على التأنيث، لأن في التفسير: اسماً مؤنثاً، وعلى هذا جاء:**{ فَإِنَّهَا لاَ تعمى ٱلأَبْصَـٰرِ }** [الحج: 46] أما إذا لم يكن في التفسير مؤنث لم يؤنث ضمير القصة، كقوله:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً }** [طه: 74] والثالث: قال الزجاج: تقدير هذه الآية أن هذا الذي سألتم عنه هو الله أحد. المسألة الرابعة: في أحد وجهان أحدهما: أنه بمعنى واحد، قال الخليل: يجوز أن يقال: أحد إثنان وأصل أحد وحد إلا أنه قلبت الواو همزة للخفيف وأكثر ما يفعلون هذا بالواو المضمومة، والمكسورة كقولهم: وجوه وأجوه وسادة وأسادة والقول الثاني: أن الواحد والأحد ليسا اسمين مترادفين قال الأزهري: لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى لا يقال: رجل أحد ولا درهم أحدكما يقال: رجل واحد أي فرد به بل أحد صفة من صفات الله تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء. ثم ذكروا في الفرق بين الواحد والأحد وجوهاً أحدها: أن الواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه وثانيها: أنك إذا قلت: فلان لا يقاومه واحد، جاز أن يقال: لكنه يقاومه إثنان بخلاف الأحد، فإنك لو قلت: فلان لا يقاومع أحد لا يجوز أن يقال: لكنه يقاومه إثنان وثالثها: أن الواحد يستعمل في الإثبات والأحد في النفي، تقول في الإثبات رأيت رجلاً واحداً وتقول في النفي: ما رأيت أحداً فيفيد العموم. المسألة الخامسة: اختلف القراء في قوله: { أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فقراءة العامة بالتنوين وتحريكه بالكسر هكذا أحدن الله، وهو القياس الذي لا إشكال فيه، وذلك لأن التنوين من أحد ساكن ولام المعرفة من الله ساكنة، ولما التقى ساكنان حرك الأول منهما بالكسر، وعن أبي عمرو، أحد الله بغير تنوين، وذلك أن النون شابهت حروف اللين في أنها تزاد كما يزدن فلما شابهتها أجريت مجراها في أن حذفت ساكنة لالتقاء الساكنين كما حذفت الألف والواو والياء لذلك نحو غزا القوم ويغزو القوم، ويرمي القوم، ولهذا حذفت النون الساكنة في الفعل نحو:**{ لَمْ يَكُ }** [الأنفال: 53]**{ فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ }** [هود: 17] فكذا ههنا حذفت في أحد الله لالتقاء الساكنين كما حذفت هذه الحروف. وقد ذكرنا هذا مستقصى عند قوله:**{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] وروي أيضاً عن أبي عمرو: { أَحَدٌ ٱللَّهِ } وقال: أدركت القراء يقرؤونها كذلك وصلا على السكون، قال أبو علي: قد تجري الفواصل في الإدراج مجراها في الوقف وعلى هذا قال من قال:**{ فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ \* رَبَّنَا }** [الأحزاب: 67،68]**{ وَمَا أَدْرَاكَ ماهيه \* نار }** [القارعة: 10،11] لما كان أكثر القراء فيما حكاه أبو عمرو على الوقف أجراه في الوصل مجراه في الوقف لاستمرار الوقف عليه وكثرته في ألسنتهم، وقرأ الأعمش: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ } فإن قيل: لماذا؟ قيل: أحد على النكرة، قال الماوردي: فيه وجهان أحدهما: حذف لام التعريف على نية إضمارها والتقدير قل: هو الله الأحد والثاني: أن المراد هو التنكير على سبيل التعظيم. المسألة السادسة: اعلم أن قوله: { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ألفاظ ثلاثة وكل واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات الطالبين فالمقام الأول: مقام المقربين وهو أعلى مقامات السائرين إلى الله وهؤلاء هم الذين نظروا إلى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي هي، فلا جرم ما رأوا موجوداً سوى الله لأن الحق هو الذي لذاته يجب وجوده، وأما ما عداه فممكن لذاته والممكن لذاته إذا نظر إليه من حيث هو هو كان معدوماً، فهؤلاء لم يروا موجوداً سوى الحق سبحانه، وقوله: { هُوَ } إشارة مطلقة والإشارة وإن كانت مطلقة إلا أن المشار إليه لما كان معيناً انصرف ذلك المطلق إلى ذلك المعين، فلا جرم كان قولنا: هو إشارة من هؤلاء المقربين إلى الحق سبحانه فلم يفتقروا في تلك الإشارة إلى مميز، لأن الافتقار إلى المميز إنما يحصل حين حصل هناك موجودان، وقد بينا أن هؤلاء ما شاهدوا بعيون عقولهم إلا الواحد فقط، فلهذا السبب كانت لفظة: { هُوَ } كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء، المقام الثاني: وهو مقام أصحاب اليمين وهو دون المقام الأول، وذلك لأن هؤلاء شاهدوا الحق موجوداً وشاهدوا الخلق أيضاً موجوداً، فحصلت كثرة في الموجودات فلا جرم لم يكن هو كافياً في الإشارة إلى الحق، بل لا بد هناك من مميز به يتميز الحق عن الخلق: فهؤلاء احتاجوا إلى أن يقرنوا لفظة هو، فقيل: لأجلهم هو الله، لأن الله هو الموجود الذي يفتقر إليه ما عداه، ويستغني هو عن كل ما عداه والمقام الثالث: وهو مقام أصحاب الشمال وهو أخس المقامات وأدونها، وهم الذين يجوزون أن يكون واجب الوجود أكثر من واحد وأن يكون الإله أكثر من واحد فقرن لفظ الأحد بما تقدم رداً على هؤلاء وإبطال لمقالاتهم فقيل: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وههنا بحث آخر أشرف وأعلى مما ذكرناه وهو أن صفات الله تعالى إما أن تكون إضافية وإما أن تكون سلبية، أما الإضافية فكقولنا: عالم، قادر مريد خلاق، وأما السلبية فكقولنا: ليس بجسم ولا بجوهر ولا بعرض والمخلوقات تدل أولا على النوع الأول من الصفات وثانياً على النوع الثاني منها، وقولنا: الله يدل على مجامع الصفات الإضافية، وقولنا: أحد يدل على مجامع الصفات السلبية، فكان قولنا: { ٱللَّهُ أَحَدٌ } تاماً في إفادة العرفان الذي يليق بالعقول البشرية، وإنما قلنا: إن لفظ الله يدل على مجامع الصفات الإضافية، وذلك لأن الله هو الذي يستحق العبادة، واستحقاق العبادة ليس إلا لمن يكون مستبداً بالإيجاد والإبداع والاستبداد بالإيجاد لا يحصل إلا لمن كان موصوفاً بالقدرة التامة والإرادة النافذة والعلم المتعلق بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات. وهذه مجامع الصفات الإضافة، وأما مجامع الصفات السلبية فهي الأحدية، وذلك لأن المراد من الأحدية كون تلك الحقيقة في نفسها مفردة منزهة عن أنحاء التركيب، وذلك لأن كل ماهية مركبة فهي مفتقرة إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته، فكل مركب فهو ممكن لذاته، فالإله الذي هو مبدأ لجميع الكائنات ممتنع أن يكون ممكناً، فهو في نفسه فرد أحد وإذا ثبتت الأحدية، وجب أن لا يكون متحيزاً لأن كل متحيز فإن يمينه مغاير ليساره، وكل ما كان كذلك فهو منقسم، فالأحد يستحيل أن يكون متحيزاً، وإذا لم يكن متحيزاً لم يكن في شيء من الأحياز والجهاد ويجب أن لا يكون حالاً في شيء، لأنه مع محله لا يكون أحداً، ولا يكون محلاً لشيء، لأنه مع حاله لا يكون أحداً، وإذا لم يكن حالا ولا محلاً لم يكن متغيراً ألبتة لأن التغير لا بد وأن يكون من صفة إلى صفة، وأيضاً إذا كان أحداً وجب أن يكون واحداً إذ لو فرض موجودان واجباً الوجود لاشتركا في الوجوب ولتمايزا في التعين وما به المشاركة غير ما به الممايزة فكل واحد منهما مركب، فثبت أن كونه أحداً يستلزم كونه واحداً فإن قيل: كيف يعقل كون الشيء أحداً، فإن كل حقيقة توصف بالأحدية فهناك تلك الحقيقة من تلك الأحدية ومجموعهما فذاك ثالث ثلاث لا أحد الجواب: أن الأحدية لازمة لتلك الحقيقة فالمحكوم عليه بالأحدية هو تلك الحقيقة لا المجموع الحاصل منها ومن تلك الأحدية، فقد لاح بما ذكرنا أن قوله: { ٱللَّهُ أَحَدٌ } كلام متضمن لجميع صفات الله تعالى من الإضافيات والسلوب وتمام الكلام في هذا الباب مذكور في تفسير قوله:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ }** [البقرة: 163].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي الواحد الوِتر، الذي لا شبيه له، ولا نظير ولا صاحبة، ولا ولد ولا شريك. وأصل «أَحَدٌ»: وَحَدٌ قُلِبت الواو همزة. ومنه قول النابغة:
| **بذِي الجَلِيلِ عَلى مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ** | | |
| --- | --- | --- |
وقد تقدّم في سورة «البقرة» الفرق بين واحِد وأَحَدٍ، وفي كتاب «الأَسْنَى، في شرح أسماء الله الحسنى» أيضاً مُسْتَوفًى. والحمدُ لله. و { أَحَدٌ } مرفوع، على معنى: هو أَحدٌ. وقيل: المعنى: قل: الأمرُ والشأن: اللَّهُ أَحَد. وقيل: «أَحَد» بدل من قوله: «الله». وقرأ جماعة «أَحَدُ اللَّه» بلا تنوين، طلباً للخفة، وفراراً منِ التقاء الساكنين ومنه قول الشاعر:
| **ولا ذاكـرَ اللَّهَ إلاّ قَـلِـيـلاَ** | | |
| --- | --- | --- |
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي الذي يُصْمَد إليه في الحاجات. كذا رَوَى الضحاك عن ابن عباس، قال: الذي يُصْمَد إليه في الحاجات كما قال عز وجل:**{ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }** [النحل: 53]. قال أهل اللغة: الصمد: السيد الذي يُصْمد إليه في النوازل والحوائج. قال:
| **أَلاَ بَكَّر الناعِي بِخيرِ بنِي أَسَدْ** | | **بعمرِو بن مَسْعُودٍ بالسيدِ الصَّمَد** |
| --- | --- | --- |
وقال قوم: الصَّمَدُ: الدائم الباقي، الذي لم يزل ولا يزال. وقيل: تفسيره ما بعده { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }. قال أُبَيُّ بنُ كَعْب: الصَّمَدُ: الذي لا يلِدُ ولا يُولَد لأنه ليس شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا يُورث. وقال عليّ وابن عباس أيضاً وأبو وائل شقِيق بن سلمة وسفيان: الصَّمَد: هو السيد الذي قد انتهى سُودَدُه في أنواع الشرف والسُّودَد ومنه قول الشاعر:
| **عَلَوتُهُ بحُسامٍ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ** | | **خُذْهَا حُذَيفَ فأنتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ** |
| --- | --- | --- |
وقال أبو هريرة: إنه المستغنِي عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد. وقال السدّيّ: إنه: المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب. وقال الحسين بن الفضل: إنه الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقال مقاتل: إنه: الكامل الذي لا عيب فيه ومنه قول الزبرِقان:
| **سِيروا جميعاً بِنِصفِ الليلِ واعتمِدُوا** | | **ولا رَهِينةَ إلاّ سَيِّدٌ صَمَدُ** |
| --- | --- | --- |
وقال الحسن وعِكرمة والضحاك وابن جُبير: الصَّمَد: المُصْمَتُ الّذي لا جَوْف له قال الشاعر:
| **شِهابُ حُرُوبٍ لا تَزالُ جِيادُه** | | **عَوَابِسَ يَعْلُكْن الشكِيمَ المُصَمَّدا** |
| --- | --- | --- |
قلت: قد أتينا على هذه الأقوال مبينة في الصَّمَد، في كتاب الأَسنَى وأن الصحيح منها ما شهد له الاشتقاق وهو القول الأوّل، ذكره الخَطَّابي. وقد أسقط مِن هذه السورة من أبعده الله وأخزاه، وجعل النار مقامه ومثواه، وقرأ «اللَّهُ الواحدُ الصَّمَدُ» في الصلاة، والناس يستمعون، فأَسْقَط: «قُلْ هو»، وزعم أنه ليس من القرآن. وغيَّر لفظ «أَحَدٍ»، وادعى أن هذا هو الصواب، والذي عليه الناس هو الباطل والمحال فأبطل معنى الآية لأن أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جواباً لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صِفْ لَنَا رَبَّك، أمِن ذهب هو أم مِن نحاس أم مِن صُفْر؟ فقال الله عز وجل رداً عليهم: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ففي «هُوَ» دلالة على موضع الردّ، ومكان الجواب، فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله عز وجل، والتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ورَوى الترمذي عن أُبيّ بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انْسُبْ لنا ربك فأنزل الله عز وجل: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }. والصَّمَد: الذي لم يلد ولم يُولَد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث. { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }: قال: لم يكن له شبيه ولا عدْل، وليس كمثله شيء. ورُوِي عن أبي العالية: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم فقالوا: انْسُب لنا رَبّك. قال: فأتاه جبريل بهذه السورة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فذكر نحوه، ولم يذكر فيه عن أُبيّ بن كعب، وهذا أصح قاله الترمذيّ. قلت: ففي هذا الحديث إثبات لفظ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وتفسير الصَّمَد، وقد تقدّم. وعن عكرمة نحوه. وقال ابن عباس: { لَمْ يَلِدْ } كما وَلَدَتْ مَرْيَم، ولم يُولد كما وُلِدَ عيسى وعُزَيرٌ. وهو رد على النصارى، وعلى من قال: عُزيرٌ ابن الله. { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي لم يكن له مِثلاً أحد. وفيه تقديم وتأخير تقديره: ولم يكن له كفواً أحد فقدّم خبر كان على اسمها، لينساقَ أواخرُ الآي على نظم واحد. وقرِىء «كُفُواً» بضم الفاء وسكونها. وقد تقدّم في «البقرة» أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوّله مضموم، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان إلا قوله تعالى:**{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا }** [الزخرف: 15] لِعِلة تقدّمت. وقرأ حفص «كفواً» مضموم الفاء غير مهموز. وكلها لغات فصيحة. القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة وفيه ثلاث مسائل: الأولى: ثبت في صحيح البخاريّ عن أبي سعيد الخُدْريّ: **" أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يردّدها فلما أصبح جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وكان الرجل يَتقالُّها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثُلُثَ القُرْآن» "** وعنه قال: **" قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أيعجِز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة» فشَقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطِيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: «اللَّهُ الواحدُ الصَّمد ثُلُثُ القرآن» "** خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه. وخرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" احْشِدوا فإني سأقرأ عليكُم ثلثَ القُرْآن»، فحشدَ مَنْ حَشَد ثم خرج نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبراً جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله. ثم خرج فقال:«إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن، أَلاَ إنّها تَعْدِل ثلثَ القرآن "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال بعض العلماء: إنها عَدَلَت ثلث القرآن لأجل هذا الاسم، الذي هو «الصَّمَد»، فإنه لا يوجد في غيرها من السُّور. وكذلك «أَحَدٌ». وقيل: إن القرآن أنزل أثلاثاً، ثلثاً منه أحكام، وثلثاً منه وعد ووعيد، وثلثاً منه أسماء وصفات وقد جمعت { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أحَدَ الأثلاث، وهو الأسماء والصّفات. ودل على هذا التأويل ما في صحيح مسلم، من حديث أبي الدرداء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: **" إن الله جلّ وعز جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } جزءاً من أجزاء القرآن "** وهذا نَصُّ وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص، والله أعلم. الثانية: روى مسلم عن عائشة: **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سَرِية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ { ـقُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «سَلُوهُ لأيّ شَيء يصْنع ذلك؟» فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحِبُّ أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخبروه أن الله عز وجل يحبه» "** وروى الترمذيّ **" عن أنس بن مالك قال: كان رجل من الأنصار يؤمّهم في مسجد قُباء، وكان كلما افتتح سورة يقرؤها لهم في الصلاة فقرأ بها، افتتح بـ { ـقُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك تقرأ بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تَجْزيك حتى تقرأَ بسُورة أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى؟ قال: ما أنا بتاركها وإن أحببتم أن أؤمّكم بها فعلت، وإن كرهتم تركتكم وكانوا يرونه أفضلهم، وكرهوا أن يؤمّهم غيره فلما أتاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: «يا فلان ما يمنعك مما يأمر به أصحابك؟ وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة»؟ فقال: يا رسول الله، إني أحبها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ حُبَّها أدْخَلَكَ الجَنَّة» "** قال: حديث حسن غريب صحيح. قال ابن العربيّ: «فكان هذا دليلا على أنه يجوز تكرار سورة في كل ركعة. وقد رأيت على باب الأسباط فيما يقرب منه، إماماً من جملة الثمانية والعشرين إماماً، كان يصلي فيه التراويح في رمضان بالأتراك فيقرأ في كل ركعة «الحمد لله» و«قل هو الله أحد» حتى يتِم التراويح تخفيفاً عليه، ورغبة في فضلها وليس من السنة ختم القرآن في رمضان».
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قلت: هذا نص قولِ مالك، قال مالك: وليس ختم القرآن في المساجد بسنة. الثالثة: روى الترمذيّ **" عن أنس بن مالك قال: أقبلت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت». قلت: وما وجبت؟ قال: «الجنة» "** قال: هذا حديث حسن صحيح. قال الترمذي: حدّثنا محمد بن مرزوق البصريّ قال حدّثنا حاتم بن ميمون أبو سهل عن ثابت البُنَانِيّ عن أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد، مُحِيَ عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دين "** وبهذا الإسناد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: **" من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه، ثم قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } مائة مرة، فإذا كان يومَ القيامة يقول الرب: يا عبدي، ادخل على يمينك الجنة "** قال: هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس. وفي مسند أبي محمد الدارميّ، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } خمسين مرة، غفرت له ذنوب خمسين سنة "** قال: وحدّثنا عبد الله بن يزيد قال: حدّثنا حَيْوة قال: أخبرني أبو عَقيل: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } عشر مرات بُنِي له قصر في الجنة. ومن قرأها عشرين مرة بُنِي له بها قصران في الجنة. ومن قرأها ثلاثين مرة بُنِي له بها ثلاثة قصور في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: واللَّهِ يا رسول الله إذاً لَنُكْثِرَنّ قصورنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أوسع من ذلك "** قال أبو محمد: أبو عقيل زُهْرة بن معبد، وزعموا أنه كان من الأبدال. وذكر أبو نَعِيم الحافظ من حديث أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قَرَأَ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } في مرضه الذي يموت فيه، لم يَفْتَن في قبره. وأمن من ضغطةِ القبر. وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها، حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة "** قال: هذا حديث غريب من حديث يزيد، تفرد به نصر بن حماد البَجَليّ. وذكر أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت الحافظ عن عيسى بن أبي فاطمة الرازي قَال سمعت مالك بن أنس يقول: إذا نُقِس بالناقوس اشتدّ غضب الرحمن، فتنزل الملائكة، فيأخذون بأقطار الأرض، فلا يزالون يقرؤون { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } حتى يسكُن غضبُه جل وعز.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وخَرّج من حديث محمد بن خالد الجَنَدِيّ عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من دخل يوم الجمعة المسجد، فصلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } خمسين مرة فذلك مائتا مرة في أربع ركعات، لم يَمُتْ حتى يرى منزله في الجنة أو يُرَى له "** وقال أبو عُمر مولى جرير بن عبد الله البجلِيّ، عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } حين يدخل منزله، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزِل وعن الجيران "** وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } مرة بورِك عليه، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى جميع جيرانه، ومن قرأها اثنتي عشرة بنى الله له اثني عشر قصراً في الجنة، وتقول الحفظة انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا، فإن قرأها مائة مرة كفّر الله عنه ذنوب خمسين سنة، ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها أربعمائة مرة كفر الله عنه ذنوب مائة سنة، ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له "** وعن سهل بن سعد الساعديّ قال: **" شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر وضيق المعيشة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخلتَ البيت فسلِّمْ إن كان فيه أحد، وإن لم يكن فيه أحد فسلم عليّ، واقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } مرة واحدة» ففعل الرجل فأدرّ الله عليه الرزق، حتى أفاض عليه جيرانه ".** **" وقال أنس: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتَبُوكَ، فطلعت الشمس بيضاء لها شعاع ونور، لم أرها فيما مضى طلعت قط كذلك، فأتى جبريل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جبريلُ، ما لي أرى الشمس طلعت بيضاء بشعاع لم أرها طلعت كذلك فيما مضى قط»؟ فقال: «ذلك لأن معاوية بن معاوية الليثي توفي بالمدينة اليوم، فبعث الله سبعين ألف ملك يُصَلُّون عليه». قال: «ومِمّ ذلك»؟ قال: «كان يكثر قراءة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } آناء الليل وآناء النهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض، فتصلي عليه»؟ قال: «نعم» فصلى عليه، ثم رجع "** ذكره الثعلبي، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) | مختلف فيها، وآيها أربع آيات بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الضمير للشأن كقولك: هو زيد منطلق وارتفاعه بالإِبتداء وخبره الجملة ولا حاجة إلى العائد لأنها هي هو، أو لما سُئِلَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أي الذي سألتموني عنه هو الله، إذ **" روي أن قريشاً قالوا: يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه فنزلت "** واحد بدل أو خبر ثان يدل على مجامع صفات الجلال كما دل الله على جميع صفات الكمال إذا الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد، وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية وقرىء «هو الله» بلا { قُلْ } مع الاتفاق على أنه لا بد منه في { قُلْ يا أَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } ، ولا يجوز في «تبت»، ولعل ذاك لأن سورة «الكافرون» مشاقة الرسول أو موادعته لهم و «تبت» معاتبة عمه فلا يناسب أن تكون منه، وأما هذا فتوحيد يقول به تارة ويؤمر بأن يدعو إليه أخرى.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } السيد المصمود إليه في الحوائج من صمد إليه إذا قصد، وهو الموصوف به على الإِطلاق فإنه يستغني عن غيره مطلقاً، وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته، وتعريفه لعلمهم بصمديته بخلاف أحديته وتكرير لفظة { ٱللَّهِ } للإشعار بأن من لم يتصف به لم يستحق الألوهية، وإخلاء الجملة عن العاطف لأنها كالنتيجة للأولى أو الدليل عليها.
{ لَمْ يَلِدْ } لأنه لم يجانس ولم يفتقر إلى ما يعينه أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والفناء عليه، ولعل الاقتصاد على لفظ الماضي لوروده رداً على من قال الملائكة بنات الله، أو المسيح ابن الله أو ليطابق قوله: { وَلَمْ يُولَدْ } وذلك لأنه لا يفتقر إلى شيء ولا يسبقه عدم.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي ولم يكن أحد يكافئه أو يماثله من صاحبة أو غيرها، وكان أصله أن يؤخر الظرف لأنه صلة { كُفُواً } لكن لما كان المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى قدم تقديماً للأهم، ويجوز أن يكون حالاً من المستكن في { كُفُواً } أو خبراً، ويكون { كُفُواً } حالاً من { أَحَدٌ } ، ولعل ربط الجمل الثلاث بالعطف لأن المراد منها نفي أقسام المكافأة فهي كجملة واحدة منبهة عليها بالجمل، وقرأ حمزة ويعقوب ونافع في رواية «كُفْواً» بالتخفيف، وحفص { كُفُواً } بالحركة وقلب الهمزة واواً، ولاشتمال هذه السور مع قصرها على جميع المعارف الإلهية والرد على من ألحد فيها، **" جاء في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن "** فإن مقاصده محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص ومن عدلها بكله اعتبر المقصود بالذات من ذلك.
وعنه صلى الله عليه وسلم، **" أنه سمع رجلاً يقرؤها فقال: «وجبت» "** قيل: يا رسول الله وما وجبت قال: **" وجبت له الجنة ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) | قد تقدم ذكر سبب نزولها، وقال عكرمة لما قالت اليهود نحن نعبد عزيراً ابن الله، وقالت النصارى نحن نعبد المسيح ابن الله، وقالت المجوس نحن نعبد الشمس والقمر، وقالت المشركون نحن نعبد الأوثان، أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا نديد ولا شبيه ولا عديل، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله. وقوله تعالى { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } قال عكرمة عن ابن عباس يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته. وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفء، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار. وقال الأعمش عن شقيق عن أبي وائل { ٱلصَّمَدُ } السيد الذي قد انتهى سؤدده، ورواه عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود مثله. وقال مالك عن زيد بن أسلم { ٱلصَّمَدُ } السيد، وقال الحسن وقتادة هو الباقي بعد خلقه، وقال الحسن أيضاً { ٱلصَّمَدُ } الحي القيوم الذي لا زوال له. وقال عكرمة الصمد الذي لم يخرج منه شيء، ولا يطعم. وقال الربيع بن أنس هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له، وهو قوله { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، وهو تفسير جيد، وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير عن أبي بن كعب في ذلك، وهو صريح فيه. وقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الله بن بريدة وعكرمة أيضاً، وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعطية العوفي والضحاك والسدي { ٱلصَّمَدُ } الذي لا جوف له. وقال سفيان عن منصور عن مجاهد { ٱلصَّمَدُ } المصمت الذي لا جوف له. وقال الشعبي هو الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب. وقال عبد الله بن بريدة أيضاً { ٱلصَّمَدُ } نور يتلألأ، روى ذلك كله وحكاه ابن أبي حاتم والبيهقي والطبراني، وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده، وقال حدثني العباس بن أبي طالب، حدثنا محمد بن عمرو بن رومي عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش، حدثنا صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال لا أعلم إلا قد رفعه، قال
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" الصمد الذي لا جوف له "** وهذا غريب جداً، والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة. وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له بعد إيراده كثيراً من هذه الأقوال في تفسير الصمد وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا عز وجل، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك. وقوله تعالى { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي ليس له ولد، ولا والد، ولا صاحبة. قال مجاهد { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يعني لا صاحبة له، وهذا كما قال تعالى**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ }** الأنعام 101 أي هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدس وتنزه، قال الله تعالى**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً لَّقَدْ أَحْصَـٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْداً }** مريم 88 ــــ 95. وقال تعالى**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ }** الأنبياء 26 ــــ 27 وقال تعالى**{ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }** الصافات 158 ــــ 159 وفي صحيح البخاري **" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يجعلون له ولداً، وهو يرزقهم ويعافيهم "** وقال البخاري حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال **" قال الله عز وجل كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي، فقوله اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد "** ورواه أيضاً من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعاً بمثله، تفرد بهما من هذين الوجهين. آخر تفسير سورة الإخلاص، ولله الحمد والمنة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) | { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فالله خبر «هو» و «أحد» بدل منه أو خبر ثان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) | قوله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الضمير يجوز أن يكون عائداً إلى ما يفهم من السياق لما قدمنا من بيان سبب النزول، وأن المشركين قالوا يا محمد انسب لنا ربك. فيكون مبتدأ، والله مبتدأ ثان. و { أحد } خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأوّل. ويجوز أن يكون { الله } بدلاً من { هو } ، والخبر { أحد }. ويجوز أن يكون الله خبراً أوّلاً، و { أحد } خبراً ثانياً، ويجوز أن يكون { أحد } خبراً لمبتدأ محذوف، أي هو أحد. ويجوز أن يكون { هو } ضمير شأن لأنه موضع تعظيم، والجملة بعده مفسرة له وخبر عنه، والأوّل أولى. قال الزجاج هو كناية عن ذكر الله، والمعنى إن سألتم تبيين نسبته { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }. قيل وهمزة { أحد } بدل من الواو، وأصله واحد. وقال أبو البقاء همزة { أحد } أصل بنفسها غير مقلوبة، وذكر أن أحد يفيد العموم دون واحد. ومما يفيد الفرق بينهما ما قاله الأزهري أنه لا يوصف بالأحدية غير الله تعالى، لا يقال رجل أحد، ولا درهم أحد كما يقال رجل واحد، ودرهم واحد، قيل والواحد يدخل في الأحد، والأحد لا يدخل فيه فإذا قلت لا يقاومه واحد جاز أن يقال لكنه يقاومه اثنان بخلاف قولك لا يقاومه أحد. وفرّق ثعلب بين واحد وبين أحد بأن الواحد يدخل في العدد وأحد لا يدخل فيه. وردّ عليه أبو حيان بأنه يقال أحد وعشرون، ونحوه، فقد دخله العدد، وهذا كما ترى، ومن جملة القائلين بالقلب الخليل. قرأ الجمهور { قل هو الله أحد } بإثبات { قل }. وقرأ عبد الله بن مسعود وأبيّ الله أحد بدون { قل }. وقرأ الأعمش قل هو الله الواحد وقرأ الجمهور بتنوين { أحد } ، وهو الأصل. وقرأ زيد بن عليّ، وأبان بن عثمان، وابن أبي إسحاق، والحسن، وأبو السماك، وأبو عمرو في رواية عنه بحذف التنوين للخفة، كما في قول الشاعر
| **عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل إن ترك التنوين لملاقاته لام التعريف، فيكون الترك لأجل الفرار من التقاء الساكنين. ويجاب عنه بأن الفرار من التقاء الساكنين قد حصل مع التنوين بتحريك الأوّل منهما بالكسر { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } الإسم الشريف مبتدأ، و { الصمد } خبره. والصمد هو الذي يصمد إليه في الحاجات، أي يقصد لكونه قادراً على قضائها، فهو فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض لأنه مصمود إليه، أي مقصود إليه، قال الزجاج الصمد السند الذي انتهى إليه السؤدد. فلا سيد فوقه، قال الشاعر
| **ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل معنى الصمد الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزول. وقيل معنى الصمد ما ذكر بعده من أنه الذي لم يلد ولم يولد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل هو المستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد. وقيل هو المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب، وهذان القولان يرجعان إلى معنى القول الأوّل. وقيل هو الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. وقيل هو الكامل الذي لا عيب فيه. وقال الحسن، وعكرمة، والضحاك، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعبد الله بن بريدة، وعطاء، وعطية العوفي، والسديّ، الصمد هو المصمت الذي لا جوف، ومنه قول الشاعر
| **شهاب حروب لا تزال جياده عوابس يعلكن الشكيم المصمدا** | | |
| --- | --- | --- |
وهذا لا ينافي القول الأوّل لجواز أن يكون هذا أصل معنى الصمد، ثم استعمل في السيد المصمود إليه في الحوائج، ولهذا أطبق على القول الأوّل أهل اللغة وجمهور أهل التفسير، ومنه قول الشاعر
| **علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيف فأنت السيد الصمد** | | |
| --- | --- | --- |
وقال الزبرقان بن بدر
| **سيروا جميعاً بنصف الليل واعتمدوا ولا رهينة إلاّ سيد صمد** | | |
| --- | --- | --- |
وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك، فهو بمعزل عن استحقاق الألوهية، وحذف العاطف من هذه الجملة لأنها كالنتيجة للجملة الأولى. وقيل إن الصمد صفة للاسم الشريف، والخبر هو ما بعده. والأوّل أولى لأن السياق يقتضي استقلال كل جملة. { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } أي لم يصدر عنه ولد، ولم يصدر هو عن شيء، لأنه لا يجانسه شيء، ولاستحالة نسبة العدم إليه سابقاً ولاحقاً. قال قتادة إن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله. وقالت اليهود عزير ابن الله. وقالت النصارى المسيح ابن الله، فأكذبهم الله فقال { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }. قال الرازي قدّم ذكر نفي الولد مع أن الولد مقدّم للاهتمام، لأجل ما كان يقوله الكفار من المشركين إن الملائكة بنات الله، واليهود عزير ابن الله، والنصارى المسيح ابن الله، ولم يدّع أحد أن له والداً، فلهذا السبب بدأ بالأهمّ، فقال { لَمْ يَلِدْ } ثم أشار إلى الحجة فقال { وَلَمْ يُولَدْ } ، كأنه قيل الدليل على امتناع الولد اتفاقنا على أنه ما كان ولداً لغيره، وإنما عبّر سبحانه بما يفيد انتفاء كونه لم يلد ولم يولد في الماضي، ولم يذكر ما يفيد انتفاء كونه كذلك في المستقبل لأنه ورد جواباً عن قولهم ولد الله، كما حكى الله عنهم بقوله**{ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ \* وَلَدَ ٱللَّهُ }** الصافات 151، 152 فلما كان المقصود من هذه الآية تكذيب قولهم، وهم إنما قالوا ذلك بلفظ يفيد النفي فيما مضى، وردت الآية لدفع قولهم هذا. { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } هذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها لأنه سبحانه إذا كان متصفاً بالصفات المتقدمة كان متصفاً بكونه لم يكافئه أحد، ولا يماثله ولا يشاركه في شيء، وأخر اسم كان لرعاية الفواصل، وقوله { له } متعلق بقوله { كفواً } قدم عليه لرعاية الاهتمام لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل إنه في محل نصب على الحال، والأوّل أولى. وقد ردّ المبرد على سيبويه بهذه الآية لأن سيبويه قال إنه إذا تقدّم الظرف كان هو الخبر، وههنا لم يجعل خبراً مع تقدّمه، وقد ردّ على المبرد بوجهين أحدهما أن سيبويه لم يجعل ذلك حتماً بل جوّزه. والثاني أنا لا نسلم كون الظرف هنا ليس بخبر، بل يجوز أن يكون خبراً ويكون كفواً منتصباً على الحال وحكى في الكشاف عن سيبويه على أن الكلام العربيّ الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقرّ، واقتصر في هذه الحكاية على نقل أوّل كلام سيبويه، ولم ينظر إلى أخره، فإنه قال في آخر كلامه والتقديم والتأخير والإلغاء، والاستقرار عربيّ جيد كثير. انتهى. قرأ الجمهور { كفواً } بضم الكاف والفاء، وتسهيل الهمزة، وقرأ الأعرج، وسيبويه، ونافع في رواية عنه بإسكان الفاء، وروي ذلك عن حمزة مع إبداله الهمزة واواً وصلاً ووقفاً، وقرأ نافع في رواية عنه كفأ بكسر الكاف، وفتح الفاء من غير مدّ. وقرأ سليمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس كذلك مع المد، وأنشد قول النابغة
| **لا تقذفني بركن لا كفاء له** | | |
| --- | --- | --- |
والكفء في لغة العرب النظير. يقول. هذا كفؤك أي نظيرك. والاسم الكفاءة بالفتح. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والمحاملي في أماليه، والطبراني، وأبو الشيخ في العظمة عن بريد لا أعلمه إلاّ رفعه. قال { ٱلصَّمَدُ } الذي لا جوف له، ولا يصح رفع هذا. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال { ٱلصَّمَدُ } الذي لا جوف له، وفي لفظ ليس له أحشاء. وأخرج ابن أبي عاصم، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن المنذر عنه قال { ٱلصَّمَدُ } الذي لا يطعم، وهو المصمت. وقال أو ما سمعت النائحة، وهي تقول
| **لقد بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** | | |
| --- | --- | --- |
وكان لا يطعم عند القتال، وقد روي عنه أن الذي يصمد إليه في الحوائج، وأنه أنشد البيت، واستدلّ به على هذا المعنى، وهو أظهر في المدح، وأدخل في الشرف، وليس لوصفه بأنه لا يطعم عند القتال كثير معنى. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال { ٱلصَّمَدُ } السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغنيّ الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفة لا تنبغي إلاّ له ليس له كفو وليس كمثله شيء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي عن ابن مسعود قال { ٱلصَّمَدُ } هو السيد الذي قد انتهى سؤدده، فلا شيء أسود منه. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال { ٱلصَّمَدُ } الذي تصمد إليه الأشياء إذا نزل بهم كربة أو بلاء. وأخرج ابن جرير من طرق عنه في قوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } قال ليس له كفو ولا مثل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ) | وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وذلك أن قريشاً قالوا يا محمد صف لنا ربك من أي شيء هو من ذهب أم من فضة فأنزل الله في بيان صفته ونعته فقال { قل } يا محمد لقريش هو الله أحد لا شريك له ولا ولد له { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } السيد الذي قد انتهى سؤدده واحتاج إليه الخلائق ويقال الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب ويقال الصمد الذي ليس بأجوف ويقال الصمد الصافي بلا عيب ويقال الصمد الدائم ويقال الصمد الباقي ويقال الصمد الكافي ويقال الصمد الذي ليس له مدخل ولا مخرج ويقال الصمد الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } يقول لم يرث ولم يورث ويقال لم يلد ليس له ولد فيرث ملكه ولم يولد وليس له والد فورث عنه الملك { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يقول لم يكن له كفواً أحد ليس له صد ولا ند ولا شبه ولا عدل ولا أحد يشاكله ويقال لم يكن له كفواً أحد فيعاذه في الملك والسلطان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وذلك أن قريشاً قالوا له صِفْ لنا ربَّك الذي تعبده وتدعونا إليه ما هو؟ فأنزل الله تعالى (قل هو الله أحد) يعني قل يا محمد للكفار إن ربي الذي أعبده (هو الله أحد) يعني فرد لا نظير له ولا شبيه له ولا شريك له ولا معين له ثم قال عز وجل { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } يعني الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، وقال السدي وعكرمة ومجاهد (الصمد) الذي لا جوف له، وعن قتادة قال كان إبليس لعنه الله ينظر إلى آدم - عليه السلام - ودخل في فيه وخرج من دبره يعني حين كان صلصالاً فقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال الصمد الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ويتضرعون إليه عند مسألتهم وقال أبو وايل (الصمد) السيد الذي انتهى سؤدده وكذلك قال سعيد بن جبير وقال الحسن البصري رضي الله عنه (الصمد) الدائم، وقال قتادة (الصمد) الباقي ويقال الكافي وقال محمد بن كعب القرظي (الصمد) الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ويقال (الصمد) التام في سؤدده وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال (الصمد) الذي لا يخاف من فوقه ولا يرجو من تحته ويُصْمَد إليه في الحوائج ثم قال عز وجل { لَمْ يَلِدْ } يعني لم يكن له ولد يرث ملكه. { وَلَمْ يُولَدْ } يعني لم يكن له والد يرث عنه ملكه { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يعني لم يكن له نظير ولا شريك فينازعه في عظمته وملكه وقال مقاتل إن مشركي العرب قالوا إن الملائكة كذا وكذا وقالت اليهود والنصارى في عزير والمسيح ما قالت فكذبهم الله تعالى وأبرأ نفسه مما قالوا فقال (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)، قرأ عاصم في رواية حفص كفواً بغير همزة وقرأ حمزة بسكوت الفاء مهموزاً والباقون بضم الفاء مهموزاً بهمزة وكل ذلك يرجع إلى معنى واحد وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال من قرأ (قل هو الله أحد) بعد صلاة الفجر إحدى عشرة مرة لم يلحقه ذنب يومئذ ولو اجتهد الشيطان
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال **" أيعجز أحدكم أن يقرأ القرآن في ليلة؟ "** فقيل يا رسول الله من يطيق ذلك؟ قال: **" أن يقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات "** ، وروي عن ابن شهاب عن الزهري رضي الله عنه قال بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال **" من قرأ قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن "** والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُو اللهُ أَحَدٌ } اختلف في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم هذا الله خَلَق الخلْق، فمن خلَقَ الله؟ فنزلت هذه السورة جواباً لهم، قاله قتادة.
الثاني: أن مشركي قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنزل الله هذه السورة، وقال: يا محمد انسبني إلى هذا، وهذا قول أُبي بن كعب.
الثالث: ما رواه أبو روق عن الضحاك أن المشركين أرسلوا عامر بن الطفيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قل له شققت عصانا وسببت آلهتنا وخالفت دين آبائك، فإن كنت فقيراً أغنيناك وإن كنت مجنوناً داويناك، وإن هويت امرأة زوجناكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لست بفقير ولا مجنون ولا هويت امرأة، أنا رسول الله إليكم، أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته "** ، أرسلوه ثانية وقالوا له: قل له بيّن لنا جنس معبودك، فأنزل الله هذه السورة، فأرسلوه ثالثة وقالوا: قل له لنا ثلاثمائة وستون صنماً لا تقوم بحوائجنا، فكيف يقوم إله واحِد بحوائج الخلق كلهم؟ فأنزل الله سورة الصافات إلى قوله { إن إلهاكم لواحد } يعني في جميع حوائجكم، فأرسلوه رابعة وقالوا: قل له بيّن لنا أفعال ربك، فأنزل الله تعالى: { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض } الآية، وقوله { الذي خلقكم ثم رزقكم }.
{ قل هو الله أحد } خرج مخرج جواب السائل عن الله تعالى، فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم { قل هو اللهُ أحَدٌ } والأحد: هو المتفرد بصفاته الذي لا مِثل له ولا شبه.
فإن قيل: فلم قال " أحَدٌ " على وجه النكرة، ولم يقل الأحَدُ؟ قيل عنه جوابان:
أحدهما: أنه حذف لام التعريف على نية إضمارها فصارت محذوفة في الظاهر، مثبتة في الباطن، ومعناه قل هو الله الأحد.
الثاني: أنه ليس بنكرة، وإنما هو بيان وترجمة، قاله المبرد.
فأما الأحد والواحد ففيهما وجهان:
أحدهما: أن الأحد لا يدخل العدد، والواحد يدخل في العدد، لأنك تجعل للواحد ثانياً، ولا تجعل للأحد ثانياً.
الثاني: أن الأحد يستوعب جنسه، والواحد لا يستوعب، لأنك لو قلت فلان لا يقاومه أحد، لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر، فصار الأحد أبلغ من الواحد.
وفي تسميتها بسورة الإخلاص ثلاثة أوجه:
أحدها: لأن في قراءتها خلاصاً من عذاب الله.
الثاني: لأن فيها إخلاص لله من كل عيب ومن كل شريك وولد، قاله عبد الله ابن المبارك.
الثالث: لأنها خالصة لله ليس فيها أمر ولا نهي.
{ اللَّهُ الصّمَدُ } فيه عشرة تأويلات:
أحدها: أن الصمد المصمت الذي لا جوف له، قاله الحسن وعكرمه والضحاك وابن جبير، قال الشاعر:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **شِهابُ حُروب لا تَزالُ جيادُه** | | **عوابسَ يعْلُكْنَ الشكيمَ المُصَمّدا** |
| --- | --- | --- |
الثاني: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، قاله الشعبي.
الثالث: أنه الباقي الذي لا يفنى، قاله قتادة، وقال الحسن: إنه الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
الرابع: هو الذي لم يلد ولم يولد، قاله محمد بن كعب.
الخامس: أنه الذي يصمد الناس إليه في حوائجهم، قاله ابن عباس، ومنه قول الشاعر:
| **ألا بكّر الناعي بخَيريْ بني أسدْ** | | **بعمرِو بن مَسعودٍ وبالسيّد الصَّمَد.** |
| --- | --- | --- |
السادس: أنه السيد الذي قد انتهى سؤدده، قاله أبو وائل وسفيان وقال الشاعر:
| **عَلوْتُه بحُسامٍ ثم قلت له** | | **خُذْها حُذَيْفَ فأنت السيّد الصَّمَدُ.** |
| --- | --- | --- |
السابع: أنه الكامل الذي لا عيب فيه، قاله مقاتل، ومنه قول الزبرقان:
| **ساروا جَميعاً بنصْفِ الليلِ واعْتَمدوا** | | **ألاّ رهينةَ إلا السيّدُ الصَمَدُ.** |
| --- | --- | --- |
الثامن: أنه المقصود إليه في الرغائب، والمستغاث به في المصائب، قاله السدي.
التاسع: أنه المستغني عن كل أحد قاله أبو هريرة.
العاشر:أنه الذي يفعل مايشاء ويحكم بما يريد، قاله الحسين بن فضيل.
{ لم يَلِدْ ولم يُولَدْ } فيه وجهان:
أحدهما: لم يلد فيكون والداً، ولم يولد فيكون ولداً، قاله ابن عباس.
الثاني: لم يلد فيكون في العز مشاركاً، ولم يولد فيكون موروثاً هالكاً، قاله الحسين بن فضيل.
وإنما كان كذلك لأمرين:
أحدهما: أن هاتين صفتا نقص فانتفتا عنه.
الثاني: أنه لا مثل له، فلو وَلَدَ أو وُلدِ لصار ذا مثل، والله تعالى منزه عن أن يكون له مثل.
{ ولم يَكُن له كُفُواً أَحَدٌ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لم يكن له مثل ولا عديل، قاله أبي بن كعب وعطاء.
الثاني: يعني لم تكن له صاحبة، فنفى عنه الولد والوالدة والصاحبة، قاله مجاهد.
الثالث: أنه لا يكافئه في خلقه أحد، قاله قتادة وفيه تقديم وتأخير، تقديره: ولم يكن له أحدٌ كُفواً، فقدم خبر كان على اسمها لتنساق أواخر الآي على نظم واحد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) | { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } روى أبو العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربَّك، فأنزل الله تعالى هذه السورة. وروى أبو ظبيان وأبو صالح عن ابن عباسٍ: **" أن عامر بن الطفيل وأَرْبَدَ بنَ ربيعةَ أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: إلاَمَ تدعونا يا محمد؟ قال: إلى الله قال: صِفْهُ لنا أمن ذهب هو؟ أم من فضة؟ أم من حديد؟ أم من خشب؟ فنزلت هذه السورة "** فأهلك الله أربد بالصاعقة وعامر بن الطفيل بالطاعون. وقد ذكرناه في سورة الرعد. وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: جاء ناسٌ من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: صِفْ لنا ربك يا محمد لعلَّنا نؤمن بك، فإن الله أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شيء هو؟ وهل يأكل ويشرب؟ ومن يرث منه؟ فأنزل الله هذه السورة. { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي واحد، ولا فرق بين الواحد والأحد، يدل عليه قراءة ابن مسعود: قل هو الله الواحد. { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ، قال ابن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير: " الصمد " الذي لا جوف له. قال الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشرب. وقيل: تفسيره ما بعده روى أبو العالية عن أُبيّ بن كعب قال: " الصمد " الذي لم يلد ولم يولد لأن من يولد سيموت ومن يرث يورث منه. قال أبو وائل شقيقُ بن سلمة: هو السيد الذي قد انتهى سُؤدُده وهو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع السؤدد. وعن سعيد بن جبير أيضاً: هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله. وقيل: هو السيد المقصود في الحوائج. وقال السدي: هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب، تقول العرب: صمدت فلاناً أصمده صمْداً - بسكون الميم - إذا قصدته، والمقصود: صمَد بفتح الميم. وقال قتادة: " الصمد " الباقي بعد فناء خلقه. وقال عكرمة: " الصمد " الذي ليس فوقه أحد، وهو قول علي. وقال الربيع: الذي لا تعتريه الآفات. قال مقاتل بن حيان: الذي لا عيب فيه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) | قرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود والربيع بن خيثم: " قل هو الله أحد الواحد الصمد " ، وروى أبي بن كعب أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربه تعالى عما يقول الجاهلون فنزلت هذه السورة، وروى ابن عباس أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها، فارتعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشياً عليه ونزل عليه جبريل بهذه السورة، وقال أبو العالية قال قتادة: الأحزاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأتاه الوحي بهذه السورة، و { أحد } معناه: فرد من جميع جهات الوحدانية، ليست كمثله شيء، وهو ابتداء و { الله } ابتداء ثان و { أحد } خبره، والجملة خبر الأول، وقيل: { هو } ابتداء و { الله } خبره و { أحد } بدل منه، وحذف أبو عمرو التنوين من { أحد } لالتقاء الساكنين " أحدُ الله " وأثبتها الباقون مكسورة للالتقاء، وأما وفقهم كلهم فبسكون الدال، وقد روي عن أبي عمرو: الوصل بسكون الدال، وروي عنه أيضاً تنوينها، و { الصمد } في كلام العرب السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويستقل بها، وأنشدوا: [الطويل]
| **ألا بكر الناعي بخير بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
وبهذا تفسر هذه الآية لأن الله جلت قدرته هو موجود الموجودات، وإليه تصمد به قوامها، ولا غني بنفسه إلا هو تبارك وتعالى، وقال كثير من المفسرين: { الصمد } الذي لا جوف له، كأنه بمعنى المصمت، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وفي هذا التفسير كله نظر، لأن الجسم في غاية البعد عن صفات الله تعالى. فما الذي تعطينا هذه العبارات، و { الله الصمد } ابتداء وخبر، وقيل: { الصمد } نعت، والخبر فيما بعد، وقوله تعالى: { لم يلد ولم يولد } رد على إشارة الكفار في النسب الذي سألوه، وقال ابن عباس: تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في ذات الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد: لأن الأفهام تقف دون ذلك حسيرة، والمؤمنون يعرفون الله تعالى بواجب وجوده وافتقار كل شيء إليه واستغنائه عن كل شيء وينفي العقل عنه كل ما لا يليق به تبارك وتعالى، وأن ليس كمثله شيء، وكل ما ذكرته فهو في ضمن هذه السورة الوجيزة البليغة، قوله تعالى: { ولم يكن له كفؤاً أحد } معناه: ليس له ضد ولا ند ولا شبيه، والكفأ والكفؤ والكفاء النظير، وقرأ " كُفؤاً " بضم الكاف وهمز مسهل نافع والأعرج وأبو جعفر وشيبة، وقرأ بالهمز عاصم وأبو عمرو بخلاف عنه، وقرأ حمزة: " كفْواً " بالهمز وإسكان الفاء وروي عن نافع " كفاً " بفتح الفاء وبغير همز.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس: " ولم يكن له كِفاء أحد " بكسر الكاف وفتح الفاء، والمد، و { كفؤاً }: خبر كان واسمها { أحد } ، والظرف ملغى، وسيبويه رحمه الله يستحسن أن يكون الظرف إذا تقدم خبراً، ولكن قد يجيء ملغى في أماكن يقتضيها المعنى كهذه الآية، وكما قال الشاعر:
| **ما دام فيهن فصيل حيا** | | |
| --- | --- | --- |
ويحتمل أن يكون: { كفؤاً } ، حالاً لما قدم من كونه وصفاً للنكرة، كما قال: لعزة موحشاً طلل، قال سيبويه: وهذا يقل في الكلام، وبابه الشعر، وقال صلى الله عليه وسلم: **" إن { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ".** قال القاضي أبو محمد: بما فيها من التوحيد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) | وفيها قولان.
أحدهما: أنها مكية، قاله ابن مسعود، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر.
والثاني: مدنية، روي عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقد روى البخاري في أفراده من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" والذي نفسي بيده إنها لَتَعْدِل ثُلُثَ القرآن "** وروى مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" إنها تعدل ثلث القرآن ".** وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال.
أحدها: أن المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فنزلت هذه السورة، قاله أُبَيّ بن كعب.
والثاني: أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إلام تدعونا يا محمد؟ قال: إلى الله عز وجل. قال: صفه لي، أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، فنزلت هذه السورة، قاله ابن عباس.
والثالث: أن الذين قالوا هذا، قوم من أحبار اليهود قالوا: من أي جنس هو، وممن ورث الدنيا، ولمن يورِّثها؟ فنزلت هذه السورة، قاله قتادة، والضحاك. قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، «أحدٌ اللهُ» وقرأ أبو عمرو «أحدُ اللهُ» بضم الدال، ووصلها باسم الله. قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله عز وجل. والمعنى: الذي سألتم تبيين نسبته هو الله و «أحد» مرفوع على معنى: هو أحد، فالمعنى: هو الله، وهو أحد. وقرئت «أحدٌ اللهُ الصمد» بتنوين أحد. وقرئت «أحدُ الله» بترك التنوين، وقرئت بإسكان الدال «أحدْ اللهُ»، وأجودها الرفع بإثبات التنوين، وكُسِرَ التنوين لسكونه وسكون اللام في «الله»، ومن حذف التنوين، فلالتقاء الساكنين أيضاً، ومن أسكن أراد الوقف ثم ابتدأ «الله الصمد» وهو أردؤها.
فأما «الأحد» فقال ابن عباس، وأبو عبيدة: هو الواحد. وفرَّق قوم بينهما. وقال أبو سليمان الخطابي: [الواحد]: هو المنفرد بالذات، فلا يضاهيه أحد.
والأحد: هو المنفرد بالمعنى، فلا يشاركه فيه أحد. وأصل «الأحد» عند النحويين: الوحد، ثم أبدلوا من الواو الهمزة.
وفي «الصمد» أربعة أقوال.
أحدها: أنه السيِّد الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الصمد: السيد الذي قد كمل في سؤْدُدِه. قال أبو عبيدة: هو السيد الذي ليس فوقه. أحد والعرب تسمي أشرافها: الصَّمد. قال الأسدي:
| **لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعي بِخَيْريْ بَني أَسَدْ** | | **بعمرو بن مَسْعودٍ وبالسَّيدِ الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وقال الزجاج: هو الذي ينتهي إليه السُّؤدُد، فقد صمد له كل شيء قصد قصده. وتأويل صمود كل شيء له: أن في كل شيء أثر صُنْعه. وقال ابن الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد: السيد الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والثاني: أنه الذي لا جوف له، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسدي. وقال ابن قتيبة: فكأن الدال من هذا التفسير مبدلة من تاء، والمصمت من هذا.
والثالث: أنه الدائم.
والرابع: الباقي بعد فناء الخلق، حكاهما الخطابي وقال: أصح الوجوه الأول، لأن الاشتقاق يشهد له، فإن أصل الصمد: القصد. يقال: اصمد صمد فلان، أي اقصد قصده. فالصمد: السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج.
قوله تعالى: { لم يلد } قال مقاتل: لم يلد فيورَّث { ولم يولد } فيشارَك، وذلك أن مشركي العرب قالوا: الملائكة بناتُ الرحمن. وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فبرَّأ نفسه من ذلك.
قوله تعالى: { ولم يكن له كُفُواً أحد } قرأ الأكثرون بالتثقيل والهمز. ورواه حفص بالتثقيل وقلب الهمز واواً. وقرأ حمزة بسكون الفاء. والكفء: المثل المكافئ. وفيه تقديم وتأخير، تقديره: ولم يكن له أحد كُفُوَاً، فقدَّم وأخرَّ لتتفق رؤوس الآيات.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) | { أَحَدٌ } الأحد المنفرد بصفاته فلا شبْه له ولا مثل تقديره الأحد فحذفت الألف واللام أو ليس بنكرة وإنما هو بيان وترجمة قال المبرد: الأحد والواحد سواء أو الأحد الذي لا يدخل في العدد والواحد يدخل في العدد لأنك تقول للواحد ثانياً أو الأحد يستوعب جنسه والواحد لا يستوعبه لأنك لو قلت فلان لا يقاومه أحد لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر فالأحد أبلغ من الواحد وسميت سورة الإخلاص لأن قراءتها خلاص من عذاب الله [أو] لأن فيها إخلاص الله تعالى من شريك وولد أو لانها خالصة لله تعالى ليس فيها أمر ولا نهي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) | أربع آيات مكية عند الجمهور وقيل: مدنية عند أهل البصرة
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } هو ضمير الشأن و { ٱللَّهُ أَحَدٌ } هو الشأن كقولك: هو زيد منطلق كأنه قيل: الشأن هذا وهو أن الله واحد لا ثاني له، ومحل { هُوَ } الرفع على الابتداء والخبر هو الجملة، ولا يحتاج إلى الراجح لأنه في حكم المفرد في قولك: زيد غلامك في أنه هو المبتدأ في المعنى، وذلك أن قوله { ٱللَّهُ أَحَدٌ } هو الشأن الذي عبارة عنه وليس: كذلك زيد أبوه منطلق، فإن زيداً أو الجملة يدلان على معنيين مختلفين فلا بد مما يصل بينهما. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قالت قريش: يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه فنزلت. يعني الذي سألتموني وصفه هو الله تعالى. وعلى هذا { أَحَدٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد وهو بمعنى واحد، وأصله وحد فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفاً.
والدليل على أنه واحد من جهة العقل أن الواحد إما أن يكون في تدبير العالم وتخليقه كافياً أولاً، فإن كان كافياً كان الآخر ضائعاً غير محتاج إليه وذلك نقص والناقص لا يكون إلهاً، وإن لم يكن كافياً فهو ناقص. ولأن العقل يقتضي احتياج المفعول إلى فاعل والفاعل الواحد كافٍ وما وراء الواحد فليس عدد أولي من عدد فيفضي ذلك إلى وجود أعداد لا نهاية لها وذا محال. فالقول بوجود إلهين محال، ولأن أحدهما إما أن يقدر على أن يستر شيئاً من أفعاله عن الآخر أو لا يقدر، فإن قدر لزم كون المستور عنه جاهلاً، وإن لم يقدر لزم كونه عاجزاً. ولأنا لو فرضنا معدوماً ممكن الوجود فإن لم يقدر واحد منهما على إيجاده كان كل واحد منهما عاجزاً والعاجز لا يكون إلهاً، وإن قدر أحدهما دون الآخر فالآخر لا يكون إلهاً، وإن قدراً جميعاً فإما أن يوجداه بالتعاون فيكون كل واحد منهما محتاجاً إلى إعانة الآخر فيكون كل واحد منهما عاجزاً، وإن قدر كل واحد منهما على إيجاده بالاستقلال فإذا أوجده أحدهما فإما أن يبقى الثاني قادراً عليه وهو محال، لأن إيجاد الموجود محال، وإن لم يبق فحينئذ يكون الأول مزيلاً قدرة الثاني فيكون عاجزاً ومقهوراً تحت تصرفه فلا يكون إلهاً. فإن قلت: الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد زالت قدرته فيلزمكم أن يكون هذا الواحد قد جعل نفسه عاجزاً. قلنا: الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد نفذت قدرته، ومن نفذت قدرته لا يكون عاجزاً، وأما الشريك فما نفذت قدرته بل زالت قدرته بسبب قدرة الآخر فكان ذلك تعجيزاً.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } هو فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
والمعنى هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم، وهو واحد لا شريك له، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق ولا يستغنون عنه وهو الغني عنهم { لَمْ يَلِدْ } لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، وقد دل على هذا المعنى بقوله:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101] { وَلَمْ يُولَدْ } لأن كل مولود محدث وجسم وهو قديم لا أول لوجوده إذ لو لم يكن قديماً لكان حادثاً لعدم الواسطة بينهما، ولو كان حادثاً لافتقر إلى محدث، وكذا الثاني والثالث فيؤدي إلى التسلسل وهو باطل. وليس بجسم لأنه اسم للمتركب ولا يخلو حينئذ من أن يتصف كل جزء منه بصفات الكمال فيكون كل جزء إلهاً فيفسد القول به كما فسد بإلهين، أو غير متصف بها بل بأضدادها من سمات الحدوث وهو محال { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ولم يكافئه أحد أي لم يماثله.
سألوه أن يصفه لهم فأوحى إليه ما يحتوي على صفاته تعالى، فقوله: { هُوَ ٱللَّهُ } إشارة إلى أنه خالق الأشياء وفاطرها، وفي طي ذلك وصفه بأنه قادر عالم لأن الخلق يستدعي القدرة والعلم لكونه واقعاً على غاية إحكام واتساق وانتظام، وفي ذلك وصفه بأنه حي لأن المتصف بالقدرة والعلم لا بد وأن يكون حياً، وفي ذلك وصفه بأنه سميع بصير مريد متكلم إلى غير ذلك من صفات الكمال، إذ لو لم يكن موصوفاً بها لكان موصوفاً بأضدادها وهي نقائص وذا من أمارات الحدوث فيستحيل اتصاف القديم بها، وقوله: { أَحَدٌ } وصف بالوحدانية ونفي الشريك، وبأنه المتفرد بإيجاد المعدومات والمتوحد بعلم الخفيات، وقوله: { ٱلصَّمَدُ } وصف بأنه ليس إلا محتاجاً إليه وإذا لم يكن إلا محتاجاً إليه فهو غني لا يحتاج إلى أحد ويحتاج إليه كل أحد، وقوله { لَمْ يَلِدْ } نفي للشبه والمجانسة، وقوله { وَلَمْ يُولَدْ } نفي للحدوث ووصف بالقدم والأولية.
وقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } نفي أن يماثله شيء. ومن زعم أن نفي الكفء وهو المثل في الماضي لا يدل على نفيه للحال والكفار يدعونه في الحال فقد تاه في غيه، لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة إذ الحادث لا يكون كفؤاً للقديم، وحاصل كلام الكفرة يئول إلى الإشراك والتشبيه والتعطيل، والسورة تدفع الكل كما قررنا، واستحسن سيبويه تقديم الظرف إذا كان مستقراً أي خبراً لأنه لما كان محتاجاً إليه قدم ليعلم من أول الأمر أنه خبر لا فضلة، وتأخيره إذا كان لغواً أي فضلة لأن التأخير مستحق للفضلات. وإنما قدم في الكلام الأفصح لأن الكلام سيق لنفي المكافأة عن ذات الباريء سبحانه، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان الأهم تقديمه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وكان أبو عمرو يستحب الوقف على { أَحَدٌ } ولا يستحب الوصل، قال عبد الوارث: على هذا أدركنا القراء، وإذا وصل نوّن وكسر أو حذف التنوين كقراءة**{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30]، { كفؤا } بسكون الفاء والهمزة: حمزة وخلف. { كُفُواً } مثقلة غير مهموزة: حفص. الباقون مثقلة مهموزة.
وفي الحديث: **" من قرأ سورة الإخلاص فقد قرأ ثلث القرآن "** لأن القرآن يشتمل على توحيد الله وذكر صفاته وعلى الأوامر والنواهي وعلى القصص والمواعظ، وهذه السورة قد تجردت للتوحيد والصفات فقد تضمنت ثلث القرآن، وفيه دليل شرف علم التوحيد وكيف لا يكون كذلك والعلم يشرف بشرف المعلوم ويتضع بضعته، ومعلوم هذا العلم هو الله وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله! اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك العاملين لك، الراجين لثوابك، الخائفين من عقابك، المكرمين بلقائك، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فقال: وجبت. فقيل: يا رسول الله ما وجبت؟ قال **" وجبت له الجنة "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) | قوله عز وجل: { قل هو الله أحد } عن أبي بن كعب **" أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد } والصّمد الذي لم يلد، ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفواً أحد. قال لم يكن له شبيه، ولا عديل، وليس كمثله شيء "** أخرجه التّرمذي وقال: وقد روي عن أبي العالية أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم، فقالوا انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السّورة { قل هو الله أحد } وذكر نحوه، ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب، وهذا أصح وقال ابن عباس **" أن عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: إلام تدعونا يا محمد قال إلى الله قال صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة، أم من حديد، أم من خشب، فنزلت هذه السّورة، وأهلك الله أربد بالصاعقة وعامر بالطاعون "** ، وقد تقدم ذكرهما في سورة الرّعد، وقيل جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك، فإن الله تعالى أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شيء هو، وهل يأكل ويشرب، وممن ورث الربوبية، ولمن يورثها، فأنزل الله هذه السّورة { قل هو الله أحد } يعني الذي سألتموني عنه هو الله الواحد في الألوهية، والرّبوبية الموصوف بصفات الكمال والعظمة المنفرد عن الشبه، والمثل والنظير، وقيل لا يوصف أحد بالأحدية غير الله تعالى فلا يقال رجل أحد، ودرهم أحد بل أحد صفة من صفات الله تعالى. استأثر بها فلا يشركه فيها أحد، والفرق بين الواحد، والأحد أن الواحد يدخل في الأحد، ولا ينعكس، وقيل إن الواحد يستعمل في الإثبات والأحد في النفي تقول في الإثبات رأيت رجلاً واحداً، وفي النفي ما رأيت أحداً، فتفيد العموم، وقيل الواحد هو المنفرد بالذات فلا يضاهيه أحد، والأحد هو المنفرد بالمعنى فلا يشاركه فيه أحد { الله الصمد } قال ابن عباس: الصمد الذي لا جوف له وبه قال جماعة من المفسرين، ووجه ذلك من حيث اللّغة أن الصّمد الشيء المصمد الصّلب الذي ليس فيه رطوبة، ولا رخاوة، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد. فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام، ويتعالى الله جلّ وعزّ عن صفات الجسمية، وقيل وجه هذا القول إن الصمد الذي ليس بأجوف، معناه هو الذي لا يأكل، ولا يشرب، وهو الغني عن كل شيء، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال، والقصد بقوله الله الصّمد التّنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية، وإليه الإشارة بقوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام }** [المائدة: 75] وقيل الصّمد الذي ليس بأجوف شيئان أحدهما دون الإنسان، وهو سائر الجمادات الصّلبة والثاني أشرف من الإنسان وأعلى منه وهو البارىء جل وعز وقال أبي بن كعب الصمد الذي لم يلد، ولم يولد لأن من يولد سيموت، ومن يموت يورث منه. وروى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: الصّمد هو السّيد الذي انتهى سؤدده، وهي رواية عن ابن عباس، أيضاً قال هو السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف السؤدد، وقيل هو السيد المقصود في جميع الحوائج المرغوب إليه في الرغائب المستعان به عند المصائب، وتفريج الكرب وقيل هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتلك دالة على أنه المتناهي في السودد والشرف، والعلو والعظمة، والكمال والكرم والإحسان، وقيل الصمد الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل الصمد الذي ليس فوقه أحد، وهو قول علي، وقيل هو الذي لا تعتريه الآفات ولا تغيره الأوقات وقيل هو الذي لا عيب فيه وقيل الصمد هو الأول الذي ليس له زوال والآخر الذي ليس لملكه انتقال. والأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه لأنه محتمل له، فعلى هذا يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله تعالى العظيم القادر على كل شيء وأنه اسم خاص بالله تعالى انفرد به له الأسماء الحسنى والصّفات العليا**{ ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير }** [الشورىٰ: 11]. قوله عز وجل: { لم يلد ولم يولد } وذلك أن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النّصارى المسيح ابن الله فكذبهم الله عز وجل، ونفى عن نفسه ما قالوا بقوله { لم يلد } يعني كما ولد عيسى، وعزير، { ولم يولد } معناه أن من ولد كان له والد فنفى عنه إحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لم يتقدمه، والد كان عنه وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه، ومن كان كذلك فهو الذي لم يكن له كفواً أحد، أي ليس له من خلقه مثل، ولا نظير ولا شبيه فنفى عنه. بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } العديل والنّظير، والصّاحبة والولد خ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إيّاي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد "** والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) | عن ابن عباس، أن اليهود قالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه، فنزلت. وعن أبي العالية، قال قادة الأحزاب: انسب لنا ربك، فنزلت. فإن صح هذاالسبب، كان هو ضميراً عائداً على الرب، أي { قل هو الله } أي ربي الله، ويكون مبتدأ وخبراً، وأحد خبر ثان. وقال الزمخشري: وأحد بدل من قوله: { الله } ، أو على هو أحد، انتهى. وإن لم يصح السبب، فهو ضمير الأمر، والشان مبتدأ، والجملة بعده مبتدأ وخبر في موضع خبر هو، وأحد بمعنى واحد، أي فرد من جميع جهات الوحدانية، أي في ذاته وصفاته لا يتجزأ. وهمزة أحد هذا بدل من واو، وإبدال الهمزة مفتوحة من الواو قليل، من ذلك امرأة إناة، يريدون وناة، لأنه من الوني وهو الفتور، كما أن أحداً من الوحدة. وقال ثعلب: بين واحد وأحد فرق، الواحد يدخله العدد والجمع والاثنان، والأحد لا يدخله. يقال: الله أحد، ولا يقال: زيد أحد، لأن الله خصوصية له الأحد، وزيد تكون منه حالات، انتهى. وما ذكر من أن أحداً لا يدخله ما ذكر منقوض بالعدد. وقرأ أبان بن عثمان، وزيد بن علي، ونصر بن عاصم، وابن سيرين، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو السمال، وأبو عمرو في رواية يونس، ومحبوب، والأصمعي، واللؤلؤي، وعبيد، وهارون عنه: { أحد... الله } بحذف التنوين لالتقائه مع لام التعريف وهو موجود في كلام العرب وأكثر ما يوجد في الشعر نحو قوله:
| **ولا ذاكـراً الله إلا قليـلاً** | | |
| --- | --- | --- |
ونحو قوله:
| **عمـرو الـذي هشـم الثريـد لقومـه** | | |
| --- | --- | --- |
{ الله الصمد }: مبتدأ وخبر، والأفصح أن تكون هذه جملاً مستقلة بالأخبار على سبيل الاستئناف، كما تقول: زيد العالم زيد الشجاع. وقيل: الصمد صفة، والخبر في الجملة بعده، وتقدم شرح الصمد في المفردات. وقال الشعبي، ويمان بن رياب: هو الذي لا يأكل ولا يشرب. وقال أبيّ بن كعب: يفسره ما بعده، وهو قوله: { لم يلد ولم يولد }. وقال الحسن: الصمد: المصمت الذي لا جوف له، ومنه قوله:
| **شهاب حروب لا تزال جياده** | | **عوابس يعلكن الشكيم المصمدا** |
| --- | --- | --- |
وفي كتاب التحرير أقوال غير هذه لا تساعد عليها اللغة. وقال ابن الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد هو السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم. قال الزمخشري: { لم يلد } ، لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، ودل على هذا المعنى بقوله:**{ أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة }** [الأنعام: 101] { ولم يولد }: لأن كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أول لوجوده، وليس بجسم ولم يكافئه أحد. يقال له كفو، بضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء، وبضم الكاف مع ضم الفاء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقرأ حمزة وحفص: بضم الكاف وإسكان الفاء، وهمز حمزة، وأبدلها حفص واواً. وباقي السبعة: بضمهما والهمز، وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع، وفي رواية عن نافع أيضاً كفا من غير همز، نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة. وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس: كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد، كما قال النابغة:
| **لا تعذقني بركن لا كفاء له** | | |
| --- | --- | --- |
الأعلم لا كفاء له: لا مثيل له. وقال مكي سيبويه: يختار أن يكون الظرف خبراً إذا قدمه، وقد خطأه المبرد بهذه الآية، لأنه قدم الظرف ولم يجعله خبراً، والجواب أن سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف إذا تقدم، إنما أجاز أن يكون خبراً وأن لا يكون خبراً. ويجوز أن يكون حالاً من النكرة وهي أحد. لما تقدم نعتها عليها نصب على الحال، فيكون له الخبر على مذهب سيبويه واختياره، ولا يكون للمبرد حجة على هذا القول، انتهى. وخرجه ابن عطية أيضاً على الحال.
وقال الزمخشري: فإن قلت: الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه، فما باله مقدماً في أفصح الكلام وأعربه؟ قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وتعالى، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه، انتهى.
وهذه الجملة ليست من هذا الباب، وذلك أن قوله: { ولم يكن له كفواً أحد } ليس الجار والمجرور فيه تاماً، إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبراً لكان، بل هو متعلق بكفواً وقدم عليه. فالتقدير: ولم يكن أحد كفواً له، أي مكافئه، فهو في معنى المفعول متعلق بكفواً. وتقدم على كفواً للاهتمام به، إذ فيه ضمير الباري تعالى. وتوسط الخبر، وإن كان الأصل التأخر، لأن تأخر الاسم هو فاصلة فحسن ذلك. وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره أن له الخبر وكفواً حال من أحد، لأنه ظرف ناقص لا يصلح أن يكون خبراً، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه.
وسيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر. قال سيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر. قال سيبويه: وتقول: ما كان فيها أحد خير منك، وما كان أحد مثلك فيها، وليس أحد فيها خير منك، إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك: فيها زيد قائم. أجريت الصفة على الاسم، فإن جعلته على: فيها زيد قائم، نصبت فتقول: ما كان فيها أحد خيراً منك، وما كان أحد خيراً منك فيها، إلا أنك إذا أردت الإلغاء، فكلما أخرت الملغى كان أحسن.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وإذا أردت أن يكون مستقراً، فكلما قدمته كان أحسن، والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير. قال تعالى: { ولم يكن له كفواً أحد }. وقال الشاعر:
| **مـا دام فيهـن فصيـل حيـاً** | | |
| --- | --- | --- |
انتهى. وما نقلناه ملخصاً. وهو بألفاظ سيبويه، فأنت ترى كلامه وتمثيله بالظرف الذي يصلح أن يكون خبراً. ومعنى قوله: مستقراً، أي خبراً للمبتدأ ولكان. فإن قلت: فقد مثل بالآية الكريمة. قلت: هذا الذي أوقع مكياً والزمخشري وغيرهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أن الظرف التام هو في قوله:
| **مـا دام فيهـن فصيـل حيـاً** | | |
| --- | --- | --- |
أجرى فضلة لا خبراً. كما أن له في الآية أجرى فضلة، فجعل الظرف القابل أن يكون خبراً كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبراً، ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من قوله: ولم يكن له أحد، بل لو تأخر كفواً وارتفع على الصفة وجعل له خبراً، لم ينعقد منه كلام، بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو كفو، وله متعلق به، والمعنى: ولم يكن له أحد مكافئه. وقد جاء في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة، ومنها أنها تعدل ثلث القرآن، وقد تكلم العلماء على ذلك، وليس هذا موضعه، والله الموفق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) | القراءات: كانوا أبو عمرو يستحب الوقف على قوله { قل هو الله أحد } وإذا وصل كان له وجهان من القراءة: أحدهما التنوين وكسره، والثاني حذف التنوين كقراءة عزير بن الله لاجتماع الساكنين، وكل صواب { وكفؤاً } بالسكون والهمزة: حمزة وخلف وعباس والمفضل وإسماعيل ورويس عن يعقوب. وكان حمزة يقف ساكنة الفاء ملينة الهمزة ويجعلها شبه الواو إتباعاً للمصحف. وقرأ حفص غير الخراز مثقلاً غير مهموز. الباقون: مثقلاً مهموزاً.
الوقوف: { أحد } ه ج لاحتمال أن ما بعدها جملة أخرى أو خبران آخران { الصمد } ه ج لمثل ذلك { ولم يولد } لا { أحد } ه.
التفسير: قد وردت الأخبار الكثيرة بفضل سورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن فاستنبط العلماء لذلك وجهاً مناسباً وهو أن القرآن مع عزارة فوائده اشتمل على ثلاثة معانٍ فقط: معرفة ذات الله تعالى وتقدّس، ومعرفة صفاته وأسمائه، ومعرفة أفعاله وسننه مع عباده. ولما تضمنت سورة الإخلاص أحد هذه الأقسام الثلاثة وهو التقديس، وازنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلث القرآن. **" وعن أنس أن رجلاً كان يقرأ في جميع صلاته " قل هو الله أحد " فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا رسول الله إني أحبها فقال: حبك إياها يدخلك الجنة "** أما سبب نزولها فعن أبيّ بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى هذه السورة. وعن عطاء عن ابن عباس قال: قدم وفد نجران فقالوا: صف لنا ربك أزبرجد أم ياقوت أم ذهب أم فضة. فقال: إن ربي ليس من شيء لأنه خلق الأشياء فنزلت { قل هو الله أحد } فقالوا: هو واحد وأنت واحد فقال**{ ليس كمثله شيء }** [الشورى: 11] قالوا: زدنا من الصفة. قال { الله الصمد } فقالوا: وما الصمد؟ قال: الذي يصمد الخلق إليه في الحوائج فقالوا: زدنا فقال { لم يَلد } كما ولدت مريم { ولم يولد } كما ولد عيسى { ولم يكن له كفواً أحد } يريد نظيراً من خلقه. ولشرف هذه السورة سميت بأسماء كثيرة أشهرها الإخلاص لأنها تخلص العبد من الشرك أو من النار. وقد يقال لها سورة التفريد أو التجريد أو التوحيد أو النجاة أو الولاية لأن من قرأها صار من أولياء الله أو المعرفة لما روى جابر أن رجلاً صلى فقرأ السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عبد عرف ربه. أو الجمال لقوله صلى الله عليه وسلم **" إن الله جميل يحب الجمال "** ومن كمالات الجميل كونه عديم النظير. أو الأساس لقوله صلى الله عليه وسلم **" أسست السموات السبع والأرضون اسبع على { قل هو الله أحد } "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وهذا قول معقول لأن القول بالتثليث يوجب خراب السموات والأرض كما قال**{ تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا أن ادعو للرحمن ولداً }** [مريم: 90] فوجب أن يكون التوحيد سبباً لعمارة العالم. وقد تسمى سورة النسبة لما مر أنها نزلت عند قول المشركين " انسب لنا ربك " فكأنه قيل: نسبه الله هذا. والمانعة لرواية ابن عباس أنه تعالى قال لنبيه حين عرج به: أعطيتك سورة الإخلاص وهي من ذخائر كنوز العرش، وهي المانعة تمنع فتان القبر ونفحات النيران، والمحضرة لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت، والمنفرة أي للشيطان، والراءة أي من الشرك، وسورة النور لقوله صلى الله عليه وسلم **" إن لكل شيء نوراً ونور القرآن قل هو الله أحد "** قلت: وذلك لأن الله تعالى نور الله نور السموات والأرض، وكما أن نور الإنسان في أصغر أعضائه وهو الحدقة كذلك نور القرآن في أقصر السور سوى " الكوثر ". ثم إن العلماء أجمعوا على أن الوحدانية مما يمكن معرفتها بطريق السمع والعقل جميعاً وليست كمعرفة ذات الصانع حيث لا يمكن معرفته إلا بطريق العقل فقال أهل العرفان في بيانه: إن العقل يريد عالماً كاملاً أميناً تودع عنده الحسنات، والشهوة تريد غنياً تطلب منه المستلذات بل العقل كالإنسان الذي له همة عليه لا تنقاد إلا لمولاه، والهوى كالمنتجع الذي يطلب غنياً يتكدى منه بل العقل يطلب معرفة المولى ليشكر له على النعم السابقة، والهوى يطلبها ليستفيد منه النعم اللاحقة. فلما عرفاه كما أرادا تعلقاً بذيل عنايته فقال العقل: لا أشكر أحداً سواك. وقالت الشهوة: لا أسأل أحداً إلا إياك. فجاءت الشبهة وقالت: يا عقل كيف أفردته بالشكر ولعل له مثلاً؟ ويا شهوة كيف اقتصرت عليه ولعل ههنا باباً آخر؟ فبقي العقل متحيزاً وتبغصت عليه راحة المعرفة حين أراد أن يسافر في عالم الاستدلال لتحصيل ربح التوحيد ويغوص في بحر الفكر ليعود بجوهرة النحر، فأدركته عناية المولى فقال: كيف أنغص على عبدي لذة الاشتغال بخدمتي وشكري؟ فبعث إلأيه رسولاً صادقاً وقال: لا تقله من عند نفسك فيوقعك الوهم في الشك ولكن اقبله من الصادق الأمين { قل هو الله أحد } والضمير للشأن أي الشأن والحديث الله أحد. هذا قول جمهور النجاة وقريب منه قول الزجاج: إن المراد هذا الذي سألتم عنه الله أحد. وقيل: هو كناية عن الله فيكون كقولك " زيد أخوك قائم " قال الأزهري: لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى لا يقال: رجل أحد ولا درهم أحد. وقال غيره: الفرق بين الواحد والأحد من ثلاثة أوجه أحدها: أن الواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه. وثانيها أنك إذا قلت " فلان لا يقاومه واحد " جاز أن يقال لكنه يقاومه اثنان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وثالثها أن الواحد يستعمل في الإثبات كقولك " رأيت رجلاً واحداً " والأحد يستعمل في النفي نحو " ما رأيت أحداً " فيفيد العموم. قلت: ولعلّ وجه تخصيص الله بالأحد هو هذا المعنى وذلك أنه أبسط الأشياء وكأنك قلت: إنه لا جزء له أصلاً بوجه من الوجوه ومن هنا قال بعضهم: إن الأحد يدل على جميع المعاني السلبية ككونه ليس بجوهر ولا عرض ولا متحيز وغير ذلك كما أن اسم الله يدل على مجامع الصفات الإضافية لأن الله اسم للمعبود بالحق واستحقاق العبادة لا يتجه إلا إذا كان مبدأ لجميع ما سواه عالماً قادراً إلى غير ذلك. وأما لفظة { هو } فإنها تدل على نفس الذات فتبين أن قوله { قل هو الله أحد } يدل على الذات والصفات جميعاً.
وههنا لطيفة وهي أن قوله { هو } إشارة إلى مرتبة السابقين الذين لا يرون معه شيئاً آخر فيكفي الكناية بالنسبة إليهم، وأما اسم { الله } فإشارة إلى مرتبة أصحاب اليمين وهم الذين عرفوه بالبرهان مستدلين على الوجوب بالإمكان فهم ينظرون إلى الحق وإلى الخلق جميعاً فيحتاجون في التمييز إلى اسمه العلم. وأما " الأحد " فرمز إلى أدون المراتب الإنسانية وهم أصحاب الشمال الذي يثبتون مع الله إلهاً آخر فوجب التنبيه على إبطال معتقدهم بأن الله أحد لا شريك له أو لا جزء بوجه من الوجوه، وبعبارة أخرى هو للأخص والله للخواص وأحد للعموم. وأما " الصمد " فقيل: إنّه فعل بمعنى " مفعول " من صمده إذا قصده أي هو السيد المقصود إليه في الحوائج كما مرّ في الحديث الوارد في سبب النزول. وقيل: هو الذي لا جوف له ومنه قولهم لسداد القارورة " صماد " وشيء مصمد أي صلب ليس فيه رخاوة. قال ابن قتيبة: يجوز على هذا التفسير أن تكون الدال بدل التاء في " مصمت ". وقال بعض المتأخرين من أهل اللغة: الصمد هو الأملس من الحجر لا يقبل الغبار ولا يدخله شيء ولا يخرج منه شيء. ولا يخفى أن هذين المعنيين من صفات الأجسام حقيقة إلا أن مقدّمة الآية وهي { الله أحد } تمنع من حملهما على حقيقتهما لأن كل جسم مركب فوجب الحمل على المجاز وهو أنه لوجوب ذاته ممتنع التغير في وجوده وبقائه وسائر صفاته، ومن هنا اختلفت عبارات المفسرين فعن بعضهم: الصمد هو العالم بجميع المعلومات لأن كونه مبدأ مرجوعاً إليه في قضاء الحاجات لا يتم إلا بذلك. وعن ابن مسعود والضحاك: هو السيد الذي انتهى سودده. وقال الأصم: هو الخلق للأشياء لأن السيد الحقيقي هو هو. وقال السدي: هو المقصود في الرغائب المستغاث عند المصائب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال الحسن بن الفضل: هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقال قتادة: لا يأكل ولا يشرب وهو يطعم ولا يطعم. وعن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه يغلب ولا يغلب. وسائر عباراتهم كلها متقاربة تدور حول ما ذكرنا.
سؤال: لما جاء الخبر ههنا معرفاً وفي قوله { الله أحد } منكراً؟ الجواب لأنه كان معلوماً عندهم أنه غني على الإطلاق ومرجوع إليه في الحوائج**{ فإذا مس الإنسان ضرُّ دعا ربه }** [الزمر: 8] أما التوحيد فلم يكن ثابتاً في أوهامهم بل ركز في أوهام العامة أن كل موجود فإنه محسوس وكل محسوس فهو منقسم فلا جرم جاء لفظ { أحد } منكراً ولفظ { الصمد } معرفاً.
آخر: لم مكرر ثانياً اسم الله ولم يقتصر على ضميره؟ الجواب لما قيل:
| **هو المسك ما كررته يتضوّع** | | |
| --- | --- | --- |
ولأنه قد سبق ضمير الشأن ولأنه يلزم الاشتراك، ولما مر أن الإشارة بلفظة " هو " مرتبة الصديقين والخطاب بقوله { الله الصمد } لعموم الخلائق والسابقون منهم قليل فاعتبار الأغلب أولى.
آخر: كون الشخص مولوداً أقدم من كونه والداً فلم قدم قوله { لم يلد } على قوله { ولم يولد } أجيب بأن النزاع إنما وقع في كونه والداً حين قالت النصارى المسيح ابن الله، واليهود عزير ابن الله، ومشركو العرب الملائكة بنات الله، بل المتفلسفة الذين قالوا إنه يتولد عن واجب الوجود عقل، وعن العقل الأول عقل آخر ونفس إلى آخر العقول العشرة والنفوس وهو العقل الفعال المدبر بزعمهم لما دون فلك القمر، فكان نفي كونه والداً أهم. ثم أشار إلى طريق الاستدلال بقوله { ولم يولد } كأنه قال: الدليل على امتناع الوالد اتفاقنا على أنه ما كان ولداً لغيره. وأنا أقول: كون الشخص مولوداً اعتبار لمعلوليته، وكونه والداً اعتبار لعليته، ولا ريب أن اعتبار العلية مقدم على اعتبار المعلولية كما أن العلة بالذات متقدمة على المعلول، فالسؤال مدفوع. قالوا: وإنما اقتصر على لفظ الماضي لأن النزاع كان واقعاً في المسيح وعزير ونحوهما فوقع قوله { لم يلد } جواباً عما ادعوه عليه. وأما قوله { ولم يولد } فلم يكن مفتقراً إلى هذا التوجيه لأن كل موجود إذا لم يكن مولوداً في مبدإ تكوّنه فلن يكون مولوداً بعد ذلك. وأقول: لعل المراد بقوله { لم يلد } نفي أن يكون هو ممن شأنه الولادة وهذا المعنى يشمل كل زمان، وبهذا التفسير لا يصح على العاقر أنه لا يلد ويصح أنه يلد. واعلم أنه سبحانه بين كونه في ذاته وحقيقته منزهاً عن جميع أنحاء التراكيب بقوله { هو الله أحد } ثم بين كونه ممتنع التغير عما هو عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال بقوله { الله الصمد } ثم أراد أن يشير إلى نفي من يماثله وهو إما لا حق وأبطله بقوله { لم يلد } وإما سابق وأحاله بقوله { ولم يولد } وإما مقارن في الوجود وزيفه بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } ويجوز أن يكون الأوّلان إشارة إلى نفي من يماثله بطريق التولد أو التوالد، والثالث تعميماً بعد التخصيص.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ويحتمل أن يراد بالأخير نفي المصاحبة لأن المصاهرة تستدعي الكفاءة شرعاً وعقلاً فيكون رداً على من حكى الله عنهم في قوله**{ وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً }** [الصافات: 158] قاله مجاهد.
سؤال: قد نص سيبويه في كتابه على أن الخبر قد يقدم على الاسم في باب " كان " ولكن تعلق الخبر حينئذ لا يتقدم على الخبر كيلا يلزم العدول عن الأصل بمرتبتين فكيف قدم الصرف على الاسم والخبر جميعاً؟ أجاب النحويون عنه بأن هذا الظرف وقع بياناً للمحذوف كأنه قال: ولم يكن أحد فقيل: لمن؟ فأجيب بقوله " له " نظيره قوله**{ وكانوا فيه من الزاهدين }** [يوسف: 20] وقوله**{ فلما بلغ معه السعي }** [الصافات: 102].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) | رُوِيَ أنَّ اليهودَ دَخَلُوا عَلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا مُحَمَّدُ؛ صِفْ لَنَا رَبَّك وانْسِبْه، فإنَّه وَصَفَ نَفْسَه في التوراةِ وَنَسَبها، فارْتَعَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قولِهِم حَتَّى خَرَّ مغشياً عليه، ونَزَلَ جبريلُ بهذهِ السورةِ.
و { أَحَدٌ } مَعناه: وَاحدٌ فَرْدٌ مِنْ جميعِ جِهَاتِ الوَحْدَانِيَّة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ و { هُوَ } ابتداءٌ، و { ٱللَّهُ } ابتداءٌ ثانٍ، و { أَحَدٌ } خَبَرُه والجملةُ خَبَرُ الأوَّلِ، وقيلَ هو ابتداءُ و { ٱللَّهُ } خبرُه و { أَحَدٌ } بَدَلٌ منه، وَقَرَأَ عمر بن الخطابِ وغَيْرُهُ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ الواحِدُ الصَّمَدُ» و { ٱلصَّمَدُ } في كلامِ العربِ السيدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الأُمُورِ وَيَسْتَقِلُّ بها وأنْشَدُوا: [الطويل]
| **لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدِ** | | **بِعَمْرِو بْنِ مَسْعَودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وبهذا تَتَفَسَّرُ هذه الآيةُ لأَنَّ اللَّهَ تعالى ـــ جلت قدرته ـــ هُوَ مُوجِدُ المَوْجُودَاتِ وإليهِ تَصْمُدُ وبه قِوَامُها ـــ سبحانه وتعالى ـــ.
وقوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } رَدٌّ عَلى إشارَةِ الكفارِ في النَّسَبِ الذي سأَلُوه، وقال ابن عباس: تَفَكَّروا في كلّ شَيْءٍ ولا تتفكروا في ذاتِ اللَّه، قال \* ع \*: لأَنَّ الأفْهَامَ تَقِفُ دونَ ذلكَ حَسِيرَةً.
وقوله سبحانه: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } معناه ليسَ له ضِدٌّ، وَلاَ نِدٌّ ولا شبيهٌ،**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }** [الشورى:11]، والكُفُؤُ النَّظِيرُ و«كفواً» خبر كان وٱسْمُهَا { أَحَدٌ }. قال \* ص \*: وحَسُنَ تأخيرُ اسمها لِوُقُوعِه فاصلةً، وله مُتَعَلِّقٌ بـ { كفؤًا } أي: لَمْ يَكُنْ أحَدٌ كُفُؤاً لَهُ، وقُدَّمَ اهتماماً بِه لاِشْتِمالِهِ على ضميرِ البَارِي سبحَانه، انتهى، وفي الحديثِ الصحيحِ عنه صلى الله عليه وسلم **" إنَّ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن "** ، قال \* ع \*: لِمَا فِيهَا مِنَ التوحيدِ، ورَوَى أبو محمدٍ الدارميّ في «مسندهِ» قال: حدثنا عبد اللَّه بن مزيد حدثنا حيوة قال: أخبرنا أبو عقيل، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" مَنْ قَرَأَ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إحْدَى عَشَرَةَ مَرَّةً بُنِيَ لهُ قصرٌ في الجنةِ، ومَنْ قَرَأَها عِشْرينَ مرةً، بُنِيَ له قَصْرَانِ في الجنةِ، ومَنْ قرأَها ثَلاثِينَ مرةً؛ بُنِيَ له ثلاثةُ قصورٍ في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: إذَنْ تَكْثُرُ قصورُنَا يا رسولَ اللَّهِ؛ فقَال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أوْسَعُ من ذلك "** [أي: فَضْلُ اللَّهِ أوْسَعُ مِنْ ذَلك]. قال الدارمي: أبو عقيل هو زهرة بن معبد، وزعموا أنه من الأبْدَالِ، انتهى من «التذكرة».
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }. في " هُوَ " وجهان:
أحدهما: أنه ضمير عائد على ما يفهم من السياق، فإنه يروى في سبب النزول أنهم قالوا: صف لنا ربَّك وانسبه.
وقيل: قالوا له: أنُحَاسٌ هو أم حَديدٌ؟ فنزلت.
وحينئذ يجوز أن يكون " اللهُ " مبتدأ، و " أحد " خبره، والجملة خبر الأولِ، ويجوز أن يكون " الله " بدلاً، و " أحد " الخبر، ويجوز أن يكون " الله " خبراً أولاً، و " أحد " خبراً ثانياً، ويجوز أن يكون " أحد " خبراً لمبتدأ محذوف، أي " هو أحد " ، والثاني: ضمير الشأن؛ لأنه موضع تعظيم، والجملة بعد خبره مفسرة.
وهمزة " أحد " بدل من واو؛ لأنه من الوحدة، وإبدال الهمزة من الواو المفتوحة قليل، منه: امرأة أناة من الونى، وهو الفُتُور، وتقدم الفرق بين " أحد " هذا، و " أحد " المراد به العموم، فإن همزة ذاك أصل بنفسها.
ونقل أبو البقاء: أن همزة " أحد " هذا غير مقلوبة، بل أصلها بنفسها، فالمراد به العموم. والأول هو المعروف.
وفرق ثعلب بين " أحد " و " واحد " بأنَّ الواحد يدخله العدد والجمع والاثنان و " أحد " لا يدخله ذلك، ويقال: اللهُ أحد، ولا يقال: زيد أحد؛ لأن الله تعالى هذه الخصوصية، وزيد له حالات شتى. ورد عليه أبو حيَّان بأنه يقال: أحد وعشرون، ونحوه، فقد دخله العدد انتهى.
وقال مكيٌّ: إن أصله: " واحد " فأبدلت الواو همزة، فاجتمع ألفان؛ لأن الهمزة تشبه الألف، فحذفت إحداهما تخفيفاً.
وقرأ عبد الله وأبيّ: { ٱللَّهُ أَحَدٌ } دون " قُلْ ".
وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: { ٱللَّهُ أَحَدٌ } بغير { قُلْ هُوَ }.
وقرأ الأعمش: " قل هو الله الواحد ".
وقرأ العامة: بتنوين " أحَدٌ " وهو الأصل.
وزيد بن علي وأبان بن عثمان، وابن أبي إسحاق والحسن، وأبو السمال، وأبو عمرو في رواية، في عدد كثير: بحذف التنوين للخفة، ولالتقاء الساكنين، كقوله: [الكامل]
| **5352- عَمروُ الذي هَشمَ الثَّريدَ لقومهِ** | | **ورِجالُ مكَّة مُسنتُـونَ عِجَـافُ** |
| --- | --- | --- |
وقوله: [المتقارب]
| **5353- ……..........................** | | **ولا ذَاكِـرَ الـلَّـهَ إلاَّ قَـلِـيـلاً** |
| --- | --- | --- |
فصل
والصمد: الذي يصمدُ إليه في الحاجات، ولا يقدر على قضائها إلا هو.
قال: [الطويل]
| **5354- ألاَ بكَّرَ النَّاعِي بخَيْرِ بَنِي أسَـدْ** | | **بِعمْرِو بنِ مسعُودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وقال آخر: [البسيط]
| **5355- عَلـوتـهُ بحُسَـامٍ ثُمَّ قلـتُ لـهُ** | | **خُـذهَا حُذيْـفُ فأنـتَ السيِّـدُ الصَّمـدُ** |
| --- | --- | --- |
وقيل: الصمد: المصمت الذي لا جوف له.
ومنه قوله: [الطويل]
| **5356- شِهَابُ حُروبٍ لا تَزَالُ جِيَادهُ** | | **عَوابِسَ يَعلُكْنَ الشَّكيمَ المُصَمَّدَا** |
| --- | --- | --- |
وقال أبيّ بن كعب رضي الله عنه: تفسيره، من قوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وهذا يشبه ما قالوه من تفسير الهلوع، والأحسن في هذه الجملة أن تكون مستقلة بفائدة هذا الخبر، ويجوز أن يكون " الصَّمدُ " صفة، والخبر في الجملة بعده، كذا قيل، وهو ضعيف من حيث السِّياق، فإن السياق يقتضي الاستقلال بأخبار عن كل جملة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال القرطبي: [ " لأنه ليس شيء إلا سيموت]، وليس شيء يموت إلا يورث ".
قيل: الصمد: الدائمُ الباقي الذي لم يزل، ولا يزال.
وقال أبو هريرة: إنه المستغني عن كل أحد, والمحتاج إليه كل أحد.
وقال السديُّ: إنه المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب.
[وقال الحسن بن الفضل: إنه الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وقال مقاتل: إنه الكامل الذي لا عيب فيه].
قال القرطبيُّ: والصحيح من هذه الأقوال ما شهد له الاشتقاق وهو القول الأول، ذكره الخطابي.
فصل في لفظ أحد
قال ابن الخطيب: ونكر لفظ أحد، لأن الذي يعرفه الخلق من الموجودات محسوس، وكل محسوس منقسم، فأما ما لا ينقسم فلا يعرف، وعرَّف الصمد؛ لأنه الذي يقصد إليه في الحوائج، وذلك معلوم عند الخلق، وقدم { لَمْ يَلِدْ } وإن كان العرف سبق؛ لأنه الأهم، وقوله تعالى: { وَلَمْ يُولَدْ } كالحجة على أنه لم يلدْ، وجاء هنا { لَمْ يَلِدْ } ، وفي سورة " الإسراء ":**{ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً }** [الإسراء: 111]، لأن من النصارى من يقول: عيسى ولدُ الله حقيقة، ومنهم من يقول: إن الله اتخذه ولداً تشريفاً، فنفى الأمرين.
فصل في الرد على من أسقط " قل هو "
قال القرطبي: وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه، وجعل النار مقامه ومثواه، وقرأ " الله الواحد الصمد " والناس يستمعون، فأسقط " قل هو " وزعم أنه ليس من القرآن، وغير لفظ " أحد " ، وادَّعى أن هذا الصواب، والذي عليه الناس هو الباطلُ، فأبطل معنى الآية، لأن أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جواباً لأهل الشركِ، لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صِفْ لَنَا ربَّك أمِنْ ذهبٍ هُو أم من نُحاس أم من [صفر]؟.
فقال الله تعالى رداً عليهم: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، ففي " هُوَ " دلالة على موضع الرد، ومكان الجواب، فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله - عز وجل - والتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وروى الترمذي عن أبيِّ بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " انسب لنا ربك " فأنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، والصمد: الذي لم يلد، ولم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تعالى لا يموت، ولا يورث.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروى أبو العالية: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم، فقالوا: انسب لنا ربك، قال: فأتاه جبريل بهذه السورة: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
قال الترمذي: وهذا أصحّ.
قال القرطبيُّ: " ففي هذا الحديث إثبات لفظ، " قل هو الله أحد " ، وعن عكرمة نحوه ".
وقال ابن عباس: " لَم يلدْ " كما ولدت مريم، و " لَمْ يُولدْ " كما ولد عيسى، وعزير، وهو رد على النصارى، وعلى من قال: عزير ابن الله، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فقدم خبر كان على اسمها، لينساق أواخر الآي على نظم واحدٍ.
فصل في الكلام على الآية
قال ابن الخطيب: دل العقل على استحالة كونه تعالى ولداً ووالداً، والأحديَّةُ والصَّمديَّةُ يوجبان نفي كونه تعالى والداً، أو مولوداً، وذكر بعدهما كما ذكر النتيجة بعد الدليل.
قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }. في نصب " كُفُواً " وجهان:
أحدهما: أنه خبر " يَكُونُ " و " أحَدٌ " اسمها و " لهُ " متعلق بالخبر, أي: ولم يكن كفواً له كما تقدم وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الآية من حيث إنه يزعم أنه إذا تقدم الظَّرف كان هو الخبر, وهنا لم يجعله خبراً مع تقدمه.
وقد رد على المبرِّد بوجهين:
أحدهما: أن سيبويه لم يحتم ذلك بل جوزه.
والثاني: أنا لا نسلم أنَّ الظرف هنا ليس بخبر، بل هو خبر، ونصب " كُفواً " على الحال، على ما سيأتي بيانه.
وقال الزمخشري: الكلام العربي الفصيح، أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص سيبويه في كتابه على ذلك، فما باله مقدماً في أفصح كلام وأعربه؟
قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه، وهذا المعنى مصبُّه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقه بالتقديم وأحراه.
والثاني: أن ينصب على الحال من " أحدٌ "؛ لأنه كان صفة، فلما تقدم عليه نصب حالاً و " له " هو الخبر. قاله مكي، وأبو البقاء، وغيرهما.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الجار لوقوعه خبراً.
قال أبو حيان بعد أن حكى كلام الزمخشري ومكي: وهذه الجملة ليست من هذا الباب، وذلك أن قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ليس الجار والمجرور فيه تامَّا، إنما هو ناقص، لا يصلح أن يكون خبراً لـ " كان " بل متعلق بـ " كُفُواً " ، وتقدم على " كُفُواً " للاهتمام به, إذ فيه ضمير الباري تعالى, وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخير؛ لآن تأخير الاسم هو فاصلة، فحسن ذلك، وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره، أن " لهُ " والخبر، و " كُفُواً " حال من " أحَدٌ " لأنه ظرف ناقص، ولا يصلح أن يكون خبراً، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه، وسيبويه إنما تكلم في الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال سيبويه: وتقول: ما كان فيها أحد خير منك، وما كان أحد مثلك فيها، وليس أحد فيها خير منك، إذا جعلت " فيها " مستقراً, ولم تجعله على قولك: فيها زيد قائم، ثم أجريت الصفة على الاسم, فإن جعلته على قولك: فيها زيد قائم, نصبت، تقول: ما كان فيها أحد خيراً منك، وما كان أحد خيراً منك فيها، إلا أنك إذا أردت الإلغاء، فكلما أخرت الذي تلغيه كان أحسن، وإذا أردت أن يكون مستقراً، تكتفي به، فكلما قدمته كان أحسن، والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير، قال تعالى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
وقال الشاعر: [الرجز]
| **5357- مَـا دَامَ فيهِـنَّ فَصِيـلٌ حَيَّـا** | | |
| --- | --- | --- |
انتهى كلام سيبويه.
قال أبو حيَّان: فأنت ترى كلامه، وتمثيله بالظرف الذي لا يصلح أن يكون خبراً، ومعنى قوله: " مستقرَّا " أي: خبراً للمبتدأ، ولـ " كان ".
فإن قلت: قد مثل بالآية الكريمة.
قلت: هذا الذي أوقع مكياً والزمخشري وغيرهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أن الظرف التام، وهو في قوله: [الرجز]
| **5358- مَـا دَامَ فيهِـنَّ فَصِيـلٌ حَيَّـا** | | |
| --- | --- | --- |
أجري فضلة، لا خبراً، كما أن " لهُ " في الآية أجري فضلة، فجعل الظرف القابل أن يكون خبراً كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبراً، ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من قوله: " ولم يكن له أحد " بل لو تأخر " كُفُواًُ " وارتفع على الصفة وجعل " لهُ " خبراً لم ينعقد منه كلام، بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو " كُفُواً " و " لَهُ " متعلق به، والمعنى: لم يكن أحد مكافئه انتهى ما قاله ابن حيَّان.
قال شهاب الدين: قوله: " ولا يشك " إلى آخره، تهويل على الناظر، وإلا فقوله: " هذا الظرف ناقص " ممنوع، لأن الظرف الناقص عبارة عما لم يكن في الإخبار به فائدة كالمقطوع عن الإضافة ونحوه، وقد نقل سيبويه الأمثلة المتقدمة، نحو: " ما كان فيها أحد خيراً منك " وما الفرق بين هذا، وبين الآية الكريمة، وكيف يقول هذا، وقد قال سيبويه في آخر كلامه: " والتقديم والتأخير، والإلغاء، والاستقرار عربي جيد كثير ".
فصل
قرأ العامة: " كُفُواً " بضم الكاف والفاء، وقد سهل الهمزة الأعرج ونافع في رواية، وسكن الفاء حمزة وأبدل الهمزة واواً وقفاً خاصة، وأبدلها حفص واواً مطلقاً، والباقون بالهمزة مطلقاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال القرطبي: وتقدم في البقرة أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان إلا قوله تعالى " أتتّخذنا هزواً ".
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم " كفاء " بالكسر والمد أي لا مثل له، وأنشد للنابغة: [البسيط]
| **5359- لاَ تَقْذفنِّـي برُكـنٍ لا كِفـاءَ لَـهُ** | | **…….................................** |
| --- | --- | --- |
وقرأ نافع في رواية: كِفَا بالكسر وفتح الفاء من غير مد كأنه نقل حركة الهمزة وحذفها.
والكفو النظير كقوله: هذا كفؤ لك: أي نظيرك، والاسم الكفاءة بالفتح.
قال ابن الخطيب: والتحقيق أنه تعالى لما أثبت الأحديَّة، والصمديّة، ونفى الوالدية، والمولودية ختم السورة بأن شيئاً من الموجودات يمتنع أن يساويه في شيء من صفات الجلال، والعظمة لانفراده سبحانه، وتعالى بوجوب الوجود لذاته.
فصل
روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" يَقُول الله تعالى: كذَّبنِي ابنُ آدمَ ولمْ يكُنْ لهُ ذلِكَ، وشَتمنِي ولمْ يكُنْ لهُ ذلِكَ، فأما تَكْذيبهُ فقوله: لن يُعِيدنِي كَمَا بَدأنِي، وليْسَ بأوَّل الخَلقِ وليس بأهْونَ عليَّ مِنْ إعَادَتِهِ، وأمَّا شتمهُ إيَّاي، فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحدُ الصَّمَدُ، لم ألدْ ولم أولَدْ ولم يكن لي كفواً أحد ".** فصل في فضائل هذه السورة
روى البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - **" أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يرددها، فلما أصبح جاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والَّذي نَفْسِي بيدهِ، إنَّها لتعْدِلُ ثُلثَ القُرآنِ " "** لأن القرآن أنزل ثلاثاً؛ ثلثاً: أحكام. وثلثاً: وعد ووعيد. وثلثاً: أسماء وصفات، وجمعت هذه السورة أحد الأثلاث، وهو الأسماء والصفات.
وروى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - **" أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " سلُوه لأيِّ شيءٍ يصْنَعُ ذلِكَ "؟ فسألوه: فقال: لأنَّها صفةُ الرَّحمنِ، فأنا أحبُّ أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخبرُوهُ أنَّ الله تعالى يُحِبُّهُ " ".** وروى الترمذي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَجَبَتْ " ، قلتُ: ومَا وَجبَتْ؟ قال: " الجَنَّةُ " ".** وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" مَنْ قَرَأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } خمسِينَ مرَّة غُفِرَتْ ذُنوبهُ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروى سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" " مَنْ قَرَأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أحَدَ عشرة مرَّة بَنَى اللهُ لهُ قصْراً في الجنَّةِ، ومن قَرَأهَا عِشْرينَ مَرَّةً بَنى اللهُ لهُ قَصرينِ في الجنَّة، ومن قَرأهَا ثلاثين مرَّةً، بَنَى له بِهَا ثلاثة قُصُورٍ في الجنَّة " فقال عمرُ بن الخطاب: والله يا رسول الله إذاً لنُكثِّرنَّ قُصُورنَا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: " اللهُ أوسعُ مِنْ ذلِكَ " ".** وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قَرَأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } في مَرَضِه الَّذي يَمُوتُ فِيهِ لمْ يُفْتَنْ في قَبْرِهِ، وأمِنَ من ضغطهِ القبْرِ، وحمَلتهُ الملائِكةُ يومَ القِيامةِ بأكُفِّها، حتَّى يُجيزَ الصِّراطَ إلى الجنَّةِ ".** فصل في أسماء هذه السورة
في أسمائها: قال ابن الخطيب: سورة التفريد، وسورة التجريد، وسورة التوحيد، وسورة الإخلاص، وسورة النجاة، وسورة الولاية، وسورة النسبة، لقولهم: انسبْ لنا ربَّك، وسورة المعرفة، وسورة الجمال، وسورة البراءة؛ لأنها تبرئ من النفاق، وسورة الأساس، وسورة المحضر؛ لأن الملائكة تحضر لسماعها، وسورة المانعة، والمنفرة، لأنها تنفر الشيطان، وسورة النور، لأنها تنور القلب، والله نور السموات والأرض. والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) | ولما كان المقصود من القرآن دعوة العباد إلى المعبود، وكان المدعو إلى شيء أحوج ما يكون إلى معرفته، وكان التعريف تارة للذات وتارة للصفات وتارة للأفعال، وكانت هذه الأمة - أشرف الأمم لأن نبيها أعلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكان هي الختام، أشبع الكلام في تعريفه سبحانه في القرآن، وأنهى البيان في ذلك إلى حد لا مزيد عليه ولم يقاربه في ذلك كتاب من الكتب السالفة، ولكنه لما كان الكبير إذا تناهى كبره عزت معرفة ذاته، وكان الله تعالى هو الأكبر مطلقاً، وكانت معرفة ذاته - كما أشار إليه الغزالي في الجواهر، والفخر الرازي في كتبه - أضيق ما يكون مجالاً وأعسره مقالاً، وأعصاه على الفكر منالاً، وأبعده عن قبول الذكر استرسالاً لأن القرآن لا يشتمل من ذلك إلا على تلويحات وإشارات أكثرها رجع إلى ذكر التقديس المطلق كقوله تعالى**{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }** [الشورى: 112] وإلى التعظيم المطلق كقوله { سبحانه وتعالى عما يصفون } فكام القياس أن يقتصر على ذلك مع التعريف بالصفات والأفعال، لكن لما كانت هذه الأمة في الذروة من حسن الأفهام مع ما نالته من الشرف، حباها سبحانه وتعالى بسورة الإخلاص كاملة ببيان لا يمكن أن تحتمل عقول البشر زيادة عليه، وذلك ببيان أنه ثابت ثباتاً لا يشبهه ثبات على وجه لا يكون لغيره أصلاً، وأنه سبحانه وتعالى منزه عن الشبيه والنظير والمكافىء والمثيل، فلا زوجة له ولا ولد، ولا حاجة بوجه إلى أحد، بل له الخلق والأمر، فهو يهلك من أراد ويسعد من شاء، فقال آمراً لنبيه صلى الله عليه وسلم ليكون أول كلمة فيها دالة على رسالته رداً على من كذبه في خاصة نفسه وعلى البراهمة القائلين: إن في العقل غنى عن الرسل. ويكون البيان جارياً على لسانه صلى الله عليه وسلم ليكون إلى فهم الخلق عنه لتلك الصفات العلى أقرب لما لهم به من المجانسة: { قل } أي يا أكرم الخلائق ومن لا يفهم عن مرسله حق الفهم سواه، وإطلاق الأمر بعدم التقييد بمقول له يفهم عموم الرسالة، وأن المراد كل من يمكن القول له سواء كان سائلاً عن ذلك بالفعل أو بالقوة حثاً على استحضار - ما لرب هذا الدين - الذي حاطه هذه الحياطة ورباه هذه التربية - من العظمة والجلال، والكبرياء والكمال، ففي الإطلاق المشير إلى التعميم رد على من أقر بإرساله صلى الله عليه وسلم إلى العرب خاصة، ويدل على أن مقول القول لا ضرر فيه على أحد فإن ظواهره مفهومة لكل أحد لا فتنة فيها بوجه، وإنما تأتي الفتنة عند تعمق الضال إلى ما لا - يحتمله عقله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما كان أهم المقاصد الرد على المعطلة الذين هم ضرب ممن يقول**{ نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر }** [الجاثية: 24] أثبت وجوده سبحانه على أتم الوجوه وأعلاها وأوفاها وأجلاها بما معناه أن حقيقته ثابتة ثباتاً لا يتوجه نحوه شك بوجه من الوجوه، فقال مكاشفاً للأسرار - فإنه لا يمكن غيبته عنها أصلاً - وللوالهين: { هو } فابتدأ بهذا الاسم الشريف الذي هو أبطن الأسماء إشارة إلى أنه غيب الغيب بالنظر إلى ذاته كالألف، وإلى أنه واجب الوجود لذاته - وأن هويته ليست مستفادة من شيء سواها ولا موقوفة على شيء سواها، فإن كل ما كانت هويته مستفادة من غيره أو موقوفة عليه فمتى لم يتعبر غيره فلم يكن هو هو، وما كانت هويته لذاته فهو هو سواء اعتبر غير أو لم يعتبر، فإذاً لا يستحق هذا الاسم غيره أصلاً على أن الهاء بمفردها مشيرة - بكونها من أبطن - الحلق إلى أنه هو الأول والباطن المبدع لما سواه، والواو - بكونها من أظهر حروف الشفة - إلى أنه الآخر والظاهر، وأن إليه المنتهى، وليس وراءه مرمى، وأنه المبدىء المعيد - كما يشير إلى ذلك تكرير الواو في اسمها، وإلى أنه محيط بكل شيء لما فيها من الإحاطة.
ولما كان وجوده سبحانه لذاته، ولم يكن مستفاداً من غيره، فإن ما استفيد وجوده من غيره كان ممكناً، كان لا يمكن شرح اسمه الذي هو هو، لا اسم لحقيقة غيره يقوم من جنس ولا نوع ولا فصل لأنه لا جنس له ولا نوع له ولا سبب يعرف به، والذي لا سبب له لا يمكن معرفته إلا بلوازمه، واللوازم منها سلبية ومنها إضافية ومنها قريبة ومنها بعيدة، والتعريف بالإضافية وبالقريبة أتم من التعريف بالسلبية وبالبعيدة، لأن البعيد كالضاحك الذي هو بعد المتعجب بالنسبة إلى الإنسان لا يكون معلولاً لشيء بل معلولاً لمعلوله، وبالجمع بين السلبية والإضافية أتم من الاقتصار على أحدهما، فلذلك اختير اسم جامع للنوعين ليكون التعريف أتم، وذلك هو كون تلك الهوية إلهاً، فاختير لذلك اسم دال عليها وهو مختص غير مشترك، وهو أول مظاهر الضمير كما أن الهمزة أول مظاهر الألف، ولهذا قال بعضهم: الاسم الأعظم آخر الظواهر من الأسماء، ولهذا كانت كلها صفات له وهو أول البواطن، فقال مكاشفاً للأرواح وللموحدين: { الله } أي الموجود الذي لا موجود في الحقيقة سواه! هو المسمى بهذا الاسم، واختير هذا الاسم للإخبار عنه لدلالته على جميع صفات الكمال: الجلال والجمال ولأنه اسم جامع لجميع معاني الأسماء الحسنى، وهو أقرب اللوازم إلى الهوية الهوية لأنه لا لازم لها أقرب من وجوب الوجود الذي هو مقتضى الذات على ما هي عليه من الصفات، لا بواسطة شيء آخر، وبواسطة وجوب وجوده كان مفيضاً باختياره الإيجاد على كل شيء أراده، ومجموع الوجوب الذي هو سلب وحده الإيجاد الذي هو اختيار للجود بإضافة الوجود وإضافة للإلهية التي جمعتها الجلالة، وهي أقرب اللوازم إلى الذات الأقدس، ودل التعبير به على أنه لا مقوم للهوية من جنس ولا غيره ولا سبب، وإلا لكان العدول عنه إلى التعريف باللازم قاصراً، وعلى أن إلهيته على الإطلاق لجميع الموجدات، فكان شرح تلك الهوية باللازم أبلغ البلاغة وأحكم الحكمة، لأنه - مع كونه هو الحق - مشيراً إلى ما ذكر من الدقائق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما ذكرت الذات التي لا سبب لها ولا مقوم من جنس ونوع وغيره أصلاً بل هي مجرد وحدة وتنزه عن تركب لا كثرة لها ولا اثنينية بوجه، وعرفها باسم جامع الأنواع السلوب والإضافات اللازمة له هو أقرب اللوازم إليها، فانشرح وجودها المخصوص على ما هو عليه، فكان ذلك تعريفاً كاملاً لأن تعريف ما لا تركب فيه باللوازم القريبة في الكمال كتعريف المركبات بمقوماتها، فإن التعريف البالغ هو أن يحصل في النفس صورة مطابقة للمعقول، وكانت الزيادة في الشرح مطلوبة لأنها أكمل لا سيما في الأمور الباطنة الخفية، أتبع ذلك باسم سلبي إشارة إلى أن النظر في هذه الدار إلى جانب الجلال ينبغي كونه أعظم، وذلك الاسم قربه من الجلالة كقربتها من الهوية، فإنه دال على الوحدة الكاملة المجردة وهو متنزل الجلالة كما أنها متنزل الهوية، وهو كما أن الجلالة لم يقع فيها شركة أصلاً قد ضاهاها في أنه لا شركة لغيره تعالى فيه عند استعماله مفرداً بمعناه الحقيقي إلا أن في النفي إشارة إلى أن كل ما عداه سبحانه عدم، فقال مكاشفاً للقلوب وللعارفين مكذباً للنصارى القائلين بالأب والابن وروح القدس، ولليهود القائلين بأنه جسم، وللمجوس الذين يقولون بأنه اثنان: نور يخلق الخير، وظلام يخلق الشر، وللصابئة الذين يعبدون النجوم، وللمشركين القائلين بإلهية الأصنام، مخبراً خبراً آخر، أو مبدلاً من الجلالة، أو مخبراً عن مبتدأ محذوف: { أحد } وهو لأجل كونه خاصة في الإثبات حال الانفراد به تعالى معرفة غني عن " آل " المعرفة، وهو أعرق في الدلالة على صفات الجلال كما أن الجلالة أعرق في الدلالة على صفات الكمال لأن الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الكاملة والحكمة التامة المقتضية للألوهية من غير لزوم دور ولا تسلسل من جهة تركب أو غيره، وقرىء بإسقاط " قل " هنا وفي المعوذتين مع الاتفاق على إثباتها في الكافرون ونفيها في تبت، ولعل الحكمة أن الكافرون مخاطبة للكفار بما بين مشاققة ومتاركة، فناسب الحال أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم، وتبت معاتبة عم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوبيخه فلا يناسب أن يكون ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، والباقيات ما بين توحيد وتعوذ، فناسب أن يؤمر بتبليغه وأن يدعو به، ورتب الأحدية على الإلهية دون العكس، لأن الإلهية عبارة عن استغنائه عن الكل، واحتياج الكل إليه، وكل ما كان كذلك كان واحداً مطلقاً، وإلا لكان محتاجاً إلى أجزائه، فالإلهية من حيث هي تقتضي الوحدة، والوحدة لا تقتضي الإلهية، وعبر به دون " واحد " لأن المراد الإبلاغ في الوصف بالوحدة إلى حد لا يكون شيء أشد منه، والواحد - قال ابن سينا - مقول على ما تحته بالتشكيك، والذي لا ينقسم بوجه أصلاً أولى بالواحدية مما ينقسم من بعض الوجوه، والذي ينقسم انقساماً عقلياً أولى مما ينقسم بالحس والذي ينقسم بالحس وهو بالقوة أولى من المنقسم بالحس بالفعل، وإذا ثبت أن الوحدة قابلة للأشد والأضعف.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك كان الأكمل في الوحدة الذي لا يمكن أن يكون شيء آخر أقوى منه فيها، وإلا لم يكن بالغاً أقصى المرام، والأحد جامع لذلك دال على الواحدية من جميع الوجوه، وأنه لا كثرة هناك أصلاً، لا معنوية من المقومات من الأجناس والفصول ولا بالأجزاء العقلية كالمادة والصورة، ولا حسية بقوة ولا فعل كما في الأجسام، وذلك لكونه سبحانه منزهاً عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر وجوه التثنية التي تثلم الوحدة الكاملة الحقة اللائقة بكرم وجهه وعز جلاله أن يشبهه شيء أو يساويه لأن كل ما كانت هويته إنما تحصل من اجتماع أجزاء كانت هويته موقوفة على حصول تلك الأجزاء، فلا يكون هو هو لذاته بل لغيره، فلذا كان منزهاً عن الكثرة بكل اعتبار، ومتصفاً بالوحدة من كل الوجوه، فقد بلغ هذا النظم من البيان أعظم شأن، فسبحان من أنزل هذا الكلام ما أعظم شأنه وأقهر سلطانه، فهو منتهى الحاجات، ومن عنده نيل الطلبات، ولا يبلغ أدنى ما استأثره من الجلال والعظم والبهج أقصى نعوت الناعتين وأعظم وصف الواصفين، بل القدر الممكن منه الممتنع أزيد منه هو الذي ذكره في كتابه العزيز، وأودعه وحيه المقدس الحكيم، وبالكلام على معناه ومعنى الواحد تحقق ما تقدم، قال الإمام أبو العبا الإقليشي في شرح الأسماء: فمن أهل اللسان من ساوى بينهما جعلهما مترادفين، فمنهم من قال: أصل أحد واحد سقطت منه الألف ثم أبدلت الهمزة من الواو المفتوحة، ومنهم من قال: ليس أصله واحد وإن كانا بمعنى واحد، بل أصله وحد - من الوحدة - يحد فهو وحد - مثل حسن يحسن فهو حسن - من الحسن، أبدلت الواو همزة، وأما من فرق بينهما فمنهم من قال: أحد اسم على حياله لا إبدال فيه ولا تغيير، ومنهم من قال: أصله وحد، أبدلت الواو همزة - انتهى، وقد استخلصت الكلام على الاسمين الشريفين من عدة شروح للأسماء الحسنى وغيرها منها شرح الفخر الرازي والفخر الحرالي وغيرهما، قالوا: الواحد الذي لا كثرة فيه بوجه لا بقسمة ولا بغيرها مع اتصافه بالعظمة ليخرج الجوهر الفرد وهو أيضاً الذي لا يتثنى، أي لا ضد له ولا شبيه، فهو سبحانه واحد بالمعنيين على الإطلاق لا بالنظر على حال ولا شيء، قال الإمام أبو العباس الاقليشي في شرح الأسماء: هذه حقيقة الوحدة عند المحققين، فلا يصح أن يوصف شيء مركب بها إلا مجازاً، كما تقول: رجل واحد، ودرهم واحد، وإنما يوصف بها حقيقة ما لا جزء له كالجوهر الفرد عند الأشعرية غير أنك إذا نظرت فوجدت وجوده من غيره علمت أن استحقاقه لهذا الوصف ليس كاستحقاق موجده له، وهو أيضاً إنما يوصف به لحقارته، وموجده سبحانه موصوف به مع الاتصاف بالعظمة، فاتصافه بالوحدة على الإطلاق، واتصاف الجوهر بالنظر إلى عدم التركب من الجسم مع أن صحة اتصافه بأنه جزء يزيل عنه حقيقة ذلك، والوحدة أيضاً بالنظر إلى المعنى الثاني وهو ما لا نظير له لا تصح بالحقيقة إلا له سبحانه، وكل ما نوعيته في شخصيته كالعرش والكرسي والشمس والقمر يصح أن يقدر لها نظائر، وله معنى ثالث وهو التوحد بالفعل والإيجاد، فيفعل كل ما يريد من غير توقف على شيء، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الأول ناظر إلى نفي إله ثان، وهذا ناف لمعين ووزير، وكلاهما وصف ذاتي سلبي، والحاصل أن النظر الصحيح دل على أن لنا موجداً واحداً بمعنى أنه لا يصح أن يلحقه نقص القسمة بوجه من الوجوه وبمعنى أنه معدوم النظير بكل اعتبار، وبمعنى أنه مستبد بالفعل مستقل بالإيجاد ومتوحد بالنصع متفرد بالتدبير، قضى بهذا شاهد العقل المعصوم من ظلمة الهوى وكثافة الطبع، وورد به قواطع النقل ونواطق السمع، ولهذا كان من أعظم الحق دعاؤه سبحانه لجميع الخلق، وكانت دعوة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم للخلق كافة، وقال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في آخر شرحه للأسماء في بيان رد الأسماء الكثيرة إلى ذات واحدة وسبع صفات: الأحد المسلوب عنه النظير، وقال في الشرح المذكور: الواحد هو الذي لا يتجرى ولا يتثنى، أما الذي لا يتجزى فكالجوهر الواحد الذي لا ينقسم فقال: إنه واحد - بمعنى أنه لا جزء له، ولذلك النقطة لا جزء لها، والله تعالى واحد - بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام في ذاته، وأما الذي لا يتثنى فهو الذي لا نظير له كالشمس مثلاً فإنها وإن كانت قابلة للانقسام بالوهم متحيزة في ذاتها لأنها من قبيل الأجسام فهي لا نظير لها إلا أنه يمكن أن يكون لها نظير، وليس في الوجود موجود يتفرد بخصوص وجوده تفرداً لا يتصور أن يشاركه فيه غيره أصلاً إلا الواحد المطلق أزلاً وأبداً، والعبد إنما يكون واحداً إذا لم يكن له في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير، وذلك بالإضافة إلى أبناء جنسه وبالإضافة إلى الوقت إذ يمكن أن يكون في وقت آخر مثله، وبالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع، فلا وحدة على الإطلاق إلا لله تعالى، وقال الإمام محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في مقدمة كتابه الملل والنحل: واختلفوا في الواحد أهو من العدد أم هو مبدأ العدد وليس داخلاً في العدد، وهذا الاختلاف إنما ينشأ من اشتراك لفظ الواحد، فالواحد يطلق ويراد به ما يتركب منه العدد، فإن الاثنين لا معنى له إلا واحد، تكرر أول تكرير، وكذا الثلاثة والأربعة، ويطلق ويراد به ما يحصل منه العدد، أي هو علته ولا يدخل في العد أي لا يتركب منه العدد، وقد تلازم الواحدية جميع الأعداد لا على أن العدد تركب منها بل وكل موجود فهو جنسه أو نوعه أو شخصه واحد يقال: إنسان واحد، وشخص واحد، وفي العدد كذلك فإن الثلاثة في أنها ثلاثة واحدة، فالواحدة بالمعنى الأول داخلة في العدد، وبالمعنى الثاني علة العدد، وبالمعنى الثالث ملازمة للعدد، وليس من الأقسام الثلاثة قسم يطلق على البارىء تعالى معناه: فهو واحد لا كالأحاد أي هذه الوحدات والكثرة منه وجدت ويستحيل عليه الانقسام بوجه من وجوه القسمة - انتهى، وهو واحد أيضاً بنفسه لا بالنسبة إلى ثان بوجه من الوجوه، وقال بعضهم: الواحد يدل على الأزلية والأولية، لأن الواحد في الأعداد ركنها وإظهار مبدئها، والأحد يدل على بينونته من خلقه في جميع صفاته ونفي أبواب الشرك عنه، فالأحد بني لنفي ما ذكر معه من العدد، والواحد اسم لمفتتح العدد، وقال الإمام أبو حاتم محمد بن مهران الرازي في كتابه الزينة، قال بعض الحكماء: إنما قيل له سبحانه " واحد " لأنه عز وجل لم يزل قبل الخلائق متوحداً بالأزل لا ثاني معه ولا خلق، ثم أبدع الخق، فكان الخلق كله مع احتياجه إليه سبحانه محتاجاً بعضه إلى بعض ممسكاً بعضه بعضاً متعادياً ومتضاداً ومتشاكلاً ومزدوجاً ومتصلاً ومنفصلاً، واستغنى عز وجل عن الخلائق فلم يحتج إلى شيء فيكون ذلك الشيء مقروناً به لحاجته إليه ولا ناواه شيء فيكون ذلك الشيء ضداً له نصراً به، فيكون ذلك الضد والقرين له ثانياً، بل توحد بالغنى عن جميع خلقه لأنه كان قبل كل شيء، والأولية دلت على الوحدانية، فالواحد اسم يدل على نظام واحد يعلم باسمه أنه واحد ليس قبله شيء:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| **وفي كل شيء له آية** | | **تدل على أنه واحد** |
| --- | --- | --- |
والواحد من العدد في الحساب ليس قبله شيء، بل هو قبل كل عدد وهو خارج عن العدد، والواحد كيفما أدرته لم يزد فيه شيء ولم ينقص منه شيء، تقول: واحد في واحد بواحد - فلم يزد على الواحد شيء، فدل على أنه لا شيء قبله، وإذا دل على أنه لا شيء قبله دل على أنه محدث الشيء، فإذا دل على أنه محدث الشيء دل على أنه مغني الشيء، وإذا كان مغني الشيء دل على أنه لا شيء بعده، فإذا لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء فهو المتوحد بالأزل، يعني فهو الواحد الذي لا نظير له فهو الأحد، قال: فلذلك قيل: هو واحد وأحد، وقلنا: إن الأحد هو اسم أكمل - أي أعم - من الواحد، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان لا يقوم له واحد، جاز في المعنى أن يقوم له اثنان أو ثلاثة فما فوقها، وإذا قلت: فلان لا يقوم له أحد، فقد جزمت بأنه لا يقوم له واحد ولا اثنان ولا ما فوقهما، فصار الأحد أكمل من الواحد، وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد، تقول: ليس في الدار واحد، يجوز أن يكون واحداً من الدواب أو الطير أو الوحش أو الإنس، فكان الواحد يعم الناس وغير الناس، وإذا قلت: ليس في الدار أحد، فهو مخصوص للآدميين دون سائرهم، والأحد ممتنع من الدخول في الضرب وفي العدد وفي القسمة وفي شيء من الحساب، وهو منفرد بالأحدية، والواحد منقاد للعدد والقسمة وغيرها داخل في الحساب، تقول: واحد واثنان وثلاثة، فهذا وإن لم يكن من العدد فهو علة العدد، وداخل في العدد، لأنك إذا ضربت واحداً في واحد لم يزد، واثنان هو جذر الحساب، وتقول في القسمة، واحد بين اثنين أو ثلاثة، لكل واحد من الاثنين نصف، ومن الثلاثة ثلث، فهذه القسمة، والأحد ممتنع من هذا، لا يقال: أحد واثنان ولا أحد في أحد ولا أحد في واحد ولا في اثنين أو ثلاثة، والواحد وإن لم يتجزأ من الواحد فهو يتجزأ من الاثنين والثلاثة فما فوقهما، تقول: جزء واحد من جزأين أو ثلاث فما فوقها، ولا يجوز: جزء أحد من جزأين فما فوقهما، وقد سمى الله نفسه واحداً أحداً ووصف نفسه بالوحدانية والأحدية، فالواحد نعت يلزمه على الحقيقة لأنه كان قبل ولا ثاني معه، والثاني خلال الواحد، فهو واحد لاتحاده في القدم، والخلق اثنان لاقترانه بالحدث لأن الحدث ثان للقدم، وبه ظهرت التثنية، فالواحد هو الأحد في ذاته فهو لا شيء قبله ولا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ولا لشيء ولا مع شيء، فيكون ذاك الشيء ثانياً معه بل هو الواحد منشىء والأشياء كلها له، وهو المتحد بذاته ممتنع من أن يكون له شيء ثانياً بوجه من الوجوه والخلق كله له، وإن كان يسمى بالواحد، أو كانت هذه الصفة قد لزمت جميع الأشياء في وجه فإنها تزول عنها في وجه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
كما قيل: إنسان واحد وفرس واحد وبعير واحد، وكذلك يقال لسائر الأشياء، وهذه صفة تلزمها في اللفظ، والمسمى لا يخلو من معان كثيرة مجتمعة فيه كالجسم والعرض، وهو واحد مجموع من أشياء متفرقة، وكل شيء لا يخلو من ازدواج وتضاد وتشاكل وحد وعد، وهذه الصفات كلها تنفي عنه معنى الأحدية والواحدية، وفي الواحد عن العرب لغات كثيرة، يقال: واحد وأحد ووحد ووحيد وحاد وأحاد وموحد وأوحد - وهذا كله راجع إلى معنى الواحد، وإن كان في ذلك معان لطيفة ولم يجىء في صفة الله عز وجل إلا الواحد والأحد، قلت: والوحيد على بعض الإعرابات في المدثر، قال: وكلها مشتقة من الواحد، وكأن ذلك مأخوذ من الحد. كأن الأشياء كلها إليه انتهاؤها وهي محدودة كلها غيره عز وجل وهو محدود، بل هو غاية المحدودين وغاية الغايات لا غاية له، والأحد يجيء في الكلام بمعنى الأول وبمعنى الواحد، فإذا جاء بمعنى الأول وبمعنى الواحد جاز أن يتكلم به في الخبر كقولك: هذا واحد أحد، والعرب كانت تسمي يوم الأحد في الجاهلية أولاً، وقولك " يوم الأحد " دليل على أنه اليوم الأول من الأسبوع، والاثنين دليل على أنه اليوم الثاني، وفي التوراة أن الله عز وجل أول ما خلق من الأيام " يوم الأحد " قلت: يمكن أن يكون معنى يوم الأحد يوم الله، أضيف إليه لكونه أول مخلوقاته من الأيام، فلما أوجد الثاني سمي يوم الاثنين، لأنه ثاني يوم الأحد، قال: وضد الواحد اثنان، وضد الأحد الآخر، قال الله تعالى:**{ قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً }** [يوسف: 36] ثم قال في ضده " وقال الآخر " فهذا دليل على أن معنى قولهم " يوم الأحد " اليوم الأول: لأنهم قالوا لما بعده اثنان، ولم يقولوا: الآخر، لأن الأحد إذا لم يكن بمعنى الأول فضده الآخر، وإذا كان الأحد بمعنى الأول جاز الخبر والجحد، وإذا لم يكون بمعنى الأول وكان بمعنى الواحد جاز في الخبر وجاز في الجحد، قال الله تعالى:**{ فابعثوا أحدكم بورقكم هذه }** [الكهف: 19] فهذه من الخبر، فإذا لم يكن أحد بمعنى الأول وبمعنى الواحد لم يجز أن يتكلم به إلا في الجحد، تقول: ما جاءني أحد، ولا يجوز: جاءني أحد، وكلمني أحد، قال الله تعالى في معنى الجحد**{ أيحسب أن لن يقدر عليه أحد }** [البلد: 5] وأحد يستوي فيه المذكر والمؤنث، قال الله تعالى:**{ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
[الأحزاب: 32] وواحد لا يستوي فيه المذكر والمؤنت حتى يدخل فيه الهاء فيقال " واحدة " لا يجوز " كواحد من النساء " وأحد يكون بمعنى الجمع، تقول العرب: يظل أحدنا الأيام لا يأكل، بمعنى كلنا لا يأكل، فاحتمل معنى الواحد والجماعة - انتهى، فالواحد من الأسماء الثبوتية الإضافية، يكون في أصل اللغة بالنسبة إلى ثان هو نصفه، وثالث هو ثلثه، وهكذا هو صفة الله تعالى بمعنى المتوحد في الاتصاف بالألوهية حتى لا يقبلها غيره بوجه، فلا شريك له، والأحد من النعوت السلبية، بل هو مجمعها، هو أحد في نفسه لا يقبل العدد ولا التركيب بوجه لا بالقسمة ولا بغيرها سواء نظر إليه بالنسبة إلى الغير أو لا، فهو متمحض للسلب، فهو وصف راجع إلى نفس الذات بمعنى أنه كامل في ذاته لا يؤثر في مفهومه النظر إلى شيء أصلاً، والفرد ناظر إلى نفي العدد، فافترقت الأوصاف الثلاثة وإن كانت متقاربة في المعنى.
وقال الإمام أبو الخير القزويني الشافعي في كتابه " العروة الوثقى في أصول الدين " ناقلاً عن بعض من فرق بينه وبين الواحد: إن الأحد اسم لنفي ما يذكر معه، وعن بعضهم أنه الذي لا يجوز له التبعيض لا فعلاً ولا وهماً، فهو أحد بذاته وأحد بصفاته، وتوحيد الله تعالى لنفسه علمه بأنه واحد، وإخباره بذلك وتوحيد العبد له علمه بذلك مع إقراره به، وقال الإمام فخر الدين الرازي في شرح الأسماء الحسنى: فالله سبحانه وتعالى أحد في ذاته، أحد في صفاته، أحد في أفعاله، أحد لا عن أحد غير متجزىء ولا متبعض، أحد غير مركب ولا مؤلف، أحد لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئاً، أحد غني عن كل أحد - انتهى، وهذا معنى ما نقله المعربون عن ثعلب أنه فرق بينهما بأن واحداً يدخله العدد، وأحد لا يدخله ذلك، يقال: الله أحد، ولا يقال: زيد أحد، لأن الأحد خصوصية الله تعالى، زيد يكون منه حالات، ونقض عليه بالعدد المعدد المعطوف، يقال: أحد وعشرون واثنان وعشرون، ورد بأن أحداً فيه بمعنى واحد، وقال الإمام فخر الدين في شرح الأسماء: إنه اختص به البارىء سبحانه، أما الواحد فيحصل فيه المشاركة، ولهذا السبب أعري من لام التعريف لأنه صار نعتاً لله عز وجل على الخصوص، فصار معرفة، وقال الأزهري: سئل أحمد بن يحيى عن الأحاد هل هي جمع أحد، فقال: معاذ الله ليس للأحد جمع، ولا يبعد أن يقال إنه جمع واحد كالأشهاد جمع شاهد - انتهى، وقال الإقليشي في شرح الأسماء: الأحد هو الذي ليس بمنقسم ولا متجزىء، فهو على هذا اسم لعين الذات، فيه سلب الكثرة عن ذاته، فتقدس بهذا الوصف عن صفات الأجسام القابلة للتجزي والانقسام، والنقطة والجوهر الفرد عن مثبته - يعني من المتكلمين، والجوهر البسيط عند مدعيه - يعني من الفلاسفة، وإن كانت هذه لا تتجزى ولا تنقسم وإنها مخالفة للبارىء تعالى في أحديته، أما النقطة فعرض عند بعضهم إذ هي عبارة عن طرف الخط، وإذا كان الخط عرضاً فالنقطة أولى بالعرضية، وأما الجوهر الفرد فإنه وإن كان لا ينقسم فهو مقدر بجزء، وكل ما قدر بجزء فلا يخلو من الأكوان وهو كيفما كان على رأي من أثبته من المتكلمين وإن كانوا في أوصافه متنازعين فلا يخلو من الأعراض، وأما الجوهر البسيط عند من أثبته فوجوده عندهم ليس عينه إذا اثنينيته غير ماهيته، وما هو بهذا الوصف عندهم ففيه اثنينية، ففارق البارىء سبحانه وتعالى بأحديته هذه الموجودات كما فارق بذاته الأجسام، فوجوده عن ذاته وليست صفاته تعالى مغايرة لذاته، وأما الواحد فهو وصف لذاته، فيه سلب الشريك والنظير عنه، فافترقا - يعني بأن الأحد ناظر إلى نفس الذات، والواحد إلى أمر خارج عنها، وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات: الأحد فيما يدعوه المشركون إلهاً من دونه لا يجوز أن يكون إلهاً إذ كانت إمارات الحدث من التجزي والتناهي قائمة فيه لازمة له، والبارىء سبحانه وتعالى لا يتجزى ولا يتناهى، فقد مر أن الأحد خاص بالله سبحانه وتعالى: إنه لا فرق في إطلاقه عليه سبحانه وتعالى بين تعريفه وتنكيره لأنه معرفة في نفسة، فطاح اعتراض من قال من الملحدين: الجلالة معرفة وأحد نكرة لا ينعت به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعلى تقدير التسليم يجوز جعله بدلاً كما تقدم ولا مانع من إبدال النكرة من المعرفة مثل لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة، قال صاحب كتاب الزينة: وعلى هذه القراءة - أي قراءة التنكير - أجمعت الأمة، وروى قوم عن أبي عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق أنه قرأ قل هو الله أحد الله الواحد الأحد الصمد، وقال الإمام أبو الحسن الحرالي في شرح الأسماء الحسنى: الأحد اسم أعجز الله العقول عن إدراك آيته في الخلق إثباتاً فلم تستعمله العرب مفرداً قط أي وهو بمعناه الحقيقي لا بمعنى واحد ولا بمعنى أول مثلاً إلا في النفي لما علموا أنه مفصح عن إحاطة جامعة لا يشذ عنها شيء، وذلك مما تدركه العقول والحواس في النفي ولا تدركه في الإثبات فيقولون: ما في الدار أحد - نفياً لكل ولا يسوغ في عقولهم أن يقولوا: في الدار أو في الوجود أحد -، إذ لا يعقل عندهم ذات إنسان هي جامعة لكل إنسان، فلما ورد عن الله اسمه في القرآن تلقاه المؤمنون بالإيمان وأحبت قلوبهم سورة ذكره لجمعها لما لا يحصى من ثناء الرحمن وهي أحد الأنوار الثلاثة في القرآن، القرآن - نور
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا }** [الشورى: 52] ونور نوره سورة ذكر الأحد في ختمه وآية الكرسي في ابتدائه وسورة يس التي هي قبله في محلها منه واحد مبين عن اسم الله الذي هو بكل شيء محيط، لا يتطرق إليه شرك في حق ولا باطل، وهو واحد مبين عن اسم الإله الذي لا يصح فيه الشرك حقاً، وقد يتطرق إليه باطلاً**{ واتخذوا من دون الله آلهة }** [يس: 74] وذلك لأن الواحد يضائف الثاني، وأحد جامع محيط لم يبق خارج عنه فيضايفه يعني أن مفهومه ناظر إلى كونه سبحانه وتعالى الآن كما كان في الأزل وحده، فإن الخلق فانٍ فهو في الحقيقة عدم، وكأنه ما كان لإحاطته به وكونه في قبضته وطوع مشيئته، فلا خارج يكون مضايفاً له لأنه لا يضايف الشيء إلا مناظر لمساواة أو مباراة بمعاندة أو غيرها، فالكل بالنسبة إليه عدم**{ إنك ميت وإنهم ميتون }** [الزمر: 30]**{ كل من عليها فان }** [الرحمن: 26]**{ كل شيء هالك إلا وجهه }** [القصص: 88] هذا مراده بدليل سابقه ولاحقه فلا شبهة فيه لأهل الوحدة عليهم الخزي واللعنة، قال: والوحدة من الواحد هي حد النهاية، والغاية مما هي وحدته، وما دون الوحدة التي هي الغاية ثانية ودونه وجماع إحاطات كل ذلك أعلى وأدنى هي الأحدية التي لا يشذ عنها شاذ ولا يخرج عنها خارج، فمن الأسماء معلوم لخليفة من خليقته بما أتاهم منه كالرحيم والعليم، ومنها ما يعجز عنه خلافتهم كالأسماء المتقدمة من اسمه المحصي، ولكن ينال مثلاً من قولهم، ومنها ما لم ينله العلم ولا أدركت مثله العقول وهو اسمه الأحد، فالله هو الأحد الذي لا أحد إلا هو - انتهى، وقال الإمام أبو الحكم بن برجان في شرح الأسماء الحسنى: وهو - أي الأحد - أصل لباب الوحدة، يدل على محض الوحدة، ألا ترى أنه نافٍ يأتي معه، إذا قلت: لم يأتني أحد، انتفى الاثنان، ولا تقول: جاءني أحد كما تقول! جاءني واحد، لأن واحداً تزول عنه الواحدية بضم ثان إليه بخلاف الأحدية فإنها لازمة الواحد لا يفارقه حكمها بعد ضم الثاني بل لها من جهة محفوظة عليها يظهر ذاك بالأشفاع والأوتار، فإنك تقول ما جاءني أحد، فتنتفي الأشفاع كما تنتفي الأوتار، وهذا دليل على زيادة شرفه فإن الاسم كلما غمضت دلالته وتعذرت معرفته عن الأفهام وعزب عن العقول علمه كان ذلك دليلاً على قربه من الاسم الأعظم - انتهى، وقال بعض العارفين في كشف معنى الأحد ورتبته: إن الذات الأعظم غيب محض والأحد أول تعيناتها، ولذلك بدىء بالهمزة التي هي أول تعينات الألف التي هي لهيب محض وذلك سر مخالفتها للأحرف في أن كل حرف يدل على مسماه أول حروف اسمه إلا الألف لكونها غيباً، فكان أول اسمها الهمزة التي هي أول تعيناتها، والهمزة لكونها مرقى إلى غيب الألف كان أول اسمها أيضاً غير دال على مسماها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم بعد التعيين بالأحدية الشاملة المستغرقة يتنزل إلى الإلهية ثم منها إلى الواحدية، ولذلك ابتدىء الواحد بالواو التي هي وصلة إلى ما فيه من الألف الذي هو غيب، فإن الواحد مرقى إلى فهم الإله، والإله مرقى إلى تعقل الأحد، والأحد مرقى إلى التعبد للذات الأقدس الأنزه، ومن اعتقد أحديته سبحانه وتعالى، أنتج له ذلك حبه وتعظيمه، وهو توحيد الألوهية لأن التفرد بذلك يقتضي الكمال والجمال - والله الموفق.
قال الإمام جعفر بن الزبير: لما انقضى مقصود الكتاب العزيز بجملته عاد الأمر إلى ما كان، وأشعر العالم بحالهم من ترددهم بين عدمين**{ ثم الله ينشىء النشأة الآخرة }** [العنكبوت: 20] فوجودهم منه سبحانه وتعالى وبقاؤهم به وهم وجميع ما يصدر عنهم من أقوالهم وأفعالهم كل ذلك خلقه واختراعه، وقد كان سبحانه وتعالى ولا عالم ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان، لا يفتقر إلى أحد ولا يحتاج إلى معين، ولا يتقيد بالزمان، ولا يتحيز بالمكان، فالحمد لله رب العالمين، أهل الحمد ومستحقه مطلقاً، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه المصير { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } هو الموجود الحق، وكلامه الصدق،**{ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب والدار الآخرة خير للذين يتقون }** [العنكبوت: 64] فطوبى لمن استوضح آي كتاب الله، وأتى الأمر من بابه وعرف نفسه ودنياه، وأجاب داعي الله ولم ير فاعلاً في الوجود حقيقة إلا هو سبحانه وتعالى والحمد لله رب العالمين، ولما كمل مقصود الكتاب، واتضح عظيم رحمة الله به لمن تدبر واعتبر وأناب، كان مظنة الاستعاذة واللجأ من شر الحاسد وكيد الأعداء فختم بالمعوذتين من شر ما خلق وذرأ وشر الثقلين - انتهى.
ولما تم البيان لهويته سبحانه وتعالى على هذا الوجه الذي أنهاه بالأحدية المعلمة بالتنزه عن القسمة والنظير، وكان بيان القرآن بالغاً أقصى نهايات البيان، وكان الأحد من النعوت المتوغلة في السلب، وكانت الشركة تقع في التعبير به في النفي وهو بمعناه الحقيقي وتقع فيه بالإثبات والسلب على حد سواء، أو دلالته على الكمال والإضافة أكمل، وبناه على الاسم الأعظم الذي هو آخر الأسماء الظاهرة وأول الأسماء الباطنة، ولم يقع فيه شركة بوجه دفعاً لكل تعنت، وإشعاراً بأن لم يسم به لم يستحق الألوهية، وأخلى الجملة عن عاطف لأنها كالنتيجة للأولى والدليل عليها، فقال مكاشفاً لنفوس المؤمنين وللعلماء معيداً الاسم ولم يضمر لئلا يظن تقيد بحيثية غيب أو غيرها: { الله } أي الذي ثبتت إلهيته وأحديته، لا غيره { الصمد } الذي تناهى سؤدده المطلق في كل شيء إلى حد تنقطع دونه الآمال، فكان بحيث لا يحتاج إلى شيء وكل شيء إليه محتاج، وتنزه عن الجوفية فلم تدن من جنابه بفعل ولا قوة لأنه تنزه عن القسمة بكل اعتبار مع العظمة التي لا يشببها عظمة، فكان واحداً بكل اعتبار، وذلك هو مفهوم الأحدية عبارة وإشارة، فكان مصموداً إليه في الحوائج أي مقصوداً لأجلها، فهو الموصوف بهذا الاسم على الإطلاق، وبكل اعتبار، فكان موجداً للعالم لأن العالم مركب بدليل المشاهدة فكان ممكناً فكان محدثه واجباً قديماً، نفياً للدور والتسلسل المحالين، وخلقه له بالقدرة والاختيار لأنه لو كان بالطبع والإيجاب لكان وجوده مع وجوده لأن العلة لا تنفك عن المعلول، فيلزم من قدم البارىء عز وجل قدم العالم، ومن حدوث العالم حدوث البارىء جل وعز، وذلك جمع بين النقيضين وهو محال، وقصر الصمدية عليه لأن اشتداد الألف لحاجة الشيء إلى غيره ربما كان موجباً لخفاء اختصاصه به، ولم يقصر الأحدية إما للتنبيه على أن ذلك لشدة ظهوره غني عن التأكيد، وإما استئلافاً لهم لئلا ينفروا قبل سماع تمام السورة على أنه بظهور قصر الصمدية التي أحد معنييها لازم الأحدية ظهر الاختصاص بالأحدية، قال العلماء رحمهم الله تعالى: والصمد من صمد إليه - إذا قصده، وهو كالأحد، بني على هذا الوزن لأنه لا تلحقه المضارعة ولا تدن منه المشابهة لأنه اسم خاص فهو السيد المصمود إليه، وهو أيضاً الذي لا جوف له ولا رخاوة بوجه فيه، لأن الأجواف وعاء، وكل وعاء محتاج إلى موعيه، يقال: شيء مصمد، أي صلب، وحجر صمد: أملس لا يقبل الغبار ولا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء، قال ابن قتيبة: وهو على هذا الدال فيه مبدله من التاء وهو المصمت، وهو أيضاً العالي الذي تناهى علوه، تقول العرب لما أشرف من الأرض: صمد - بإسكان الميم، وبناء صمد أي معلى، فهو على التفسير الأول من الصفات الإضافية بمعنى أنه سيد لكل موجود، والكل محتاجون إليه في ابتداء إيجادهم وفي تربيتهم، فهم يصمدون إليه في الحوائج ويقصدون إليه في جميع الرغائب، وهو غني على الإطلاق، وذلك هو اتصافه بصفات الإلهية، قال الإقليشي فعلى هذا أي أنه الذي يلجأ إليه ويعتمد عليه لتناهي سؤدده - يتشعب من صفة الصمد صفات السؤدد كلها من الجود، والحلم وغير ذلك وإذا قلنا: إن الصمد العالي تشعبت منه صفات التعالي كلها من العزة والقهر والعلو ونحوها - انتهى، وقد روى البيهقي رحمة الله تعالى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله " الصمد " قال: هو السيد الذي كمل في سؤدده، والشريف الذي كمل في شرفه، والعظيم الذي كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي كمل في غناه، والجبار الذي كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكم الذي قد كمل في حكمه، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله عز وجل، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفوء، وليس كمثله شيء، فسبحان الله الواحد القهار وقال أبو العباس بن تيمية الحنبلي في كتابه " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ": أجمع سلف الأمة وأئمتها أن الرب سبحانه وتعالى بائن من مخلوقاته، يوصف بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل بوصف من صفات الكمال دون صفات النقص، ونعلم أنه ليس كمثله شيء ولا كفوء له في شيء من صفات الكمال كما قال الله تعالى: { قل هو الله أحد الله الصمد } - إلى آخرها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الصمد إلى آخر ما مضى عنه، وقال ابن مسعود رضي الله عنه وغيره: هو الذي لا جوف له، والأحد الذي لا نظير له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فاسمه الصمد يتضمن اتصافه بصفات الكمال ونفي النقائص عنه، واسمه الأحد يتضمن أنه لا مثل له، وقال الحرالي: الصمد - يعني بالسكون: - التوجه بالحاجات إلى مليّ بقضائها لا يحتاج إلى سواه، فلذلك يكون الصمد سيداً لا يساد، السيد الله - انتهى، وعلى التفسير الثاني: هو من النعوت السلبية، فهو دال على نفي الماهية التي تعنت بها فرعون لاقتضائها المقومات المستلزمة للحاجة إلى ما به التقويم، وعلى إثبات الهوية المنزهة عن كل شائبة نقص، فإن كل ما له ماهية كان له جوف وباطن، وهو تلك الماهية، وهو ما لا باطن له، وهو موجود فلا جهة ولا اعتبار في ذاته إلا الوجود، فهو واجب الوجود غير قابل للعدم، وقد علم بهذا أنه جامع لما ذكر فيما قبله، فإن هذا التفسير الثاني يتشعب منه من الأسماء ما ينظر إلى نفي التركيب كالأحد ونحوه وهذان التفسيران الأول والثاني جامعان لجميع ما فسر به ولما عسى أن يقال فيه سبحانه من صفات الكمال، ونعوت العظمة والجلال، فمن كان مصموداً إليه في جميع الحاجات ومتعالياً عن كل سمت حدث وشائبة نقص كان موجداً لكل ما يريد من نفع وضر ونافع وضار قادراً على حفظ ما يريد، وكان معلوماً كالشمس أنه لا شريك له، وأنه هو وحده المستحق للعبادة لاحتياج الكل إليه الاحتياج المطلق وغناه عنهم الغنى المطلق، وتفرده بصفات الكمال والانقطاع عن قرين وإلى الصمدانية ينتهي التوجه وهو الإقبال بالكلية، وهي ترد على الفلاسفة القائلين بتدبير القول، والصابية القائلين بتدبير النجوم، وعلى غيرهم من كل من ادعى تدبيراً لغير الله سبحانه وتعالى، ومن اعتقد صمديته المقتضية لكمال الذات والصفات وشمول التدبير، أنتج له كمال التفويض والتوكل وهو توحيد الربوبية، وهذه الأسماء الأربعة مشيرة إلى مقامات السائرين ومرامات الحائرين والجائرين، فالمقربون نظروا إلى الأشياء فوجدوا كل ما سواه سبحانه وتعالى معدوماً بالذات، فكان ذكرهم " هو " وأصحاب اليمين نظروا إلى وجود الممكنات فعينوا مرادهم وميزوا مذكورهم بالجلالة، وأصحاب الشمال جوزوا الكثرة في الإله فاحتاجوا في تذكيرهم إلى الوصف بالأحدية والصمدية وهي رادة على أهل الاتحاد أعظم رد، فإنهم يقولون: إن الإله هو هذا العالم، وهو منقسم بالحس فضلاً عما عداه ومحتاج أشد احتياج.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما انتهى بيان حقيقته سبحانه وتعالى، وأنه غير مركب أصلاً، وبين سبحانه بصمديته المستلزمة لوحدانيته أن الكل مستند إليه ومحتاج إليه، وأنه المعطي لوجود جميع الموجوات، والمفيض للجود على كل الماهيات فلا يجانس شيئاً ولا يجانسه شيء، ولا يكون له نظير في شيء من ذلك. وكان ربما تعلق بوهم واهم أن تولد غيره عنه يكون من تمام سؤدده المعبر به عن قدرته، بين أن ذلك محال لاقتضائه الحاجة مما لا تعلق له بالقدرة لأن القدرة من شأنها أنها لا تتعلق بالمحال، وهذا محال، لأنه سبحانه صمد، فكان ذاك بياناً للصمدية في كلا معنييها، فقال من غير عاطف دالاًّ على انتفاء الجوف الذي هو أحد مدلولي " صمد " مكاشفاً للعقلاء شارحاً لأنه لا يساويه شيء من نوع يتولد عنه ولا جنس يولد هو عنه، ولا غير ذلك يوازيه في وجود ولا غيره { لم يلد } أي يصح ولم ينبغ بوجه من الوجوه أن يقع تولد الغير عنه مرة من المرات، فكيف بما فوقها لأن ذلك مستلزم للجوف وهو صمد لا جوف له، لأن الجوف من صفات النفس المستلزم للحاجة وهو مستغن بدوامه في أبديته عمن يخلفه أو يعينه لامتناع الحاجة والفناء عليه، فهو رد على من قال: الملائكة بنات الله أو عزير أو المسيح أو غيره.
ولما بين أنه لا فصل له، ظهر أنه لا جنس له، فدل عليه بقوله: { ولم يولد } لأنه لو تولد عنه غيره تولد هو عن غيره كما هو المعهود والمعقول، فهو قديم لا أول له بل هو الأول الذي لم يسبقه عدم، أن الولادة لا تكون ولا تتشخص إلا بواسطة المادة وعلاقتها، وكل ما كان مادياً أو كان له علاقة بالمادة، كان متولداً عن غيره فكان لا يصح أن يتولد عنه شيء لأنه لا يصح أن يكون هو متولداً عن غيره لأنه لا ماهية له ولا اعتبار لوجوده سوى أنه هو، فهويته لذاته، ومن كانت هويته لذاته لم يصح بوجه أن يتولد عن غيره لأنه لو تولد عن غيره لم يكن هو هو لذاته، ولا يكون أحداً حقيقياً ولا صمداً، فينتفي من أصله، ولا يكون له من ذاته إلا العدم، فقد تبين أنه واجب الوجود، فوضح كالشمس أنه ليس مادياً لأنه غير محتاج بوجه، فلا يصح أن يتولد عنه غيره، لأنه لم يصح أن يتولد هو عن غيره، ومن كان كذلك لم يكن له مثل، فلا يصح بوجه أن يساويه شيء ليصح أن يقوم مقامه فيما بين ما انتفى في الأول والآخر، فدل على ذلك إتماماً لشرح حقيقته المعبر عنها بهو بقوله: { ولم يكن } أي لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ولا بتقدير من التقادير { له } أي خاصة { كفواً } أي مثلاً ومساوياً { أحد } على الإطلاق، أي لا يساويه في قوة الوجود لأنه لو ساواه في ذلك لكانت مساواته باعتبار الجنس والفصل، فيكون وجوده متولداً عن الازدواج الحاصل من الجنس الذي يكون كالأم، والفصل الذي يكون كالأب، وقد ثبت أنه لا يصح بوجه أن يكون في شيء من الولادة، لأن وجوب وجوده لذاته، فانتفى أن يساويه شيء في قوة وجوده، فانتفى قطعاً أن يساويه أحد في شيء من قوة أفعاله، فعطف هاتين الجملتين على الجملة التي قبلها لأن الثلاث شرح الصمدية النافية لأقسام الأمثال، فهي كالجملة الواحدة، وقدم الظرف في الثالثة لأن المقصود الأعظم نفي المكافأة عن الذات الأعظم، فكان أهم " وكفواً " حال من أحد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ويجوز أن يكون " كان " ناقصة ويكون " كفواً " خبرها، وسوغ خبريته تخصيصه بـ " له " كما قالوا في " إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله " وقد وضح أن هذه السورة أعظم مبين للذات الأقدس بترتيب لا يتصور في العقل أن يكون شيء يساويه، وكلمات لا تقع في الوهم أن يكون شيء يساويها أو يساوي شيئاً منها، فأثبت أولاً حقيقته المحضة وهويته بأنه هو، لا اسم لتلك الحقيقة من حيث هي إلا ذلك، فعلم أنه واجب الوجود لذاته لا لشيء آخر أصلاً، ثم عقب ذلك بياناً له بذكر الإلهية التي هي أقرب اللوازم لتلك الحقيقة وأشدها تعريفاً.
ولما اقتضت الإلهية الوحدة لأنها عبارة عن الاستغناء المطلق واحتياج الغير إليه الاحتياج المطلق، دل عليها بالأحد، ودل على تحقيق معنى الإلهية والواحدة معاً بالصمدية لما لها من المعنيين: وجوب الوجود بعدم الجوف وجوداً أو تقديراً والسيادة المفيضة لكل وجود على كل موجود وجوداً لا يشبه وجوده سبحانه:
| **" وأين الثريا من يد المتناول "** | | **" الأمر أعظم من مقالة قائل "** |
| --- | --- | --- |
وبين المعنيين كليهما بعدم صحة التوليد منه وله وعدم المساوي، فمن أول السورة إلى آخر الأسماء في بيان حقيقته سبحانه وتعالى ولوازمها الأقرب فالأقرب ووحدتها بكل اعتبار، ومن ثم إلى آخرها في بيان أن لا مساوي له لأنه لا جنس له ولا نوع حتى يكون هو متولداً عن شيء أو يكون متولداً عنه شيء، أو يكون شيء موازياً له في الوجود، وبهذا القدر حصل تمام معرفة ذاته، وأنه لا يساويه شيء في قوة وجوده فلا يساويه في تمام أفعاله بدلالة شاهد الوجود الذي كشف عنه والشهود بنصر نبيه صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو أبا لهب وجميع الكافرين الشانئين وحده وهم ملء الأرض ويخبرهم مع تحاملهم كلهم عليه أنهم مغلوبون، وأنه أتاهم بالذبح لأن لمن أرسله الإحاطة الكاملة بجميع الكمال، وقد كان الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم، فقد صدقت مقالاته، فثبتت إلى الخلق كافة رسالاته، وثبت مضمون جميع السورة بما ثبت من هذه الأدلة المشهورة، والبراهين القاطعة المنصورة، وقد ثبت أنه صمد بما دل على أحد معنييه الذي هو انتفاء الجوفية بعدم التولد، وعلى المعنى الآخر الذي هو بلوغ المنتهى من السيادة بعدم المكافىء فبان أنه هو لذاته فلا إله غيره، فانطبق آخرها على أولها، والتحم أيّ التحام مفصلها بموصلها، فعلم أنه هو هو لا غيره بزيادة أنه الأحد ولا أحد حقاً غيره، ومن تحقق آخرها أقبل بكليته إليه سبحانه، فلم يلتفت إلى غيره لأن الكل في قبضته، وقد نقلت في كتابي مصاعد النظر عن الإحياء للإمام الغزالي رحمة الله تعالى عليه في شيء من أسرار هذه السورة كلاماً هو في غاية النفاسة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروى الترمذي عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: قل هو الله أحد إلى آخرها، قال: لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفواً أحد - انتهى. ومن كان كذلك فهو الجامع للأسماء الحسنى والصفات العلى كلها، وعلم أن حاصلها تنزيه المعبود عن أن يكون له مجانس، أو يكون له مكافىء، والرد على كل من يخالف في شيء من ذلك، وأعظم مقاصد آل عمران المناظرة لها في رد المقطع على المطلع، المفتتحة بالحي القيوم، المودعة أوضح الأدلة على كفر من كفر بالله سبحانه وتعالى لا سيما من ادعى أن عيسى عليه الصلاة والسلام إله أو أنه ولد له سبحانه وتعالى وكذا غيره الدلالةُ على بطلان مذهب من ادعاه إلها وعلى أن عيسى عليه الصلاة والسلام عبد من عبيده أوجده على ما أراد كما أوجد من هو أغرب حالاً منه وإبطال قول من ادعى فيه غير ذلك. ولما عرفت هذه السورة حقيقة الذات أتم تعريف، وكان الغرض الأقصى من طلب العلوم بأسرها معرفة ذاته سبحانه وتعالى وصفاته وكيفية صدور الأفعال عنه وكان القرآن العظيم كفيلاً بجميع هذه العلوم، وكانت هذه السورة منه قد تكفلت بجميع ما يتعلق بالبحث عن الذات على سبيل التعريض والإيماء، وكانت معادلة لثلث القرآن وهي ثلث أيضاً باعتبار آخر وهو أن الدين اعتقاد، وفعل لساني يترجم عن الاعتقاد، وفعل يصحح ذلك، وهي وافية بأمر الاعتقاد بالوحدانية الذي هو رأس الاعتقاد، وباعتبار أن مقاصده كلها محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص، وهذه السورة على وجازتها قد اشتملت على جميع المعارف الإلهية والرد على من ألحد فيها، ولأجل أن هذا هو المقصود بالذات الذي يتبعه جميع المقاصد عدلت في بعض الأقوال بجميع القرآن، وحاصل شرح هذه السورة العظمى أنه سبحانه وتعالى دل على الذات الأقدس بالهوية، وعبر عنها بالضمير إشارة إلى نفي الماهية التي غلظ أو غالط فيها الكفور الأعظم فرعون - لعنة الله عليه وعلى أتباعه أهل الإلحاد، وأنصاره وأشياعه من أهل الاتحاد، ودل على ذلك بالاسم الأعظم المجمع عليه ودل عليه بالوحدة الجامعة للغنى، النافية للكثرة الموجبة لحاجة، ودل عليها بالصمدية النافية للجوفية المثبتة للسيادة الخفية، ودل على أول معنييها بانتفاء الولادة منه وله، الدالان على نفي الجنس للقوم والفصل المقسم، ودل على الثاني بعدم المكافىء، ودل على هذا العدم بأفعاله العظيمة المشاهدة التي أشار قطعاً ترتيب السور بما انتهى إليه وضع هذه السورة في هذا الموضع إلى استحضارها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وتأمل ما كان منها من تربية هذا الدين بنصر نبيه الذي أرسله صلى الله عليه وسلم لإقامته، وسلط الكافرين - وهم ملء الأرض - على أذاه، وجعل أعظمهم له أذى أقربهم إليه نسباً عمه أبا لهب الذي كان يتبعه في تلك المشاهد والقبائل، ويلزمه في تلك المواسم والمعاهد والمحافل، يصرح بتكذيبه كلما دعى الناس إلى الحق، ويواجه بما هو أشد الأشياء على النفس كراهة وأشق، فكانت تلك الشهرة عين الرفعة والنصرة، لأن الشيء، إذا خرج عن حده انقلب إلى ضده، فإنه إذا تناهت شهرته ثم بان بطلانه أو صحته رجعت شهرته بكونه باطلاً أو صحيحاً أعظم منها لو لم يتقدمها شهرة بغير ذلك، فانقلبت النصرة، وعظمت الكثرة، فجلت المعاونة، وزالت المباينة، وحصل الوفاق، وزال الشقاق، فدل هذا الفعل الأعظم من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو وحده، وكذب المعاندين وهم من لا يحصيهم إلا الله في كل ما قال، وجميع ما قالوا على عزته سبحانه وتعالى بكونه نصر عبده على ذلك الوجه الخارق للعادة وعلى حكمته بما سلطهم به عليه حتى أسرعت الشهرة وعمت النصرة، فعلم بتلك المشاهدة أنه العزيز الحكيم كما دلت عليه سورة التوحيد المناظرة لهذه في رد المقطع على المطلع، وهي آل عمران المناظرة لهذه في الدلالة على التوحيد والمحاججة لمن ادعى أن له صاحبة وولد، فعلم قطعاً أنه لا كفوء له، فعلم أنه لا يصح أصلاً أن يلد ولا أن يولد، فبطلت قطعاً دعوى إلهية عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره ممن ادعى فيه الولدية بالأحدية لما تقتضيه الولادة من المادة المقتضية للكثرة، الموجبة للحاجة، وعظم البيان بما دل عليه الاسم الأعظم من الإجماع بما تقتضي الإلهية، ولا إجماع على غيره، وجل الأمر وانقطع النزاع بما دل عليه الضمير من وجوب الوجود النافي لما سواه من كل موجود - والله الهادي، فلقد أبانت السورة على أعظم الوجوه أن مرسله صلى الله عليه وسلم أجل موجود وأشرف حقيقة وأنفس معلوم، وأعظم ذات، وذلك يستلزم نفي كل ما لا ينبغي، وحصول كل ما ينبغي استلزاماً لا يقبل الانفكاك، كالفردية في الوتر، والزوجية في الشفع، وتفصيل ذلك بعشرة أشياء تبسط على كلمات السورة على الترتيب: الأول أنه تعالى له الوجود الذي ما مثله فليس هو كالممكنات المسبوقة بالعدم والمنقطعة بالانعدام، والمنصرمة في الدوام، بل هو أزلي لا أول له أبدي لا آخر له، قيوم لا انصرام له، الثاني أن له السبوحية الآبية على نفع كل نقص وعيب، الثالث أن له القدوسية المشتملة على الاتصاف بكل كمال، من جلال وجمال وتعال، الرابع أن له العظمة والجلالة عن أن يكون عرضاً أو كالأعراض، أو جوهراً أو كالجواهر، أو جسماً أو كالأجسام، الخامس أن له العلو عن أن يحل في شيء أو يحل فيه شيء أو يتحد بشيء أو يتحد به شيء، السادس أنه تعالى له الغنى عن الموجد كالرب والموجب كالأب والمفيد أي لشيء من الكمالات، السابع أنه تعالى له الوحدانية التي ليس فيها شبيه أي في صفاته، ولا مثيل أي في نوع ولا نسب أي كالقرابة، الثامن أنه تعالى له الفردانية التي لا يصح فيها شرك، لا في الملك - بكسر الميم، ولا في الملك - بضمها، ولا في التدبير، ولا في التأثير، التاسع أنه تعالى له الكبرياء المنافية لفوت كمال أو كمال كمال، العاشر أنه تعالى له العزة المنافية لأن يكون له ضد - وهو المفسد لما يفعله، أو ند - وهو الموجد لمثل ما يوجده، وتنزل هذه العشرة على السورة واضح لمن تأمل الكلام وتدبره، وابتدأ سبحانه السورة بالضمير قبل الظاهر بعد التصريح بالنصر والفتح وخسارة أهل الكفر بخسارة أبي لهب الذي هو أعلاهم وأعزهم إشارة إلى أن من صحح باطنه باسم الله تعالى نصر وفتح له - كما يشير إليه تعقيب الأمر في آخر سورة البقرة بالرغبة إليه في النصر على الكافرين بقوله
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ الله لا إله إلا هو الحي القيوم }** [البقرة: 255] فإنه ترجمة أول هذه السورة التالية للنصر والكافرون سواء بالضمير والاسم الأعظم والتوحيد الأعظم المقرون بدليل وهو القيومية، فقد بين آخر السورة الذي هو نتيجتها ورد مقطعها على مطلعها أنه أحد حاضر في كل زمن لا يغيب أصلاً، ولا أحد يكافئه أو يشابهه، لأنه لم يتولد عنه شيء ولا تولد هو عن شيء، لأنه صمد لا جوف له مطلقاً لا في ذاته بالفعل، ولا بحيث يجوّزه الوهم لأنه أحد محيط بكل شيء لأنه هو الله المحيط بجميع صفات الكمال والجمال، وهو غيب محض لأنه لا يقوى غيره على معرفته إلا باللوازم من الصفات المعقولة تقريباً، والأفعال المشاهدة آثارها، وهو هو الذي هو - مع كونه غيب الغيب - مستحضر في كل لب، لا يظهر بغيب عن أحد بما له من الآثار، التي ملأت الأقطار، ولذلك استحق التسمية بـ " هو " ولم يستحقها غيره لحضوره لكل قلب وغيبة غيره بكل اعتبار، لأنه ليس للغير من ذاته إلا الغيبة بالعدم، وأما هو فهو الواجب وجوده، وهو الذي أوجد غيره، وركز في كل قطرة ذكره، لما له سبحانه من الكمال، ولغيره من شدة الحاجة إليه والاحتلال، فكان سبوحاً قدوساً جامعاً بين الوصفين لأنه ممدوح بالفضائل والمحاسن، التقديس مضمر في صريح التسبيح، والتسبيح مضمر في صريح التقديس، وقد جمع الله سبحانه وتعالى بينهما في هذه السورة بالأسماء التي جلاها أولها، فهو صريح التقديس، ومن ثم إلى آخرها صريح التسبيح، والأمران راجعان إلى إفراده وتوحيده ونفي التشريك والتشبيه عنه، وذلك هو الجمع بين الإثبات والنفي على تهييج ما وقع في كلمة الإخلاص ليعلم أن الإثبات لا يكمل إلا بصيانته عن كل ما يتضمن مخالفته، لكن كلمة الإخلاص تركبت من نفي ثم إثبات، وسورة الإخلاص من إثبات ثم نفي، فأولها إثبات وآخرها نفي، وآخر الإثبات الصمد، فهو جامع بين الأمرين فإنه جمع كل صفة لا يتم الخلق إلا بها " لأن أحد مدلوليه " في اللغة: السيد الذي يرجع إليه، فاقتضى ذلك إثبات صفات الكمال التي بها يتم اتساق الأفعال ونفي كل صفة ينزه عنها، لأن ثاني مدلوليه في اللغة: الذي لا جوف له، وذلك يتضمن نفي النهاية ونفي الحد والجهة والجسم والجوهر، لأن من اتصف بشيء من ذلك لم يستحل اتصافه بالتركيب ووجود الجوف، فقررت هذه الكلمة وجوب المعرفة بالنفي والإثبات ليميز بين الحق والباطل، لأن من لم يتحقق صفاء الباطل لم يتقرر له المعرفة بالحق، ولذلك كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الحق لصحة الاعتقاد والمعرفة، وعن الباطل والشر للتمكن من مجانبته حتى قال حذيفة رضي الله تعالى عنه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" وكان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر "** وذلك لأن من لم يعرف الشر يوشك أن يقع فيه، وأن ما خالفت كلمة الشهادة في الترتيب لأن تلك أتت للإدخال في الدين، والأليق بمن كان خارجاً أو ضعيفاً - وهم الأكثر - نفي الباطل أولاً ومحوه من لوح القلب ليأتي إثبات الحق فيه وهو فارغ فيقر فيه، فلما نفت أولاً كل غير كان سبباً للمجانبة والبعد عن حضرات القدس، ثم أثبتت الذات الأقدس والمسمى الأشرف الأنفس، أكدت سورة الإخلاص لأنها للكمل الذين تخلقوا بما قبلها من السور، هذا الإثبات عند استحضاره، وشهود الجميل من آثاره، ثم ختمت بنفي الأغيار، ليكون بذلك تجلى ختام الأعمار، عند الرجوع إلى الآثار، بالعرض على الواحد القهار، وقد بين بهذه السورة أنه طريق بين الخلق والأمر، فلما فتح الخلق بمتشابه خلق آدم عليه الصلاة والسلام لأن المتشابه ما خرج عن أشكاله، وختمت أقسامه الأربعة بمتشابه خلق عيسى عليه الصلاة والسلام - كما تقدم عند
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ إن الله اصطفى }** [آل عمران: 33] في آل عمران المناظرة لهذه السورة، لذلك فتح الأمر بعد أم الكتاب بمتشابه الحروف المقطعة، وختم دون المعوذتين اللتين هما في الحال المرتحل كالمقدمة، والافتتاح بالتعوذ لأم الكتاب بمتشابه هو سورة الإخلاص، وكان متشابه أوله متشابهاً من جميع وجوهه، لا يمكن أحداً أن يقول فيه قولاً مقطوعاً به أو مظنوناً ظناً راجحاً، ومتشابه آخره لا يقنع فيه بدون القطع في أوله فيما كلفنا أمره في هذه الدار وهو أصول الدين، ووراء ذلك ما لا يدركه أحد من الأبرار ولا المقربين، وهو الذات الأقدس، فمن رجع متشابه الخلق فوق منزلته كفر، ومن وضع متشابه الأمر عن رتبته العلية كفر، وجعل آخره أجلى من أوله من بعض الوجوه إشارة إلى ترقية الموفق في أمره، وأنه في الآخر يكون أجلى انكشافاً وأوضح معرفة، وتلاه بالتعوذ إشارة إلى سؤال الاعتصام في شأنه، والحفظ التام في مضمار عرفانه، وكرر بالتثنية لأجل الإحاطة بأمري الظاهر والباطن، والتأكيد تنبيهاً على صعوبة المرام، وخطر المقام.
ولما افتتح القرآن بسورة مشتملة على جميع معانيه، ختم بسورتين يدخل معناهما، وهو التعوذ، ويندب ذكره في جميع أجزائه ومبانيه، وفي ذلك لطيفة أخرى عظيمة جداً، وهي أنه لما علم بالإخلاص تمام العلم وظهور الدين على هذا الوجه الأعظم، فحصل بذلك غاية السرور، وكان التمام في هذه الدار مؤذناً بالنقصان، جاءت المعوذتان لدفع شر ذلك، وقد انقضى الكلام على ما يسره الله تعالى من كنوز معاني سورة الإخلاص بحسب التركيب والنظم والترتيب، وبقي الكلام على ما فتح الله به من أسرارها في الدلالة على مقصود السورة بالنظر إلى كلماتها مفردة ظواهر وضمائر ثم حروفها، ففيها من الأسماء الحسنى والصفات العلى، التي أسس عليها بنيانها، وانبنت عليها أركانها، خمسة هي العشر من كلمات آية الكرسي كما أن الصلوات المكتوبات خمس وهي خمسون في أم الكتاب " الحسنة بعشر أمثالها " فمن لطائف إشاراتها أنها كدعائم الدين الخمس، فالضمير مشير إلى تصحيح ضمير القلب بالإيمان، وصحة القصد والإذعان، حتى يقوم بناء العبادة، والاسم الأعظم إشارة إلى أن ذلك التصحيح لأجل التأله بالخضوع للإله الحق باستحضار اسمه الأعظم كما أن الصلاة أعظم عبادات البدن، هذا للتهيئة في الدخول في العبادة، ثم إن الدخول فيها شرطه أحدية التوجه تحقيقاً للصدق في صحة العزم عليها كما أن الزكاة تكون مصدقة للإيمان، وذلك التوحيد في التوحيد يكون لأجل الصدق في التأله بما يشير إليه إعادة الاسم الأعظم كما هو شأن الحاج الأشعث الأغبر المتجرد، ويكون ذلك التأله باستحضار افتقار العابد إلى المعبود وتداعيه إلى الهلاك بكل اعتبار لأنه أجوف، وغنى المعبود على الإطلاق بما يشير إليه الاسم الإضافي الصمد كما هو شأن الصائم في عبادته، واستحضاره لحقارته وشدة حاجته، ولجلالة مولاه، وتعاليه في غناه، فمن صحت له هذه الدعائم الخمس كانت عبادته في الذروة العليا من القبول، وإلا كان لها اسم الحصول من غير كثير محصول - والله الموفق، وكونها خمس عشرة كلمة إشارة إلى أنهم في السنة الخامسة عشرة من النبوة يعلمون - بغلبة قهره وسطوة سلطانه وتأييده للمستضعفين من حزبه، وتقويته لهم في وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة - أن مرسله لا كفوء له بعلم شهودي لا يقدر أحد على تكذيبه ودفعه، فيقوم به دليل الإخلاص، ولات حين مناص، وإذا ضممت إليها الضمير الواجب الاستتار في { قل } كانت ست عشرة إشارة إلى أنه في السنة السادسة عشرة من النبوة وهي الثالثة من الهجرة في غزوة أحد يكون الظاهر فيها اسمه تعالى الباطن، فإنه كان فيها من المصيبة ما هو مذكور في السير تفصيله من قتل سبعين من الصحابه رضي الله تعالى عنهم منهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد أن ظهر فيها النبي صلى الله عليه وسلم في أول النهار، ظهوراً بيناً حتى كانت هزيمة الكفار، لا شك فيها - كما قال الله تعالى
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم }** [آل عمران: 152] - الآيات، ثم أخفى الله ذلك في إزالة الكفار في أثناء النهار، فهزم الصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم منهم إلا نفر يسير جداً أكثر ما ورد في عددهم أنهم يقاربون الأربعين وهو ثابت بهم - صلى الله عليه وسلم - في نحر العدو وهم نحو من ثلاثة آلاف فيهم مائتا فارس يحاولهم ويصاولهم يشتملون عليه مرة ويفترقون عنه أخرى ليعلم أن الناصر إنما هو الله سبحانه وتعالى وحده، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما نصر النبي صلى الله عليه وسلم في موطن من المواطن ما نصر في غزوة أحد، وقال أبو سفيان ابن حرب يوم إسلامه في عام الفتح للنبي صلى الله عليه وسلم: ما قاتلتك من مرة إلا ظهرت عليّ، أظن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولكن الذي ظهر منها ما كان في آخر النهار من ظهور الكفار، فأخفى الله تعالى نصره لنبيه صلى الله عليه وسلم فيها باسمه الباطن إلا على أرباب البصائر، فما علم ذلك إلا بوجه خفي جداً مناسبة للضمير الباطن الواجب الاستتار، وإذا ضممت إلى ذلك الضميرين المستترين الجائزي الظهور، فكانت الكلمات بذلك ثماني عشرة، كان إشارة إلى أن في السنة الثامنة عشرة من النبوة - وهي الخامسة من الهجرة دلالة عظيمة على أنه لا كفوء له يوجب الإخلاص على وجه هو أجلى مما كان في غزوة أحد وإن كان فيه نوع خفاء، وذلك في غزوة الأحزاب وبني قريظة حين رد الله الكفار بغيظهم لم ينالوا خيراً بعد أن كانوا في عشرة آلاف مقاتل غير بني قريظة، يقولون: إنه لا غالب لهم، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً قاهراً لهم بريح وجنود لم يروها، وأمكن من بني قريظة، وكان الله قوياً عزيزاً، وذلك في شوال وذي القعدة سنة خمس من الهجرة، فإذا ضممت إليها الضمير الآخر البارز بالفعل في " له " فكانت تسع عشرة، كانت إشارة إلى مثل ذلك على وجه أجلى في عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فإنه كان فيها الفتح السببي الذي أنزل الله سبحانه وتعالى فيه سورة الفتح، وكان فيها من دلائل الوحدانية أمور كثيرة توجب الإخلاص، وإن كان في ذلك نوع خفاء مناسبة للضمير وإن كان بارزاً بالفعل، فقد خفي على كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين حتى نبههم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا ضممت إليها كلمات البسملة الأربع كانت ثلاثاً وعشرين توازي السنة العاشرة من الهجرة، وهي الثالثة والعشرون من النبوة، وفيها كان استقرار الفتح الأكبر والإخلاص الأعظم بنفي الشرك وأهله من جزيرة العرب لحجة الوداع التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: **" إن الشيطان - قد أيس أن يعبد في أرض العرب "** ولذلك توفى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عقبها بعد إظهار الدين وإذلال الكافرين وإتمام النعمة، وقام سبحانه بنصر الأمة وحده بعد أن مهد أسباب النصر بنبيه صلى الله عليه وسلم حتى علم قطعاً في الردة وأحوالها، وموج الفتنة وأهوالها، وغلبة رعبها على القلوب وزلزالها، في ذلك الاضطراب الشديد، أنه الإله وحده الذي لا كفوء له لحفظ الدين في حياة نبيه صلى الله عليه وسلم وبعده، وكذا فيما بعد ذلك من فتوح البلاد، وإذلال الملوك العتاة الشداد، مع ما لهم من الكثرة والقوة بالأموال والأجناد، والتمكن العظيم في البلاد، وجعل النصر عليهم بأهل الضعف والقلة آية في آية، ودلالة بالغة في ظهورها الغاية، وإذا سلكت طريقاً آخر في الترتيب في الكلمات الخطية والاصطلاحية دلّك على مثل ذلك بطريق آخر، وذلك أن تضم إلى الكمات الخمس عشرة كلمات البسملة الأربع لتكون تسع عشرة فنوازي سنة ست من الهجرة، وذلك سنة عمرة الحديبية التي سماها الله تعالى فتحاً، وأنزل فيها سورة الفتح لكونها كانت سبب الفتح الذي هو عمود الإخلاص، فإذا ضممت إليها الضمير المستتر كانت عشرين، فوازت سنه سبع التي كانت فيها عمرة القضاء، فأظهر الله فيها الإخلاص على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم بين أظهر المشركين في البلد الذي كان بعثه منه وفيه على وجه ظهر فيه أنه لا كفوء له، ولكن كان ذلك بوجه خفي، فإذا ضممت إليها الضميرين المستترين الجائزي البروز كانت اثنتين وعشرين موازية لسنة تسع سنة الوفود ودخول الناس في دين الله أفواجاً، فالإلهية من حيث هي تقتضي الوحدة، والوحدة لا تقتضي الإلهية، وعبر به دون الواحد لأن المراد الإبلاغ في الوصف بالوحدة إلى حد لا يكون شيء أشد منه، والواحد - قال ابن سينا - مقول على ما تحته من التشكيك، والذي لا ينقسم بوجه أصلاً أولى بالوحدانية مما ينقسم من بعض الوجوه، والذي ينقسم انقساماً عقلياً أولى مما ينقسم بالحس، والذي ينقسم بالحس وهو بالقوة أولى من المنقسم بالحس بالفعل، وإذا ثبت أن الوحدة قابلة للأشد والأضعف وأن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك كان الأكمل في الفعل الذي لا يمكن أن يكون شيء آخر أقوى منه فيها وإلا لم يكن بالغاً أقصى المرام، والأحد جامع لذلك دال عل الواحدية من جميع الوجوه، وأنه لا كثرة هناك أصلاً، لا معنوية من المقولات من الأجناس والفصول ولا بالأجزاء العقلية كالمادة والصورة، ولا حسية بقوة ولا فعل كما في الأجسام، وذلك لكونه سبحانه وتعالى منزهاً عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر الوجوه وجوه التشبيه التي تثلم الوحدة الكاملة الحقة اللائقة بكرم وجهه وعز جلاله أن يشبهه شيء أو يساويه شيء لأن كل ما كانت هويته أن تحصل من اجتماع آخر كانت هويته موقوفة على تلك الأجزاء فلا يكون هو هو لذاته بل لغيره، فلذا كان منزهاً عن الكثرة بكل اعتبار ومتصفاً بالوحد من كل الوجوه، فقد بلغ هذا النظم من البيان أعظم شأن، فسبحان من أنزل هذا الكلام ما أعظم شأنه وأقهر سلطانه! فهو منتهى الحاجات، ومن عنده نيل الطلبات، ولا يبلغ أدنى ما استأثره من الجلال والعظمة والبهجة أقصى نعوت الناعتين، وأعظم وصف الواصفين، بل القدر الممكن منه الممتنع أزيد منه هو الذي ذكره في كتابه العزيز، وأودعه وحيه المقدس الحكيم، وبالكلام على معناه والمعنى الواحد تحقق ما تقدم، قال الإمام أبو العباس الاقليشي في شرح الأسماء الحسنى، فمن أهل اللسان من ساوى بينهما جعلهما مترادفين، ومنهم من قال: أصل " أحد " واحد، أسقطت منه الألف، ثم أبدلت الهمزة من الواو المفتوحة مثل حسن يحسن فهو حسن - من الحسن، أبدلت الواو همزة، وأما من فرق بينهما فمنهم من قال: " أحد " على حياله، لا إبدال فيه ولا تغيير، ومنهم من قال: أصله وحد - أبدلت الواو همزة - انتهى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقد استخلصت الكلام على الاسمين الشريفين من عدة شروح للأسماء الحسنى وغيرها، منها شرح الفخر الرازي والفخر الحرالي وغيرهما - قالوا: الواحد الذي لا كثرة فيه بوجه لا بقسمة ولا بغيرها مع اتصافه بالعظمة ليخرج الجوهر الفرد وهو الذي لا يتثنى، أي لا ضد له ولا شبيه، فهو سبحانه وتعالى واحد بالمعنيين على الإطلاق لا بالنظر إلى حال ولا شيء، قال الإمام أبو العباس الاقليشي في شرح الأسماء الحسنى: هذه حقيقة الوحدة عند المحققين فلا يصح أن يوصف شيء مركب بها إلا مجازاً كما تقول: رجل واحد ودرهم واحد، وإنما يوصف بها حقيقة ما حراك له كالجوهر عند الأشعرية غير أنك إذا نظرت فوجدت وجوده من غيره علمت أن استحقاقه لهذا الوصف ليس كاستحقاق موجده له، وهو أيضاً إنما يوصف به لحقارته، وموجده سبحانه وتعالى موصوف به مع اتصافه بالعظمة، فاتصافه بالوحدة على الإطلاق، والاتصاف بالجوهر بالنظر إلى عدم التركيب من الجسم مع صحة اتصافه بأنه جزء يزل عنه حقيقة ذلك، والوحدة أيضاً بالنظر إلى المعنى الثاني - وهو ما لا نظر له - لا تصح بالحقيقة إلا له سبحانه وتعالى، وكل ما نوعيته في شخصيته كالعرش والكرسي والشمس والقمر يصح أن يقدر لها نظائر، ولها معنى ثالث وهو التوحيد بالفعل والإيجاد، فيفعل كل ما يريد من غير توقف على شيء، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الأول ناظر إلى نفي إله ثان، وهذا ناف لمعين ووزير، وكلاهما وصف ذاتي سلبي، والحاصل أن النظر الصحيح دل على أن لنا موجداً واحداً بمعنى أنه لا يصح أن يلحقه نقص لقسمته بوجه من الوجوه، وبمعنى أنه معدوم النظير بكل اعتبار، ومعنى أنه مستبد بالفعل مستقل بالإيجاد ومتوحد بالصنع منفرد بالتدبير، قضى بهذا شاهد العقل المعصوم من ظلمة الهوى وكثافة الطبع، وورد به قواطع النقل ونواطق السمع، ولهذا كان من أعظم الخلق دعاؤه سبحانه وتعالى لجميع الخلق، وكانت دعوة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم للخلق كافة، وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في آخر شرحه للأسماء الحسنى في شرحه في بيان رد الأسماء الكثيرة إلى ذات الواحد وسبع صفات الأحد المسلوب عنه النظير، وقال في الشرح المذكور: الواحد هو الذي لا يتجزى ولا يتثنى، أما الذي لا يتجزى فكالجوهر الذي لا ينقسم فيقال عنه: إنه واحد - بمعنى أنه لا جزء له، وكذلك النقطة لا جزء لها، والله تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام في ذاته، وأما الذي لا يتثنى فهو الذي لا نظير له كالشمس مثلاً فإنها - وإن كانت قابلة للانقسام بالوهم - متحيزة في ذاتها لأنها من قبيل الأجسام فهي لا نظير لها إلا أنه يمكن لها نظير، وليس في الوجود موجود يتفرد بخصوص وجوده تفرداً لا يتصور أن يشاركه فيه غيره أصلاً إلا الواحد المطلق أزلاً وأبداً، والعبد إنما يكون واحداً إذا لم يكن له في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير، وذلك بالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع، فلا وحدة على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى، وقال محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في مقدمة كتاب الملل والنحل: واختلفوا في الواحد أهو من العدم أم مبدأ العدد وليس داخلاً في العدد، وهذا الاختلاف إنما ينشأ من اشتراط لفظ الواحد أيضاً، فالواحد يطلق به ويراد به ما يتركب منه العدد، فإن الاثنين لا معنى له إلا واحد تكرر أول تكرير وكذا الثلاثة والأربعة، ويطلق ويراد به ما يحصل منه العدد الذي هو علة، ولا يدخل في العدد الذي لا يتركب منه العدد، وقد يلازم الواحدية جميع الأعداد لا على أن العدد يتركب بها بل وكل موجود فهو جنسه أو نوعه أو شخصه واحد، يقال: إنسان واحد، وفي العدد أنه لا كفوء له ولكن كان ذلك بوجه خفي، فإذا ضممت إليها الضميرين المستترين الجائزي البروز كانت اثنين وعشرين موازية لسنة تسع سنة الوفود ودخول الناس في الدين أفواجاً، وحجة أبي بكر رضي الله عنه وتطهير المسجد الحرام من نجس الإشراك بالبراءة من المشركين وزجرهم عن أن يحج بعد ذلك العام مشرك، ونهيهم عن قربانهم المسجد الحرام لأنهم نجس، وانتشار الإخلاص في أغلب بلاد العرب، وذلك أجلى مما مضى مناسب لما دل عليه، وفيه نوع خفاء عند من كان بقي من المشركين، وإذا ضممت إليها الضمير الآخر البارز بالفعل كانت ثلاثاً وعشرين توازي سنة حجة الوداع سنة عشر، وهي التي تم فيها الإخلاص ولم يحج بها مشرك، وأيس الشيطان فيها أن يعبد في جزيرة العرب، وفي ذلك - لكون الكلمة ضميراً - نوع يسير في الخفاء بما دل عليه بعد ذلك من الردة، وكان ذلك أنسب الأشياء بالكلمة المتحملة لذلك الضمير وهي له، هذا ما يسره الله من أسرار كلماتها بحسب الأعداد، وأما حروفها فمن الأسرار العظيمة أنه صفة الله، وأن حروفها مع البسملة بالنظر إليها من حيث اللفظ وكذا من حيث الرسم ستة وستون حرفاً، وكذا عدة حروف الجلالة الملفوظة وكذا المرسومة بحساب الجمل، فكل ما دعت إليه هو مدلول هذا الاسم الأعظم، وهذه العدة إذا أخذت من أول مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان آخرها منطبقاً على سنة موت صديقه الأكبر الذي سبق غيره بما وقر في صدره وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وذلك دلالة على أنه لا يوازيهما أحد في الإخلاص، وأنهما وصلا فيه إلى الرتبة العليا، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلى الخلق فيه، وفي ذلك أيضاً دلالة على أنه لا كفوء له لأنه نفى الإشراك بحذافيره من جميع جزيرة العرب بعد أن كانوا مطبقين عليه، وأطلقهم سبحانه وتعالى على من يليهم من ملوك الأمم حتى أظهر الله بهم الدين - وقد كانوا أذل الأمم - على الدين كله، ونفوا جبابرة الملوك صغرة بعد أن كان عندهم أنه لا غالب لهم، وحروفها الملفوظة هي بعدد كلمات - آيات التوحيد، وهي آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وذلك خمسون حرفاً إلا واحداً هو ألف { كفواً } الذي هو مرسوم غير ملفوظ، وهو الدال على الضمير الذي هو غيب الغيب، فهو غيب - من جهة عدم اللفظ به، ووجود وظهور من جهة شاهد الرسم ومسموع الاسم، كما أن الذات غيب محض من جهة الحقيقة يدرك بمشاهدة الأفعال، ومسموع الأسماء العوال - والله الهادي من الضلال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 20 | 21 | |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 20 | 21 | |
| --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) | أخرج أحمد والبخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن خزيمة وابن أبي حاتم في السنة والبغوي في معجمه وابن المنذر في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد أنسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد } لأنه ليس يولد شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث { ولم يكن له كفواً أحد } ليس له شيبة ولا عدل وليس كمثله شيء.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه أن المشركين قالوا يا رسول الله: أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو؟ ومن أي شيء هو؟ فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد }.
وأخرج ابن الضريس وابن جرير عن أبي العالية رضي الله عنه قال قالوا: انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السورة { قل هو الله أحد الله الصمد }.
وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي بسند حسن عن جابر رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد }.
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قالت قريش، يا رسول الله: أنسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد }.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو بكر السمرقندي في فضائل { قل هو الله أحد } عن أنس رضي الله عنه قال: جاءت يهود خيبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمإ مسنون وإبليس من لهب النار، والسماء من دخان، والأرض من زبد الماء، فأخبرنا عن ربك فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل بهذه السورة { قل هو الله أحد } ليس له عروق تتشعب { الله الصمد } ليس بالأجوف لا يأكل ولا يشرب { لم يلد ولم يولد } ليس له والد ولا ولد ينسب إليه { ولم يكن له كفواً أحد } ليس من خلقه شيء يعدل مكانه يمسك السموات إن زالتا، هذه السورة ليس فيها ذكر جنة ولا نار، ولا دنيا ولا آخرة ولا حلال ولا حرام انتسب الله إليها فهي له خالصة، من قرأها ثلاث مرات عدل بقراءة الوحي كله، ومن قرأها ثلاثين مرة لم يفضله أحد من أهل الدنيا يومئذ إلا من زاد على ما قال، ومن قرأها مائتي مرة أسكن من الفردوس سكناً يرضاه، ومن قرأها حين يدخل منزله ثلاث مرات نفت عنه الفقر ونفعت الجار، وكان رجل يقرأها في كل صلاة فكأنهم هزئوا به وعابوا ذلك عليه فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وما حملك على ذلك؟ قال يا رسول الله: إني أحبها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: حبها أدخلك الجنة. قال: وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويرددها حتى أصبح.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن حمزة بن يوسف بن عبدالله بن سلام أن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال لأحبار اليهود: إني أردت أن أحدث بمسجد أبينا إبراهيم عهداً، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فوافاه بمنى، والناس حوله، فقام مع الناس، فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أنت عبدالله بن سلام؟ قال: نعم، قال: أدن، فدنا منه، فقال: أنشدك بالله أما تجدني في التوراة رسول الله؟ فقال له: أنعت لنا ربك، فجاء جبريل فقال { قل هو الله أحد } إلى آخر السورة. فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أنك رسول الله، ثم انصرف إلى المدينة وكتم إسلامه.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب فقالوا يا محمد: صف لنا ربك الذي بعثك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد } فيخرج منه الولد { ولم يولد } فيخرج من شيء.
وأخرج الطبراني في السنة عن الضحاك قال: قالت اليهود يا محمد صف لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد } فقالوا: أما الأحد فقد عرفناه، فما الصمد؟ قال: الذي لا جوف له.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: أتى رهط من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه، ثم ساورهم غضباً لربه، فجاءه جبريل فسكنه وقال: اخفض عليك جناحك، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } فلما تلاها عليهم قالوا: صف لنا ربك كيف خلقه وكيف عضده وكيف ذراعه، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول وساورهم غضباً فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته وأتاه جواب ما سألوه عنه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون }** [الزمر: 67].
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنسب لنا ربك، وفي لفظ: صف لنا ربك، فلم يدر ما يرد عليهم فنزلت { قل هو الله أحد } حتى ختم السورة.
وأخرج أبو عبيد وأحمد في فضائله والنسائي في اليوم والليلة وابن منيع ومحمد بن نصر وابن مردويه والضياء في المختارة عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن ".** وأخرج ابن الضريس والبزار وسمويه في فوائده والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله احد } مائتي مرة غفر له ذنوب مائتي سنة ".** وأخرج أحمد والترمذي وابن الضريس والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال: **" جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أحب هذه السورة { قل هو الله أحد } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حبك إياها أدخلك الجنة " ".** وأخرج ابن الضريس وأبو يعلى وابن الأنباري في المصاحف عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" أما يستطيع أحدكم أن يقرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرات في ليلة، فإنها تعدل ثلث القرآن ".** وأخرج أبو يعلى ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } خمسين مرة غفر له ذنوب خمسين سنة ".** وأخرج الترمذي وأبو يعلى ومحمد بن نصر وابن عدي والبيهقي في الشعب، واللفظ له، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ كل يوم مائتي مرة { قل هو الله أحد } كتب الله له ألفاً وخمسمائة حسنة، ومحا عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دين ".** وأخرج الترمذي وابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من أراد أن ينام على فراشه من الليل نام على يمينه فقرأ { قل هو الله أحد } مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب: يا عبدي ادخل على يمينك الجنة ".** وأخرج ابن سعد وابن الضريس وأبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال: **" كان النبي صلى الله عليه وسلم بالشام، فهبط عليه جبريل فقال: يا محمد إن معاوية بن معاوية المزني هلك، أفتحب أن تصلي عليه؟ قال: نعم، فضرب بجناحه الأرض فتضعضع له كل شيء ولزق بالأرض ورفع له سريره فصلى عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أي شيء أتى معاوية هذا الفضل؟ صلى عليه صفان من الملائكة في كل صف ستمائة ألف ملك. قال: بقراءة { قل هو الله أحد } كان يقرؤها قائماً وقاعداً وجالساً وذاهباً ونائماً ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن سعد وابن الضريس والبيهقي في الدلائل والشعب من وجه آخر عن أنس رضي الله عنه قال: **" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فطلعت الشمس ذات يوم بضياء وشعاع ونور لم نرها قبل ذلك فيما مضى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجب من ضيائها ونورها، إذ أتاه جبريل فسأل جبريل: ما للشمس طلعت لها نور وضياء وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى؟ قال: ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال: بم ذاك يا جبريل؟ قال: كان يكثر { قل هو الله أحد } قائماً وقاعداً وماشياً وآناء الليل والنهار استكثر منها فإنها نسبة ربكم، ومن قرأها خمسين مرة رفع الله له خمسين ألف درجة، وحط عنه خمسين ألف سيئة، وكتب له خمسين ألف حسنة، ومن زاد زاد الله له. قال جبريل: فهل لك أن أقبض الأرض فتصلي عليه! قال: نعم. فصلى عليه ".** وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة غفر له خطيئة خمسين سنة إذا اجتنب أربع خصال الدماء والأموال والفروج والأشربة ".** وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } على طهارة مائة مرة كطهارة الصلاة يبدأ بفاتحة الكتاب كتب الله له بكل حرف عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وبنى له مائة قصر في الجنة وكأنما قرأ القرآن ثلاثاً وثلاثين مرة، وهي براءة من الشرك، ومحضرة للملائكة، ومنفرة للشياطين، ولها دويّ حول العرش تذكر بصاحبها حتى ينظر الله إليه، وإذا نظر إليه لم يعذبه أبداً ".** وأخرج أبو يعلى عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" ثلاث من جاء بهن مع الإِيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء، وزوج من الحور العين حيث شاء، من عفا عن قاتله، وأدى ديناً خفياً، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات { قل هو الله أحد } فقال أبو بكر: أو إحداهن يا رسول الله؟ قال: " أو إحداهن " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه مجهول عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } في كل يوم خمسين مرة نودي يوم القيامة من قبره: قم مادح الله، فأدخل الجنة ".** وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من نسي أن يسمي على طعامه فليقرأ { قل هو الله أحد } إذا فرغ ".** وأخرج الطبراني عن جرير البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } حين يدخل منزله نفت الفقر من أهل ذلك المنزل والجيران ".** وأخرج البزار والطبراني في الصغير عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأ { قل يا أيها الكافرون } [الكافرون:1] فكأنما قرأ ربع القرآن ".** وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن عبدالله بن الشخير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } في مرضه الذي يموت فيه لم يفتن في قبره، وامن من فتنه القبر، وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها حتى تجيزه الصراط إلى الجنة ".** وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" { قل هو الله أحد } ثلث القرآن ".** وأخرج ابن الضريس والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن عمر قال: **" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في سفر، فقرأ في الركعة الأولى { قل هو الله أحد } وفي الثانية { قل يا أيها الكافرون } فلما سلم قال: قرأت بكم ثلث القرآن وربعه ".** وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وهو بتبوك فقال: يا محمد اشهد جنازة معاوية بن معاوية المزني، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة، فوضع جناحه الأيمن على الجبال، فتواضعت ووضع جناحه الأيسر على الأرضين فتواضعت حتى نظر إلى مكة والمدينة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة فلما فرغ قال: يا جبريل: ما بلغ معاوية بن معاوية المزني هذه المنزلة؟ قال: بقراءته { قل هو الله أحد } قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً.
وأخرج ابن الضريس عن سعيد بن المسيب قال: **" كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له معاوية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهو مريض ثقيل، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ثم لقيه جبريل فقال: إن معاوية بن معاوية توفي، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيسرك أن أريك قبره؟ قال: نعم، فضرب بجناحه الأرض، فلم يبق جبل إلا انخفض حتى أبدى الله قبره فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عن يمينه وصفوف الملائكة سبعين ألفاً حتى إذا فرغ من صلاته قال: يا جبريل بم نزل معاوية بن معاوية من الله بهذه المنزلة؟ قال: بـ { قل هو الله أحد } كان يقرأها قائماً وقاعداً وماشياً ونائماً، ولقد كنت أخاف على أمتك حتى نزلت هذه السورة فيها ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ آية الكرسي و { قل هو الله أحد } دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ".** وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد من طريق مجاشع بن عمرو أحد الكذابين عن يزيد الرقاشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" جاءني جبريل في أحسن صورة ضاحكاً مستبشراً فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرؤك السلام، ويقول: إن لكل شيء نسباً ونسبتي { قل هو الله أحد } فمن أتاني من أمتك قارئاً بـ { قل هو الله أحد } ألف مرة من دهره ألزمه داري واقامة عرشي وشفعته في سبعين ممن وجبت عقوبته، ولولا أني آليت على نفسي، كل نفس ذائقة الموت، لما قبضت روحه ".** وأخرج ابن النجار في تاريخه عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" من أراد سفراً فأخذ بعضادتي منزله فقرأ إحدى عشرة مرة { قل هو الله أحد } كان الله له حارساً حتى يرجع ".** وأخرج ابن النجار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن ينطق مع أحد يقرأ في الأولى بالحمد و { قل يا أيها الكافرون } وفي الركعة الثانية بالحمد و { قل هو الله أحد } خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها ".** وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ بعد صلاة الجمعة { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } [الفلق] و { قل أعوذ برب الناس } [الناس] سبع مرات أعاذه الله بها من السوء إلى الجمعة الأخرى ".** وأخرج الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي في فضائل { قل هو الله أحد } عن اسحق بن عبدالله بن أبي فروة قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" " من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة " فقال أبو بكر إذن نستكثر يا رسول الله، فقال: " الله أكثر وأطيب "** رددها مرتين.
وأخرج أيضاً عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأ { قل هو الله أحد } مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرات فكأنما قرأ جميع ما أنزل الله ".** وأخرج أيضاً عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } مرة بورك عليه، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهل بيته، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى أهل بيته وجيرانه، ومن قرأها اثنتي عشرة مرة بنى الله له في الجنة اثني عشر قصراً. ومن قرأها عشرين مرة كان مع النبيين هكذا وضم الوسطى والتي تليها الابهام، ومن قرأها مائة مرة غفر الله له ذنوب خمس وعشرين سنة إلا الدين والدم، ومن قرأها مائتي مرة غفرت له ذنوب خمسين سنة، ومن قرأها أربعمائة مرة كان له أجر أربعمائة شهيد كل عقر جواده وأهريق دمه، ومن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له ".** وأخرج أيضاً عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثاً فكأنما قرأ القرآن ارتجالاً ".** وأخرج أيضاً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } ألف مرة كانت أحب إلى الله من ألف ملجمة مسرجة في سبيل الله ".** وأخرج أيضاً عن كعب الأحبار قال: ثلاثة ينزلون من الجنة حيث شاؤوا: الشهيد ورجل قرأ في كل يوم { قل هو الله أحد } مائتي مرة.
وأخرج أيضاً عن كعب الأحبار قال: من واظب على قراءة { قل هو الله أحد } وآية الكرسي عشر مرات في ليل أو نهار استوجب رضوان الله الأكبر، وكان مع أنبيائه، وعصم من الشيطان.
وأخرج أيضاً من طريق دينار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" من قرأ { قل هو الله أحد } ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله وهو من خاصة الله ".** وأخرج أيضاً من طريق نعيم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } ثلاثين مرة كتب الله له براءة من النار وأماناً من العذاب، والأمان يوم الفزع الأكبر ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من أتى منزله فقرأ { الحمد لله } [سورة الفاتحة] و { قل هو الله أحد } نفى الله عنه الفقر، وكثر خير بيته حتى يفيض على جيرانه ".** وأخرج الطبراني أيضاً من طريق أبي بكر البردعي: حدثنا أبو زرعة وأبو حاتم قالا: حدثنا عيسى بن أبي فاطمة، رازي ثقة، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إذا نقر في الناقور اشتد غضب الرحمن فتنزل الملائكة فيأخذون بأقطار الأرض، فلا يزالون يقرؤون { قل هو الله أحد } حتى يسكن غضبه.
وأخرج إبراهيم بن محمد الخيارجي في فوائده عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله ".** وأخرج ابن النجار في تاريخه عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ في ليلة أو يوم { قل هو الله أحد } ثلاث مرات كان مقدار القرآن ".** وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" " من قرأ { قل هو الله أحد } إحدى عشرة مرة بنى الله له قصراً في الجنة " فقال عمر: والله يا رسول الله إذن نستكثر من القصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فالله أمن وأفضل " أو قال: " أمن وأوسع " ".** وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة **" أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم: بـ { قل هو الله أحد } فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ " فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فانا أحب أن أقرأها. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه فقال: " أخبروه أن الله تعالى يحبه " ".** وأخرج ابن الضريس عن الربيع بن خيثم قال: سورة من كتاب الله يراها الناس قصيرة وأراها عظيمة طويلة يحب الله محبها ليس لها خلط، فأيكم قرأها فلا يجمعن إليها شيئاً استقلالاً بها فإنها تجزئه.
وأخرج ابن الضريس عن أنس قال: **" قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي أخاً قد حبب إليه قراءة { قل هو الله أحد } فقال: " بشر أخاك بالجنة " ".** وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن ماجة وابن الضريس عن بريدة قال: **" دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ويدي في يده، فإذا رجل يصلي يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن الضريس عن الحسن قال: من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة كان له من الأجر عبادة خمسمائة سنة.
وأخرج الدارقطني في الأفراد والخطيب في تاريخه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بـ { قل هو الله أحد }.
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات أوجب الله له رضوانه ومغفرته ".** وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي غالب مولى خالد بن عبدالله قال: قال عمر ذات ليلة قبيل الصبح يا أبا غالب ألا تقوم فتصلي، ولو تقرأ بثلث القرآن، فقلت: قد دنا الصبح فكيف أقرأ بثلث القرآن فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" إن سورة الإِخلاص { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ".** وأخرج العقيلي عن رجاء الغنوي قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرار فكأنما قرأ القرآن أجمع ".** وأخرج ابن عساكر عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من صلى صلاة الغداة ثم لم يتكلم حتى قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرات لم يدركه ذلك اليوم ذنب وأجير من الشيطان ".** وأخرج الديلمي بسند واه عن البراء بن عازب مرفوعاً: " من قرأ { قل هو الله أحد } مائة بعد صلاة الغداة قبل أن يكلم أحداً رفع له ذلك اليوم عمل خمسين صديقاً ".
وأخرج ابن عساكر عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين زوجه فاطمة دعا بماء فمجه ثم أدخله معه فرشه في جيبه وبين كتفيه وعوذه بـ { قل هو الله أحد } والمعوّذتين.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: من صلى ركعتين فقرأ فيهما { قل هو الله أحد } ثلاثين مرة بنى الله له ألف قصر من ذهب في الجنة، ومن قرأها في غير صلاة بنى الله له مائة قصر في الجنة، ومن قرأها في صلاة كان أفضل من ذلك، ومن قرأها إذا دخل إلى أهله أصاب أهله وجيرانه منها خير.
وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو **" أن أبا أيوب كان في مجلس وهو يقول: ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة؟ قالوا: وهل يستطيع ذلك أحد؟ قال: فإن { قل هو الله أحد } ثلث القرآن، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب فقال: صدق أبو أيوب ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن الضريس والبزار ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" أيعجز أحدكم أن يقرأ كل ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: ومن يطيق ذلك؟ قال: بلى { قل هو الله أحد } تعدل بثلث القرآن ".** وأخرج أحمد والطبراني وابن السني بسند ضعيف عن معاذ بن أنس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصر في الجنة فقال له عمر: إذاً نستكثر يا رسول الله. قال: " الله أكثر وأطيب " ".** وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن معاذ بن جبل قال: **" غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فلما كان ببعض المنازل صلى بنا صلاة الفجر فقرأ في أول ركعة بفاتحة الكتاب و { قل هو الله أحد } وفي الثانية بـ { قل أعوذ برب الفلق } فلما سلم قال: ما قرأ رجل في صلاة بسورتين أبلغ منهما ولا أفضل ".** وأخرج محمد بن نصر والطبراني بسند جيد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" { قل هو الله أحد } تعدل بثلث القرآن ".** وأخرج أبو عبيد وأحمد والبخاري في التاريخ والترمذي وحسنه والنسائي وابن الضريس والبيهقي في الشعب عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فلما رأى أنه قد شق عليهم قال: من قرأ { قل هو الله أحد الله الصمد } في ليلة فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن ".** وأخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة قال: **" مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يقرأ { قل هو الله أحد } فقال: أوجب لهذا الجنة ".** وأخرج أبو عبيد وأحمد ومسلم وابن الضريس والنسائي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن؟ قالوا: نحن أضعف من ذاك. وأعجز، قال: فإن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فقال: { قل هو الله أحد } ثلث القرآن ".** وأخرج مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن الضريس والبيهقي في سننه **" عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رجلاً يقرأ { قل هو الله أحد } يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج أحمد والبخاري وابن الضريس عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: **" أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك؟ فقال: الله الواحد الصمد ثلث القرآن ".** وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: **" بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله بـ { قل هو الله أحد } فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " والذي نفسي بيده إنها لتعدل نصف القرآن أو ثلثه " ".** وأخرج البيهقي في سننه من طريق أبي سعيد الخدري قال: **" أخبرني قتادة بن النعمان أن رجلاً قام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ { قل هو الله أحد } السورة كلها، يرددها لا يزيد عليها، فلما أصبحنا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنها لتعدل ثلث القرآن " ".** وأخرج أحمد وأبو عبيد والنسائي وابن ماجة وابن الضريس عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ".** وأخرج الطبراني في الصغير والبيهقي في الشعب بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } بعد صلاة الصبح اثني عشرة مرة فكأنما قرأ القرآن أربع مرات، وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى ".** وأخرج أحمد وابن الضريس والنسائي والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط: **" أن رسول الله سئل عن { قل هو الله أحد } قال: ثلث القرآن أو تعدله ".** وأخرج سعيد بن منصور عن محمد بن المنكدر قال: **" سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ { قل هو الله أحد } ويرتل فقال له: سل تعط ".** وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس عن علي قال: من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرار بعد الفجر وفي لفظ، في دبر الغداة لم يلحق به ذلك اليوم ذنب، وإن جهد الشيطان.
وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس عن ابن عباس قال: من صلى ركعتين بعد العشاء فقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وخمس عشرة مرة { قل هو الله أحد } بنى الله له قصرين في الجنة يتراآهما أهل الجنة.
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من صلى ركعتين بعد عشاء الآخرة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وعشرين مرة { قل هو الله أحد } بنى الله له قصرين في الجنة يتراآهما أهل الجنة ".** وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس عن ابن عباس قال: من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة في أربع ركعات في كل ركعة خمسين مرة غفر الله له ذنوب مائة سنة خمسين مستقبلة وخمسين متأخرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } [سورة الفلق] و { قل أعوذ برب الناس } [سورة الناس] ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده. يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والطبراني عن عبد الله بن حبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: **" اقرأ { قل هو الله أحد } والمعوّذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاثاً يكفيك من كل شيء ".** وأخرج أحمد عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" يا عقبة بن عامر ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإِنجيل والزبور والفرقان العظيم؟ قلت بلى جعلني الله فداءك، قال: فأقرأني { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعود برب الناس } ثم قال: يا عقبة لا تنساهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن ".** وأخرج النسائي وابن مردويه والبزار بسند صحيح **" عن عبد الله بن أنيس الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال له: " قل، فلم أدر ما أقول، ثم قال: { قل هو الله أحد } ثم قال لي: قل { أعوذ برب الفلق من شر ما خلق } حتى فرغت منها، ثم قال لي: { قل أعوذ برب الناس } حتى فرغت منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا فتعوّذ فما تعوّذ المتعوّذون بمثلهن قط " ".** وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب عن علي قال: **" بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يصلي فوضع يده على الأرض لدغته عقرب فتناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعله فقتلها، فلما انصرف قال: " لعن الله العقرب ما تدع مصلياً ولا غيره أو نبياً أو غيره " ثم دعا بملح وماء فجعله في إناء، ثم جعل يصبه على إصبعه حيث لدغته ويمسحها ويعوذها بالمعوذتين، وفي لفظ فجعل يمسح عليها ويقرأ { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ".** وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي عن ابن عباس قال: الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس كفو، وليس كمثله شيء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن الضريس وأبو الشيخ في العظمة وابن جرير عن كعب قال: إن الله تعالى ذكره أسس السموات السبع والأرضين السبع على هذه السورة { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) | مختلف فيها، وآيُها أربع
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الضميرُ للشأنِ ومدارُ وضعِهِ وموضِعِهِ معَ عدمِ سبقِ ذكرِه الإيذانُ بأنَّه منَ الشهرةِ والنباهةِ بحيثُ يستحضرُهُ كلُّ أحدٍ وإليهِ يشيرُ كُلُّ مشيرٍ وإليهِ يعودُ كلُّ ضميرٍ كما ينبىءُ عَنْهُ اسمُهُ الذي أصلُهُ القصدُ أطلقَ عَلى المفعولِ مبالغةً ومحلُّه الرفعُ عَلى الابتداءِ خبرُهُ الجملةُ بعدَهُ ولا حاجةَ إلى الربطِ لأَنَّها عينُ الشأنِ الذي عبرَ عَنْهُ بالضميرِ والسرُّ في تصديرِ الجملةِ بهِ التنبـيهُ منْ أولِ الأمرِ عَلى فخامةِ مضمونِهَا وجلالةِ حيزِهَا معَ مَا فيهِ منْ زيادةِ تحقيقٍ وتقريرٍ فإنَّ الضميرَ لا يُفهمُ من أولِ الأمرِ إلا شأنٌ مبهمٌ لهُ خطرٌ جليلٌ فيبقى الذهنُ مترقباً لما أمامَهُ مما يفسرُهُ ويزيلُ إبهامَهُ فيتمكنُ عندَ ورودِهِ لَهُ فضلُ تمكنٍ، وهمزةُ أحدٍ مُبدلةٌ منْ الواوِ وأصلُهُ وَحَدٌ لاَ كهمزةِ ما يلازمُ النفيَ ويرادُ بهِ العمومُ كمَا في قولِهِ تعالَى:**{ فَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ }** [سورة الحاقة، الآية 47] ومَا في قولِهِ عليهِ السلامُ **" ما أحلتْ الغنائمُ لأحدٍ سودِ الرؤوسِ غيرِكُم "** فإنَّها أصليةٌ وقالَ مكيٌّ: أصلُ أحدٍ واحدٌ فأبدلتْ الواوُ همزةً فاجتمعَ ألفانِ لأنَّ الهمزةَ تشبهُ الألفَ فحذفتْ إحداهُمَا تخفيفاً. وقالَ ثعلبٌ: إنَّ أحدٌ لا يُبنى عليهِ العددُ ابتداءً فلا يقالُ أحدٌ واثنانِ كَما يقالُ واحدٌ واثنانِ ولا يقالُ رجلٌ أحدٌ كما يقالُ رجلٌ واحدٌ ولذلكَ اختصَّ بهِ تعالَى أوْ هُوَ لما سئِلَ عَنْهُ أيِ الذي سألتُم عنْهُ هُو الله إذ رُوِيَ أنَّ قريشاً قالُوا صِفْ لَنَا ربكَ الذي تدعونَا إليهِ وانسُبْهُ فنزلتْ فالضميرُ مبتدأٌ والله خبرُهُ وأحدٌ بدلٌ منْهُ أو خبرٌ ثانٍ أو خبرُه مبتدأٍ محذوفٍ وقُرِىءَ هُوَ الله أحدٌ بغيرِ قُلْ وقُرِىءٍ الله أحدٌ بغيرِ قُلْ هُوَ وقُرِىءَ قُلْ هُوَ الواحدُ وقولُهُ تعالَى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } مبتدأٌ وخبر والصمدُ فَعَلٌ بمَعْنَى مفعولٍ مَنْ يُصمدُ إليهِ إذَا قَصَدَهُ أيْ هُوَ السيدُ المصمودُ إليهِ في الحوائجِ المُسْتغنى بذاتِهِ وَكُلَّ ما عداهُ محتاجٌ إليهِ في جميعِ جهاتِهِ وقيلَ الصمدُ الدائمُ الباقِي الذي لَمْ يزلْ وَلاَ يزالُ وقيلَ الذي يفعلُ مَا يشاءُ ويَحكمُ مَا يريدُ وتعريفُهُ لعلمِهِم بصمديتِهِ بخلافِ أحديَتِهِ وتكريرُ الإسمِ الجليلِ للإشعارِ بأنَّ منْ لم يتصفْ بذلكَ فهوَ بمعزلٍ منَ استحقاقِ الألوهيةِ وتعريةُ الجملةِ عنِ العاطفِ لأنَّها كالنتيجةِ للأولى بـيَّنَ أولاً ألوهيَتَهُ عزَّ وجلَّ المستتبعةَ لكافةِ نعوتِ الكمالِ ثمَّ أحديتَهُ الموجبةَ تنزهَّهُ عنْ شائبةِ التعددِ والتركيبِ بوجهٍ منَ الوجوهِ وتوهمِ المشاركةِ في الحقيقةِ وخواصِّهَا ثُمَّ صمديتَهُ المقتضيةَ لاستغنائِهِ الذاتِيِّ عَمَّا سواهُ وافتقارِ جميعِ المخلوقاتِ إليهِ في وجودِهَا وبقائِهَا وسائرِ أحوالِهَا تحقيقاً للحقِّ وإرشاداً لهُم إلى سنتِهِ الواضحِ ثُمَّ صرحَ ببعضِ أحكامٍ جزئيةٍ مندرجةٍ تحتَ الأحكامِ السابقةِ فقيلَ { لَمْ يَلِدْ } تنصيصاً على إبطالِ زعمِ المفترينَ في حقِّ الملائكةِ والمسيحِ ولذلكَ وردَ النفيُ على صيغةِ الماضِي أيْ لَمْ يصدُرْ عنْهُ ولدٌ لأنَّهُ لا يجانسُهُ شيءٌ ليمكنَ أنْ يكونَ لهُ من جنسِهِ صاحبةٌ فيتوالدَ كما نطقَ بهِ قولُهُ تعالَى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ }** [سورة الأنعام، 101] ولا يفتقرُ إلى ما يعينُهُ أو يخلفُهُ لاستحالةِ الحاجةِ والفناءِ عليهِ سبحانَهُ { وَلَمْ يُولَدْ } أيْ لمْ يصدُرْ عنْهُ شيءٌ لاستحالةِ نسبةِ العدمِ سابقاً ولاحقاً والتصريحُ بهِ معَ كونِهِم معرفينَ بمضمونِهِ لتقريرِ ما قبلَهُ وتحقيقه بالإشارةِ إلى أنَّهما متلازمانِ إذِ المعهودُ أنَّ ما يلدُ يولدُ ومَا لاَ فَلاَ ومنْ قضيةِ الاعترافِ بأنَّهُ لا يلدُ فهو قريبٌ منْ عطفِ لا يستقدمونَ عَلَى لا يستأخرونَ كمَا مرَّ تحقيقُهُ. { وَلَم يَكُنْ لَّهُ كفوا أَحَدٌ } أيْ لم يكافئهُ أحدٌ ولَمْ يماثلهُ ولَمْ يشاكلهُ من صاحبةٍ وَغيرِهَا ولَهُ صِلةٌ لكفؤٍ قدمتْ عليهِ معَ أنَّ حَقَّهَا التأخرُ عَنْهُ للاهتمامِ بِهَا لأنَّ المقصودَ نفيُ المكافأةِ عنْ ذاتِهِ تعالَى وقدْ جوزَ أنْ يكونَ خبراً لا صلةَ ويكونَ كُفؤاً حالاً من أحدٍ وليسَ بذاكَ وأما تأخيرُ اسمِ كانَ فلمراعاةِ الفواصلِ ووجهُ الوصلِ بـينَ هذهِ الجملِ غنيٌّ عن البـيانِ وقُرِىءَ بضمِّ الكافِ والفاءِ معَ تسهيلِ الهمزةِ وبضمِّ الكافِ وَكسرِهَا معَ سُكُونِ الفاءِ هَذا ولانطواءِ السورةِ الكريمةِ معَ تقاربِ قُطْريها عَلى أشتاتِ المعارفِ الإلهيةِ والردِّ عَلى منْ ألحَدَ فيهَا وردَ في الحديثِ النبويِّ أنَّها تعدلُ ثلثَ القرآنِ فإنَّ مقاصدَهُ منحصرةٌ في بـيانِ العقائدِ والأحكامِ والقصصِ ومَنْ عَدَلَها لكلمةٍ اعتبرَ المقصودَ بالذاتِ منْهُ. رُوِيَ عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قالَ: **" أسستِ السمواتُ السبعُ والأرضونَ السبعُ عَلى قُلْ هُو الله أحدٌ "** أيْ ما خلقتْ إلا لتكونَ دلائلَ عَلَى توحيدِ الله تعالَى ومعرفةِ صفاتِهِ التي نطقتْ بها هذِه السورةُ. **" وعنهُ عليهِ السَّلامُ أنه سمعَ رجلاً يقرأُ قُل هُو الله أحدٌ فقالَ وجبتْ فقيلَ ما وجبتْ يا رسولَ الله قالَ وجبتْ لَهُ الجنةُ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [1] ليس له كفء ولا مثل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الآية: 1].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء: قل فى غير هذا الموضع فى القرآن أى: أظهر ما بينا لك وأوحينا إليك بتأليف الحروف التى قرأناها عليك ليهتدى بها أهل الهداية والهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو إشارة إلى ما يدريك حقائق نعوته، وصفاته بالحواس، والأحد المتفرد الذى لا نظير له والتوحيد هو الإقرار بالأحدية والوحدانية وهو الانفراد.
قال الواسطى رحمه الله فى قوله: { قُلْ هُوَ } قال: " حرف " ليست " هو " باسم، ولا وصف، ولكنه كتابة عن الذات وإشارة إلى الذات، علم الحق من يلحد فى الأسماء والصفات ويفرقون بين الصفة والموصوف فقال: " هو " لا يكون فرقاً بين هويته، و " هو " إذ لم يكن فرقاً بين هويته، و " هو " لم يكن فرقاً بين أسمائه وصفاته.
قال أبو سعيد الخراز: إن الله أول ما دعا عباده دعاهم إلى كلمة واحدة فمن فهمها فهم ما ورائها وهو قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فتم به المراد للخواص ثم زاد بيانًا للخلق فقال: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فمن فهم معنى الله استغنى به عن غيره.
وقال ابن عطاء: { هُوَ } ، هو ولا يقدر أحدًا أن يخبر عن هويته إلا هو لا عبارة لأحد عنه، حقيقة الإله عن نفسه فيخبر عن نفسه بحقيقة حقه، والأغيار يخبرونه عنه على حد الأذن فيه، والأمر فأخبر عن نفسه بأنه هو الله أشار من نفسه إلى نفسه إذ لم يستحق أحد أن يشير إليه سواه فمن أشار إليه فإنما أشار إلى إشارته إلى نفسه فمن تحقق إشارته إلى بشارته بالتعظيم والحرمة، كانت إشارته صحيحة على حد الصواب ومن وقعت إشارته على حد الدعوة بطلت إشارته وبعدت عن معادن الحقيقة.
قيل للحسين: أهو هو قال: بل هو وراء كل هو، وهو عبارة عن ملك ما لا يثبت له شىء دونه.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء فى قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتوحد بإظهار الخفيات.
قال الحسين: الأحد الكائن عند كل منعوت، وإليه يصير كل مربوب يطمس من ساكنه، ويطرح من تأوله أن أشهدك إياه فإنك وإن غيَّبك عنه رعاك.
وقال الحسين: توحيد الأئمة توحيد رضى به لهم فأما الذى يستحقه الحق فلا لأن القائل عنكم سواكم، والمغير عنكم غيركم فسقطتم أنتم، وبقى من لم يزل كما لم يزل.
قال بعضهم: توحدتم وحَّد، ولا سبيل إلى ذلك إلا أن يوحد الحق له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قال فارس: أحد فى وحدانيته، واحد فى أحديته ليس يحس بالغير كيف، ولا حس، ولا غير منه الكائن كل منعوت، وإليه يصير كل مربوب.
قال الحسين: خلق الله الخلق على علمه، وأظهر الأشياء فيهم بقدرته، ودعاهم إلى توحيده ووحدانيته فى المعرفة الأصلية بلسان الطبائع فقال: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ\*ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ\* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* ولم يكن له كفواً أحد }.
قال القاسم: قوله: { ٱللَّهُ } تعرفهم أن له الأسماء الحسنى فكل مربوط منه بصفة واسم. وقال فى قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } لم تقتصر على اسمه بل عدك بهم إلى أسامى أخر، وأخبر بانحطاط رتبتهم فقال: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } أنى كان يخطر بقلوب العارفين شبهة حتى أخبر بهذه الصفة، ولكن الله تعالى علم ما فى سرائر العوام من الخواطر الفاسدة فأزالها عنهم بقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } فأهل الحقائق عرفوا الله وواجههم به من اسمه الله.
قال الواسطى رحمه الله فى قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، { قُلْ هُوَ }: جواب لمن زعم أن معه إلهًا، لأن نفى الغيب حيث يستحيل الغيب غيبٌ، فرق بين جواب توهم السرائر، وجواب توثب العقول.
وقال الحسين: الواحد فى معناه، والكامل فى ذاته هو الأبدي فى دوام الأوقات الكائن عنه كل منعوت.
وقال ابن عطاء: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إشارة منه إليه، حين قال الكفار: انسب لنا ربك.
قال أبو بكر بن عبدوس: { ٱلصَّمَدُ } المستغنى عن كل أحد.
قال ابن عطاء: { ٱلصَّمَدُ } الذى لم يتبين عليه أثر فيما أظهره.
وقال جعفر: { ٱلصَّمَدُ } الذى لم يعط خلقه من معرفته إلا الاسم، والصفة.
قال الجنيد رحمه الله: الصمد؟ الذى لم يجعل لأعدائه سبيلاً إلى معرفته.
وسئل بعضهم ما الصمد؟ فقال: إن ما يتسع له اللسان أو يشير إليه البيان من تعظيم أو تفريد أو توحيد أو تجريد فهو مطول، والحقيقة وراء ذلك لا تحبط به العلوم ولا يشرق عليه أحد لأن الصمد به ممتنعة عن جميع ذلك.
وقيل: { ٱلصَّمَدُ } الذى لا تدرك حقيقة نعوته، ولا صفاته.
قال الواسطى رحمه الله: امتنع الحق بصمديته عن وقوف العقول عليه، وإشارتها إليه، ولا يعرف إلا بألطاف أسدى بها الأرواح، وقال: { ٱلصَّمَدُ } هو قطع التوهم فى العبارة وخفى الألحاظ فى الإشارة لا يجرى عليه جريان ما أجرى علينا مما ذكرها.
وقال ابن عطاء: { ٱلصَّمَدُ } المتعالى عن الكون والفساد.
وقال جعفر: { ٱلصَّمَدُ } خمس حروف الألف دليل على أحديته، واللام دليل على ألوهيته، وهما مدعمان لا يظهران على اللسان، ويظهران فى الكتابة فدل ذلك على أن أحديته، وألوهيته خفية لا تدرك بالحواس، ولا تقاس بالناس فخفاؤه فى اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه، ولا تحيط به علمًا وإظهاره فى الكتابة دليل على أنه يظهر على قلوب العارفين ويبدو لأعين المحبين فى دار السلام والمعاد لأنه صادق فيما وعد فعله صدق وكلامه صدق، ودعا عباده إلى الصدق، والميم: دليل على ملكه فهو الملك على الحقيقة، والدال: علامة دوامه فى أبديته وأزليته وإن كان لا أزل، ولا أبد لأنهما ألفاظ تجرى على العوام عبارة، وقيل: الصمد السيد الذى لا يتناهى سؤدده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قال الواسطى: الصمد الذى لا يستحرق، ولا يستغرق ولا يفترض عليه القواطع والعلل.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال أبن عطاء: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ظهر لك منه التوحيد، { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ظهر لك منه المعرفة، { لَمْ يَلِدْ } ، ظهر لك منه الإيمان، { وَلَمْ يُولَدْ } ظهر لك منه الإسلام، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ظهر لك منه اليقين.
وقال الجنيد رحمه الله: الصمد الذى لا تدركه حقيقة نعوته وصفاته كما قال:**{ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }** [طه: 110].
قال بعضهم: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } على سبيل أنه معبود بالرسم، وهو وراء الرسم فجلّ عن أن يشار اليه بذكر التأله.
وقال بعضهم: { ٱلصَّمَدُ } المصمود إليه فى الحوائج، والذى { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } الذى لا نظير له فى ذات، ولا فعل.
سمعت أبا بكر الرازى يقول: سمعت أبا على الروذبارى يقول: وجدنا أنواع الشرك على ثمانية أنواع: التنقص، التقلب، والكثرة، والعدد، والعلة، والمعلول، والأشكال، والأضداد فنفى عز وجل عن صفته نوع الكثرة، والعدد بقوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ونفى التقلب والتنقص بقوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ونفى العلل والمعلول بقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ونفى الأشكال والأضداد بقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
ويقال سمى سورة الإخلاص لأنه أخلص فيها معانى التوحيد.
وقيل: الأحد للعامة، والواحد للفضل.
وقيل: { ٱلصَّمَدُ } الذى لا يستغنى عنه فى شىء من الأشياء.
وقيل: { ٱلصَّمَدُ } الذى آيست العقول من الاطلاع عليه.
وقال الحسين بن الفضل: { ٱلصَّمَدُ } الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء.
وقال بعضهم: الصمدية القطع بالإياس عن المطالعة والوقوف على شىء من لطائف الصفات، وقيل: { ٱلصَّمَدُ } الذى لا يؤثر فيه شىء.
وقيل: { ٱلصَّمَدُ } الذى لا يتغير بإظهار الكون لأن الحدث لا يحدث لله صفة لم تكن.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) | قوله جل ذكره: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
لمَّا قال المشركون: أُنسُبْ لنا ربَّكَ: أنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
فمعنى " هو " أي: الذي سألتُم عنه " هو " الله. ومعنى " أحد " أي: هو أحدٌ.
ويقال: " هو " مبتدأ، " والله " خبره و " أحد " خبرٌ ثانٍ كقولهم: هذا حلوٌ حامض.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
{ ٱلصَّمَدُ }: السيِّدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج، ويُقْصَدَ إليه في المطالب. ويقال: الكاملُ في استحقاق صفات المدح.
ويرجِّح تحقيقُ قولِ مَنْ قال: إنه الذي لا جوفَ له إلى أنه واحدٌ لا (...) في ذاته.
{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }.
ليس بوالدٍ ولا مولود.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
تقديره لم يكن أحدٌ كفواً له.
و " أحد " أصله وَحْدٌ، ووِحَدٌ وواحد بمعنًى، وكونه واحداً: أنه لا قسيمَ له ولا شبيهَ له ولا شريكَ له.
ويقال: السورة بعضها تفسيرٌ لبعض؛ مَنْ هو الله؟ هو الله. مَنْ الله؟ الأحد، مَنْ الأحد؟ الصمد، مَنْ الصمد؟ الذي لم يلد ولم يولد، مَنْ الذي لم يلد ولم يولَد؟ الذي لم يكن له كفواً أحد.
ويقال: كاشَفَ الأسرارَ بقوله: " هو ". وكاشَفَ الأرواحَ بقوله: " الله " وكاشَفَ القلوبَ بقوله: " أحد ". وكاشَفَ نفوسَ المؤمنين بباقي السورة.
ويقال: كاشَفَ الوالهين بقوله: " هو " ، والموحِّدين بقوله: " الله " والعارفين بقوله: " أحد " والعلماء بقوله: " الصمد " ، والعقلاء بقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }.. إلى آخره.
ويقال: لمَّا بسطوا لسانَ الذمِّ في الله أمَرَ نبيَّنا بأنْ يَرُدَّ عليهم فقال: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }. أي ذُبَّ عني ما قالوا، فأنت أولى بذلك. وحينما بسطوا لسان الذمِّ في النبيِّ صلى الله عليه وسلم تولَّى الحقُّ الردَّ عليهم. فقال:**{ نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ }** [القلم:1، 2] وقال:**{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ }** [النجم:1, 2] أي أنا أذبُّ عنك؛ فأنا أولى بذلك منك.
ويقال: خاطَبَ الذين هم خاص الخواص بقوله: " هو " فاستقلوا، ثم زاد لمن نزل عنهم فقال: " الله " ، ثم زاد في البيان لمن نزل عنهم.
فقال: " أحدٌ " ثم لمن نزل عنهم فقال: " الصمد ".
ويقال: الصمدُ الذي ليس عند الخَلْقُ منه إلا الاسم والصفة.
ويقال: الصمدُ الذي تقدَّس عن إحاطةِ عِلْمِ المخلوقِ به وعن إدراك بَصَرهم له، وعن إشرافِ معارفهم عليه.
ويقال: تقدَّسَ بصمديته عن وقوف المعارف عليه.
ويقال: تنَزَّه عن وقوف العقول عليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) | كان الله جل جلاله مستترا بنفسه فى ازل ازله قال كنت كنزا مخفيّا فاجيبت ان اعرف فاذا أوجد اعلام ظهور افعاله تعرف نعوته بفعله فلم يعرف احد بالحقيقة اذ الوسايط حجاب فاراد اظهار كنوز ذاته وصفاته فاختار من خلاصة الوجود خاصا خالصا فالبس لسانه فصاحة الربوبية ونور قلبه بنور المعرفة وظهر لعينه عين الحقيقة فامره بتعريفه لعباده العارفين بقوله قل ظاهره سر وباطنه سر حرف نحته بحر من غوامض علوم الربوبية فالقاف اشارة الى قهر عظمته على الحدثان حتى لا يصل الى ذرة من حقيقة العرفان بالوهية الرحمن لان على وجه القدم وقاية العبرة وهناك فى الازل قلزم الحيرة واللام اشارة الى لاء النفى اى لا يصل الى كنه الالوهية اهل الحدوثية امره بالاشارة الى الاشارة وغوامض سر الذات اذ قال هو وقع قلوب الراسخين فى اوديته الهوية الغيبية فى تيه غيب الغيب بنعت الوله والحيرة فلم يصلوا الى هاء الهوية فانصرفوا الى واو الوصف فعجزوا عن الوصف اذ لم يصلوا الى الموصوف فاحتجبوا بالغيب وبعد بطون الهوية وانصرفوا حيارى سكارى عطاشا والهين غير مدركين اوائل الحقائق فاعترفوا بالعجز عن الادراك وادراك الادراك فلما علم الحق عجزهم عن ادراك سر الهوية اظهر لهم انوار الذات والصفات رحمة ولطفا بهم لكيلا يحرموا عن نصيب عرفانه وايمانه وقال الله اى الذى لم تركوه ولم تدركوه ولم يدركوه بعد طلبكم هذا هو الله الذى بان ينعت الوحدانية والجمال والجلال من قلزم الهوية وايضا لما غاصوا فى بحار الهوية بان لهم انوار الالوهية فانصرفوا من صدمات الصمدية وسطوات الاحدية ووقعوا فى تيه الحيرة ونسوا ما بان لهم وفروا والهين طلبوا فلم يجدوا فاظهر الله ما ظهر لهم فى الغيب فقال أين أنتم مما رايتم هذا هو الله فظهر لهم فى الظاهر كما ظهر لهم فى الباطن فلما راوه عيانا فنوا فى اول الف الفردانية ثم بقوا فى لام جماله وهابوا من عظم لام جلاله ثم سقطوا فى بحر هوية ايضاً منه بدا واليه يعود الاول اشارة وغيب والآخر اشارة وغيب قال هو الاول والآخر وفى البين بدا وخفا بقوله هو الظاهر والباطن فلما عاينوه سكروا بجماله واتصفوا بجلاله واتخذوا بفردانيته وصاروا وحدانيين كادوا ان تدعوا الوحدانية فقطعهم الحق عن سر الاحدية وقال { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) | { قل هو الله أحد } قل، أمر من عين الجمع وارد على مظهر التفصيل هو عبارة عن الحقيقة الأحدية الصرفة أي: الذات من حيث هي بلا اعتبار صفة لا يعرفها إلا هو، والله بدل منه وهو اسم الذات مع جميع الصفات دال بالإبدال على أن صفاته تعالى ليست بزائدة على ذاته بل هي عين الذات لا فرق إلا بالاعتبار العقلي ولهذا سميت سورة الإخلاص لأن الإخلاص تمحيص الحقيقة الأحدية عن شائبة الكثرة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: " كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه " ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، وإياه عنى من قال: صفاته تعالى لا هو ولا غيره، أي: لا هو باعتبار العقل ولا غيره بحسب الحقيقة. وأحد: خبر المبتدأ، والفرق بين الأحد والواحد أن الأحد هو الذات وحدها بلا اعتبار كثرة فيها أي: الحقيقة المحضة التي هي منبع العين الكافوري بل العين الكافوري نفسه وهو الوجود من حيث هو وجود بلا قيد عموم وخصوص وشرط عروض ولا عروض، والواحد هو الذات مع اعتبار كثرة الصفات وهي الحضرة الأسمائية لكون الاسم هو الذات مع الصفة فعبر عن الحقيقة المحضة الغير المعلومة إلا له بـ " هو " ، وأبدل عنها الذات مع جميع الصفات دلالة على أنها عين الذات وحدها في الحقيقة وأخبر عنها بالأحدية ليدلّ على أن الكثرة الاعتبارية ليست بشيء في الحقيقة وما أبطلت أحديته وما أثرت في وحدته، بل الحضرة الواحدية هي بعينها الحضرة الأحدية بحسب الحقيقة كتوهم القطرات في البحر مثلاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) | { قل هو الله احد } الضمير للشأن كقولك هو زيد منطلق وارتفاعه بالابتدآء وخبره الجملة ولا حاجة الى العائد لانها عين الشان الذى عبر عنه بالضمير اى الله احد هو الشأن هذا او هو أن الله احد والسر فى تصدير الجملة به التنبيه من الاوامر على فخامة مضمونها مع ان فى الابهام ثم التفسير مزيد تقرير او الضمير لما سئل عنه اى الذى سألتم عنه هو الله اذ روى ان المشركين قالوا للنبى عليه السلام صف لنا ربك الذى تدعونا اليه وانسبه اى بين نسبه واذكره فنزلت يعنى بين الله نسبه بتنزيهه عن النسب حيث نفى عنه الوالدية والمولودية والكفاءة فالضمير حينئذ مبتدأ والله خبره واحد بدل منه وابدال النكرة المحضة من المعرفة يجوز عند حصول الفائدة على ما ذهب اليه ابو على وهو المختار والله علم دال على الاله الحق دلالة جامعة لمعانى الاسماء الحسنى كلها وقال القاشانى هو عندنا اسم الذات الالهية من حيث هى هى اى المطلقة الصادق عليها مع جميعها او بضعها ولا مع واحد منها كقوله تعالى قل هو الله احد انتهى عبد الله هو العبد الذى تحلى بجميع اسمائه فلا يكون فى عباده ارفع مقاما واعلى شأنا منه لتحققه بالاسم الاعظم واتصافه بجميع صفاته ولهذا خص نبينا عليه السلام بهذا الاسم فى قوله وانه لما قام عبد الله يدعوه فلم يكن هذا الاسم بالحقيقة الا له وللاقطاب من ورثته بتبعيته وان اطلق على غيره مجازا لاتصاف كل اسم من اسمائه بجميعها بحكم الواحدية واحدية جميع الاسماء والاحد اسم لمن لا يشاركه شئ فى ذاته كما ان الواحد اسم لمن لا يشاركه شئ فى صفاته يعنى ان الاحد هو الذات وحدها بلا اعتبار كثرة فيها فأثبت له الاحدية التى هى الغنى عن كل ما عداه وذلك من حيث عينه وذاته من غير اعبتار امر آخر والواحد هو الذات مع اعتبار كثرة الصفات وهى الحضرة الاسمائية ولذا قال تعالى ان الهكم لواحد ولم يقل لأحد لان الواحدية من اسماء التقييد فبينهما وبين الخلق ارتباط اى من حيث الالهة والمألوهية بخلاف الاحدية اذلا يصح ارتباطها بشئ فقولهم العلم الالهى هو العلم بالحق من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية اذ منه مالا تفيه الطاقة البشرية وهو ما وقع به الكمل فى ورطة الحيرة واقروا بالعجز عن حق المعرفة ومنه يعلم ان توحيد الذات مختص فى الحقيقة بالله تعالى وعبد الاحد هو وحيد الوقت صاحب الزمان الذى له القطبية الكبرى والقيام بالاحدية الاولى وعبد الواحد هو الذى بلغه الله الحضرة الواحدية وكشف له عن احدية جميع اسمائه فيدرك ما يدرك ويفعل ما يفعل باسمائه ويشاهد وجوه اسمائه الحسنى قال ابن الشيخ فى حواشيه قوله هو الله احد ثلاثة ألفاظ كل واحد منها اشارة الى مقام من مقامات السائرين الى الله تعالى فالمقام الاول مقام المقربين وهم الذين نظروا الى ماهيات الاشياء وحقائقها من حيث هى هى فلا جرم ما رأوا موجودا سوى الله لان الحق هو الذى لذاته يجب وجوده واما ما عداه فممكن والممكن اذا نظر اليه من حيث هو هو كان معدوما فهؤلاء لم يروا موجودا سوى الحق تعالى وكلمة هو وان كانت للاشارة المطلقة مفتقرة فى تعين المراد بها الى سبق الذكر باحد الوجوه او الى ان يعقبها ما يفسرها الا انهم يشيرون بها الى الحق ولا يفتقرون فى تلك الاشارة الا ما يميز المراد بها من غيره لان الافتقار الى المميز انما يحصل حيث وقع الابهام بأن يتعدد ما يصلح لان يشار اليه وقد بينا انهم لا يشاهدون بعيون عقولهم الا الواحد فقط فلهذا السبب كانت لفظة هو كافية فى حصول العرفان التام لهؤلاء والمقام الثانى مقام اصحاب اليمين وهو دون المقام الاول وذلك لانهم شاهدوا الحق موجودا وشاهدوا الخلق ايضا موجودا فحصلت الكثرة فى الموجودات فلا جرم لم تكن لفظة هو كافية فى الاشارة الى الحق بل لا بد هناك من مميز به يتميز الحق من الخلق فهؤلاء مفتقرون الى ان يقرن لفظة الله بلفظة هو فقيل لاجلهم هو الله لان لفظة الله اسم للموجود الذى يفتقر اليه ما عداه ويستغنى هو عن كل ما عداه فتتميز به الذات المراد عما عداه والمقام الثالث مقام اصحاب الشمال وهو أخس المقامات وهم الذين يجوزون ان يكون واجب الوجود اكثر من واحد فقرن لفظة الاحد بما تقدم ردا على هؤلاء وابطالا لمقالهم فقيل قل هو الله احد انتهى كلامه ومنه يعلم صحة ما اعتاده الصوفية من الذكر بالاسم هو وذلك لان اهل البداية منهم وهم المحجوبون تابعون لاهل النهاية منهم وهم المكاشفون فكأنهم كلهم ما شاهدوا فى الوجود الا الله فالله عندهم بهويته المطلقة السارية متعين لا حاجة الى التعيين اصلا فضمير هو راجع اليه لا الى غيره كما ان الضمير فى انزلناه راجع الى القرءآن لتعينه وحضوره فى الذهن فقول الطاعن انه ضمير ليس له مرجع متعين فكيف يكون ذكر الله تعالى مردود على ان الضمائر اسماء وكل الاسماء ذكر لا فرق بينها بالمظهرية والمضمرية فعلى هذا يجوز ان يدخل اللام فىكلمة هو فى اصطلاح الصوفية لانها اشارة الى الهوية ولا مناقشة فى الاصطلاح ثم قوله قل امر من عين الجمع وارد على مظهر التفصيل وفيه اشارة الى سر قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم فكأنه يقول انا شهدت بوحدة الهوية فى مقام الجمع فاشهد انت ايضا بتلك الوحدة فى مقام الفرق ليظهر سر الاحدية واللااحدية ويحصل التطابق بينهما جمعا وتفصيلا هكذا لاح بالبال والله اعلم بحقيقة الحال وقرئ هو الله بلا قل وكذا فى المعوذتين لانه توحيد والاخريان تعوذ فيناسب ان يدعو بهما وان يؤمر بتبليغهما وقد سبق فى سورة الاعلى ما يغنى عن تكراره ههنا وقال بعضهم انما اثبت فى المصحف قل والتزم فى التلاوة مع انه ليس من دأب المأمور بقل ان يتلفظ فى مقام الائتمار الا بالمقول لان المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل واحد ابتلى بما ابتلى به المأمور فاثبت ليبقى على مر الدهور منا على العباد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) | قلت: { هو } ضمير الشأن مبتدأ، والجملة بعده خبر، ولا تحتاج إلى رابط لأنها نفس المبتدأ، فإنها عين الشأن الذي عبّر عنه بالضمير، ورفعه من غير عائد يعود عليه للإيذان بأنه الشُهرة والنباهة بحيث يستحضرة كلُّ أحد، وإليه يُشير كل مُشير وعليه يعود كل ضمير، كما يُنبىء عنه اسم الشأن الذي هو القصد. والسر في تصدير الجملة به للتنبيه من أول الأمر على فخامة مضمونها وجلالة حيزها، مع ما فيه من زيادة تحقيقٍ وتقرير، فإنَّ الضمير لا يُفهم منه من أول الأمر إلاّ شأن مبهم، له خطر جليلٍ، فيبقى الذهن مترقباً لِما أمامه مما يفسره ويزيل إبهامه، فيتمكن عند وروده له فضل تمكُّن. وكل جملة بعد خبره مقرِّره لِما قبلها على ما يأتي. يقول الحق جلّ جلاله مجيباً للمشركين لَمّا قالوا: صِفْ لنا ربك الذي تدعونا إليه، وانسبه؟ فسكت عنهم صلى الله عليه وسلم فنزلت، أو اليهود، لَمّا قالوا: صِفْ لنا ربك وانسبه، فإنه وَصَفَ نفسه في التوراة ونَسَبَها، فارتعد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى خَرّ مغشيًّا عليه، فنزل جبريلُ عليه السلام بالسورة. ويمكن أن تنزل مرتين كما تقدّم. فقال جلّ جلاله: { قل هو اللهُ } المعبود بالحق، الواجب الوجود، المستحق للكمالات { أحَدٌ } لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لا يتبعّض ولا يتجزّأ ولا يُحد، ولا يُحصَى، أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية، ظاهر بالتعريف لكل أحد، باطن في ظهوره عن كل أحد. وأصل { أحد } هنا " وَحَد " فأبدلت الواو همزة، وليست كأحد الملازم للنفي، فإنَّ همزة أصلية. ووصفه تعالى بالوحدانية له ثلاث معان، الأول: أنه لا ثاني له، فهو نفي للعدد، والآخر: أنه واحد لا نظير له ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد عصره، أي: لا نظير له، الثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعّض. والأظهر أن المراد هنا: نفي الشريك، لقصد الرد على المشركين. انظر ابن جزي. { اللهُ الصمدُ } وهو فَعَلٌ بمعنى مفعول، من: صمد إليه: إذا قصده، أي: هو السيّد المصمود إليه في الحوائج، المستغني بذاته عن كل ما سواه، المفتقِر إليه كلُّ ما عداه، افتقاراً ضرورياً في كل لحظة، إذ لا قيام للأشياء إلاّ به. أو الصمد: الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال، أو: الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، والذي يُطْعِم ولا يُطْعَم ولا يأكل ولا يشرب، أو: الذي لا جوف له، وتعريفه لعلمهم بصمديته، بخلاف أحديته. وتكرير الاسم الجليل، للإشعار بأنَّ مَن لم يتصف بذلك فهو بمعزلٍ عن استحقاق الألوهية، والتلذُّذ بذكره. وتعرية الجملة عن العاطف، لأنها كالنتيجة عن الأولى، بيَّن أولاً ألوهيته عزّ وجل، المستوجبة لجميع نعوت الكمال، ثم أحديته الموجبة لتنزّهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجهٍ من الوجوه، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتي عما سواه، وافتقار المخلوقات إليه في وجودها وبقائها وسائر أحوالها، تحقيقاً للحق وإرشاداً إلى التعلُّق بصمديته تعالى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ثم صرّح ببعض أحكام مندرجة تحت الأحكام السابقة، فقال: { لم يلدْ } أي: لم يتولد عن شيء، ردًّا على المشركين، وإبطالاً لاعتقادهم في الملائكة والمسيح، ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي، أي: لم يصدر عنه ولد لأنه لا يُجانسه شيء يمكن أن يكون له من جنسه صاحبة ليتوالدا، كما ينطق به قوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ }** [الأنعام:101]، ولا يفتقر إلى ما يُعينه أو يخلفه لاستحالة الحاجة عليه، لصمدانيته وغناه المطلق. { ولم يُولدْ } أي: لم يتولد عن شيءٍ، لا ستحالة نسبة العدم إليه سابقاً ولاحقاً. والتصريح به مع كونهم معترفين بمضمونه لتقرير ما قبله وتحقيقه وللإشارة إلى أنهما متلازمان، إذ المعهود أنَّ ما يلد يولد، وما لا فلا، ومِن قضية الاعتراف بأنه لم يلد: الاعتراف بأنه لم يُولد، { ولم يكن له كُفُواً أحَدٌ } أي: ولم يكن أحد مماثلاً له ولا مشاكلاً، مِن صاحبة أو غيرها. وله: متعلق بـ " كُفُواً " ، قدمت عليه للاهتمام بها لأنَّ المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى، وأمّا تأخير اسم كان فلمراعاة الفواصل. ووجه الوصل في هذه الجُمل غَنِي عن البيان. هذا ولانطواء السورة الكريمة، مع تقارب قطريها، على أنواع المعارف الإلهية والأوصاف القدسية، والرد على مَن ألحد فيها، ورد في الحديث النبوي: أنها تعدل ثلث القرآن، فإنّ مقاصده منحصرة في بيان العقائد والأحكام والقصص، وقد استوفت العقائد لمَن أمعن النظر فيها. عن النبي صلى الله عليه وسلم: **" أُسست السموات السبع والأرضون السبع على { قل هو الله أحد } "** أي: ما خلقت إلاَّ لتكون دلائل توحيده، ومعرفة ذاته، التي نطقت بها هذه السورة الكريمة. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلاً يقرؤها، فقال: **" " وجبت " فقيل: وما وجبت؟ فقال: " الجنة " ، وشكى إليه رَجُلٌ الفقرَ وضيق المعاش، فقال له صلى الله عليه وسلم: " إذا دخلت بيتك فسَلِّم إن كان فيه أحد، وإلا فسَلِّم عليّ واقرأ: { قل هو الله أحد } " ففعل الرجل، فأدرّ اللهُ عليه الرزق، حتى أفاض على جيرانه "** ، وخرّج الترمذي: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة في يوم غُفرت له ذنوب خمسين سنة، إلاّ أن يكون عليه دَيْن "** ، وفي الجامع الصغير أحاديث في فضل السورة تركناه خوف الإطناب. الإشارة: قد اشتملت السورةُ على التوحيد الخاص، أعني: توحيد أهل العيان، وعلى التوحيد العام، أعني: توحيد أهل البرهان، فالتوحيد الخاص له مقامان: مقام الأسرار الجبروتية، ومقام الأنوار الملكوتية، فكلمة هو تُشير إلى مقام الأسرار اللطيفة الأصلية الجبروتية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
والله يشير إلى مقام الأنوار الكثيفة المتدفقة من بحر الجبروت لأنّ حقيقة المشاهدة: تكثيف اللطيف، وحقيقة المعاينة: تلطيف الكثيف، فالمعاينة أرقّ، فشهود الكون أنواراً كثيفة فاضت من بحر الجبروت مشاهدة، فإذا لَطَّفها حتى اتصلت بالبحر اللطيف المحيط، وانطبق بحر الأحدية على الكل سُميت معاينةً، ووصفه تعالى بالأحدية والصمدية والتنزيه عن الولد والوالد يحتاج إلى استدلال وبرهان، وهو مقام الإيمان، والأول مقام الإحسان فالآية من باب التدلي. قال القشيري: يقال كاشَفَ تعالى الأسرارَ بقوله هو والأرواحَ بقوله: الله وكاشف القلوبَ بقوله: أحد وكاشف نفوسَ المؤمنين بباقي السورة. ويُقال: كاشف الوالهين بقوله: هو والموحِّدين بقوله: الله والعارفين بقوله: أحد والعلماء بالباقي، ثم قال: ويُقال: خاطب خاصة الخاص بقوله: هو فاستقلوا، ثم خاطب الخواص بقوله الله فاشتغلوا، ثم زاد في البيان لمَن نزل عنهم، فقال: أحد، ثم نزل عنهم بالصمد، وكذلك لمَن دونهم. هـ. وقال في نوادر الأصول: هو اسم لا ضمير، من الهوية، أي: الحقيقة. انظر بقية كلامه. قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمن العارف: والحاصل: أنَّ الإشارة بـ " هو " مختصة بأهل الاستغراق والتحقُّق في الهوية الحقيقة، فلانطباق بحر الأحدية عليهم، وانكشاف الوجود الحقيقي لديهم، فقدوا مَن يشار إليه إلاّ هو، لأنّ المُشار إليه لمّا كان واحداً كانت الإشارة مطلقة لا تكون إلاّ إليه، لفقد ما سواه في شعورهم، لفنائهم عن الرسوم البشرية بالكلية، وغيبتهم عن وجودهم، وعن إحساسهم وأوصافهم الكونية، وذلك غاية في التوحيد والإعظام. منحنا اللهُ ذلك على الدوام، وجعلنا من أهله، ببركة نبيه عليه الصلاة والسلام. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) | { قل هل الله أحد } [1] أي: هو الله الأحد وكان سبب نزولها أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: ما نسب ربك؟ فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } [1-4] ومعنى قوله: أحد أحدي النعت كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نور لا ظلام فيه وعلم لا جهل فيه وقوله: الصمد، أي: الذي لا مدخل فيه وقوله: لم يلد، أي: لم يحدث ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، قال: لا له كفو ولا شبيه ولا شريك ولا ظهير ولا معين.
حدثنا أبو الحسن قال: حدثنا الحسن بن علي بن حماد بن مهران، قال: حدثنا محمد بن خالد بن إبراهيم السعدي قال: حدثني أبان بن عبد الله قال: حدثني يحيى بن آدم عن الفزاري عن حريز عن الضحاك عن ابن عباس، قال قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله بمكة صف لنا ربك لنعرفه فنعبده، فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وآله قل هو الله أحد، يعني: غير مبعض ولا مجزى ولا مكيف، ولا يقع عليه اسم العدد ولا الزيادة ولا النقصان، الله الصمد الذي قد انتهى إليه السؤدد والذي يصمد أهل السماوات والأرض بحوائجهم إليه، لم يلد منه عزير كما قالت اليهود عليهم لعائن الله وسخطه ولا المسيح كما قالت النصارى عليهم سخط الله، ولا الشمس والقمر ولا النجوم كما قالت المجوس عليهم لعائن الله وسخطه ولا الملائكة كما قالت كفار قريش لعنهم الله، ولم يولد لم يسكن الأصلاب ولم تضمه الأرحام لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما (مما ط) كان، ولم يكن له كفواً أحد، يقول ليس له شبيه ولا مثل ولا عدل ولا يكافيه أحد من خلقه بما أنعم عليه من فضله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) | قرأ ابو عمرو - فى رواية هارون عنه - { أحد الله الصمد } بغير تنوين فى الوصل. وقرأ فى رواية نصر عن أبيه واحمد بن موسى عنه بالتنوين، وجه ترك التنوين أنه ينوى به الوقف، لأنه رأس آية مع انه قد يحذف التنوين لالتقاء الساكنين، والوجه تحريكه، قال الشاعر:
| **فالفتيه غير مستعتب** | | **ولا ذاكر الله إلا قليلا** |
| --- | --- | --- |
وقرأ { كفؤاً } بسكون الفاء - مهموزاً - حمزة ونافع على خلاف عن نافع. الباقون بضم الفاء مهموزاً. وإنما قال فى أوائل هذه السور { قل } وهي أوامر من الله تعالى، لان المعنى قال لي جبرائيل { قل هو الله أحد } فحكى النبي صلى الله عليه وآله ما قيل له. وقيل لسورة الاخلاص وقل يا ايها الكافرون (المقشقشتان) ومعناهما المبرئتان من الكفر والنفاق، كما يقشقش الهناء الجرب.
وهذا امر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لجميع المكلفين { هو الله } الذي نحق له العبادة { أحد } ومعناه واحد، فقوله { هو } كناية عن اسم الرب، لانهم قالوا ما ربك؟ قال هو الله احد. وقال الكسائي { هو } عماد، وقوله { الله } ابتداء، وخبره { أحد } وانكر الفراء أن يكون العماد مستأنفاً، واصل { أحد } وحد فقلبت الواو همزة، كما قيل: وناه وأناه، لان الواو مكروهة اولا، وقد جاء وحد على الاصل قال الشاعر:
| **كأن رجلي وقد زال النهار بنا** | | **بذي الجليل على مستأنس وحد** |
| --- | --- | --- |
وحقيقة الوحد شيء لا ينقسم فى نفسه أو معنى صفته، فاذا أطلق احد من غير تقدم موصوف، فهو احد نفسه، فاذا جرى على موصوف، فهو احد فى معنى صفته، فاذا قيل: الجزء الذي لا يتجزأ واحد، فهو واحد فى معنى صفته، وإذا وصف تعالى بأنه احد، فمعناه أنه المختص بصفات لا يشاركه فيها غيره: من كونه قديماً وقادراً لنفسه وعالماً وحياً وموجوداً كذلك، وأنه تحق له العبادة لا تجوز لأحد سواه. ولا يجوز أن يكون { أحد } هذه هي التي تقع فى النفي، لأنها اعم العام على الجملة أحد، والتفصيل، فلا يصلح ذلك في الايجاب، كقولك ما فى الدار احد أي ما فيها واحد فقط ولا اكثر، ويستحيل هذا فى الايجاب، وفى قوله { الله أحد } دليل فساد مذهب المجسمة، لأن الجسم ليس بـ { أحد } إذ هو اجزاء كثيرة، وقد دل الله بهذا القول على أنه احد، فصح انه ليس بجسم.
وقوله { الله الصمد } معناه الذي تحق له العبادة هو الموصوف بأنه { الصمد } وقيل: فى معناه قولان:
احدهما - قال ابن عباس وشقيق وابو وائل: إنه السيد المعظم، كما قال الاسدي:
| **الابكر الناعي بخيري بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
وقال الزبرقان:
| **ولا رهينة إلا السيد الصمد** | | |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
الثاني - ان معناه الذي يصمد اليه فى الحوائج ليس فوقه أحد، يقال: صمدت اليه أصمد إذا قصدت اليه إلا أن فى الصفة معنى التعظيم كيف تصرفت الحال. ومن قال: الصمد بمعنى المصمت، فقد جهل الله، لأن المصمت هو المتضاغط الاجزاء وهو الذي لا جوف له وهذا تشبيه وكفر بالله تعالى.
وقوله { لم يلد } نفي منه تعالى لكونه والد إله ولد.
وقوله { ولم يولد } نفي لكونه مولود إله والد، لأن ذلك من صفات الاجسام وفيه ردّ على من قال: إن عزيز والمسيح أبناء الله تعالى، وإن الملائكة بنات الله. وقوله { ولم يكن له كفواً أحد } نفي من الله تعالى أن يكون له مثل أو شبيه او نظير، والكفو والكفاء والكفي واحد، وهو المثل والنظير، قال النابغة:
| **لا تقذفني بركن لا كفاء له** | | **ولو تأثفك الاعداء بالرفد** |
| --- | --- | --- |
و { أحد } مرفوع لأنه اسم (كان) و { كفواً } نصب، لانه نعت نكرة متقدمة، كما تقول: عندي ظريفاً غلام، تريد عندي غلام ظريف، فلما قدمت النعت على المنعوت نصبته على الحال - فى قول البصريين - وعلى الظرف فى قول الكوفيين - والتقدير في الآية ولم يكن له كفواً، وأخص منه ولم يكن أحد كفواً له، وإنما قدم الظرف الملغى مع أن تأخير الملغى أحسن في الكلام لانه أفضل بذكر الأنبه الأعرف، كما يتقدم الظرف الذي هو خبر وموضعه التأخير لهذه العلة في مثل قولهم: لزيد مال وله عبد.
ولا حي من الاحياء إلا وله مثل إلا الله تعالى، فلذلك قال { ولم يكن له كفواً أحد } وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقف عند آخر كل آية من هذه السورة، وكذلك كان يقرأ ابن مجاهد في الصلاة ابتداء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) | { (1) قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ }.
{ (2) اللَّهُ الصَّمَدُ }.
{ (3) لَمْ يَلِدْ }.
{ (4) وَلَمْ يُولَدْ }.
{ (5) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } وقرىء كفؤاً بالتّسكين وبالتحريك وقلب الهمزة واواً القمّي وكان سبب نزولها انّ اليهود جاءت الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت له ما نسبة ربّك فأنزل الله.
وفي الكافي والتوحيد عن الصادق عليه السلام قال انّ اليهود سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا انسب لنا ربّك فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثمّ نزلت قل هو الله الى آخرها.
وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام في تفسيرها قال قل اي اظهر ما اوحينا اليك وما نبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من القى السّمع وهو شهيدٌ وهو اسم مكنّى مشار الى غائب فالهاء تنبيه على معنى ثابت والواو اشارة الى الغائب من الحواس كما انّ قولك هذا اشارة الى الشاهد عند الحواسّ وذلك انّ الكفّار نبّهوا على آلهتهم بحرف اشارة الى الشاهد المدرك فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار فاشر انت يا محمّد الى الهك الذي تدعو اليه حتّى نراه وندركه ولا نأله فيه فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو فالهاء تثبيت للثابت والواو اشارة الى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وانّه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواس.
ثم قال عليه السلام الله معناه المعبود الذي اَلِهَ الخلق عن درك ما يأتيه والاحاطة بكيفيّته ويقول العرب اله الرّجل اذا تحيّر في الشّيء فلم يحط به علماً وله اذا فزع الى شيء ممّا يحذره ويخافه والاله هو المستور عن حواس الخلق.
قال عليه السلام الاحد الفرد المتفرّد والاحد والواحد بمعنى واحد وهو المتفرّد الذي لا نظير له والتوحيد والاقرار بالوحدة وهو الانفراد والواحد المباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتّحد بشيء ومن ثمّ قالوا انّ بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لأنّ العدد لا يقع في الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله تعالى الله أحد أي المعبود الي يأله الخلق عن ادراكه والاحاطة بكيفيّته فرد بالهيّته متعال عن صفات خلقه.
قال عليه السلام وحدّثني ابي زين العابدين عن ابيه الحسين بن علي عليهم السلام انّه قال الصّمد الذي لا جوف له والصمد الذي قد انتهى سودده والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب والصمد الذي لا ينام والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
قال عليه السلام كان محمّد بن الحنفيّة يقول الصمد القائم بنفسه الغني عن غيره وقال غيره الصمد المتعالي عن الكون والفساد والصمد الذي لا يُوصف بالتّغاير.
قال عليه السلام الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال وسئل عليّ بن الحسين عليهما السلام عن الصمد فقال الصمد الذي لا شريك له ولا يؤده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء.
قال الرّاوي قال زيد بن عليّ عليه السلام الصمد الذي اذا أراد شيء قال له كن فيكون والصمد الذي ابدع الاشياء فخلقها اضداداً واصنافاً واشكالاً وازواجاً وتفرّد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ.
قال وحدّثني الصادق عن ابيه عليهما السلام انّ اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن عليّ عليهما السلام يسألونه عن الصمد فكتب اليهم بسم الله الرّحمن الرحيم امّا بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادولوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علم فقد سمعت جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوّء مقعده من النّار وانّ الله سبحانه قد فسّر الصّمد فقال الله احد الله الصّمد ثمّ فسّره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة الّتي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنّفس ولا تنشعب منه البدوات كالسّنة والنّوم والخطرة والهمّ والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرّجاء والرّغبة والسّآمة والجوع والشبع تعالى عن ان يخرج منه شيء وان يتولدّ منه شيء كثيف او لطيف ولم يولد ولم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنّبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ولا كما تخرج الاشياء اللّطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشمّ من الانف والذّوق من الفم والكلام من اللّسان والمعرفة والتميز من القلب وكالنّار من الحجر ألا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الاشياء وخالقها ومنشىء الاشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّئته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفواً احد قال الراوي سمعت الصادق عليه السلام يقول قدم وفد من فلسطين على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم ثم سألوه عن الصمد فقال تفسيره فيه الصمد خمس احرف فالالف دليل على انيّته وهو قوله عزّ وجلّ شهد الله انّه لا إله إلاّ هو وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن درك الحواس واللاّم دليل على الهيّته بأنّه هو الله والالف واللاّم مدغمان لا يظهران على اللّسان ولا يقعان في السمع يظهران في الكتابة دليلان على انّ الهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ولا يقع في لسان واصف ولا اذن سامع لأنّ تفسير الإِله هو الذي اله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس او بوهم لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس وانّما يظهر ذلك عند الكتابة على انّ الله تعالى اظهر ربوبيّته في ابداع الخلق وتركيب ارواحهم اللّطيفة في اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما انّ لام الصّمد لا يتبيّن ولا يدخل في حاسة من حواسّه الخمس فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف فمتى تفكّر العبد ماهيّة الباري وكيفيته له فيه وتحيّر ولم تحط فكرته بشيء يتصوّر له لأنّه عزّ وجلّ خالق الصّور فاذا نظر الى خلقه ثبت له انّه عزّ وجلّ خالقهم ومركّب ارواحهم في اجسادهم وامّا الصاد فدليل على انّه عزّ وجلّ صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده الى اتّباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق وامّا الميم فدليل على ملكه وانّه الملك الحقّ لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه وامّا الدّال فدليل على دوام ملكه وانّه عزّ وجلّ دائم متعال عن الكون والزوال بل هو عزّ وجلّ مكوّن الكائنات الذي كان بتكوينه كلّ كائن ثم قال لو وجدت لعلمي الّذي اتاني الله عزّ وجلّ حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرايع من الصمد وكيف لي بذلك ولم يجد جدّي امير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتّى كان يتنفّس الصّعداء ويقول على المنبر سلوني قبل ان تفقدوني فانّ بين الجوانح منّي علماً جمّا هاه هاها الا لا اجد من يحمله الا وانّي عليكم من الله الحجّة البالغة فلا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفّار من اصحاب القبور ثم قال الباقر عليه السلام الحمد الله الذي منّ علينا ووفّقنا لعبادة الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد وجنّبنا عبادة الأوثان حمداً سرمداً وشكراً واصباً وقوله عزّ وجلّ لم يلد ولم يولد يقول لم يلد فيكون له ولد يرثه ملكه ولم يولد فيكون والد يشركه في ربوبيّته وملكه ولم يكن له كفواً احد فيعازه في سلطانه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وفي المجمع عن امير المؤمنين عليه السلام انّه سأله رجل عن تفسير هذه السورة فقال هو الله احد بلا تأويل عدد الصمد بلا تبعيض بدد لم يلد فيكون موروثاً هالكاً ولم يولد فيكون الهاً مشاركاً ولم يكن له من خلقه كفواً احد وفي نهج البلاغة لم يولد فيكون في العزّ مشاركاً.
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام انّه سئل عن التوحيد فقال انّ الله عزّ وجلّ علم انّه يكون في آخر الزمان اقوام متعمّقون فأنزل الله قل هو الله احد والآيات من سورة الحديد الى قوله عليم بذات الصدور فمن رام وراء ذلك فقد هلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعن الرضا عليه السلام انّه سئل عن التّوحيد فقال كلّ من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التوحيد قيل كيف يقرؤها قال كما يقرؤها الناس وزاد فيها كذلك الله ربّي مرّتين.
وعن الباقر عليه السلام قل هو الله احد ثلث القرآن وفي الاكمال عن اميرالمؤمنين عليه السلام قال من قرأ قل هو الله احد مرّة فكأنّما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرّتين فكأنّما قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاث مرّات فكأنّما قرأ القرآن كلّه.
وفي ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيه بقل هو الله احد قيل له يا عبد الله لست من المصلّين.
وعنه عليه السلام من مضت له جمعة ولم يقرأ فيها بقل هو الله احد ثم مات مات على دين ابي لهب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) | { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } نزلت السّورة حين سأل المشركون رسول الله (ص) فقالوا: انسب لنا ربّك، او حين أتى رجلان منهم فقالا ذلك، او حين جاء اناس من احبار اليهود فسألوه ذلك، او حين انطلق عبد الله بن سلام اليه فسأل ذلك وقد نقل كلّ ذلك فى نزوله، وقرئ احد الله الصّمد بالوصل وتحريك التّنوين بالكسر، وقرئ احد الله الصّمد بالوصل واسقاط التّنوين تشبيهاً للتّنوين بحرف اللّين، وقرئ بالوقف باسقاط التّنوين، وقرئ كفواً مضمومة الفاء وبالواو وقرئ كفؤاً ساكنة الفاء مهموزة، وقرئ كَفواً مضمومة الفاء مهموزة.
واعلم، انّ الانبياء (ع) لهم حالات بالنّسبة الى الله والى عالم الغيب وتختلف مناجاتهم لله ومخاطبات الله لهم ومخاطباتهم للخلق بحسب اختلاف احوالهم، فانّه اذا انسلخ النّبىّ (ص) من جميع ما له من نسبة الافعال والاوصاف والذّات ولم يبق فى وجوده الاّ فاعليّة الله تعالى يكون مخاطبات الله له بلسانه الّذى صار لسان الله فيصير كلام الله كلاماً الهيّاً بشريّاً ويسمّى حديثاً قدسيّاً، واذا تنزّل عن ذلك المقام باقياً ببقاء الله متوجّهاً الى كثرات وجوده وهذا التّوجّه والالتفات يسمّى بالنّبوّة او خلافة النّبوّة، او متوجّهاً الى كثرات العالم وهذا التّوجّه يسمّى بالرّسالة او خلافة الرّسالة، فكلّما تلقّى من الله بطريق القذف والالهام وكلّما شاهد فى عالم المثال فى هذه الحال او قبل النّزول الى ذلك المقام وكلّما وجد انموذجة من مدركاته وكلّما القى اليه الملك من العلم والحكم لا بنحو الوساطة من الله كان حديثاً نبويّاً، واذا تنزّل الى مقام البشريّة فكلّما تكلّم به من حيث تدبير الحياة الدّنيويّة من غير اظهار لحاظ الجهة الالهيّة يكون كلاماً بشريّاً، واذا كان خطاب الله فى تلك الاحوال بتوسّط الملك المرسل من الله لتبليغ خطابه كان كلاماً الهيّاً وكتاباً سماويّاً، فان كان النّبىّ (ص) فى مقام الانسلاخ كان الخطاب من مقام الغيب واحديّة الذّات، وان كان فى مقام النّبوّة والرّسالة كان الخطاب من مقام الظّهور والواحديّة وهو مقام الولاية، وكان الكلام فى المقام الاوّل مشتملاً على التّنزيه ونفى النّسب والاضافات، وفى المقام الثّانى مشتملاً على الاضافات واحكام الكثرات: ولذلك سمّيت السّورة بسورة التّوحيد، وسورة الاخلاص، وسورة الولاية، لانّ المخاطب بها خوطب بها حين خلوصه من شوب الكثرات وحصول مقام الوحدة له وظهوره بشأن الولاية، وسمّيت الفاتحة بسورة النّبوّة لانّ المخاطب بها خوطب بها حين ظهوره بشأن النّبوّة فقوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } خطاب من مقام الاحديّة ولذلك أتى باسمه الخالص من شوب الصّفات اوّلاً وهو لفظ هو بخلاف قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ، وامثال هذين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
اعراب سورة الاخلاص
واعراب السّورة المباركة بحسب الوجوه المحتملة كثيرة: فأقول، لفظ هو ضمير الشّأن او ضمير يشار به الى مقام الغيب لتعيّنه فى الاذهان او ادّعاء تعيّنه او هو عَلَم واسم لمقام الغيب، وعلى الاخيرين فالله بدل منه او عطف بيان او خبر او مبتدءٌ ثانٍ، واحد خبره والجملة خبر هو واكتفى عن العائد بتكرار المبتدء بالمعنى، واحد خبر او خبر بعد خبر والله الصّمد مبتدء وخبر، او صفة وموصوف وخبر بعد خبر او مبتدءٌ وخبره لم يلد، وعلى تقدير كونه مبتدءً فالجملة خبر بعد خبرٍ او حاليّة او مستأنفة جوابٌ لسؤالٍ عن حاله تعالى فى نفسه او عن علّة الحكم ولم يلد خبرٌ او خبرٌ بعد خبرٍ او حال او مستأنفة جوابٌ لسؤالٍ عن حاله تعالى مع غيره او عن علّة الحكم، واذا كان هو ضمير الشّأن فالله احد خبره والله الصّمد مبتدء وخبرٌ وخبر بعد خبر لهو او خبر بعد خبرٍ لله او حال او مستأنفة فى مقام السّؤال عن الحال او عن علّة الحكم او الله الصّمد موصوف وصفةٍ وخبر بعد خبر لله، او مبتدء ولم يلد خبره والجملة خبر بعد خبرٍ لهو او لله او حال او مستأنفة.
معنى الاحد
واحد يقال بمعنى الواحد سواء جعل مهموزاً فى الاصل او واويّاً ويوم من الايّام، ويقال للامر المتفاقم احدىّ الاحد، ويقال: فلان احد الاحدين وواحد الاحدين وواحد الاحاد واحدىّ الاحد لا مثل له، وقد يستعمل الاحد خاصّاً بالله والوجه انّ فى الاحد مبالغةً فى الوحدة والبالغ فى الوحدة ان لا يكون فيه شوب كثرةٍ بوجهٍ من الوجوه لا كثرة العدد ولا كثرة الاجزاء المقداريّة ولا كثرة الاجزاء الخارجيّة من المادّة والصّورة ولا كثرة الاجزاء العقليّة من الجنس والفصل او من المهيّة والوجود، وبهذا المعنى لا يوصف به الاّ الله، ولهذه المبالغة خصّص الاحد فى اصطلاحهم بمقام الغيب الّذى ليس فيه كثرة ولا لحاظ كثرةٍ وقالوا: الاحد اسم لمقام الغيب الّذى لا اسم له ولا رسم ولا صفة له ولا خبر عنه، والواحد اسم لمقام ظهوره تعالى بأسمائه وصفاته ففى مقام الواحديّة هو متكثّر بكثرة الاسماء والصّفات بحيث لا ينثلم وحدته بها، وفى مقام الاحديّة لا كثرة فيه لا فى الواقع ولا فى العقل ولا فى الاعتبار.
معنى الصّمد
والصّمد بالتّحريك السّيّد لانّ الصّمد بالسّكون بمعنى القصد والسّيّد من شأنه ان يقصد، والدّائم والرّفيع والمصمت الّذى لا جوف له، والرّجل الّذى لا يعطش ولا يجوع فى الحرب، خاطب الله سبحانه نبيّه (ص) فى مقام انسلاخه عن جميع الكثرات وجميع الاعتبارات بقوله: قل يا محمّد (ص) فى ذلك المقام مشيراً الى الذّات بدون اعتبار صفةٍ من الصّفات.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
تفسير السّورة
هو، فانّ لفظ هو اسم له تعالى مجرّداً عن جميع الاعتبارات حتّى عن اعتبار التّعيّن، الله يعنى انّ الذّات المجرّدة عن اعتبار الصّفات عين الذّات المعتبرة باعتبار جميع الاسماء والصّفات لا مغايرة بينهما الاّ بالاعتبار، فانّ الله اسمٌ للذّات باعتبار جملة الصّفات ولذلك قيل: انّه امام الائمّة وقد مضى بيان لفظ الله فى اوّل الفاتحة، احد يعنى انّه فى عين استجماعه لجملة الصّفات منزّه عن جميع الكثرات لا يشوبه كثرة من كثرة الصّفات، الله الصّمد اى السّيّد المصمود الّذى يصمده كلّ موجودٍ وانتهى سؤدده ومصموديّته فانّه يستفاد الانتهاء فى ذلك من الحصر المستفاد من تعريف المسند، والدّائم الّذى لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، والمرتفع الّذى لا رفيع فوقه، والقائم بنفسه الغنىّ عن غيره، لم يلد بانفصال شيءٍ منه سواء كان المنفصل ولداً مماثلاً له او شيئاً غير مماثلٍ له فانّه لا مباين له حتّى يكون منفصلاً منه او غير منفصلٍ، ولم يولد ولم ينفصل هو من شيءٍ من الاشياء فانّه لا شيء غيره حتّى يكون هو منفصلاً منه ومبايناً له، ولم يكن له كفواً احد تقديم الظّرف لشرافته، وتقديم الخبر للاهتمام بنفى الكفاءة ولمراعاة رؤس الاى، وقد ورد فى بعض الاخبار ما يدلّ على اعتبار الحروف فى الاسماء، وما يدلّ على انّ دلالة الاسماء على المسمّيات ليست بمحض المواضعة بل يتعبر المناسبات الذّاتيّة بين الاسماء وحروفها وبين المسمّيات فانّه ورد عن الباقر (ع) انّه قال: قل اى اظهر ما اوحينا اليك ونبّأناك به لتأليف الحروف الّتى قرأناها لك ليهتدى بها من القى السّمع وهو شهيد، وهو اسم مكنّى مشار به الى غائب، فالهاء تنبيهٌ على معنىً ثابتٍ، والواو اشارةٌ الى الغائب عن الحواسّ كما انّ قولك هذا اشارة الى الشّاهد عند الحواسّ وذلك انّ الكفّار نبّهوا عن آلهتهم بحرف اشارة الشّاهد المدرك، فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار فأشر انت يا محمّد (ص) الى الهك الّذى تدعو اليه حتّى نراه وندركه ولا نأَلَهَ فيه، فأنزل الله تبارك وتعالى: قل هو فالهاء تثبيت للثّابت، والواو اشارة الى الغائب عن درك الابصار ولمس الحواسّ وانّه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواسّ، قال (ع): الله معناه المعبود الّذي أله الخلق عن درك مائيّته والاحاطة بكيفيّته، ويقول العرب: أله الرّجل اذا تحيّر فى الّشيء فلم يحط به علماً، ووله اذا فزع الى شيء ممّا يحذره ويخافه، والاله هو المستور عن حواسّ الخلق، قال (ع): الاحد الفرد المتفرّد، والاحد والواحد بمعنًى واحدٍ وهو المتفرّد الّذى لا نظير له، والتّوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد، والواحد المتباين الّذى لا ينبعث من شيءٍ ولا يتّحد بشيءٍ ومن ثمّ قالوا: انّ بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لانّ العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله: الله احدٌ اى المعبود الّذى يأله الخلق عن ادراكه والاحاطة بكيفيّته فرد بالهيّته متعالٍ عن صفات خلقه، قال (ع): وحدّثنى ابى زين العابدين (ع) عن ابيه الحسين بن علىٍّ (ع) انّه قال: الصّمد الّذى لا جوف له والصّمد الّذى قد انتهى سؤدده، والصّمد الّذى لا يأكل ولا يشرب، والصّمد الّذى لا ينام، والصّمد الدّائم الّذى لم يزل ولا يزال، قال (ع): كان محمّد بن الحنفيّة يقول: الصّمد القائم بنفسه والغنىّ عن غيره، وقال غيره: الصّمد المتعالى عن الكون والفساد، والصّمد الّذى لا يوصف بالتّغاير قال (ع): الصّمد السّيّد المطاع الّذى ليس فوقه آمرٌ ولا ناهٍ، قال (ع): وسئل علىّ بن الحسين (ع) عن الصّمد فقال: الصّمد الّذى لا شريك له ولا يؤده حفظ شيءٍ ولا يعزب عنه شيءٌ، وروى عن زيد بن علىّ (ع) انّه قال: الصّمد الّذى اذا اراد شيئاً قال له: كن فيكون، والصّمد الّذى ابدع الاشياء فخلقها اضداداً واشكالاً وازواجاً، وتفرّد بالوحدة بلا ضدٍّ ولا شكلٍ ولا مثلٍ ولا ندٍّ، وعن الصّادق (ع) عن ابيه (ع) انّ اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علىٍّ (ع) يسألونه عن الصّمد فقال: كتب اليهم بسم الله الرّحمن الرّحيم امّا بعد فلا تخوضوا فى القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علمٍ فقد سمعت جدّى رسول الله (ص) يقول: من قال فى القرآن بغير علمٍ فليتبوّء مقعده من النّار، وانّ الله سبحانه قد فسّر الصّمد فقال الله: قل هو الله احد الله الصّمد ثمّ فسّره فقال: لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد، لم يلد يخرج منه شيءٌ كثيفٌ كالولد وسائر الاشياء الكثيفة الّتى تخرج من المخلوقين، ولا شيءٌ لطيف كالنّفس ولا تنشعب منه البدوات كالسّنة والنّوم والخطرة والهمّ والحزن والضّحك والبكاء والخوف والرّجاء والرّغبة والسّأمة والجوع والشّبع، تعالى عن ان يخرج منه شيءٌ وان يتولّد منه شيءٌ كثيف او لطيف، ولم يولد ولم يتولّد من شيءٍ ولم يخرج من شيءٍ كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشّيء من الشّيء والدّابّة من الدّابّة والنّبات من الارض والماء من الينابيع والثّمار من الاشجار، ولا كما يخرج الاشياء اللّطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسّمع من الاذن، والشّمّ من الانف، والذّوق من الفم، والكلام من اللّسان، والمعرفة والتّميز من القلب، وكالنّار من الحجر، لا بل هو الله الصّمد الّذى لا من شيء ولا فى شيءٍ ولا على شيءٍ مبدء الاشياء وخالقها، ومنشئ الاشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصّمد الّذى لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال، ولم يكن له كفواً احد، وعن الصّادق (ع) انّه قدم وفدٌ من فلسطين على الباقر (ع) فسألوه من مسائل، فأجابهم، ثمّ سألوه عن الصّمد فقال: تفسيره فيه، الصّمد خمسة احرف، فالالف دليل على انيّته وهو قوله عزّ وجلّ:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }** [آل عمران:18] وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن درك الحواسّ، واللاّم دليل على الهيّته بانّه هو الله، والالف واللاّم مدغمان ولا يظهران على اللّسان ولا يقعان فى السّمع ويظهران فى الكتابة دليلان على انّ الهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ولا تقع فى لسان واصفٍ ولا اذن سامعٍ لانّ تفسير الاله هو الّذى أله الخلق عن درك مائيّته وكيفيّته بحسٍّ او بوهمٍ لا بل هو مبدع الاوهام وخالق الحواسّ وانّما يظهر ذلك عند الكتابة فهو دليل على انّ الله تعالى اظهر ربوبيّته فى ابداع الخلق وتركيب ارواحهم اللّطيفة فى اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما انّ لام الصّمد لا يتبيّن ولا يدخل فى حاسّةٍ من حواسّه الخمس فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفى ولطف، فمتى تفكّر العبد فى مائيّة البارى وكيفيّته أله فيه وتحيّر ولم تحط فكرته بشيءٍ يتصوّر له لانّه عزّ وجلّ خالق الصّور فاذا نظر الى خلقه ثبت له انّه عزّ وجلّ خالقهم ومركّب ارواحهم فى اجسادهم، وامّا الصّاد فدليل على انّه عزّ وجلّ صادق، وقوله صدق، وكلامه صدق، ودعا عباده الى اتّباعه الصّدق بالصّدق، ووعد بالصّدق دار الصّدق، وامّا الميم فدليل على ملكه وانّه الملك الحقّ لم يزل ولا يزول ملكه، وامّا الدّال فدليل على دوام ملكه وانّه عزّ وجلّ دائم تعالى عن الكون والزّوال بل هو عزّ وجلّ مكوّن الكائنات الّذى كان بتكوينه كلّ كائنٍ ثمّ قال (ع): لو وجدت لعلمى الّذى اتانى الله عزّ وجلّ حمله لنشرت التّوحيد والاسلام والايمان والدّين والشّرائع من الصّمد وكيف لى بذلك ولم يجد جدّى امير المؤمنين (ع) حملةً لعلمه حتّى كان يتنفّس الصّعداء ويقول على المنبر: سلونى قبل ان تفقدونى، فانّ بين الجوانح منّى علماً جمّاً هاه هاه الا لا اجد من يحمله الا وانىّ عليكم من الله الحجّة البالغة**{ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ }** [الممتحنة:13]، وعن الصّادق (ع) انّه سأل سائل عن التّوحيد فقال: انّ الله عزّ وجلّ علم انّه يكون فى آخر الزّمان اقوام متعمّقون فأنزل الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } والآيات من سورة الحديد الى قوله:**{ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }** [الحديد:6] فمن رام وراء ذلك فقد هلك، والمراد بالآيات من سورة الحديد آيات اوّلها الى قوله
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }** [الملك: 13] فانّ الله تعالى ادرج فيها دقائق التّوحيد الّذى لا يصل اليها ادراك المتعمّقين فى التّوحيد فكيف بغيرهم!. وسئل الرّضا (ع) عن التّوحيد فقال: كلّ من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التّوحيد، قيل: كيف يقرؤها؟ - قال: كما يقرؤها النّاس وزاد فيها كذلك الله ربّى مرّتين، ولمّا كان السّورة مشتملة على توحيده تعالى واضافاته وكان القارى كأنّه يقرأ بلسان الله ويأمر بلسان الله نفسه بالتّوحيد وبكيفيّة اضافاته ورد عنهم بعد تمامه: كذلك الله ربّى، مرّتين، اشارة الى امتثال امره واقراراً بتوحيده واضافاته، ولمّا كان السّورة مشتملة على توحيده واضافاته وسَلوبه روى عن الفضيل بن يسار، انّ ابا جعفر امرنى ان اقرأ قل هو الله احد واقول اذا فرغت منها: كذلك الله ربّى، ثلاثاً، اشارة الى الامتثال بالاقرار بالتّوحيد واضافاته وسلوبه، ولمّا كان العلوم ثلاثة بمضمون ما ورد عن النّبىّ (ص) من قوله: **" انّما العلم ثلاثة؛ آية محكمة، او فريضة عادلة، او سنّة قائمة "** ، وتمام القرآن لبيان هذه الثّلاثة، وهذه السّورة مشتملة بايجازها على تمام الآيات المحكمات ورد عنهم: انّ من قرأها كان كمن قرء ثلث القرآن، والوجه الآخر فى ذلك انّ السّالك الى الله لا يحصل له السّلوك الاّ بالجذب والانسلاخ من الكثرات وبالتّوجّه الى الكثرات، والتّوجّه الى الكثرات امّا لمرمّة المعاش او تزوّد المعاد، وتمام القرآن لبيان كيفيّة هذه الثّلاثة والسّورة المباركة فى مقام الجذب والانسلاخ، والوجه الآخر انّ القرآن لاثبات الرّبّ وتوحيده واثبات الخلق وتكثيرهم، واثبات الوسائط بين الرّبّ والخلق، والوجه الآخر انّ القرآن لبيان اضافة الحقّ الى الخلق واضافة الخلق الى الرّبّ وبيان الوسائط بين الاضافتين، ولمّا لم يكن يتمّ سلوك السّالك الاّ بطروّ حال الجذب والانسلاخ عليه فانّه لو لم يكن للسّالك حرارة الجذب جملةً ولم يتحرَك الى الله ورد عن الصّادق (ع): من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات ولم يقرء فيه بقل هو الله احد قيل له: يا عبد الله لست من المصلّين، وليس المراد بقراءة قل هو الله لقلقة اللّسان فقط فانّها ربّما تصير وبالاً على القارى، بل المراد توفيق الحال للقال حتّى ذاق القارى ووجد فى وجوده انموذج الانسلاخ ولهذا الوجه ورد عنه (ع): من مضت له جمعة ولم يقرء بقل هو الله احد ثمّ مات مات على دين ابى لهبٍ لانّ ابا لهب كان فارغاً من حرارة الجذب الفطرىّ، وقد ورد فى حقّ هذه السّورة فضائل كثيرة عنهم (ع) ولفضلها لا يجوز العدول عنها فى الفريضة الى غيرها اذا شرع المصلّى فيها، واذا صلّى ولم يقرء فى صلاته بقل هو الله احد كان صلاته ناقصة كما فى الاخبار، وقد روى عن النّبىّ (ص) انّه قال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" من قرأ قل هو الله احد مرّةً بورك عليه، فان قرأها مرّتين بورك عليه وعلى اهله، فان قرأها ثلاث مرّاتٍ بورك عليه وعلى اهله وعلى جميع جيرانه، فان قرأها اثنتى عشرة مرّة بنى له اثنا عشر قصراً فى الجنّة؛ فتقول الحفظة: انطلقوا بنا ننظر الى قصر اخينا! فان قرأها مأة مرّة كفّر عنه ذنوب خمس وعشرين سنة ما خلا الدّماء والاموال، فان قرأها اربعماة كفّر عنه ذنوب اربعمائة سنة، فان قرأها الف مرّةٍ لم يمت حتّى يرى مكانه من الجنّة او يَرى له "** ، والاخبار فى انّها تعدل ثلث القرآن وانّ من قرأها ثلاث مرّات كان كمن قرأ القرآن كلّه كثيرة، وروى انّه جاء رجل الى النّبىّ (ص) فشكى اليه الفقر وضيق المعاش فقال له رسول الله (ص): **" اذا دخلت بيتك فسلّم ان كان فيه احدٌ وان لم يكن فيه احدٌ فسلّم واقرأ قل هو الله احد مرّةً واحدةً "** ، ففعل الرّجل فافاض الله عليه رزقاً حتّى افاض على جيرانه، وعن الصّادق (ع) انّه قال: من اصابه مرض او شدّة فلم يقرأ فى مرضه او شدّته بقل هو الله احد ثمّ مات فى مرضه وفى تلك الشّدّة الّتى نزلت به فهو من اهل النّار، وسبب ذلك انّ هذا المبتلى لو كان بقى فطرته الّتى بها ينجذب الى عالم الآخرة والى الله يصير مرضه وشدّته لا محالة سبباً لانسلاخه وتوجّهه الى الله، وهذا الانسلاخ هو قراءة قل هو الله قرأ او لم يقرء، واذا لم ينسلخ علم انّه لم يبق فيه الفطرة فكان من اهل النّار لانّ من لم يبق فيه فطرة الانسانيّة كان مرتدّاً فطريّاً غير مقبول التّوبة، وعنه (ع) انّه قال: من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع ان يقرأ فى دَبْر الفريضة بقل هو الله احدٌ فانّه من قرأها جمع له خير الدّنيا والآخرة وغفر الله له ولوالديه وما ولد، او وجهه يستنبط ممّا ذكرنا، فانّ الفريضة عبارة عن التّوجّه الى الله والى الآخرة، فاذا كان من صلّى الفريضة كما هو مأمور بها لا بدّ وان تنتهى به الى حالة الانسلاخ والدّخول فى دار القلب الّتى هى دار التّوحيد وفى ذلك الانسلاخ وهذا الدّخول خير الدّنيا والآخرة وغفران الذّنوب له ولمن اتّصل به؛ فجاهدوا اخوانى حتّى يكون صلاتنا باعثة لانسلاخنا من انفسنا واهويتها ومورثة لدخولنا فى دار القلب او توجّهنا اليها، ولا نكون ممّن يصلّى والصّلاة تلعنه، وعن ابى الحسن (ع) انّه يقول: من قدّم قل هو الله احد بينه وبين كلّ جبّارٍ منعه الله منه، يقرأها بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاذا فعل ذلك رزقه الله خيره ومنعه شرّه، وسرّ ذلك ما ذكرنا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير فرات الكوفي/ فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ) | قال [حدثنا] أبو القاسم قال: حدثنا فرات قال: حدثنا إبراهيم بن بنان قال: حدثنا أحمد بن زفر العنبري قال: حدثنا علي بن عبد المجيد [ب: الحميد] المفسر الواسطي قال: حدثنا حمزة بن بهرام عن حماد عن مقاتل عن الضحاك بن مزاحم.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن قريشاً سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم جبير بن مطعم وأبو جهل بن هشام ورؤوساً [خ ل: ورؤساء] من قريش: يا محمد أخبرنا عن ربك من أي شيءٍ هو؟ من خشب أم من نحاس أم من حديد؟!
وقالت اليهود: إنه قد أنزل نعته في التوراة فأخبرنا عنه؟ فأنزل الله [تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. ر] { قل هو الله أحد الله الصمد } يعني الصمد الذي لا جوف له. وقال بعضهم: الصمد السيد الذي يسند إليه الأشياء { لم يلد ولم يولد } قال: وذلك أنّ المشركين قالوا: الملائكة بنات الله وقالت اليهود: عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله فأنزل الله { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } [يعني. ر. ب: أي] لا مثل له في الالهية ولا ضدّ له ولا ند له ولا شبه له ولا شريك له لا إله إلا الله.
قال أبو جعفر! عليه السلام: هي مكية كلها نزلت [ر: فنزلت. ب: فنزل].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) | السبب في نزول السورة قيل: ان المشركين قالوا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنسب لنا ربك فنزلت هذه السورة، وعن سعيد بن جبير ان رهطاً من اليهود قالوا: يا محمد هذا الله خلق المخلوقين فمن خلقه؟ فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى تغير خلقه فجاءه جبريل فسكته وجاءه بالجواب: قل هو الله أحد، وذكر القاضي: **" روي أن عبد الله بن سلام انطلق الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو بمكة فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): " ما تجدني في التوراة رسول الله؟ فقال انعت لنا ربك، فجاءه جبريل بهذه السورة فقرأها عليه فكان سبب اسلامه لكنه كتمه فلما هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أظهر اسلامه ".** يعني { قل } يا محمد { هو الله احد } قيل: واحد في الالهيَّة والقدم، وقيل: واحد لا نظير له، وقيل: واحد في صفاته، قديم، باقي، قادر، عالم، حي، لم يزل، ولا يزول، وقيل: واحد في استحقاق العبادة لا تحق لأحد سواه { الله الصمد } السيد المعظم قال الأكثر: الباقي، وقال أسد بن عمرو وابن مسعود بالسيد الصمد وأصله المقصود صمدت اليه أصمد أي قصدت، وقيل: الذي يقصد اليه في الحوائج والمستغاث به عند المصائب، وقيل: الذي لا ينام، وقيل: الذي لا يكافيه أحد من خلقه، وقيل: الذي لا يوصف بصفته أحد، وقيل: المستغني عن كل أحد والمحتاج اليه كل أحد، وقيل: الغالب الذي لا يغلب، وقيل: الذي لا تدركه الأبصار، وقيل: الذي يقضي الحوائج سئِل أم لم يُسأل { لم يلد ولم يولد } أي ليس بصفة الجسميَّة حتى يلد ويولد ردٌ على النصارى واليهود وغيرهم، قيل: لم يلد فيكون بصفة الوالدات ولم يولد فيكون بصفة الأولاد { ولم يكن له كفواً أحد } أي لا مثل له، وقيل: لا صاحبة له، ويدل قوله: { لم يلد ولم يولد } أي ليس بجسم ولا يشبه الأجسام، ويدل قوله: { لم يكن له كفواً أحد } أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض وانه ليس بمتحيز ولا في مكان ولا في جهة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) | تفسير سورة الإِخلاص، وهي مكية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله تعالى: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } أي: الواحد قال بعضهم: كان عبد الله بن مسعود يقرأها: قل هو الله الواحد.
قال: { اللهُ الصَّمَدُ } أي: الباقي. وتفسير بعضهم: الصمد: الذي قد انتهى في الشرف والسؤدد. وتفسير الكلبي: الذي لا يأكل ولا يشرب.
قال تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي: ولم يكن أحد كفؤاً له. وتفسير الكلبي: إن المشركين قالوا للنبي عليه السلام، وقال بعضهم: إنهم اليهود قالوا له: انسب لنا ربك وصفه لنا، فأنزل الله تعالى هذه السورة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) | بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ } الخ وروي أن المشركين قالوا صف لنا ربك لما ذكر آلهتهم فنزلت السورة وعن ابن عباس أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وقال عامر إلى ما تدعونا يا محمد قال إلى الله قال صفه لنا أم من ذهب أم من فضة أم حديد أم خشب فنزلت فأهلكه الله بالطاعون وأربد بالصاعقة، وروي أن اليهود لما قالوا ذلك نزلت قالوا يا محمد هذا نسب يمنع من النسب نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسوله وعبده فلقيهم أبو جهل لعنه الله فقال لهم قد أثر فيكم كلام محمد فقالوا والله ما هو كلامه وإنه يقرأه علينا ونحن نراه في الجو مكتوبا. \* { هُوَ اللهُ } رد على الدهرية الذين أنكروا الله وقالوا لم يكن إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر فذلك تحقيق وإثبات للوجود \* { أَحَدٌ } رد على الثنوية أن الأشياء تكونت من نور وظلمة والأحد الواحد كما تدل له قراءة ابن مسعود قل هو الله الواحد لا شريك له فعلا ولا صفة ولا قولا ولا ذاتا وقيل أعم من الواحد قال بعضهم الواحد المنفرد لا إله معه والأحد جامع صفات الجلال وهو من وجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة ولا جسم ولا عرض ولا تحيز ولا شركة ولا يوصف غير الله بالأحد عند بعض والضمير للذي سألوا عنه أي الذي سألتم عنه هو الله ومعنى الله المنزه عما تقولون الجامع لصفات الكمال وعائد لله بعده ايضاحا بعد ابهام وعلى كل فالله خبر واحد خبر ثان أو بدل من الله بناء على جواز ابدال النكرة غير الموصوفة من المعرفة إذا دلت على معنى لم يدل عليه المبدل منه ويجوز كون الله بدلا من هو واحد خبر ويجوز كون هو ضمير الشأن والله مبتدأ واحد خبره والجملة خبر الضمير غير محتاجة للرابط لانها نفسه معنى وعليه ابن هشام قال البزي انما صح حمل احد على قوله الله لان معنى احد منفرد في صفته كوجوبه واستحقاقه العبادة او منفرد في ذاته اي لا تركيب فيه وإذا جعل الله خبرا صح كون احد لمحذوف قال بعض همزة احد عن واو وقرأ ابن مسعود وابي بن كعب وهو الله احد بغير قل. وروي **" ان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ الله احد باسقاط قل هو وانه قال الله احد يعدل القرآن "** وتلك رواية عن ابن مسعود وهي غير السابقة قل لان هذا توحيد بقوله تارة ويأمر به أخرى بخلاف قل يا أيها الكافرون فإنه موادعة لهم وتبت فإنها معاتبة عمه وهذا ظاهره أنه تارة يقرأه بقل وتارة بتركه في هذه السورة، وقيل إن الأعمش قرأ قل هو الله أحد وكذا عن عمر وهي السابقة عن ابن مسعود وإذا وصلت كسرت التنوين ورققت اللام وإذا وقفت سكنت الدال وفخمت اللام وقرأ بعضهم بإسقاط التنوين وصلا لإلتقاء الساكنين فتفخم اللام وهذا قليل قاله ابن هشام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) | هو ضمير الشأن يذكر تفخيماً للأَمر على الإجمال والإبهام فيكون الذهن مترقباً لبيانه فيذكر الخبر المفسر له والذهن قد استعد لفهمه فيتمكن من فهمه والجملة خبره وهذا المعنى موجود لو قلنا جرى سؤال ما ربك ومن أى شىءٍ فكان هو الله أحد جوابه إلاَّ أن المتبادر فى مراعاة هذا السؤال أن تقول هو عائد إلى الرب المسئول عنه فخبره مفرد هو لفظ الجلالة وأحد خبر ثان ففى البخارى والترمذى عن أبى بن كعب أن المشركين قالوا للنبى - صلى الله عليه وسلم - انسب لنا ربك فأَنزل الله تعالى قل هو الله احد الخ، وفى الطبرى والطبرانى قال له أعرابى إنسب لنا ربك فنزلت السورة، ويروى أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة قالا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلام تدعونا يا محمد؟ قال إلى الله قال صفة لنا أمن ذهب أو فضة أو حديد أو خشب فنزلت السورة فأَهلك الله تعالى أربد بالصاعقة وعامراً بالطاعون، وعن ابن عباس قال كعب بن الأشرف وحيى بن أحطب وغيرهما من اليهود يا محمد صف لنا ربك الذى بعثك فنزلت السورة والله أعلم على واجب الوجود ويقال علم الله نفسه فوضع لفظاً له بخصوصه هذا مذهبنا وهمزة أحد عن واو وقلب الواو المفتوحة همزة شاذ فاللفظ فصيح استعمالاً شاذ قياساً بخلاف أحد الملازم للنفى غالباً فهمزته أصلية وقيل الهمزة فى أحد فى الآية أصلية والفرق بلزوم النفى وعدمه واللازم للنفى الاستغراق، وقيل أصل أحد فى الآية واحد بألف وكسر الحاءِِ قلبت الواو ألفاً فحذفت إحدى الألفين وفتحت الحاء وفرق ثعلب بأَن أحداً لا يبنى عليه العدد إبتداءً فلا يقال أحد واثنان وثلاثة كما يقال واحد واثنان وثلاثة ولا يقال رجل أحد كما يقال رجل واحد ولذلك اختص به سبحانه وتعالى وفرق بعض بأَن الأَحد فى النفى نص فى العموم بخلاف الواحد فإنه يحتمل العموم وغيره فيقال ما فى الدار أحد فيقال بل اثنان ويقال ما فى الدار واحد بل اثنان، وقيل الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال والواحدية لا تحتملهما يقال مائة واحدة وألف واحد ولا يقال مائة أحد ولا ألف أحد فإن قال لأزواجه والله لا أقرب واحدة منكن صار موليا منهن أَوْ لاَ أقرب إحداكن صار مولياً من واحدة فيدين إلى قصده ونيته وقيل الأحدية لتفرد الذات والواحدية لنفى المشاركة فى الصفات وقيل بالعكس وكلاهما لله فيقال الواحد الأَحد وهما فى حكم اسم واحد وفسر ابن عباس أحد بالواحد كما قرأ الأعمش قل هو الله الواحد فسر بما لا يتجزأ ولا ينقسم فالله متحد فى كل وصف لا يقال جسم ولا عرض ولا جوهر ولا غير ذلك ولا يجمعه وغيره شىء حتى الوجود فوجوده غير وجود غيره فهو واحد من جميع الوجوه ولا يطلق أحد فى غير النفى وغير العدد إلا على الله عز وجل والواحد إما حقيقى بأَن امتنع انقسامه بوجه ما كالبارىء سبحانه وتعالى وأما واحد بالشخص بأَن امتنع حمله على متعدد كزيد وإما واحد بالجنس بأَن لم يمتنع حمله على كثيرين كالحيوان فهو واحد من وجه، كثير من وجه وأما واحد بالنوع بأن كان نفس الماهية المعروضة للكثرة كالإنسانية لزيد وعمرو أما واحد بالفصل بأَن كان جزء ماهية واحدة مميزاً لها كالناطق المتحد فيه زيد وعمرو أما واحد بالعرض وهو قسمان واحد بالمحمول بأن كانت جهة الاتحاد محمولة فيه على متعدد كاتحاد البياض فى حمله على الثلج والقطن وواحد بالموضوع بأَن كانت جهة الاتحاد موضوعة للمتعدد الموضوع كاتحاد الإنسان الضاحك والكاتب وحمله عليه ويسمى الأول واحداً بالمحمول والثانى واحداً بالموضوع ثم الواحد بالشخص إن قبل القسمة إما واحد بالاتصال بأن كانت أقسامه متشابهة بالاسم والحد بأن قبل القسمة لذاته كالمقدار أو لغيره كالجسم البسيط فإنه يقبلها بتوسط المقدار وأما واحد بالاجتماع بأَن كانت أقسامه الحاصلة له بوصف أقسام مختلفة كالبدن المنقسم إلى الأعضاءِ المختلفة ويسمى أيضاً واحداً بالتركيب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) | { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } المشهور أن { هُوَ } ضمير الشأن ومحله الرفع على الابتداء خبره الجملة بعده ومثلها لا يكون لها رابط لأنها عين المبتدأ في المعنى والسر في تصديرها به التنبيه من أول الأمر على فخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة التحقيق والتقرير فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر جليل فيبقى الذهن مترقباً لما أمامه مما يفسره ويزيل إبهامه فيتمكن عند وروده له فضل تمكن وقول الشيخ عبد القاهر في «دلائل الإعجاز» إن له مع أن حسناً بل لا يصح بدونها غير مسلم. نعم قال الشهاب القاسمي إن هٰهنا إشكالاً لأنه إن جعل الخبر مجموع معنى الجملة المبين في باب القضية أعني مجموع { ٱللَّهُ } ومعنى { أَحَدٌ } والنسبة بينهما ففيه أن الظاهر أن ذلك المجموع ليس هو الشأن وإنما الشأن مضمون الجملة الذي هو مفرد أعني الوحدانية وإن جعل مضمون الجملة الذي هو مفرد فتخصيص عدم الرابط بالجملة المخبر بها عن / ضمير الشأن غير متجه إذ كل جملة كذلك لأن الخبر لا بد من اتحاده بالمبتدأ بحسب الذات ولا يتحد به كذلك إلا مضمون الجملة الذي هو مفرد.
وأجيب باختيار الشق الأول كما يرشد إليه تعبيرهم عن هذا الضمير أحياناً بضمير القصة ضرورة أن مضمون الجملة الذي هو مفرد ليس بقصة وإنما القصة معناها المبين في باب القضية وأيضاً هم يعدون مثل قوله صلى الله عليه وسلم **" أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد "** من الجمل التي هي عين المبتدأ في المعنى الغير المحتاجة إلى الضمير لذلك ومن المعلوم أن ما يقال ليس المضمون الذي هو مفرد بل هو الجملة بذلك المعنى ولذا تراهم يوجبون كسر همزة إن بعد القول وكذا تمثيلهم لها بنطقي الله حسبـي وكفى أي منطوقي الذي أنطق به ذلك إذ من الظاهر أن ما نطق به هو الجملة بالمعنى المعروف وقد دل كلام ابن مالك في «التسهيل» على المراد يكون الجملة التي لا تحتاج إلى رابط عين المبتدأ أنها وقعت خبراً عن مفرد مدلوله جملة وهو ظاهر فيما قلنا أيضاً وكون ذلك شأنا أي عظيماً من الأمور باعتبار ما تضمنه، ووَصْفُ الكلام بالعظم ومقابله بهذا الاعتبار شائع ذائع.
وقال العلامة أحمد الغنيمي إن أريد أنها عينه بحسب المفهوم فهو مشكل لعدم الفائد وإن أريد عينه بحسب المصدق مع التغاير في المفهوم كما هو شأن سائر الموضوعات مع محمولاتها فقد يقال إنه مشكل أيضاً إذ ما صدق ضمير الشأن أعم من { ٱللَّهُ أَحَدٌ } والخاص لا يحمل على العام في القضايا الكلية ودعوى الجزئية في هذا المقام ينبو عنه تصريحهم بأن ضمير الشأن لا يخلو عن إبهام وبعبارة أخرى وهي أن ما صدق عليه ضمير الشأن مفرد وما صدق الجملة مركب ولا شيء من المفرد بمركب ولذا تراهم يؤولون الجملة الواقعة خبراً بمفرد صادق على المبتدأ ليصح وقوعها خبراً والتزام ذلك في الجملة الواقعة خبراً عن ضمير الشأن ينافيه تصريحهم بأنها غير مؤولة بالمفرد وإن كانت في موقعه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأجيب بأن معنى قولهم { هُوَ } ضمير الشأن إنه ضمير راجع إليه وموضوع موضعه وإن لم يسبق له ذكر للإيذان بأنه من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد وإليه يشير كل مشير وعليه يعود كل ضمير. وقولهم في عد الضمائر التي ترجع إلى متأخر لفظاً ورتبة منها ضمير الشأن فإنه راجع إلى الجملة بعده، مسامحة ارتكبوها لأن بيان الشأن وتعيين المراد به بها فما صدق الضمير هو بعينه ما صدق الشأن الذي عاد هو عليه فيختار الشق الثاني فإما أن يراد بالشأن الشأن المعهود ادعاء وتجعل القضية شخصية نظير هذا زيد وإما أن يراد المعنى الكلي وتجعل القضية مهملة وهي في قوة الجزئية كأنه قيل بعض الشأن الله أحد وجاء الإبهام الذي ادعى تصريحهم به من عدم تعين البعض قبل ذكر الجملة وحملها عليه وما صدق عليه الشأن كما يكون مفرداً يكون جملة فليكن هنا كذلك واستمجد الأول واحتمال الكلية مبالغة نحو «كل الصيد في جوف الفرا» كما ترى فليتأمل.
وجوزوا أن يكون { هُوَ } ضمير المسؤول عنه أو المطلوب صفته أو نسبته فقد أخرج الإمام أحمد في «مسنده» والبخاري في «تاريخه» والترمذي والبغوي في «معجمه» وابن عاصم في «السنة» والحاكم وصححه وغيرهم عن أبـي بن كعب أن المشركين قالوا للنبـي صلى الله عليه وسلم يا محمد انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } السورة وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني في «الأوسط» والبيهقي بسند حسن وآخرون عن جابر قال **" جاء أعرابـي إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فقال انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الخ وفي «المعالم» عن ابن عباس أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبـي صلى الله عليه وسلم فقال عامر إلام تدعونا يا محمد؟ قال إلى الله قالا صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة أو من حديد أو من خشب؟ فنزلت هذه السورة فأهلك الله تعالى أربد بالصاعقة وعامراً بالطاعون "** وأخرج ابن أبـي حاتم والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن عباس أن اليهود جاءت إلى النبـي عليه الصلاة / والسلام منهم كعب بن الأشرف وحيـى بن أخطب فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فأنزل الله تعالى السورة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وكون السائلين اليهود مروي عن الضحاك وابن جبير وقتادة ومقاتل وهو ظاهر في أن السورة مدنية وجاز رجوع الضمير إلى ذلك للعلم به من السؤال وجرى ذكره فيه و { هُوَ } عليه مبتدأ والاسم الجليل خبره و { أَحَدٌ } خبر بعد خبر وأجاز الزمخشري أن يكون بدلاً من الاسم الجليل على ما هو المختار من جواز إبدال النكرة من المعرفة وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد وأجاز أبو البقاء أن يكون الاسم الأعظم بدلاً من { هُوَ } و { أَحَدٌ } خبره.
و { ٱللَّهُ } تعالى وتقدس علم على الذات الواجب الوجود كما ذهب إليه جمهور الأشاعرة وغيرهم خلافاً للمعتزلة حيث قالوا العلم في حقه سبحانه محال لأن أحداً لا يعلم ذاته تعالى المخصوص بخصوصية حتى يوضع له وإنما يعلم بمفهومات كلية منحصرة في فرد فيكون اللفظ موضوعاً لأمثال تلك المفهومات الكلية فلا يكون علماً. ورد بأنه تعالى عالم بخصوصية ذاته فيجوز أن يضع لفظاً بإزائه بخصوصه فيكون علماً وهذا على مذهب القائلين بأن الواضع هو الله تعالى ظاهر إلا أنه يلزم أن يكون ما يفهم من لفظ { ٱللَّهُ } غير ما وضع له إذ لا يعلم غيره تعالى خصوصية ذاته تعالى التي هي الموضوع له على هذا التقدير والقول بأنه يجوز أن يكون المفهوم الكلي آلة للوضع ويكون الموضوع له هو الخصوصية التي يصدق عليها المفهوم الكلي كما قيل في هذا ونظائره يلزم عليه أيضاً أن يكون وضع اللفظ لما لا يفهم منه فإنا لا نفهم من أسمائه تعالى إلا تلك المفهومات الكلية والظاهر أن الملائكة عليهم السلام كذلك لاحتجاب ذاته عز وجل عن غيره سبحانه ومن هنا استظهر بعض الأجلة ما نقل عن حجة الإسلام أن الأشبه أن الاسم الجليل جار في الدلالة على الموجود الحق الجامع لصفات الإلٰهية المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقي مجرى الأعلام أي وليس بعلم وقد مر ما يتعلق بذلك أول الكتاب فارجع إليه.
بقي في هذا المقام بحث وهو أن الأعلام الشخصية كزيد إما أن يكون كل منها موضوعاً للشخص المعين كما هو المتبادر المشهور فإذا أخبر أحد بتولد ابن له فسماه زيداً مثلاً من غير أن يبصره يكون ذلك اللفظ اسماً للصورة الخيالية التي حصلت في مخيلته وحينئذ إذا لم يكن المولود بهذه السورة لم يكن إطلاق الاسم عليه بحسب ذلك الوضع ولو قيل بكونه موضوعاً للمفهوم الكلي المنحصر في ذلك الفرد لم يكن عَلَماً كما سبق ثم إذا سمعنا علماً من تلك الأعلام الشخصية ولم نبصر مسماه أصلاً فإنا لا نفهم الخصوصية التي هو عليها بل ربما تخيلناه على غير ما هو عليه من الصور، وإما أن يكون جميع تلك الصور الخالية موضوعاً له فيكون من قبيل الألفاظ المشتركة بين معان غير محصورة، وإما أن يكون الموضوع له هو الخصوصية التي هو عليها فقط فيكون غيرها خارجاً عن الموضوع له فيكون فهم غيرها من الخصوصيات منه غلطاً فإما أن يترك دعوى كون تلك الأعلام جزئيات حقيقية ويقال إنها موضوعات للمفهومات الكلية المنحصرة في الفرد أو يلتزم أحد الاحتمالات الأخر وكلا الوجهين محل تأمل كما ترى فتأمل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
و { أَحَدٌ } قالوا همزته مبدلة من الواو وأصله وحد وإبدال الواو المفتوحة همزة قليل ومنه قولهم امرأة أناة يريدون وناة لأنه من الونى وهو الفتور وهذا بخلاف (أحد) الذي يلازم النفي ونحوه. ويراد به العموم كما في قوله تعالى:**{ فمّاً مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ }** [الحاقة: 47] وقوله عليه الصلاة والسلام **" أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي "** وقوله تعالى:**{ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ }** [مريم: 98] وقوله سبحانه:**{ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً }** [الجن: 18] وقوله عز وجل:**{ وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ }** [التوبة: 6] فإن همزته أصلية وقيل الهمزة فيه أصلية كالهمزة في الآخر والفرق بينهما قال الراغب إن المختص بالنفي منهما لاستغراق جنس الناطقين ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق نحو ما في الدار / أحد أي لا واحد ولا اثنان فصاعداً لا مجتمعين ولا مفترقين ولهذا لم يصح استعماله في الإثبات لأن نفي المتضادين يصح ولا يصح إثباتهما فلو قيل في الدار أحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين وذلك ظاهر الإحالة ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال ما من أحد فاضلين وعليه الآية المذكورة آنفاً والمستعمل في الإثبات على ثلاثة أوجه الأول أن يضم إلى العشرات نحو أحد عشر وأحد وعشرون والثاني أن يستعمل مضافاً أو مضافاً إليه بمعنى الأول كما في قوله تعالى:**{ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا }** [يوسف: 41] وقولهم يوم الأحد أي يوم الأول والثالث أن يستعمل مطلقاً وصفاً وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى وهو وإن كان أصله واحداً إلا أن وحداً يستعمل في غيره سبحانه نحو قول النابغة:
| **كأن رحلي وقد زال النهار بنا** | | **بذي الجليل على مستأنس وَحَدِ** |
| --- | --- | --- |
انتهى.
وقال مكي أصل (أحد) واحد فأبدلوا الواو همزة فاجتمع ألفان لأن الهمزة تشبه الألف فحذفت إحداهما تخفيفاً وفرق ثعلب بين أحد وواحد بأن أحداً لا يبنى عليه العدد ابتداء فلا يقال أحد واثنان كما يقال واحد واثنان ولا يقال رجل أحد كما يقال رجل واحد ولذلك اختص به سبحانه. وفرق بعضهم بينهما أيضاً بأن الأحد في النفي نص في العموم بخلاف الواحد فإنه محتمل للعموم وغيره فيقال ما في الدار أحد ولا يقال بل اثنان ويجوز أن يقال ما في الدار واحد بل اثنان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ونقل عن بعض الحنفية أنه قال في التفرقة بينهما إن الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال والواحدية تحتملها لأنه يقال مائة واحدة وألف واحد ولا يقال مائة أحد ولا ألف أحد وبنى على ذلك مسألة الإمام محمد بن الحسن التي ذكرها في «الجامع الكبير» إذا كان لرجل أربع نسوة فقال والله لا أقرب واحدة منكن صار مولياً منهن جميعاً ولم يجز أن يقرب واحدة منهن إلا بكفارة ولو قال والله لا أقرب إحداكن لم يصر مولياً إلا من إحداهن والبيان إليه.
وفرق الخطابـي بأن الأحدية لتفرد الذات والواحدية لنفي المشاركة في الصفات ونقل عن المحققين التفرقة بعكس ذلك ولما لم ينفك في شأنه تعالى أحد الأمرين من الآخر قيل الواحد الأحد في حكم اسم واحد وفسر الأحد هنا ابن عباس وأبو عبيدة كما قال ابن الجوزي بالواحد وأيد بقراءة الأعمش { قل هو الله الواحد } وفسر بما لا يتجزأ ولا ينقسم.
وقال بعض الأجلة إن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك فالمراد به هنا حيث أطلق المتصف بالواحدية التي لا يمكن أن يكون أزيد منها ولا أكمل فهو ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد خارجاً وذهناً وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية وهو مأخوذ من كلام الرئيس أبـي علي بن سينا في «تفسيره السورة الجليلة» حيث قال إن أحداً دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلاً لا كثرة معنوية وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول وكثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلاً كما في المادة والصورة والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم وذلك يتضمن لكونه سبحانه منزهاً عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه عز وجل عن أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء وقال ابن عقيل الحنبلي الذي يصح لنا من القول مع إثبات الصفات أنه تعالى واحد في إلٰهيته لا غير. وقال غيره من السلفيين كالحافظ ابن رجب هو سبحانه الواحد في إلٰهيته / وربوبيته فلا معبود ولا رب سواه عز وجل واختار بعد وصفه تعالى بما ورد له سبحانه من الصفات أن المراد الواحدية الكاملة وذلك على الوجهين كون الضمير للشأن وكونه للمسؤول عنه ولا يصح أن يراد الواحد بالعدد أصلاً إذ يخلو الكلام عليه من الفائدة.
وذكر بعضهم أن الاسم الجليل يدل على جميع صفات الكمال وهي الصفات الثبوتية ويقال لها صفات الإكرام أيضاً والأحد يدل على جميع صفات الجلال وهي الصفات السلبية ويتضمن الكلام على كونهما خبرين الإخبار بكون المسؤول عنه متصفاً بجميع الصفات الجلالية والكمالية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وتعقب بأن الإلٰهية جامعة لجميع ذلك بل كل واحد من الأسماء الحسنى كذلك لأن الهوية الإلٰهية لا يمكن التعبير عنها لجلالتها وعظمتها إلا بأنه هو هو، وشرح تلك الهوية بلوازم منها ثبوتية ومنها سلبية واسم الله تعالى متناول لهما جميعاً فهو إشارة إلى هويته تعالى والله سبحانه كالتعريف لها فلذا عقب به. وكلام الرئيس ينادي بذلك وسنشير إليه إن شاء الله تعالى.
وقرأ عبد الله وأبـي { هو الله أحد } بغير قل وقد اتفقوا على أنه لا بد منها في**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ }** [الكافرون: 1] ولا تجوز في**{ تَبَّتْ }** [المسد: 1] فقيل لعل ذلك لأن سورة الكافرين مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم أو موادعته عليه الصلاة والسلام لهم ومثل ذلك يناسب أن يكون من الله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالإنذار والجهاد وسورة { تَبَّتْ } معاتبة لأبـي لهب والنبـي عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم وأدب جسيم فلو أمر بذلك لزم مواجهته به وهو عمه صلى الله عليه وسلم وهذه السورة توحيد وهو يناسب أن يقول به تارة ويؤمر بأن يدعو إليه أخرى. وقيل في وجه { قُلْ } في سورة الكافرون إن فيها ما لا يصح أن يكون من الله تعالى كـ**{ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ }** [الكافرون: 2] فلا بد فيها من ذكر قل وفيه نظر لأنه لا يلزم ذكره بهذا اللفظ فافهم.
وقال الدواني في وجه ترك قل في { تَبَّتْ } لا يبعد أن يقال إن القول بمعاتبة أبـي لهب إذا كان من الله تعالى كان أدخل في زجره وتفضيحه وقيل فيه رمز إلى أنه لكونه على العلات عمه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يهينه بمثل هذا الكلام إلا الذي خلقه إذ لا يبعد أن يتأذى مسلم من أقاربه لو سبه أحد غيره عز وجل فقد أخرج ابن أبـي الدنيا وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قال مرت درة ابنة أبـي لهب برجل فقال هذه ابنة عدو الله أبـي لهب فأقبلت عليه فقالت ذكر الله تعالى أبـي بنباهته وشرفه وترك أباك بجهالته ثم ذكرت ذلك للنبـي صلى الله عليه وسلم فخطب فقال **" لا يؤذين مسلم بكافر "**
ثم إن إثبات { قُلْ } على قراءة الجمهور في المصحف والتزام قراءتها في هذه السورة ونظائرها مع أنه ليس من دأب المأمور بقل أن يتلفظ في مقام الائتمار إلا بالمقول قال الماتريدي في «التأويلات» لأن المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل أحد ابتلي بما ابتلي به المأمور فأثبت ليبقى على مر الدهور مَنَّاً على العباد. وقيل يمكن أن يقال المخاطب بقل نفس التالي كأنه تعالى أعلم به أن كل أحد عند مقام هذا المضمون ينبغي أن يأمر نفسه بالقول به وعدم التجاوز عنه فتأمل والله تعالى الموفق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) | افتتاح هذه السورة بالأمر بالقول لإِظهار العناية بما بعد فعل القول كما علمت ذلك عند قوله تعالى**{ قل يا أيها الكافرون }** الكافرون 1 ولذلك الأمر في هذه السورة فائدة أخرى، وهي أنها نزلت على سبب قول المشركين انْسُبْ لنا ربك، فكانت جواباً عن سؤالهم فلذلك قيل له { قل } كما قال تعالى**{ قل الروح من أمر ربي }** الإسراء 85 فكان للأمر بفعل { قل } فائدتان. وضمير { هو } ضمير الشأن لإِفادة الاهتمام بالجملة التي بعده، وإذا سمعه الذين سألوا تطلعوا إلى ما بعده. ويجوز أن يكون { هو } أيضاً عائداً إلى الرب في سؤال المشركين حين قالوا انسب لنا ربك. ومن العلماء من عَدّ ضمير { هو } في هذه السورة اسماً من أسماء الله تعالى وهي طريقة صوفية درج عليها فخر الدين الرازي في «شرح الأسماء الحسنى» نقله ابن عرفة عنه في «تفسيره» وذكر الفخر ذلك في «مفاتيح الغيب» ولا بد من المزج بين كلاميه. وحاصلهما قوله { قل هو الله أحد } فيه ثلاثة أسماء لله تعالى تنبيهاً على ثلاثة مقامات. الأول مقام السابقين المقربين الناظرين إلى حقائق الأشياء من حيث هِيَ هِيَ، فلا جرم ما رأوا موجوداً سوى الله لأنه هو الذي لأجله يجب وجوده فما سوى الله عندهم معدوم، فقوله { هو } إشارة مطلقة. ولما كان المشار إليه معيناً انصرف ذلك المطلق إلى ذلك المعين فكان قوله { هو } إشارة من هؤلاء المقربين إلى الله فلم يفتقروا في تلك الإِشارة إلى مميز فكانت لفظة { هو } كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء. المقام الثاني مقام أصحاب اليمين المقتصدين فهم شاهَدُوا الحق موجوداً وشاهدوا الممكنات موجودة فحصلت كثرة في الموجودات فلم تكن لفظة { هو } تامة الإِفادة في حقهم فافتقروا معها إلى مميز فقيل لأجلهم { هو اللَّه }. والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال وهم الذين يجوزون تعدد الإِلٰه فقُرن لفظ { أحد } بقوله { هو اللَّه } إبطالاً لمقالتهم ا هــــ. فاسمه تعالى العلَم ابتدىء به قبل إجراء الأخبار عليه ليكون ذلك طريق استحضار صفاته كلّها عند التخاطب بين المسلمين وعند المحاجَّة بينهم وبين المشركين، فإن هذا الاسم معروف عند جميع العرب فمسماه لا نزاع في وجوده ولكنهم كانوا يصفونه بصفات تَنَزَّه عنها. أما { أحد } فاسم بمعنى وَاحِد. وأصل همزته الواو، فيقال وحَد كما يقال أحد، قلبت الواو همزة على غير قياس لأنها مفتوحة بخلاف قلب واو وُجوه ومعناه منفرد، قال النابغة
| **كأنَّ رحلي وقد زال النهارُ بنا بذي الجليلِ على مستأنِسٍ وَحَدِ** | | |
| --- | --- | --- |
أي كأني وضعتُ الرجل على ثورِ وحْششٍ أحَسَّ بأنسيّ وهو منفردٌ عن قطيعه. وهو صفة مشبهة مثل حَسَن، يقال وَحُد مثل كرُم، ووَحِدَ مثل فرِح. وصيغة الصفة المشبهة تفيد تمكن الوصف في موصوفها بأنه ذاتيٌّ له، فلذلك أوثر { أحد } هنا على واحد لأن واحد اسم فاعل لا يفيد التمكن.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
فــــ واحد و { أحد } وصفان مصوغان بالتصريف لمادة متحدة وهي مادة الوحدة يعني التفرد. هذا هو أصل إطلاقه وتفرعت عنه إطلاقات صارت حقائق للفظ أحد، أشهرها أنه يستعمل اسماً بمعنى إنسان في خصوص النفي نحو قوله تعالى**{ لا نفرق بين أحد من رسله }** في البقرة 285، وقوله**{ ولا أشرك بربي أحداً }** في الكهف 38 وكذلك إطلاقه على العدد في الحساب نحو أحد عشر، وأحد وعشرين، ومؤنثه إحدى، ومن العلماء من خلط بين واحد وبين { أحد } فوقع في ارتباك. فوصف الله بأنه { أحد } معناه أنه منفرد بالحقيقة التي لوحظت في اسمه العلَم وهي الإِلٰهية المعروفة، فإذا قيل { اللَّه أحد } فالمراد أنه منفرد بالإِلٰهية، وإذا قيل الله واحد، فالمراد أنه واحد لا متعدد فمَن دونه ليس بإلٰه. ومآل الوصفين إلى معنى نفي الشريك له تعالى في إلٰهيته. فلما أريد في صدر البعثة إثبات الوحدة الكاملة لله تعليماً للناس كلهم، وإبطالاً لعقيدة الشرك وُصف الله في هذه السورة بــــ { أحد } ولم يوصف بـــ واحد لأن الصفة المشبهة نهايةُ ما يُمكن به تقريب معنى وحدة الله تعالى إلى عقول أهل اللسان العربي المبين. وقال ابن سينا في تفسير له لهذه السورة إن { أحد } دالّ على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلاً لا كثرةً معنوية وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول، ولا كثرة حسيّة وهي كثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلاً كما في المادة والصورة. والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم، وذلك متضمن لكونه سبحانه منزهاً عن الجنس والفصل، والمادة والصورة، والأعراض والأبعَاض، والأعضاء، والأشكال، والألوان، وسائر ما يُثلم الوحدة الكاملة والبَساطة الحَقَّة اللائقة بكرم وجهه عز وجل عن أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء. وتبيينُه أما الواحد فمقول على ما تحته بالتشكيك، والذي لا ينقسم بوجه أصلاً أولى بالوحدانيَّة مما ينقسم من بعض الوجوه، والذي لا ينقسم انقساماً عقليّاً أوْلَى بالوحدانية من الذي ينقسم انقساماً بالحسّ بالقوة ثم بالفعل، فـــ { أحد } جامع للدلالة على الوحدانية من جميع الوجوه وأنه لا كثرة في موصوفه اهــــ. قلت قد فهم المسلمون هذا فقد روي أن بلالاً كان إذا عذب على الإِسلام يقول أحَد أحد، وكان شعار المسلمين يوم بدر أحَد أحَد. والذي درج عليه أكثر الباحثين في أسماء الله تعالى أن { أحد } ليس ملحقاً بالأسماء الحسنى لأنه لم يرد ذكره في حديث أبي هريرة عند الترمذي قال **" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة "** وعدّها ولم يذكر فيها وصف أحد، وذكر وصف واحد وعلى ذلك درج إمام الحرمين في كتاب «الإِرشاد» وكتابِ «اللمع» والغزالي في «شرح الأسماء الحسنى».
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقال الفهري في «شرحه على لُمع الأدلة» لإِمام الحرمين عند ذكر اسمه تعالى «الواحد». وقد ورد في بعض الروايات الأحد فلم يجمع بين الاسمين في اسم. ودرح ابن بَرَّجَان الإِشبيلي في «شرح الأسماء» والشيخ مُحمد بن محمد الكومي بالميم التونسي، ولُطف الله الأرضرُومي في «معارج النور»، على عدّ أحد في عداد الأسماء الحسنى مع اسمه الوَاحد فقالا الواحد الأحد بحيث هو كالتأكيد له كما يقتضيه عدهم الأسماء تسعة وتسعين، وهذا بناء على أن حديث أبي هريرة لم يقتضِ حصر الأسماء الحسنى في التسعة والتسعين، وإنما هو لبيان فضيلة تلك الأسماء المعدودة فيه. والمعنى أن الله منفرد بالإِلٰهية لا يشاركه فيها شيء من الموجودات. وهذا إبطال للشرك الذي يدين به أهل الشرك، وللتثليث الذي أحدثه النصارى المَلْكانية وللثانوية عند المجوس، وللعَدَد الذي لا يُحصى عند البراهمة. فقوله { اللَّه أحد } نظير قوله في الآية الأخرى**{ إنما الله إلٰه واحد }** النساء 171. وهذا هو المعنى الذي يدركه المخاطبون بهذه الآية السائلون عن نسبة الله، أي حقيقته فابتدىء لهم بأنه واحد ليعلموا أن الأصنام ليست من الإِلٰهية في شيء. ثم إن الأحدية تقتضي الوجود لا محالة فبطل قول المعطلة والدُّهريين. وقد اصطلح علماء الكلام من أهل السنة على استخراج الصفات السلبية الربانية من معنى الأحدية لأنه إذا كان منفرداً بالإِلٰهية كان مستغنياً عن المخصِّـص بالإِيجاد لأنه لو افتقر إلى من يُوجده لكان من يوجده إلٰهاً أوَّلَ منه فلذلك كان وجود الله قديماً غير مسبوق بعدم ولا محتاج إلى مخصـص بالوجُود بدَلاً عن العدم، وكان مستعيناً عن الإمداد بالوجود فكان باقياً، وكان غنياً عن غيره، وكان مخالفاً للحوادث وإلا لاحتاج مثلَها إلى المخصـص فكان وصفه تعالى بــــ { أحد } جامعاً للصفات السلبية. ومثلُ ذلك يُقال في مرادفه وهو وصف وَاحد. واصطلحوا على أن أحدية الله أحدية واجبة كاملة، فالله تعالى واحد من جميع الوجوه، وعلى كل التقادير فليس لكُنْه الله كثرة أصلاً لا كثرة معنوية وهي تعدد المقوّمات من الأجناس والفصول التي تتقوم منها المواهي، ولا كثرةُ الأجزاء في الخارج التي تتقوم منها الأجسام. فأفاد وصف { أحد } أنه منزه عن الجنس والفصل والمادة والصورة، والأعراض والأبعاض، والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما ينافي الوحدة الكاملة كما إشار إليه ابن سينا. قال في «الكشاف» «وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم { اللَّه أحد } بغير { قل هو } اهــــ، ولعله أخذه مما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم **" قال من قرأ { اللَّه أحد } كان بِعَدْل ثلثِ القرآن "** ، كما ذكره بأثر قراءة أبيّ بدون { قل } كما تأوله الطيبي إذ قال وهذا استشهاد على هذه القراءة. وعندي إن صح ما روي من القراءة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد بها التلاوة وإنما قصد الامتثال لما أمر بأن يقوله، وهذا كما كان يُكثر أن يقول **" سبحان ربي العظيم وبحمده اللهم اغفر لي "** يَتأول قوله تعالى**{ فسبِّح بحمد ربك واستغفره }** النصر 3.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) | الأحد: قال القرطبي: أي الواحد الوتر، الذي لا شبيه له ولا نظير، ولا صاحبة، ولا ولد، ولا شريك. 1هـ.
ومعلوم أن كل هذه المعاني صحيحة، في حقه تعالى.
وأصل أحد: وحد: قلبت الواو همزة.
ومنه قول النابغة:
| **كأن رحلي وقد زال النهار بنا** | | **بذي الجليل على مستأنس وحد** |
| --- | --- | --- |
وقال الفخر الرازي في أحد وجهان:
أحدهما: أنه بمعنى واحد.
قال الخليل: يجوز أن يقال: أحد اثنان ثلاثة، ثم ذكر أصلها وحد، وقلبت الواو همزة للتخفيف.
والثاني: أن الواحد والأحد ليسا اسمين مترادفين.
قال الأزهري: لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى، لا يقال: رجل أحد ولا درهم أحد، كما يقال: رجل واحد أي فرد به، بل أحد صفة من صفات الله تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء.
ثم قال: ذكروا في الفرق بين الواحد والأحد وجوهاً:
أحدهما: أن الواحد يدخل في الأحد، والأحد لا يدخل فيه.
وثانيها: أنك لو قلت: فلان لا يقاومه واحد، جاز أن يقال: لكنه يقاومه اثنان بخلاف الأحد.
فإنك لو قلت: فلان لا يقاومه أحد، لا يجوز أن يقال: لكنه يقاومه اثنان.
وثالثها: أن الواحد، يستعمل في الإثبات، والأحد يستعمل في النفي.
تقول في الإثبات رأيت رجلاً واحداً.
وتقول في النفي: ما رأيت أحداً، فيفيد العموم.
أما ما نقله عن الخليل، وقد حكاه صاحب القاموس فقال: ورجل وحد وأحد، أي خلافاً لما قاله الأزهري.
وأما قوله: إن أحداً تستعمل في النفي فقد جاء استعمالها في الإثبات أيضاً.
كقوله:**{ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ }** [المائدة: 6].
فتكون أغلبية في استعمالها ودلالتها في العموم واضحة.
وقال في معجم مقاييس اللغة في باب الهمزة والحاء وما بعدها: أحد، إنها فرع والأصل الواو وحد.
وقد ذكر في الواو وفي مادة وحد. قال: الواو والحاء والدال أصل واحد يدل على الانفراد من ذلك الوحدة بفتح الواو وهو واحد قبيلته، إذا لم يكن فيهم مثله.
قال:
| **يا واحد العرب الذي** | | **ما في الأنام له نظير** |
| --- | --- | --- |
وقيل: إن هذا البيت لبشار يمدح عقبة بن مسلم، أو إلى ابن المولى يزيد بن حاتم، نقلاً عن الأغاني.
فيكون بهذا ثبت أن الأصل بالواو والهمزة فرع عنه.
وتقدم أن دلالتها على العموم أوضح أي أحد.
وقد دلت الآية الكريمة، على أن الله سبحانه وتعالى أحد، أي في ذاته وصفاته لا شبيه ولا شريك، ولا نظير ولا ند له، سبحانه وتعالى.
وقد فسره ضمنا قوله:**{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }** [الإخلاص: 4].
وقوله:**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11]، أما المعنى العام فإن القرآن كله، والرسالة المحمدية كلها، بل وجميع الرسالات، إنما جاءت لتقرير هذا المعنى، بأن الله سبحانه واحد أحد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
بل كل ما في الوجود شاهد على ذلك.
كما قيل:
| **وفي كل شيء له آية** | | **تدل على أنه الواحد** |
| --- | --- | --- |
أما نصوص القرآن على ذلك فهي أكثر من أن تحصى، لأنها بمعنى لا إله إلا الله.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، إشارة إلى ذلك في أول الصافات وفي غيرها، وفي البقرة**{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }** [البقرة: 163].
وفي التوبة:**{ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }** [التوبة: 31]، فجاء مقروناً بلا إله إلاَّ الله.
وفي صۤ قوله:**{ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }** [ص: 65].
وكما قدمنا أن الرسالة كلها جاءت لتقرير هذا المعنى، كما في قوله:**{ هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ }** [إبراهيم: 52]، سبحانه جل جلاله وتقدست أسماؤه وتنزهت صفاته، فهو واحد أحد في ذاته وفي أسمائه وفي صفاته وفي أفعاله.
وقد جاء القرآن بتقرير هذا المعنى عقلاً كما قرره نقلاً، وذلك في قوله تعالى:**{ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً }** [الإسراء: 42-43].
وقوله:**{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }** [الأنبياء: 22].
فدل على عدم فسادهما بعدم تعددهما، وجمع العقل والنقل في قوله:**{ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }** [المؤمنون: 91].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) | بيان السورة تصفه تعالى بأحدية الذات ورجوع ما سواه إليه في جميع حوائجه الوجودية من دون أن يشاركه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهو التوحيد القرآني الذي يختص به القرآن الكريم ويبني عليه جميع المعارف الإِسلامية. وقد تكاثرت الأخبار في فضل السورة حتى ورد من طرق الفريقين أنها تعدل ثلث القرآن كما سيجيء إن شاء الله. والسورة تحتمل المكية والمدنية، والظاهر من بعض ما ورد في سبب نزولها أنها مكية. قوله تعالى { قل هو الله أحد } هو ضمير الشأن والقصة يفيد الاهتمام بمضمون الجملة التالية له، والحق أن لفظ الجلالة علم بالغلبة له تعالى بالعربية كما أن له في غيرها من اللغات اسماً خاصاً به، وقد تقدم بعض الكلام فيه في تفسير سورة الفاتحة. وأحد وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد غير أن الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجاً ولا ذهناً ولذلك لا يقبل العد ولا يدخل في العدد بخلاف الواحد فإن كل واحد له ثانياً وثالثاً إما خارجاً وإما ذهناً بتوهم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيراً، وأما الأحد فكل ما فرض له ثانياً كان هو هو لم يزد عليه شيء. واعتبر ذلك في قولك ما جاءني من القوم أحد فإنك تنفي به مجيء اثنين منهم وأكثر كما تنفي مجيء واحد منهم بخلاف ما لو قلت ما جاءني واحد منهم فإنك إنما تنفي به مجيء واحد منهم بالعدد ولا ينافيه مجيء اثنين منهم أو أكثر، ولإِفادته هذا المعنى لا يستعمل في الإِيجاب مطلقاً إلا فيه تعالى ومن لطيف البيان في هذا الباب قول علي عليه أفضل السلام في بعض خطبه في توحيده تعالى كل مسمى بالوحدة غيره قليل، وقد أوردنا طرفاً من كلامه عليه السلام في التوحيد في ذيل البحث عن توحيد القرآن في الجزء السادس من الكتاب. قوله تعالى { الله الصمد } الأصل في معنى الصمد القصد أو القصد مع الاعتماد يقال صمده يصمده صمداً من باب نصر أي قصده أو قصده معتمداً عليه، وقد فسروا الصمد - وهو صفة - بمعاني متعددة مرجع أكثرها إلى أنه السيد المصمود إليه أي المقصود في الحوائج، وإذا اطلق في الآية ولم يقيد بقيد فهو المقصود في الحوائج على الإِطلاق. وإذا كان الله تعالى هو الموجد لكل ذي وجود مما سواه يحتاج إليه فيقصده كل ما صدق عليه إنه شيء غيره، في ذاته وصفاته وآثاره قال تعالى**{ ألا له الخلق والأمر }** الأعراف 54 وقال واطلق**{ وأن إلى ربك المنتهى }** النجم 42 فهو الصمد في كل حاجة في الوجود لا يقصد شيئاً إلا وهو الذي ينتهي إليه قصده وينجح به طلبته ويقضي به حاجته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ومن هنا يظهر وجه دخول اللام في الصمد وانه لإِفادة الحصر فهو تعالى وحده الصمد على الإِطلاق، وهذا بخلاف احد في قوله { الله أحد } فإن أحداً بما يفيده من معنى الوحدة الخاصة لا يطلق في الإِثبات على غيره تعالى فلا حاجة فيه إلى عهد أو حصر. وأما إظهار اسم الجلالة ثانياً حيث قيل { الله الصمد } ولم يقل هو الصمد، ولم يقل الله أحد صمد فالظاهر أن ذلك للإِشارة إلى كون كل من الجملتين وحدها كافية في تعريفه تعالى حيث إن المقام مقام تعريفه تعالى بصفة تختص به فقيل الله أحد الله الصمد إشارة إلى أن المعرفة به حاصلة سواء قيل كذا أو قيل كذا. والآيتان مع ذلك تصفانه تعالى بصفة الذات وصفة الفعل جميعاً فقوله { الله أحد } يصفه بالأحدية التي هي عين الذات، وقوله { الله الصمد } يصفه بانتهاء كل شيء إليه وهو من صفات الفعل. وقيل الصمد بمعنى المصمت الذي ليس بأجوف فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يلد ولا يولد وعلى هذا يكون قوله { لم يلد ولم يولد } تفسيراً للصمد. قوله تعالى { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } الآيتان الكريمتان تنفيان عنه تعالى أن يلد شيئاً بتجزيه في نفسه فينفصل عنه شيء سنخه بأي معنى أُريد من الانفصال والاشتقاق كما يقول به النصارى في المسيح عليه السلام أنه ابن الله وكما يقول الوثنية في بعض آلهتهم أنهم أبناء الله سبحانه. وتنفيان عنه أن يكون متولداً من شيء آخر ومشتقاً منه بأي معنى أُريد من الاشتقاق كما يقول الوثنية ففي آلهتهم من هو إله أبو إله ومن هو إلهة أُم إله ومن هو إله ابن إله. وتنفيان أن يكون له كفؤ يعدله في ذاته أو في فعله وهو الإِيجاد والتدبير ولم يقل أحد من المليين وغيرهم بالكفؤ الذاتي بأن يقول بتعدد واجب الوجود عز اسمه، وأما الكفؤ في فعله وهو التدبير فقد قيل به كآلهة الوثنية من البشر كفرعون ونمرود من المدعين للالوهية وملاك الكفاءة عندهم استقلال من يرون الوهيته في تدبير ما فوّض إليه تدبيره كما أنه تعالى مستقل في تدبير من يدبره وهم الأرباب والآلهة وهو رب الأرباب وإله الآلهة. وفي معنى كفاءة هذا النوع من الإِله ما يفرض من استقلال الفعل في شيء من الممكنات فإنه كفاءة مرجعها استغناؤه عنه تعالى وهو محتاج من كل جهة والآية تنفيها. وهذه الصفات الثلاث المنفية وإن امكن تفريع نفيها على صفة احديته تعالى بوجه لكن الأسبق إلى الذهن تفرعها على صفة صمديته. أما كونه لم يلد فإن الولادة التي هي نوع من التجزي والتبعض بأي معنى فسِّرت لا تخلو من تركيب فيمن يلد، وحاجة المركب إلى اجزائه ضرورية والله سبحانه صمد ينتهي إليه كل محتاج في حاجته ولا حاجة له، وأما كونه لم يولد فإن تولّد شيء من شيء لا يتم إلا مع حاجة من المتولد إلى ما ولد منه في وجوده وهو سبحانه صمد لا حاجة له، وأما أنه لا كفؤ له فلأن الكفؤ سواء فرض كفواً له في ذاته أو في فعله لا تتحقق كفاءته إلا مع استقلاله واستغنائه عنه تعالى فيما فيه الكفاءة والله سبحانه صمد على الإِطلاق يحتاج إليه كل من سواه من كل جهة مفروضة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقد تبين أن ما في الآيتين من النفي متفرع على صمديته تعالى ومآل ما ذكر من صمديته تعالى وما يتفرع عليه إلى إثبات توحده تعالى في ذاته وصفاته وافعاله بمعنى أنه واحد لا يناظره شيء ولا يشبهه فذاته تعالى بذاته ولذاته من غير استناد إلى غيره واحتياج إلى من سواه وكذا صفاته وافعاله، وذوات من سواه وصفاتهم وافعالهم بإفاضة منه على ما يليق بساحة كبريائه وعظمته فمحصل السورة وصفه تعالى بأنه أحد واحد. ومما قيل في الآية أن المراد بالكفؤ الزوجة فإن زوجة الرجل كفؤه فيكون في معنى قوله { تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة } وهو كما ترى. بحث روائي في الكافي بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا انسب لنا ربك فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثم نزلت { قل هو الله أحد } إلى آخرها. أقول وفي الاحتجاج عن العسكري عليه السلام أن السائل عبد الله بن صوريا اليهودي، وفي بعض روايات أهل السنة أن السائل عبد الله بن سلام سأله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بمكة ثم آمن وكتم إيمانه، وفي بعضها أن أُناساً من اليهود سألوه ذلك، وفي غير واحد من رواياتهم أن مشركي مكة سألوه ذلك، وكيف كان فالمراد بالنسبة النعت والوصف. وفي المعاني بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام في حديث نسبة الله عز وجل قل هو الله. وفي العلل بإسناده عن الصادق عليه السلام في حديث المعراج **" أن الله قال له أي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " اقرأ قل هو الله أحد كما انزلت فانها نسبتي ونعتي ".** أقول وروي أيضاً بإسناده إلى موسى بن جعفر عليه السلام ما في معناه. وفي الدر المنثور اخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال **" قل هو الله أحد ثلث القرآن "** أقول وقد تكاثرت الروايات من طرقهم في هذا المعنى رووه عن عدة من الصحابة كابن عباس وقد مر وأبي الدرداء وابن عمر وجابر وابن مسعود وأبي سعيد الخدري ومعاذ ابن أنس وأبي أيوب وأبي أمامة وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وورد أيضاً في عدة من الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وقد وجهوا كون السورة تعدل ثلث القرآن بوجوه مختلفة أعدلها أن ما في القرآن من المعارف تنحل إلى الأصول الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد والسورة تتضمن واحداً من الثلاثة وهو التوحيد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وفي التوحيد **" عن أمير المؤمنين عليه السلام رأيت الخضر عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة فقلت له علمني شيئاً أنصر به على الأعداء فقال قل يا هو يا من لا هو إلا هو فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي " يا علي علمت الاسم الأعظم فكان على لساني يوم بدر ".** وإن أمير المؤمنين عليه السلام قرأ قل هو الله أحد فلما فرغ قال يا هو يا من لا هو إلا هو اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين. وفي نهج البلاغة الأحد لا بتأويل عدد. أقول ورواه في التوحيد عن الرضا عليه السلام ولفظه أحد لا بتأويل عدد. وفي أصول الكافي بإسناده عن داود بن القاسم الجعفري قال قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام ما الصمد؟ قال عليه السلام السيد المصمود إليه في القليل والكثير. أقول وفي تفسير الصمد معان أُخر مروية عنهم عليهم السلام فعن الباقر عليه السلام الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه، وعن الحسين عليه السلام الصمد الذي لا جوف له والصمد الذي لا ينام، والصمد الذي لم يزل ولا يزال، وعن السجاد عليه السلام الصمد الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضداداً وأشكالاً وأزواجاً وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ندّ. والأصل في معنى الصمد هو الذي رويناه عن أبي جعفر الثاني عليه السلام لما في مادته لغة في معنى القصد فالمعاني المختلفة المنقولة عنهم عليهم السلام من التفسير يلازم المعنى فإن المعاني المذكورة لوازم كونه تعالى مقصوداً يرجع إليه كل شيء في كل حاجة فإليه ينتهي الكل من دون أن تتحقق فيه حاجة. وفي التوحيد عن وهب بن وهب القرشي عن الصادق عن آبائه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليه السلام يسألونه عن الصمد فكتب إليهم بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول **" من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار "** ، وإن الله سبحانه فسر الصمد فقال الله أحد الله الصمد ثم فسره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وفيه بإسناده إلى ابن أبي عمير عن موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال واعلم أن الله تعالى واحد أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك. وفيه في خطبة أُخرى لعلي عليه السلام الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً. وفيه في خطبة له عليه السلام تعالى أن يكون له كفؤ فيشبه به. أقول وفي المعاني المتقدمة روايات أُخرى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) | قد افتتحت بفعل الأمر " قل " لإِظهار العناية بما بعد هذا الأمر من توجيهات حكيمة، ولتلقينه صلى الله عليه وسلم الرد على المشركين الذين سألوه أن ينسب لهم ربه. و { هو } ضمير الشأن مبتدأ، والجملة التى بعده خبر عنه. والأحد هو الواحد فى ذاته وفى صفاته وفى أفعاله، وفى كل شأن من شئونه، فهو منزه عن التركيب من جواهر متعددة، أو من مادة معينة، كما أنه - عز وجل - منزه عن الجسمية والتحيز، ومشابهة غيره. وفى الإِتيان بضمير الشأن هنا إشارة إلى فخامة مضمون الجملة، مع ما فى ذلك من زيادة التحقيق والتقرير، لأن الضمير يشير إلى شئ مبهم تترقبه النفس، فإذا جاء الكلام من بعده زال الإِبهام، وتمكن الكلام من النفس فضل تمكن. وجئ بالخبر نكره وهو لفظ " أحد " لأن المقصود الإِخبار عن الله - تعالى - بأنه واحد، ولو قيل الله الأحد، لأفاد أنه لا واحد سواه، وليس هذا المعنى مقصودا هنا، وإنما المقصود إثبات أنه واحد فى ذاته وصفاته وأفعاله.. ونفى ما زعمه المشركون وغيرهم، من أنه - تعالى - مركب من أصول مادية أو غير مادية، أو من أنه له شريك فى ملكه. وقوله - سبحانه - { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أى الله - تعالى - هو الذى يَصْمدُ إليه الخلق فى حوائجهم، ويقصدونه وحده بالسؤال والطلب.. مأخوذ من قولهم صمد فلان إلى فلان. بمعنى توجه إليه بطلب العون والمساعدة. قال صاحب الكشاف والصمد فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو - سبحانه - المصمود إليه فى الحوائج، والمعنى هو الله الذى تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض، وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإِلهية لا يشارك فيها، وهو الذى يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه، وهو الغنى عنهم.. وجاء لفظ " الصمد " محلى بأل، لإِفادة الحصر فى الواقع ونفس الأمر، فإن قصد الخلق إليه - سبحانه - فى الحوائج، أعم من القصد الإِرادى، والقصد الطبيعى، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى، الثابت لجميع المخلوقات إذ الكل متجه إليه - تعالى - طوعا وكرها. وقوله - سبحانه - { لَمْ يَلِدْ } تنزيه له - تعالى - عن أن يكون له ولد أو بنت، لأن الولادة تقتضى انفصال مادة منه، وذلك يقتضى التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لأن الولد من جنس أبيه، وهو - تعالى - منزه عن مجانسة أحد. وقوله { وَلَمْ يُولَدْ } تنزيه له - تعالى - عن أن يكون له أب أو أم، لأن المولودية تقتضى - أيضا - التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لاقتضائها سبق العدم، أو المجانسة، وكل ذلك مستحيل عليه - تعالى - فهو - سبحانه -
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }** وقوله - عز وجل - { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تنزيه له - تعالى - عن الشبيه والنظير والمماثل. والكفؤ هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره فى العمل أو فى القدرة. أى ولم يكن أحد من خلقه مكافئاً ولا مشاكلا ولا مناظرا له - تعالى - فى ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، فهو كما قال - تعالى -**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }** وبذلك نرى أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت نفى الشرك بجميع ألوانه. فقد نفى - سبحانه - عن ذاته التعدد بقوله { ٱللَّهُ أَحَدٌ } ونفى عن ذاته النقص والاحتياج بقوله { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ، ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }. كما نراها قد تضمنت الرد على المشركين وأهل الكتاب، وغيرهم من أصحاب الفرق الضالة، الذين يقولون، بالتثليث، وبأن هناك آلهة أخرى تشارك الله - تعالى - فى ملكه. وبغير ذلك من الأقاويل الفاسدة والعقائد الزائفة.. - سبحانه وتعالى - عما يقولون علوا كبيرا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) | روي أنَّ قوماً من المشركين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربَّك، فأنزل الله عزَّ وجلَّ:
{ قل هو الله أحد } أَيْ: الذي سألتم نسبته هو الله أحدٌ.
{ الله الصمد } السَّيِّد الذي قد انتهى إليه السُّؤدد. وقيل: الصَّمد: الذي لا جوف لَه، ولا يأكل ولا يشرب. وقيل: هو المقصود إليه في الرَّغائب.
{ لم يلد ولم يولد }.
{ ولم يكن له كفواً أحد } لم يكن أحدٌ مثلاً له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة | 1- قل - يا محمد - لمن قالوا مستهزئين: صف لنا ربك: هو الله أحد لا سواه، ولا شريك له.
2- الله المقصود - وحده - فى الحوائج والمطالب.
3، 4- لم يتخذ ولدا، ولم يولد من أب أو أم، ولم يكن له أحد شبيها أو نظيرا، وليس كمثله شئ.
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) | شرح الكلمات:
قل هو الله أحد: أي قل لمن سألك يا نبينا عن ربك هو الله أحد.
الله الصمد: أي الله الذي لا تنبغي العبادة إلا له، الصمد: السيد الذي يصمد إليه. في الحوائج. فهو المقصود في قضاء الحوائج على الدوام.
لم يلد: أي لا يفنى إذ لا شيء يلد إلا وهو فانٍ بائدٌ لا مَحالة.
ولم يولد: أي ليس بمحدث بأن لم يكن فكان فهو كائن أولا وأبدا.
ولم يكن له كفوا أحد: أي لم يكن أحد شبيه له أو مثيل إذ ليس كمثله شيء.
معنى الآيات:
قوله تعالى { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الآيات الأربع المباركات نزلت جوابا لمن قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين انسب لنا ربك أو صفه لنا فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل أي لمن سألوك ذلك هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أي ربي هو الله أي الإِله الذي لا تنبغي الألوهية إلا له، ولا تصلح العبادة إلا له أحد في ذاته وصفاته وأفعاله فليس له نظير ولا مثيل في ذلك إذ هو خالق الكل ومالك الجميع فلن تكون المحدثات المخلوقات كخالقها ومحدثها الله أي المعبود الذي لا معبود بحق إلا هو، الصمد أي السيد المقصود في قضاء الحوائج الذي استغنى عن كل خلقه وافتقر الكل إليه لم يلد أي لم يكن له ولد لانتفاء من يجانسه إذ الولد يجانس والده، والمجانسة منفية عنه تعالى إذ ليس كمثله شيء ولم يولد لانتفاء الحدوث عنه تعالى.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي ولم يكن أحد كفواً له ولا مثيلاً ولا نظيراً ولا شبيهاً إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلذا هو يعرف بالأحدية والصمدية فالأحدية هو أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لم يكن له كفو ولا شبيه ولا نظير والصمدية هي أنه المستغني عن كل ما سواه والمفتقر إليه في وجوده وبقائه كل ما عداه كما يعرف بأسمائه وصفاته وآياته.
من هداية الآيات:
1- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.
2- تقرير التوحيد والنبوة.
3- بطلان نسبه الولد إلى الله تعالى.
4- وجوب عبادته تعالى وحده لا شريك له فيها، إذ هو الله ذو الألوهية على خلقه دون سواه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) | قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [آية:1] { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [آية:2] تعنى أحد لا شريك له، وذلك أن عامر بن الطفيل ابن صعصعة العامري، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفى، ولئن امتنعت ليمتنعن من خلفي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فما تريد "؟ قال: أتبعك على أن تجعل لي الوبر ولك المدر، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا شرط في الإسلام " ، قال: فاجعل لي الخلافة بعدك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نبى بعدي " ، قال: فأريد أن تفضلنى على أصحابك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا، ولكنك أخوهم، إن أحسنت إسلامك " ، فقال: فتجعلنى أخا بلال وخباب بن الأرت، وسلمان الفارسى، وجعال، قال: " نعم " ، فغضب، وقال: أما والله لأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف أمرد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويحك تخوفنى "؟ قال: له جبريل، عليه السلام، عن ربه: لأثيرن على كل واحد منهم ألفاً من الملائكة، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، وكان يكفيهم واحد، ولكن الله عز وجل أراد أن يعلمه كثرة جنوده، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعجب مما سمع منه، فلقيه الأربد بن قيس السهمى، فقال له: ما شأنك؟ وكان خليله فقص عليه قصته، وقال: إني دخلت على ابن أبي كبشة آنفاً، فسألته الوبر، وله المدر فأبى، ثم سألته من بعده فأبى، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه فأبى، وقال: أنت أخوهم إن أحسنت إسلامك، فقال له: أفلا قتلته؟ قال: لم أطق ذلك، قال: فارجع بنا إليه، فإن شئت حدثته حتى أضرب عنقه، فانطلقا على وجوههما، حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه سلم فقعد عامر عن يمينه والأربد عن يساره، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما يريدان، قال: وجاء ملك من الملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس، وأقبل عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع يده على فمه، وهو يقول: يا محمد لقد خوفتنى بأمر عظيم، وبأقوام كثيرة فمن هؤلاء؟ قال: " جنودى وهم أكثر مما ذكرت لك " ، قال: فأخبرنى ما اسم ربك؟ وما هو؟ ومن خليله؟ وما حيلته؟ وكم هو؟ وأبو من هو؟ ومن أى حى هو؟ ومن أخوه؟.
وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية، فأنزل الله تعالى { قُلْ } يا محمد { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } لقوله ما اسمه؟ وكم هو؟ { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } لقوله ما طعامه؟ { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } الذي لا يأكل ولا يشرب { لَمْ يَلِدْ } يقول: ولم يتخذ ولداً { وَلَمْ يُولَدْ } [آية:3] يقول: ليس له ولد يكتنى به، لقوله: وابن من هو؟ ثم قال: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [آية:4] لقوله: من خليله؟ ويقول: ليس له نظير، ولا شبيه، فمن أين يتخذ الخليل، فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس، وهو في جهد قد عصر الملك بطنه حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه، وقد أهمته نفسه، فقال الأربد: قم بنا، فقاما، فقال له عامر ويحك ما شأنك؟ قال: وجدت عصراً شديداً في بطنى، ووجعاً، فما استطعت أن أرفع يدي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قال: فأما الأربد بن قيس، فخرج يومئذ من المدينة، وكان يوماً متغيماً، فأدركته صاعقة في الطريق فقتلته، وأما عامر بن الطفيل، فوجاه جبريل، عليه السلام، في عنقه، فخرج من عنقه دبيله، ويقال: طاعون فمرض بالمدينة، فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذوباً من بنى سلول، فقال جزعاً من الموت: غدة كغدة البعير، ومت في بيت سلولية، أبرز إلى يا موت، فأنا قاتلك، فأنزل الله عزو جل:**{ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ }** [الرعد:13].
وأيضاً: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وذلك أن مشركي مكة، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انعت لنا ربك وصفه لنا، وقال عامر بن الطفيل العامرى: أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، أو من صفر؟ وقالت اليهود: عزيراً ابن الله، وقد أنزل الله عز وجل نعته في التوراة، فأخبرنا عنه يا محمد، فأنزل الله عز وجل في قولهم: { قُلْ } يا محمد { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } لا شريك له { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } يعني الذي لا جوف له، كجوف المخلوقين، ويقال: الصمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم وبالإقرار والخضوع، { لَمْ يَلِدْ } فيورث، { وَلَمْ يُولَدْ } فيشارك، وذلك أن مشركى العرب، قالوا: الملائكة بنات الرحمن، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله عز وجل، فبرأ نفسه من قولهم، فقال: { لَمْ يَلِدْ } يعني لم يكن له ولد { وَلَمْ يُولَدْ } كما ولد عيسى وعزير ومريم، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يقول: لم يكن له عدل، ولا مثل من الآلهة تبارك وتعالى علواً كبيراً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) | أحد: واحد. الصمد: المقصود في الحاجات. الكفء: النظير.
قل يا محمدُ لِمَن سألوك عن صِفة ربك: اللهُ هو الواحدُ، لا شريكَ له ولا شبيه.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }
الله هو المقصود، يتوجّه اليه العِبادُ في جميع مطالبهم وحوائجهم، لا واسطةَ بينه وبين عبادِه.
{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }
لم يتَّخِذ ولداً ولا زوجة، ولم يولَد من أبٍ ولا أُم.. فهو قَديمٌ ليس بحادِثٍ، ولو كان مولُودا لكان حادِثا. إنه ليس له بدايةٌ ولا نهاية.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
وليس له نِدٌّ ولا مماثِل، ولا شَبيه.**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11]. فهذه السورةُ الكريمة إثباتٌ وتقريرٌ لعقيدة التوحيد الإسلامية، كما أن سورةَ " الكافرون " نفيٌ لأيّ تشابُهٍ او التقاء بين عقيدةِ التوحيد وعقيدةِ الشِرك.
وقد سُئل أعرابي ماذا يحفظ من القرآن فقال: أحفَظ هِجاءَ أبي لَهَبٍ**{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ... }** [المسد: 1] وصِفَةَ الربّ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
تعالى الله عما يقولُ الظالمون علوّا كبيرا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) | (1) - قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمَنْ سَأَلَكَ مُسْتَهْزِئاً: صِفْ لَنَا رَبَّكَ: إِنَّ رَبِّي هُوَ الوَاحِدُ الأَحَدُ، المُنَزَّهُ عَنِ التَّعَدُّدِ، وَعَنِ الزَّوْجَةِ وَالصَّاحِبَةِ وَالوَالِدِ وَالوَلَدِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) | { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أخبرنا الشيخ أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكى قال: أخبرنا الإمام أبو بدر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا: حدثنا أبو سعد الصغاني قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله (عليه السلام): انسب لنا ربك، فأنزل الله سبحانه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الى آخر السورة.
وروى أبو ضبيان وأبو صالح عن ابن عباس **" أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: الى ما تدعونا يا محمد؟ قال: " الى الله سبحانه " فقالا: صفه لنا، أذهب هو أم فضة أم حديد أم من خشب؟ فنزلت هذه السورة، فأرسل الله سبحانه الصاعقة إلى أربد فأحرقته وطعن عامر في خنصره فمات، "** وقد ذكرت قصتهما في سورة الرعد.
وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: **" جاء ناس من أحبار اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربّك لعلنا نؤمن بك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا به من أي شيء هو من أي جنس أمن ذهب هو أو نحاس أم صفر أم حديد أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممّن ورث الدنيا؟ ومن يورثها؟ فأنزل الله سبحانه هذه السورة "** وهي نسبة الله خاصة.
وأخبرني عقيل أن أبا فرج البغدادي أخبرهم عن أبي جعفر الطرفي قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثني ابن إسحاق عن محمد بن سعيد قال: **" أتى رهط من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي حتى أمتقع لونه ثم ساورهم غضباً لربه، فجاءه جبرائيل فسكّنه وقال: أخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله سبحانه بجواب ما سألوه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } السورة، فلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: صف لنا ربك كيف خلق وكيف عضده وذراعه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأوّل وساورهم، فأتاه جبرائيل فقال: له مثل مقالته وأتاه بجواب ما سألوه { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الزمر: 67] ".** وقال الضحاك عن ابن عباس: **" إنَّ وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أساقفة من بني الحرث بن كعب فيهم السيد والعاقب، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك من أي شيء هو؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنَّ ربي ليس من شيء وهو بائن من الأشياء " فأنزل الله سبحانه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي واحد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولا فرق بين الواحد والأحد عند أكثر أصحابنا يدل عليه قراءة عبد الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [.......].
وفرق قوم بينهما فقال بعضهم: الواحد للفصل والأحد للغاية، وقيل: واحد بصفاته أحد بذاته، وقيل: إنَّ الواحد يدلّ على أزليته وأوّليته، لأنَّ الواحد في الأعداد ركنها وأصلها وميدانها، والأحد يدل على بينونته من خلقه في جميع الصفات، ونفي أبواب الشرك عنه، فالأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد أسم لمفتتح العدد، فأحد صلح في الكلام في موضع الجحود، والواحد في موضع الإثبات تقول: لم يأتني منهم أحد وجاءني منهم واحد، فالمعنى أنه لم يأتني أثنان، وقال ابن الأنباري: أجد في الأصل واحد كما قالوا للمرأة أناة والأصل ونأة من الوني وهو الفتور قال الشاعر:
| **رمته أناة من ربيعة عامر** | | **نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم** |
| --- | --- | --- |
وقال النابغة في الواحد:
| **كأن رحلي وقد زال النهار بنا** | | **بذي الجليل على مستأنس وحد** |
| --- | --- | --- |
سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء يقول في قوله سبحانه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }: هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتحّد بأظهار الخفيّات.
وقراءة العامة { أَحَدٌ } بالتنوين، وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وابن إسحاق وأبان بن عثمان وهارون بن عيسى { أَحَدٌ \* ٱللَّهُ } بلا تنوين طلباً للخفة وفراراً من التقاء الساكنين كقراءة من قرأ**{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] بغير تنوين.
وأما قوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فاختلفوا فيه فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير: الذي لا جوف له، وأما سعيد بن المسيب: الذي لا حشو له، الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشرب، وإليه ذهب الفرضي، وقيل: يفتره ما بعده.
أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منبع ومحمود بن خراش قال: حدّثنا أبو سعد الصعالي قال: حدّثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب قال: الصمد الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس يرث إلا سيورث وأن الله لا يموت ولا يورث.
وقال أبو وائل شفيق بن سلمة: وهو السيّد الذي قد أنتهى سؤدده، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع الشرف والسؤدد.
غيره: هو السيد المقصود في الحوائج، يقول العرب: صمّدت فلاناً أصمده وأصمُده صمْداً بسكون الميم إذا قصدته، والمصمود صمد كالقبض والنفض، ويقال: بيت مصمود ومصمّد إذا قصده الناس في حوائجهم قال طرفة:
| **وأن يلتقي الحي الجميع تلاقني** | | **الى ذروة البيت الرفيع المصمد** |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأنشد الأئمة في الصمد:
| **ألا بكر الناعي بخيري بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
وقال قتادة: الصمد: الباقي بعد خلقه، عاصم ومعمر: هو الدائم، علي بن موسى الرضا: هو الذي أيست العقول عن الإطلاع على كيفيته، محمد بن علي الترمذي: هو الأزلي بلا عدد، والباقي بلا أمد، والقائم بلا عمد، الحسين بن الفضل: هو الأزلي بلا أبتداء، وقيل: هو الذي جلّ عن شبه المصورين وقيل: هو بمعنى نفي التجزؤ والتأليف عن ذاته، ميسرة: المصمت، ابن مسعود: الذي ليست له أحشاء، أبو إسحاق الكوفي عن عكرمة: الصمد الذي ليس فوقه أحد، وهو قول علي عليه السلام.
السدي: هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب، يمان: الذي لاينام، كعب الأحبار: الذي لا يكافئه من خلقه أحد. ابن كيسان: الذي لا يوصف بصفته أحد، مقاتل ابن حيان: الذي لا عيب فيه، ربيع: الذي لا تعتريه الآفات، سعيد بن جبير أيضاً: الكامل في جميع صفاته وأفعاله، الصادق: وهو الغالب الذي لا يغلب، أبو هريرة: المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد، مرّة الهمداني: الذي لا يبلى ولا يغنى، الحسين بن الفضل أيضاً: هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء لا معقّب لحكمه ولا راد لقضائه.
محمد بن علي: الصمد: الذي لا تدركه الأبصار ولا تحويه الأفكار ولا تبلغه الأقطار وكل شي عنده بمقدار.
ابن عطاء: الصمد: الذي لم يتبّين عليه أثر فيما أظهر، جعفر: الذي لم يعط لخلقه من معرفته الا الاسم والصفة، جنيد: الذي لم يجعل لأعدائه سبيلا الى معرفته، وقيل: هو الذي لا يدرك حقيقة نعوته وصفاته فلا يتسع له اللسان ولا يشير إليه البيان، ابن عطاء: هو المتعالي عن الكون والفساد، وقال الواسطي: الذي لا يسحر ولا يستغرق ولا تعترض عليه القواطع والغلل.
وقال جعفر أيضاً: الصمد خمس حروف: فالألف دليل على أحديّته، واللام دليل على الهيته وهما مدغمان لا يظهران على اللسان ويظهران في الكتابة، فدلّ على أحديته والهيّته خفية لا يدرك بالحواس، وأنّه لا يقاس بالناس فخفاءه في اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه ولا تحيط به علماً، وأظهاره في الكتابة دليل على أنه يظهر على قلوب العارفين، ويبدو لأعين المحبين في دار السلام، والصاد دليل على صدقه، فوعده صدق وقوله صدق وفعله صدق ودعا عباده الى الصدق، والميم دليل على ملكه فهو الملك على الحقيقة، والدال علامة دوامه في أبديته وأزليته.
{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } اختلف القراء فيه، فقرأ حمزة ويعقوب ساكنة الفاء مهموزة ومثله روى العباس عن أبي عمرو وإسماعيل عن نافع، وقرأ شيبة مشبعة غير مهموزة ومثله روى حفص عن عاصم، وقرأ الآخرون مثقلاً مهموزاً وكلّها لغات صحيحة فصيحة ومعناه المثل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
{ أَحَدٌ } أي هو واحد، وقيل: على التقديم والتأخير مجازه: " وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ أَحَدٌ كُفُواً ".
وقال عبد خير: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام عن تفسير هذه السورة قال: قل هو الله أحد بلا تأويل عدد، الله الصمد لا يتبعض بدد، لم يلد فيكون هالكاً، ولم يولد فيكون إلهاً مُشارَكاً، ولم يكن له من خلقه كفؤاً أحد.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي بقراءتي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: وجدنا أنواع الشرك ثمانية: النقص والتقلّب والكثرة والعدد وكونه علّة أو معلولاً، والأشكال والأضداد، فنفى الله تعالى عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ونفى التنقّص والتقلّب بقوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ونفى العلل والمعلول بقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ونفى الأشكال والأضداد بقول: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فحصلت الوحدانية البحت لذلك سمّيت سورة الإخلاص.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) | قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }: في " هو " وجهان، أحدهما: أنه ضميرٌ عائدٌ على ما يفْهَمُ من السياقِ، فإنه يُرْوى في الأسباب: أنَّهم قالوا لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم: صِفْ لنا ربَّك وانْسُبْه. وقيل: قالوا له: أمِنْ نُحاس هو أم مِنْ حديدٍ؟ فنَزَلَتْ. وحينئذٍ يجوزُ أَنْ يكونَ " الله " مبتدأً، و " أَحَدٌ " خبرُه. والجملةُ خبرُ الأولُ. ويجوزُ أَنْ يكونَ " اللَّهُ " بدلاً، و " أحدٌ " الخبرَ. ويجوزُ أَنْ يكونَ " اللَّهُ " خبراً أوَّلَ، و " أحدٌ " خبراً ثانياً. ويجوزُ أَنْ يكونَ " أحدٌ " خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو أحدٌ. والثاني: أنَّه ضميرُ الشأنِ لأنه موضعُ تعظيمٍ، والجلمةُ بعدَه خبرُه مفسِّرِةٌ.
وهمزةُ " أحد " بدلٌ من واوٍ، لأنَّه من الوَحْدة، وإبدالُ الهمزةِ من الواوِ المفتوحةِ. وقيل: منه " امرأةٌ أناة " من الوَنىٰ وهو الفُتورُ. وتقدَّم الفرقُ بين " أحد " هذا و " أحد " المرادِ به العمومُ، فإنَّ همزةُ ذاك أصلٌ بنفسِها. ونَقَل أبو البقاءِ أنَّ همزةَ " أحد " هذا غيرُ مقلوبةٍ، بل أصلٌ بنفسِها كالمرادِ به العمومُ، والمعروفُ الأولُ. وفَرَّق ثعلب بين " واحد " وبين " أحد " بأنَّ الواحدَ يدخُلُه العَدُّ والجمعُ والاثنان، و " أحَد " لا يَدْخُلُه ذلك. ويقال: اللَّهُ أحدٌ، ولا يقال: زيدٌ أحدٌ؛ لأنَّ للَّهِ تعالى هذه الخصوصيةَ، وزَيْدٌ له حالاتٌ شتى. ورَدَّ عليه الشيخُ: بأنَّه يُقال: أحد وعشرونَ ونحوه فقد دخلَه العددُ " أنتهى. وقال مكي: " إنَّ أَحَدَاً أصلُه وَأَحَد، فأُبْدِلَتِ الواوُ همزةً فاجتمع ألفان، لأنَّ الهمزةَ تُشْبه الألفَ، فحُذِفَتْ إحداهما تخفيفاً ".
وقرأ عبد الله وأُبَيُّ { اللَّهُ أحدٌ } دونَ " قُلْ " وقرأ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم " أحدٌ " بغيرِ " قل هو " وقرأ الأعمش: " قل هو اللَّهُ الواحد ".
وقرأ العامَّةُ بتنوين " أحدٌ " وهو الأصلُ. وزيد بن علي وأبان ابن عثمان وابن أبي إسحاق والحسن وأبو السَّمَّال وأبو عمروٍ في روايةٍ في عددٍ كثيرٍ بحذف التنوين لالتقاء الساكنين كقولِه:
| **4675ـ عمرُو الذي هَشَمَ الثَّريدَ لقومِه** | | **ورجالُ مكةَ مُسْنِتُون عِجافُ** |
| --- | --- | --- |
وقال آخر:
| **4676ـ فأَلْفَيْتُه غيرَ مُسْتَعْتِبٍ** | | **ولا ذاكرَ اللَّهَ إلاَّ قليلا** |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) | اللغَة: { ٱلصَّمَدُ } السيد المقصود في قضاء الحاجات قال الشاعر:
| **ألا بكَّر الناعي بخير بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
{ كُفُواً } الكُفُوءُ: النظير والشبيه قال أبو عبيدة: يقال: كفُو، وكفء، وكفاء كلها بمعنى واحد وهو المِثْل والنظير.
سَبَبُ النّزول: روي أن بعض المشركين جاءوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربَّك، أمن ذهبٍ هو، أم من فضة، أم من زبرجد، أم من ياقوت؟! فنزلت { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ.. } السورة.
التفسِير: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين: إِن ربي الذي أعبده، والذي أدعوكم لعبادته هو واحد أحد لا شريك له، ولا شبيه له ولا نظير، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو جل وعلا واحد أحد، ليس كما يعتقد النصارى بالتثليث " الآب، والابن، وروح القدس " ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة قال في التسهيل: واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معانٍ، كلها صحيحة في حقه تعالى: الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفيٌ للعدد، والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد في عصره أي لا نظير له والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض، والمراد بالسورة نفي الشريك رداً على المشركين، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته تعالى، وذلك كثير جداً، وأوضحها أربعة براهين: الأول؛ قوله تعالى**{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ }** [النحل: 17] - وهذا دليل الخلق والإِيجاد - فإِذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات، لم يصح أن يكون واحد منها شريكاً له والثاني: قوله تعالى**{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }** [الأنبياء: 22] - وهو دليل الإِحكام والإِبداع - الثالث: قوله تعالى**{ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً }** [الإِسراء: 42] - وهو دليل القهر والغلبة - الرابع: قوله تعالى**{ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }** [المؤمنون: 91] - وهو دليل التنازع والاستعلاء ثم أكد تعالى وحدانيته واستغناءه عن الخلق فقال { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي هو جل وعلا المقصود في الحوائج على الدوام، يحتاج إِليه الخلق وهو مستغنٍ عن العالمين قال الألوسي: الصَّمد السيدُ الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمدُ إِليه - أي يلجأ إِليه - الناسُ في حوائجهم وأمورهم { لَمْ يَلِدْ } أي لم يتخذ ولداً، وليس له أبناء وبنات، فكما هو متصف بالكمالات، منزَّه عن النقائص قال المفسرون: في الآية ردٌّ على كل من جعل لله ولداً، كاليهود في قولهم
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] والنصارى في قولهم**{ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] وكمشركي العرب في زعمهم أن (الملائكة بنات الله) فردَّ الله تعالى على الجميع في أنه ليس له ولد، لأن الولد لا بدَّ أن يكون من جنس والده، والله تعالى أزلي قديم، ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يكون له ولد،ولأن الولد لا يكون إلا لمن له زوجة، والله تعالى ليس له زوجة وإِليه الإِشارة بقوله تعالى**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ }** [الأنعام: 101]؟! { وَلَمْ يُولَدْ } أي ولم يولد من أبٍ ولا أُمٍ، لأن كل مولود حادث، والله تعالى قديم أزلي، فلا يصح أن يكون مولوداً ولا أن يكون له والد، وقد نفت الآية عنه تعالى إِحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لا ابتداء لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي وليس له جل وعلا مثيلٌ، ولا نظير، ولا شبيه أحدٌ من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }** [الشورى: 11] قال ابن كثير: هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدَّس وتنزَّه، وفي الحديث القدسي **" يقول الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إِياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إِعادته، وأما شتمه إِياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد ".** البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- ذكر الاسم الجليل بضمير الشأن { قُلْ هُوَ } للتعظيم والتفخيم.
2- تعريف الطرفين { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } لإِفادة التخصيص.
3- الجناس الناقص { لَمْ يَلِدْ } { وَلَمْ يُولَدْ } لتغير الشكل وبعض الحروف.
4- التجريد فإِن قوله تعالى { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يقتضي نفي الكفء والولد، وقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } هو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في العموم وذلك زيادة في الايضاح والبيان.
5- السجع المرصَّع وهو من المحسنات البديعية { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
لطيفَة: هذه السورة الكريمة مؤلفة من أربع آيات، وقد جاءت في غاية الإِيجاز والإِعجاز، وأوضحت صفات الجلال والكمال، ونزهت الله جل وعلا عن صفات العجز والنقص، فقد أثبتت الآية الأولى الوحدانية، ونفت التعدد { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وأثبتت الثانية كماله تعالى، ونفت النقص والعجز { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } وأثبتت الثالثة أزليته وبقاءه ونفت الذرية والتناسل { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وأثبتت الرابعة عظمته وجلاله ونفت الأنداد والأضداد { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فالسورة إِثبات لصفات الجلال والكمال، وتنزيه للرب بأسمى صور التنزيه عن النقائص.
فَائِدَة: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فكأنما قرأ بثلث القرآن "** قال العلماء: وذلك لما تضمنته من المعاني والعلوم والمعارف، فإِن علوم القرآن ثلاثة: " توحيد، وأحكام وقصص " وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد، فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وقيل: إِن ذلك في الثواب أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) | قال عكرمة: لما قالت اليهود: نحن نعبد عزير بن الله، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح بن الله، وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر، وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا شبيه ولا عديل، لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، قال ابن عباس: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، ليس له كفء وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار، وقال الأعمش { ٱلصَّمَدُ } السيد الذي قد انتهى سؤدده، وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه، وقال الحسن أيضاً { ٱلصَّمَدُ } الحي القيوم الذي لا زوال له، وقال الربيع بن أنَس: هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له، وهو قوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وهو تفسير جيد، وقال ابن مسعود والضحّاك والسدي: { ٱلصَّمَدُ } الذي لا جوف له، وقال مجاهد { ٱلصَّمَدُ } المصمت الذي لا جوف له، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب. وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في " كتاب السنة " بعد إيراده كثيراً من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عزَّ وجلَّ، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه، وقال البيهقي نحو ذلك، وقوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة، قال مجاهد: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يعني لا صاحبة له، وهذا كما قال تعالى:**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ }** [الأنعام: 101] أي هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدس وتنزه، قال تعالى:**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً \* لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً }** [مريم: 88-89]، وقال تعالى:**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ \* لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ }** [الأنبياء: 26-27]، وفي " صحيح البخاري ": **" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم "** وفي الحديث القدسي: **" كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) | واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: **" { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن "** فقيل: إن ذلك في الثواب، أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، وقيل: إن ذلك فيما تضمنته من المعاني والعلوم؛ وذلك أن علوم القرآن ثلاثة: توحيد وأحكام وقصص، وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وهذا أظهر وعليه حمل ابن عطية الحديث. ويؤيده أن في بعض روايات الحديث: **" إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن "** وأخرج النسائي **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرؤها فقال: أما هذا فقد غفر له "** وفي رواية أنه قال: **" وجبت له الجنة "** ، وأخرج مسلم **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في الصلاة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمٰن فأنا أحب أن أقرأها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه "** وفي رواية خرّجها الترمذي **" أنه صلى الله عليه وسلم قال للرجل: حبك إياها أدخلك الجنة "** وخرّج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } مائة مرة كل يوم غفرت له ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين.
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الضمير هنا عند البصريين ضمير الأمر والشأن والذي يراد به التعظيم والتفخيم، وإعرابه مبتدأ وخبره الجملة التي بعده وهي المفسرة له، والله مبتدأ وأحد خبره. وقيل: الله هو الخبر وأحد بدل منه وقيل: الله بدل وأحد هو الخبر. وأحد له معنيان أحدهما أن يكون من أسماء النفي التي لا تقع إلا في غير الواجب كقولك: ما جاءني أحد وليس هذا موضع هذا المعنى وإنما موضعه قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } والآخر أن يكون بمعنى واحد وأصله واحد بواو ثم أبدل من الواو همزة وهذا هو المراد هنا.
واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى. الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفي للعدد. والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له كما تقول: فلان واحد عصره أي لا نظير له. والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض، والأظهر أن المراد في السورة نفي الشريك لقصد الرد على المشركين ومنه قوله تعالى:**{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ }** [البقرة: 163] قال الزمخشري: أحد وصفُ بالوحدانية ونفي الشركاء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قلت: وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته وذلك في القرآن كثير جداً أوضحها أربعة براهين: الأول قوله:**{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ }** [النحل: 17] لأنه إذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات لم يمكن أن يكون واحد منها شريكاً له، والثاني قوله:**{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }** [الأنبياء: 22] والثالث قوله:**{ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً }** [الإسراء: 42] والرابع قوله:**{ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }** [المؤمنون: 91] وقد فسرنا هذه الآيات في مواضعها وتكلمنا على حقيقة التوحيد في قوله:**{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ }** [البقرة: 163].
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } في معنى الصمد ثلاثة أقوال: أحدها: أن الصمد الذي يُصمَد إليه في الأمور أي يلجأ إليه. والآخر: أنه لا يأكل ولا يشرب فهو كقوله:**{ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ }** [الأنعام: 14] والثالث: أنه الذي لا جوف له، والأول هو المراد هنا على الأظهر، ورجحه ابن عطية بأن الله موجد الموجودات وبه قوامها، فهي مفتقرة إليه أي تصمد إليه إذ لا تقوم بأنفسها. ورجّحه شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير لورود معناه في القرآن حيثما ورد نفي الولد عن الله تعالى كقوله في مريم " وقالوا اتخذ الله ولداً " ثم أعقبه بقوله:**{ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }** [مريم: 93] وقوله:**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ }** [الأنعام: 101] وقوله:**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }** [البقرة: 116] وكذلك هنا ذكره مع قوله لم يلد فيكون برهاناً على نفي الولد، قال الزمخشري: صمد فَعَل بمعنى مفعول لأنه مصمود إليه في الحوائج.
{ لَمْ يَلِدْ }. هذا ردّ على كل من جعل لله ولداً فمنهم النصارى في قولهم: " عيسى ابن الله " واليهود في قولهم: " عزيز ابن الله " والعرب في قولهم: " الملائكة بنات الله " وقد أقام الله البراهين في القرآن على نفي الولد، وأوضحها أربعة أقوال: الأول: أن الولد لا بد أن يكون من جنس والده. والله تعالى ليس له جنس فلا يمكن أن يكون له ولد وإليه الإشارة بقوله تعالى:**{ مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ }** [المائدة: 75] فوصفهما بصفة الحدوث لينفي عنهما صفة القدم فتبطل مقالة الكفار. والثاني: أن الوالد إنما يتخذ ولداً للحاجة إليه، والله لا يفتقر إلى شيء فلا يتخذ ولداً وإلى هذا أشار بقوله:**{ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ }** [يونس: 68] الثالث: أن جميع الخلق عباد الله والعبودية تنافي النبوة وإلى هذا أشار بقوله تعالى:**{ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
[مريم: 93] الرابع أنه لا يكون له ولد إلا لمن له زوجة، والله تعالى لم يتخذ زوجة فلا يكون له ولد وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101].
{ وَلَمْ يُولَدْ } هذا رد على الذين قالوا: أنسب لنا ربك، وذلك أن كل مولود محدث، والله تعالى هو الأول الذي لا افتتاح لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره، فلا يمكن أن يكون مولوداً تعالى عن ذلك.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } الكفؤ هو النظير والمماثل قال الزمخشري: يجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، فيكون نفياً للصاحبة. وهذا بعيد والأول هو الصحيح ومعناه أن الله ليس له نظير ولا شبيه ولا مثيل، ويجوز في كفوءاً ضم الفاء وإسكانها مع ضم الكاف. وقد قرئ بالوجهين ويجوز أيضاً كسر الكاف وإسكان الفاء، ويجوز كسر الكاف وفتح الفاء والمدّ ويجوز فيه الهمزة والتسهيل وانتصب كفواً على أنه خبر كان، وأحد اسمها، قال ابن عطية: ويجوز أن يكون كفواً حالها لكونه كان صفة للنكرة فقدم عليها، فإن قيل: لم قدَّم المجرور وهو له على اسم كان وخبرها، وشأن الظرف إذا وقع غير خبر أن يؤخر؟ فالجواب: من وجهين: أحدهما: أنه قدم للاعتناء به والتعظيم، لأنه ضمير الله تعالى وشأن العرب تقديم ما هو أهم وأولى. والآخر: أن هذا المجرور به يتم معنى الخبر وتكمل فائدته، فإنه ليس المقصود نفي الكفؤ مطلقاً إنما المقصود نفي الكفؤ عن الله تعالى، فلذلك اعتنى بهذا المجرور الذي يحرز هذا المعنى، فقدم.
فإن قيل: إن قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يقتضي نفي الولد والكفؤ فلم نص على ذلك بعده؟ فالجواب: أن هذا من التجريد، وهو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في عموم ما تقدم، كقوله تعالى:**{ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ }** [البقرة: 98] ويفعل ذلك لوجهين يصح كل واحد منهما هنا؛ أحدهما: الإعتناء، ولا شك أن نفي الولد والكفؤ عن الله ينبغي الاعتناء به للرد على من قال خلاف ذلك من الكفار. والآخر: الإيضاح والبيان، فإن دخول الشيء في ضمن العموم ليس كالنص عليه فنص على هذا بياناً، وإيضاحاً للمعنى ومبالغة في الرد على الكفار، وتأكيداً لإقامة الحجة عليهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير غريب القرآن / زيد بن علي (ت 120 هـ) | قولهِ تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } معناه واحدٌ { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ، فالصَّمدُ: هو السَّيدُ الذي لَيسَ فَوقَهُ أحدٌ. ولا يُدانيهِ أحدٌ. المَرغوبُ إليه عِندَ الرّغائبِ. المَفزوعُ إليهِ في النَّوائبِ. والصَّمدُ: الباقي الدَائمُ. ويقال: هو الله أحدٌ: ليسَ مَعهُ شَريكٌ. الصَّمدُ: يقال هو المَصمودُ إليهِ بالحَوائجِ { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } معناه لَيسَ بوَالدٍ ولا مَولودٍ { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } معناه شِبهٌ. ويقال لَم يَلدْ: لم يَتولدْ منهُ شَيءٌ. ولم يَتولدْ هو مِن شَيءٍ. ولم يَكنْ لَهُ كُفُواً أَحدٌ: ليسَ لَهُ شِبهٌ ولاَ نَظيرٌ ولَيسَ كَمثلهِ شَيءٌ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) | { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الآية، هذه السورة مكية ولما تقدم فيما قبلها عداوة أقرب الناس إليه وهو عمه أبو لهب وما كان يقاسي من عباد الأصنام الذين اتخذوا مع الله آلهة جاءت هذه السورة مصرحة بالتوحيد رادّة على عباد الأوثان والقائلين بالثنوية وبالتثليث وبغير ذلك من المذاهب المخالفة للتوحيد.
وعن ابن عباس أن اليهود قالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه فنزل: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } مبتدأ وخبر " والصمد " فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض من صمد إليه إذا قصده وهو السيد المصمود إليه في الحوائج، قال الشاعر:
| **الا خبر الناعي بحير بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود بالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
قال الزمخشري: لم يلد لأنه لا يجانس حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا وقد دل على هذا المعنى بقوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101].
{ وَلَمْ يُولَدْ } لأن كل مولود محدث وجسم والله تعالى قديم لا أول لوجوده وليس بجسم ولم يكافئه فيه أحد أي لم يماثله ولم يشاكله ويجوز أن تكون من الكفاءة في النكاح نفياً للصاحبة " انتهى ".
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يقال كفو بضم الكاف وفتحها وكسرها مع سكون الفاء وقال الزمخشري: فإِن قلت الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه فما باله مقدماً في أفصح الكلام وأعربه. قلت: هذا الكلام إنما سيق لنعي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وتعالى وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان لذلك أهم شىء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه. " انتهى ".
وهذه الجملة ليست من هذا الباب وذلك أن قوله ولم يكن له كفواً أحد ليس الجار والمجرور فيه تاماً إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبراً الكان بل هو متعلق بكفواً وقدم عليه فالتقدير { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي مكافئه فهو في معنى المفعول متعلق بكفواً وتقدم على كفواً للاهتمام به إذ فيه ضمير الباري تعالى وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخير لأن تأخير الاسم هو فاصلة فحسن ذلك وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره إن له الخبر وكفواً حال من أحد لأنه ظرف ناقص لا يصلح أن يكون خبراً وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه وسيبويه إنما تكلم في الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً ويصلح أن يكون غير خبر قال سيبويه: وتقول ما كان فيها أحد خير منك وما كان أحد مثلك فيها وليس أحد فيها خير منك إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك فيها زيد قائم أجريت الصفة على الإِثم فإِن جعلته على فيها زيد قائم نصبت فتقول ما كان فيها أحد خيراً منك وما كان أحد خيراً منك إذا أردت الإِلغاء فكلما أخرت المعنى كان أحسن وإذا أردت أن يكون مستقراً فكلما قدمت كان أحسن والتقديم والتأخير والإِلغاء والاستقرار عربي جيد كثير قال تعالى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) | اختلفَ المفسِّرون في سبب نُزول هذه السُّورة فروي عن ابنِ عبَّاس: ((أنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي تَدْعُونَا إلَيْهِ)). وعن مقاتلٍ: ((أنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ الْعَامِرِيِّ قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنْعَتْ لَنَا رَبَّكَ مِنْ ذهَبٍ هُوَ أمْ مِنْ فِضَّةٍ أمْ مِنْ نُحَاسٍ أمْ مِنْ حَدِيدٍ أمْ مِنْ صُفْرٍ، فَإنَّ آلِهَتَنَا مِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ؟! قَالَ: بَيِّنْ لَنَا أيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ؟! وَكَيْفَ هُوَ؟ فَشُقَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ السُّورَةَ)).
وعن سعيدِ بنْ جُبير: ((أنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا أبَا الْقَاسِمِ إنَّكَ أخْبَرْتَنَا أنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاءَ مِنْ دُخَانٍ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارجٍ مِنْ نَارٍ وَخَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ، فَأَخْبرْنَا عَنْ رَبكَ مِمَّ خَلْقُهُ؟!)). ورُوي أنَّهم قالوا: إنَّ هَذا الْخَلْقَ خَلْقُ اللهِ فَمَنْ خَلَقَهُ؟ فَغَضِبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَعَلَ لَحْمَهُ يَرْبُو عَلَيْهِ وَحَتَّى هَمَّ أنْ يُبَاسِطَهُمْ، فأَوْحَى إلَيْهِ جِبْرِيلُ: أنِ اسْكُنْ، وَأنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةَ.
وقال ابنُ كَيسَانُ: ((قَالَتِ الْيَهُودُ: صِفْ لَنَا رَبَّكَ، فَإنَّهُ قَدْ نَزَلَ نَعْتُهُ فِي التَّوْرَاةِ، فَمَا طُولُهُ وَمَا عَرْضُهُ؟ فَارْتَعَدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَوَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَجَعَلَ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَمْسَحُ الدُّمُوعَ عَنْ وَجْنَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ السُّورَةَ جَوَاباً لَهُمْ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبيراً)).
والمعنَى: قُل لهم يا مُحَمَّدُ: الذي سأَلتُم عن تَبيين نسَبهِ هو اللهُ، وهذا الاسمُ معروفٌ عند جميعِ أهل الأديانِ والمللِ، كما قال تعالى:**{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ }** [الزخرف: 87]. والأحَدُ والواحدُ في اللغةِ بمعنى واحد، وقال ثعلبُ: ((وَاحِدٌ وَأحَدٌ وَفَرْدٌ سَوَاءٌ)).
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها.
والمعنى: الحَدِيثُ الَّذي هو الحقُّ: اللهُ أَحَدٌ، فهو رفع بالابتداء كِنَايَةً عن الحديث، و { ٱللَّهُ } مبتدأ و { أَحَدٌ } خبره، والجملة خبر عن { هُوَ }.
ولا يجيز الفراء أن [يكون] { هُوَ } كناية عن الحديث إلا (إذا) تقَدَّمَهُ شيء، وهو عنده كناية عن مُفردٍ الله خَبَرُهُ،. وهو قول الأخفش.
وقال الأخفش: { أَحَدٌ } بدل من لفظ اسم الله. والمعنى: الله [إله] واحد، أي معبود واحد لا معبود غيره تجب له العبادة.
ثم قال تعالى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
{ ٱللَّهُ } رفع بالابتداء، و { ٱلصَّمَدُ } نعته، وما بعد ذلك خبر. ويجوز أن يكون { ٱلصَّمَدُ } هو الخبر.
ويجوز أن يرفع على إضمار ابتداء و { ٱلصَّمَدُ } نعت، أي: هو الله الصمد، ويجوز على هذا أن يكون { ٱلصَّمَدُ } خبراً ثانياً، ويجوز أن يكون { ٱللَّهُ } بدلا من { أَحَدٌ }.
ويجوز أن يكون { ٱللَّهُ } بدلا من { ٱللَّهُ } الأول، وفي التكرير معنى التعظيم.
وروي أن اليهود عليهم اللعنة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم ربه عز وجل و (ينسبه) فأنزل الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها.
وروي عن أبي عمرو أنه قرأ بحذف التنوين من { أَحَدٌ } ، حَذَفَهُ لالتقاءِ السَّاكنين. وروي عنه أنه إنما كان يفعل ذلك يريد السكوت عليه فإذا وَصَلَ نَوَّن، وَحَسُنَ الوَقْفُ عليه لأنه رأس آية.
و { أَحَدٌ } بمعنى واحد.
وقيل: { أَحَدٌ } هنا على بابه، بمعنى: أول، كما يقال: الْيَوُمُ الأَحَدُ، أي اليوم الأول، أي: أول الأيام، وذلك مسموع من العرب.
وقال بعض العلماء: في " أحد " من [الفائدة] ما ليس في " واحد " وذلك أنك إذا قلت: فلان لا يقوم به واحد، جاز أم يقوم به اثنان فأكثر.
وإذا قلت: فلان لا يقوم به أحد، تَضَمَّنَ معنى " واحد " (فأكثر)، [وأَكْثَرُ] ما يقع " أحد " إذا كان للعموم بعد النفي، فلذلك بَعُدَ أن يكون " أحد " [هنا] على بابه. وجعله أكثرهم بمعنى " واحد " ، لأن واحداً يقع في الإيجاب، [تقول]: مرَّ بنا أحد، أي واحد.
وقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } أي: لم يكن له ولد ولا يكون، ولم يكن هو من والد ولا يكون.
وقيل: معناه ليس بِفَانٍ، لأنه ليس شيء " يَلِدُ إلاَّ وهو فَانٍ { وَلَمْ يُولَدْ } ليس بمُحْدَثٍ، لم يكن فكان، لأن كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن لكنه جل وعز قديم لا يَبِيدُ وَلا يَفْنَى ليس كمثله شيء.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: تَفَكَّرُوا في كل شيء، ولا تَفَكَّرُوا في ذات الله، فإن بين السماء السابعة [إلى الكرسي] سبعة آلاف نور، والله فوق ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وروي أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة رب العزة، فأنزل الله عليه هذه السورة جواباً لهم.
وقيل: إن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم /: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق اللهَ جل ثناؤه؟ فأُنْزِلَت هذه السورة جواباً لهم.
وقال عكرمة: إن المشركين قالوا: يا محمد، [أخبرنا عن ربك]، [صف] لنا ربك ما هو؟ ومن أي شيء هو؟ فأنزل الله جل ذكره { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها.
وقال أبو العالية: [قال قَادَةُ الأحزاب] للنبي صلى الله عليه وسلم: انْسُبْ لنا ربَّك، فأتاه جبريل عليه السلام بهذه السورة.
[وقال] ابن عباس: **" دَخلَتِ اليَهُودُ عَلَىَ نَبِيِّ (الله) صلى الله عليه وسلم فقالت: يا محمد، لنا ربَّك [وانْسُبْهُ لنا]، فقد وَصَفَ نفسَه في التوراة ونَسَبَها. فارْتَعَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فقال: كَيْفَ تَسْألُونِي عَنْ [صِفَةِ] رَبِّي ونَسَبِه؟! وَلَوْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَصِفَ لَكُمُ الشَّمْسَ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، فَهَبَطَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْ لَهُمْ: { ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ \* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ، أي ليس بوالد ولا بمولود، و { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } "** ، أي: لم يكن (لَهُ) شبيه من خلقه فيوصف به أو ينسب إليه، فهذه صِفَةُ ربي ونَسَبُه.
وروى محمد بن إسحاق عن محمد [عن] سعيد **" أن رهطاً من اليهود أَتَوْا إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، اللهُ خَالِقُ الْخَلْقِ، فَمَنْ خَلَقَهُ؟ فَغَضِبَ النَّبي صلى الله عليه وسلم حَتَى [انْتَقَعَ] لَوْنُهُ غَضَباً لِرَبِّهِ، فَجَاءهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَسَكَّنَهُ، وَقَالَ: اخْفِضْ عَلَيْكِ جَنَاحَكَ - يَا مُحَمَّدُ - وَجَاءَهُ مِنَ الله جَوَابُ مَا سَأَلُوهُ عَنْه، قَالَ: يَقولُ الله - جَلَّ ثَنَاؤهُ - { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها، فَلَمَّا تَلاَ عَلَيْهمُ النَّبيُّ - عليه السلام - السُّورَةَ. قَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ، كَيْفَ خَلْقُهُ؟ وَكَيْفَ عَضُدُهُ؟ وكَيْفَ [ذِرَاعُهُ]؟، فَغَضِبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ مِنْ غَضَبِهِ الأَوَّلِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَقَالَ لهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأُولَى، وأَتَاهُ بِجَوابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } إلى قوله: { عَمَّا يُشْرِكُونَ } ".** وقوله: { ٱلصَّمَدُ }. قال ابن عباس: { ٱلصَّمَدُ } الذي لا جوف له. وهو قول مجاهد والحسن. وابن جبير والضحاك.
وقال الشعبي: هو " الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ". وقال عكرمة: هو " الذي لم يخرج منه شيء { [لَمْ] يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }.
وقال أبو العالية: { ٱلصَّمَدُ } الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يلد إلا سيورث ولا شيء يولد إلا سيموت، فأخبرهم جل وعز أنه لا يورث ولا يموت، وهو قول أبي بن كعب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقال [شقيق]: { ٱلصَّمَدُ }: (السيد) الذي قد انتهى سؤدده.
وقال ابن عباس: { ٱلصَّمَدُ } السَّيّدُ الذِي قَدْ كَمُلَ [فِي] سُؤْددِهِ وَالشَّرِيفُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالعظِيمُ الذي [قد] كمل فِي عَظَمَتِهِ، والحَلِيمُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي [حِلْمِهِ]، وَالغَنِيُّ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي غِنَاهُ، وَالجَبَّارُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَبَرُوتِهِ، وَالعَالِمُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالحَكِيمُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدَدِ، وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ، هَذِهِ صِفَتُهُ، [لاَ تَنْبغِي] لأَِحَدٍ إلاَّ لَهُ.
وقال قتادة: { ٱلصَّمَدُ } البَاقي الذي لا يَفْنَى، وقال: هذه سورة خالصة ليس فيها شيء من أمر الدنيا والآخرة.
وقال [الحسن]: الصمد الدائم. والصمد عند العرب الذي يصمد إليه، الذي لا [أحد] فوقه.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
{ كُفُواً } خبر " كان " و { أَحَدٌ } اسمها.
وكان سيبويه يختار أن يكون الظرف خبرا إذا قدَّمَهُ [فيختار] إنَّ فِي الدّارِ زَيْداً جَالِساً، فجعل الظرف خبرا لتقدمه وينصب " جالسا " على الحال، فَخَطَّأَهُ المُبَرِّدُ [بِهَذِهِ] الآية، لأنه (قد) قدم الظرف ولم يجعله خبراً. والجواب عن سيبويه أن [سيبويه] لم يمنع [إلغاء] الظرف إذا [تقدم]، إنما اختار أن يكون خبراً ويجوز عنده ألا [يكون] خبراً، [وقد] أشهد شاهداً على [إلغائه] وهو مقدم، وذلك قول الشاعر:
| **مَا دَامَ فِيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّا** | | |
| --- | --- | --- |
وأيضا فإنه (قد) يجوز أن يكون (كفؤاً) حالاً من النكرة [وهي] { أَحَدٌ } لمَّا تَقَدَّمَ نعتُها عليها نُصِبَ لِلْحَالِ، فيكون " [له] " الخبر على مذهب سيبويه واختياره، ولا يكون للمبرد على سيبويه حجة على هذا القول.
وقال أبو العالية في [معنى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }: ليس] له [مثل] شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء.
وقال كعب: إن الله جل ذكره [أسس] السماوات السبع والأرضين السبع على هذه السورة: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } إلى آخرها، وإن الله جل ذكره لم يكافئه من خلقه أحد.
قال ابن عباس: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }: ليس كمثله شيء، فسبحانه هو الله الواحد / القهار. وقال مجاهد: معناه: ولم تكن له صاحبة. والكفء - في كلام العرب - الشبيه والمثل.
وقولهم: لا كفاء له، أي لا مثل له، وقولهم: فلان كفء لفلان معناه: نظير له وشبيه. ومنه: كافأت الرجل، أي فعلت به مثل [ما فعل]. ومنه كفأت [الإناء]، أي جعلت (في) موضع الماء [التفريغ]. وكفأت في [الشعر]: جعلت حرفا نظير حرف.
وقرأ سليمان بن علي الهاشمي: ولم يكن له [كفاء] أحد، وهو بمعنى { كُفُواً } " ، يقال: كفء [وكفء] وكِفاء وكفء بمعنى [فيجمع] [كفء] [كفء] على أكفاء، ويجمع كفاء وكفئ على أكفية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) | قوله - عز وجل -: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }:
ذكر أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب الله تعالى.
وقيل: عن صفته.
وقيل عن الله تعالى: ما هو؟.
فنزلت هذه السورة معلمة بجميع من يُسأل عنه [و] جوابه؛ ولذلك أثبت { قُلْ }؛ ليكون مخاطبة كل مسئول عن ذلك أن قل، لا على تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر؛ إذ ليس في حق الائتمار بالأمر إعادة حرف الأمر في الائتمار؛ فتبين بذلك أنه ليس على تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعليم، بل هو أحق من سبق له الغناء عن تعليم الإجابة لهذا عند حضرة هذا السؤال، كما سبقت منه الدعوة إلى الله - تعالى - بحقيقة ما يقتضي ما جرى به السؤال، وكما أثبت كذلك؛ ليقرأه أبدا، وحق المخصوص بالأمر أن يأتمر، ولا يجعل ذلك متلوا كذلك في الوقت الذي يحتمل المأمور الأمر به، والوقت الذي لا يحتمل؛ فثبت أن ذلك على ما بينا، ودل قوله: { قُلْ }: أنه على أمر سبق عنه السؤال؛ فيكون في ذلك إجابة لما سبق عنه السؤال، وكذلك جميع ما في القرآن { قُلْ } ففيه أحد أمرين:
إما إجابة عن أمر سبق عنه السؤال؛ فينزل بحق تعريف كل مسئول عن مثله.
أو يكون الله - تعالى - إذ علم أنه - عليه السلام - أو من يتبعه يسأل عما يقتضي ذلك الجواب؛ فأنزل ما به يبقى في أهل التوحيد؛ منا منه وفضلا.
ثم لم يجب تحقيق الحرف الذي وقع عنه السؤال إلا لمن شهد وسمع، وقد يتوجه ذلك [الحرف الذي وقع عنه] إلى ما ذكروا من الأسباب وغيرها، وفيما نزل يصلح جواب ذلك كله ويليق به، وإن كنا لا نشهد على حقيقة ما كان أنه ذا، دون ذا ونجيب بذلك لو سئلنا عما ذكرنا، وعن كل حرف يصح في العقل والحكمة الجواب بمثل ما اقتضته هذه السورة.
[و] قوله - عز وجل -: { هُوَ }:
اختلف في تأويله:
من الناس من قال: هو إضافة إلى الذي عنه كان - أو يكون - السؤال المقتضي ما جرى به البيان من الجواب، أي: الذي يسألون عنه: { ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } إلى آخر السورة.
ومنهم من قال: هو اسم الله الأكبر، يروى ذلك عن بعض أولاد [علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -] أنه كان يقول في دعائه: " يا هو، يا من لا هو إلا هو، يا من به كانت هوية كل هو " ، وذلك يخرج على وجهين:
أحدهما: أنه هو لذاته هوية كل من سواه؛ لما هو يكون محتملا للتلاشي والوجود، إلا هو سبحانه لم يزل ولا يزال هو
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11] على ما اقتضى بيان وحدانيته في هذه السورة؛ وعلى ذلك قيل: هو الأحد بذاته، المنشئ أحدية كل الآحاد، المتعالي عن كل معاني أحدية من سواه.
والثاني: أن يكون إضافه إلى اسمه الذي لا يحتمله اللسان، وهو الذي لم يطلع عليه الخلائق، وهو الذي يراد في الدعاء: " باسمك الذي من سألك به أعطيته، ومن دعاك به أجبته " فيكون السؤال به بما يكنى عنه من الوجه الذي ذكرت، لا أن يسعه اللسان أو يحتمل الطوق التفوه به تعالى.
والتأويل الأول هو أقرب إلى الأفهام، وأحق أن يكون على ذكر من يقتضي عنه السؤال، ثم التفسير على ما جرى.
وقوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ }:
اختلف في المعنى الذي جرى هذا في حق أهل هذا اللسان أنه مما اشتق من أمر عرفوه أو لا عن أمر عرفوه؟ إذ في كل لسان لما أريد به عند الذكر لسان العرب اسم يدعى به ويسمى، وإن اختلف وزن كل من ذلك على اختلاف الألسن؛ ليعلم أن الأحرف والتقطيع في التكلم إنما هو ليفهم المقصود، لا على توهم حقيقة الاسم بتلك الحروف والتقطيع، وذلك كما يعبر عن تكوينه الخلائق بـ " كن " ، لا على تحقيق كاف أو نون في التكوين؛ فعلى ذلك جميع ما يسمى الله - تعالى - لا على تحقيق الحروف التي تجري بها التسمية ممن لا يحتمل طوقه إلا بها؛ لكن على ما يقرب إلى الأفهام المراد في التفوه به.
وقال قوم: { ٱللَّهُ } هو المعبود في لسان العرب لا على الاستحقاق، لكن على وضع ذلك كذلك؛ دليله تسميتهم كل من عبدوه وكل شيء عبدوه: إلها، وإن كان جميع ما سوى إله الحق ممن عبد لا يحتمل شيئا من تلك المعاني التي زعم من ادعى الاشتقاق عنها من الاحتجاب، أو الالتجاء إليه، ونحو ذلك؛ فثبت أنه اسم موضوع للمعبود.
وعلى ذلك قوله - تعالى -:**{ أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ }** [الفرقان: 43]، أي: معبوده ما يهواه، لا أن للهوى شيئا من ذلك؛ [فيكون المعبود الحق هو الله - تعالى - لما له في كل شيء أثر عبودة ذلك] الشيء ودلالة الربوبية له عليه سبحانه فهو المعبود بذاته، بمعنى المستحق بذاته العبادة من جميع خلقه والاستسلام له والخضوع بما ذكرت من الموضوع في كل آية ذلك، ولا قوة إلا بالله، وهذا تحقيق ما ذهبنا إليه أنه خالق بذاته؛ رحمان رحيم بذاته، موصوف به في الأزل، وإن كان الذي وصل إليه أثر رحمته وفيه ظهور دلالة تدبيره حدث بعد أن لم يكن على ما كانت العبادة والاستحقاق كان ممن حدث وفيمن كان بعد أن لم يكن، وهو إله لم يزل ولا يزال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعلى ذلك قوله - عز وجل -:**{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }** [الفاتحة: 4] و**{ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ }** [الأنعام: 164]، وإن كان من الأشياء ما سيكون، لا أنها كانت كائنة، وكذلك يوم الدين؛ فعلى ذلك أمر " خالق " ، ونحو ذلك؛ ومن هذا الوجه أنكر قوم أن يكون الإله اسم معبود في الحقيقة، أو اسما مشتقا على لسان؛ إذ هو لم يزل إلها، ومن به العبادة أو عنه الاشتقاق حادث.
والأصل عندنا: ما ذكرنا: أنه بجميع ما وصف به وصف بذاته؛ إذ لا يحتمل التغير والاستحالة، ولا نيل مدح بغير ممدح، وإنما يمدح به لذاته: لأنه استحق من كلٍّ ذلك لوقت كون ذلك، وعلى ذلك القول بـ " العالم " و " القادر ": أنه كذلك، وإن كان الذي علمه ممن سواه وكل مقدور عليه حادث بعد أن لم يكن، ولا قوة إلا بالله.
وقال الضحاك: الله اسمه الأكبر؛ لأنه يبتدأ به في كل موضع.
ثم اختلف في معنى الاشتقاق:
فمنهم من يقول: أصله: إله، من أله الرجل إلى آخر، أي: التجأ إليه واستجاره؛ فآلهه، بمعنى: أجاره وآمنه؛ فسمي: إلها على وزن الفعال؛ كما يسمى: إماما؛ لما يؤتم [به]، وفخم بإدخال الألف واللام، ثم لين وحذف الهمزة كما هو لغة قريش، ثم أدغم أحد اللامين في الآخر، فشدد؛ فصار الله.
وعلى ذلك تأويل الصمد: أن يصمد إليه من الحوائج، ويستغاث به ويلتجأ إليه.
وقيل: إن اشتقاقه من وله يله ولها؛ إذا فزع إليه، فسمي به؛ لأن المفزع إليه، وهو قريب من الأول.
ولكن حق ذلك في الاسم أن يكون ولاه، فأبدل الواو ألفا، كما يقال في وكاف: إكاف، وكذلك أهل الحجاز يجعلون الواو ألفا، قال الشاعر:
| **فأقبلت ألهي ثكلى على عجل** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل: سمي به؛ لأنه أله كل شيء، أي: ذلـله وعبده؛ فتأله له، أي: عبده، قال: قائلهم:
| **وأله إلهك واحدا متفردا** | | **ساد الملوك بعزه وتمجدا** |
| --- | --- | --- |
وقال آخرون: سمي به؛ لاستتاره، ومنه يقال: لهت؛ فلا ترى، وقال الشاعر:
| **لاه ربي عن الخلائق طرا** | | **خالق الخلق لا يرى ويرانا** |
| --- | --- | --- |
وقيل: سمي به؛ لتحير القلوب عن التفكر في عظمته؛ كقوله: ألاهني الشيء حتى ألهت، ومنه مفازة ملهة، يعني: العقل يحار عند النظر إلى عظمته، ومنه أله يأله؛ [فهو إله].
وقال الشاعر:
| **وبهما تيه تأله العين وسطها** | | **مخففة الأعلام بيد ضر ما تتملق** |
| --- | --- | --- |
قال - رضي الله عنه -: والأصل عندنا: الإغضاء عن هذا؛ لما أن الحاجة إلى تعرف الاشتقاق والوضع؛ لتعرف محل الأمر، وموقع الحكم، ومن جميع ما اشتقوا به الاسم يحتمل تسمية الغير بكل ذلك، وتحقيق الإضافة إلى ذلك وتسميته: إلها، أو إضافة ما به عرف الحقيقة - لا يحتمل غيره سبحانه وتعالى، ولا يجوز التسمية به؛ فثبت الغناء في معرفته عن جميع الوجوه التي أريد الاستخراج [منها]؛ إذ هي طرق توصلهم إلى العلم بالمقصود والوقوف على المراد، وقد عرف دون الذي ذكروا، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
والأصل عندنا في ذلك: أن الله - سبحانه وتعالى - بلطفه يمنع الخلق عن تسمية أحد: إلها، إلا من جهة أحوال تعترض؛ فسموا به على معنى جعل الاسم الذي جرت التسمية به حقيقة له؛ فسموا؛ ظنا منهم أن بذلك التوسل والتقرب، لا أن يروا لشيء من ذلك حقيقة ذلك، بل قالوا:**{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ }** [الزمر: 3]، وقالوا:**{ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ }** [يونس: 18]، وقالوا:**{ وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا }** [الأعراف: 28]؛ ليعلم أنهم عرفوا لله - تعالى - بما دعوا لأنفسهم في ذلك معاني تردهم إلى الله سبحانه وتعالى، فذكروا مجازا من أحد لسانين، والله أعلم.
أما لسان الرسل في ذكر الله ففي أمور تقربهم إلى الله تعالى، لقوله:**{ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ }** [النساء: 59]، وقال:**{ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ }** [محمد: 7]، وقال:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ }** [الفتح: 10]، وصف مبايعة العبد ونصره أو نصر دينه نصراً لله ومبايعته، بما يقرب ذلك إليه؛ فعلى ذلك تسميتهم ما عبدوها، لا أنهم رأوها آلهة في الحقيقة.
أو عن ألسن الفلاسفة أن ليس لله اسم ذاتي؛ وإنما سمي هو بذكر كل ذي شرف ومنزلة عنده؛ فعلى ذلك إذ محل من يعبدون عندهم ما ذكرنا من القول عنهم؛ فسموا به، لا أن حققوا كما ذكروا حقيقة ذلك الاسم إلى من عرفوه أنه إله، ردوا أمرهم في ذلك، وذلك من لطف الله - تعالى - فيما سخرهم عليه؛ كتسمية الخالق والرحمن: أنهم لا يسمون أحدا بهما، وإن كثرت أفعاله، وعظمت رحمته في الخلق؛ ليعلم أنها أسماء الله - تعالى - منع الخلق عن التسمي بها باللطف من حيث لا يعرف سببه.
ثم قوله - عز وجل -: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: الأمر هو الله أحد؛ كما تقول: إنه زيد قائم، أي: الأمر زيد قائم، جواب من يسألك: ما الأمر والشأن في أن قمت هاهنا؟ فتقول: الأمر زيد قائم، أي: قمت لأجله، إلى هذا يذهب الزجاج؛ كأنه يذهب إلى أنه لما قال: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فقيل له: ما الأمر والشأن؟ فقال: الأمر الله أحد؛ أي: ليعرفوا أنه كذلك.
وقوله - عز وجل -: { أَحَدٌ } يتوجه إلى واحد، ثم " واحد " اسم ينفي المثل في الإضافة، كما يقال: هو واحد الزمان، وواحد الخلق؛ على نفي التشبيه له عما أضيف إليه، ويكون واحدا من حيث العدد بما عن مثله يبتدأ الحساب، ولا يبتدأ من أحد؛ فيصير أحدا من ذا الوجه، وإن كان الله - تعالى - بأي حرف ذكر، ففيه ذلك، وهو الواحد الذي يستحيل أن تكون وحدانيته من وجه يحتمل ثانيا، أو من وجه تعديل، هو الواحد الإله الحق المتعالي عن معنى الأعداد والأنداد، وهو على ما ذكر الحكيم في الآحاد أنها أربع:
واحد هو كلٌّ لا يحتمل التضعيف؛ لإحالة كون وراء الكل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وواحد هو الأقل، وهو الذي لا يحتمل التضعيف والتجزؤ؛ لأنه أقل الأشياء، [فإذا تنصف يكون] ذلك النصف أقل منه.
وواحد هو وسط، وهو الذي يحتمل التنصيف والتضعيف جميعا.
والرابع: هو الذي قام به الآحاد هو، ولا هو أخفى من هو، هو الذي انخرس عنه اللسان، وانقطع دونه البيان، وانحسرت عنه الأوهام، وحارت فيه الأفهام، فذلك الله رب العالمين.
والأصل في ذلك: أنه لا سبيل إلى العبارة عنه بغير هذا اللسان، ولا وجه للتقريب إلى الأفهام بهذا اللسان إلا بما جرى به الاعتياد، وظهرت به المعارف؛ فلما ذكرنا من الضرورة جعل التوحيد في الحقيقة بالأدلة والبراهين في ضمن التسمية في عبارة اللسان، وحقه مما أخبرت من ضرورات الأحوال في إرادة التقريب إلى الأفهام إلى عبارات اللسان المؤسس على الاعتياد في إظهار المعارف؛ فعلى ذلك القول بـ " واحد " ، وبـ " أحد " ، لا على أحدية غيره من جهة التوسط، أو من جهة القلة، أو من جهة الكثرة، مع ما كل من هو في معنى واحد، فهو واحد الآحاد المجتمعة، إلا الواحد الذي يقال جزء لا يتجزأ، وهو من غير في الجملة متجزئ عن توهم ذلك الجزء غير متجزئ في الوهم، أو هو الأقل منه، وهو جزء في الحقيقة، والله يتعالى عن الوصف بالكل والبعض، والقليل والكثير، والواحد مما له حق الأبعاض، أو الكل، أو رتبة القليل والكثير، جل ثناؤه؛ بل هو الذي [خلق] جميع ما وصفت، وجعل لكل من ذلك مقابلا بما ذكر؛ ليصير كل من ذلك زوجا؛ فتكون الوحدانية الحق له، ولا قوة إلا بالله.
وقوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
فذكر أنه أحد، وذكر أنه الصمد في تحقيق ما وصف من الأحدية، وهو - والله أعلم - أن أحوج جميع من سواه؛ حتى تحقق قصد جميع من سواه بالحاجات إليه بالكون في الخلقة وفي الصلاح بعد الكون، وفي الذي به الدوام بعد الوجود، والوجود بعد العدم ما احتمل الوجود دونه، ولا البقاء إلا به، أحاطت الحاجات بكلٍّ؛ ليكون له الغناء عن الكل في الوجود والبقاء؛ ليتحقق أنه الموجود بذاته والباقي بذاته، والمتعالي عن معنى وجود غيره سبحانه، وهو على ما ذكرنا من عجز الألسن عن البيان عنه بالعبارة إلا على التقريب إلى الأفهام بالمجعول من آثار هويته في جميع الأنام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم قيل في { ٱلصَّمَدُ } بوجوه يرجع جميع ذلك إلى ما بينا.
أحدها: السيد الذي قد انتهى سؤدده، ومعنى ذلك في المفهوم من السؤدد في صرف الحوائج إليه، ورجاء كل المحاوج به.
والثاني: في أن لا جوف له، وذلك في وصف الوحدانية والتعالي عن معنى أحدية غيره من اجتماع أجزاء ممكن فيها الفرج والثقب التي هي كالأجواف.
أو على ما فسر قوم بالذي هو في ظاهر العبارة مخرج الكتاب، وهو الذي ذكر على أثره، وهو قوله - تعالى -: { لَمْ يَلِدْ }؛ لأن كل ذي الكون ذو جوف عنه يتولد الأولاد، ويكون في ذلك إحالة قول من نسب إليه الولد؛ فيقول: كيف يكون له ولد، وقد تعلمون أنه ليس بذي جوف؟ كما قال:**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101] في قوم نزهوه عن الصاحبة، وهم لم يشهدوا الولادة إلا بها، كما لم يشهدوا الولادة إلا عن ذي جوف؛ فيكون في هذا نقض قول هذا الفريق فيه بالولادة بما نزهوه عن الجوف، كما في الأول بما برءوه عن الصاحبة.
وقيل: بما لذي الأجواف من الحاجات؛ فيرجع إلى التأويل الأول: أنه المصمود إليه بالحوائج.
وظن قوم: أنه إذا نفى عنه الجوف ثبت أنه مصمت، وذلك معنى اجتماع أجزاء تتداخل فتتكاثر كذي الجوف هو اجتماع أجزاء تتفق، فإذا تحقق التنزيه عن أحد الوجهين تحقق التنزيه عن الوجه [الآخر]؛ ففي الوجهين نفي الوحدانية، وتحقيق ازدواج الأجساد مع ما قد ينفى عن أشياء أمور لا تحقق لها المقابلة؛ كما ينفى عن الأعراض: السمع والبصر والعلم، لا على إثبات مقابلتها بما علموا أن الأعراض لا تحتمل الإعراضات؛ فعلى ذلك العلم بوحدانية الله - تعالى - والتنزيه عن احتمال الأزواج يحقق القول الذي ذكرت.
وقد قيل في الصمد: إنه الدائم، وذلك - أيضا - يرجع إلى ما ذكرت: أنه لا يحتمل التغير والاستحالة وإصابة أثر الحاجة، وهو المصمود إليه بالحوائج.
وقد قائل قائل في التأويل الأول:
| **لقد بكر الناعي بخيري بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
ويقال: صمدت إلى فلان، أي: قصدت إليه، وهذا يوضح معنى الصمد: أنه يصمد إليه في الحوائج.
وقيل في ذلك: إن الصمد تأويله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
قال الشيخ أبو منصور - رضي الله عنه -: الأصل: أنه - تعالى - عظم القول بالولاد ما عظم بجعل الشركاء؛ وذلك أن معنى الولاد: أن يكون بجوهر من له ولد؛ فيكون بذلك شريكا، وذلك ينفي التوحيد؛ فعلى ذلك القول بالولاد؛ لذلك عظم القول به، وألزم على من عرفه بالأدلة القول ببراءته عن الولاد؛ كما ثبت الاشتراك من الوجه الذي بينا، وقد شهد العالم بكليته بحق الخلقة على أنه - تعالى - منشئه عن الشركاء والأشباه جميعا؛ فيبطل القول بالذي ذكرنا، مع ما كان جميع الخلائق على الإشارة إلى كل منه يحتمل الأزدواج، ومنه يكون التوالد، والله تعالى متعالٍ عن ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وبعد: فإن [كلام العالم] على الإشارة إلى آحاد متولد عن غير، أو يتولد منه غير، وهما أمران راجعان إلى ما عليه حق هذا العالم، وعليه موضوعهم؛ وقد ثبت تعاليه عن جميع معاني غيره؛ إذ كل غير له بجميع معانيه حدث بعد أن لم يكن أتى عليه تدبير غيره، وجرى عليه تقدير سلطان غيره، والله - تعالى - لو كان يتوهم شيء من ذلك فيه تسقط له الألوهية، وتحقق له الحاجة إلى غيره، ويوجب جري سلطان غيره عليه، وذلك يوجب غيرا خارجا عن هذه المعاني؛ حتى تسلم الأدلة له على حد الموضوع، وتصفو له الشهادة على ما قامت وأنقطعت بالخلقة، وبما فيه من الحكمة، ولا قوة إلا بالله.
وعلى ذلك ختم السورة: أن ليس له أحد كفُؤاً؛ لأنه من ذلك توجب المماثلة، وفي المماثلة اشتراك، وقد ثبت فساد العالم بتوهم الاشتراك في تدبيره، وقد لزم التعالي عن المعاني التي للأرواح بها يقوم التدبير، ويجري سلطان التقدير.
وجائز أن يكون مخرج السورة في تحقيق نعت من قد عرفوه بإحدى خصال ثلاث:
إما بالتلقين لكل عن كل، إلى أن ينتهي ذلك إلى علام الغيوب، فسخرهم بذلك وأنشأهم على ذلك؛ حتى أيقن من جحد ذلك أنه بعد تلقين متوارث ظاهر لا يحتمل مثله الخطأ في حق توارث الأمور بما يبطل المعارف كلها بأسرها - أنشئوا وبها تعالموا، وذلك كأول علوم الخلق وكالشيء المطبوع الذي لا يستطاع جحده إلا بما لعل الطباع المخلوقة على جهة الرياضة وأنواع الحيل.
وإما بالتأمل فيها في كل جزء من أجزاء العالم من الأدلة عليه والشهادة له؛ فبين بالآية للذين عرفوه بأحد الوجوه التي ذكرنا [أن] نعته كذا؛ ليقطع به توهم المثل له، أو العدل في أمر؛ وليعرفوا أن القول بغير خارج عن الوجوه التي ذكرنا، وأنه يرجع إلى ضرب من التلقين، ليس له حق الطباع ولا حق التلقين الذي له صفة الكافية والكلية في التلقين، ولا في حق شهادة الكل بالخلقة يدرك بالتأمل والتفكر؛ فيمتنع عن ذلك، ويرجع إلى حقيقة ما جرى به النعت دون غيره مما [ألفوا فيه] يرجع إلى تلقين من ذكر، وتلبيس بلا حجة؛ لذلك لا يضاهي شيئا مما ذكرت، مع ما في كل ذلك جميع ما في غير ذلك من شهادة الخلقة، والحاجة فيها إلى غيره من الإيجاد والإبقاء، وهو الأحد بما لا دليل لغيره؛ بل في ذلك إحالة الألوهية من كل الوجوه الثلاثة، وهو الصمد بمعنى المصمود إليه في الحوائج، المالك لقضائها، وهو الذي لم يلد ولم يولد، وهو المتعالي عن احتمال ولاد فيه ومنه؛ لما ذكرت من فساد الألوهية الثابتة له بما ذكر من الوجوه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقوله - عز وجل -: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }؛ لما في كل أحد سواه جميع الوجوه التي منها يعرف سلطان غيره عليه، وأنه ذليل لمن ذل له كل شيء على السواء، ولا قوة إلا بالله، ومنه الاستهداء، ولما ذكرت سميت هذه السورة: سورة الإخلاص؛ لأنها في إخلاص التوحيد لله، ونفي الأشباه والشركاء في الألوهية والربوبية، وأن كل شيء سواه مربوب ومملوك له، ولا قوة إلا بالله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) | { قُلْ } يا أكمل الرسل لمن سأل عنك بقوله: صف لنا ربك ألذي تدعونا إلى الإيمان به وعبادته: { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإِخلاص: 1] أي: هو الذات المتصف بالألوهية الغيبية والشهادة، المتعالية عن كليهما بحسب ذاته المتصفة بالألوهية والربوبية، المستجمعة لجميع شرائط الكمال حسب الأسماء والصفات الكاملة، الكامنة في تلك الذات المتصفة بالأحدية المطلقة المنزهة عن التعدد والكثرة مطلقاً، المستقل في الوجود والحياة والقيومية المستلزمة للديمومية والبقاء الأزلي الأبدي السرمدي، الذي كان لا يكال بقاؤه ودوامه بمطلق الموازين والمقادير، ولا يحيط به وبقيوميته مطل التدابير والتقادير.
فكيف كان سبحانه محلاً للتقدير؛ إذ هو { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [الإِخلاص: 2] أي: السيد السند الذي يقصد نحوه ويرجع إليه عموم ما ظهر وبطن من الكوائن والفواسد الكائنة في نشأتي الغيب والشهادة، والأولى والأخرى، وهو في ذاته مستغن عن جميعها مطلقاً.
وكيف لا يكون مستغنياً؛ إذ هو الله الذي { لَمْ يَلِدْ } إذ الإيلاد إنما هو للأخلاف وخوف الانعدام والانقضاء، وهو سبحانه بمقتضى قيوميته ووجوب وجوده ودوام بقائه لا يطرأ عليه أمثال هذه النقائص المستلزمة لضبط العاقبة والمآل؛ إذ لا يجر عليه انقضاء وانتقال { وَ } كذا { لَمْ يُولَدْ } [الإِخلاص: 3] لذلك؛ إذ كل ما ظهر وبطن، أزلاً وأبداً إنما هو منه وبه وله وفيه، وكل ما فُرض من الموجود أزلاً وأبداً ما هو خارج عن حيطة أظلال أسمائه وعكوس صفاته، فكيف يتصور أن يسبقه شيء هو غيره مع أنه لا غير في الوجود مطلقاً حتى يلده.
{ وَ } باجملة: هو سبحانه منفرد في توحده، متوحد في انفراده، ومستقل في استقلاقه، بحيث { لَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإِخلاص: 4] لا قبله ولا بعده، بل لا إله سواه، ولا موجود غيره.
خاتمة السورة
عليك أيها الموحد المحمدي المنكشف بالتوحيد الذاتي - مكنك الله في مقر عزك وتمكينك - أن تصرف عنان عزمك وهمتك بعدما كوشفت بتوحيده الذاتي وكمالات أسمائه وصفاته نحو سوابغ آلائه ونعمائه الفائضة منه سبحانه حسب رقائق أسمائه الحسنى وأوصافه العظمة، وتشاهد آثار قدرته الغالبة التي تتحير منه العقول والآراء.
وإياك إياك أن تغفل عن الله طرفة، فإنها تورثك حسرة طويلة؛ إذ كل نفس من النفسات الإلهية التي جرت عليك في أوقات حياتك مشتملة على عجائب صنع الله وبدائع حكمته المتقنة البالغة، بحيث ما مضى مثلها أزلاً ولا سيأتي شبهها أبداً، فعليك أن تغتنم الفرصة وتتعرض للنفحات الإلهية، ولا يشغلك شيء منها.
جعلنا الله من المتعرضين بنفحات الحقن المستنشقين من نسمات روحه وراحته بمنِّه وجوده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) | قوله: (فالله خبر هو) إلخ، هذا مبني على أن الضمير { هُوَ } عائد على المسؤول عنه في كلام الكفار، وقيل: إنه ضمير الشأن يفسره الجملة بعده فـ { ٱللَّهُ } مبتدأ و { أَحَدٌ } خبره، والجملة خبر { هُوَ } وهمزة { أَحَدٌ } بدل من واو، لأنه من الوحدة، أو ليست مبدلة من شيء قولان، وإثبات لفظ { قُلْ } مع تنوين { أَحَدٌ } هو قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بحذف { قُلْ } وقرئ أيضاً: قل هو الله أحد، وقرئ أيضاً بحذف التنوين لالتقاء الساكنين، واعلم أن هذه الآية يأخذ منها عقائد التوحيد، وذلك لأن الله تعالى علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، ومن كان وجوده واجباً، لزم اتصافه بسائر الكمالات، كالقدرة والإدارة والعلم والحياة، وقوله: { أَحَدٌ } يدل على الصفات السلبية وهي: القدم والبقاء والغنى المطلق والتنزه عن الشبيه والنظير والمثيل في الذات والصفات والأفعال، وبذلك انتفت الكموم الخمسة وهي: لكم المتصل والمنفصل في الذات والصفات والمنفصل في الأفعال، فالمتصل في الذات والصفات هو التركيب، والمنفصل فيهما هو الشبيه والنظير، والمنفصل في الأفعال هو الشبيه فيها، وكل هذه منفية ومستحيلة عليه تعالى، وأما المتصل في الأفعال فهو ثابت، ولأن أفعال الله متعددة لا نهاية لها، بقي شيء آخر وهو أن { أَحَدٌ } يستعمل في النفي، وأما واحد فيستعمل في الإثبات، فلم ذكره في الإثبات؟ أجيب: بأن ذلك أغلبيّ، وقد يستعمل كل في كل، والقرآن وارد بذلك في غيره آية، وآثر الأحد على الواحد لمراعاة الفواصل. قوله: (وأحد بدل) أي بدل نكرة من معرفة وهو جائز.
قوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } نتيجة ما قبله، ولذا ترك العاطف، وذلك لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات منزه عن النقائض، فلا يقصد غيره، ولا يعول إلا عليه. قوله: (أي المقصود في الحوائج) هذا أحد أقوال في معنى { ٱلصَّمَدُ } وهو المشهور، وقيل: هو الذي لا جوف له، وقيل: هو الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل: هو الذي ليس فوقه أحد، وقيل: غير ذلك، وإنما عرف { ٱلصَّمَدُ } لعلمهم به ومعرفتهم إياه، بخلاف أحديته، وكرر لفظ { ٱللَّهُ } إشعاراً بأن من لم يتصف به لا يستحق الألوهية.
قوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } رد على مشركي العرب القائلين: الملائكة بنات الله، واليهود القائلين: عزير ابن الله، والنصارى القائلين: المسيح بان الله، وهذه الجملة نتيجة ما قبلها، لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات، منزه عن النقائص، مقصود في جميع الأمور، فلم يكن علة في غيره، ولا غيره علة فيه، وأتى بالعاطف في الجملتين الأخيرتين دون ما عداهما، لأنهما سيقتا لمعنى وهو نفي المماثلة عنه تعالى بوجوهها، لأن المماثلة إما ولد أو والد أو نظير، فلتغاير الأقسام أتى بالعطف لأنه يقتضي المغايرة، وترك العاطف في { لَمْ يَلِدْ } لأنه مؤكد للصمدية، لأن الغني عن كل شيء، المحتاج إليه كل ما سواه، لا يكون والداً ولا مولوداً، فهذه الجمل الثلاث في معنى جملة واحدة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قوله: (لانتفاء مجانسته) أي لغيره، لأن الولد من جنس أبيه، والله لا يجانسه أحد، لأنه واجب وغيره ممكن، ولأن الولد يطلب إما لإعانة والده، أو لتخلفه بعده، والله تعالى غني عن كل شيء ولا يفنى. قوله: (لانتفاء الحدوث عنه) أي لأن كل مولود جسم ومحدث، والله تعالى ليس كذلك. قوله: (ومماثلاً) عطف تفسير، واعلم أن الكفر يعم الشبيه والنظير والمثيل، فالمثيل هو المشارك لك في جميع صفاتك، والشبيه هو المشارك في غالبها، والنظير هو الماشرك في أقلها، والله تعالى منزه عن ذلك كله. قوله: (وقدم عليه) أي وكان الأصل أن يؤخر الظرف، لكن قدم لأهميته اعتناء بنفي المكافأة عنه تعالى لأن المقصود. قوله: (لأنه محط القصد بالنفي) أي فالقصد نفي المكافأة عن ذات الله، فكأن تقديمه أولى، وهذه السورة الشريفة، نفت أصول الكفر الثمانية: التركيب والعدد والنقص بمعنى الاحتياج والقلة بمعنى البساطة والعلة والمعلول والشبيه والنظير، أما الكثرة والعدد فانتفاؤهما بقوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } والنقص والقلة بقوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } والعلة والمعلول بقوله { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } والشبيه والنظير بقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) | يا طالب الوحدانية وسرها في عالم الخفى، { قُلْ } [الإخلاص: 1] بلسانك للطيفتك الخفية في عالم الخفى: { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] إشارة إلى الله؛ لأن اللطيفة الخفية في عالمها؛ وهي محجوبة عن غيب الغيوب الذي هو عالم الحق؛ لأن الله { أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] في ذاته، { ٱلصَّمَدُ } [الإخلاص: 2]؛ أي: الصمد في صفاته ليس لذاته مثل ولا لصفاته شبه، ولا له ضد، ولا له ند.
{ لَمْ يَلِدْ } [الإخلاص: 3] لأنه صمدي الصفات، { وَلَمْ يُولَدْ } [الإِخلاص: 3]؛ لأنه أحدي الذات، أول كل شيء وآخره، موجد كل شيء ومعدمه، مبقي الحقوق المفردة ومغني الحظوظ المركبة، ومهلك المفردات عند تجلي صفة وتريته.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 4] في ملكه وملكوته، واللطيفة الأنانية المستحقة المرائية يقول: سبحان الله الواحد الأحد، الفرد الوتر الصمد، الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 3-4] سبحانه ما أعظم شأنه.
وإذا كانت في اللطيفة بقية من القوى الحميدة اللطيفة القالبية أو النفسية يقول: " سبحاني ما أعظم شأني " ، وأنا الحق "؛ فإذا أفاق من غلبة حالتها يقول:
| **أقتلوني يا ثِقاتي** | | **إِنَّ في قَتلي حَياتي** |
| --- | --- | --- |
| **وَمَماتي في حَياتي** | | **وَحَياتي في مَماتي** |
وهذه منزلة عظيمة مشكلة ينبغي للسالك أن يكون في بدرقة حماية شيخه ووليه وتقليد نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ليخلصه من هذه الورطة في عالم [سيره]، ويصله إلى لطيفة الخفية في غيب الغيوب، ويعرض هذا الغلط على لطيفته الخفية عند تجلي اللطيفة الخفية على اللطيفة الأنانية، والنصارى لأجل هذا أثبتوا الأبوة والأمومة والبنونة وقالوا:**{ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ }** [المائدة: 73]، وتحزبوا في مذهب الاتحاد أحزاباً كثيرة، مثل: اليعاقبة والملكية، والنسطورية، فكلهم قالوا بالاتحاد.
ولكن اليعاقبة يزعمون أن الاتحاد كان بالناسوت واللاهوت من حيث الامتزاج والاختلاف، بحيث صار الله تعالى حصلت عظمته، والبصري المأخوذ من مريم جوهراً واحداً، شخصاً واحداً، إلهاً واحداً، يكفرون الملكية والنسطورية، ويستحلون دمهما.
والملكية يزعمون أن الاتحاد كان بالناسوت لا باللاهوت، اتحاد للجارة بحيث صار الله عز وجل كما يقول الظالمون الكافرون الجاهلون والإنسان المولد من مريم، بل هو جوهرين ناسوتي ولاهوتي شخصاً واحداً إلهاً واحداً، ومن لم يعتقدهم يحكمون بكفره واستباحة دمه.
والنسطورية يزعمون أن الاتحاد كان بالشبه والرضاء بحيث صار الله تعالى عما يصفه المشركون الجاحدون علواً كبيراً، والمولود من مريم يسمونه بلغتهم (عمّايزيل) ومعناها بالعربي: لنا جوهران أزلي وزمني، وأقنوماني ناسوتي ولاهوتي ابناً واحداً مسيحيّاً واحداً إلهاً حقاً من إله حق ابن جوهر أبيه، ومن لم يذهب مذهبهم فلا يدخلون القداس، ويقرون بكفرهم وقتلهم وكلهم صدقوا بتكفيرهم وأمرهم بقتلهم، علا الله تعالى وتقدست صفاته بالأقانيم الثلاثة بالاتفاق بعضهم يفسرون الأقانيم الثلاثة؛ أي: الأشخاص بالأب والابن وروح القدس، وبعضهم يقولون: إن ذات البارئ تعالى الله عن ذلك
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ عُلُوّاً كَبِيراً }** [الإسراء: 43] الأب والمسيح الابن، والكلمة هي الجابلة المصورة المفصلة للمعاني المبسوطة، التي بها يكون التعقل هي**{ رُوحُ ٱلْقُدُسِ }** [النحل: 102]، وبعضهم يزعمون أن الأب هو القدم والابن هو الحكمة، وروح القدس هي الحياة.
وكلهم غلطوا في النقطات الخارجة عن بحر الجبروت وقت المد، وهي النقطة العلمية التي هي منبع عالم الخفاء، والنقطة الإرادية التي هي منبع عالم الروح، والنقطة القدرية التي هي منبع عالم السر، وظنوا بالنقطة العلمية أنها ذات البارئ، وبالنقطة الإرادية أنها ابن البارئ، وبالنقطة القدرية أنها هي الكلمة، وبعبارة بعضهم هي روح القدس، فكفروا بالله تعالى، واشركوا به في عين اعتقادهم بالاتحاد؛ لأن سنة الله تعالى جرت على إثبات الوسائط كما نشاهدها في عالم الشهادة، إن الولد لا يحصل إلا بازدواج الذكر والأنثى، فعلى هذا الترتيب أثبتوا الوسائط في عالم الغيب بالنقطة الفاعلة؛ وهي النقطة القابلة، وهي للنقطة القدرية لظهور نقطة الإرادة وهي النتيجة، فحسبوا أن ليس وراء العبادات قربة، وأثبتوا رقائق الدقائق الملكية وحقوق ثلاثة، وما وفقوا السير إلى عالم الجبروت ليشاهدوا دقائقها المتصلة إلى حقائق اللاهوتي، ويعاينوا بالذوق الصرف استهلاك الحقائق في ذات الحق الأعظم أحدي الذات وأحدي الصفات، الذي هو فرد بين الخلق وتر بعد الخلق، ولا يمكن الوصول إلى هذا المقام إلا بمتابعة المحبوب؛ لأنه اللطيفة الخفية وينزل ويقتدي بالمهدي الذي يكون من أمة الحبيب وولد من أولاده؛ ليطَّلع على اللطيفة الخفية ويستغفر عن رؤية لطفية روح القدس في نفسه، ويدعو أمته إلى الدين الحنفي ليدخلوا في الحنيفية السمحة السهلة، ويكسروا صليبهم، ويهرقوا خمرهم، ويقتلوا خنزيرهم، ويقولوا كلمتي الشهادة ويشهدوا بأن لا إله إلا الله حقاً، وأن محمداً رسول الله صدقاً.
فاجتهد أيها العابر على اللطائف القالبية، والنفسية والقلبية، والسرية والروحية، والواصل إلى لطيفتك الخفية، ألاَّ تعجب بنفسك ولا تظن بأنك وصلت وكملت بتجلي لطيفة أنانيتك على لطيفة خفيك، وتلوذ بأذيال سنن الحبيب المطلق وتعتصم بحبل الله المتين؛ وهو القرآن المبين الذي أنزل على حبيبه الأمين، حتى تصل جذبة الحق من عالم اللطيفة الحقيقية، ويجذبك من اللطائف كلها ويوصلك إلى اللطيفة الخفية، ويجعلك محرماً لأسرار ذاته وحكمته التي كانت له في إيجاده الموجودات وإفناء المركبات وإهلاك المفردات، وإبقاء اللطائف المستكملة أبد الآباد إما متنعماً وإما متألماً، فسير عيسى عليه السلام كان سير الحبيب من الأنبياء المتقدمة؛ ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم: **" الأنبياء أبناء علات إلا أنا وعيسى "** ، وأما سير إبراهيم عليه السلام كان مستقيماً إلى أن وصل إلى فاطر السماوات والأرض، وتوجه إليه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً }** [آل عمران: 67]؛ لأنهم أثبتوا اللطيفة السرية بالنبوة في عالم السر، إذا وجدوها غير حاصلة من امتزاج الروح والقلب، وقالوا: إن عزير ابن الله**{ وَلاَ نَصْرَانِيّاً }** [آل عمران: 67]؛ لأنهم غلطوا في الخفى؛ لأن اللطيفة الخفية أعظم قدراً من اللطيفة السرية، وأعلى مرتبة من اللطيفة الروحية، وأثبتوا الأبوة والأمومة والبنوة كما ذكرنا،**{ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً }** [آل عمران: 67] بسيره المستقيم إلى عالم القلب،**{ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }** [آل عمران: 67] فيما رأى من الآيات الملكوتية المودعة في نفسه في ظلمة ليل القالب بقوله:**{ هَـٰذَا رَبِّي }** [الأنعام: 76]؛ لأنه وصل إلى فاطر السماوات والأرض في عالم القلب، تبرأ من الأفلاك وتوجه بالكلية إلى فاطر الأرضين والسماوات، وقال في نهاية معراجه:**{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }** [الأنعام: 79].
وأمر الله تعالى حبيبه المصطفى بأن يبتدي به في بداية معراجه ويزيد عليه بقوله:**{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ \* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }** [الأنعام: 162-163]، وقال الله تعالى:**{ إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ }** [آل عمران: 68]، ومن على أمته في كل يوم خمس أوقات بالصلاة، التي هي معراج أمته بقوله تعالى:**{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }** [الأنعام: 79]،**{ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ \* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }** [الأنعام: 162-163]، وذكرت حقيقة الصلاة التي كانت معراجاً في مدارج المعارج، فلا أكررها فإن كنت تشتهي مطالعتها فاطلبه وطالعه وأدِ حقه؛ لتصل إلى حظك المخفي الخفي المودع فيه.
اللهم اجعلنا موحدين قائمين بالقسط غير راغبين إلى الباطل، الثابتين على الحق بمحمد حبيبك المطلق صلى الله عليه وسلم، وصحبه وسلم والتابعين لهم بإحسان إلى اليوم الدين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) | أي { قُلْ } قولاً جازماً به، معتقداً له، عارفاً بمعناه، { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير النسائي/ النسائي (ت 303 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [1] 735- أنا قتيبة بن سعيد، عن مالك والحارث بن مسكين، قراءة عليه عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن عبيد الله بن عبد الرحمن، عن عُبيد بن حُنَين، قال: سمعت أبا هريرة يقول: **" أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَجَبَت " ، قلت: ما وَجَبت؟ قال: " الجنة " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) | { قُلْ هُوَ } أي: الخبر الحق المؤيد بالبرهان الذي لا يرتاب فيه، وهو ما يعبر عنه النحويون بالقصة أو الحديث أو الشأن. قال أبو السعود: ومدار وضعه موضعه، مع عدم سبق ذكره، الإيذان بأنه من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد، وإليه يشير كل مشير، وإليه يعود كل ضمير { ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: واحد في الألوهية والربوبية. قال الزمخشريّ: { أَحَدٌ } بمعنى: واحد. وقال ابن الأثير: (الأحد) في أسمائه تعالى، الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر، والهمزة فيه بدل من الواو. وأصله (وحد) لأنه من الوحدة. وفي (المصباح): يكون (أحد) مرادفاً (لواحد) في موضعين سماعاً:
أحدهما: وصف اسم البارئ تعالى فقال: هو الواحد وهو الأحد، لاختصاصه بالأحدية. فلا يشركه فيها غيره. ولهذا لا ينعت به غير الله تعالى. فلا يقال: (رجل أحد) ولا (درهم أحد) ونحو ذلك.
والموضع الثاني: أسماء العدد للغلبة وكثرة الاستعمال. فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون. وفي غير هذين يقع الفرق بينهما في الاستعمال، بأن (الأحد) لنفي ما يذكر معه، فلا يستعمل إلا في الجحد، لما فيه من العموم، نحو ما قام أحد. أو مضافاً نحو (ما قام أحد الثلاثة). و (الواحد) اسم لمفتتح العدد. ويستعمل في الإثبات، مضافاً وغير مضاف. فيقال: (جاءني واحد من القوم). انتهى.
وقال الأزهري: الواحد من صفات الله تعالى، معناه أنه لا ثاني له. ويجوز أن ينعت الشيء. بأنه واحد. فأما { أَحَدٌ } فلا ينعت به غير الله تعالى، لخلوص هذا الاسم الشريف له جل ثناؤه.
قال الإمام: ونكّر الخبر؛ لأن المقصود أن يخبر عن الله بأنه واحد، لا بأنه لا واحد سواه. فإن الوحدة تكون لكل واحد. تقول: (لا أحد في الدار) بمعنى: لا واحد من الناس فيها. والذي كان يزعمه المخاطبون هو التعدد في ذاته. فأراد نفي ذلك بأنه أحد. وهو تقرير لخلاف ما يعتقد به أهل الأصلين من المجوس، وما يعتقده القائلون بالثلاثة، منهم ومن غيرهم. وسيأتي لابن تيمية كلام آخر في سر إيثاره بالتنكير { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي: الذي يصمد إليه في الحوائج، ويقصد إليه في الرغائب. إذ ينتهي إليه منتهى السؤدد، قاله الغزاليّ في (المقصد الأسني). وهكذا قال ابن جرير: الصمد عند العرب: هو السيد الذي يصمد إليه، الذي لا أحد فوقه، وكذلك تسمى أشرافها. ومنه قول الشاعر:
| **ألا بَكََرَ النَّاعي بخَيْرَيْ بني أَسَدْ** | | **بعَمْرِو بن مسعودٍ وبالسَّيِّدِ الصّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
قال الشهاب: فهو (فَعَل) بمعنى مفعول. وصمد بمعنى قصد. فيتعدى بنفسه وباللام وإلى. وقال ابن تيمية رحمه الله: وفي الصمد للسلف أقوال متعددة، قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك بل كلها صواب. والمشهور منها قولان:
أحدهما: أن الصمد هو الذي لا جوف له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
والثاني: أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج.
والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة.
والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين.
ثم توسع رحمه الله في مأخذ ذلك واشتقاقه والمأثور فيه، إلى أن قال:
وإنما أدخل اللام في { ٱلصَّمَدُ } ولم يدخلها في { أَحَدٌ } لأنه ليس في الموجودات ما يسمى أحداً في الإثبات مفرداً غير مضاف. ولم يوصف به شيء من الأعيان إلا الله وحده. وإنما يستعمل في غير الله في النفي وفي الإضافة وفي العدد المطلق. وأما اسم الصمد فقد استعمله أهل اللغة في حق المخلوقين، كما تقدم، فلم يقل صمد بل قال { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فبين أنه المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه. فإنه المستوجب لغايته على الكمال. والمخلوق، وإن كان صمدا من بعض الوجوه، فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه. فإنه يقبل التفرق والتجزئة. وهو أيضاً محتاج إلى غيره. فإن كل ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه، فليس أحد يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو على شيء، إلا الله. وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن يتجزأ ويتفرق وينقسم وينفصل بعضه من بعض. والله سبحانه هو الصمد الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك، بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده واجبة لازمة، لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه، كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه.
وقال أبو السعود: وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك فهو بمعزل من استحقاق الألوهية. وتعرية الجملة على العاطف لأنها كالنتيجة للأولى. بيَّن أولاً أُلوهيته عز وجل المستتبعة لكافة نعوت الكمال، ثم أحدّيته الموجبة تنزهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجه من الوجوه، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها. ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتيّ عما سواه، وافتقار جميع المخلوقات إليه، في وجودها وبقائها وسائر أحوالها، تحقيقاً للحق، وإرشاداً لهم إلى سننه الواضح. ثم صرح ببعض ما يندرج فيما تقدم، بقوله سبحانه: { لَمْ يَلِدْ } تنصيصاً على إبطال زعم المفترين في حق الملائكة والمسيح. ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي. أي: لم يصدر عنه ولد، لأنه لا يجانسه شيء ليمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا. كما نطق به قوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101] ولا يفتقر إلى ما يعنيه أو يخلفه، لاستحالة الحاجة والفناء عليه، سبحانه. انتهى.
وقال ابن تيمية: وقد شمل ما أخبر به سبحانه من تنزيهه وتقديسه عما أضافوه إليه من الولادة كل أفرادها. سواء سموها حسية أو عقلية، كما تزعمه الفلاسفة الصابئون من تولد العقول العشرة والنفوس الفلكية التسعة التي هم مضطربون فيها، هل هي جواهر أو أعراض؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور والنفوسَ بمنزلة الإناث، ويجعلون ذلك آباءهم وأمهاتهم وآلهتهم وأربابهم القريبة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم، الذين جعلوا له بنين وبنات، قال تعالى:**{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ }** [الأنعام: 100]، وقال تعالى:**{ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ \* وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }** [الصافات: 151 - 152] وكانوا يقولون: الملائكة بنات الله. كما يزعم هؤلاء أن النفوس هي الملائكة، وهي متولدة عن الله، فقال تعالى:**{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ }** [النحل: 57] والآيات في هذا كثيرة.
وقوله: { وَلَمْ يُولَدْ } نفي لإحاطة النسب من جميع الجهات. فهو الأول الذي لم يتقدمه والد كان منه، وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه. قال الإمام: قوله: { وَلَمْ يُولَدْ } يصرح ببطلان ما يزعمه بعض أرباب الأديان من أن ابنا لله يكون إلها، ويعبد عبادة الإله، ويقصد فيما يقصد فيه الإله. بل لا يستحي الغالون منهم أن يعبروا عن والدته بأم الإله القادرة، فإن المولود حادث ولا يكون إلا بمزاج، وهو لا يسلم من عاقبة الفناء، ودعوى أنه أزليّ مع أبيه مما لا يمكن تعقله. فهو سبحانه منزه عن ذلك { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي: ولم يكن أحد يكافئه أي: يماثله من صاحبة أو غيرها. وقال الإمام: الكفؤ معناه: المكافئ والمماثل في العمل والقدرة. وهو نفي لما يعتقده بعض الوثنيين في الشيطان مثلا. فقد نفى بهذه السورة جميع أنواع الإشراك. وقرر جميع أصول التوحيد والتنزيه. وقال ابن جرير: الكفؤ والكفيء والكفاء، في كلام العرب، واحد. وهو المثل والشَّبْه.
وقرئ { كُفُواً } بضم الكاف والفاء وقلب الهمزة واواً. وقرئ بتسكين الفاء وهمزها، وهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان. و { لَّهُ } صلة لـ { كُفُواً } قدمت عليه، مع أن حقها التأخر عنه، للاهتمام بها، لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى. وأما تأخير اسم كان فلمراعاة الفواصل.
فوائد من هذه السورة
الأولى: قال الشهاب: فإن قلت المأمور بـ { قُلُ } من شأنه إذا امتثل أن يتلفظ بالمقول وحده، فلم كانت { قُلْ } من المتلوّ فيه وفي نظائره في القراءة؟ قلت: المأمور به سواء كان معينا أم لا، مأمور بالإقرار بالمقول. فأثبت القول ليدل على إيجاب مقوله ولزوم الإقرار به على مرّ الدهور.
الثانية: قال الإمام ابن تيمية: احتج بقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } من أهل الكلام المحدث من يقول الرب تعالى جسم، كبعض الذي وافقوا هشام بن الحكم ومحمد بن كرام وغيرهما. قالوا: هو صمد، والصمد الذي لا جوف له. وهذا إنما يكون في الأجسام المصمتة، فإنها لا جوف لها، كما في الجبال والصخور وما يصنع من عواميد الحجارة. ولهذا قيل في تفسيره إنه الذي لا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء ولا يأكل ولا يشرب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ونفي هذا لا يعقل إلا عما هو جسم. وقالوا: أصل الصمد: الاجتماع. ومنه تصميد المال، وهذا إنما يعقل في الجسم المجتمع. وأما النفاة فقالوا: الصمد الذي لا يجوز عليه التفرق والانقسام. وكل جسم في العالم يجوز عليه التفرق والانقسام. وقالوا أيضاً: الأحد الذي لا يقبل التجزؤ والانقسام. وكل جسم في العالم يجوز عليه التفرق والتجزؤ والانقسام. وقالوا: إذا قلتم هو جسم كان مركباً مؤلفاً من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة. وما كان مركباً مؤلفاً من غيره كان مفتقراً إليه، وهو سبحانه صمد. والصمد: الغنيّ عما سواه، فالمركب لا يكون صمداً. انتهى.
وقال الرازيّ: قد استدل القوم من جهال المشبهة بهذه الآية في أنه تعالى جسم، وهذا باطل لأنا بينا أن كونه أحدا ينافي كونه جسما. فمقدمة هذه الآية دالة على أنه لا يمكن أن يكون المراد من الصمد هذا المعنى، ولأن الصمد بهذا التفسير صفة الأجسام المتضاغظة. وتعالى الله عن ذلك. فإذن يجب أن يحمل ذلك على مجازه. وذلك لأن الجسم الذي يكون كذلك. يكون عديم الانفعال والتأثر عن الغير. وذلك إشارة إلى كونه سبحانه واجباً لذاته، ممتنع التغير في وجوده وبقائه وجميع صفاته. انتهى.
وأقول: الصحيح في تأويل الصمد ما ذكرناه أولا. وهو ما حكاه ابن جرير وغيره عن العرب في معناه. وإذا تحقق هذا، فلا يعول على هذا الثاني ولا لوازمه.
الثالثة: قال ابن تيمية: كما يجب تنزيه الرب عن كل نقص وعيب، يجب تنزيهه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفات الكمال الثابتة له. وهذان النوعان يجمعان التنزيه الواجب لله. وهذه السورة دلت على النوعين. فقوله { أَحَدٌ } من قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ينفي المماثلة والمشاركة. وقوله: { صَّمَدُ } يتضمن جميع صفات الكمال. فالنقائص جنسها منفي عن الله تعالى. وكل ما اختص به المخلوق فهو من النقائص التي يجب تنزيه الرب عنها. بخلاف ما يوصف به الرب. ويوصف العبد بما يليق به مثل العلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك. فإن هذه ليست نقائص بل ما ثبت لله من هذه المعاني، فإنه يثبت لله على وجه لا يقاربه فيه أحد من المخلوقات، فضلا عن أن يماثله فيه. بل ما خلقه الله في الجنة من المآكل والمشارب والملابس لا يماثل ما خلقه في الدنيا وإن اتفقا في الاسم، وكلاهما مخلوق. فالخالق تعالى أبعد في مماثلة المخلوقات من المخلوقات إلى المخلوق. وقد سمى الله نفسه عليما حليما رؤوفاً رحيما سميعاً بصيراً عزيزاً ملكا جباراً متكبراً، وسمى أيضاً بعض مخلوقاته بهذه الأسماء. مع العلم أنه ليس المسمى بهذه الأسماء من المخلوقين مماثلا للخالق جل جلاله في شيء من الأشياء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
الرابعة: قدمنا ما ورد في الحديث من أن **" سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ".** وقد ذكروا في ذلك وجوهاً - منها ما قاله أبو العباس بن سريج: أن القرآن أنزل على ثلاثة أقسام ثلث منها الأحكام، وثلث منها وعد ووعيد، وثلث منها الأسماء والصفات. وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات.
وقال الغزاليّ في (جواهر القرآن): مهمات القرآن هي معرفة الله ومعرفة الآخرة ومعرفة الصراط المستقيم. فهذه المعارف الثلاثة هي المهمة. والباقي توابع. وسورة الإخلاص تشتمل على واحدة من الثلاث، وهي معرفة الله وتقديسه وتوحيده عن مشارك في الجنس والنوع. وهو المراد بنفي الأصل والفرع والكفؤ.
قال: والوصف بالصمد يشعر بأنه السيد الذي لا يقصد في الوجود للحوائج سواه. نعم، ليس فيها حديث الآخرة والصراط المستقيم. فلذلك تعدل ثلث القرآن أي ثلث الأصول من القرآن كما قال: **" الحج عرفة "** أي: هو الأصل والباقي تبع.
وقال ابن القيّم في (زاد المعاد): كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في سنة الفجر والوتر سورتا الإخلاص والكافرون وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد. فسورة الإخلاص متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة بوجه من الوجوه. والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه. ونفي الولد والوالد الذي هو من لازم الصمدية وغناه وأحديته. ونفيُ الكفؤ المتضمن لنفي الشبيه والتمثيل والتنظير: فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له، ونفي كل نقص عنه، ونفي إثبات شبيه أو مثل له في كماله ونفي مطلق الشريك عنه. وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلميّ الاعتقاديّ الذي يباين صاحبه جميع فرق الضلال والشرك. ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن. فإن القرآن مداره على الخبر والإنشاء. والإنشاء ثلاثة: أمر، ونهي، وإباحة. والخبر نوعان: خبر عن الخالق تعالى وأسمائه وصفاته وأحكامه، وخبر عن خلقه - فأخلصت سورة الإخلاص الخبر عنه وعن أسمائه وصفاته فعدلت ثلث القرآن. وخلصت قارئها المؤمن من الشرك العلميّ. كما خلصت سورة**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }** [الكافرون: 1] من الشرك العملي الإراديّ القصديّ. ولما كان العلم قبل العمل وهو إمامه وقائده وسائقه والحاكم عليه ومنزله منازله، كانت سورة: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن، والأحاديث بذلك تكاد تبلغ مبلغ التواتر. و**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }** [الكافرون: 1] تعدل ربع القرآن، وفي الترمذي: من رواية ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه: **" { إِذَا زُلْزِلَتِ } [الزلزلة: 1] تعدل نصف القرآن و { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن و { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [الكافرون: 1] تعدل ربع القرآن "** رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد.
ولما كان الشرك العمليّ الإراديّ أغلب على النفوس لأجل متابعتها هواها، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرته وبطلانه، لما لها فيه من نيل الأغراض.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وإزالتُه وقلعُه منها أصعب وأشد من قلع الشرك العلميّ وإزالته. لأن هذا يزول بالعلم والحجة ولا يمكن صاحبه أن يعلم الشيء على غير ما هو عليه، بخلاف شرك الإرادة والقصد، فإن صاحبه يرتكب ما يدلّه العلم على بطلانه وضرره لأجل غلبة هواه واستيلاء سلطان الشهوة والغضب على نفسه. فجاء من التأكيد والتكرار في سورة**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }** [الكافرون: 1] المتضمنة لإزالة الشرك العمليّ ما لم يجئ مثله في سورة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
ولما كان القرآن شطرين: شطراً في الدنيا وأحكامها ومتعلقاتها والأمور الواقعة فيها من أفعال المكلفين وغيرها. وشطراً في الآخرة وما يقع فيها. وكانت سورة**{ إِذَا زُلْزِلَتِ }** [الزلزلة: 1] قد أخلصت من أولها وآخرها لهذا الشطر، فلم يذكر إلا الآخرة، وما يكون من أحوال الأرض وسكانها، كانت تعدل نصف القرآن. فأحْرِ بهذا الحديث أن يكون صحيحاً. والله أعلم.
الخامسة: قال ابن تيمية: سورة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أكثرهم على أنها مكية. وقد ذكر في أسباب نزولها سؤال المشركين بمكة، وسؤال الكفار من أهل الكتاب اليهود بالمدينة. ولا منافاة. فإن الله أنزلها بمكة أولاً. ثم لما سئل نحو ذلك أنزلها مرة أخرى. وهذا مما ذكر طائفة من العلماء. وقالوا: إن الآية أو السورة قد تنزل مرتين وأكثر من ذلك. فما يذكر من أسباب النزول المتعددة قد يكون جميعه حقّاً. والمراد بذلك أنه إذا حدث سبب يناسبها؛ نزل جبريل فقرأها عليه، ليعلمه أنها تتضمن جواب ذلك السبب. إن كان الرسول يحفظها قبل ذلك. انتهى.
وقد تقدم في مقدمة هذا التفسير، ومواضع أخر منه، تحقيق البحث في معنى سبب النزول، بما يدفع المنافاة في أمثال هذا. فراجعه. ولهذه السورة الشريفة تفاسير على حدة. من أمثلها كتابان لشيخ الإسلام ابن تيمية: أحدهما في تفسيرها، والثاني في سر كونها تعدل ثلث القرآن. فاحتفظ بهما. والله الهادي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ) | قوله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني الواحد { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } تفسير قتادة الصمد الباقي وتفسير بعضهم الصمد السيد الذي قد انتهى سؤدده.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ولم يكن له أحد كفوا له أي مثل وشبه.
تفسير الكلبي إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك وصفه فأنزل الله هذه السورة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ) | { أَحَدٌ }: بمعنى واحد، وأصل أحد وحد فأبدلت الهمزة من الواو المفتوحة كما أبدلت من المضمومة في قولهم: وجوه، وأجوه، ومن المكسورة في قولهم: وشاح، وإشاح، ولم يبدلوا من المفتوحة إلا في حرفين: أحد، وامرأة (أناة) وأصلها وناة من الونى وهو الفتور.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تذكرة الاريب في تفسير الغريب/ الامام ابي الفرج ابن الجوزي (ت 597 هـ) | الأحد الواحد والصمد السيد الذي ليس فوقه أحد وقيل الذي لا جوف له
والكفو المثل
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) | - الطبرسي في (الاحتجاج): عن الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام): **" أن اليهود أعداء الله لما قدم النبي (صلى الله عليه و آله) المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا- و ذكر حديثا طويلا يسأل فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، إلى أن قال له- أخبرني عن ربك ما هو؟ فنزلت: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فقال ابن صوريا: صدقت ".** - محمد بن يعقوب: عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: **" إن اليهود سألوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا:** **انسب لنا ربك؟ فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها ".** و رواه محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب.
- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فقال (عليه السلام):
" نسبة الله إلى خلقه، أحدا صمدا أزليا صمديا لا ظل له يمسكه، و هو يمسك الأشياء بأظلتها، عارف بالمجهول، معروف عند كل جاهل، فردانيا، لا خلقه فيه، و لا هو في خلقه، غير محسوس و لا مجسوس لا تدركه الأبصار، علا فقرب، و دنا فبعد، و عصي فغفر، و أطيع فشكر، لا تحويه أرضه، و لا تقله سماواته، حامل الأشياء بقدرته، ديمومي أزلي، لا ينسى و لا يلهو، و لا يغلط و لا يلعب، [و] لا لإرادته فصل، و فصله جزاء، و أمره واقع، لم يلد فيورث، و لم يولد فيشارك، و لم يكن له كفوا أحد ".
- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، قال: سئل علي بن الحسين (عليهما السلام)، عن التوحيد؟ فقال: " إن الله عز و جل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون، فأنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، و الآيات من سورة الحديد إلى قوله:**{ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }** [الحديد: 6] فمن رام وراء ذلك فقد هلك ".
- و عنه: عن محمد بن أبي عبد الله، رفعه، عن عبد العزيز بن المهتدي، قال سألت الرضا (عليه السلام) عن التوحيد، فقال: " كل من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } و آمن بها، فقد عرف التوحيد ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: قلت: كيف يقرؤها؟ قال:
" كما يقرؤها الناس، و زاد فيه: كذلك الله ربي، كذلك الله ربي ".
- و عنه: عن علي بن محمد، و محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد و لقبه شباب الصيرفي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك، ما الصمد؟
قال: " السيد المصمود إليه في القليل و الكثير ".
- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن السري، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شيء من التوحيد؟ فقال: " إن الله تباركت أسماؤه التي يدعى بها، و تعالى في علو كنهه، واحد توحد بالتوحيد في توحده، ثم أجراه على خلقه، فهو واحد صمد قدوس، يعبده كل شيء، و يصمد إليه كل شيء، و وسع كل شيء علما ".
فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل الصمد، لا ما ذهب إليه المشبهة أن تأويل الصمد المصمت الذي لا جوف له، لأن ذلك لا يكون إلا من صفة الجسم، و الله جل ذكره متعال عن ذلك، و هو أعظم و أجل من أن تقع الأوهام على صفته أو تدرك كنه عظمته، و لو كان تأويل الصمد في صفة الله عز و جل المصمت لكان مخالفا لقوله عز و جل:**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11] لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها، مثل الحجر و الحديد و سائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فأما ما جاء في الأخبار من ذلك، فالعالم (عليه السلام): أعلم بما قال، و هذا الذي قال (عليه السلام): " إن الصمد هو السيد المصمود إليه " هو معنى صحيح موافق لقول الله عز و جل:**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11] و المقصود إليه: المقصود في اللغة، قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبي (صلى الله عليه و آله) من شعره:
| **و بالجمرة الوسطى إذا صمدوا لها** | | **يؤمون رضخا رأسها بالجنادل** |
| --- | --- | --- |
يعني قصدوا نحوها يرمون رأسها بالجنادل، يعني الحصى الصغار التي تسمى بالجمار.
و قال بعض شعراء الجاهلية:
| **ما كنت أحسب أن بيتا ظاهرا** | | **لله في أكناف مكة يصمد** |
| --- | --- | --- |
يعني يقصد.
و قال ابن الزبرقان: و لا رهيبة إلا سيد صمد و قال شداد بن معاوية في حذيفة بن بدر:
| **علوته بحسام ثم قلت له:** | | **خذها حذيف فأنت السيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
و مثل هذا كثير، و الله عز و جل هو السيد الصمد الذي جميع الخلق من الجن و الإنس إليه يصمدون في الحوائج، و إليه يلجأون عند الشدائد، و منه يرجون الرخاء و دوام النعماء ليدفع عنهم الشدائد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبو سعيد عبدان بن الفضل، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن يعقوب بن محمد بن يوسف بن جعفر ابن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمدينة خجندة، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن أحمد بن شجاع الفرغاني، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن محمد بن حماد العنبري بمصر، قال: حدثني إسماعيل بن عبد الجليل البرقي، عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الباقر (عليهم السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، قال: " قل أي أظهر ما أوحينا إليك و بعثناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع و هو شهيد، و هو اسم مكنى مشار به إلى غائب، فالهاء تنبيه على معنى ثابت، و الواو إشارة إلى الغائب عن الحواس، كما أن قولك:
هذا، إشارة إلى الشاهد عن الحواس، و ذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار، فأشر أنت- يا محمد- إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه و ندركه و لا نأله فيه، فأنزل الله تبارك و تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فالهاء تثبيت للثابت، و الواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار و لمس الحواس، و الله تعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار و مبدع الحواس ".
- " حدثني أبي، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: رأيت الخضر (عليه السلام) في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علمني شيئا أنتصر به على الأعداء، فقال: قل: يا هو يا من لا هو إلا هو، فلما أصبحت، قصصتها على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال لي: يا علي، علمت الاسم الأعظم، فكان على لساني يوم بدر.
وإن أمير المؤمنين (عليه السلام) قرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فلما فرغ قال: يا هو يا من لا هو إلا هو اغفر لي و انصرني على القوم الكافرين. و كان علي (عليه السلام) يقول ذلك يوم صفين و هو يطارد، فقال له عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين، ما هذه الكنايات؟ قال: اسم الله الأعظم و عماد التوحيد لله لا إله إلا هو، ثم قرأ:**{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
[آل عمران: 18]، و آخر الحشر، ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال.
قال: و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الله معناه: المعبود الذي يأله فيه الخلق و يؤله [إليه]، و الله هو المستور عن درك الأبصار، المحجوب عن الأوهام و الخطرات ".
- قال الباقر (عليه السلام): " [الله] معناه: المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته، و الإحاطة بكفيته، و تقول العرب: أله الرجل إذا تحير في الشيء فلم يحط به علما، و وله إذا فزع إلى شيء مما يحذره و يخافه فالإله هو المستور عن حواس الخلق ".
- قال الباقر (عليه السلام): " الأحد: الفرد المتفرد، و الأحد و الواحد بمعنى واحد، و هو المتفرد الذي لا نظير له، و التوحيد: الإقرار بالوحدة و هو الانفراد، و الواحد: المتباين الذي لا ينبعث من شيء و لا يتحد بشيء، و من ثم قالوا: إن بناء العدد من الواحد، و ليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين، فمعنى قول: الله أحد، أي المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه و الإحاطة بكيفيته، فرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه ".
- قال الباقر (عليه السلام): " حدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام)، أنه قال: الصمد: الذي لا جوف له، و الصمد: الذي قد انتهى سؤدده، و الصمد: الذي لا يأكل و لا يشرب، و الصمد: الذي لا ينام، و الصمد: الدائم الذي لم يزل و لا يزال ".
- قال الباقر (عليه السلام): " كان محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) يقول: الصمد: القائم بنفسه، الغني عن غيره، و قال غيره: الصمد: المتعالي عن الكون و الفساد، و الصمد: الذي لا يوصف بالتغاير ".
- قال الباقر (عليه السلام): " الصمد: السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر و ناه ".
- قال: " و سئل علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) عن الصمد؟ فقال: الصمد: الذي لا شريك له، و لا يؤوده حفظ شيء، و لا يعزب عنه شيء ".
- قال وهب بن وهب القرشي: قال زيد بن علي زين العابدين (عليه السلام): الصمد: [هو] الذي إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون. و الصمد: الذي ابتدع الأشياء فخلقها أضدادا و أشكالا و أزواجا، و تفرد بالوحدة بلا ضد و لا شكل و لا مثل و لا ند.
- قال وهب بن وهب القرشي: و حدثني الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه (عليهم السلام): " إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) يسألونه عن الصمد، فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
و إن الله سبحانه و تعالى قد فسر الصمد، فقال: اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ثم فسره فقال: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } { لَمْ يَلِدْ } لم يخرج منه شيء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، و لا شيء لطيف كالنفس، و لا يتشعب منه البدوات كالسنة و النوم و الخطرة و الهم و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء و الرغبة و السأمة و الجوع و الشبع، تعالى أن يخرج منه شيء، و أن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف، { وَلَمْ يُولَدْ } لم يتولد من شيء، و لم يخرج من شيء، كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشيء من الشيء، و الدابة من الدابة، و النبات من الأرض، و الماء من الينابيع، و الثمار من الأشجار، و لا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، و السمع من الأذن، و الشم من الأنف، و الذوق من الفم، و الكلام من اللسان، و المعرفة و التميز من القلب، و كالنار من الحجر، لا، بل هو الله الصمد الذي لا من شيء و لا في شيء و لا على شيء، مبدع الأشياء و خالقها، و منشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته، و يبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد ".
- قال وهب بن وهب القرشي: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: " قدم وفد من [أهل] فلسطين على الباقر (عليه السلام) فسألوه عن مسائل، فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد، فقال: تفسيره فيه: الصمد خمسة أحرف، فالألف دليل على إنيته، و هو قوله عز و جل:**{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }** [آل عمران: 18]، و ذلك تنبيه و إشارة إلى الغائب عن درك الحواس.
و اللام دليل على إلهيته بأنه [هو] الله، و الألف و اللام مدغمان، لا يظهران على اللسان و لا يقعان في السمع، و يظهران في الكتابة، دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس، و لا تقع في اللسان واصف و لا أذن سامع، لأن تفسير الإله: هو الذي أله الخلق عن درك ماهيته و كيفيته بحس أو بوهم، لا، بل هو مبدع الأوهام و خالق الحواس، و إنما يظهر ذلك عند الكتابة، دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق و تركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
كما أن لام الصمد لا تتبين، و لا تدخل في حاسة من الحواس الخمس، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي و لطف، فمتى تفكر العبد في ماهية البارئ و كيفيته، أله فيه و تحير، و لم تحط فكرته بشيء يتصور له، لأنه عز و جل خالق الصور، فإذا نظر إلى خلقه تثبت له أنه عز و جل خالقهم، و مركب أرواحهم في أجسادهم.
و أما الصاد فدليل على أنه عز و جل صادق، و قوله صدق و كلامه صدق، و دعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق، و وعد بالصدق دار الصدق.
و أما الميم فدليل على ملكه، و أنه الملك الحق، لم يزل و لا يزال و لا يزول.
و أما الدال فدليل على دوام ملكه، و أنه عز و جل دائم، تعالى عن الكون و الزوال، بل هو عز و جل مكون الكائنات، الذي كان بتكوينه كل كائن.
ثم قال (عليه السلام): لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز و جل حملة، لنشرت التوحيد و الإسلام و الإيمان و الدين و الشرائع من الصمد، و كيف لي بذلك و لم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء و يقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين الجوانح مني علما جما، هاه هاه ألا لا أجد من يحمله، ألا و إني عليكم من الله الحجة البالغة، فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور.
ثم قال الباقر (عليه السلام): الحمد لله الذي من علينا و وفقنا لعبادة الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، و جنبنا عبادة الأوثان، حمدا سرمدا و شكرا واصبا، و قوله عز و جل { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } يقول: لم يلد عز و جل فيكون له ولد يرثه ملكه، و لم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته و ملكه، و لم يكن له كفوا أحد فيضادهفي سلطانه ".
- و عنه، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمان، عن الربيع بن مسلم، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) و سئل عن الصمد، فقال: " الصمد: الذي لا جوف له ".
- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن اليهود سألوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: انسب لنا ربك، فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت هذه السورة إلى آخرها ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقلت له: ما الصمد؟ فقال: " الذي ليس بمجوف ".
- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن الحلبي و زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن الله تبارك و تعالى أحد صمد ليس له جوف، و إنما الروح خلق من خلقه، نصر و تأييد و قوة يجعله الله في قلوب الرسل و المؤمنين ".
- علي بن إبراهيم: في معنى السورة: قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قال: **" كان سبب نزولها أن اليهود جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالت: ما نسب ربك؟ فأنزل الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ \* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } و معنى قوله أحد: أحدي النعت، كما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): " نور لا ظلام فيه، و علم لا جهل فيه " ، و قوله: { ٱلصَّمَدُ } أي الذي لا مدخل فيه، و قوله: { لَمْ يَلِدْ } أي لم يحدث { وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ، قال: لا له كفو و لا شبيه و لا شريك و لا ظهير و لا معين ".** - ثم قال علي بن إبراهيم: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا الحسن بن علي، عن حماد بن مهران، قال: حدثنا محمد بن خالد بن إبراهيم السعدي، قال: حدثني أبان بن عبد الله، قال: حدثني يحيى بن آدم، عن الفزاري، عن حريز، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قالت قريش للنبي (صلى الله عليه و آله) بمكة: صف لنا ربك لنعرفه فنعبده، فأنزل الله تبارك و تعالى على النبي (صلى الله عليه و آله) { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني غير مبعض، و لا متجزئ، و لا مكيف، و لا يقع عليه اسم العدد و لا الزيادة و لا النقصان، { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } الذي قد انتهى إليه السؤدد، و الذي يصمد أهل السماوات و الأرض بحوائجهم إليه، لم يلد منه عزير، كما قالت اليهود لعنهم الله، و لا المسيح كما قالت النصارى عليهم سخط الله، و لا الشمس و لا القمر و لا النجوم، كما قالت المجوس لعنهم الله، و لا الملائكة، كما قالت مشركو العرب، { وَلَمْ يُولَدْ } لم يسكن الأصلاب، و لم تضمه الأرحام، و لا من شيء كان، و لا من شيء خلق ما كان { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يقول: ليس له شبيه و لا مثل و لا عدل، و لا يكافيه أحد من خلقه بما أنعم عليه من فضله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
- الطبرسي في (الاحتجاج)، قال: روى أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، ما معنى الأحد؟ قال: " المجمع عليه بالوحدانية، أما سمعته يقول:**{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ }** [العكبوت: 61] ثم يقولون بعد ذلك: له شريك و صاحبة! ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) | قال الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله تعالى. والمعنى: الذي سألتم تبيين نسبته: هو الله. و " أحد " مرفوع على معنى: هو أحد. المعنى: هو الله هو أحد. ويجوز أن يكون " هو " [للأمر]، كما تقول: هو زيد قائم، أي: الأمر زيد قائم. فالمعنى: الأمر الله أحد.
قرأتُ على الشيخين أبي البقاء اللغوي وأبي عمرو الياسري لأبي عمرو من رواية أبي خلاد عن اليزيدي عنه: " أحدُ الله " بضم الدال وصلتها باسم الله من غير تنوين ولالتقاء ساكنين.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } قال بعض المفسرين: الصمد: الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج. ويروى هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. يقال: صَمَدْتُ صَمْدَه؛ إذا قَصَدْتَ قَصْدَهُ.
وقال الزجاج: الصَّمَد: السيد الذي ينتهي إليه السُّؤدد.
قال الشاعر:
| **لقدْ بَكَّرَ النَّاعِي بخَيْرَي بني أسد** | | **بعمرو بن ميمونٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَد** |
| --- | --- | --- |
قال غيره: ومعنى هذا: أن السؤدد قد انتهى إليه، فلا سيد فوقه.
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والسدي: الصَّمَد: الذي لا جوف له.
قال ابن قتيبة: كأن الدال في هذا التفسير مبدلة عن تاء.
وحكى الزجاج والخطابي: أن الصَّمد: الباقي بعد فَنَاء خلقه.
قوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } تكذيب لليهود والنصارى في قولهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله.
والمعنى: " لم يلد "؛ لأنه لا يجانس حتى يكونه له صاحبة من جنسه فيتوالدان، ويدل عليه قوله في موضع آخر:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101]، " ولم يولد "؛ لأن كل مولود محدث وجسم، وهو تعالى منزه عن ذلك.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } قرأ حمزة: " كُفْواً " بسكون الفاء. وقرأ حفص: بالتثقيل وقلب الهمزة واواً، الباقون: بالتثقيل والهمز. وقد ذكرنا أنها لغات فيما مضى.
قال أبي بن كعب: المعنى: لم يكن له مثل ولا عديل.
قال مجاهد: لم يكن له صاحبة.
قال قتادة: لا يكافئه أحد من خلقه.
وفيه تقديم وتأخير، تقديره: لم يكن له أحد كفواً، لكنه راعى رؤوس الآي.
قرأتُ على أبي الحسن علي بن أبي بكر، أخبركم أبو الوقت فأقرَّ به.
وأخبرنا أحمد بن عبدالله العطار قال: أخبرنا أبو الوقت قال: أخبرنا الداودي، أخبرنا السرخسي، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي [فقوله]: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ) | لَمَّا بين تحال المشركين الظَّانّين بالله ظنّ السَّوء ووبالهم، نزه ذاته تعالى عما يصفون فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* قُلْ } لمن قال يقول لك: صف لنا ربك: { هُوَ }: أي: المسئول عنه، أو الشأن { ٱللَّهُ }: الذات المستجمع لصفات الكمال { أَحَدٌ }: مستجمع لنعوت الجلال، وتستعمل أحد في الاثبات مكان واحد لا تحادهما معنى { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }: المصمود إليه، أي: المقصود في كل الحوائج، وترك العطف لأنها كالدليل على الأولى، أو نتيجتها وعرَّفهُ دون أحد لعلمهم بصمديته دون أحديته { لَمْ يَلِدْ }: كريما، لأنه لم يجانس { وَلَمْ يُولَدْ }: كعيسى وعزير، لتنزهه عن الحدوث { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً }: مكافئا مماثلاُ { أَحَدٌ }: قدم الظروف لأنه أهم، وربط الثلاث بالعطف لأنها كجملة نافية للأمثال، والسورة تعدل ثلث القرآن، لأن مقصاده إما العقائد الإلهية أو الأحكام، أو القصص، وهي عين الثلث، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) | يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: أستجير بربّ الفلق من شرّ ما خلق من الخلق. واختلف أهل التأويل في معنى الفلق، فقال بعضهم: هو سجن في جهنم يسمى هذا الاسم. ذكر من قال ذلك: حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله، عمن حدثه عن ابن عباس قال: الفلق: سجن في جهنم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيريّ، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن رجل، عن ابن عباس، في قوله: { الفَلَقِ }: سجن في جهنم. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوّام بن عبد الجبار الجَوْلانيّ، قال: قَدِم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشأم، قال: فنظر إلى دُور أهل الذمة، وما هم فيه من العيش والنضارة، وما وُسَّعَ عليهم في دنياهم، قال: فقال: لا أبالك، أليس من ورائهم الفلق؟ قال: قيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم، إذ فُتح هَرّ أهل النار. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت السُّدِّيّ يقول: الفَلَق: جُبّ في جهنم. حدثني عليّ بن حسن الأزدي، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن السديّ، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ، مثله. حدثني إسحاق بن وهب الواسطيّ، قال: ثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطيّ، قال: ثنا نصر بن خْزَيمة الخراسانيّ، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ، عن أبي هُريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: **" الفَلَق: جبّ في جهنم مغطًّى "** حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا نافع بن يزيد، قال: ثنا يحيى بن أبي أسيد، عن ابن عجلان، عن أبي عبيد، عن كعب، أنه دخل كنيسة فأعجبه حُسنها، فقال: أحسن عمل وأضلّ قوم، رضيت لكم الفلق، قيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم إذا فُتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه. وقال آخرون: هو اسم من أسماء جهنم. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت خيثم بن عبد الله يقول: سألت أبا عبد الرحمن الحبلي، عن الفلق، قال: هي جهنم. وقال آخرون: الفلق: الصبح. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه. عن ابن عباس: { أعُوذُ برَبِّ الْفَلَقِ } قال: الفلق: الصُّبْح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، قال: أنبأنا عوف، عن الحسن، في هذه الآية: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قال: الفلق: الصبح.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبير، قال: الفلق الصبح. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران جميعاً، عن سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبير، مثله. حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جُبير، مثله. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: الفَلَق: الصبح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، مثله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو صخر، عن القُرَظِيّ، أنه كان يقول في هذه الآية: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } يقول: فالق الحبّ والنوى، قال: فالق الإصباح. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قال: الصبح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قال: الفَلَق: فَلقَ النهار. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: الفلق: فلق الصبح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قيل له: فَلَق الصبح، قال: نعم، وقرأ:**{ فالِقُ الإصْباحِ وَجاعِلُ اللَّيْلِ سَكَناً }** وقال آخرون: الفَلَق: الخلق، ومعنى الكلام: قل أعوذ برب الخلق. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { الفلق }: يعني الخلق. والصواب من القول في ذلك، أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول: { أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } والفلق في كلام العرب: فَلق الصبح، تقول العرب: هو أبينُ من فَلَق الصُّبح، ومن فَرَق الصُّبح. وجائز أن يكون في جهنم سجن اسمه فَلَق. وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن جلّ ثناؤه وضعَ دلالة على أنه عُنِي بقوله { بِرَبِّ الْفَلَقِ } بعض ما يُدْعَى الفلق دون بعض، وكان الله تعالى ذكره ربّ كل ما خلق من شيء، وجب أن يكون معنياً به كل ما اسمه الفَلَق، إذ كان ربّ جميع ذلك. وقال جلّ ثناؤه: { مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ } لأنه أمر نبيه أن يستعيذ من شرّ كل شيء، إذ كان كلّ ما سواه، فهو ما خَلق. وقوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } يقول: ومن شرّ مظلم إذا دخل، وهجم علينا بظلامه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم اختلف أهل التأويل في المظلم الذي عُنِي في هذه الآية، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه، فقال بعضهم: هو الليل إذا أظلم. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: الليل. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، قال: أنبأنا عوف، عن الحسن، في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: أوّل الليل إذا أظلم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا أبو صخر، عن القرظي أنه كان يقول في: { غاسِقٍ أذَا وَقَبَ } يقول: النهار إذا دخل في الليل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل المدينة، عن محمد بن كعب { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل، إذا وقب. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { غاسِقٍ } قال: الليل { إذَا وَقَبَ } قال: إذا دخل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: الليل إذا أقبل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: إذا جاء. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله { إذَا وَقَبَ } يقول: إذا أقبل. وقال بعضهم: هو النهار إذا دخل في الليل، وقد ذكرناه قبلُ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل المدينة، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل، إذا وجب. وقال آخرون: هو كوكب. وكان بعضهم يقول: ذلك الكوكب هو الثُّريا. ذكر من قال ذلك: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا سليمان بن حِبّان، عن أبي المُهَزِّم، عن أبي هريرة في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: كوكب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: كانت العرب تقول: الغاسق: سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها. ولقائلي هذا القول عِلّة من أثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو ما: حدثنا به نصر بن عليّ، قال: ثنا بكار بن عبد الله بن أخي هَمّام، قال: ثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: النجم الغاسق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال آخرون: بل الغاسق إذا وقب: القمر، ورووا بذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبراً. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن سفيان، قال: ثنا أبي ويزيد بن هارون به. وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم نظر إلى القمر، ثم قال: **" يا عائِشَةُ تَعَوَّذِي باللّهِ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ، وَهَذَا غاسِقٌ إذَا وَقَبَ "** ، وهذا لفظ حديث أبي كُرَيب وابن وكيع. وأما ابن حُمَيد، فإنه قال في حديثه: قالت أخَذَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: **" أتَدْرِينَ أيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ تَعَوَّذِي باللّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فإنَّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ "** حدثنا محمد بن سنان، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر. فقال: **" يا عائِشَةُ اسْتَعِيذِي باللّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فإنَّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ "** وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ { مِنْ شَرِّ غاسِقٍ } وهو الذي يُظْلم، يقال: قد غَسَق الليل يَغْسُق غسوقاً: إذا أظلم. { إذَا وَقَبَ } يعني: إذا دخل في ظلامه والليل إذا دخل في ظلامه غاسق، والنجم إذا أفل غاسق، والقمر غاسق إذا وقب، ولم يخصص بعض ذلك بل عمّ الأمر بذلك، فكلّ غاسق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب. وكان قتادة يقول في معنى وقب: ذهب. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: إذا ذهب. ولست أعرف ما قال قتادة في ذلك في كلام العرب، بل المعروف من كلامها من معنى وقب: دخل. وقوله: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } يقول: ومن شرّ السواحر اللاتي ينفُثن في عُقَد الخيط، حين يَرْقِين عليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: ما خالط السِّحر من الرُّقَى. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن عوف، عن الحسن { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: السواحر والسَّحَرة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: إياكم وما خالط السِّحر من هذه الرُّقَى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: ما من شيء أقرب إلى الشرك من رُقْية المجانين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول إذا جاز { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي العُقَدِ } قال: إياكم وما خالط السحر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد وعكرِمة { النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: قال مجاهد: الرُّقى في عُقَد الخيط وقال عكرِمة: الأخذ في عقد الخيط. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ شَرّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: النفاثات: السواحر في العقد. وقوله: { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ }: اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ حسده به، فقال بعضهم: ذلك كلّ حاسد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ عينه ونفسه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ } قال: من شرّ عينه ونفسه، وعن عطاء الخُراساني مثل ذلك. قال مَعْمر: وسمعت ابن طاوُس يحدّث عن أبيه، قال: العَينُ حَقٌّ، وَلَو كان شَيءٌ سابق القَدرِ، سَبَقتْه العَينُ، وإذا اسْتُغْسِل أحدُكم فَلْيَغْتَسل. وقال آخرون: بل أُمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يستعيذ من شرّ اليهود الذين حسدوه. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ } قال: يهود، لم يمنعم أن يؤمنوا به إلا حسدهم. وأولى القولين بالصواب في ذلك، قول من قال: أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ كلّ حاسد إذا حسد، فعابه أو سحره، أو بغاه سوءاً. وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب، لأن الله عزّ وجلّ لم يخصص من قوله { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ } حاسداً دون حاسد، بل عمّ أمرُه إياه بالاستعاذة من شر كلّ حاسد، فذلك على عمومه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|